الخدمات

ابواب التحكيم الرئيسية
  • المحكم وهيئة التحكيم / المحكم - هيئة التحكيم / المجلات العلمية / مجلة التحكيم العالمية العدد 47-48 / دور أمانة سرهيئة التحكيم في العملية التحكيمية دراسة تحليلية من الجانبين التشريعي والتطبيقي في الدول العربية

  • الاسم

    مجلة التحكيم العالمية العدد 47-48
  • تاريخ النشر

  • عدد الصفحات

  • رقم الصفحة

    181

التفاصيل طباعة نسخ

مقدمة:

- إهتمت جميع تشريعات التحكيم العربية بالنصوص المتعلقة بتشكيل هيئة التحكـيـم والـشروط الواجب توافرها في المحكم وغيرها من المواد المرتبطة بالمحكم وعلاقته بأطراف النزاع. إلا أن الوضع مختلف فيما يتعلق بتناول الأشخاص المعاونين لهيئة التحكيم كالخبراء والمترجمين، ونخص بالذكر أمانة سر هيئة التحكيم أو ما يطلق عليه البعض تسمية سكرتارية هيئة التحكيم، إذ تستعين هيئة التحكيم في أغلب الأحوال بأشخاص لمعاونتها على إتمام مهمتها وإصدار حكم تحكيم منه للخصومة، منهم من هم بصفة مؤقتة خلال إجراءات التحكيم كالخبراء والمترجمين، ومنهم من هم بصفة دائمة خلال الإجراءات كأمانة سر الهيئة.

- ونظراً لأهمية الدور الذي يقوم به أمين سر هيئة التحكيم في العملية التحكيمية، حيث إن الواقع العملي في التحكيم غير المؤسسي (التحكيم الخاص أو الحر) أثبت أن الإستعانة بأمانـة سـر لهيئة التحكيم يذلل العديد من الصعوبات الإجرائية واللوجستية من حيث التنسيق بين الأطراف والهيئة أو الهيئة والخبراء والشهود أو الأطراف الثالثة كالمترجمين على سبيل المثال، أرتأينا التعرض للدور المهم الذي يقوم به أمين السر الذي يعد دوراً حيوياً في العملية التحكيمية (من حيث الإجراءات) بحيث يتعين التعرض لهذا الدور الهام والذي يندر فيه التنظيم التشريعي أو اللائحي أو الفقه العربي، ومن ثم فقد آثرنا أن نستعرض كل ما هو متعلق بأمانة سر الهيئة من حيث التعريف بها والشروط الواجب توافرها فيها والقوانين أو اللوائح التي تنظم عملها وحدود مسؤولياتها والتفرقة بينها وبين سكرتير المحكمة (أي محكمة الدولة) وأتعابها وذلك من خلال إستعراض النصوص التي نظمت دور أمانة السر.

ألتشريعات وقواعد التحكيم العربية:

- بإستعراض جميع التشريعات العربية الصادرة في شأن التحكيم، لم نجد أي تشريع تحكيم تعرض إلى تنظيم دور أمانة سر هيئة التحكيم، ولعل ذلك راجع إلى عـدم إشـتراط أي مـن التشريعات ضرورة تعيين أمين سر لهيئة التحكيم – على عكس الحال في القوانين المنظمـة للتقاضي أمام محكمة الدولة – حيث أن إدارة عملية التحكيم وإصدار حكماً منهياً للخصومة هو أمر منوط به إلى هيئة التحكيم وحدها بصرف النظر عن الأشخاص المعاونين للهيئة – ومـن بينهم أمانة السر - ومن ثم فقد أرتأى المشرع في البلدان العربية عدم النص على تنظـــيم دور أمين سر الهيئة وترك ذلك الأمر إلى هيئة التحكيم والأطراف الذين يقـرروا مـا إذا دعـت الحاجة إلى تعيين أمين سر للهيئة أم لا.

- بإستعراض قواعد التحكيم الصادرة عن مراكز التحكيم العربية، فإننا نجد عدداً ضئيلاً من تلك القواعد نظم دور أمانة سر هيئة التحكيم، منها على سبيل المثال ألقواعد الصادرة عن المركز السعودي للتحكيم التجاري بعنوان "لائحة عمل أمناء الستر" الصادرة في 2016 والمكونة من 27 مادة، حيث إستعرضت تلك القواعد كيفية تعيين أمين السر وواجباته ومسؤولياته وإعفائـه من مهامه وأتعابه والمحظورات التي يتعين الإبتعاد عنها. - وكذلك قواعد التحكيم الصادرة عن غرفة البحرين لتسوية المنازعات2 حيت نصت المادة (13) من القواعد على أنه في حالة رغبة هيئة التحكيم في تعيين أمين سر إداري في أي وقت أثناء سير التحكيم، وجب على الهيئة تزويد الغرفة والأطراف ببيانات أمين السر وهي عبارة عـن الإسم والعنوان البريدي والبريد الإلكتروني ورقم الهاتف وبيان عن مؤهلاته (السيرة الذاتيـة) ومقترح أتعابه عن دوره في التحكيم كأمينا للسر وبيان لمهامه. وفي حالة تعيين أمين الـسـر، بعد موافقة كتابة من الغرفة والأطراف وإقراره بحياده وإستقلاله، فإن هيئة التحكـيم تكـون مسؤولة عن تصرفاته المتعلقة بإجراءات التحكيم. هذا وقد نظمت القواعد مسألة طلب رد أمين الستر لإفتقاده أحد عنصري الحيدة أو الإستقلالية حيث تنطبق عليه ذات المواد المنظمة للحياد والإستقلال الخاصة بالمحكم.

- وتجدر الإشارة إلى وجوب التفرقة بين أمانة سـر هيئـة التحكـيم Tribunal Secretary وبين سكرتارية مركز التحكيم Secretariat، حيث إن الأول يـتم تعيينـه مـن قبـل هيئـة التحكيم بغرض تولى الأمور الإدارية وكتابة محاضر الجلسات وتـولى المراسـلات بـين أعضاء هيئة التحكيم وطرفي التحكيم مؤقتاً لحين صدور حكم التحكيم وغيرهـا مـن المـهـام الإدارية، في حين أن سكرتارية مركز التحكيم تعد إحدى الوحدات الإدارية التابعـة لمركـز التحكيم بشكل دائم تختلف مهامها من مركز لآخر حسب التنظيم المنصوص عليه في قواعـد كل مركز.

- نصت المادة (41) من قواعد مركز قطر الدولي للتحكيم على وجوب إلتزام أمين سـر هيئـة التحكيم بالمحافظة على سرية جميع أحكام التحكيم والقرارات وجميع المستندات المقدمة مـن الأطراف أثناء إجراءات التحكيم إلا أن تلك القواعد لم تتطرق إلى تنظيم دور أمانة سر هيئة التحكيم على نحو يوضح حدود مهام أمانة الشر ومسؤولياتها. وهو ذات الأمـر فـي قواعـد التحكيم الصادرة عن مركز القاهرة الإقليمي للتحكيم التجاري الدولي التي نـصـت علـى ذات الإلتزام في المادة (40).

- تجدر الإشارة إلى أن من بين القواعد التي تناولت تنظيم عمل أمين سر هيئة التحكيم، مـسـودة قواعد التحكيم التابعة لمركز عمان للتحكيم التجاري، إذ تناولت المادة (18) من مسودة قواعد المركز دور أمين سر هيئة التحكيم في العملية التحكيمية ومسؤولياته وحقوقه وكيفيـة تعيينـه والإعتراض على التعيين.

- كذلك تناولت اللائحة الصادرة عن بورصة فلسطين دور أمين سر هيئة التحكيم تحت عنـوان: "نظام فض المنازعات والتحكيم" حيث جاء في المادة الأولى تعريـف أمـين الـسـر بأنـه "الشخص الذي يتم تحديده من قبل رئيس لجنة ضبط المخالفـات أو رئيس هيئـة التحكـيم للمساعدة في إدارة الدعاوى، والذي قد يكون موظف السوق المعني بطلبـات العـضوية، أو المعني بطلبات الإدراج، أو أحد موظفي الدائرة القانونية" ونظمت المواد 65 وما بعدها المهام المسندة إليه أثناء إجراءات العملية التحكيمية.

- تأسيساً على ما سبق، وحيث تبين غياب التنظيم التشريعي لدور أمانة سر هيئة التحكـيم، وأن عدداً قليلاً من مراكز التحكيم العربية تناولت دور أمين الستر، وحيث إن الغاية من هذا البحث هو إستعراض دور أمانة سر هيئة التحكيم في التحكيم الخاص (غير المؤسسي)"، فإننا سوف نستعرض ذلك الدور من خلال بحث المسائل الآتية:

   1- تعريف أمين سر هيئة التحكيم.

   2- مهام أمين السر ومسؤولياته وحقوقه.

   3- التفرقة بين أمين سر هيئة التحكيم وسكرتارية مركز التحكيم.

   4- التفرقة بين أمين سر هيئة التحكيم وسكرتارية محكمة الدولة (ألقضاء).

   5- الشروط الواجب توافرها في أمين سر هيئة التحكيم.

   6- تقييم دور أمين السر في العملية التحكيمية.

أولا- تعريف أمين سر هيئة التحكيم:

- نظراً لعدم وجود تنظيم تشريعي لأمين سر هيئة التحكيم، فلا يوجد تعريف محدد لأمين سر الهيئة، إلا أنه من خلال الإطلاع على طبيعة عمل أمانة الستر وبإستقراء المواد الواردة في قواعد مراكز التحكيم التي نظمت عمل أمين السر، فإنه من الممكن تعريف أمين السر بأنه: "الشخص الذي يتم تعيينه من قبل هيئة التحكيم بموافقة طرفي النزاع وذلك من أجل تـولي المهام الإدارية المتعلقة بإجراءات التحكيم وتولي مهمـة التواصـل بـين هيئـة التحكـيم والطرفين وإستلام وتسليم جميع المذكرات المتبادلة في التحكيم". ومن ثم فإنه يتـضـح مـن هذا التعريف أن مهام أمين السر – والذي من الممكن أن يكون شـخص واحـد أو أكثـر حسب مقتضيات العمل التحكيمي – هي مهام إدارية وليست فنية، فهو إذن لا يدخل فـي تشكيل أعضاء هيئة التحكيم ولا يمكن بأية حال من الأحوال إعتباره جـزءا مـن تـشكيل الهيئة وهو الأمر الذي يستتبع عدم إشتراكه في جلسات المداولة بين أعضاء هيئة التحكـيم أو الإشتراك في صياغة حكم التحكيم (اللهم إلا لطباعة الحكم علـى الحاسـب الآلـى) أو التوقيع عليه؟.

ثانياً- مهام ومسؤولية وحقوق أمين سر هيئة التحكيم:

- حسبما تبين من التعريف أعلاه، فإن أمين سر هيئة التحكـيم (فـي التحكـيـم الخـاص غيـر المؤسسي) يتم تعيينه بغرض تولي المهام الإدارية المتعلقة بإجراءات التحكيم لمعاونـة هيئـة التحكيم في تنظيم عملها بدءا من كتابة محاضر الجلسات مروراً حتى تسليم أطراف التحكـيم من الحكم. وبالتالي فإننا نوجز فيما يلي مراحل عمل أمانة الشر والتي تتضمن مهامـه وذلك على النحو الآتي:

 • عادة عند تمام تشكيل هيئة التحكيم (سواء كانت هيئة مشكلة من محكم فرد أو هيئة ثلاثية أو أكثر) وأثناء جلسة الإجراءات الأولى والتي يتم فيها الإتفاق على جميع إجراءات التحكيم من ناحية اللغة والقانون الواجب التطبيق على موضوع النزاع ومكان إنعقاد جلسات التحكيم وغيرها من البنود الإتفاقية (والتي يطلق عليها عادة باللغة الإنجليزية ”Terms of Reference “TOR أو وثيقة المهمة) فإنه قد يتم الإتفاق أيضاً على تعيـين أمين سر لهيئة التحكيم بحيث تقوم الهيئة بإقتراح إسم معين وتطلب من أطـراف التحكـيم ألموافقة على تعيينه.

• لا يشترط إبرام وثيقة منفصلة لتعيين أمين السر لتحديد إلتزاماته وحقوقه، إذ قد يتم الإتفاق على ذلك في محضر الجلسة الإجرائية الأولى أو إبرام وثيقة مستقلة بحيث يكون طرفيهـا أمين السر وهيئة التحكيم ولا يكون طرفا التحكيم طرفاً فيها. حيث إن الأصل أن تقوم هيئة التحكيم ذاتها بتنظيم إجراءات التحكيم، ومن ثم إذا رأت ضرورة الإستعانة بأمانة سر، فإنّ ذلك يكون على مسؤوليتها وبموافقة الأطراف، وبالتالي ففي حال الرغبة في إبـرام وثيقـة تعيين أمين سر الهيئة، فإننا نرى أن طرفي تلك الوثيقة يكون كل من هيئة التحكيم وأمـين السر.

• عند تمام تعيين أمين الستر، يتولى بنفسه كتابة محضر الجلسة حيث يتلقى ما يمليـه عليـه رئيس هيئة التحكيم ويقوم بكتابته في المحضر (سواء عن طريق الكتابة بخط اليد أو مـن خلال الطباعة على الحاسب الآلي) وفي نهاية الجلسة تقوم هيئة التحكـيم وأمـيـن الـسر وأطراف التحكيم بالتوقيع على المحضر، حيث يتولى أمين السر تسليم كل طرف صـورة من المحضر.

• يتعين على أمين السر أن يحتفظ بسجل خاص لملف التحكيم (سجل ورقي أو إلكترونـي أو كليهما) بحيث يحتفظ فيه بجميع المراسلات والخطابات المتبادلة بين الهيئة والأطراف حتى يمكن الرجوع إلى أي منها بسهولة في أي وقت.

• يتعين على أمين سر هيئة التحكيم أن يخصص الوقت الكافي للقيام بمهامه المتفـق عليهـا نظراً لأهمية الدور الذي يقوم به وأن يتابع بنفسه جميع الإجراءات والمواعيد المتخذة مـن قبل هيئة التحكيم.

• من الممكن أن يتم الإتفاق على تسليم نسخة إضافية من المذكرات والمستندات إلى أمانة سر هيئة التحكيم (إذ عادة يتم تسليم صورة من المذكرات والمستندات إلى كـل عـضو مـن أعضاء هيئة التحكيم وإلى الخصم "يتم عادة تسليم أصل المذكرة أو الصحيفة إلى رئـيس الهيئة") ومن ثم فإنه يتعين على أمين السر عند إستلامه للمـذكرات والمستندات واجـب فحص المذكرات والمستندات من حيث مطابقتها لعدد النسخ المتفق عليه وكـذلك مراجعـة المستندات من حيث تطابقها مع ما هو مذكور في حافظة المستندات ومن ثم يقوم بتسليم صورة منها إلى كل عضو من أعضاء هيئة التحكيم وإلى الطرف الآخر. أما في حالة إتفاق الأطراف على الإكتفاء بالنسخة الإلكترونية دون الورقية من الصحف والمذكرات وتبادلهـا مع الهيئة والطرف الآخر، فإن دور أمين السر في هذا الأمر يتقلص، ما لم يكـن الإتفـاق على أن يقوم الطرف بإرسال المذكرات والمستندات بداءة إلى أمين السر فقط والذي بدوره يقوم بإعادة إرسال تلك المذكرات والمستندات إلكترونياً إلى كل عضو من أعـضاء هيئـة التحكيم والطرف الآخر. .

• كذلك يتولى أمين السر مهمة إبلاغ الأطراف جميع قرارات هيئة التحكيم ومتابعة تنفيذ تلك القرارات وتذكير الهيئة بالمواعيد إذا تطلب الأمر.

• من بين الأمور التي قد يعهد بها إلى أمين السر هي عمـل الترتيبات اللازمـة لإنعقـاد الجلسات (سواء بشكل شخصي أو إفتراضي كما هو حاصل في كثير من الأحيـان حاليـاً بسبب تفشي جائحة فيروس كورونا المستجد والإعتماد بشكل كبير على جلسات التحك الإفتراضية) على سبيل المثال حجز القاعة وتنظيمها والترتيبات اللوجستية الضرورية كالتجهيزات الأولية في حالة اللجوء إلى التواصل مع أحد من أطراف النزاع أو الشهود أو الخبراء من خلال الإتصال بالفيديو (Video Conference) ويكون ذلك بالتنسيق مع هيئة التحكيم وطرفي النزاع.

• تجدر الإشارة في هذا الخصوص إلى أن مهام أمين سر هيئة التحكيم هي إجرائية وتنظيمية فقط، ولا تتعدى تلك الحدود. ومن ثم فلا يطلب من أمين السر التدخل في أي مـن أمـور التحكيم الفنية المتعلقة بموضوع النزاع، ويجب على أمين السر الإمتناع عن التدخل فـي النزاع سواء من خلال الإدلاء برأيه أو أن يقترح إجراء معين، إذ أن هذا الأمـر مـتـروك بالكامل لهيئة التحكيم التي إختارها طرفي النزاع لتفصل في النزاع وفقاً لمعايير وشـروط متفق عليها. إذ أن تدخل أمين السر في النزاع هو أمر غير مقبول ولا يتعين أن تسمح بـه هيئة التحكيم حيث يعد ذلك إنتقاص من سلطة هيئة التحكيم في إدارة النزاع التحكيمي. كما أننا نرى أنه في حالة تدخل أمين سر هيئة التحكيم في عمل هيئة التحكيم الفني – بموافقـة منها – وصدر حكم بناءا على ذلك التدخل، فإن ذلك قد يعد سبباً لبطلان حكم التحكيم إذا ما بلغ ذلك التدخل إلى علم أي من طرفي التحكيم وكان من الممكن إثباته، حيث يعـد ذلـك إخلالا بواجبات وإلتزامات المحكم. كما أنه قد يسائل كل من من هيئـة التحكـيم وأمـين السر في حالة ثبوت تدخل الأخير في جلسات المداولة أو في حكم التحكيم إذا ما ثبت هـذا التدخل.

- وفيما يتعلق بمسؤوليات أمين السر، فإننا نرى أنه نظراً لطبيعة عمل أمين السر وإطلاعه على إجراءات التحكيم بحكم دوره (المؤقت) وكذلك المذكرات والمستندات ومـا تتـضمنه مـن معلومات متعلقة بإجراءات تحكيم جار، فإننا نرى أنه يتعين على أمين السر الإلتـزام بـذات الإلتزامات الملقاة على عاتق هيئة التحكيم من حيث واجب الحيطة وعدم إفشاء أي أسـرار أو معلومات نمت إلى علمه بسبب دوره كأمين للنشر سواء أثناء إجراءات التحكيم أو حتـى بعـد صدور حكم التحكيم، وكذلك واجب الإحتفاظ بكامل المستندات والمذكرات المقدمة في التحكيم وعدم السماح بإطلاع الغير عليها. وبالتالي فإننا نرى أنه في حالة مخالفة ذلك الإلتزام، فـإن أمين السر يعد مسؤولاً عن أية أضرار قد تلحق الطرف الذي يدعي ذلـك حـسب القواعـد المعمول بها في المسؤولية المدنية. حيث تعد هيئة التحكيم مسؤولة بالتضامن مع أمين الـسر في حالة إخفاقه عن أداء المهام الموكولة إليه ولا يمكن أن تتنصل من مسؤوليتها عن أعمالـه طالما كانت مرتبطة بعمله كأمين للسر.

- أما فيما يخص حقوق أمين السر، فإن أول تلك الحقوق هو الحق في الحصول علـى أتعـاب نتيجة عمله كأمين للسر وعادة يتم الإتفاق على تلك الأتعاب مقدماً مع أتعاب هيئـة التحكـيم. وتجدر الإشارة أن أتعاب أمين السر تختلف عن المصروفات الإدارية، حيث إن الأولى تستحق لأمين السر نتيجة للجهد الذي يقوم به خلال إجراءات التحكـيم وتسدد مباشـرة لـه. أمـا المصروفات الإدارية فإن المقصود بها هي تلك المبالغ التي تسدد لتغطيـة نفقـات التحكـيم الخاصة بالهيئة كمصاريف الإنتقالات والسفر والإقامة (إذا دعت الحاجة) ومصاريف حجـز قاعة إنعقاد الجلسات ومصاريف خدمات الترجمة ومصاريف طباعة محاضر الجلسات من قبل شركات طباعة المحاضر المتخصصة Transcription Services Provider.

- أما فيما يتعلق بحصانة أمين الستر، فإن هذا الأمر لا نرى له مجال للتطبيق حيـث إن مـسألة الحصانة مختلف عليها فيما يتعلق بهيئة التحكيم ذاتها التي تقوم بالعمل الفني وإصـدار حكـم التحكيم. أما أمين سر الهيئة فإن دوره يقتصر على العمل الإداري المعاون لهيئة التحكيم ومن ثم فإننا نرى أنه لا مجال للحديث عن حصانة أمين السر أثناء إجراءات التحكيم.

ثالثاً- التفرقة بين أمين سر هيئة التحكيم وسكرتارية مركز التحكيم:

- رأينا سابقاً الدور الذي يقوم به أمين السر ومهامه ومسؤولياته تجاه هيئة التحكـيم وأطـراف النزاع، حيث إن أهم ما يميز الدور الذي يقوم به أمين سر الهيئة هو أن عمله الإداري مؤقت ينتهي بإنتهاء التحكيم (سواء بصدور الحكم أو إنهاء الإجراءات أو غيرها من الأسباب الأخرى لإنتهاء إجراءات التحكيم) ومن ثم فإن عمله ذو طبيعة مؤقتة ومحدودة، وذلك علـى عكـس سكرتارية مراكز التحكيم التي هي وظيفة دائمة مرتبطة بمركز التحكيم ذاتـه ومـشكلة قبـل تشكيل هيئة التحكيم ولا يتوقف تشكيلها على قبول الهيئة أو طرفي التحكيم، وتتولى سكرتارية المركز عدة مهام تختلف بإختلاف قواعد كل مركز تحكيم، إلا أنه عـادة تتـولى سـكرتارية المركز مهمة التواصل بين أعضاء هيئة التحكيم والأطراف وإستلام وتسليم طلبـات التحكـيم والصحف والمذكرات (سواء ورقياً أو إلكترونياً). وتختلف تسمية سكرتارية مركز التحكيم من قواعد تحكيم إلى أخرى، حيث قد تسمى سكرتارية مركز التحكيم أو المسؤول الإداري أو المركز أو كاتب محكمة التحكيم، وفي التسمية الأخيرة يقول الدكتور عبد الحميد الأحدب في مؤلفه بعنوان "موسوعة التحكيم الدولي" أنه في المحكمة التحكيمية عمل إداري ضخم يقوم بـه المحكمون أو المحكمة التحكيمية من جمع المستندات وتأمين الإتصالات بين المحكمـيـن إلـى كتابة الرسائل إلى تأمين إتصال المحكمة التحكيمية بأطراف النزاع إلى الإتصال بهم والتوافق على مواعيد الجلسات ثم تدوين جلسات المحاكمة. وهذا كله يقوم به كاتب المحكمة التحكيميـة الذي يصبح حجر الزاوية في الإتصالات وفي جلسات المحاكمة التي حضرها، ويدون كل ما يحصل فيها سواء تم التدوين عن طريق التسجيل على آلة التسجيل، فيقوم بتفريغ الـشريط أو يجمع ما سجله الإختزال من أقوال. وإذا كان التحكيم تحكيم حالات خاصـة، يفـتح حـساباً مصرفياً ويديره تحت إشراف رئيس المحكمة التحكيمية. ولكنه محظور على الكاتب حـضور جلسات المذاكرة تحت طائلة إبطال الحكم التحكيمي إذا شارك الكاتـب مـع المحكمـيـن فـي المذاكرة بشأنه. والملاحظ أن الحاجة إلى كاتب في التحكيمات النظامية التابعة لمركز تحكيمي هي أقل بكثير منها في تحكيمات الحالات الخاصة ad hoc لأن مراكز التحكيم تقـوم بـجـزء كبير من أعباء كاتب المحكمة كطلب تحويل رسوم التحكيم من الأطراف، وإيجاد مكان للتحكيم في بلد التحكيم ومع ذلك يبقى الكاتب من ضرورات التحكيمات الكبرى.

- وأخيراً فإن أتعاب أمين سر هيئة التحكيم تختلف عن أتعاب سكرتارية المركز، حيث إن أتعاب أمين سر هيئة التحكيم تكون بالإتفاق معه ويصدر بشأنها قرار من الهيئة أو رئيسها، في حين أن أتعاب ومصاريف سكرتارية مركز التحكيم تكون محددة سلفاً في قواعد المركز أو علـى الأقل تكون نسبة محددة من المبالغ المطالب بها في النزاع التحكيمي.

رابعاً- التفرقة بين أمين سر هيئة التحكيم وسكرتارية محكمة الدولة (ألقضاء):

- حسبما رأينا سابقاً، فإن تعيين أمين سر لهيئة تحكيم هو أمر إختياري لهيئة التحكيم والأطراف وليس وجوبيا تلزم به، ومن ثم فمن الممكن لهيئة التحكيم عدم الإستعانة بأمين الــر لـتـسيير وتنظيم الأعمال والإجراءات الإدارية إذا ما دعت الحاجة إلى ذلك، بحيث يتولى رئيس هيئـة التحكيم تلك العملية برمتها. أما في خصوص سكرتارية محكمة الدولـة (ألقـضاء) فـالأمر مختلف. حيث إن وجود سكرتير للجلسة هو أمر لازم بموجب القوانين المنظمـة للإجـراءات المتبعة أمام المحكمة، ويعتبر عدم وجود سكرتير للجلسة سبباً مـن أسـباب بطـلان الحكـم (الحكم القضائي)، وكذلك عدم التوقيع على محاضر الجلسات أو الحكم سبباً من أسباب بطلان الحكم.

- أما في خصوص الأتعاب، فإن أتعاب أمين سر هيئة التحكيم يتم الإتفاق عليها وسـدادها إليـه مباشرة كما بينا سألفاً، إلا أن الأمر مختلف لسكرتير المحكمة حيث إنه موظف عمومي معين من قبل الدولة يتقاضى راتباً شهرياً، ومن ثم فهو لا يحصل على مقابل مـالي بمناسـبـة كـل قضية يتولى فيها مهمة الأعمال الإدارية.

 - وفي مسألة الإمتيازات، فإنه كما بينا أن أمين سر هيئة التحكيم لا حصانة له بسبب دوره فـي العملية التحكيمية، بعكس سكرتير المحكمة الذي يعد موظفاً عمومياً لديه من الإمتيازات ما هو مقرر للموظفين العموميين.

خامساً- ألشروط الواجب توافرها في أمين سر هيئة التحكيم:

- نظراً للفراغ التشريعي المتعلق بتنظيم دور أمين سر هيئة التحكيم، فلا يوجد شـروط يتطلـب توافرها في شأن أمين سر الهيئة، نظراً لأن المشرع لم يشترط ضرورة تعيين أمين سر للهيئة من الأصل، فبالتبعية لا توجد إشتراطات معينة في الشخص الذي يتولى مهمة أمانة السر. إلا أنه من الممكن أن يشترط طرفي التحكيم شروط معينة في الشخص الذي يتولى تلك المهمـة نظراً لأهميتها وحساسية الدور الذي يقوم به من الإطلاع على مستندات ومذكرات ومعلومات تجارية أو صناعية أو غيرها من المعلومات التي تخص طرفي النزاع مما يتطلب معه حـسـن إختيار الشخص الذي يتولى مهمة أمانة سر الهيئة.

- ويمكن الإستشهاد بذات الشروط المتطلبة في شخص المحكم والتي أهمها أن يكون كامل الأهلية وألا يكون قد حكم عليه في جناية أو جنحة مخلة بالشرف والأمانة إلا إذا رد إليه إعتباره. إلا أنه أننا نرى إضافة إلى ذلك، فإنه يتعين على أمين سر هيئة التحكيم أن يكون مضطلعاً بأمور التحكيم الإجرائية والإدارية لتسهيل عمل هيئة التحكيم من الناحية الإدارية حتى يكـون عونـاً لها، وليس عبئاً عليها وعلى طرفي التحكيم. على سبيل المثال أن يكون على دراية بأساليب الإتصال الحديثة وأن يكون لديه من المعرفة بإجراءات وقانون التحكيم ما يمكنه من مـسايرة الهيئة وطرفي التحكيم.

- وفي هذا السياق، قامت لجنة خدمات المحكمين بالجمعية العلمية القضائية السعودية (قضاء) بإصدار دليل تعريفي لخدمات المحكمين، حيث إستحدثت اللجنة درجات لأمناء الـسر، بنـاءاً على الخبرات والشهادات العلمية. فهناك أمناء فئة (أ) من حملة الماجستير والدكتوراه يمتازون بالخبرة في إجراءات التحكيم وممارسة التحكيم سواء في رئاسة هيئات أو عضويتها، أو تقديم المشورة للمحكمين، وهؤلاء ليسوا مجرد أمناء سر – كما هو المعهود – بل يؤدون مع ذلـك  وظيفة المستشارين لرئيس الهيئة، والمراقبين لسلامة الإجراءات، وهذه الفئة مناسبة للقـضايا الكبيرة أو القضايا المعقدة متنوعة التخصصات.

- وهناك أمناء فئة (ب) يؤدون مهمات أمناء السر العادية، وهؤلاء يمتازون عن غيرهم بالخبرة، وأيضاً بوجود الرقابة عليهم في تنفيذ أعمالهم، ومدة التزامهم بتنفيذ الإجراءات المعتمـدة مـن اللجنة، وتطبيق النماذج المحكمة.

سادسا- تقييم دور أمين السر في العملية التحكيمية:

- بعد أن إستعرضنا دور أمين سر هيئة التحكيم في العملية التحكيميـة مـن حيـث التعريـف بـه وإستعراض مهامه ومسؤولياته وحقوقه والتفرقة بين دوره وبين الأدوار الأخرى التي يقـوم بـهـا آخرون في ذات المجال وكذلك الشروط الواجب توافرها فيه، فإننا نرى أن دور أمين سـر هيئـة التحكيم (خاصة في التحكيم الخاص غير المؤسسي) هو دور حيوي في سير إجـراءات التحكـيم بسلاسة وإنتظام خاصة إذا كان أمين السر لديه من الخبرة العملية ما يؤهله لتولي تلك المأموريـة التي تحمل بين طياتها العديد من المهام والمسؤوليات والأمانة. كذلك فإننا نرى أن أمين سر هيئـة التحكيم يعد أحد أهم المعاونين لهيئة التحكيم، حيث إنه في كثير من الأحيان قد ترى هيئة التحكـيم عدم الحاجة إلى الإستعانة بمترجمين أو خبراء في الدعوى إذا كان النزاع من الأنزعـة التـي لا تحتاج إلى أعمال الخبرة، إلا أن إستعانة هيئة التحكيم بأمين للسر هو أمر نـراه ضـرورياً فى التحكيم الخاص. كما أننا نرى أن إجادة أمين السر لدوره في العملية التحكيميـة يـعـد أحـد أهـم العوامل لضمان سلامة إجراءات التحكيم وما يتبعها من سلامة حكم التحكيم، وعلى الوجه الآخـر، فإن عدم إجادة أمين سر هيئة التحكيم للتور المنوط به أو عـدم تحوطـه فـي متابعـة مواعيـد وإجراءات التحكيم قد يؤدي إلى إيطال حكم التحكيم نتيجة خطأ في الإجراءات أو فوات المواعيد.

- إلا أننا نؤكد أنه على الرغم من عدم النص على إشتراط تعيين أمين سـر فـي التشريعات المختلفة، إلا أنه أصبح ضرورياً – من الناحية العملية – الإستعانة بأشخاص يتولـون مهمـة أمانة سر التحكيم ويكونوا على قدر عال من الخبرة في إجراءات التحكيم ليعاونوا هيئة التحكيم في تنظيم سير إجراءات العملية التحكيمية.

- وعلى الرغم من أهمية دور أمين سر هيئة التحكيم، إلا أن دور هيئة التحكيم لا يجب أن يـتم غض الطرف عنه في تنظيم الإجراءات، حيث إن هيئة التحكيم هي المنوط بها تنظـيم تلـك العملية الإجرائية في المقام الأول وأن الإستعانة بأمين للسر في التحكيم يعد أداة مـن الأدوات المتاحة للهيئة بموافقة طرفي النزاع ولا يتعين أن يتم إغفال دور الهيئة في هذا المقام، حيـث تظل هيئة التحكيم مسؤولة عن أعمال أمين السر طالما كانـت تلـك الأعمـال ذات علاقـة بإجراءات التحكيم.

- ونختتم هذا البحث بدعوة مراكز التحكيم وغيرها من الجهات المعنية بـالتحكيم إلـى تنظـيم دورات تعريفية بأهمية دور أمين سر الهيئة والعمل على تدريبهم لتولي تلك المهام، حيث أثبت الواقع العملي أهمية الدور الذي يقوم به أمين السر في إجراءات التحكيم حتـى تكـون تلـك الدورات التعريفية بمثابة خطوة أولى لتأهيل جيل من المحكمين القادرين على معرفة كيفيـة تنظيم سير وإدارة إجراءات التحكيم والتي تبدأ – من وجهة نظرنا- من المشاركة في جلسات التحكيم كأمناء للسر.