لا تثور هذه المسألة إلا عندما يكون تشكيل هيئة التحكيم جماعياً أي من أكثر من محكم واحد. وعدم تحقق الإجماع في مثل هذا الحال يؤدي إلى عرقلة إصدار الحكم وقد يمنعه من الصدور تماماً، ومن هنا كانت الحاجة إلى وضع العلاج المناسب، فاكتفت بعض لوائح التحكيم بالنص على أنه في عدم تحقق الإجماع يصدر الحكم بالأغلبية، ومن ذلك المادة (۱/۳۱) من قواعد تحكيم اليونسترال سنة ١٩٧٦، والمادة (٢٧) من لائحة جمعية التحكيم الامريكية (AAA) والمادة (١/١٦) من لائحة مركز تحكيم منازعات الاستثمار (CIRDI) والمادة (۱/۳۱) من لائحة مركز القاهرة الإقليمي للتحكيم التجاري الدولي. ذلك فإن اشتراط صدور الحكم بالأغلبية – عند عدم تحقق ذلك
١٥- ومع الإجماع - قد يثير بعض الصعوبات في حالة الاختلاف الحاد بین آراء
(۱) فيليب فوشار وآخرون، المرجع السابق بند ۱۳۷۲ ص ٧٦٢-٧٦٣، ونقض المحكمين على نحو لا يحقق الأغلبية المطلوبة، الأمر الذي قد يمنع إصدار المحكمين، على الرغم حكم التحكيم أو يدفع رئيس هيئة التحكيم إلى الإنضمام إلى رأي أحد م من عدم إقتناعه بصوابه وذلك من أجل تحقيق الأغلبية المطلوبة وحتى لا يتعطل إصدار الحكم إلى ما لا نهاية، ولذلك فقد وجدنا بعض المحكمين وقد حرصوا على أن يضمنوا أسباب الحكم إعتراضهم على منطوق الحكم لعدم مناسبته وأنهم ما وافقوا عليه إلا من أجل تحقيق الأغلبية الإصدار الحكم.
١٦- ومن أجل علاج الصعوبات الناجمة عن عدم تحقيق المطلوبة فقد حرصت بعض لوائح التحكيم على النص على أنه تحقق الأغلبية يقوم رئيس هيئة التحكيم بإصدار الحكم منفرداً، المادة (١/٢٥) من لائحة غرفة التجارة الدولية بباريس (ICC) والمادة (٢٤/ لائحة تحكيم غرف التجارة الأوروبية، والمادة (٣/١٦) محكمة لندن للتحكيم الدولي (LCIA).
۱۷ - ومع ذلك فإن قانون التحكيم النموذجي لليونسترال قد اشترط توافر الأغلبية لإصدار الحكم المادة) (۲۹) وعلى غراره جرت تشريعات بعض الدول مثل قانون التحكيم المصري المادة (١/٤٣)، وقانون المرافعات الفرنسي الجديد (المادة (١٤٧٠، وقانون المرافعات الهولندي المعدل في سنة ١٩٨٦ ما لم يتفق الأطراف على غير ذلك (المادة ١٠٥٧)، وقانون التحكيم السويدي المعدّل في سنة ١٩٨٤ (المادة ١٦)، وقانون التحكيم الدولي التركي رقم ٠١/٤٦٨٦. ٢٠٠ (المادة ١٣/أ).
١٨- وعلى عكس التشريعات السابقة أخذت بعض القوانين بالحل الذي وضعته لائحة غرفة التجارة الدولية بباريس، ومن ذلك مثلاً المادة (۱۸۹) من القانون الدولي الخاص السويسري والمادة (١/٣٥) من قانون التحكيم الإسباني رقم ٢٠٠٣/٦٠ ، والمادة (۲/۲۸) من مشروع القانون السويدي لسنة ١٩٩٤ . وتجدر الإشارة إلى أن القضاء الفرنسي يأخذ بهذا الحل - ما لم يكن هناك اتفاق على غير ذلك - باعتباره أفضل من اضطرار رئيس هيئة التحكيم للانضمام إلى رأي أحد المحكمين على الرغم من عدم اقتناعه بصوابه أو إصدار قرار بتعذر إصدار حكم التحكيم لعدم تحقق الأغلبية .
۱۹ - (ج) رفض أحد المحكمين الإشتراك في المداولة:
قد يرفض أحد المحكمين الإشتراك في المداولة لتعطيل إصدار حكم التحكيم أو منع صدوره خصوصاً إذا رأى اتجاه زميليه إلى الحكم في غير نقض فرنسي جلسة ،۱۹۸۱/۵/۸ ، مشار إليه في : Revue de l'arbitrage1982. ۹)، وقضاء الدائرة (٦٣) بالمحكمة المذكورة بتاريخ ۱۹۸۸/۲/۱۸ في القضية رقم ٢٦/
صالح الطرف الذي اختاره محكماً، ومثل هذا المسلك يخالف الترام المحكم المشاركة في المداولة بقصد منع بإصدار حكم التحكيم وعدم الإمتناع البية، ولذلك فقد ذهب بعض كما يخالف مبادئ الأخلاق و حسن صدوره الفقه إلى عدم الاعتداد بامتناع المحكم المناقشات بين المداولة ما دام أنه المشاركة في المحكمين وفي إعداد الحكم دون عائق مقبول ولكنه إمتنع. وفي هذا الإتجاه ذهبت محكمة النقض الفرنسية إلى كان يستطيع الاشتراك في أنه وإن كان عدم إجراء المداولة يُعتبر إخلالاً بمقتضيات حقوق الدفاع، إلا أن مثل هذا الإخلال لا يتحقق في حالة إمتناع المحكم صاحب الرأي المخالف عن إبداء ملاحظاته المفيدة بشأن التعديلات المقترح إدخالها على مشروع الحكم ما دامت قد أتيحت له فرصة إبداء جميع ملاحظاته المذكورة، وهكذا لائحة محكمة لندن فإنه تطبيقاً لذلك نصت المادتان (۱۲) ۲/۲۹) من للتحكيم الدولي على أنه إذا رفض المحكم الإشتراك في المداولة بعد منحه فرصة معقولة للمشاركة، كان لباقي المحكمين المضي في عملية إصدار الحكم دونه (۱) . وبالمثل تقضي لائحة جمعية التحكيم الأمريكية (AAA) بأنه حالة إذا امتنع المحكم عن الاشتراك في المداولة - في غير حالة عزله أو استقالته كان لباقي المحكمين الخيار بين استكمال الإجراءات وإصدار الحكم بمفردهما أو طلب استبدال المحكم المذكور وقد أخذت بذات الحل المادة (٣٥) من لائحة تحكيم المنظمة العالمية للملكية الفكرية (WIPO)، لائحة مجمع التحكيم بغرفة تجارة استوكهولم. والمادة (٢/٣٢) من أحد وقد تناولت بعض التشريعات الحديثة وضع حلول لامتناع قانون المرافعات ذلك مثلاً المحكمين عن الاشتراك في المداولة، من منه نص على في الألماني لسنة ١٩٩٧ في المادة (٢/١٠٥٢) رفض محكم الاشتراك في المداولة يكون لباقي المحكمين المضي بمفردهما وإصدار الحكم، على أن هذا الحل مقيّد بعدم اتفاق أطراف التحكيم على حل مغاير، وبإلزام المحكمين اللذين في نيتهما اللجوء إلى هذا الحل بأن يحيطا الأطراف علماً بهذه النية قبل تنفيذها وذلك حتى يتمكن هؤلاء من إقناع المحكم الممتنع أو عزله أو استبداله وذات الحل نصت عليه المادة (٢/٦٠٤) من قانون المرافعات النمساوي المعدّل بقانون ٢٠٠٦/١/١٣. وأيضاً يقضي قانون التحكيم السويدي الجديد (المادة ٣٠) بأنه إذا امتنع المحكم - دون مبرر مشروع - عن المشاركة في إصدار قرار هيئة التحكيم المحكمين إصدار الحكم وحدهما (٢). كان لباقي
۲۰ - (د) امتناع أحد المحكمين عن التوقيع على الحكم: الأصل في حالة التشكيل الجماعي لهيئة التحكيم أن يصدر الحكم أعضاء الهيئة المذكورة. وقد تقدم القول أنه قد يتعذر تحقيق إجماع ومن ثم تعين البحث عن حل يضمن إصدار الحكم. بالإجماع فيتم التوقيع عليه من جميع تحقق حالة عدم أنه وهكذا نصت بعض لوائح التحكيم وتشريعاته على في الإجماع يصدر الحكم بالأغلبية التي تقوم بالتوقيع عليه من ذلك مثلاً المادة لائحة الجمعية (۳۱) من قواعد تحكيم ،اليونسترال، والمادة (۲۷) من الأمريكية للتحكيم (۸۸۸) والمادة (١/١٦) من لائحة مركز تسوية منازعات الإستثمار (CIRDI) والمادة (١/٢٥) لائحة تحكيم غرفة التجارة الدولية بباريس (ICC) والمادة (۳۱) من لائحة مركز القاهرة الإقليمي للتحكيم التجاري الدولي (CRCICA)، والمادة (٣/٢٦) من لائحة مركز لندن للتحكيم الدولي ،(LCIA) ومن التشريعات الحديثة قانون التحكيم المصري (المادة (١/٤٣، وقانون المرافعات الفرنسي الجديد (المادتان ١٤٧٠، ١٤٧٣)، والمادة (۳/۳۷) من قانون التحكيم الأسباني والمادة (١/١٠٥٧-٣) من قانون المرافعات الهولندي، والمادة (١/٦٠٦) من القانون النمساوي المعدّل بقانون ۲۰۰٦/۱/۱۳، وفي حالة عدم توقيع الأقلية على حكم التحكيم فإن جميع التشريعات سابقة الإشارة توجب إثبات اسباب ذلك في مدونات الحكم المذكور. وتجدر الإشارة إلى أن بيان أسباب عدم توقيع الأقلية يعتبر من بيانات الحكم الجوهرية ويترتب على إغفاله بطلان الحكم.
21 - (هـ) الرأي المخالف Dissenting Opinion-Opinion dissidente عندما يصدر حكم التحكيم بأغلبية الآراء يثور التساؤل هل من حق المحكم المخالف في الرأي (الأقلية) إثبات رأيه المخالف لزملائه في وثيقة مكتوبة ومنفصلة عن حكم التحكيم يقدّمها إلى أطراف النزاع وتعرف في الإصطلاح بالرأي المخالف Dissenting Opinion؟ الفقه الأنجلو امريكي أن إثبات المحكم لرأيه المخالف على النحو المذكور مسألة طبيعية یری تتمشى مع نموذج أحكام المحاكم في نظام الـ(Common Law)، بينما يري فقه الـ (Civil Law) عدم ملاءمة هذا الإجراء وإن لم يقل بعدم مشروعيته. وقد ذهب بعض الفقه الفرنسي إلى حظر الآراء المخالفة للمحكم الأقلية قولاً بأنها تشكل إفشاء لأسرار المداولة – وقد اعترض البعض على هذا الرأي تأسيساً على أن إفشاء أسرار المداولة ليس من أحوال بطلان حكم أن إصدار رأي مخالف قد لا يتضمن بالضرورة إفشاء التحكيم، فضلاً عن لتلك الأسرار متى كان المحكم المخالف لا يكشف آراء زملائه.
التشريعات ولوائح التحكيم التي اتخذت القلة موقفاً صريحاً من مسألة الرأي المخالف. وقد تعمد واضعو قانون اليونسترال ٢٢- وهناك عدد بالغ من النموذجي عدم التعرض لهذه المسألة نظراً لما تثيره من خلاف. ولعل قانون التحكيم الاسباني هو القانون الأوروبي الوحيد الذي يعترف بحق المحكم الأقلية في إثبات رأيه المخالف (۳/۳۷)، ويضاف إليه قانون التحكيم الدولي التركي رقم ۲۰٠١/٤٦٨٦ (المادة (٤/١٤) ، بينما سكت القانون الإنجليزي التعرض لهذه المسألة، وإن كان من الواجب عدم إعتبار هذا السكوت ذلك تجدر الإشارة إلى حكم رفضاً لها خصوصاً في بلد هو مصدرها. ومع حالة سكوت لائحة حديث أيدته محكمة الاستئناف الإنجليزية قضى بأنه في تحكيم جمعية تجارة الحبوب والغذاء (GAFTA) فإنه ليس من حق المحكم الامتناع عن التوقيع على الحكم بدعوى أن أصحاب الأغلبية رفضوا إثبات رأيه عن المخالف في مدوناته، وقد أضافت المحكمة القول في عبارات عامة أنه الخطأ الاعتقاد أن أحكام المحكمين يجب أن تتضمن ذكر الآراء المخالفة الرأي الأغلبية، وأنه من حق أصحاب الأغلبية تقرير إرفاق الرأي المخالف بالحكم أو عدمه دون أن يكون للمحكم الأقلية أي حق في هذا الخصوص. وقد اعترض البعض في ايطاليا على مسألة الرأي المخالف، وان كانوا يفضلون ذكر الأسباب المخالفة في مدونات الحكم دون الأخذ بها، ومع ذلك قضت محكمة النقض الإيطالية بأن إغفال إرفاق الرأي المخالف بحكم التحكيم لا يعتبر من أحوال البطلان المنصوص عليها في المادة (٨٢٩) من قانون المرافعات - ومفاد ذلك أن الرأي المخالف لا يعتبر جزءاً من أسباب حكم التحكيم التي أوجبها المشرع بنص أمر. وممارسة إصدار الرأي المخالف غير مألوفة في هولندا، ومع ذلك لها بعض التطبيقات في التحكيم الدولي، كما أن المادة (٤/٤٨) من لائحة المجمع الهولندي للتحكيم (NAI) لا تسمح بإصدار آراء مخالفة في غير التحكيم الدولي. وعلى الرغم من سكوت التشريع السويدي فإنه من المسلم به بصفة عامة أن للمحكم الأقلية أن يرفق رأيه المخالف بحكم التحكيم وهو ما تؤيده المادة (٤/٣٢) من لائحة مجمع التحكيم التابع لغرفة تجارة استوكهولم (cc stock).
وفي بلجيكا يجوز إثبات الآراء المخالفة من الناحية النظرية، بيد سرية المداولة تحظر نشرها أو إفشاءها. أما الفقه السويسري فإن المسألة تبدو خلافية فيه نظراً لسكوت المادة (۱۸۹) من القانون الدولي الخاص الفيدرالي. فهناك من يرى أن الاعتراف بالرأي المخالف مسألة تتعلق بإجراءات التحكيم، وبالتالي فإنه في حالة عدم وجود اتفاق للأطراف بشأنها يكون لأغلبية المحكمين السماح بإصدار رأي مخالف أو رفض ذلك.