الخدمات

ابواب التحكيم الرئيسية
  • المحكم وهيئة التحكيم / المحكم - هيئة التحكيم / المجلات العلمية / مجلة التحكيم العالمية - العدد18 / المحكم في التشاريع العربية دراسة مقارنة

  • الاسم

    مجلة التحكيم العالمية - العدد18
  • تاريخ النشر

  • عدد الصفحات

  • رقم الصفحة

    147

التفاصيل طباعة نسخ

    يكتسي التحكيم في السنوات الأخيرة أهمية كبرى ومتزايدة، فهو يمثل بديلاً من اللجـوء الى القضاء في عدة ميادين إقتصادية بالأساس، ولعدة أسباب. ولعل التخوف من عدم توافر الكفاءة والنزاهـة في الجهاز العدلي، هذا بالإضافة إلى التعقيدات وهدر الوقت الذي يمكـن أن يتعرض له الأطـراف هو الدافع الأول لتزايد الطلب علـى التحكــم كوسيلة لفـض النزاعات.

    والتحكيم بمفهومه الغربي الحديث ليس بجديد على الثقافة العربية ولـيـس وليـد تقليـد الغرب، بل بالعكس فإن تاريخ التحكيم يعود إلى تقاليد القبائل العربية من عهد الجاهلية قبـل ظهور الدين الإسلامي. وقد كانت هاته القبائل تلجأ إلى تحكيم بعـض الأشخاص الـذين يتمتعون بصيت طيب مثل زعماء القبائل أو أصحاب المال إلى غيرهم مـن الأشخاص المشهود لهم. ومشروعية التحكيم ثابتة كذلك في النص القرآني فقد جاء في الآيـة 35 مـن سورة النساء يحض على اللجوء الى التحكيم في النزاعات العائلية لقوله تعالى: "وإن خفـتـم شقاق بينهما فابعثوا حكماً من أهله وحكماً من أهلها إن يريدا إصلاحاً يوفق الله بينهمـا إن الله كان عليماً خبيراً" . كما مـارس الصحابـة التحكيـم وذلـك فـي النزاعـات القائمـة بينهم .

    والتحكيم هو آلية لفض النزاعات. فهو الإحتكام إلى غير حائد لإنهاء الخصومة بقرار قاطع يفترض فيه العدل". وتقوم هاته الآلية على دور المحكم. فقد سبق القول بأنه كما هو "المحكم كما يكون التحكيم". فدور المحكم يكتسي من الأهمية ما يجعلنا نتساءل عن الخصوصيات التي تمكن شخصاً ما من أن يتقمص دور المحكم.

    وقد تعرضت التشاريع والإتفاقيات الدولية إلى الشروط والخاصيات الواجب توافرها لدى المحكم، رغم أنها من الخصائص التي يمكن أن يقف عندها الأطراف بإختيارهم المحكم بكامل الحرية.

     ويمكن أن نذكر بالخصوص إتفاقية نيويورك حول إكساء وتنفيذ القـرارات التحكيميـة الأجنبية التي تنص صراحة على أنه يجب أن لا يتم تقييد حرية إختيار المحكمين بالنظر إلى شرط كفاءة أو شهـادة علمية، تاركة الحرية المطلقـة بالتـالي للأطـراف فـي إختيـار المحكمين.

    فحرية الإختيار هي بمثابة حجر الأساس في تشييد صرح التحكيم. هاته الحرية من الطبيعي التساؤل عن مدى توافرها في عديد التشريعات العربية، خصوصا بالنظر إلى حساسية المسألة من الناحية السياسية. فمبدأ سيادة الدولة يمكن أن يتعارض ويتضارب مع اللجوء الى التحكيم. كما أن الثقافة السائدة يمكن أن تتعارض مع ترك الحرية المطلقة للأطراف في الإختيار. كيف لا ومعنى الحرية نفسه مهمش في عديد من الدول.

    ويمثل العالم العربي شبه وحدة، ثقافية، لا سياسية وقانونية ولغوية فقط، وذلك بالنظر إلى الدين الذي يجمعها ما يمكن أن يشكل بالنسبة إلينا مادة تمكننا من البحث في المسألة حسب منظار نقارن فيه النصوص التشريعية وجريان العمل في هاته الدول. للوقوف من خلال هاته المقارنة على الخصوصيات التي يتميز بها التحكيم في بلدان العالم العربي.

    بدراسة القوانين المنظمة للتحكيم في العالم العربي نجد نقاط التشابه والإلتقاء، خصوصاً وأن هاته الدول استلهمت تشاريعها من معاهدة اليونسترال في بعض الأحيان ومن التشاريع الأوروبية فى أحيان أخرى لكن هذا لا يمنع من وجود بعض الإختلافات، وحتى خصوصيات بعض التشاريع العربية.

    ولعل من ضمن هاته الخصوصيات ما جاء في التشريع المغربي مثلاً، من ضرورة إعلام المحكمة التي يوجد في مقرها شخص يعتاد ممارسة التحكيم .

    حرية الأطراف هي إذا المبدأ في التحكيم ولتحقيقه يجب أن نقلص أو حتى نمحو جميع التضييقات في اختيار المحكم".

     ونتساءل عن مدى توفق التشاريع العربية في تكريس هاته الحرية في إختيار المحكمين، ومن يمكن له أن يكون محكماً من خلال التشاريع العربية؟

    للاطلاع على الإجابة سنتعرض في الفقرة الأولى من هذا العمل إلى خاصيات المحكم، ثم في فقرة ثانية إلى شخص المحكم.

 

الفقرة الأولى: خاصيات المحكم في القوانين العربية: 

    تكاد جل التشاريع تتفق وتلتقي على بعض الخصوصيات والخاصيات الواجب توافرها في المحكم.

     ومن ضمن هاته الخصائص التي يجب أن تتوافر في المحكم والتي نجدها منصوص عليها بطريقة أو بأخرى في القوانين العربية شروط تتعلق بالأهلية (1) والكفاءة (2) والإستقلالية (3) والنزاهة (4). بالإضافة إلى التنصيص صراحة على وجوب عدم التمييز على أساس الجنس أو الجنسية في بعض التشاريع العربية .

 

1. الأهلية:

   تنص جميع التشاريع العربية المدروسة على شرط الأهلية، وذلك بإشتراطها أن يكون المحكم غير قاصر أو محجوراً عليه أو محروماً من حقوقه المدنية، وكل هاته الشروط هي شروط تتعلق بالأهلية.

     فالأهلية هي صلاحية الشخص لإكتساب الحقوق والتحمل بالواجبات وممارسة التصرفات القانونية. فالشق الأول من هذا التعريف نعني به أهلية الوجوب والشق الثاني أهلية الأداء وهذه الأخيرة هي المعنية وهي التي يطلق عليها عادة مصطلح الأهلية. 

    ولكن كيف يمكن لنا الوقوف على مدى توافر الشرط؟ تكمن الإجابة هنا على مستوى القانون الشخصي، فيتم الرجوع إلى القانون الشخصي للمحكم لمعرفة إن كان هذا الأخير أهلاً للتحكيم من عدمه.

    ولتوافر الأهلية يجب توافر عدة شروط لعل أهمها بلوغ سن الرشد وهو ما تحدده التشريعات كل حسب ما تراه، والقوانين العربية تختلف بعض الشيء في تحديد سن الرشد، فهي 19 سنة في الجزائر ، و 18 في تونس .

    يجب كذلك التمتع بكامل المدارك العقلية فقد يبلغ الشخص سن الرشد، لكنه لا يتمتع بكامل مداركه فلا تكون أهليته مكتملة، كما أنه يجب أن لا يكون الشخص محجوراً عليه قضائياً أو قانونياً حتى تكتمل أهليته.

     فالمحكم يجب أن يكون أهلاً للقيام بمسؤوليته وتحمل واجبات الإخلال بها كذلك، وذلك لا يتوافر إلا بإكتمال أهليته.

 

2. الكفاءة:

     إن كفاءة المحكم أو الهيئة التحكيمية ككل للفصل في النزاع ركيزة للتحكيم برمته، إذ بها تتأمن فعالية وجدوى التحكيم وبها يتحقق الهدف من ولوجه. ويجب أن نشير إلى أنه ينبغي بالخصوص مراعاة الأمرين التاليين عند اختيار الهيئة التحكيمية:

      الأمر الأول: لا بد أن يتوافر لدى المحكم الحد الأدنى من العلم القانوني، بإعتبار أن التحكيم يخضع لبعض النصوص الإجرائية التي لا بد من التقيد بها تحت طائلة إبطال القرار التحكيمي، إلى جانب وجود أحكام تتعلق بالنظام العام والتي لا مفر من تطبيقها واحترامها.

   الأمر الثاني: لا بد أن تتوافر لدى المحكم المؤهلات والصفات التي تستجيب لتوقعات الأطراف والتي حدت بهم إلى اختيار التحكيم كوسيلة لفض النزاع مثلا لو اتفق الأطراف على تطبيق الشريعة الإسلامية، فإنه ينبغي أن يكون المحكم ضليعاً في الفقه الإسلامي. أو كذلك إذا اتفق الطرفان على تطبيق قانون دولة معينة فيمكن القول بأنه على المحكم أن يكون على علم بمبادئ هذا القانون على الأقل.

    شرط الكفاءة لا نجده منصوصاً عليه صراحة صلب التشاريع العربية فيما عدا بعض التشاريع مثل التشريع التونسي، واليمني. ولعل هذا السهو يرجع إلى صعوبة التأكد من توافر الكفاءة من عدمها فمن الصعب الوقوف على حقيقة كفاءة المحكم من عدمها قبل الشروع في التحكيم، بل حتى قبل الحكم.

    كما أنه يجدر بالذكر أن التشريع السعودي يشترط توافر شروط كفاءة ودراية بالتشريع الإسلامي في شخص رئيس الهيئة التحكيمية .

    كما أن هذا الشرط نجده منصوصاً عليه صلب بعض الإتفاقيات الدولية العربية مثل إتفاقية عمان العربية للتحكيم التجاري التي تنص بوضوح على أن المحكمين يعينون من ضمن رجال القانون والقضاء أو من ذوي الخبرة الواسعة في مجال التجارة أو الأعمال.

     شرط الكفاءة إذن غير منصوص عليه بأغلب التشاريع العربية، إلا أنه شرط ضمني فحرية الأطراف تتطلب ترك المجال مفتوحاً أمامهم في إختيار من يثقون في كفاءته وإستقلاليته. ويمكن أن نتساءل في هذا المجال عن كيفية مراقبة شرط الكفاءة؟ هل سيكون ذلك حسب طبيعة النزاع أم حسب تقنيته؟ وكيف يمكن أن نتأكد مسبقاً أن المحكم سيكون صالحاً للحكم ؟

 

3. الإستقلالية:

    تذكر أغلب التشريعات العربية بشرط توافر الإستقلالية لدى المحكم، والإستقلالية المعنية هي تلك إزاء الأطراف فلا يجب أن يكون المحكم مرتبطاً بعلاقة قرابة أو مصاهرة أو تبعية مباشرة أو غير مباشرة مع الأطراف، لأنه ليس بمحاميهم، وإنما هو قاض مستقل حتى عن شخص من عينه .

    والإستقلالية تعني أنه يجب أن يتأمن لدى المحكم عنصر الاستقلالية التي تفيد عدم التبعية سواء أكانت تبعية إقتصادية كعلاقة عمل أو اجتماعية كعلاقة قرابة مع أحد المتحاكمين. يجب أن يتأمن كذلك لدى المحكم عنصر الحياد أي عدم وجود مودة أو عداوة تجاه أحدهما. وفي حال عدم اطمئنان أحد المتخاصمين الى لشخص المحكم، فله أن يتقدم بطلب رده أمام المحكمة المختصة.

     ويجب التذكير على المستوى نفسه بأن المحكم لا يعتبر وكيلاً عن أي من المتنازعين ولا أجيراً لدى أحد منهما، إنما يؤدي ، فصل النزاع القائم بينهما مقابل أتعاب تستحق له. 

    ويختلف المصطلح والطريقة أحياناً في التنصيص على هاته الإستقلالية، فبعض القوانين تنص صراحة على وجوب أن يكون المحكم مستقلاً ومحايداً عن أطراف النزاع على غرار التشريع التونسي، حيث ينص الفصل 10 من مجلة التحكيم على أنه يجب أن يكون المحكم شخصا طبيعيا رشيدا كفؤا متمتعا بكامل حقوقه المدنية وبالاستقلالية والحياد إزاء الأطراف".

    وتنص بعض القوانين العربية الأخرى على شرط الإستقلالية بصفة غير مباشرة مثل التشريع العماني مثلاً حيث تنص المادة 16 فقرة 3 من قانون التحكيم على أن المحكم عليه أن يدلي بكل ما من شأنه إثارة شكوك حول إستقلاليته. مما نستشف منه أنه على المحكم أن يكون مستقلاً.

    كذلك الشأن بالنسبة الى التشريع المغربي الذي ينص على أن المحكم يجب أن يكون صالحاً للحكم لما عين فيه. وهذا الفصل يكتنفه بعض الغموض، إلا أنه يمكن ان نستخلص منه وجوب توافر شرط الإستقلالية والحياد فبدونهما لا نتصور أن يكون الشخص صالحاً للحكم.

    لتحقيق شرط ضمان الإستقلالية لدى المحكمين، فإنه من الممكن للنصوص القانونية أن تتطلب توافر الشروط، ولكن ذلك يبقى غير كاف لضمان توافرها وعادة ما تنص قوانين التحكيم الأجنبية أو حتى أنظمة التحكيم على واجبات تحمل على المحكم لضمان توافر الإستقلالية المرجوة.

    وعلى غرار هاته التشريعات فقد نصت عديد التشاريع العربية على ضرورة أن يصرح المحكم عند تعيينه بكل ما من شأنه أن يؤثر في إستقلاليته. وهاته التصريحات التي تنص على الواجب المحمول على المحكمين بالتصريح بما من شأنه أن يثير الشك في إستقلاليته جاءت مختلفة في طريقة إشتراط التصريح، فبعض القوانين تشترط مجرد التصريح بكل ما من شأنه أن يثير الشك في الإستقلالية، ولكن فقط للطرف الذي عين المحكم، على غرار القانون اليمني مثلاً.

    وتشترط بعض التشريعات الأخرى التصريح لكلا الطرفين، مثل القانون المصري أو اليمني أو الأردني. كما أن عديد القوانين تشترط صراحة استمرارية بقاء هذا الشرط متوافراً والإعلام عن كل ما من شأنه أن يثير شكوكاً، وذلك ليس فقط عند تعيين المحكمين، بل خلال كامل التحكيم .

 

4. النزاهة:

   لعل وجوب توافر شرط النزاهة بديهي في المحكم، ولكن ذلك لم يحل دون إشتراطه صراحة في بعض التشاريع العربية.

     وقد جاء التنصيص على شرط النزاهة ضمنياً فغالباً ما تنص التشاريع العربية على ضرورة أن يكون المحكم من الأشخاص الذين لم تسبق إدانتهم وهو ما نستشف منه وجوب توافر النزاهة فيهم.

     ويمكن تقسيم القوانين العربية إلى نوعين فمنها من يقتصر على إشتراط عدم سابقية الحكم على المحكم من أجل جريمة (أ) ومنها من يفسر النزاهة بطريقة غير مباشرة، وذلك بالتنصيص صراحة على نوع الإدانة التي تحول دون امكان تولي التحكيم وهي الجرائم المخلة بالشرف أو الإستقامة (ب).

 

أ. إشتراط عدم سابقية الحكم على المحكم من أجل جريمة:

    تشترط بعض القوانين عدم سابقية الحكم على المحكم من أجل جريمة، وذلك دون تحديد طبيعة الجريمة أو العقاب المقضي.

   فينص التشريع القطري على سبيل المثال على أنه "لا يجوز أن يكون المحكم قاصراً أو محجوراً عليه أو محروماً من حقوقه المدنية بسبب عقوبة جزائية، أو مفلساً، ما لم يرد إليه اعتباره...". أما التشريع الكويتي فينص على أنه: "لا يجوز أن يكون المحكم قاصراً أو محجوراً عليه أو محروماً من حقوقه المدنية بسبب عقوبة جنائية أو مفلساً لم يرد إليه اعتباره" .

     وهذا الطرح من شأنه حسب رأينا أن يقصي العديد من الأشخاص عن إمكانية ممارسة مهمة التحكيم حتى وإن توافرت شروط الكفاءة والإستقلاية، لا لشيء إلا لأنه سبق إدانتهم من أجل جريمة. فالتساؤل الذي يمكن أن يطرح على هذا المستوى يتعلق بالأشخاص المحكومين من أجل جريمة لا علاقة لها بالنزاهة أو الشرف. فهل يتم إقصاؤهم آلياً عن ممارسة التحكيم؟

 

   ولعل إشتراط نوعية الجرائم المخلة بالشرف يتماشى أكثر مع شرط متطلبات النزاهة.

 

ب. التنصيص صراحة على نوع الإدانة: الجرائم المخلة بالشرف أو الإستقامة:

      تنص أغلب الدول موضوع الدراسة على شرط عدم سابقية الإدانة من أجل جريمة مخلة بالشرف أو الإستقامة. وهو حسب رأينا شرط يتسم بالوضوح. ويمكن أن نذكر، على سبيل المثال، ما ينص عليه التشريع المغربي من أنه "لا يمكن إسناد مهمة المحكم إلا إلى شخص ذاتي كامل الأهلية لم يسبق أن صدر عليه حكم نهائي بالإدانة من أجل ارتكاب أفعال تخل بالشرف أو صفات الاستقامة أو الآداب العامة أو بالحرمان من أهلية ممارسة التجارة أو حق من حقوقه المدنية."

    أو ما جاء في التشريع المصري الذي ينص على أنه "1-لا يجوز أن يكون المحكم قاصراً أو محجوراً عليه أو محروماً من حقوقه المدنية بسبب الحكم عليه في جناية أو جنحة مخلة بالشرف أو بسبب شهر إفلاسه ما لم يرد اعتباره ...".

    هاته القوانين جاءت ناصتة صراحة على وجوب تمتع المحكم بحقوقه المدنية وألا يكون محكوماً عليه بالسجن من أجل أفعال معينة وهي الأفعال التي تخل بالشرف والإستقامة. وهي شروط نرى أنها تتسم بالوضوح.

 

5. جنسية أو جنس المحكم:

    جاء في القانون النموذجي لمنظمة الأمم المتحدة المتعلقة بالتجارة الدولية أنه يجب أن يكون تعيين المحكمين حراً بدون قيد أو شرط ينص على جنسية. وعلى غرار القانون النموذجي فقد نصت عديد التشريعات العربية على ضرورة عدم التمييز على أساس جنسية المحكمين بينها التشريع المصري" والأردني والعماني والسوري والبحريني .

    وتبقى للتشريع السعودي خصوصيته المتمثلة في إشتراطه شرط الديانة الإسلامية في شخص المحكم، فهو ولئن لا يشترطها في المحكم سعودي الجنسية، لأنها مفترضة، فهو يشترطها في المحكم الأجنبي. ونستخلص مما سبق ان التشريع السعودي لا يشترط توافر الجنسية السعودية في المحكم بقدر ما يتطلب توافر شرط الديانة الإسلامية. ويمكن القول على هذا الصعيد أن هذا الشرط سهل التحقيق في المحكمين العرب، ولكنه صعب في خلاف ذلك، مما تصعب معه عملية اللجوء الى التحكيم في المملكة العربية السعودية.

    ويجدر في هذا السياق أن نذكر بأن هذا الشرط يمكن أن يكون غير ذي جدوى خصوصاً في التطبيق فيمكن أن يكون النزاع تقنياً بحتاً، وألا يتطلب أي دراية بالدين الإسلامي، فيكون بذلك شرط تعيين محكم مسلم عائقا أمام تسمية أي محكم غير مسلم في كل النزاعات التي ستجرى في السعودية أو التي ترتبط بها.

    كما يمكن أن يكون الشخص غير المسلم عارفاً بالدين الإسلامي، وحتى بالشريعة الإسلامية، على غرار الباحثين المختصين في الميدان، فلماذا منعهم من التحكيم4؟

    ويمكن أن يبرز عديد الإشكاليات على هذا المستوى، فإذا كان النزاع مثلاً متعلقاً وماساً بعديد الأنظمة القانونية وأطرافه من عديد الدول بما فيهم العربية السعودية، أفلا يمكن للمحكم أن لا يكون عالماً بالدين الإسلامي في هاته الحالات. إذن فهذا الشرط يمكن أن يسبب عزلة التحكيم في السعودية.

    كما أن التشريع السعودي لا يبدو انه يشترط صراحة أن يكون المحكم ذكراً، مستثنياً بذلك النساء من التحكيم. وتعدد الأراء حول هاته الإمكانية فهناك من يرى أن الفصل 4 من اللائحة التنفيذية لقانون التحكيم السعودي بعدم منعه صراحة على النساء تولي مهام التحكيم قد يكون المشرع السعودي أراد من ورائه إتباع تطور الأوضاع، فالنساء أصبحت تتقلد مناصب مهمة في ميادين عديدة في المملكة، ويمكن لها بالتالي تولي مهمة التحكيم .

    ويرى رأي آخر أن إشتراط تولي خطة المحكم حكر على الرجال في النزاعات التي تمس من "القانون السماوي"، أما المسائل التي لا تمس سوى قانون الأشخاص فيمكن أن تعين فيها النساء كمحكمين.

 

الفقرة الثانية: شخص المحكم:

     تنص عديد القوانين العربية والغربية المتعلقة بالتحكيم على بعض الخصائص التي يجب توافرها في المحكم وتنص كذلك بعض القوانين الخاصة على منع ممارسة التحكيم عن بعض الأشخاص بحكم وظيفتهم مثل القضاة أو الموظفين كما أن مسألة إمكانية تعيين شخص معنوي كمحكم تطرح نفسها .

 

1. إمكانية تعيين الأشخاص المعنوية كمحكمين:

     بالاطلاع على مختلف التشاريع العربية يتضح أن بعضها يتسم بالليبرالية في حين أن أخرى لا تتسم بها. والتشاريع التي نصفها بالليبرالية هي تلك التي تقبل تعيين الأشخاص المعنوية كمحكمين (أ) أما التشاريع التي يمكن وصفها بغير ليبرالية فهي التي تشترط أن يكون المحكم شخصاً طبيعياً ولا تتيح للأشخاص المعنوية إمكانية للتدخل (ب).

 

أ. التشاريع التي تقبل أن يكون تعيين شخص معنوي كمحكم:

     من بين التشاريع التي تقر صراحة إمكانية تعيين شخص معنوي نجد التشريع التونسي والتشريع الجزائري والمغربي واللبناني والفلسطيني والبحريني .

    ويمكن أن نفهم من بعض التشاريع العربية الأخرى التي وإن لم تنص صراحة على هاته الإمكانية، إلا أنها تنص على أنه يمكن للأطراف إختيار المحكمين أو إختيار مؤسسة تحكيمية.

    ويجدر التذكير على هذا المستوى، أن جل هاته القوانين توضح أن مهمة الشخص الطبيعي تنحصر في تعيين محكم، على أن يتولى الشخص المعنوي تعيين شخص طبيعي فيما بعد، وهو ما صنفه البعض على أنه غير ليبرالي مقارنة ببعض التشاريع المقارنة التي تترك مطلق الحرية للأطراف في تعيين المحكم شخصاً طبيعياً كان أو معنوياً.

 

ب. التشاريع التي لا تقبل أن يكون تعيين شخص معنوي كمحكم:

     لم تتعرض بعض التشاريع العربية لإمكانية تعيين شخص معنوي كمحكم إطلاقاً مما يترك المجال مفتوحاً لجميع التأويلات. فهل تصح تسمية شخص معنوي كمحكم في ظل الفراغ التشريعي؟ فالتشاريع اليمنية والأردنية والإماراتية والسودانية والعراقية والكويتية والسعودية لم تنص مثلا على هاته الإمكانية.

 

2. المحكم: قاض أو موظف عمومي:

    إن توافر شرط الكفاءة بالتحديد يفترض عادة أن يكون بالإمكان تعيين أشخاص يمارسون القانون بحكم وظيفتهم. فيمكن أن يكون هؤلاء الأشخاص من ذوي المهن الحرة مثل المحامين أو الخبراء. ويمكن كذلك أن يكونوا من بين القضاة ومن الأساتذة الجامعيين أو الموظفين الساميين في أجهزة الدولة والإدارة. فالتساؤل المطروح على هذا المستوى يكمن على مستوى الأشخاص الذين تتوافر فيهم الكفاءة ولكنهم ينشطون صلب أجهزة الدولة، فهل يحق لهؤلاء ممارسة مهمة التحكيم وبأي شروط.

     بالرجوع إلى التشاريع العربية يتضح أن الإتجاه السائد يتجه نحو تمكين الموظفين والقضاة المباشرين من ممارسة التحكيم، (أ) على أن بعض التشاريع لا تنحو هذا المنحى ولا تمكنهم من حق التحكيم (ب).

 

أ. التشاريع التي تقر صراحة حق القضاة والموظفين في ان يمارسوا مهام محكم:

     من بين التشاريع التي تقر حق القضاة والموظفين في ممارسة مهمة التحكيم يمكن أن نذكر قوانين الدول المغاربية مثل القانون التونسي والمغربي والجزائري التي تسمح للقضاة بممارسة مهمة التحكيم كذلك الشأن بالنسبة للقانون الأردني" والكويتي.

    ولكن هاته القوانين تشترط شروطاً تتعلق كلها بتوافر الضمانات للدولة من أن مصالحها لن تنتهك بهذا التعيين. فنجد مثلاً شرط الحصول على الترخيص المسبق وهو شرط يمكن من ممارسة رقابة سابقة ومن معرفة أطراف النزاع وموضوعه، وبالتالي المحافظة على المصالح الحيوية للدولة وللمجموعة العمومية. ونجد مثلا القوانين المتعلقة بالقضاة ترخص للقضاة في التحكيم شرط الحصول على الترخيص المسبق.

    ونجد نوعين من التراخيص: التراخيص التي تسندها السلطة التنفيذية ممثلة في وزارة العدل في مجلس الوزراء من جهة والتراخيص التي تسندها السلطة القضائية ممثلة في المجلس الأعلى للقضاء في أغلب الأحيان، من جهة أخرى.

     ومن بين التشاريع التي تشترط ترخيص السلطة القضائية نذكر التشريع العراقي والسوري والكويتي" أو البحريني" على سبيل المثال.

     أما من بين التشاريع التي تشترط موافقة السلطة التنفيذية يمكن أن نذكر القـانون الأردنـي الذي يشترط موافقة مجلس الوزراء. أو القانون العماني الذي يشترط موافقة مجلـس الـشؤون الإدارية.

    أما القانون السعودي فهو يشترط كذلك موافقة الجهة التي يتبعها الموظف "... ويجوز أن يكون من بين موظفي الدولة بعد موافقة الجهة التي يتبعها الموظف" ، ولكن بدون أن يفرق بين القضـة والموظفين العموميين مما يجعلنا نتساءل حول الإمكانية من عدمها بالنسبة للقضاة. فإن اعتبر القاضي موظفاً عمومياً جاز له ذلك، وإن اعتبر غير ذلك فلا يجوز له.

 

ب. التشاريع التي لم تتعرض صراحة للمسألة:

    تنص بعض التشاريع على تنصيص المنع من ممارسة المهن والأعمال التي لا تتماشى مع مهنة القضاء بدون التعرض لمهمة التحكيم تاركة المجال لفقه القضاء لتفسير ذلك. ومن بين هاته التشاريع التشريع القطري الذي لا يمنع على القضاة سوى ممارسة التجارة أو الأعمال التي لا استقلالية القضاة أو التشريع الإماراتي أو العماني

    أما في القانون اللبناني فقد أقر الإجتهاد أن مهمة التحكيم غير ممنوعة على القضاة الذين لا يزالون يمارسون وظيفتهم

     ونجد كذلك قوانين تمنع على القضاة أن يكونوا محكمين في القضايا التي تكون تحت نظرهم ومن بينها القانون اليمني الذي ينص في فصله 11 على "لا يجوز للقاضي أن يكون محكماً في قضية منظورة أمامه حتى ولو طلب منه الخصوم أنفسهم ذلك ولا يحق للقضاة أن يتفقوا على إحالة القضايا إلى بعضهم البعض للتحكيم فيها سواء بصورة مباشرة أو غير مباشرة "

     أما القانون الجزائري فهو يمنع على القاضي ممارسة أي وظيفة تدر عليه ربحاً ولا يستثني القانون، إلا الأعمال العلمية، مما يجعلنا نقر أن ممارسة مهمة التحكيم ممنوعة على القضاة الجزائريين .

    ممارسة التحكيم تتطلب توافر بعض الشروط التي تكاد تكون نفسها في جميع التشاريع العربية، فالتحكيم يقوم على مبدأ الحرية الذي أقرته هاته التشاريع. وتبقى بعض الإختلافات في صياغة القوانين موجودة بالتشاريع المدروسة، إلا أنها لا ترقى إلى إختلافات جوهرية في ما عدا القانون السعودي الذي بإشتراطه بعض الشروط المتعلقة بالجنس والجنسية وكذلك بالمعرفة بالشريعة يحد من حرية الأطراف في تعيين المحكمين.