الخدمات

ابواب التحكيم الرئيسية
  • المحكم وهيئة التحكيم / المحكم - هيئة التحكيم / المجلات العلمية / مجلة التحكيم والقانون الخليجي العدد 49 / تشكيل هيئة التحكيم

  • الاسم

    مجلة التحكيم والقانون الخليجي العدد 49
  • تاريخ النشر

  • عدد الصفحات

  • رقم الصفحة

    34

التفاصيل طباعة نسخ

تشكيل هيئة التحكيم وفقا لنظام التحكيم السعودي  2012

 

المقدمة:

 التحكيم هو طريق إتفاقي يلجأ له الأطراف بإرادتهم الحرة إلى قضائهم الخاص عن طريق إختيارهم لطرف ثالث وهو المحكم أو هيئة التحكيم وذلك بغية الحصول على قرار يفصل في النزاع القائم بينهم بشكل نهائي ، فالتحكيم مناطه إنفاق الأطراف وقوامه اعتراف التشريعات الدولية والمحلية بهذه الإرادة وتنظيمها فلولا إعتراف التشريعات بالتحكيم والقرارت التي يصدرها المحكمين لما لعب التحكيم دوره الفاعل في حسم المنازعات لا سيما تلك المنازعات ذات الأبعاد التجارية والإستثمارية ذات الأثر المباشر في الخطط الإقتصادية التي تسعى الحكومات والدول المتحضرة إلى بلوغها. لعل أهم المميزات التي يتميز بها التحكيم عن التقاضي في المحاكم الوطنية هو حرية الأطراف في إختيار الحكم أو هينة التحكيم فالأطراف من الناحية العملية يلجؤون إلى إختيار محکم ذو علم وإلمام في موضوع نزاعهم وبذلك تواترت تشريعات وأنظمة التحكيم الحديثة في مختلف الدول على عدم تقييد هذه الحرية أو وضع شروط معينة بشأن مؤهلات المحكم وترك ذلك إلى حرية الأطراف نزولا لرغبتهم بعرض تزاعهم على قضاؤهم الخاص . أوجد نظام التحكيم السعودي الصادر بعام 2012 نقلة نوعية من خلال تقنينه لأهم مبادىء التحكيم بالمقارنة مع النظام القديم الملغي ولا يستغرب حين أخضع نظام التحكيم السعودي كل أحكامه بعدم مخالفة أحكام الشريعة الإسلامية وذلك بعجز المادة الثانية من النظام نفسه. إشترطت المادة الرابعة عشر من النظام أن يكون الحكم المختار من الأطراف حاصلا على الأقل على شهادة جامعية في العلوم الشرعية أو النظامية (القانون)، وإذا كانت هيئة التحكيم مكونة من أكثر من محكم فيكتفى توافر هذا الشرط في رئيسها، يسعى هذا البحث إلى تتبع الجذور التأصيلية في الشريعة الإسلامية التي حدت بنظام التحكيم السعودي إلى فرض قيود على مؤهلات المحكم الذي يختاره طرفي النزاع البيان أو مدى توافقها مع أحكام الشريعة الإسلامية وثانية مدى ملائمتها مع واقع التحكيم وممارسته.

إشتراطات المحكم وفق أحكام الشريعة الإسلامية يمكن إرجاع إشتراط نظام التحكيم السعودي بعجز المادة الرابعة عشر بأن يكون المحكم الفرد أو رئيس هيئة التحكيم حاصل على مؤهل جامعي في العلوم الشرعية والنظامية إلى أحكام الفقه الإسلامي حيث إتفق جمهور الفقهاء في المحكم ما يشترط في القاضي المعين من جهة الإمام أو الوالي، وخرج عن ذلك الحنابلة فهم لا يشترطون في المحكم ما يشترطونه في القاضي ويرجعون ذلك إلى أن طبيعة تعين المحكم هي من باب الوكالة والوكيل لا يشترط فيه ما يشترط في القاضي بحسبان أن المحكم لا يعدو أن يكون وكيلا بقيود وذلك لأداء مهمة معينة وهي إصدار قرار للفصل في موضوع النزاع وهذا القرار يخضع لرقابة القاضي الطبيعي من خلال دعوى البطلان. وقد تكلم في شروط الشخص الذي يعين قاضيا كثير من العلماء والباحثين في الفقه الإسلامي ولا يتسع المجال لعرضها بشكل مفصل إذ اشترطوا بشكل عام البلوغ والعقل والإسلام والعدالة وسلامة الحواس والذكورة والإجتهاد ولا يأس بعرض أهمها بإيجاز والتي كانت محل البحث العلاقتها بشروط المحكم المقررة بنص المادة الرابعة عشر من نظام التحكيم السعودي وهي شرط البلوغ والعقل والإسلام والعدالة والإجتهاد.

شرط البلوغ والعقل والإسلام | يشترط في المحكم البلوغ والعقل شأن القاضي وفقا لنص المادة الرابعة عشر البند الأول من قانون التحكيم السعودي، فلا يصح أن يكون المحكم صبيا أو مجنونا أو ناقص أهلية، كما يشترط في القاضي وفقا لإجماع فقهاء الشريعة الإسلامية أن يكون مسلما ليتولى الفصل في النزاعات بين المسلمين وأجاز الأحناف تولي الذمي القضاء ولكنه لا يصح قضاؤه بين المسلمين. إلا أن نظام التحكيم السعودي لم يشترط شرط الإسلام في المحكم الفرد أو رئيس هيئة التحكيم بل يكفي أن يكون حاملا لمؤهل جامعي في العلوم الشرعية والنظامية ولا يخفى أنه قد يتحصل على هذا المؤهل غير المسلم وهنا يكون نظام التحكيم السعودي أقرب إلى رأي الحنابلة في مسألة عدم إشتراط في المحكم ما يشترط في القاضي، فقد يكون محکم فرد غیر مسلم بعينه

الطرفين وحاملا لمؤهل جامعي في الشريعة الإسلامية ويفترض في هذه الحالة أن تعيينه صحيحة ومتفقا مع أحكام القانون.

شرط العدالة:

 يقصد بشرط العدالة الذي يشترط في القاضي إستقامة وإستواء أحوال الشخص في دينه وإعتداله في أقواله وأفعاله وخلقه ويتحقق بأمرين أولهما الصلاح في الدين وثانيهما المروءة فيكون بفعل ما يجعل الشخص ويزينه ويترك الأمور الدنيئة واتفق جمهور فقهاء الشريعة بأن العدالة شرط في القاضي فالفاسق لا يجوز أن يتولى الفضاء واشترطوا العدالة في المحكم، | وبذلك توجه نظام التحكيم السعودي حيث إشترط أن يكون الحكم حسن السيرة والسلوك وهكذا إتجهت أغلب تشريعات التحكيم الحديثة فمنهم من إشترط حسن السيرة والسلوك ومنهم من إشترط أن لا يكون سبق إدانته بأية جريمة مخلة بالشرف والأمانة والأخلاق، وكذلك أجازت أغلب تشريعات التحكيم الحديثة للأطراف الإعتراض على تعيين المحكم أو حتى طلب رده عند بداية تعيينه أو طلب عزله خلال إجراءات التحكيم أو حتى طلب بطلان حكم التحكيم إذا كان تشكيل هيئة التحكيم فيه ما يخالف إنفاق الأطراف أو أحكام القانون.

شرط الإجتهاد:

 إتفق جمهور الفقهاء على أنه لا يتولى القضاء والفصل في النزاعات سوى المجتهد وبالتالي المحكم فلا يولى التحكيم سوى للمجتهد ويقصد بالإجتهاد في الفقه الإسلامي هو الإلمام بأحكام الشريعة الإسلامية والقدرة على الإستنباط والقياس. ذهب بعض الشافعية والحنابلة وبعض المالكية إلى وجوب أن يكون المحكم مجتهدأ وإلا بطل حكمه وإن وافق الحق لعدم تحقق توافر شرط العلم والإجتهاد وذلك لقول الرسول صلى الله عليه وسلم " القضاة ثلاثة : واحد في الجنة، وإثنان في النار، فأما الذي في الجنة فرجل عرف الحق فقضى به، ورجل عرف الحق فجار في الحكم فهو في النار، ورجل قضى للناس على جهل فهو في النار . ويتضح أن مرجع نص المادة الرابعة عشر من نظام التحكيم السعودي بإشتراط المؤهل الجامعي في الشريعة الإسلامية للمحكم الفرد أو رئيس هيئة التحكيم يعود إلى شرط الإجتهاد الذي يشترط في القاضي، ومن الجدير بالذكر بأن الأحناف وبعض المالكية وبعض الشافعية أجازوا تحكيم الجاهل عند الضرورة إذا ما استرشد بأقوال العلماء يكون كالمجتهد إذا حكم بعد المشاورة .

الخلاصة:

 رأينا في ما سبق أن نظام التحكيم السعودي وفق نص المادة الرابعة عشر لم يشترط الإسلام في المحكم وهو بذلك أقرب إلى رأي الحنابلة وهو أن طبيعة تعيين الطرف للمحكم هي من باب الوكالة ويذلك لا يشترط في الوكيل ما يشترط في القاضي ومرجع ذلك عند الحنابلة أن عمل المحكم و قرار التحكيم الذي يصدره يخضع لرقابة القاضي الطبيعي الذي تتوفر به شروط تولي القضاء وفق أحكام الشريعة الإسلامية وأهمها شرط الإسلام. أضف إلى ذلك أن نظام التحكيم السعودي أخذ برأي الجمهور في مسألة شرط الإجتهاد والعلم المطلوب في القاضي فإشترط أن يكون الحكم الفرد أو رئيس هينة التحكيم ذو مؤهل جامعي في الشريعة الإسلامية أو النظامية لكي يضمن عدم تولي الجاهل مهام التحكيم كمحكم فرد أو رئيسا لهيئة التحكيم. وبإسقاط ما تقدم على جوهرية مبدأ حرية الأطراف في إختيار وتسمية المحكم دون تقييدها بشروط فقد يكون نظام التحكيم السعودي ليس بحاجة لإشتراط المؤهل الجامعي في الشريعة الاسلامية أو القانون وذلك لثلاثة أسباب، أولهم بأن نظام التحكيم السعودي لم يشترط شرط الإسلام في المحكم فليس هناك حاجة بعد ذلك الإشتراط شرط المؤهل الجامعي في الشريعة الإسلامية، وثانيهما بأن شرط الإجتهاد المطلوب في القاضي وجد لعلة الجهل فلا يجوز أن يفصل في نزاع من هو جاهل وهو ما يستلزمه المنطق السليم، إلا أن العالم في الهندسة أو المحاسبة على سبيل المثال لا يتحقق به شرط الجهل وبرأينا أنه يكفي اشتراط المؤهل الجامعي لتلبية شرط الإجتهاد المقرر بأحكام الشريعة الاسلامية وبذلك تزول العلة التي من أجلها وجد شرط الإجتهاد. وثالثهما بأن نظام التحكيم السعودي أجاز أن يكون المحكم القرد أو رئيس هيئة التحکیم حاملا لمؤهل جامعي في القانون وهو ما يختلف عن شرط الإجتهاد المقرر في الشريعة الإسلامية، فما هو المانع من السماح لباقي التخصصات وإشتراط المؤهل الجامعي فقط تلبية الشرط الإجتهاد المقرر في أحكام الشريعة الاسلامية