قد يشتبه كلا من التحكيم كمنظم لتسوية النزاع مع الصلح في أن كلا منهما يخضعوا لقواعد الالتزام الحاكمة للعقد المبرم بين المتنازعين، والهدف منهما واحد وهو إنهاء هذا النزاع القائم، إلا أن الاختلاف قد يكمن في أن محل العقد بالنسبة للتحكيم هو حظر طرح النزاع على جهة القضاء العادي على اعتبار أن التحكيم هو المنوط بالفصل في هذا النزاع وإنهاء دابر الخصومة.
أما الصلح فيكون محل عقده هو تسوية بين طرفي النزاع، أي يتنازل أحد المتنازعين عن بعض ما يدعيه ويكون هذا التنازل معلق بالتبادل المرضي بين الأطراف، ولكن قد يستلزم هذا التنازل حتى يكون ملزما علی الأطراف أن يكون بصورة العقد الرسمي أو يتم أمام المحكمة المختصة بنظر تلك التسوية التي تنتهي صلحا.
إلا أن هناك فرض قد يثير اللبس والغموض، وهو أن يكون هناك نزاع بين الأطراف ويتوصلوا إلى كتابة عقد لإنهاء هذا النزاع، ولكن قد يستلزم هذا النزاع انتداب خبير لتقدير التعويض المالي الذي يستحقه أحد الأطراف، وقد وصف الفقه هذا الانتداب بأنه إسناد مهمة خاصة لطرف محايدفی تطبيق التسوية التي توصل إليها الطرفان.
للرد على هذا الفرض يجب النظر إلى طبيعة صياغة العقد الذي عقدام الطرفان، فهل هو عقد صلح يخضع لأحكام القواعد العامة في القانون المدني، أم هو عقد تحكيم يخضع في أصله إلى القانون رقم ۲۷ لسنة ۱۹۹4.
ذلك لأن هذا الأخير لا ينتهي النزاع فيه بمجرد إبرام الاتفاق على التحكيم، وإنما ينتهي بممارسة المحكم الذي تم اختياره لمهمته وإصدار حكما منى الخصومة وحائز لقوة الأمر المقضي، أي قابلا للتنفيذ الجبري وفقا الإجراءات المقررة في القواعد العامة، على عكس الصلح الذي قد ينتهي بمجرد تنازل أحد الأطراف كما ذكرنا سابقا، كما أنه لا يعد قابلا للتنفيذ بذاته.
إلا أنه قد يتفق الأطراف على تسوية النزاع، ولكن بطرحه على طرف ثالث، وهنا أيضا لا نستطيع أن نعلم هل هو صلح أم تحكيم، فإن إفراغ ما انتهى إليه الأطراف في صورة عقد يوقعان عليه قد يثير أيضا بعض الشكوك، ولكن يمكننا النظر إلى هذا القرض على اعتبار أن التحكيم قد يستلزم بعضا من الشروط التي لابد من توافرها، فقد وصفها الفقه على أنها مهمة، أما التوسط بالصلح فهو وصولا إلى حل مقبول بين الأطراف، كما أنه ليس هناك ما يمنع من أن يتفق الأطراف على صلح ينهي جوانب النزاع الأساسية، وأن يضيفا إليه اتفاقا بالتحكيم لتسوية ما تبقى عن طريق هذا الأخير، فللعاقدين حرية في اختيار طبيعة اتفاقهما.
وقد يختلف الأمر إذا كان الحديث عن تحكيم بالصلح، وهو أن يتفق أطراف النزاع على التحكيم مع وجود شرطا يخول للمحكم إجراء الصلح بينهما، وقد يكون لهذا الاتفاق صورتين، الأولى انصراف إرادة الأطراف إلى صورة التحكيم بالصلح الذي يتحرر فيه المحكم من أحكام القانون غير المتعلقة بالنظام العام، وقد يحمل محمل دعوة المحكم إلى محاولة التقريب بين الطرفين لإتمام الصلح بينهما لتفادي السير في إجراءات التحكيم المنصوص عليها في القانون رقم ۲۷ لسنة ۱۹۹4م.
والعبرة هنا كما وصفها الفقه تكون بالبحث في مجمل نصوص العقد المحددة لسلطة المحكم في شأن مهمته الأصلية وهي التحكيم، فإذا كانت بنود العقد تفرض الالتزام بأحكام القانون، كان الأمر متعلقا بتحكيم بالقانون لا بالصلح، أما إذا كان البند المتعلق بالصلح هو مجرد دعوة للمحكم لتقريب وجهات النظر بين الأطراف حتى يتفادى إجراءات التحكيم.
أما الخبرة فهي التي يلجأ إليها الأطراف المتنازعين لإبداء الرأي والمشورة من متخصص، ولكن دون التزام بهذا الرأي على الأطراف.
وهي بذلك لا تعد إلا أن تكون دليل من أدلة الإثبات التي تتوقف حجيتها على تقرير من يتولى الفصل في النزاع المطروح قاضيا كان أم محكماء والعبرة هنا في الفرق بين الخبرة والتحكيم تكون بطبيعة المهمة التي يعهدان الديها، وما إذا كانت فصلا في النزاع ملزما لهما أم مجرد تقدیم راي استشاري غير ملزم.
شروط الواجب توافرها في المحكم
أن يكون مستقلا:
نصت المادة رقم 3/16 من قانون التحكيم المصري في هذا الشأن على أن يكون قبول المحكم القيام بمهمته كتابة، ويجب عليه أن يفصح عند قبوله عن أية ظروف من شأنها إثارة شكوك حول استقلاله أو حيدته"، وهذا ما جرى عليه العمل، ليس فقط في القانون المصري، بل في كافة قوانين التحكيم، ولوائح منظمات التحكيم، وهكذا تظهر أهمية حياد المحكمين واستقلالهم عن أطراف النزاع الذين قاموا باختيارهم؛ حيث لا يصح أن يكون المحكم ملتزمة أدبية بتبني وجهة نظر الخصم الذي اختاره والدفاع عنها، وإنما يتعين عليه بعد اختياره أن ينأى بنفسه عن التأثر بمصالح هذا الخصم، وأن يلتزم بالحياد والاستقلال عند نظر الخصومة وإصدار الحكم فيها ملتزمة في ذلك بما تقضي به العدالة وفقا للمستندات المقدمة إليه.
أما الحيدة فهي مسألة ترتبط بشعور المحكم وميله العاطفي والذهني، بحيث لا يكون محايدا في ظل الظروف المصاحبة للدعوى المعروضة عليه، ويرجح مع وجودها عدم استطاعته الحكم في النزاع بغیر میل الصالح أحد الخصوم أو ضده.
وفي جميع الأحوال يجب التسليم بأن توافر الحيدة من عدم توافرها هي من المسائل التي تختلف من حالة إلى أخرى، حتى ولو توافرت نفس الظروف والملابسات المحيطة بالمحكم، وعلى الرغم من صعوبة إقامة الدليل على عدم توافر حياد المحكم باعتبارها مسألة نفسية، إلا أن ذلی يعني استحالته؛ لأنه من الممكن من خلال تتبع مسلك المحكم أثناء نظر الخصومة التحكيمية إقامة الدليل على انحيازه لصالح أحد الأطراف ويلاحظ في هذا الشأن أن شرطي حيدة المحكم واستقلاله هما من الشروط الجوهرية التي يتعين توافرها طوال إجراءات التحكيم وحتى صدور الحكم المنهي للخصومة وانتهاء ميعاد الثلاثين يوما التالية لتسليم حكم التحكيم الأطراف النزاع، وهو الموعد الذي حددته المادة رقم 1/49 من قانون التحكيم المصري، والتي جاءت على النحو التالي:
"1- يجوز لكل من طرفي التحكيم أن يطلب من هيئة التحكيم، خلال
الثلاثين يوما التالية لتسلمه حكم التحكيم، تفسير ما وقع في منطوقه من غموض، ويجب على طالب التفسير إعلان الطرف الأخر بهذا الطلب
قبل تقديمه لهيئة التحكيم.
٢- يصدر التفسير كتابة خلال الثلاثين يوما التالية لتاريخ تقديم طلب
التفسير لهيئة التحكيم، ويجوز لهذه الهيئة من هذا الميعاد ثلاثين يوما
أخرى إذا رأت ضرورة لذلك. ٣- ويعتبر الحكم الصادر بالتفسير متمما لحكم التحكيم الذي يفسره، وتسري عليه أحكامه".
فقد حدد المشرع أجلا معينا من تاريخ صدور الحكم، بحيث يجوز خلاله لكل من الطرفين أن يطلب من هيئة التحكيم تفسير ما وقع في منطوق الحكم من غموض، ويتعين توافر هذا الشرط في كل محكم، وهذا ما دفع المشرع المصري بالنص على ضرورة وجوب الإفصاح عن أية ظروف لدى المحكم قد تثير شكوكا لها ما يبررها حول استقلاله وحيدته.
والاستقلال معناه ألا توجد للمحكم صلة أو مصلحة بموضوع النزاع أو ارتباط بأحد الأطراف أو ممثليهم، فالمحكم لا يجوز أن يكون طرفا في النزاع او له مصلحه فيه من اي وجه.
وإلى جانب هذه الشروط هناك شرطا الخبرة والكفاءة، إلا أنهما لا يعدان شرطة لاختياره، إلا في الحدود التي يقرها الخصوم، وهذه الشروط رغم طابعها الاتفاقي إلا أنها تعد شروط جوهرية لاختيار المحكي فالمتعاملون ينشدون التحكيم سعيا وراء قاض متخصص ذي خبرة ومران؛ فالخبرة والكفاءة تدعم استقلاله، فبدون ذلك يكون أكثر عرضة للتأثر بأراء الآخرين، والتأثر بعواطفه ومصالحه الشخصية.
كذلك اشترطت بعض الأنظمة القانونية أن يكون المحكم ذكرا، لكن مشرعنا المصري نص بما مفاده أن ليس هناك ما يحول دون تولي المرأة المهمة التحكيم، حيث نصت المادة رقم ۲/16من قانون التحكيم: "۲- لا يشترط أن يكون المحكم من جنس أو جنسية معينة إلا إذا اتفق طرفا التحكيم أو نص القانون على غير ذلك." ونعتقد أن الأمر يتعلق بثقة الأطراف في شخص المحكم وخبرته وصلاحيته لتولي المهمة رجلا كان أم امرأة.
قبول المحكم للمهمة التحكيمية:
لا يكفي لصحة تكوين هيئة التحكيم اتفاق الأطراف على المحكمين، بل يجب أن يقبل هؤلاء المحكمون إسناد مهمة الفصل في النزاع بحكم تحكيمي يصدر منهم، فعملية التحكيم لا يمكن أن تكون جبرا على المحكمين، حيث تنص المادة رقم 3/16 من قانون التحكيم المصري على أنه "يكون قبول المحكم القيام بمهمته كتابة ويجب عليه الإفصاح عند قبوله عن أية ظروف من شأنها إثارة شكوك حول استقلاله أوحيدته."، ولم ينص المشرع على ضرورة إفراغ هذا القبول في شكل محدد، فقد يرد هذا القبول في صلب الاتفاق على التحكيم، أو في خطاب يرسله المحكمون إلى الخصوم، سواء أكان معاصرا للاتفاق على التحكيم أم لاحقا له، والغالب أن الكتابة هي مجرد وسيلة لإثبات قبول المحكم، وليست شرطا لصحة التحكيم.
ولم يحدد المشرع المصري أثر رفض المحكم لقبول المهمة على اتفاق التحكيم، وفي فرنسا فإن اتفاق التحكيم يزول إذا رفض المحكم المعين قبول المهمة، فهو اتفاق معلق على شرط واقف، وهو قبول المحكم للمهمة، وقبول المحكم للمهمة يوجب عليه أن يتمها، وإلا تعرض للمسئولية، وقبول المحكم للمهمة يعني قيام عقد بينه وبين المحتكمين، الأصل فيه أن ينتهي بانتهاء مهمة المحكم وصدور الحكم.
وبذلك فبمجرد قبول المحكم للتحكيم يعد ملتزما قبل أطراف النزاع بوجوب أنه الفصل في النزاع بحكم ما لم يجد ما يمنعه من ذلك وفقا للقانون، وقد حدد المشرع وقت البدء في التحكيم من وقت وصول الإعلان إلى المعلن إليه، وذلك وفق نص الماده (۲۷) من قانون التحكيم المصري، والتي جرت على النحو التالي "تبدأ إجراءات التحكيم من اليوم الذي يتسلم فيه المدعى عليه طلب التحكيم من المدعي ما لم يتفق الطرفان علی موعد آخر".
. إلا أننا نرى أن التحكيم يبدأ من موافقة آخر عضو في هيئة التحكيم، ووفقا لنص الماده (16) في فقرتها الثالثة، والتي جاءت على النحو التالي:
1- لا يجوز أن يكون الحكم قاصر أو محجورأ عليه أو محروما من حقوقه المدنية بسبب الحكم عليه في جناية أو جنحة مخلة بالشرف أو بسبب شهر إفلاسه ما لم يرد إليه اعتباره.
۲- لا يشترط أن يكون الحكم من جنس أو جنسية معينة إلا إذا اتفق
طرفا التحكيم أو نص القانون على غير ذلك.
٣- يكون قبول المحكم القيام بمهمته كتابة، ويجب أن يفصح عند قبوله
عن أية ظروف من شأنها إثارة شكوك حول استقلاله أو حيدته".
وبالتالي يتعين أن يصدر القبول مكتوبا، ونرى مع أغلب الفقه أن النص لم يتكلم على الكتابة كشرط وجود، وإنما كوسيلة إثبات، وبالتالى يمكن إصدار القبول في أي صورة كانت بالقول والفعل، أو الكتابة، أو أي وسيلة تقوم مقام الكتابة، وهو في ذلك لا يشترط شكلا معينا تصدر فيه هذه الإرادة الحرة من المحكمين، وفي حالة رفض المحكم فإن ذلك الرفض لا ينتج اثاره.
مسئولية المحكم
والجدير بالذكر أن العديد من القوانين ونظم التحكيم المختلفة قد تجاهلت الإشارة في نصوصها إلى مسئولية المحكم عن قيامه بمهمته التحكيمية تجاه اطراف خصومة التحكيم أو الغير، في حين نجد بعض التشريعات قد نصت صراحة على منح المحكم حصانة قضائية تحول دون إقامة دعوى مسئولية عليه في حالة الإخلال بالتزاماته، في حين بعض القوانين ونظم التحكيم
الأخرى كانت أكثر شجاعة، وأوردت بعض النصوص التشريعية التي تتحدث بشيء من الغموض عن مسئولية المحكم عن الأخطاء التي قد تقع منه أثناء قيامه بمهمته التحكيمية.
وترتب على اختلاف التشريعات وقوانين التحكيم في شأن تقرير مسئولية المحكم، أن تعددت الاتجاهات القضائية في معالجة هذا الموضوع، واختلفت اختلافا واضحا يدعو إلى الحيرة والغموض.
وتعتبر إرادة أطراف التحكيم، واتفاق التحكيم، هما أساس سلطات المحكم، وهذه السلطات ساعدت على تمكين المحكم من تسيير و إدارة إجراءات التحكيم بسرعة وفاعلية، وهذا التمكين ليس بهدف استعمال سلطاته حسب رغبته وسلطته وقتما يشاء، إنما هو مقيد بالمهمة التحكيمية التي قبل القيام بها.
حيث يستعمل السلطات الممنوحة له في تحقيق المصلحة التي يسعى أطراف التحكيم للوصول إليها، ومن ثم فإن استخدم هذه السلطات خارج الحدود المرسوم لها، يكون قد وضع نفسه تحت طائلة المسئولية القانونية.
وقد ساهم الغياب التشريعي والوطني والدولي المسئولية المحكم في عملية التحكيم بكل جوانبها في عدم وضوح الإطار العام لالتزامات المحكم، كذلك عدم تعرض الأحكام القضائية لتقييم دور المحكم وما يفرضه عليه من التزامات.
والتزامات المحكم سواء أكانت التزامات قانونية أم اتفاقية تبدأ بمرحلة سابقة على قبول المحكم لمهمة التحكيم، هذه المرحلة هي مرحلة ترشيح
أطراف التحكيم أو القضاء، أو هيئات تحكيم دولية للمحكمين الذين ينوبون عن أطراف التحكيم، وهذه الالتزامات قد تتمثل في الالتزام بالإفصاح بالقبول المباشرة مهام التحكيم الأطراف النزاع أو ممثليهم. ثم يلي ذلك مرحلة سير الخصومة، وصولا لمرحلة إصدار حكم التحكيم. ۔
وفي المقابل هناك العديد من الحقوق للمحكم بمثابة التزامات تقع على عاتق المحتكمين، هذه الحقوق منها ما ورد النص عليه في التشريعات والقوانين واللوائح، ومنها ما هو اتفاقي ورد في نص اتفاق التحكيم وفقا لما يتراضي عليه المحكم والمحتكمون، وتمثلت هذه الحقوق في حق المحكم في تقاضيه أتعاب التحكيم، وكذلك حق المحكم في عدم عزله بدون مبرر، أو التنحي بمبرر مقبول، وكذلك حق المحكم في الحصانة.
وترتبط طبيعة مسئولية المحكم ارتباطا وثيقا بطبيعة علاقته بأطراف النزاع التحكيمي، وبطبيعة عمله كقاض خاص يقوم بمهمة قضائية خاصة بناء على اختياره من طرف النزاع التحكيمي؛ لذا فتحديد مسئولية المحكم تقتضي تحديد النظام القانوني للمحكم.
طبيعة التزامات المحكم:
يعرف الالتزام بأنه "واجب قانوني يقع على عاتق شخص معين يلزمه أن يقوم بأداء مالي أو عيني لصالح شخص آخر معين أو قابل للتعيين، يسمى الدائن، فالالتزام بذلك له عنصران:
- عنصر شخصي: يتمثل في الرابطة بين الدائن والمدين.
وعنصر مالي: يتمثل في محله الذي يعتبر حقا للدائن، ودينا في ذمة المدين، وكل التزام له هذان العنصران، ولكن البعض يغلبون العنصر الشخصي على الالتزام، وهؤلاء هم أنصار المذهب الشخصي، فيرون أن العنصر الجوهري في الالتزام هو محل الالتزام أو موضوعه.
وقد قال بهذه النظرية الفقهاء الألمان، وتأثر بها الفقهاء الفرنسيون في أوائل القرن العشرين)، وإذا كان الالتزام في جميع صوره واجبا قانونا.
وتنقسم الالتزامات من حيث مصدرها إلى الالتزامات الإرادية، وتجد مصدرها في اتفاق التحكيم أو الإرادة المنفردة، والتزامات غير إرادية، وقد يكون مصدرها الفعل الضار أو العمل الغير مشروع، وقد يكون الفعل النافع مثل الإثراء بلا سبب، أو قد يكون نص القانون. ۔
وفي إطار هذا التقسيم للالتزامات، يعتبر التزام المحكم بإصدار حكم تحكيمي ملزم خلال مهلة التحكيم هو التزام إرادي مصدره عقد التحكيم المبرم بين المحكم و أطراف التحكيم.
ويقع عبء إثبات عدم تنفيذ الالتزام على أطراف التحكيم، فعليه أن يثبت عدم بذل المحكم العناية المطلوبة، والأصل أن يتعهد الملتزم ببذل عناية بما يبذله الشخص المعتاد في مثل ظروفه، ما لم ينص القانون أو الاتفاق على غير ذلك.
وفي إطار هذا التقسيم للالتزامات، يعتبر التزام المحكم بإصدار حكم تحكيمي ملزم خلال مهلة التحكيم هو التزام ببذل عناية؛ لأنه التزام يدخل ضمن إمكانية وإرادة المحكم، فقد تتدخل أمور خارجة عن إرادة المحكم تمنع إصدار الحكم التحكيمي خلال ميعاد التحكيم، بينما التزام المحكم بالقيام بالمهمة التحكيمية هو التزام بتحقيق نتيجة؛ لأنه التزام يدخل ضمن إمكانية وإرادة المحكم.
ومن الالتزامات التي تفرض على المحكم دون حاجة لنص يقررها ضرورة الحفاظ على المستندات المقدمة إليه، وعدم إفشاء مضمونها للغير حتى بالنسبة لمساعديه أو القائمين على مؤسسات التحكيم التي يعمل في ظلها، ويمتد التزام المحكم بالمحافظة على أسرار الخصوم إلى كل ما يتعلق بالمعلومات والوقائع التي تصل إليه بمناسبة توليه للمهمة، وتعهد النزاع في مراحله المختلفة وحتى صدور الحكم بالعناية اللازمة، مراعية دقة الإجراءات وفعاليتها حريصا على إتمامها في الشكل والميعاد المتفق عليه، أو المقرر قانونا.
ومن الالتزامات التي تقع على عاتق المحكم أيضا
- عدم تفويض سلطاته للغير.
- وعدم التنحي إلا لأسباب جدية، وإخطار الأطراف بذلك في وقت مناسب.
- وعدم التعامل في المال المتنازع عليه.
التعاون مع زملائه المحكمين، والعناية في اختيار المحكم الثالث عند تفويضه في اختياره مراعيا توافر كافة الشروط القانونية والاتفاقية الواجب توافرها فيه.
- كما يلتزم بعدم الاتصال بأحد الأطراف في غيبة الآخر، أو قبول
هدية منه.
- ويمتنع عليه استخدام أية معلومات نمت إليه من خلال معرفته بالنزاع، وهذا الالتزام به جانب أخلاقي في مواجهة الأطراف، احتراما لما أولوه للمحكم من ثقة، واحتراما لمهنته ذاتها.
- وأخر قانوني يتمثل في مسؤوليته قبل الخصوم عن الإخلال بالتزامه بالسرية.
ولو نظرنا إلى مهام المحكم سنجد أن معظمها يتطلب منه القيام بعمل وتنفيذ تصرف محدد، فالالتزام بإصدار الحكم هو الالتزام الرئيسي، إلا أنه ليس الالتزام الوحيد على عاتقه.
ونظرا لتفرع التزامات المحكم في مراحل التحكيم المختلفة، فسوف نقوم بتناول الالتزامات الرئيسية في مرحلة الترشيح، وأثناء سير الإجراءات، والالتزامات في مرحلة إصدار الحكم كالمداولة والتسبيب و إيداع القرار.
اركان مسؤلية المحكم
خطأ المحكم
أولا: مفهوم الخطأ:
يعرف بأنه الإخلال بواجب قانوني سابق، وعليه يتوقف وجود المسئولية المدنية على مرتكبه، فإذا انتفى الخطأ فلا مسئولية عليه، ولا تعويض.
فالخطأ ركن ضروري وأساسي للمسئولية بنص جميع التقنينات، ويعتبر أصحاب المهن الحرة الذين يعتمدون على خبرتهم وكفايتهم العلمية في كسب أرزاقهم، وفي تعاملهم مع الجمهور غالبا، ويرتبطون معهم بعقود منظمة للعمل المطلوب منهم تأديته، مثل الطبيب، والمهندس، والمحامي.. الخ، ويدخل المحكم ضمن هذه الطائفة، فإذا صدر من أحد هؤلاء خطأ يمكن أن يؤدي إلى أضرار جسيمة، ترتبت عليهم مسئولية تعاقدية نتيجة لهذا الخطأ العقدي.
ومن ثم فإن الخطأ العقدي الذي تقوم على أساسه المسئولية العقدية، يتحقق إذا لم يقم الشخص الذي يلتزم بالعقد بتنفيذ التزامه الناشئ عن هذا العقد، سواء أكان التنفيذ بالامتناع أم كان بتنفيذ غير مطابق للمتفق عليه، أو غير محقق للهدف الذي أنشئ العقد من أجله، وسواء أكان عدم التنفيذقد حدث عمدا، أم عن إهماله ودون حاجة إلى أن يثبت صاحب المصلحة في التنفيذ تحقق العمد أو الإهمال ما لم يثبت الملتزم بالعقد أن عدم قيامه با يرجع إلى أسباب خارجة عن إرادته، ولم تكن له يد فيها.
وعلى ذلك فإن الخطا العقدي للمحكم يتحقق إذا وجد عقد تحكيم صحيح واجب التنفيذ وقائم ويرتب التزامات وحقوقا بين المحكم والأطراف، ولكن لم ينفذ المحكم التزامه، سواء أكان تنفيذ التزام المحكم كلا أم جزئيا أو تأخر في التنفيذ، وسواء كان قيامه بالتنفيذ عمديا أو نتيجة إهماله، ما لم يثبت أن عدم التنفيذ ليس له دخل فيه وخارج عن إرادته كالقوة القاهرة.
أن التزام المحكم لا يقتصر على ما ورد في عقد التحكيم فقط، بل ديل كافة مستلزماته وفقا للقانون والعرف والعدالة، كالتزام المحكم بالسرية.
ثانيا: صور خطأ المحكم
القاعدة العامة المستقرة في الفقه والقضاء أن الخطأ أيا كانت درجته ، عمدا أو غير عمدي، جسيما أو يسيرا، عادنيا أم مهنا، يكفي لتحقق المسئولية المدنية، ولكن في الواقع العملي من الصعب حصر الصور التي تنطوي على مفهوم الخطأ التحكيمي؛ وذلك لتنوع الأخطاء التي تصدر من المحكم، سواء أثناء قبوله لمهمة التحكيم، أو أثناء مهمة التحكيم، أو بعد صدور حکم التحكيم.
١- الخطأ العادي، والخطأ المهني للمحكم: يعتبر الخطأ عادية إذا خالف
المحكم قواعد الحيطة والحذر المفروضة على الكافة، بحيث لا تنطوي المخالفة على إخلال بالأصول الفنية أو القواعد المهنية، أي هو ال الذي يقع بمخالفة الواجب العام من العناية، التي يلتزم بها كل مهن خارج مهنته أو داخلها، مع انعدام علاقته بأصول المهنة، ومن ثم فان خطأ المحكم العادي هو ذلك الخطأ الذي يقع من المحكم دون أن يكون لهذا الخطأ صلة بمهنة التحكيم، فهو خطأ خارج عن حدود المهنة، شأن المحكم فيه شأن غيره من الناس، ويخضع فيها للقواعد العامة للحيطة والحذر، حيث يستوجب على الجميع الالتزام والتقيد بها؛ لذا علی القاضي التحقق من وجود الخطأ وتقدير خطورته، مثال ذلك أن يقوم المحكم بحضور الجلسات وهو في حالة سكر، أو عدم اتزان مما قد يترتب عليه تضارب تصريحاته، أو ضياع مستندات، والقول إن المحكم بحاجة إلى الثقة والطمأنينة في عمله الفني يقابلها مصلحة أهم وهي حماية الأطراف من عدم التبصر والإهمال وغير المبالاة التي تقع من المحكم. .
أما الخطأ المهني: فهو الخطأ المرتكب من الشخص أثناء ممارسة مهنته وينطوي على إخلال بالقواعد العلمية والفنية لتلك المهنة، بمعنى انحراف صاحب المهنة عن السلوك الفني المألوف من مهني من أوسطهم، ويعد
انحرافه هذا خطأ مهنية.
ومن ثم فإن خطأ المحكم المهني، هو الذي ينجم عن عدم قيام المحكم مهاراته الخاصة التي تفرضها عليه مهنته، والإخلال بالقواعد العلمية و الفنية لمهنة التحكيم، ومن الخطأ المهني للمحكم، قبوله مهمة التحكيم بدون أن يكون هناك عقد التي ای عقد للتحكيم مكتوب، أو حضور جلسات التحكيم بدون اكتمال و ذلك من الأخطاء التي تشير إلى جهل المحكم بالأصول الفنية للمهنة)، وقبوله لمهمة التحكيم مع وجود مصالح متعارضة له.
و معيار الخطأ هنا معیار موضوعي، قوامه سلوك محكم آخر من نفس المستوى والدرجة للمحكم المخطئ.
ويترتب على التفرقة بين الخطأ العادي والمهني نتائج هامة تتمثل في أن المهني لا يسأل عن كل خطأ في أعماله المهنية، حتى لا يثنيه الخوف من المسئولية عن مزاولة مهنته التي تتطلب قدرا من الحرية والثقة والطمأنينة في العمل، وفي تهديدهم بمسئولية صارمة تكون ضد المصلحة العامة التي تشمل مصلحة العملاء أنفسهم.
ولقد انتهى الفقه الحديث إلى أن المهني لا يتمتع بأي تمييز عن غيره من الأفراد، ويخضع للقواعد العامة في المسئولية دون أي تمييز عن غيره من الأفراد، وذلك استنادا إلى أن المواد المتعلقة بالمسئولية جاءت ألفاظها عامة بما لا يسمح بإجراء أي تفرقة بين ذوي المهن و غيرهم.
وبناء على ذلك، فإن المحكم يسأل عن كل خطأ يقع منه، بدون تفرقة بين الخطأ الجسيم و اليسير، ولا بين خطأ مادي وخطأ مهني، وذلك هو الأكثر صوابا وعدالة؛ لأن المحكم مثله مثل أي شخص آخر لابد أن يسأل عن الضرر.
٢- الخطأ الجسيم، والخطأ اليسير للمحكم: سبق القول إن التفرقة بين الخطا
المهني والخطأ العادي ارتبطت بها تفرقة أخرى بين الخطأ الجسيم والخطأ اليسير، حيث ربط بعض الفقه والقضاء قدرا من الجسامة، لتقوم مسئولية المهني عن خطئه المهني وكقاعدة يكفي الخطأ أيا كان جسيمة أو يسيرا لإقامة المسئولية المدنية.
والخطأ الجسيم: هو ذلك الخطأ الذي لا يرتكبه الشخص المهمل، ولا يصدر من أقل الناس تبصرا وحذرة، وهو يفترض أن المدين كان يتوقع عند إهماله أو امتناعه عن تنفيذ التزامه حدوث الضرر ولكنه لا يكترث بذلك. وعلى ذلك فإن المحكم يسأل مدنيا عن الخطأ الجسيم الذي يصدر منه ما دام صدر منه عن إهمال وعدم تبصر لو قيس بأقل المحكمين خبرة ومهارة، وذلك إذا وقع منه أثناء تنفيذ التزامه بالعقد .
مثال ذلك: تلقي المحكم رشوة من أحد المحتكمين، أو قيامه بإتلاف مستند قدم له، فهذه أخطاء جسيمة لا تقع من أقل محكم، بينما الخطأ اليسير وهو الذي لا يرتكبه شخص متوسط الحرص وفقا لنص المادة رقم ۲۱۱ من القانون المدني المصري.
ومثال الخطأ السلبي للمحكم: امتناع المحكم عن حضور جلسة التحكيم، تقع على الحكم، كان يمتنع المحكم عن القيام بعمل توجبه عليه القوانين وائح الخاصة بالتحكيم، ولا نزاع في أن الامتناع في هذه الصورة يعتبر خاطئا موجبا للمسئولية؛ لما يترتب على امتناعه من ضرر، ومن ذلك القواعد القانونية أو المهنية التي توجب على المحكم إصدار الحكم أو حضور الجلسات، أو أن يقع امتناع المحكم بمناسبة عمل يقوم به؛ أي أن امتناعه في حقيقته هو تقصير في اتخاذ الاحتياطات التي يقتضيها القيام بعمله، ومثاله: عدم تحري المحكم الدقة وفحص المستندات المقدمة له، أو أن يكون امتناع المحكم مستقلا عن أي نشاط له متصل بإحداث الضرر، أي أنه فقط ش اهد الواقعة وأحجم عن تقديم المساعدة، ومثال ذلك: امتناع المحكم عن الإدلاء بمعلومات تجنب أحد أطراف التحكيم ضررة يحتمل وقوعه)، أو امتناع المحكم عن إبلاغ السلطات عن جريمة يجب الإبلاغ عنها ظهرت له أثناء منظر خصومة التحكيم.
4- الخطأ العمدي، وخطأ الإهمال للمحكم: من حيث المبدأ تنعقد المسئولية
للمدعى عليه لمجرد ارتكاب الخطأ، لا فارق في ذلك بين خطأ عمدي أو خطا غير عمدي، فيكون الخطأ عمديا في حالة امتناع المدين عمدا عن تعيد ما عليه من التزام أو التزامات ناشئة عن العقد على الوجه المتفق عليه فيه، سواء أكان هذا التعمد بقصد الإضرار بالدائن أو لتحقيق مصلحة شخصية، ومن ثم تنعقد المسئولية المدنية للمحكم إذا امتنع متعمدا بتوافر نية العمد وسوء القصد في الإضرار بالمحتكمين، أي التحقيق مصلحة شخصية له عن عدم تنفيذ ما عليه من التزام بتنفيذ بنود عقد التحكيم، كأن يتعمد المحكم عدم حضور إحدى الجلسات بقصد الإضرار ماديا بالأطراف بتأخير إصدار الحكم لتحقيق مصلحة شخصية للمحكم أو لمن لهم علاقة به، وإثبات الخطأ العمدي صعب؛ لأنه يتصل بالنوايا الخفية، ولذلك لا يكون أمام القاضي سوى الاستناد إلى المظاهر الخارجية للاستدلال على حقيقة نيته ومقصده، وهذه المقاصد لیست سوی قرائن أو وسائل إثبات للتوصل إلى سوء النية.
أما الخطأ غير العمدي، هو عدم تنفيذ المدين للالتزام الناشئ عن العقد، لكن دون تعمد منه، إذ قد لا ينفذ المدين التزامه لا عن عمد ولكن إهمال أو عدم احتياط منه، فهذا الخطأ لم ينتبه إليه المدين، ولم تنصرف إرادته إليه، ولم يقصد إحداث الضرر الناشئ عنه، وعلى ذلك يكون خطأ المحكم غير عمدي إذا لم تتوافر النية في هذا الخطأ، ولم يكن يقصد الإخلال ببنود عقد التحكيم، ولم تتوافر لديه النية لإحداث ضرر للمحتكم، كعدم حضور المحكم إحدى الجلسات، وكان ذلك إهمالا منه وعدم عناية بدون توافر نية تعمد عدم الحضور، ولا يهدف الإضرار بالمحتكمين، ومع ذلك تترتب مسئولية المحكم عن هذا الإهمال.
ثالثا: عناصر خطأ المحكم:
ويتمثل في التعدي بمخالفة التزام فرضه القانون کی معنوي، وهو الإدراك أو التمييز.
فإن جاوز الانحراف ضابط المسلك المعتاد صار تعديا دون النظر للظروف الشخصية الذاتية للفاعل، ولا عبرة بالظروف الداخلية للشخص المعتدي، ولكن لا نرده إلى الظروف الخارجية، وأهمها ظرفا الزمان والمكان؛ لأن تلك الظروف عامة يشكك فيها الشخص العادي الذي يوجد في مثل هذه الظروف، التي قد تقتضي منه المزيد من الحرص والعناية والحيطة والحذر، وعلى ذلك يقاس خطأ المحكم بمعيار المحكم العادي الذي يوجد في نفس ظروف المحكم المخطئ.
رابعا : إثبات ركن خطأ المحكم:
وفقا للقاعدة العامة المنصوص عليها في المادة رقم 1 من قانون الإثبات في المواد المدنية والتجارية المصري، والتي نصت على أنه "علی الدائن إثبات الالتزام، وعلى المدين إثبات التخلص منه". فإن المحتكم المدے بالتعويض هو الذي يلتزم بإقامة الدليل على توافر أركان المسئولية في ح ق المحكم المدعى عليه، وهذا يلزمه إثبات الخطأ بركنية المادي والمعنو والمحكم هو المكلف بإثبات التخلص منه، وذلك على أساس أن المحتكم المدعي أقدر أطراف التحكيم على إثبات خطأ المحكم، وأن الأصل براءة الذمة، وعلى من يدعي البينة إقامة الدليل على ما يدعيه.
ولكن القول بذلك يشكل في غالبية الأحوال عبئا ثقيلا على عاتق المضرور، الأمر الذي يجعل حقوقه عرضة للضياع، لصعوبة إلمام المحتكم العادي بقواعد القانون، فكيف له أن يثبت خطأ المحكم؟
والأصل أن يتم إثبات الخطأ بكافة طرق الإثبات، باعتبار أن الإثبات يرد على واقعة مادية، وعلى ذلك فللمحتكم إثبات خطأ المحكم بكافة طرق الإثبات. وإن كانت الكتابة وسيلة الإثبات الأصلية لإثبات خطا المحكم، استار أن الكتابة شرط لصحة عقد التحكيم، ولكن ذلك لا يمنع المدعي من٫ إثبات خطا المحكم بوسيلة إثبات أخرى، إذا كان خطأ المحكم خارج عقد التحكيم، ومن الصعب إثباته بالكتابة، ولكن من السهل إثباته بوسيلة أخرى شهادة الشهود، أو إقرار المحكم بالخطأ، سواء أكان صريحا أم ضمنيا، كما لو عرض المحكم على المضرور مبلغا لتعويضه عن الضرر الذي الحق به.
وللمحكمة سلطة تقديرية في تحديد وسيلة الإثبات، حسب ما يتراءى لها الإثبات الخطأ، ومن ثم فلها سلطة الأخذ بالقرائن القضائية، والاستعانة بخبير عند الحاجة، وذلك إذا ما أثير من صعوبة إدراك القاضي للنواحي الفنية.
ويترك القاضي الموضوع السلطة التقديرية في الحكم بمدى قيام المحكم بمهمته أم لا طبقا لما هو منسوب له في الدعوى المقامة ضده، وطبقا الطرق الإثبات وتنوعها المقدمة في الدعوى.
اركان مسؤلية المحكم الضرر
أولا: مفهوم الضرر:
يعتبر الضرر الركن الثاني من أركان المسئولية المدنية للمحكي الركن الجوهري فيها، ولا يتصور ترتيب المسئولية على المحكم بدونه، بل يجب البدء بإثباته قبل إثبات ركن الخطأ وعلاقة السببية، فإذا لم يترتب عل خطأ المحكم أي ضرر، فلا تجب مساءلته لانعدام المصلحة كشرط لقبول الدعوى المدنية بالتعويض ، وعلى ذلك فخطأ المحكم وحده لا يكفي لقيام مسئوليته المدنية في مواجهة المحتكم أو الغير المضرور، بل يجب إثبات أن الضرر هو نتيجة خطأ المحكم حتى تقبل دعوى التعويض أمام القضاء.
إذ قد توجد حالات لا يؤدي فيها عدم تنفيذ المحكم لالتزامه إلى ضرر يلحق بالمضرور، فلا تتحقق المسئولية المدنية للمحكم.
والضرر هو المساس بحق أو مصلحة مشروعة لشخص ما، مساسا يترتب عليه جعل مركزه أسوأ مما كان عليه قبل ذلك، وسواء أكان ذلك الحق أم تلك المصلحة ذات قيمة مالية أم لم تكن .
وبما أن محل التزام المحكم هو الالتزام بعمل، وهو إصدار الحكم التحكيمي، فإن إخلاله بهذا في حالة عدم تنفيذ أو تنفيذ معيب أو تأخير في التنفيذ، فإنه يكون قد أخل بحق المحتكم في حصوله على حكم تحكيم غير معيب، وفي الوقت المحدد له، فيصبح مركز المحتكم في مركز أسوأ مما كان عليه، ويصاب بضرر مالی و أدر لم يصب بضرر، تنتفی مسئول و بضرر مالي وأدبي أو بأحدهما، وإذا أثبت المحكم أن المحتكم لم يصب بضرر، تنتفي مسئوليته لعدم توافر المصلحة في دعوى التعويض.
ثانيا: أنواع الضرر:
الضرر نوعان مادي، وأدبي، الضرر المادي هو الذي يسبب للشخص المضرور خسارة مالية مشروعة، وهو الأكثر والأغلب وقوعا في نطاق المسئولية المدنية للمحكم، كما لو تأخر المحكم في إصدار حكم التحكيم، مما ترتب عليه ضرر في صورة زيادة نفقات ومصاريف، بالإضافة إلى تفويت فرصة عليه كانت تعتمد على إصدار حكم التحكيم في ميعاد معين، مما ألحق بالمحتكم خسارة مالية.
بينما الضرر الأدبي، هو الذي يصيب الشخص في مصلحة غير مالية، فالضرر في حد ذاته لا يؤدي إلى خسارة مادية، أو مساس بالذمة المالية، ولقد عرفت محكمة النقض المصرية الضرر الأدبي بأنه كل مايؤذي الإنسان في شرفه واعتباره أو يصيب عاطفته ومشاعره، وعلى ذلك إذا أخل المحكم بالتزامه، ولحق المحتكم ضرر أدبي من هذا الإخلال، تقوم مسئولية المحكم، ويصبح ملزما بالتعويض، لأن هناك مصلحة أدبية للمحتكم في إصدار الحكم التحكيمي بدون إخلال المحكم بأي التزام من التزاماته، مثل إفشاء المحكم سرا للمحتكم لا يجوز إفشاؤه، فيصيب المحتكم بضرر أدبي في سمعته، أو امتناع المحكم عمدا بسوء نية عن تنفيذ عقد التحكيم، يجعل التعويض عن الضرر الأدبي الذي أصاب المحتكم أكبر).
ثالثا: شروط الضرر المادي والمعنوي: .
يشترط في الضرر سواء المادي أو المعنوي، كركن للمسئولية المدنية للمحكم عدة شروط هي:
١- الإخلال بمصلحة مالية مشروعة للمضرور، حيث يشترط في المصلحة
حتى يعتبر الإخلال بها ضررا، أن تكون مصلحة شخصية تلحق الشخص المضرور في شخصه أو ماله، أما غير المضرور فلا يستطيع أن يطالب بتعويض عن ضرر أصاب غيره، كما يجب أن تكون المصلحة مشروعة، فإن كانت المصلحة مخالفة للنظام العام أو القانون أو الآداب العامة، فإنها تكون مصلحة غير مشروعة، وتنتفي المسئولية ولا تقبل دعوى التعويض؛ لأن قواعد المسئولية لا يجوز أن تكون ستارة لحماية المصالح المستمدة من مركز غير مشروع، وعلى ذلك يجب لتوافر مسئولية المحكم عن إخلاله بالتزامه، أن يكون الضرر المطالب بالتعويض عنه قد أصاب المضرور نفسه لا غيره.
۲- أن يكون الضرر محققا: حيث تشترط جميع التشريعات لقيام المسئولية
المدنية للمحكم أن يكون هناك خطأ تسبب في وقوع ضرر، ولا يكفي وجود الضرر، بل يجب أن يكون واقعا، أو أن يكون وقوعه محقق الوقوع في المستقبل.
وبناء على ذلك يجب أن نفرق بين كل من الضرر المحقق، والضرر المستقبل، والضرر المحتمل، وتفويت الفرصة، وذلك كما يلي:
الضرر الحال المحقق: هو الضرر الذي وقع فعلا، والأصل أن التعويض يكون عن الضرر الحال، أما إذا لم يقع ضرر أصلا فلا تعويض، وعلى ذلك يلزم لتوافر المسئولية المدنية للمحكم أن يكون الإخلال بالتزامه قد تسبب في ضرر أصاب المحتكم أو الغير المضرور، فإن لم يصبه ضرر فلا تقع المسئولية كما لو تأخر المحكم في إصدار حكم التحكيم، ومع ذلك لم يصب المحتكم أو الغير بضرر من جراء هذا التأخير.
الضرر المستقبل: هو الضرر الذي تحقق سببه، وتراخت آثاره كلها أو بعضها على المستقبل، ويكون التعويض عن الضرر الذي وقع في الحال الضرر الذي سيقع في المستقبل إذا استطاع القاضي أن يقدر الضرر جميعه، وأما إذا استطاع تقدير التعويض الحال فقط دون المستقبل لتوقف مدى الضرر على عامل مجهول لا يعرفه، فيحكم بالتعويض مع حفظ حق المضرور أن يطالب بتكملة التعويض مرة ثانية، إذا ساءت حالته في المستقبل، وعلى ذلك لا تقوم مسئولية المحكم والتزامه بتعويض المضرور عن الضرر الحال فقط، بل يشمل أيضا الضرر المستقبل المحقق الوقوع، وسواء أتم تقدير تعويض الضرر في الحال أم لا.
الضرر المحتمل: هو ضرر لم يقع، ولا يوجد ما يؤكد أنه سيقع؛ لذلك لا يصح لقيام المسئولية المدنية، ولا تقوم به المسئولية إلا بعد أن يتحقق فعلا، ولا يخول المطالبة بالتعويض إلا بعد التحقق، ومع ذلك تقوم مسئولية المحكم عن الضرر المحتمل، ويسأل عن تعويضه رغم عدم تحققه؛ لأنه ملزم بتحقيق نتيجة، إلا إذا أثبت أن المضرور لم يصبه ضرر من جراء هذا الضرر الاحتمالي، كما لو تنحي المحكم عن نظر خصومة التحكيم، رغم أنه لم يصب المحتكم بضرر حال، ولم يتحقق رغم ذلك، فإن المحكم تقوم مسئوليته، ويصبح ملزما بتعويض المحتكم عن هذا الضرر الاحتمالي؛ لأنه ملزم بتحقيق نتيجة، وهي إصدار حكم التحكيم في ميعاده المحدد، ما لم يثبت أن المحتكم لم يصبه ضرر حال، ولا يتوقع وقوع ضرر له في المستقبل.
تفويت الفرصة: بأن كان أمرا محتملا، إلا أن تفويتها أمر محقق؛ ولذلك يتعين التعويض عنها، والتعويض لا يكون عن موضوع الفرصة، وإنما يكون عن تفويت الفرصة ذاتها، ويراعى في التقدير مدى احتمال الكسب الذي ضاع على المضرور من جراء تفويت الفرصة عليه، وعلى دلك فالمحكم تقوم مسئوليته بمجرد تفويت فرصة على المحتكم أو الغير المضرور، والتعويض يكون عن كل الضرر الذي سيلحق المضرور، سواء
أكان محقق الوقوع أم غير محقق؛ لأن المحكم ملزم بتحقيق نتيجة، إلا إذا أثبت أن تفويت الفرصة لم يتحقق عنها أي ضرر متوقع من هذا التفويت.
3- أن يكون الضرر مباشرة: أن يكون الخطأ مسبب الضرر، والذي أصاب المضرور صادرا من المحكم مباشرة، ما لم يكن قد أخل بالتزامه عمدا، أو عن خطأ جسيم، فيكون مسئولا عن الضرر المباشر المتوقع وغير المتوقع، والمقصود بالضرر المباشر، الضرر الذي يمكن توقعه عادة وقت التعاقد، أي وقت إبرام العقد.
4- أن يكون الضرر شخصيا: أي أن يكون الضرر قد أصاب المحتكم أو الغير المضرور هو وليس غيره في ذمته بسبب الخطأ، ومن ثم فلا يجوز لغير الشخص المضرور مطالبة المحكم بالتعويض عما أصابه من ضرر، سواء أكان المضرور شخصأ معنوية أم شخصأ طبيعية.
رابعا: إثبات الضرر:
القواعد العامة في الإثبات تنص على أن: على من يدعي الضرر إقامة الدليل على ما يدعيه، أي أن عبء الإثبات يقع على المدعي المضرور من خطأ صدر عن المدعى عليه، والضرر واقعة مادية يجوز إثباتها بكافة طرق الإثبات، بما فيها البينة والقرائن.
علاقة السببية
لا يكفي لقيام المسئولية المدنية توافر ركني الخطأ والضرر فقط، بل لا بد من توافر ركن علاقة السببية بين الخطأ والضرر؛ ولأن العدالة تقتضي ألا يسأل مرتكب الخطأ إلا عن الضرر الذي أصاب المضرور نتيجة لخطئه فقط دون خطأ غيره، وبذلك تظهر أهمية علاقة السببية في مجال المسئولية المدنية، بحيث يكون الضرر نتيجة مباشرة للخطأ ومرتبطا به بصلة أكيدة وحتمية ارتباط السبب بالمسبب)، وقد أقر العديد من التشريعات ض رورة لوافر ركن السببية، ومن هذه التشريعات التشريع المدني المصري في المواد أرقام ۱۹۳، ۲۲۱، ۲۲۹ مدني كويتي.
ولعلاقة السببية دورا هاما في مجال المسئولية المدنية للمحكم، فهي تحدد الفعل الذي سبب الضرر للمضرور من بين الأفعال المتعددة المحيطة بالضرر، فضلا عن أنها تستخدم لتحديد نطاق مسئولية المحكم.
إذ إن الضرر الواحد قد يؤدي إلى أضرار متلاحقة. فهل يسأل المخط عن هذه الأضرار كلها؟ أم عن الضرر الأول فقط؟
يشترط لترتيب المسئولية على الضرر أن تكون هناك علاقة السببية المباشرة بين الخطأ الذي يقع من المحكم، والضرر الذي أصاب المضرور، المساءلته مدنيا عن هذه الأخطاء التي تقع منه، سواء قبل قبوله المهمة، أو أثناءها، أو عند إصدار حكم التحكيم. فإذا لم تتوافر علاقة السببية بين خطأ المحكم، وضرر المضرور تنتفي مسئولية المحكم لانتفاء السببية)، ولو صدر من المحكم خطأ ولحق المضرور ضرر، فيجب على المدعي البحث عن سبب هذا الضرر.
والتحقق من علاقة السببية قد يكون أمرا شاقا ومتعذرا في كثير من الحالات؛ لأن الخطأ قد يأخذ صورة فعل، وقد يأخذ صورة ترك أو امتناع، وهو ما يجعل آثار الخطأ أمرا صعب التحديد، إذ قد يرجع الضرر في وجوده إلى عوامل متعددة، فيكون من الصعب تحديد الأثر الذي ساهم به كل من هذه العوامل، وترجع صعوبة ومشقة تحديد علاقة السببية بين الخطأ والضرر إلى تعدد الأسباب، حيث يجب البحث عن السبب الحقيقي للضرر؛ لأنه غالبا ما يكون الخطأ أحد عوامل متعددة ساهمت في وقوع الضرر، كما قد يؤدي الخطأ إلى سلسلة من الأضرار تتعاقب واحدة بعد الآخر، وتكمن الصعوبة هنا في تحديد الحد الذي يجب التوقف عنده باعتبار أنه هو الذي ينشأ عن السبب.
وقد استقر القضاء الفرنسي والمصري على تطلب علاقة السببية بين الخطأ والضرر لإمكانية تحقق المسئولية المدنية بصفة عامة، وأخطاء المحكم سواء أكانت معاصرة لقبوله المهمة، أم أثناء القيام بالمهمة، أم لاحقة على إيداع الحكم، فهذه الأخطاء قد يترتب عليها أضرار تصيب المحتكمين أو الغير، تتمثل في ضياع الوقت، وإطالة أمد التقاضي، أو ضياع الدليل، أو إنفاق مصروفات باهظة، أو غير ذلك من الأضرار المادية والأدبية.
ويجب توافر علاقة السببية بين خطأ المحكم والضرر، ويقع على المدعي إثبات توافر علاقة السببية بين خطأ المحكم والضرر الحادث له، وللمضرور إثبات خطأ المحكم الذي أدى إلى بطلان الحكم أو تنحي المحكم عن المهمة بدون عذر مقبول، أو التأخر في إصدار الحكم، أو الامتناع عن رد المستندات، أو إفشاء أسرار التحكيم، أو الإخلال بالحيدة، مما تسبب له في الضرر، مع توافر علاقة السببية بين الخطأ والضرر، وهنا تقوم مسئولية المحكم المدنية عن أخطائه، أما إذا لم يستطع المضرور إثبات علاقة السببية فإن مسئولية المحكم تنتفي.
وعلاقة السببية بين خطأ المحكم والضرر الذي أصاب المضرور قائمة؛ لأن التزام المحكم عقدي، ومن ثم فلا يكلف المضرور بإثباتها، ولكن المحكم هو الذي يكلف بنفي هذه العلاقة إذا ادعى أنها غير موجودة، فعبء الإثبات يقع على المحكم لا على المضرور، ولا يستطيع المحكم نفي علاقة السببية إلا بإثبات أن الضرر الذي أصاب المضرور ليس نتيجة لخطئه، وإنما مصدر هذا الضرر هو سبب أجنبي.