لقد صدر قانون التحكيم الاتحادي رقم 6 لسنة 2018 ونشر في العدد رقم (630) للسنة الثامنة والأربعين من الجريدة الرسمية، وذلك بتاريخ 15 مايو 2018م، وقد نصّت المادة (61) أن يعمل بالقانون بعد شهر من اليوم التالي لتاريخ نشره، أي أنه سيدخل حيّز التنفيذ اعتباراً من منتصف يونيو 2018م.
مما لا شك فيه أنّ قانون التحكيم الاتحادي الصادر حديثاً يُعدّ نقلة نوعية لموضوع هام لطالما كانت الحاجة ملحّة إليه في دولة الإمارات العربية المتحدة ألا وهو التحكيم التجاري، إذ أنّ القانون الجديد سوف يعزِّز مكانة الدولة كواجهة محبّذة لجذب التحكيمات الدولية والوطنية على حد سواء.
بعضٌ من أهم ملامح القانون الجديد:
من أهم ملامح قانون التحكيم الصادر حديثاً أنّه عزّز وأكد على مبادئ دولية بشأن التحكيم لم تكن معهودة في مواد قانون الإجراءات المدنية التي كانت تعالج موضوع التحكيم سابقاً ، على الرغم من أنّ الاجتهادات القضائية الصادرة عن محاكم النقض الموقّرة كانت قد أكدت عليها في مناسبات متفرقة، هذه المبادئ من قبيل مبدأ استقلالية شرط التحكيم الذي ورد في المادة (6) من القانون، ومبدأ اختصاص هيئة التحكيم ببت اختصاصها، كما جاء في المادة (19/1) من القانون.
القانون الجديد تطرّق في المادة (3) لموضوع الصفة الدولية للتحكيم بالرغم من عدم منح أي مزيّة لهذا النوع من التحكيم مقارنة بالتحكيم الوطني من ناحية الإجراءات والشروط الخاصة بالتنفيذ مثلاً، بالرغم من أهميته، إذ أنّ غالبية التحكيمات التي تعقد في الدولة تتضمّن عنصراً دولياً يكمن تارة في إختلاف جنسية الأطراف وتارة في القانون واجب التطبيق على النزاع، وأخرى لعنصر اقتصادي خاص ، فبالرغم من توافر بعض هذه العناصر، إلاّ أنّ المشرِّع لم يكن يعرف في السابق سوى التحكيم الوطني الذي يعقد في الدولة والآخر الأجنبي الذي يعقد خارج الدولة. لكن المشرِّع بتعريفه للتحكيم الدولي في القانون الحالي وإخضاعه لهذا القانون، حرم هذا النوع من التحكيمات من ميزة الاستفادة من مزايا اتفاقية نيويورك لسنة 1958 بشأن الاعتراف وتنفيذ أحكام التحكيم الأجنبية والتي تنص في ذيل المادة 1/1 على ما يأتي:
"..... وتنطبق أيضاً على قرارات التحكيم التي لا تعتبر قرارات محلية في الدولة التي يطلب فيها الاعتراف بهذه القرارات وتنفيذها".
قانون التحكيم الجديد تعرّض في الفصل الثاني منه إلى اتفاق التحكيم من حيث الأهلية وصور الاتفاق واستقلالية شرط التحكيم وشكله.
بخلاف المواد التي كانت تعالج التحكيم سابقاً، فإنّ القانون الجديد عرف مؤسسة التحكيم وفوّضها صلاحيات واسعة شريطة اتفاق الأطراف على إخضاع نزاعاتهم لأنظمة تلك المؤسسات، وعليه فإنّ القانون الجديد بات يُعدّ مرجعاً أساسياً لكل تحكيم خاص (حر) أو مؤسسي أو معقود عن طريق المحكمة.
المادة (8) من القانون الجديد لم تحدِّد الجلسة الأولى للدفع بعدم اختصاص المحكمة في حال تضمّن النزاع المطروح عليها اتفاقاً على التحكيم، كما كان عليه الوضع في القانون السابق، وإنما أناط بالمدعى عليه الدفع بوجود اتفاق التحكيم قبل ابداء أي طلب أو دفع في موضوع الدعوى، ولكن إثارة الدفع ليس مشروطاً في الجلسة الأولى الفعلية لنظر الدعوى.
لقد عالج القانون في المادة (11) آلية اختيار هيئة التحكيم ومنح الأطراف حرية الاتفاق على الإجراءات الواجب اتّباعها لتعيين هيئة التحكيم، غاية ما في الأمر أنه في حال تعثر الأطراف في التوصل إلى اتفاق فإنّ ذلك يستلزم تقديم طلب إلى المحكمة أو مؤسسة التحكيم المتفق عليها لاتخاذ الإجراء اللازم، ويكون قرارها نهائياً لا يقبل الطعن فيه بأي طريق، الجدير بالذكر أنّ المواد السابقة التي كانت تعالج هذه الإشكالية، كانت تتطلب إقامة دعوى أمام المحكمة المختصة بطلب تعيين محكم وفق الاجراءات المعتادة لرفع الدعوى .
المواد (14 و15) عالجتا الأسباب والإجراءات الخاصة بردّ المحكم، وهي مختلفة عما كان عليه الوضع في السابق من ناحية أسباب الردّ والإجراءات المطلوب اتخاذها لردّ المحكم.
المادة (18) من القانون الجديد عالجت الاختصاص العام بنظر تدابير التحكيم، إلاّ أنّ المادة (21) منحت هيئة التحكيم صلاحية الأمر باتخاذ ما تراه من تدابير مؤقتة أو تحفظية تقتضيها طبيعة النزاع شريطة مراعاة المادة (18) وعدم اتفاق الأطراف على سلب هذه الصلاحية من هيئة التحكيم باتفاق سابق. الجدير بالذكر أنّ المادة (21) المذكورة تُعدّ قفزة نوعية تعكس مدى تطور هذا التشريع من جهة، ودعمه المميّز للتحكيم من خلال منح هيئة التحكيم مثل هذه الصلاحيات.
المادة (28) من القانون تناولت نقطة هامة للغاية تتعلّق بموضوع مكان التحكيم، إذ أنّ القانون - وبخلاف المواد السابقة التي كانت تعالج موضوع التحكيم - فرّق بين مكان التحكيم بما هو المقرّ القانوني للتحكيم، ومكان التحكيم بما هو مقرّ لعقد الجلسات والمداولة، وبذلك سمح القانون لهيئة التحكيم - مالم يتفق الأطراف على خلاف ذلك - بعقد جلسات التحكيم في أي مكان تراه مناسباً للقيام بأي إجراء من إجراءات التحكيم، بل سمح القانون بعقد جلسات التحكيم أو المداولة عن طريق وسائل الاتصال والتقنيات الحديثة كخطوة تعكس مدى تطور هذا التشريع.
في المادة (35) تناول القانون سلطة هيئة التحكيم في الاستماع إلى الشهود بما فيهم شهود الخبرة من خلال وسائل الاتصال الحديثة التي لا تتطلب حضورهم شخصياً.
آلية تنفيذ وإبطال أحكام التحكيم الخاضعة لهذا القانون:
تحدثت المادة (52) من القانون عن القوة الإلزامية لحكم التحكيم، ونصّت على أن يعتبر حكم التحكيم ملزماً للأطراف ويحوز حجية الأمر المقضي به وتكون له ذات القوة التنفيذية كما لو كان حكماً قضائياً، إلاّ أنّ التنفيذ مشروط بالحصول على قرار للمصادقة على حكم التحكيم من المحكمة.
لاحظوا أنّ المادة (52) قيّدت التنفيذ بقرار المصادقة على حكم التحكيم من خلال طلب يقدّم إلى المحكمة وليس من خلال دعوى مبتدأة، كما كان عليه الوضع في السابق، والمقصود بالمحكمة كما عرّفتها المادة (1) بند التعاريف: هي المحكمة الاستئنافية الاتحادية أو المحلية التي اتفق الأطراف عليها أو يجري ضمن دائرة اختصاصها التحكيم.
وقد أكدت المادة (55) من القانون بأنّ طلب المصادقة والأمر بالتنفيذ يقدم الى رئيس المحكمة (أي رئيس محكمة الاستئناف) مرفقة به المستندات المؤيدة، على أن يفصل الرئيس أو من يندبه من قضاة المحكمة في طلب المصادقة خلال 60 يوماً من تاريخ تقديم الطلب ما لم يوجد سبب أو أكثر من أسباب البطلان الواردة في المادة (53) من القانون .
المشرّع منح المعترض على حكم التحكيم حق إقامة دعوى بطلان أمام محكمة الاستئناف بموجب الأسباب الواردة في المادة (53)، كما منح المعترض حق الطعن على حكم محكمة الاستئناف بشأن دعوى البطلان أمام محكمة النقض بموجب ما نصّت عليه المادة (54).
الجدير بالذكر أنّ دعوى البطلان لا تُسمع بعد مرور الـ (30) يوماً التالية لتاريخ الإعلان بحكم التحكيم الى الطرف المعترض (المادة 54/2).
بالإضافة إلى طريق إقامة دعوى البطلان الذي رسمه المشرِّع للطرف المعترض على حكم التحكيم، فإنّ المشرّع منحه أيضاً حق الاعتراض على حكم التحكيم أثناء نظر طلب المصادقة عليه، والحقيقة أنّ فهمي للمادة (53/1) هو أنّ المشرّع رسم طريقين للاعتراض على حكم التحكيم هما:
أولاً- من خلال دعوى البطلان بالإجراءات المعتادة لرفع الدعوى، ولكن ترفع أمام محكمة الاستئناف المختصة.
ثانياً- أو من خلال تقديم دفاع مسبب بالاعتراض على تنفيذ حكم التحكيم، ولكن هذا الاعتراض يقدم كدفاع في مواجهه طالب المصادقة على حكم التحكيم أثناء نظر طلب المصادقة الذي يقدّم الى رئيس محكمة الاستئناف، كما أسلفنا.
المادة (57) من القانون هي مورد إشكال وأعتقد أنّها ستسبب الكثير من المشاكل العملية بعد دخول القانون حيّز التنفيذ، إذ سترد بعض الإشكالات حول آلية اختيار التظلّم كطريق للطعن على قرار أو رفض المصادقة، وذلك على النحو الآتي:
أولاً- لا أرى داعياً لمنح الطرف الخاسر دعواه التحكيمية ميزة التظلّم من الأمر بالتنفيذ طالما أنّ المشرّع كان قد كفل له طريق الطعن ببطلان حكم التحكيم من خلال رفع دعوى بموجب المادة (53)، بل منحه حق الطعن على الحكم الصادر بدعوى البطلان بطريق النقض، كما جاء في المادة (54)، لذا فمنحه ميزة التظلّم من قرار التنفيذ يفتح المجال للمماطلات غير المبرّرة لعرقلة تنفيذ حكم التحكيم.
ثانياً- الإشكالية الثانية: هل أنّ قرار محكمة الاستئناف المختصة بشأن التظلّم نهائي أم أنّ الأمر موكول الى محكمة النقض؟
في رأيي المتواضع أرى أنّ التظلّم من قرار المحكمة كان يجب أن يقتصر على من صدر القرار برفض المصادقة وتنفيذ حكم التحكيم الصادر لصالحه فقط وأمام محكمه النقض.
ماذا في شأن آلية الاعتراف وتنفيذ أحكام التحكيم الأجنبية؟
قد يثور التساؤل في شأن نطاق سريان هذا القانون ، ولا سيما إذا كان بالإمكان تطبيقه ليشمل الاعتراف وتنفيذ أحكام التحكيم الأجنبية الصادرة خارج الدولة، وعما إذا كانت الإجراءات المنصوص عليها في هذا القانون سوف تطبّق بشأنها من عدمه، خصوصاً وأنّ التشريع السابق كان يتطلب إقامة دعوى مبتدأة للحصول على الاعتراف بحكم التحكيم الأجنبي تمهيداً لتنفيذه، بل كان الحكم الصادر بالاعتراف خاضعاً للطعن عليه بالطرق المقرّرة من استئناف ونقض، ممّا كان يطيل أمد التقاضي ويُفقد التحكيم أحد أهم ميزاته ألا وهي السرعة. في الواقع على الرغم من أنّ نطاق تطبيق قانون التحكيم الحالي يسري فقط على التحكيمات التي تجري داخل الدولة، والأخرى التي تعقد خارج الدولة شريطة اتفاق أطرافها على إخضاعها لأحكام هذا القانون، إلاّ أنّ الإجراءات التي يتطلبها القانون لتنفيذ أحكام التحكيم الخاضعة له، يجب – من وجهة نظري الشخصية – أن تسري أيضاً على الاعتراف وتنفيذ أحكام التحكيم الأجنبية الصادرة خارج الدولة في حال رغب الطرف الصادر لمصلحته حكم التحكيم الأجنبي بتنفيذه في دولة الإمارات العربية المتحدة، على الرغم من خلوّ قانون التحكيم الجديد من أي نص خاص بآلية تنفيذ أحكام التحكيم الأجنبية الصادرة خارج الدولة. والسبب في ذلك يعود إلى أنّ دولة الإمارات العربية المتحدة كانت قد انضمت إلى إتفاقية نيويورك في شأن الاعتراف وتنفيذ أحكام التحكيم الأجنبية لسنة 1958 . التي تتضمّن إلتزاماً صريحاً على الدول الأعضاء بأن لا تفرض على تنفيذ أحكام التحكيم التي تسري عليها إتفاقية نيويورك أية شروط تكون أكثر صرامة أو تشكِّل عبأً إضافياً أو رسوماً باهظة عن تلك الشروط والرسوم المترتّبة على تنفيذ أحكام التحكيم الوطنية .
وعليه، فإنّ المحاكم الوطنية حازمة بتطبيق ذات الإجراءات المنصوص عليها في قانون التحكيم الجديد بشأن الاعتراف وتنفيذ أحكام التحكيم الأجنبية الصادرة خارج الدولة، وذلك بأن يقدِّم طالب التنفيذ والاعتراف طلباً إلى رئيس محكمة الاستئناف المختصة سنداً لنص المادة (55) من قانون التحكيم، غاية ما في الأمر أنّ الطلب يجب أن يكون مؤيداً بالمستندات المنصوص عليها في المادة (4) من إتفاقية نيويورك .
الجدير بالذكر أنّ الطريق أمام من يودّ الاعتراض على الاعتراف وتنفيذ حكم التحكيم الأجنبي ينحصر في المعارضة على التنفيذ بأن يودع رداً على طلب الاعتراف المقدّم من طالب التنفيذ أمام رئيس محكمة الاستئناف يذكر بالأدلة الأسباب التي يعتقد أنها تحول دون الاعتراف وتنفيذ حكم التحكيم الأجنبي كما هي واردة في المادة الخامسة من إتفاقية نيويورك . ولا يملك المعترض طريق الاعتراض على الاعتراف والتنفيذ من خلال إقامة دعوى البطلان المنصوص عليها في المادة (53) من قانون التحكيم، لأنّ محاكم الدولة غير مختصة بإبطال حكم التحكيم الأجنبي الصادر خارج الدولة، وإنما تملك فقط رفض الاعتراف والتنفيذ إذا أثبت المعترض حالة من الحالات الواردة في المادة الخامسة من إتفاقية نيويورك أو إذا رأت المحاكم الوطنية أنّ حكم التحكيم المطلوب الاعتراف به وتنفيذه مخالف للنظام العامة والآداب في الدولة أو أن موضوع النزاع الصادر بشأنه حكم التحكيم لا يمكن تسويته عن طريق التحكيم في الدولة.
ختاماً، نؤكد أنّ قانون التحكيم في دولة الإمارات العربية المتحدة يشكّل حالة إيجابية ستضيف الكثير الى دولة الإمارات من ناحية جعلها واجهة جاذبة للإستثمارات الأجنبية، إضافة إلى جعلها واجهة محبّذة لعقد التحكيمات الدولية بفضل المزايا العديدة التي يوفّرها هذا التشريع، كما أنّ القانون بما تضمّنه من مواد مستحدثة سوف يفتح الباب أمام مراكز التحكيم في الدولة لتعديل وتطوير قواعدها بما ينسجم ومواد هذا القانون.
غايةً ما في الأمر أنّ آلية تطبيق القانون يجب أن تساير غاية المشرِّع والغرض من إصدار هذا القانون، وكلنا أمل وثقة بذلك.