فالقاضي يلتزم بنظر الدعاوى التي تسند إليه باعتباره يؤدي وظيفة إلزامية لا يستطيع النكول عنها. أما في التحكيم فيجب أن يقبل «المحكم القيام بمهمته كتابة، ويجب عليه أن يفصح عند قبوله عن أية ظروف من شأنها إثارة شكوك حول استقلاله أو حيدته» (المادة ۳/۱۱ من قانون التحكيم المصرى). ووفقا للنص المصرى يلتزم المحكم لدى قبوله المهمته التزاما مزدوجة:
- قبول المهمة كتابة، حيث لا يصح القبول الشفهي.
والذي يبدو رغم ذلك أن «الكتابة في هذا المقام هي مجرد وسيلة للإثبات، وليست شرطا لصحة التحكيم أو صحة إجراءاته، القصد منها مجرد تفادي كل نزاع قد ينشأ في المستقبل بصدد حصول القبول أو عدم حصوله. وعلى هذا النحو فإذا كانت به أو القرائن لا تكفي لإثبات قبول المحكم، فإن شروعه في القيام بالمهمة أو همه بالفعل قاطع في الدلالة على قبوله لها، كما لو دعا الخصوم مثلاً إلى الحضور أمامه في تاريخ معين لتقديم طلباتهم ودفاعهم ومستنداتهم، ثم إنه يجوز دائما إثبات قبول المحكم للتحكيم بالإقرار أو اليمين الحاسمة».
- الإفصاح عن أية ظروف تثير الشكوك حول استقلاله أو حيدته. وقد يتصورألا تشمل الظروف المشار إليها الأسباب الضريحة للتنحي، إذ لو توافر أحد هذه الأسباب، لتعين على المحكم التنحي من تلقاء نفسه، وإنما المقصود الظروف التي لا ترقى إلى الجدية لأن تصلح سببة للتنحي كالمعرفة غير العميقة لأحد الطرفين مثلا.
لا يتصور أن يفرض النزاع على المحكم الإلكتروني دون موافقته. فإذا كان نظام التحكيم يشهد بصفة عامة منافسة بين المحكمين، لما يمتاز به من مكاسب مادية، فإن الأمر في النهاية يتوقف على رغبة المحكم فيما إذا كان يريد تقلد الفصل في النزاع من عدمه. فإذا كانت إجابته بالنفي تعين البت عن محكم آخر. أما إذا أعلن رغبته في العمل كمحكم، خضع لنفس الالتزامات و التي يخضع لها المحكم التقليدي، ولذا فقد تقرر أنه:
- يجب على كل محكم أن يكون، وأن يظل، مستقلا في مواجهة الأطراف.
- يتعين على المحكم قبل ممارسة عمله أن يظن السكرتارية بإخطار الحيدة والنزاهة une declaration d'independence et d'impartialite مفصحاً عن أية شكوك أو وقائع من شأنها أن تؤثر على استقلاله في مواجهة الأطراف.
- يمتد التزام المحكم أيضا ليخطر السكرتارية بأية وقائع من هذا النوع تنشأ أو تنمى إلى علمه بعد تقلده مهام عمله. فالمحكم الإلكتروني يجب أن يكون - وأن يظل - مستقلا حتى تمام الفصل في الدعوى. فمن شأن الشكوك المذكورة أن تؤثر على عقيدة المحكم، ولذا يجب انتفاؤها ليس فقط وقت قبوله لمهمته، وإنما - ومن باب أولى - في جميع مراحل الدعوى وخاصة وقت إعداد الحكم الإلكتروني والنطق به.
- لإدخال الطمانينة على نفوس الأفراد، وللاستفادة من ميكنة نظام التحكيم بمقتضى الوسائل الحديثة، فإنه يتعين على السكرتارية أن تقوم بنشر إخطار الحيدة والنزاهة على الموقع الإلكتروني للدعوى.
ويمتاز النص الأمريكي بطابعه التفصيلي التوسعي، ويلاحظ عليه ما يأتي: )
لم يشترط كسابقه - وعلى خلاف النص المصرى - أن يعلن المحكم عن قبوله القيام بمهامه كتابة أو حتى شفاهة. ورغم ذلك، فلاشك أن إخطار االحيدة والنزاهة يعني على سبيل القطع قبول المحكم الإلكتروني الفصل في الدعوى.
3- لا يقتصر نطاق الشكوك التي قد تؤثر على حيدة المحكم واستقلاله على العلاقة بين المحكم وطرفي النزاع فقط، وإنما تمتد كذلك - بصريح النص - للعلاقة بين المحكم وممثلي الطرفين. فوجود میل شخصی (كعلاقة ص داقة أو نسب أو مصاهرة) أو مصالح مالية (مثل الشراكة في شركة أشخاص أو أموال بين المحكم ومحامي أحد الطرفين مثلا لا تقل أهمية عن وجود هذا الميل أو تلك المصالح بين المحكم وأحد أطراف النزاع أنفسهم، إذ يظل الأمر مثيرة للشك في جميع الأحوال.
4- ليس المحكم - في مفهوم النص - هو المصدر الوحيد -رعلی الرغم من أن هذا هو المعتاد - للحصول على المطومات التي قد تؤثر على حيدة هذا الأخير واستقلاله، وإنما يجوز للجمعية الحصول على هذه المعلومات من جهات أخرى. ويتصور ذلك مثلا عندما يكون المحكم قد قام بعدد من التحكيمات في رحاب بعض المؤسسات التحكيمية الأخرى، فيمكن للجمعية الاستعلام من هذه المؤسسات عن صفات المحكم وأسلوب إدارته للدعوى.
5- تلتزم الجمعية بإخطار الأطراف بجميع المعلومات التي نمت إلى علمها بخصوص استقلال المحكم وحيدته، وبغض النظر عن مصدرها، هل المحكم الإلكتروني ذاته أم الغير. ولم يبين النص - على عكس تنظيم محكمة الفضاء - طريقة إخطار الأطراف بهذه المعلومات، وهل يتحقق بالنشر على موقع الدعوى؟ أم يلزم اللجوء للوسائل التقليدية؟ يبرر إغفال نص المادة 16 النشر على موقع الدعوى أن هذا النص مستمدة من القواعد التي وضعتها.
6- يمكن للجمعية إخطار المحكم الإلكتروني ذاته والغير بالمعلومات المتعلقة بحيدته واستقلاله. وقد يبدو هذا الحكم مثيرة للدهشة في شقه الأول؛ إذ كيف يخطر المحكم بالمعلومات التي قد يكون هو ذاته مصدرا لها؟ سريعا ما تزول هذه الدهشة إذا أدركنا أن مصدر هذه المعلومات قد يكون هو الغير، ومن ثم يبدو من اللازم معرفة رد المحكم بصددها. ولا يثير الشق الثاني من هذا الحكم أية مشكلة، فمن المتصور أن يكون هناك تعاون بين الجمي وبعض الهيئات الأخرى في مجال التحكيم المؤسسي بشأن تبادل المعلومات المتعلقة بالمحكمين، لذا رخص لها النص إمكانية الإفصاح عنها، لتصبح هي الغير فيما يتعلق بالإفصاح عن هذه المعلومات كما سبق أن كانت هه المؤسسات هي الغير بالنسبة للجمعية في أحوال مماثلة.
يتضح لنا أن المحكم الإلكتروني كالمحكم التقليدي، يجب أن يكون مستقلا تمام الاستقلال عن أطراف النزاع وممثليهم، بل إن أحكام التنظيمات المنظمة للتحكيم الإلكتروني تعد - كما بدا لنا - أكثر تطور وتفصيلاً من أحكام القوانين المنظمة التحكيم التقليدي في هذا الخصوص.