متفرقات / قوانين التحكيم في الدول العربية / المجلات العلمية / مجلة التحكيم العالمية العدد 47-48 / قانون التحكيم الإماراتي الجديد في ميزان القانون المقارن
في 3 مايو 2018 أصدر رئيس الدولة القانون الإتحادي رقم 6 لسنة 2018 بشأن التحكيم. وهو القانون الذي طال إنتظاره. وكان يطالب به المهتمون بمجال التحكيم، لأهميته الداخلية وفي التحكيم الدولي أيضاً.
وعند صدور هذا القانون كان ينظم مسائل التحكيم المواد من 203 إلى 218 مـن قـانون الإجراءات المدنية رقم 11 لسنة 1992 وتعديلاته. وكان ينظر إلى هذه المواد على أنها مختصرة وقاصرة عن الإلمام بمسائل التحكيم المختلفة. كما توجد بعض النصوص المتفرقـة المتعلقـة بالتحكيم في عدة قوانين، مثل قانون إتحاد غرف التجارة والصناعة رقم 5 لسنة 1976 (حل محله ألقانون رقم 22 لسنة 2000)، وقانون تنظيم علاقات العمل رقم 8 لسنة 1980 وتعديلاته. وعلى المستوى المحلي، توجد بعض نصوص التحكيم في قوانين الإمارات المختلفة إمارة دبي وإمـارة أبو ظبي وغيرهما. كما يوجد أيضاً على المستوى المحلي، ما يعرف بمحاكم مركز دبي المالي، وهي تنظم نوعاً من التحكيم في المنازعات التي تثور بين الشركات المسجلة فـي مركـز دبـي المالي العالمي، كما تم من إختصاصها فيما بعد لتشمل التحكيم الإختيـاري لمـن يرغـب مـن الشركات في دول مجلس التعاون الخليجي وغيرها من الدول من غير المسجلين في مركز دبـي المالي العالمي. كما أعلن أيضاً في 2017 عن تأسيس "مركز تحكيم سوق أبو ظبـي الـعـالمي"، على غرار محاكم مركز دبي المالي العالمي، في جزيرة المارية، ليبدأ به العمل في خلال الربع الأول من العام 2018، ولكن وفقاً لما أعلن عنه تم العمل به يوم الأربعـاء 17 أكتوبر 2018. وفي حين يوجد تعاون بين محاكم مركز دبي المالي العالمي مع محكمة تحكيم لندن، فإنه يوجـد مثل هذا التعاون بين مركز تحكيم سوق أبو ظبي العالمي وغرفة التجارة الدولية في باريس.
وإذا كان القانون الجديد رقم 6 لسنة 2018 قد نص على إلغاء نصوص التحكيم في القانون الإتحادي رقم 11 لسنة 1992 المشار إليه، وإلغاء كل حكم مخالف لأحكام هذا القانون (ألمـادة 60)، فإن التساؤل يثور حول النصوص المنظمة للتحكيم في بقية القوانين الإتحادية الموجودة عند صدور قانون التحكيم، وأيضاً النصوص المنظمة للتحكيم وفقاً للقوانين الداخلية لبعض الإمارات.
وفي عرض أحكام قانون التحكيم الإماراتي الجديد رقم 6 لسنة 2018، نرى أن يكون ذلـك وفقا للمحاور الآتية:
- أهمية إصدار القانون: قانون طال إنتظاره! – وصف القانون الجديد.
- مصادر القانون الجديد - نظام التحكيم وفقاً للقانون الجديد.
- طبيعة الحلول الواردة فيه بين الإنفتاحية والتقييد – مدى عالمية أحكامه.
- تقييم القانون الجديد.
وسيكون ذلك في ميزان القانون المقارن، لنرى مدى أصالة القانون الإماراتي للتحكـيـم بـالنظر للقانون المقارن، حيث سنحاول المقارنة مع الحلول الموجودة في القانون المصري والقانون الفرنسي وقواعد اليونسيترال للتحكيم التجاري الدولي وما تقتضي هذه الدراسة أن نعرض له من قوانين.
ورغم قلة المعلومات حول مراحل إصدار القانون رقم 6 لسنة 2018، حيث لا يتوافر سوى مشروع القانون وبعض الأخبار الصحفية السابقة واللاحقة على صدوره، نحاول إلقاء الضوء على هذا القانون من حيث مصادره، ونظامه، وطبيعة الحلول الواردة فيه، ومدى عالمية أحكامه، وتقييمه، من خلال المصادر المتاحة.
أولا- أهمية إصدار قانون خاص بالتحكيم: قانون طال إنتظاره! صدور
قيل قبل صدور هذا القانون أن قواعد التحكيم في قانون الإجراءات المدنيـة لا تـساعد ولا تشجع على تطور التحكيم التجاري الدولي، بل على العكس تعيق النمو المطلوب في هذا المجـال الهام . ورغم نسبية هذا التقرير من وجهة نظرنا، إلا أن وجود قانون للتحكيم يعد، بـلا شـك توجها للدولة في هذا الخصوص نحو تشجيع التحكيم التجاري الدولي. وهذا ما قيل بالفعـل بعـد هذا القانون. فقد رأى فيه المتابعون أنه يمنح أفضلية للإمارات، حيث يجعل منها بيئة أكثر صداقة للتحكيم الدولي، كما يعد نقلة هائلة في هذا الخصوص، ويعكـس رغبـة متزايـدة مـن الإمارات للإلتزام بالقواعد والممارسات الدولية. وترتيباً على ذلك، سيجعل هذا القانون الإمارات وجهة إقليمية ذات الأفضلية للتحكيم. وسوف يساعد على ذلك بلا شك، إنضمام الإمارات إلى عدد من الإتفاقيات الدولية ومتعددة الأطراف بغرض الإعتراف بأحكام التحكـيم التجـاري الـدولي وتنفيذها في الدولة. 4 وقد تبنى القانون الجديد العديد من الحلول للمشكلات العملية بالنظر إلى القواعد التي كانـت تنظم التحكيم قبل صدوره، وبصفة خاصة المواد من 203 إلى 218 الملغاة. وهذا سيتضح فـي تناولنا لهذا القانون في الصفحات الآتية.
ثانياً- وصف القانون: يغطي القانون، الذي يتكون من 61 مادة، ألجوانب الآتية: الفصل الأول: التعاريف ونطاق السريان (ألمواد من 1 إلى 3): بعد تحديد التعاريف، يتناول هذا الفصل سريان القانون على النحو الآتي: يسري هذا القانون على كل تحكيم يجري في الدولة ما لم يتم إتفـاق الأطـراف على إخضاعه لأحكام قانون آخر بشرط ألا يتعارض هذا الأخير مع النظام العام والآداب العامـة في الدولة. وتسري أحكام هذا القانون على كل تحكيم تجاري دولي يتفـق أطرافـه علـى إخضاعه لأحكام هذا القانون. كما تسري أحكامه أيضاً على كل تحكيم ناشئ عن نزاع بشأن علاقة عقدية أو غير عقدية تنظمها القوانين السارية في الدولة إلا ما استثنى منهـا بـنص خاص. كما يعطي القانون للأطراف إمكانية إختيار هيئة التحكيم، ويلـزم القـانون هيئـة التحكـيم بإصدار الحكم المنهي للخصومة التحكيمية خلال المدة التي إتفق عليها الأطراف، فإن لم يوجـد مثل هذا الإتفاق، يجب أن يصدر الحكم خلال 6 أشهر من تاريخ عقد أول جلسة مـن جـلـسـات التحكيم. وحدد القانون الأحوال التي يكون فيها التحكيم ذا صفة دولية، وهي: 1- إذا كان المركز الرئيسي لأعمال الأطراف يقع في دولتين مختلفتين أو أكثر وقت إبرام إتفاق التحكيم، فإذا كان لأحد الأطراف عدة مراكز أعمال، فالعبرة بـالمركز الأكثـر إرتباطا بموضوع إتفاق التحكيم، وإذا لم يكن لأحد أطراف التحكـيم مركـز أعمـال فالعبرة بمحل إقامته المعتاد. 2- إذا كان أحد الأماكن التالية يقع خارج الدولة التي يقع فيها المقر الرئيسي لعمل أي مـن الأطراف: أ- مكان إجراء التحكيم كما حدده إتفاق التحكيم أو أشار إلى كيفية تحديده. ب- مكان تنفيذ جانب جوهري من الإلتزامات الناشئة عن العلاقات التجاريـة بـين الأطراف، أو المكان الذي يكون له صلة وثيقة بموضوع النزاع.
3- إذا كان موضوع النزاع الذي ينصب عليه إتفاق التحكيم يرتبط بأكثر من دولة. 4- إذا إتفق الأطراف صراحة على أن موضـوع إتفـاق التحكـيم يتعلـق بـأكثر مـن دولة. ألفصل الثاني: إتفاق التحكيم (ألمواد من 4 إلى 8): يحدد هذا الفصل كل الأحكام المتعلقة بالأهلية اللازمة لإبرام إتفاق التحكيم، وصور إتفـاق التحكيم، وإستقلالية إتفاق التحكيم، وإشتراط أن يكون إتفاق التحكيم مكتوباً، وأخيراً ألفـصـل فـي النزاع المتضمن إتفاق التحكيم. ألفصل الثالث: هيئة التحكيم (ألمواد من 9 إلى 21): يتناول هذا الفصل هيئة التحكيم، من حيث تشكيل هيئة التحكيم والشروط الواجب توافرها في المحكم، وكيفية إختيار هيئة التحكيم، وأن هيئة التحكيم تشكل بإتفاق الأطراف من محكم واحد أو أكثر، بشرط أن يكون العدد وتراً وإلا كان التحكيم باطلاً. كما بين القانون بأنه يمكن للأطراف الإتفاق على الإجراءات الواجبة عند تعيين المحكـم أو المحكمين وكيفية تعيينهم، وبين جزاء الإخلال بإجراءات إختيار هيئة التحكيم. وألحق هذا الفصل بهيئة التحكيم، كل ما يتعلق برد المحكم وإجراءات هذا الرد، وإنهاء مهمة المحكم، وتعيين المحكم البديل، والإختصاص العام بنظر تدابير التحكيم، وإختصاص هيئة التحكيم بالبت في إختصاصها، وميعاد التمسك بالدفع بعدم إختصاص هيئة التحكيم، والتدابير المؤقتـة أو التحفظية، مع أن كثيراً منها ينتمي إلى إجراءات التحكيم وكان من الأولى ألنص عليها في الفصل الخاص بإجراءات التحكيم. الفصل الرابع: إجراءات التحكيم (ألمواد من 22 إلى 36): تناول هذا الفصل إجراءات التحكيم، محدداً إياها بأنها تشمل: إدخال أو تدخل أطراف جديدة في التحكيم، وتحديد الإجراءات الواجبة الإتباع، والإعلانات، والتنازل عـن حـق الإعتـراض، والمساواة بين أطراف التحكيم، وبدء إجراءات التحكيم (كذا!) ومكان التحكيم، ولغـة التحكـيم وبيان الدعوى وأوجه الدفاع، والمستندات المؤيدة لبيان الدعوى وأوجه الدفاع، وجـزاء إخـلال
الأطراف بالتزاماتهم، وعقد الجلسات وتقديم البينة، بما في ذلـك الإستعانة بـالخبراء وشـهادة الشهود، وأخيراً صلاحية (أي سلطة) المحكمة في الأمر بتقديم الإثبات. ألفصل الخامس: حكم التحكيم (ألمواد من 37 إلى 57): في هذا الفصل الخاص بحكم التحكيم، عرض القانون لتطبيق قانون الإرادة على موضـوع النزاع، وسلطة هيئة التحكيم في تحديد القانون الواجب التطبيق على موضوع النـزاع، وسـلطة هيئة التحكيم في إصدار الأحكام الوقتية والجزئية، وحكم التحكيم الإتفاقي، وشكل حكـم التحك وبياناته، وميعاد إصدار الحكم المنهي للخصومة، والفصل في المسائل الأوليـة، وإعـلان حك التحكيم، وإنتهاء إجراءات التحكيم، وتحديد مصروفات التحكيم، والإمتناع عن تسليم الحكـم فـي حالة عدم تسديد المصاريف، وسرية أحكام التحكيم، وتفسير حكم التحكيم، وتصحيح الأخطـاء المادية بحكم التحكيم، وحكم التحكيم الإضافي، والقوة الإلزامية لحكم التحكيم، والإعتراض علـى حكم التحكيم، ودعوى بطلان حكم التحكيم، وتنفيذ حكم التحكيم، ووقف تنفيذ حكم التحكيم، وأخيرا الطعن على تنفيذ حكم التحكيم. الفصل السادس: أحكام ختامية (ألمواد من 58 إلى 61): في هذا الفصل، وردت بعض الأحكام الختامية: ميثاق عمل المحكمين وقـوائمهم، ونطـاق السريان الزماني للقانون، وإلغاء مواد التحكيم الواردة في قانون الإجراءات المدنية، ونشر القانون في الجريدة الرسمية وتاريخ العمل بأحكامه. ا ثالثاً- مصادر قانون التحكيم الإماراتي: من مطالعة نصوص قانون التحكيم الإماراتي يمكن الجزم بأنه قد إستقى قواعده من مصادر متعددة: على الأقل، قواعد التحكيم التجاري الدولي (أليونسيترال)، والقانون المصري، وأحكـام القضاء. وليس لدينا يقين أن هذه المصادر هي فقط المصادر التي إستمد منهـا قـانون التحكـيم الإماراتي قواعده، ولكنا إعتمدنا أسلوب الأشباه والنظائر للقول بهذا التقريرة.
فتشابه القواعد بين القانون المصري والقانون الإماراتي واضحة جداً، بل والحلول أيـضاً، وحتى ترتيب وترقيم مواد القانونين. وهذا وذاك يتشابهان مع القواعد الدولية للتحك يم التجـاري التي أقرتها لجنة القانون التجاري الدولي بالأمم المتحدة UNCITRAL. وليس هذا عيباً أو بدعاً التقنين، ففي الغالب يستمد القانون أحكامه من مصادر متعددة. وفضلاً عما تقدم، يجب القول بأن القضاء كمصدر للقواعد القانونية في قانون رقم 6 لـسنة 2018 واضح جداً. فقد حرص القضاء الإماراتي على مسايرة الإتجاهات الحديثة في التحكـيم . من ذلك تبني القضاء الإماراتي لمبدأ إستقلال إتفاق التحكيم وما يترتب عليه مـن نتـائج، علـ الرغم عدم نص قانون الإجراءات المدنية على هذا المبدأ؟. قد كرس القانون الجديد هذا المبدأ في المادة 1/6 منه، التي تنص على أن: "يكون إتفاق التحكيم مستقلاً عن شروط العقد الأخـرى، ولا يترتب على بطلان العقد أو فسخه أو إنهائه أي أثر على إتفاق التحكيم الذي يتضمنه إذا كان هذا الإتفاق صحيحاً في ذاته إلا إذا تعلق الأمر بنقصان أهلية أحد المتعاقدين". 7 كما أن القضاء الإماراتي قد قضى بإمكانية رفع دعوى مبتـدأة للمطالبـة بـبطلان حكـم التحكيم، على الرغم من أن قانون الإجراءات المدنية كان ينص على أن طلب البطلان يقدم أثناء نظر المصادقة على حكم التحكيم. وهذا ما كرسه قانون التحكيم الجديد في المادة 1/53 منه ألتي تنص على أنه: "لا يقبل الإعتراض على حكم التحكيم إلا بموجب رفع دعوى بطلان إلى المحكمة أو أثناء نظر طلب المصادقة على الحكم" ولأسباب معينة عينها النص.
ويمكن أن نقرر أيضاً أن القضاء الإماراتي قد قرر الصفة الرضائية للتحكيم وأنـه يجـ الإتفاق على التحكيم صراحة فلا يفترض ولا يجوز إستخلاصه، وفي ذلك قضت محكمة تمييـز دبي أن: "التحكيم هو إختيار المتنازعين طرفاً غيرهما للفصل فيما شجر بينهما من خـلاف دون الإلتجاء إلى القضاء- لأن التحكيم هو نزول عن الإلتجاء إلى القضاء فإنه يجب الإتفاق عليه ولذا فإنه لا يفترض ولا يجوز إستخلاصه من سكوت أحد الطرفين عن التحكيم المقدم مـن الطـرف الآخر - إن إتفاق الطرفين المتعاقدين على إتباع إجراءات معينة لحل ما يثور بينهما من خـلاف حول تنفيذ عمل ما، ودياً، لا يمنعهما من الإلتجاء إلى القضاء مباشرة بإعتبار أن القـضاء هـو صاحب الولاية العامة في الفصل في المنازعات وبإعتبار أن لجوء أحدهما إلى القضاء مباشـرة قرينة على عدم الوصول إلى حل وذي أو تسوية 10. وقد نظم قانون التحكيم الجديد كل ما يتعلق بضرورة وجود إتفاق بين الأطراف على اللجوء إلى التحكيم، من تعريفه (م1)، والأهلية المطلوبة لإبرامه (م4)، وصوره (م5)، وإستقلاليته كما مر بنا (م 6)، وضرورة كتابته وإلا كـان بـاطلاً (م7)، وأخيراً ألفصل في النزاع المتعلق به (م8). ولم يظهر في النصوص السابقة ألمعنى الـذي أقره القضاء من أن الرضاء بالتحكيم لا يفترض ولا يجوز استخلاصه من سكوت أحد الطرفين وأنه يجب أن يكون صريحاً. المادة ومن أجل بيان الصورة كاملة، نقول بأن القانون قد خالف القضاء المستقر للمحاكم الإماراتية في بعض مسائل التحكيم. من ذلك بدء إجراءات التحكيم: الإجراء والتاريخ. فقد كان القضاء يقرر بداية إجراءات التحكيم من تاريخ الجلسة الأولى". ولكن القانون الجديد تبنى حلاً آخر في 1/27 منه التي تنص على أن: "تبدأ إجراءات التحكيم من اليوم التالي لإكتمـال تـشكيل هيئـة التحكيم ما لم يتفق الأطراف على خلاف ذلك"، وإعتبرت الفقرة الثانية من المـادة السابقة أن الإعلان بطلب التحكيم يعد بمثابة رفع للدعوى لغايات توقيع الحجز التحفظي. وأياً ما كان الأمر، سواء ما كان يقول به القضاء أو ما قرره القانون الجديد، فإنه يخالف ما هو موجود في أنظمة القانون المقارن، مثل قواعد اليونسيترال للتحكيم التجاري الدولي التي تنص
على أنه: "تعتبر إجراءات التحكيم قد بدأت في التاريخ الذي يتسلم فيه المـدعى عليـه الإشـعار بالتحكيم" (ألمادة 23). ومن ذلك أيضاً ما نصت عليه المادة 27 من قانون التحكيم المصري رقم 27 لسنة 1994 من أنه: "تبدأ إجراءات التحكيم من اليوم الذي يتسلم فيه المـدعى عليـه طـلـب التحكيم من المدعي، ما لم يتفق الطرفان على موعد آخر". بل أن هذا ما كانت تنص عليه أيضاً ألمادة 27 من مشروع قانون التحكيم الإماراتي! رابعاً- قانون التحكيم الإماراتي بين الوحدة والإزدواجية: نقصد بوحدة نظام التحكيم تبني القانون قواعد واحدة للتطبيق على التحكيم الداخلي والتحكيم الدولي. وهذا يتضح من أمرين: ألأول: تحديد نطاق سريان القانون (ألمادة 2)، بأنه يسري على كل تحكيم يجري في الدولـة ما لم يتفق أطرافه على إخضاعه لأحكام قانون آخر شريطة عدم تعارضه مع النظام العام والآداب العامة للدولة. كما يسري على كل تحكيم تجاري دولي يجري في الخارج ويتفـق أطرافـه علـى إخضاعه لأحكام هذا القانون. وأخيراً، يسرى على كل تحكيم ناشئ عن نزاع بشأن علاقة قانونيـة عقدية كانت أو غير عقدية تنظمها القوانين النافذة في الدولة إلا ما إستثنى منها بنص خاص. ألثاني: وحدة المفاهيم التحكيمية في هذا القانون (ألمادة 1): ألواردة في المادة الأولى: لقـد قانون التحكيم الإماراتي مفهوماً موحداً للمصطلحات الواردة فيه، دون أن يميز بشأنها بـين التحكيم الداخلي والتحكيم الدولي. ونذكر على سبيل المثال التعاريف الآتية: التحكيم: "وسيلة ينظمها القانون يتم من خلالها الفصل بحكم ملزم في نزاع بين طـرفين أو أكثر بواسطة هيئة التحكيم بناء على إتفاق الأطراف". إتفاق التحكيم: "إتفاق الأطراف على اللجوء إلى التحكيم سواء تم هذا الإتفاق قبـل حـدوث النزاع أو بعده". هيئة التحكيم: "ألهيئة المشكلة من محكم فرد أو أكثر للفصل في النزاع المحال للتحكيم". المحكمة: "المحاكم الإستئنافية الإتحادية أو المحلية التي إتفق عليهـا الأطـراف أو يجـري التحكيم ضمن دائرة إختصاصها"12.
مؤسسة التحكيم: "جهة أو مركز منشأة لتنظيم إجراءات التحكيم". الجهة المفوضة: "أي شخص طبيعي أو إعتباري يتفق الأطـراف علـى منـحـه أي ، أي مـن الصلاحيات المقررة وفقا لهذا القانون". ألجهة المعنية: "ألجهة المفوضة بالتحكيم أو المحكمة". الأطراف: "ألمحتكم والمحتكم ضده مهما تعددوا". المحتكم: "ألطرف الذي يبادر إلى طلب البدء في إجراءات التحكيم". المحتكم ضده: "الطرف الذي قام المحتكم بمباشرة إجراءات التحكيم في مواجهته". والنظام الموحد للتحكيم أو وحدة نظام التحكـيـم هـو المفـضل، مـن وجهـة نظـر البعض، مستندا إلى ما يراه البرلمان في مصر. وفي ذلـك، يقـرر أن: "ألميـزة الكبـرى لمعظم القوانين – ألمستندة إلى قواعد اليونسيترال (كذا) للتحكيم- أنها جمعت بين التحكـيم الداخلي والتحكيم الدولي، بإعتبار أن التحكيم عموماً يقوم علـى مبـدأ حريـة الإرادة، لأن لطرفيه الحرية الكاملة في إختيار المحكمين وقواعد التحكيم ومكانه ولغته، فالحريـة هـي محور التحكيم"13. وهذا على خلاف النظام المزدوج للتحكيم الذي تبنته بعض الدول. ويتمثل هذا النظـام فـ وجود قواعد خاصة بالتحكيم الداخلي وأخرى متعلقة بالتحكيم الدولي. وهذا مـا فعلـه القـانون الفرنسي، حيث كرس قواعد للتحكيم الداخلي في المواد 1442 إلى 1501 من قانون الإجـراءات المدنية الجديد، وأخرى للتحكيم الدولي في المواد 1502 إلى 1527 من قانون الإجراءات المدنية المشار إليه14.
ومن الجدير بالذكر أن القانون الفرنسي قد عبر من الوحدة إلى الإزدواجية، عن طريق عمل اللجنة الفرنسية للتحكيم، التي قامت بتطوير قواعد التحكيم الداخلي لتطبق على التحكيم الـدولي. وقد ظهر أن الإزدواجية أفضل، بالنسبة للقانون الفرنسي، وذلك لعدة أسباب15: أولاً- إنه من الصعب، إن لم يكن مستحيلاً، أن يعامل التحكيم الداخلي والتحكيم في التجارة الدولية بنفس الطريقة وأن يخضعا، من ثم، للقواعد ذاتها. ثانياً - إن تبني النظام الأحادي فيه خطر على القانون الفرنسي، حيـث أن التعامـل بـشدة وصرامة مع التحكيم الدولي يؤدي إلى إصابة قانون التحكيم بالجمود وعدم التطور. ثالثاً- تفيد الإزدواجية في أنها تتيح الفرصة لوجود نـوع مـن الجدليـة Dialectique أو الحوار16، وهذا أمر مرحب به في فرنسا. فتحت تأثير القضاء، يلعب التحكيم الدولي دوراً حمائياً، حتى لا نقول دوراً تجريبياً، حيث أن الحلول التي ينتجها يمكن بعد الإنتقاء والتفكير ألأخذ بها في مجال التحكيم الداخلي، إذا كانت مناسبة له بطبيعة الحال. وأخيراً، يعكس المفهوم المزدوج، من الناحية الموضوعية، إزدواجاً مكانيـاً، وهـو الأمـر المأخوذ به في التحكيم في فرنسا. فمن ناحية، يبدو التحكيم الداخلي كبديل إستثنائي بل ومخفـف لعدالة الدولة، التي تبقى النموذج أو المقياس الذي يرجع إليه: فليس إلا على أساس إتفاق تحكـيم مكتوب يستطيع الأطراف ترك المحاكم الفرنسية واللجوء إلى هيئـات التحكـيم (ألمـادة 1443 إجراءات مدنية)، وهيئة التحكيم نفسها يجب أن تشكل، مثلها مثل محاكم الدولة، مـن أشـخاص طبيعيين (ألمادة 1459 إجراءات مدنية)، ويجب أن يكون عددهم وترا (ألمادة 1451 إجـراءات مدنية)، ويجب أن تحترم المبادئ الموجهة للقضية المنصوص عليها في تقنين الإجراءات المدنية (ألمادة 1464)، والحكم الذي تصدره يجب أن يكون مسبباً (ألمادة 1482 إجراءات مدنية)، ومدد اللجوء إلى الطعن ضد حكم التحكيم تؤدي إلى وقف تنفيذ الحكم (ألمادة 1496 إجراءات مدنية)، على غرار ما ينص عليه تقنين الإجراءات المدنية بشأن الطعن بالإستئناف في الحكم القضائي 17
أن ينظر إذن إلى التحكيم الداخلي كبديل لعدالة الدولة وعلى غرارها ولكن دون أن يصل إلى التشابه الكامل معها في نتيجته: فحكم التحكيم الداخلي، وكما سنرى أيضاً حكم التحكيم الدولي، يجـب يمر بموافقة القاضي، أو ما يعرف بالأمر بالتنفيذ Exequatur (ألمادة 1487 إجراءات مدنيـة). أما التحكيم الدولي، فعلى العكس لا يخضع تقريباً لكل هذه المتطلبات الشكلية والإجرائية (ألمـادة 1509 والمادة 1513 إجراءات مدنية)، وهو بهذا ينحو نحو عدالة لا وطنيـة مكـررة (ألمـادة 1510 إجراءات)، تتوافق بالطبيعة مع منازعات التجارة الدولية (ألمادة 1511 إجراءات مدنية). فضلاً عن ذلك، يجب القول البعض أن إزدهار تحكيم الإستثمار، ألـذي إسـتوعبته الفكـرة الفرنسية للتحكيم الدولي بلا صعوبة، قد قوي، بتميزه، ضرورة الإحتفاظ بنظام تحكيم مغاير لنظام التحكيم الداخلي. وتطبيقاً للفكرة الفرنسية للتحكيم الدولي، وهي فكرة عالمية أحكام التحكيم الدولية، وهـي تعني تبني مفهوم بسيط ومرن لقواعد هذا النوع من التحكيم، نجد أن تعريـف إتفـاق التحكـيم المتعلق بالتحكيم الداخلي المذكور في المادة 1442 إجراءات مدنية، لم يكرر في مجال التحكـيم الدولي لأنه لا يتوافق مع الصيغ التي ترتضي بها الدولة التحكيم في مجال حماية الإستثمارات. في نفس الإتجاه، قرينة السرية في القضية التحكيمية المنصوص عليها بالنسبة للتحكيم الداخلي (ألمادة 1464 إجراءات مدنية) لم ينص عليها في الباب الثاني الخاص بالتحكيم الدولي. يمكن إذن للأطراف، إذا أرادوا ذلك، أن يتفقوا على أن تكون إجراءات التحكيم سرية. وتبدو قاعـدة عـدم ألسرية غريبة نوعاً ما وغير مرحب بها من قبل العاملين في مجال التحكيم التجـاري الـدولي، الذين يرتبطون بشكل واضح بالسرية. ولكن تبدو قاعدة السرية غير متوافقة مع تحكيم الإستثمار، حيث يحتل واجب الشفافية المقام الأول. فعدم الإشارة إلى السرية في الباب الثاني يبرهن على أنّ السلطات الفرنسية منفتحة على هذا الشكل الخاص جدا للتحكيم الدولي (تحكيم الإستثمار)، وتأمل بأن يحقق ما تأمل فيه في هذا المجال 19 وكنت أظن أن النظام المزدوج للتحكيم كنظام فريد في القانون المقارن، يوجد فقط في قانون التحكيم الفرنسي، ولكن تبدد هذا الظن عندما وجدته أيضاً في قانون التحكيم الصيني رقم 31 لسنة
201995. فقد جاء الفصل السابع تحت عنوان: نصوص خاصة بالتحكيم ذات العنصر الأجنبـي، يشمل المواد من 65 إلى 2173. خامساً- طبيعة الحلول الواردة في القانون: مقيدة أم متحررة؟ الإهتمام بالتحكيم في الإمارات ليس وليد اليوم بلا شك، ولكنه بالتأكيد يعود إلى زمن بعيـد. وما يهمنا هنا، أنه في القرن العشرين وبعد نشأة الدولة، إهتمت الدولة بالتحكيم، وظهر ذلك فـي العديد من القوانين الإتحادية والمحلية22. على المستوى الإتحادي، تمت الإشارة إلى التحكيم في القانون الإتحادي رقم 5 لسنة 1976 بشأن إتحاد غرف التجارة والصناعة (ألمادة 10/5) (حل محله ألقانون رقم 22 لسنة 2000)، حيث حدد هذا القانون من ضمن وظائف إتحاد غرف التجارة والصناعة فض المنازعات التجارية والصناعية عن طريق التحكيم، إذا إتفق الأطراف على إحالة النزاع إليه، بشرط أن يكون النزاع بين أشخاص ينتمون إلى أكثر من غرفة، أو بين هؤلاء الأشخاص وبين أجنبي أو جهـة أجنبيـة أخرى، والقانون الإتحادي رقم 8 لسنة 1980 وتعديلاته بشأن تنظيم علاقات العمل، الذي نـص على إنشاء "لجنة التحكيم العليا"، تختص بحل منازعات العمال الجماعية، بالفصل فيها بـصورة نهائية، والقانون الإتحادي رقم 11 لسنة 1992 وتعديلاته بشأن الإجراءات المدنية، وقـد نـظـم مسائل التحكيم في المواد من 203 إلى 218 منه. والقانون رقم 11 لسنة 1973 بـشأن تنظــيم العلاقة القضائية بين الإمارات، حيث قرر أن أحكام المحكمين ألصادرة في إحدى الإمارات قابلة للتنفيذ في سائر الإمارات.
على المستوى المحلي، قانون إجراءات المحاكم المدنية في إمارة أبو ظبي، ألقانون رقم 3 لسنة 1970 (ألمواد 82-98)، وقانون العقود في إمارة دبي الصادر في 22 يونيه لـسنة 1971 (ألمادة 32)، وهو يفرق بين ثلاثة أنواع من التحكيم: ألقضائي والمسجل عقده والحـر المـسجل حكمه، وكذلك قانون العقود في إمارة الشارقة، وهو قانون العقود نفسه لإمارة دبي. إذا كان هذا تاريخ التحكيم في دولة الإمارات في العصر الحديث، فمـن المـشروع إذن أن نتساءل عن طبيعة الحلول التي تبناها المشرع في قانون التحكيم الجديد. هل كان أكثر تحرراً من القوانين السابقة أم على العكس كانت حلوله مقيدة أو على الأقل عادية. وكل ذلك يقاس بـالنظر إلى عدالة الدولة أو ما تفرضه القوانين فيها. وهنا سنعرض تجربة القانون الفرنسي للتحكيم ثـم نتبعها بطبيعة الحلول التي تبناها قانون التحكيم الإماراتي الجديد. في الوقت الراهن، ينظر إلى التحكيم كأداة مرنة لحل المنازعات في مجال التجارة الدولية، يؤدي إلى وجود "نظام قانوني مستقل"، فيه يكون الأطراف وهيئات التحكيم مصدراً للقـانون وهذه الذاتية الخاصة للتحكيم توجد حتى في النصوص الإنتقالية في مرسوم 11 يناير 20، وتجعل من التعديلات التي أوردها المرسوم تدخل بكل هارمونية في القانون الموجود24. وعلى المستوى الموضوعي، يتم الدفاع عن إرادة اللجوء إلى التحكيم بالقاعدة التي تقضي بأن إتفاق التحكيم لا يتأثر بعدم فعالية العقد الذي يتضمنه، وهي قاعدة أو مبدأ إستقلال إتفاق التحكيم المنصوص عليه قانون الإجراءات المدنية (ألمادة 1447)25، وهي تسري أيضاً في مجال التحكـيم الـدولي. وعلى المستوى الدولي، تحتفظ الذاتية الخاصة للتحكيم بكل قوتها في الأخذ بقاعدة حرية إختيـار "قواعد القانون" التي تطبق على النزاع (ألمادة 1511 إجراءات مدنية)26. في 23 ذلك، ففي التحكيم الداخلي، يظل التحرر أو الليبرالية في الحلول أمراً نسبياً، بـسبب ومع التأثير الذي تمارسه عدالة الدولة. إذ يظل النظام الجديد من طبيعة آمرة إلى حد بعيـد (ألمـادة 1461 إجراءات مدنية)27. ولكن يلاحظ أن هذه الصفة الآمرة قد خفـت حـدتها علـى جمي المستويات. بداية (أولا)، التخفيف من الشكلية الصارمة التي نص عليها تعديل سنة 1980. على سبيل المثال، شرط ومشارطة التحكيم، تضمهما الآن فكرة "إتفاق التحكيم" (ألمادة 1442 إجراءات مدنية)28، والتي كانت تشترط الكتابة لصحتهما، نص القانون على أن تستوفي هذه الشكلية عـن طريق تبادل كتابات بين الطرفين أو عن طريق الإحالة إلى وثيقة أخرى تنص على اللجوء إلـى التحكيم (ألمادة 1443 إجراءات مدنية)29، الأمر الذي كان القضاء قد أجازه قبل ذلك. فضلاً ذلك، في حين أن مرسوم 1980 كان يفرض على الأطراف تعيين المحكمين أو تحديـد طـرق تعيينهم، فإن الشروط المعروفة بالشروط "ألبيضاء" لم تعد اليوم محلاً للبطلان (ألمـادة 1444 إجراءات مدنية)، وتوجد نصوص جديدة تسمح بإمكانية تشكيل هيئة التحكيم (ألمواد مـن 1451 إلى 1454 إجراءات مدنية)30. في نفس الإتجاه، وأيضاً تحت مظلة الشكلية، لم يعـد ضـروريا عن
ܟ يم إعلان حكم التحكيم عن طريق المحضرين، إذا اتفق الأطراف على طريقة أخرى (ألمادة 1484 إجراءات مدنية)31. وفيما يتعلق بالأمر بالتنفيذ Exequatur يمكن وضعه علـى صـورة حكـم التحكيم، إذا إستجمعت شروط الصحة، وليس بالضرورة أن يوضع على أصل (حكـم) (ألمادة 1487 إجراءات مدنية)32، وهو الحل الذي انتقل من التحكيم الدولي إلى التحكيم الداخلي وتمت إعادة النص عليه في المادة 1515 إجراءات مدنية33. ثانياً (وبصفة خاصة)، لقـد همـش المرسوم الصادر في 11 يناير 2011 بصفة رسمية إمكانية الطعـن بالإستئناف فـي الحـكـم التحكيمي. ففي حقيقة الأمر، ألطعن بالإستئناف الذي نص عليه مرسوم سنة 1980 في الت التحك الداخلي كقاعدة مكملة à titre supplétif، لم يكن منسجماً مع تطلعات الأطراف في اللجوء إلى العدالة الخاصة لتسوية منازعاتهم، ويشهد العمل على أن النزول عن الطعن بالإستئناف كان أمراً دارجاً. ولذلك فقد عكست المادة 1489 إجراءات مدنية، بمقتضى المرسوم الجديد الـصادر فـي سنة 2011، ألمبدأ ونصت على أن الطعن بالإستئناف لم يعـد ممكنـاً إلا إذا إتفـق الأطـراف صراحية عليه34. وبهذا أصبح الطعن بالبطلان هو الطريق العادي لمراجعة حكم التحكيم (ألمواد 1493-1491 إجراءات مدنية). یم
وتبعاً لمنطق النظام المزدوج في التحكيم، فإن التحررية في الحلول توجد بشكل أوسع فـي مجال التحكيم الدولي. ويكفي أن نذكر هنا أنه قليلة هي النصوص الجديدة التـي تتعلـق بإتفـاق التحكيم وسير عملية التحكيم وحكم التحكيم ولا يستطيع الأطراف الإتفاق على خلافها35. وفي هذا الخصوص، لقد صيغت نصوص قانون الإجراءات المدنية الفرنسي وكأنها تقدم للأطراف حلـولاً جاهزة للإستعمال 3prétes à l'emploi، ولكنها غير ملزمة لهم: فقد كتبت القواعد من أجـل تسهيل مهمة الأطراف وليس من أجل إملاء طريق معين عليهم37. فضلاً عـن ذلـك، تظهـر التحررية في الحلول أيضاً عن طريق عدم وجود أية قاعدة لتنازع القـوانين: عنـدمـا يخـتص القاضي الفرنسي بالنزاع، فإن صحة إتفاق التحكيم ومدى قابلية النزاع للتحكيم يعتمد كلية علـى القانون الفرنسي، ولا يوجد أي مكان للقانون الذي إختاره الأطراف لـيحكم إتفـاق التحك أو موضوع النزاع. وفي هذا الخصوص، يتلخص القانون الفرنسي في بعـض القواعـد المكتوبـة المكملة38 ، ومجموعة من القواعد المادية القضائية شديدة التحرر والليبيرالية. أما بالنسبة لقانون التحكيم الإماراتي الجديد، فقد إعترف بالذاتية الخاصة للتحكـيم كطريـق لحل المنازعات (أنظر المادة 1: تعريف التحكيم). كما أنه أعطى قوة لإرادة الأطراف في اللجوء إلى التحكيم، حتى في حالة بطلان العقد الأصلي الذي يحوي شرط التحكيم أو فـسخه أو إنهائـه (مبدأ إستقلالية إتفاق التحكيم: ألمادة 6 من القانون). وهذا يعكس مرونة وتحرر القانون الجديـد. غير أن هذا القانون يبدو أنه تخلى عن المرونة التي كانت موجودة (في) ألنصوص القديمة التـي كانت تنظم التحكيم. فقد إشترط الكتابة لصحة إتفاق التحكيم، أيا كان نوع التحكيم: داخلياً أم دولياً، دون أن يعتمد التمييز الذي يوجد في القانون الفرنسي. فقد نص في المادة 1/7 على أنه: "يجـب أن يكون إتفاق التحكيم مكتوباً وإلا كان باطلا". وهذه الكتابة ركن شكلي في إتفاق التحكيم لا ينعقد بدونه، على خلاف ما كانت تنص عليه المادة 2/203 من قانون الإجراءات المدنية من أنه: : "ولا يثبت الإتفاق على التحكيم إلا بالكتابة".
ولم يجز قانون التحكيم الإماراتي الجديد ألطعن في أحكام التحكيم بطرق الطعن المعروفـة، ولكن أجاز فقط الطعن فيها بدعوى البطلان (المادة 53). وهذا فيه أيضاً إحترام لإرادة الأطراف وحماية لتطلعاتهم المشروعة من اللجوء إلى التحكيم كوسيلة لفض منازعاتهم. ونلاحظ أن القانون الإماراتي قد أعطي للأطراف حرية في تكوين هيئة التحكيم، الأمر الذي يمكن النظر فيما تعرف بالشروط البيضاء التي ذكرها القانون الفرنسي. وإستكمالاً لهذه المرونة أعطى القانون لهيئة التحكيم حرية أكبـر فـي ممارسـة مهمتهـا وأعطاها سلطة إصدار التدابير الوقتية والتحفظية، ولو من تلقاء نفسها، وغيرها مـن إجـراءات سير الدعوى التحكيمية وصولاً إلى إصدار حكم التحكيم. وأخيراً أعطى القانون مرونة في تنفيذ أحكام التحكيم أكبر مما كان عليه الحال فـي ظـل القانون القديم. سادساً- مدى عالمية الأحكام الواردة في القانون؟ خدمـة يقصد بعالمية أحكام التحكيم، وبصفة خاصة التحكيم الدولي39، أن يكون القانون في التحكيم الدولي، حتى لو كان النزاع لا يرتبط بأية علاقة بالدولة التي ينتمي إليها قانون التحكيم. ففي فرنسا على سبيل المثال، قد تبنى قانون التحكيم مفهوماً عالمياً للتحكيم الدولي، يتمثل في بساطة ومرونة أحكامه. من ذلك إتجاه القانون نحو أن يجعل من مكان التحكيم عنصراً ثانويـاً ومحايداً في العديد من الحالات (أنظر في ذلك المادة 1505 من قانون الإجراءات المدنية). ومن ذلك أيضاً تبني نظام مشجع للإعتراف وتنفيذ أحكام التحكيم الأجنبية، وبصفة خاصة أن أسـبـاب رفض طلب الإعتراف أو التنفيذ لا تتضمن الفرض الذي يكون فيه حكم التحكيم قد أبطل في البلد مقر التحكيم (ألمادة 1525 إجراءات مدنية، التي أحالت إلى المادة 1520 من ذات القانون). وفي مصر، وفي ظل القانون رقم 27 لسنة 1994، يتجلى ذلك في حيادية مكان التحكيم، والحد من بطلان أحكام التحكيم الدولي. وقد عمل القضاء المصري على تكريس هذه المبادئ في أحكامه. وفيما يتعلق بالإرتباط بين بلد صدور حكم التحكيم وتنفيذه، لم يـذكر قـانون التحكـيم
المصري بطلان حكم التحكيم في بلد صدوره كسبب لعدم التنفيذ. وبالرجوع إلى نص المادة (58) من هذا القانون، نجده يجرى على النحو التالي: "لا يجوز الأمر بتنفيذ حكم التحكيم وفقـاً لهـذا القانون إلا بعد التحقق مما يلي: أ- أنه لا يتعارض مع حكم سبق صدوره من المحاكم المصرية في موضوع النزاع. ب- أنه لا يتضمن ما يخالف النظام العام في جمهورية مصر العربية. ت- أنه قد تم إعلانه للمحكوم عليه إعلاناً صحيحا". عن ویری بعض الفقه أن عدم التطرق للبطلان في بلد صدور حكم التحكيم كسبب لعدم تنفيـذه يمكن أن نعتبر معه أن القانون المصري يفك الإرتباط بين بلد المنشأ والتنفيذ 40_41. فضلاً ذلك، فقد نص قانون التحكيم المصري في مادته الأولى على أن أحكامه لا تخل بأحكام الإتفاقيات الدولية المعمول بها في جمهورية مصر العربية". والأمر نفسه نجده في القانون الإماراتي للتحكيم رقم 6 لسنة 2018. من ذلك المرونة فـي تحديد مكان التحكيم (ألمادة 28). كما أن القانون الإماراتي لم يذكر بطلان الحكم في بلد صدوره كسبب لعدم تنفيذه في دولة الإمارات العربية المتحدة (ألمادة 53). لكن نلاحظ أن قانون التحكـيم الإماراتي الجديد لم يتحفظ بشأن الإتفاقيات الدولية السارية في دولة الإمارات العربية المتحدة. فقد كان مشروع قانون التحكيم الإماراتي ينص في المادة الثانية منه على عـدم "الإخـلال بأحكـام الإتفاقيات الدولية التي تكون الدولة طرفاً فيها أو منضمة إليها"، ولكن ظهرت النصوص النهائيـة للقانون ولم تتضمن هذا التحفظ (المادة 2). سابعاً- تقييم القانون الجديد: بعض المشكلات العملية وعلامات إستفهام حـول بعض الحلول: من العرض السابق، يمكن إجراء نظرة تقييمية للقانون الجديد، لبيان مزاياه وخاصة بالنسبة للوضع السابق على صدوره، وأيضاً نرى مدى نجاحه في علاج كثير من الأمور التي لا زالـت
تثير علامات استفهام حولها. وإذا كنا قد عرضنا لمزايا هذا القانون خلال البنود السابقة، فإننـا سنركز هنا على بعض المسائل التي تثير اللبس اللبس والغموض. 1- بعض المشكلات العملية لقانون التحكيم الجديد: في معرض الحديث عن المشكلات العملية، يمكننا التمييز بين مشكلات عملية بمعنى أنهـا مشكلات تتعلق فقط بتطبيق القانون. وتقتضي هذه المشكلات الإجتهاد في التطبيق، وفي الغالب قد لا تحتاج إلى تعديل تشريعي، ومشكلات عملية بالمعنى الدقيق، وهي المشكلات الواقعية التي ليس لها حل في القانون، أو يوجد لها حل في القانون ولكنه ناقص أو غامض بعض الشيء، وهنا قـد يؤدي الإجتهاد إلى الوصول إلى حل، ولكن الأفضل أن يصدر تعـديل تـشريعي يعـالج هـذه المشكلات العملية. ويمكن تصور هذين النوعين في أي موضوع من الموضـوعات التي يتناولهـا قـانون التحكيم: - تعاريف ومصطلحات القانون. نطاق سريان القانون. إتفاق التحكيم. إجراءات تعيين المحكمين وردهم ومساءلتهم. - إجراءات الدعوى التحكيمية. ألقانون الواجب التطبيق على التحكيم. صياغة حكم التحكيم. - بطلان حكم التحكيم. - تنفيذ حكم التحكيم. وعلى هذا النحو، نعطي بعض الملاحظات حول هاتين النقطتين فيما يتعلق ببعض مسائل التحكيم. نعرض هنا المشكلات العملية بالمعنى الأول، ونتناولها بالمعنى الثاني في المسائل التـي تثير علامات استفهام. وهنا يمكن أن نتصور مشكلة في تطبيق جميع فصول قانون التحكيم. وعلى هذا الأساس قد توجد مشكلة في الموضوعات الآتية على سبيل المثال:
أ- تعاريف ومصطلحات القانون: كان من الغالب ألا يلجأ المشرع للتعريف، ولكـن ف الآونة الأخيرة، ولأسباب معينة، أصبح يفرد الفـصل الأول مـن القـانون للتعـاريف والمصطلحات المستخدمة في القانون. وهذا ما فعله المشرع الإماراتي في قانون التحكيم رقم 6 لسنة 2018، حيث خصص المادة الأولى للتعاريف. وبهذا الخـصوص تثـور المشكلة من ناحيتين: الأولى وجود مصطلحات لا تفسر فقط كلمة في نص في القـانون ولكنها تقوم بهذه المهمة إلى جانب تقريرها القاعدة نفسها: مثال ذلك تعريف المحكمـة بأنها: المحكمة الإستئنافية الإتحادية أو المحلية التي إتفق عليها الأطـراف أو يجـري ضمن دائرة إختصاصها التحكيم. وهذا التعريف عليه كثير من المآخذ ويسبب مشكلات عملية. والثانية: وجود مصطلحات في القانون ولا يوجد لها تعريف في فصل التعاريف على أهمية تعريفها. على سبيل المثال: ألجهة المعتمدة المذكورة فـي المـادة 1/55ج، التي تقضي بأنه إذا لم يكن حكم التحكيم صادراً باللغة العربية يجب أن تقدم ترجمة لـه العربية مصدق عليها من جهة معتمدة، عند طلب المصادقة عليه والأمر بتنفيـذه. فما المقصود بهذه الجهة المعتمدة؟ كذلك لم يحدد القانون مفهوم للنظـام العـام والآداب العامة في التحكيم، على الرغم من إستخدامه لهذا المصطلح في بعض مواده (على سبيل المثال م1/2، م2/53ب). ب- إتفاق التحكيم: إتفاق التحكيم هو دستور التحكيم، وقد إهتم به القانون الجديد فعرفه فـي المادة الأولى منه، كما أنه أفرد له الفصل الثاني منه كما مر بنا. وتوجد بمناسبة إتفـاق (التحكيم) مشكلات عملية تطبيقية، ومشكلات عملية ناتجة عن عيوب الصياغة. ونعطي مثالاً للأولى ونترك الثانية للبند 2. لم يحدد القانون الإماراتي المحكمة المختصة بنظـر منازعات إتفاق التحكيم. وسوف يخفف من ذلك وجود مبدأ الإختصاص بالإختصاص، ولكن تظل الحاجة قائمة إلى معرفة هذه المحكمة سواء بالنسبة للمنازعات التي تنشأ قبل بداية إجراءات التحكيم أو أثناء سريان التحكيم. وهنا تطبق القواعد العامة فـي توزي الإختصاص القضائي في قانون الإجراءات المدنية. ت- تعيين المحكمين: بينت المادة 11 من القانون كيفية إختيار هيئة التحكيم. وأخضع هـذا الإختيار أولاً لإرادة الأطراف: أي إتفاق الأطراف، ثم ثانياً أوكل هـذا الأمـر للجهـة المعنية إذا لم يتمكن الأطراف من الإتفاق: ألجهة المفوضة بالتحكيم أو المحكمة. كيف يتم ذلك؟ في ظل الوضع السابق، كان يجب طلب تعيين المحكمين عن طريق دعـوى قضائية، يصدر فيها حكم يطعن فيه بالإستئناف والتمييز.. أما الآن فيكون بطلب يقـدم للجهة المفوضة بالتحكيم أو بعريضة تقدم للمحكمة المختصة بمسائل التحكيم. ث- رد المحكم: في ظل الوضع السابق (م 207 إجراءات مدنية)، كان المحكم يعامل معاملة القاضي تماما، من حيث عدم الصلاحية لنظر الدعوى (م 114 إجراءات مدنية)، ومن حيث الرد (م115 إجراءات مدنية). وترتيباً على ذلك، يرد المحكم ويكون غير صـالح لنظر الدعوى لنفس أسباب عدم صلاحية ورد القاضي. لكن القانون الجديد إعتبـر أن هذه المعاملة مبالغ فيها وتعد غير واقعية بالنسبة لمهمة المحكم، ولما كان المهم بالنسبة للمحكم هو أن يكون محايداً وأن يكون مستقلاً، فقد إشترط القانون لرد المحكم أن توجد على الأقل شكوك حول حيدته وإستقلاليته. وقد ألقى المشرع على عاتق المحكم إلتزاماً بالإفصاح عند قبوله المهمة بكل ما شأنه أن يثير شكوكاً جدية حول حيدته وإستقلاله. فإذا فعل ذلك كان الخيار للأطراف، فلهم أن يقبلوا حكما ولهم أن يرفضوه. فإذا قبلـوه حكماً بالرغم مما أفصح عنه، فلهم ذلك تغليباً لإرادة الأطراف في مجال التحكيم. ج- إبطال حكم التحكيم: في ظل الوضع السابق، كان إبطال حكم التحكـيـم بـدعوى أمــام المحكمة المختصة يصدر فيها حكم يطعن فيـه بالإستئناف أو التمييـز. أمـا الآن، وبمقتضى القانون الجديد فيتم الإبطال بحكم من المحكمة المختصة لا يقبل الطعـن إلا بالنقض. 2- علامات إستفهام حول بعض الحلول في قانون التحكيم الجديد : أول هذه المسائل، علاقة قانون التحكيم بالإتفاقيات الدولية المنضمة إليها الدولـة42. الحقيقة، يسود الغموض حول القيمة القانونية للإتفاقية الدولية المنضمة إليها الدولة فـي النظـام القانوني، ولم تفصل في هذا الغموض الدراسة الصادرة عن دائرة القضاء في أبو ظبـي، حـول الإتفاقيات الدولية التي صدقت عليها الدولة، حيث إكتفت بالقول بأن: "الإتفاقيات الدولية المصادق عليها من الدولة تكتسب أهمية معينة أمام القاضي الوطني، ويغدو من الضروري بالنسبة له العلم
بالإتفاقيات الدولية التي صادقت عليها الدولة أو إنضمت إليها والإلمام بمضمونها"!43. ألأمر الذي يدعونا إلى البحث عن قيمة الإتفاقيات في الدستور الإماراتي. وبالرجوع إلى دستور دولة الإمارات العربية المتحدة لـسنة 1971، نجـد أن النصوص الدستورية لم تفصل في هذا الأمر أيضاً. فقد نص الدستور على إحترام المعاهدات والإتفاقيـات التي يكون الإتحاد طرفاً فيها (ألمادة 40). كما أعطى المجلس الأعلى للإتحاد سـلطة التـصديق على المعاهدات والإتفاقيات الدولية ويتم ذلك بمرسوم (ألمادة 4/47). كما منح الدسـتور رئـيس الإتحاد سلطة تمثيل الإتحاد في الداخل وتجاه الدول الأخرى وفي جميع العلاقات الدولية (ألمـادة 9/54)، كما أن له توقيع القوانين والمراسيم الإتحادية التي يصدق عليهـا المجلـس ويـصدرها (ألمادة 4/54)44. ونجد في بعض الكتابات ما يعطي للإتفاقيات الدولية في مجال التحكيم قيمة قانونية أعلى من التشريعات العادية45. وفي ظل هذا الوضع، كان من المتوقع أن يفصل قانون التحكـيم فـي مـسألة علاقـة الإتفاقيات الدولية بما ورد فيه من أحكام. وبالفعل وجد نص في مشروع قانون التحكيم (نـص المادة 2) يقرر أنه: مع مراعاة أحكام الإتفاقيات والمعاهدات الدولية المنضمة إليهـا الدولـة، تسري أحكام هذا القانون على: "... وكان هذا النص مأخوذاً أو على الأقل يماثل نص المـادة الأولى من قانون التحكيم المصري رقم 27 لسنة 1994 ألتي تنص على أنه: "مع عدم الإخلال بأحكام الإتفاقيات الدولية المعمول بها في جمهورية مصر العربيـة، تـسري أحكـام هـذا القانون...".
وعندما صدر القانون في الثالث من مايو 2018، لم يوجد هذا الـتحفظ بـشأن الإتفاقيـات والمعاهدات الدولية المنضمة إليها الدولة، مما يثير علامة استفهام حول هذا الموضوع وكيفية حلّ التنازع أو التعارض بين إتفاقية دولية بشأن التحكيم منضمة إليها الدولة، كإتفاقيـة نيويورك أو إتفاقية واشنطن، وبين أحكام قانون التحكيم؟ ثاني هذه المسائل، لم يبين القانون بوضوح فيما يتعلق بنطاق سريانه مدى إمكانيـة لجـوء أشخاص القانون العام إلى التحكيم، وكذلك ما يتعلق بالتحكيم في منازعات العقود الإدارية. ولـم يعرض إلا لأهلية من يبرم إتفاق التحكيم بقوله في المادة 1/4 منه: "لا ينعقد إتفاق التحكيم إلا من الشخص الطبيعي الذي يتمتع بأهلية التصرف في الحقوق أو من ممثـل الـشخص الإعتبـاري المفوض في إبرام الإتفاق على التحكيم وإلا كان الإتفاق باطلا". ويفهم من ذلك، ضمناً، أن يجوز يصبح طرفاً في التحكيم الشخص الإعتباري، سواء كان عاماً أو خاصتاً. أمـا فيمـا يتعلـق بالتحكيم في منازعات العقود الإدارية أو المنازعات الإدارية بوجه عام فلم نجد لها ذكر في هـذا القانون، الأمر يدل على عدم جواز التحكيم في المنازعات الإدارية وفقاً لهذا القانون. وهذا على خلاف ما قرره قانون التحكيم المصري في المادة الثانية منه، حيث قرر سـریان أحكام هذا القانون على: "كل تحكيم بين أطراف من أشخاص القانون العام أو القانون الخاص أيا كانت طبيعة العلاقة القانونية التي يدور حولها النزاع...". وبالنسبة إلى منازعات العقود الإدارية، يقرر نفس النص في الفقرة الثانية، "يكون الإتفاق على التحكيم بموافقة الوزير المختص أو مـن يتولى إختصاصه بالنسبة للأشخاص الإعتبارية العامة، ولا يجوز التفويض في ذلك". وفي حقيقة الأمر، عند صدوره في سنة 1994، لم يكن قانون التحكيم المصري يتضمن نصاً يجيز التحكـيم في العقود الإدارية، تماماً كما هو الوضع في قانون التحكيم الإماراتي، ولكن أضيفت الفقرة الثانية إلى المادة الثانية منه بموجب القانون رقم 9 لسنة 1997 بتعديل بعض أحكام قانون التحكيم فـي المواد المدنية والتجارية. ثالث هذه المسائل، تحديد المحكمة المختصة بمسائل التحكيم. لم يتضمن القانون الجديد نصاً يحدد المحكمة المختصة بنظر مسائل التحكيم. وفي الواقع، كان مشروع القانون يتضمن نصاً هو نص المادة الخامسة منه تحدد بوضوح المحكمة المختصة بمسائل التحكيم
وذلك على غرار المادة التاسعة من القانون المصري للتحكيم التي تنص علـى أن: "1- يكون الإختصاص بنظر مسائل التحكيم التي يحيلها هذا القانون إلى القضاء المـصري للمحكمـة المختصة أصلاً بنظر النزاع، أما إذا كان التحكيم تجارياً دولياً سواء جرى فـي مـصر أو فـي الخارج فيكون الإختصاص لمحكمة استئناف القاهرة ما لم يتفق الطرفان على إختصاص محكمة إستئناف أخرى في مصر. 2- وتظل المحكمة التي ينعقد لها الإختصاص وفقاً للفقرة السابقة دون غيرها صاحبة الإختصاص حتى إنتهاء جميع إجراءات التحكيم". وعندما صدر القانون رقم 6 لسنة 2018 لم يتضمن هذا النص. ولكنه أورد فقـط تعريفـاً للمحكمة- كما مر بنا- في المادة الأولى المتعلقة بالتعاريف: "المحكمـة: ألمحكمـة الإسـتئنافية الإتحادية أو المحلية التي إتفق عليها الأطراف أو يجري ضمن دائرة إختصاصها التحكيم". وذلك دون أن يميز بين التحكيم الداخلي والتحكيم الدولي. ولا شك أن فصل التعاريف ليس هو المكـان المناسب لبيان الأحكام ولكنه فقط لبيان المعاني المقابلة لبعض الكلمات والعبارات الواردة فـي القانون، خاصة إذا كانت من طبيعة فنية أو تقنية. وحتى لو إعتمدنا على ما ورد في فصل التعاريف في بيان المحكمـة المختصة بمـسائل التحكيم، فإن هذا ليس كافياً أيضاً ويثير تساؤلاً حول المحكمة المختصة بنظر مسائل التحكـيم الدولي الذي لا يخضع للقانون الإماراتي، وحول مدى التعارض مع (ما) تقرره المادة 1/18 من قانون التحكيم الإماراتي التي تنص على أن: "ينعقد الإختصاص بنظر مسائل التحكيم التي يحيلها هذا القانون إلى المحكمة المختصة وفقا للقوانين الإجرائية المعمول بها في الدولـة وتكـون دون غيرها صاحبة الإختصاص حتى إنتهاء جميع إجراءات التحكيم". رابع هذه المسائل، ما يتعلق بالصفة الدولية للتحكيم. ومما يلفت الإنتباه أيضاً في هذا القانون هو معيار دولية التحكيم الوارد في المادة الثالثة منه. بناءاً على ذلك، يكون التحكيم ذو صفة دولية حتى لو جرى داخل الدولة، وذلك في أي من الحالات الآتية: 1- إذا كان المركز الرئيسي لأعمال الأطراف يقع في دولتين مختلفتين أو أكثر وقت إبرام إتفاق التحكيم، فإذا كان لأحد الأطراف عدة مراكز أعمال، فالعبرة بـالمركز الأكثـر
إرتباطاً بموضوع إتفاق التحكيم، وإذا لم يكن لأحد أطراف التحكـيم مركـز أعمـال فالعبرة بمحل إقامته المعتاد. 2- إذا كان أحد الأماكن التالية يقع خارج الدولة التي يقع فيها المقر الرئيسي لعمل أي مـن الأطراف: أ. مكان إجراء التحكيم كما حدده إتفاق التحكيم أو أشار إلى كيفية تحديده. ب. مكان تنفيذ جانب جوهري من الإلتزامات الناشئة عـن العلاقـات التجاريـة بـين الأطراف، أو المكان الذي يكون له صلة وثيقة بموضوع النزاع. 3- إذا كان موضوع النزاع الذي ينصب عليه إتفاق التحكيم يرتبط بأكثر من دولة واحدة. 4- إذا إتفق الأطراف صراحة على أن موضوع إتفاق التحكيم يتعلق بأكثر من دولة". ولنا على هذا التحديد عدة ملاحظات: فمن ناحية، أنه لم يورد المعيار العام لدولية التحكيم الموجود في القانون المقارن، وهو الذي يقضي بأن التحكيم يكون دولياً عندما يتعلق بنزاع من منازعات التجارة الدولية. وهذا المعيار هو ما تبناه القانون الفرنسي والقانون اللبناني والقانون الجزائري على سبيل المثال، بعبارات متقاربة تدور كلها حول أن التحكيم يكون دولياً إذا تعلق بمصالح التجارة الدولية. كما أنه، من ناحية أخرى، لم يجمع بين المعيار العام لدولية التحكيم وبين الحالات التفصيلية التي يكون فيها التحكيم دولياً، كما فعل القانون المصري. فلقد جمع القانون المصري للتحكيم بين المعيار العام لدولية التحكيم والحالات التفصيلية في المادة الثالثة منه التي تنص على أن: "يكـون التحكيم دولياً في حكم هذا القانون إذا كان موضوعه نزاعاً يتعلق بالتجارة الدوليـة وذلـك فـ الأحوال الآتية: أولاً- إذا كان المركز الرئيسي لأعمال كل من طرفي التحكيم يقع في دولتين مختلفتين وقـت إبرام إتفاق التحكيم، فإذا كان لأحد الطرفين عدة مراكز للأعمال، فالعبرة بالمركز الأكثـر إرتباطـاً بموضوع إتفاق التحكيم، وإذا لم يكن لأحد طرفي التحكيم مركز أعمال، فالعبرة بمحل إقامته المعتاد. ثانياً- إذا إتفق طرفا التحكيم على اللجوء إلى منظمة تحكيم دائمة أو مركز للتحكـيم يوجـد مقره داخل جمهورية مصر العربية أو خارجها. ثالثاً- إذا كان موضوع النزاع الذي يشمله إتفاق التحكيم يرتبط بأكثر من دولة واحدة.
رابعاً إذا كان المركز الرئيسي لأعمال كل من طرفي التحكيم يقع في نفس الدولـة وقـت إبرام إتفاق التحكيم وكان أحد الأماكن التالية واقعاً خارج هذه الدولة: (أ) مكان إجراء التحكيم كما عينه إتفاق التحكيم أو أشار إلى كيفية تعيينه. (ب) مكان تنفيذ جانب جوهري من الإلتزامات الناشئة عن العلاقة التجارية بين الطرفين". (ج) ألمكان الأكثر إرتباطاً بموضوع النزاع". ويرى الفقه المصري أن هذه الحالات التفصيلية هي أقرب للعمـل الفقهـي منهـا للعمـل التشريعي، فإتصال النزاع بعلاقة تجارية دولية يسبغ على التحكيم ألصقة الدولية بغض النظر عن مكان التحكيم أو جنسية الأطراف أو القانون الواجب التطبيق على التحكيم 47 وأخيراً، نقول بأن قانون التحكيم الإماراتي قد خالف الإتجاه السائد في القانون المقارن ولـم يعتمد معيار دولية التحكيم المتمثل في إتصال النزاع بالتجارة الدولية، وإنما أورد عدة تطبيقات أو أمثلة في المادة الثالثة يكون فيها التحكيم دولياً. خامس هذه المسائل، ما يتعلق بعيوب الصياغة في بعض نصوص القانون. علـى سـبيل المثال، ألمادة 1،2/2، ألمادة 1،3/4، والمادة 3/5. سادس هذه المسائل، علاقة هذا القانون بالأحكام العامة الواردة في قانون الإجراءات المدنية. سابع هذه المسائل، ضرورة بيان العلاقة بين هذا القانون والقوانين المحلية المتعلقة مراكز التحكيم مثل محاكم مركز دبي المالي العالمي، ومركز تحكيم سوق أبو ظبي العالمي. ببعض ألخاتمة: في عرضنا للقانون الإماراتي الجديد للتحكيم رقم 6 لسنة 2018، في ضوء القانون المقارن، إتضح لنا أنه قانون كان مجتمع التحكيم ينتظره. فقد كان صدوره خطوة هامة في سبيل تنظـــيم التحكيم في دولة الإمارات على غرار القواعد التي قررتها لجنة القانون التجاري بالجمعية العامة للأمم المتحدة. وقبل ذلك كان ينظم مسائل التحكيم نصوص متفرقة في قانون الإجراءات المدنيـة وبعض القوانين الأخرى. وربما يرجع عدم تنظيم التحكيم بقانون خاص في الدولـة إلـى عـدم
حماس المشرع للتحكيم إستناداً إلى أن تحقيق العدالة هي وظيفة الدولة وليست وظيفة خاصة يقوم بها المحكمون. ولكن كما رأينا، ومع تطور التجارة الدوليـة وزيـادة حركـة الإسـتثمار، رأى المهتمون بالتحكيم أن إصدار قانون ينظم التحكيم هو أمر لا بد منه لدعم قطاعات الأعمال فـي الدولة. وقد إستجاب المشرع، أخيراً، وبعد تأخر، يقدره البعض بعشرة سنوات، وأصدر قـانون التحكيم في شهر مايو 2018. وقد عالجنا هذا القانون الجديد من نواح متعددة: مصادره، ونظامه بين الوحدة والإزدواجيـة، وطبيعة حلوله بين التقييد والتحررية، ومدى عالميه أحكامه، وأخيراً بعض التساؤلات والتحفظات. وقد وجدنا بعض الجوانب التي تحتاج إلى تدخل وتعديل من جانب المشرع، ولذلك نوصي بها: أولاً- ضرورة النص بشكل واضح على المسائل المتروكة وأيضاً على المسائل التـي تفهـم بشكل ضمني، مثل المحكمة المختصة بشؤون التحكيم، ومراعاة أحكام الإتفاقيات التوليـة للتحكـيم المنضمة إليها الدولة، وغير ذلك. فليس المطلوب منا أن نبحث عن حلول في ظل الغموض العمدي للقانون، فقد علمنا من القانون المقارن أن الحل ما دام إرتضاه المشرع فلا مشكلة في النص عليـه صراحة، بل وأحياناً في إعادة النص عليه لتأكيد الأخذ به وإزالة أي غموض حول هذا الأمر. ثانيا- نقترح تشكيل لجنة لمراجعة نصوص القانون للوقوف على ما تحتاجه مـن إضـافة وأيضاً لمعالجة عيوب الصياغة الموجودة في بعض المواد، من أجل سد النقص الـذي يـشوب القانون، في ضوء ما أظهرته الدراسات والواقع العملي. ثالثاً- ويتصل بالبند ثانياً، ضرورة العمل على التنسيق والتناغم بين نصوص القانون، على سبيل المثال ألنصوص التي تتناول المحكمة المختصة بمسائل التحكيم، والنصوص التي تتنـأول الطعن في حكم التحكيم، والتظلم من أمر التنفيذ أو رفضه. رابعاً- نطالب بنشر جميع الوثائق والمستندات المصاحبة لمراحل إقتراح قـانون التحكـيم ومشروعه ومناقشته وإصداره، لتكون تحت بصر الباحثين في حقل التحكيم، الأمر الذي يساعد في دراسة وتطوير هذا القانون الهام. خامساً- النص على علاقة هذا القانون بالقواعد العامة الواردة في قانون الإجراءات المدنية. سادسا- بيان وضع بعض مراكز التحكيم في الدولة، وبصفة خاصة عنـدما يطلـق عليهـا (تسمية) محاكم ويثور التساؤل عن مدى إمكانية توزيع الإختصاص بينها وبين محاكم الدولة.