الخدمات

ابواب التحكيم الرئيسية
  • متفرقات / قوانين التحكيم في الدول العربية / المجلات العلمية / مجلة التحكيم العالمية العدد 35-36 / دور محاكم مركز قطر للمال في ضوء قانون التحكيم القطري الجديد رقم 2 لسنة 2017: الفرص والتحديات

  • الاسم

    مجلة التحكيم العالمية العدد 35-36
  • تاريخ النشر

  • عدد الصفحات

  • رقم الصفحة

    231

التفاصيل طباعة نسخ

بسم الله الرحمن الرحيم

{ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا }.

الآية 58 من سورة النساء

 

تمهيد:

من المعلوم جلياً أنّ دولة قطر تشهد طفرة اقتصادية ملحوظة في السنوات السابقة، وهو الأمر الذي جعلها تتبوأ مقدمة التصنيفات في المؤشرات العالمية لممارسة الأعمال التجارية . ولقد كان ذلك دافعاً للمشرع القطري للعمل على تحديث البنية التشريعية في الدولة حتى تتواكب والمتغيرات الاقتصادية ولتكون عاملاً فعالاً لجذب المزيد من الاستثمارات الوطنية والأجنبية.

وقد دأب المشرع القطري في تطوير البنية القانونية للاستثمار عن طريق استحداث حزمة من التشريعات، نذكر منها على سبيل المثال القانون رقم (25) لسنة 2002 بشأن صناديق الاستثمار، القانون رقم (34) لسنة 2005 بشأن المناطق الحرة الاستثمارية، القانون رقم 16 لسنة 2010 بإصدار قانون المعاملات والتجارة الإلكترونية، قانون مصرف قطر المركزي وتنظيم المؤسسات المالية رقم (13) لسنة 2012 وقانون هيئة قطر للأسواق المالية رقم (8) لسنة 2012.

كما صدر أخيراً العديد من التشريعات ذات الصلة بتنظيم البيئة التجارية، مثل قانون الشركات الجديد رقم 11 لسنة 2015، قانون المناقصات والمزيدات رقم 24 لسنة 2015، القانون رقم (20) لسنة 2014 بتعديل أحكام قانون السجل التجاري رقم 25 لسنة 2005 والقانون رقم (5) لسنة 2015 بشأن المحال التجارية والصناعية والعامة المماثلة والباعة المتجولين، القانون رقم (2) لسنة 2016 بتعديل بعض أحكام القانون رقم (8) لسنة 2002 بشأن تنظيم أعمال الوكلاء التجاريين، القانون رقم (6) لسنة 2014 بتنظيم التطوير العقاري والقانون رقم (8) لسنة 2015 بتعديل بعض أحكام القانون رقم (3) لسنة 2007 بشأن استغلال الثروات الطبيعية ومواردها. ويعكف حالياً المشرع القطري على استصدار قانون جديد للشراكة بين القطاع العام والخاص .

وفي هذا السياق، تعتبر من الأمور الهامة على صعيد تطوير المناخ القانوني للمستثمرين تهيئة نظام التقاضي الفعال والناجع من أجل تسوية منازعات الاستثمار، بما يحقق الأمن القانوني للمستثمر وأيضاً للدولة . ولعل قانون التحكيم يعتبر من أهم التشريعات المكملة لبناء الهيكل التشريعي الملائم للاستثمار، حيث إنه يضمن وجود نظام قانوني لتسوية المنازعات بعيداً عن إجراءات التقاضي التقليدية.

ولقد أجاز المشرع القطري- منذ زمن بعيد- للخصوم في المنازعات المدنية والتجارية ، خروجاً عن الأصل العام في ولاية القضاء، أن يتفقوا على إحالة ما بينهم من نزاع إلى التحكيم، وهو ما لا يعد مصادرة لحق التقاضي ولا يشمل أي مخالفة لأحكام الدستور الدائم لدولة قطر ،  حيث أنّ هذا الأمر لا يعدو سوى أن يكون من الأمور التي يشملها تنظيم المشرع لولاية القضاء .

والتحكيم التجاري لم يعد في الوقت الحالي مجرد سلعة أو بضاعة يجب إبراز وإلقاء الضوء على محاسنها أو فوائدها، بل أصبح ضرورة يفرضها واقع حال التجارة الدولية. ونستطيع أن نجزم أنّ دور التحكيم الحالي في منازعات التجارة الدولية لم يعد قاصراً على فضّ المنازعات بعد نشوئها، بل أصبح وسيلة فعالة لاطمئنان المستثمرين في عقود التجارة الدولية طويلة المدة، وهو الأمر الذي يدفع المشرّع إلى وضع منظومة كاملة للتحكيم كأحد الوسائل البديلة لحل المنازعات بين الأفراد لكي تقوم جانباً إلى جنب بجوار القضاء .

ولقد أدرك المشرع القطري أخيراً الأهمية البالغة والمتزايدة التي يحظى بها التحكيم الآن على الصعيد الدولي ، ولذلك أصدر أخيراً قانون التحكيم القطري رقم 2 لسنة 2017 كأول قانون خاص ومستقل للتحكيم، وذلك بعد دراسة استغرقت عدة سنوات  من أجل أن يكون التشريع الصادر متناغماً مع أفضل الممارسات الدولية .

ولقد جاء صدور قانون التحكيم الجديد رقم 2 لسنة 2017 ليدعم هذه الجهود الحثيثة، حيث جاءت نصوص القانون الجديد  متوافقة مع أفضل الممارسات الدولية والاتجاهات الحديثة المعمول بها في مجال التحكيم، خاصة تعديلات عام 2006 للقانون النموذجي للتحكيم التجاري الدولي لجنة قانون التجارة الدولية التابعة للأمم المتحدة (اليونسيترال UNCITRAL) والذي صدر عام 1985، ولذلك يعتبر قانون التحكيم القطري من ضمن أحدث التشريعات في الوطن العربي والتي اعتمدت التعديلات الأخيرة للقانون النموذجي حيث إن معظم القوانين العربية كانت قد صدرت في ضوء نسخة عام 1985.

ومن أهم الملاحظات الجديرة بتسليط الضوء عليها في قانون التحكيم القطري الجديد هو ما ورد في المادة الأولى من اعتماد الدائرة الابتدائية بمحكمة قطر للمال كمحكمة مختصة في حال اتفاق الأطراف على ذلك، وهو الأمر الذي يعزّز اختصاص هذه المحاكم في الأشراف على التحكيم

فوفقاً للمادة 6 من قانون التحكيم الجديد، تتولى محكمة قطر للمال العديد من الاختصاصات ، منها مساعدة الأطراف في تشكيل هيئة التحكيم  أو بت مسألة ردّ المحكم  أو إنهاء مهمته  أو الفصل في الدفوع المتعلقة بعدم اختصاص هيئة التحكيم  أو نظر دعوى البطلان .

ومما سبق، يتضح لنا أنً محاكم مركز قطر للمال قد تؤدي دوراً حيوياً في قانون التحكيم القطري الجديد . وقبل التعرض لهذا الموضوع، نرى وجوب إماطة اللثام عن محاكم مركز قطر للمال، والتي كان لدولة قطر تجربة فريدة في استحداثها، وذلك لتجلية خلفية تأسيس مركز قطر للمال والفلسفة التي يقوم عليها (المبحث الأول)، قبل تحديد معالم محاكم المركز واستعراض دورها في مجال قانون التحكيم الجديد رقم 2 لسنة 2017 (المبحث الثاني). 

 

المبحث الأول: التعريف بمركز قطر للمال:

تم تأسيس مركز قطر للمال  بموجب القانون رقم 7 لسنة 2005 (والذي تم العمل به من أول مايو 2005) ليكون حاضنة للاستثمارات الأجنبية داخل الدولة واستقطاب أعمال البنوك العالمية والخدمات المالية وأنشطة التأمين والمراكز الرئيسية للشركات ، بما يعضد من مكانة دولة قطر كموقع عالمي رائد للمال والأعمال  (أولاً). ومن ضمن المزايا العديدة التي يقدمها هذا المركز توفير نظام تقاضٍ خاص ومتخصص في المنازعات التجارية بعيداً عن المحاكم العادية في الدولة (ثانياً).

 

المطلب الأول- المزايا الاستثمارية للشركات والكيانات الخاضعة لمركز قطر للمال:

وفقاً للمادة 3 من قانون مركز قطر للمال تتولى هيئة المركز إدارة مركز قطر

للمال وفقاً لأهدافه، ويكون لها الشخصية القانونية المستقلة والأهلية الكاملة لمباشرة التصرفات القانونية وفقاً لهذا القانون، وتتمتع بالاستقلال المالي والإداري عن الدولة. ولهيئة المركز صلاحية إبرام العقود والتقاضي بصفتها مدعية أو مدعى عليها، وامتلاك وتأجير الأصول بجميع أنواعها، وتحمل المسؤوليات والالتزامات الناشئة عن القيام بأنشطتها . ويمنح القانون المستثمرين المتعاملين مع هذه الهيئة العديد من المزايا التحفيزية والضمانات التشريعية.

 

أولاً- المزايا بخصوص التأسيس ومباشرة الأعمال:

نظّم المشرّع القطري الأحكام المتعلقة باستثمار رأس المال الأجنبي في المشاريع الاقتصادية في القانون رقم 13 لسنة 2000 بشأن تنظيم استثمار رأس المال غير القطري في النشاط الاقتصادي. ووفقاً للمادة الثانية من القانون سالف الذكر، لا يجوز – من حيث الأصل- أن تتجاوز نسبة مساهمة رأس المال الأجنبي 49% من رأس مال المشروع. ويجوز التغاضي عن هذا القيد والسماح للأجانب بتملك كامل رأس مال المشروع في مجالات اقتصادية محدّدة، وذلك بموجب قرار من وزير الاقتصاد والتجارة .

كما يجوز لوزير الاقتصاد والتجارة - بعد التشاور مع الجهة المختصة- الترخيص لفروع الشركات الأجنبية غير القطرية المرتبطة بعقود أعمال في الدولة بتنفيذ عقودها - وذلك دون التقيد بنسب الملكية المشار إليها سلفاً- طالما كان ذلك يحقق تيسير أداء خدمة أو منفعة عامة .

ولقد أجاز القانون رقم 9 لسنة 2014 الصادر بتعديل الفقرة الرابعة من المادة 2 من القانون رقم 13 لسنة 2000، زيادة مساهمة رأس المال الأجنبي بنسبة تصل إلى 49% من أسهم الشركات المساهمة القطرية المطروحة للتداول في سوق الدوحة للأوراق المالية، وذلك بعد موافقة الوزارة على النسبة المقترحة في عقد تأسيس الشركة ونظامها الأساسي. كما يجوز للمساهمين من الأجانب تملك نسبة تزيد على النسبة المشار إليها، بموافقة مجلس الوزراء، بناءً على اقتراح وزير الاقتصاد والتجارة.

ومما سبق، يتضح لنا أن المشرع القطري قد وضع قيوداً تشريعية من حيث نسبة تملك الأجانب للمشاريع العاملة في الدولة، وإن كان قد سمح ببعض الاستثناءات في هذا السياق، فهذا الأمر يخضع للسلطة التقديرية للجهة الإدارية المختصة، وهو الأمر الذي قد لا يحبّذه بعض المستثمرين. وفي هذا السياق، يوفر مركز قطر للمال فرصة للمستثمرين الأجانب بتأسيس شركات وكيانات مملوكة لهم بالكامل.

فطبقاً للفقرة 3 من المادة 11 من القانون رقم (7) لسنة 2005، تكون للمستثمرين الأجانب الحرية في تكوين الشركات داخل المركز دون التقيد بالقواعد الخاصة بمساهمة القطريين في رأس مال الشركة حيث لا تتقيد الشركات أو الكيانات المسجلة لدى المركز بأحكام قانون الشركات بخصوص إقامة أو تنظيم الأعمال أو تأسيس الشركات أو الكيانات سواء داخل المركز أو من خلاله، حيث تسري على تلك الشركات أو الكيانات قانون مركز قطر للمال والأنظمة الصارة تنفيذاً له .

وتجدر الإشارة في هذا الصدد أن المركز يسمح بتأسيس شركات أو كيانات دون التقيّد بأنواع الشركات التقليدية الواردة في قانون الشركات القطري رقم 11 لسنة 2015، وهو الأمر الذي يمنح المستثمر الحرية في اختيار الشكل المناسب لممارسة العمل داخل المركز أو خارجه وفقاً لاحتياجاته وطبيعية النشاط. ولقد احسن المركز صنعاً عندما بادر بوضع لوائح خاصة لتنظيم بعض الكيانات أو الشركات المعروفة في النظام الأنجلوسكسوني، نذكر منها لائحة شركات الترست  Trust Regulations 2007أو تأسيس مكتب الشركات العائليةSingle Family Office Regulations ولائحة الشركات الخاصة Special Company Regulations أو لوائح شركات التضامن ذات المسؤولية المحدودةLimited Liability Partnerships Regulations 2005.

ويوفر المركز أيضاُ للشركات المرخصة لديه مكنة هامة وهي الحق في مزاولة الأعمال داخل المركز أو خارجه دون الحاجة للحصول على تراخيص أخرى من باقي الجهات الإدارية في الدولة، وهو الأمر الذي يوفر الوقت والجهد والتكلفة على المستثمرين. فطبقاً للمادة 11-1 من قانون المركز، تختص هيئة المركز وحدها بالموافقة والتصريح والترخيص للشركات والأفراد والكيانات الأخرى بتأسيس أو إقامة أعمال في المركز أو في مباشرة الأنشطة المسموح بها في المركز أو من خلاله.

ولعل من الأمور الهامة في هذا الصدد التي تيسر على المستثمرين، هي تلك السلطة الممنوحة لهيئة المركز بموجب المادة 18-4 من القانون، لإصدار جميع تأشيرات الدخول، والأذونات والوثائق اللازمة أو المتعلقة بالتوظيف في المركز والكيانات الأخرى العاملة فيه أو مباشرة أي عمل فيه. وتكون لهذه التأشيرات والأذونات والوثائق الصلاحية الكاملة والقبول والتنفيذ من جميع سلطات الدولة.

كما تخضع تلك الشركات لإشراف هيئة المركز في ما تمارسه من أعمال خارج المركز أو داخله، ومن ثم تنحصر سلطة الرقابة في جهة واحدة دون أن تتشعب بين السلطات الإدارية المختلفة كما هو الحال للشركات غير المرخصة بمركز قطر للمال . وعلى ذلك تتوحد سلطة الترخيص والرقابة في يد أجهزة مركز قطر للمال فقط وهو ما يمنع من تعارض القرارات بين الجهات الإدارية المختلفة.    

كما تتمتع الشركات العاملة في المركز بنظام ضريبي مرن، فوفقاً للمادة 17 من

قانون المركز، لا تنطبق على المركز قوانين ولوائح الدولة المتعلقة بالضرائب والرسوم

مهما كان نوعها، عدا تلك المنصوص عليها في هذا القانون والأنظمة الصادرة من

المركز

 

ثانياً- الضمانات التشريعية:

أكّدت المادة 12 من قانون مركز قطر للمال على العديد من الضمانات التشريعية الإضافية للكيانات المعتمدة أو المصرّح أو المرخّص لها بمزاولة أنشطتها في المركز أو من خلاله، وذلك من أجل توفير شبكة أمان متكاملة للمستثمرين والتأكيد على سهولة ضخ رؤوس الأموال أو تحويل ما يحققه المستثمر من أرباح بسهولة ويسر. وتتضمن قائمة هذه الضمانات ما يأتي:

1-     عدم الخضوع لأي إجراءات تأميم أو مصادرة أو قيود على الملكية الخاصة.

2-     حرية إعادة تحويل الاستثمارات والأرباح.

3-     حرية استخدام وتعيين الموظفين لديها وفقاً للشروط التي تراها ملائمة، مع مراعاة ما تنص عليه الأنظمة، والالتزامات الناشئة عن المعاهدات الدولية التي أبرمتها الدولة في ما يتعلق بشروط الاستخدام فيها.

4-     عدم أداء الضرائب إلاّ تلك المقررة بموجب الأنظمة.

5-     جواز أن تكون مملوكة بنسبة تصل إلى 100% لأشخاص أو شركات أو كيانات أخرى ليست من مواطني الدولة أو المقيمين فيها.

وعلى صعيد العقوبات الجنائية وفقاً لقوانين الدولة، تقضي المادة 18 من القانون بأن

مباشرة أي عمل في المركز بموجب موافقة أو تصريح أو ترخيص، صادر وفقاً لأحكام هذا القانون أو الأنظمة، لا يعتبر إخلالاً بأي قانون جنائي أو أي قانون آخر من القوانين المطبقة في الدولة.

ولقد كان لكل المزايا السابقة الفضل في زيادة عدد الشركات المسجلة لدى مركز قطر للمال حيث بلغ عدد الشركات المسجلة في المركز في نهاية أغسطس 2016 حوالي 318 شركة، مقابل 276 شركة في نهاية 2015، وذلك بنسبة زيادة بنحو 15.21%، وهو ما يعكس أهمية الدور الذي يقوم به مركز قطر للمال في تحقيق نهضة دولة قطر ورؤيتها الوطنية 2030 في تنويع مصادر الدخل والتحول التدريجي من اقتصاد يعتمد فقط على مصادر الطاقة إلى اقتصاد المعرفة .

وبعد عرض المزايا السابقة التي يوفرها مركز قطر للمال، يكون من الأجدر التعرض للشروط الواجب توافرها لتسجيل المستثمرين بالمركز.

 

المطلب الثاني- شروط التسجيل بمركز قطر للمال:

يخضع ترخيص الشركات أو الكيانان الراغبة في العمل داخل المركز أو من خلاله لشرطين، إحداهما موضوعي والآخر إجرائي.

 

أولاً- الشروط الموضوعية:

يتعلق هذا الشرط بطبيعة النشاط الذي تمارسه الشركة المراد تسجيلها لدي المركز

حيث يجب أن يكون نشاط الشركة من ضمن الأنشطة المسموح به وفقاً لقانون مركز قطر للمال أو من الأنشطة الأخرى التي قد يحددها مجلس الوزراء لتزاول في المركز أو من خلاله. ولقد تتضمن الملحق رقم 3 الصادر وفقاً للمادة 10 من قانون مركز قطر للمال  فئتين من الأنشطة التي يسمح بمزاولتها في المركز أو من خلاله، والتي نعرضها

فيما يلي:

 

أولاً- الأنشطة المنظمة، وتتضمن:

1.     أعمال البنوك، والمعاملات المالية مهما كانت طبيعتها، وأعمال الاستثمار، بما في ذلك، دون حصر، جميع أنشطة الأعمال التي يجري العمل على إنجازها عن طريق بنوك الاستثمار، وبنوك تمويل الشركات، وبنوك تمويل تجارة الجملة، وأنشطة المصارف الإسلامية، والخدمات المصرفية الإلكترونية.

2.     أنشطة التأمين وإعادة التأمين بجميع أنواعها.

3.     أنشطة أسواق النقد والأوراق المالية، والسلع بجميع أنواعها، بما في ذلك الإتجار والتداول في المعادن الثمينة والأسهم وصكوك الدين والسندات والأوراق المالية والأنشطة المالية الأخرى المشتقة منها أو المتصلة بها.

4.     أنشطة إدارة الأموال والأصول، وصناديق الاستثمار، وتمويل المشروعات والشركات في جميع المجالات، وأنشطة المصارف، والتمويل الإسلامي.

5.     إدارة الصناديق، وأعمال استشارات صناديق الاستثمار وخدمات الاستئمان بجميع أنواعها.

6.     أنشطة صناديق التقاعد وشركات الائتمان.

7.     أنشطة الوساطة المتعلقة بالتأمين والأوراق المالية، وغيرها من أنشطة الوساطة المالية.

8.     أعمال الوكالات المالية، وتقديم الاستشارات المالية والاستثمارية، وخدمات الاستثمار بجميع أنواعها.

9.     تقديم خدمات أمناء حفظ الأموال وأعمال الأمناء القانونية.

ثانياً- الأنشطة غير المنظمة، وتشمل:

1.     أعمال وكلاء الشحن وسماسرة السفن.

2.     الأنشطة الخاصة بخدمات التصنيف، والتصنيف الائتماني، وأنشطة التصنيف الأخرى.

3.     الأعمال المتعلقة بالمقار الرئيسية للشركات، ومكاتب الإدارة، وأعمال الخزينة، وأعمال وأنشطة المهام الأخرى ذات الصلة، بجميع أنواعها، وإدارة الشركات بوجه عام.

4.     أعمال تقديم الخدمات المهنية، وعلى سبيل المثال وليس الحصر، التدقيق، المحاسبة، الضرائب، الاستشارات، والخدمات القانونية.

5.     أعمال الشركات القابضة، وتشكيل وتشغيل وإدارة شركات «الترست» وجميع أنواع الترتيبات الأخرى المماثلة.

6.     أعمال تشكيل وتشغيل وإدارة الشركات.

وفي حقيقة الأمر، لنا بعض الملاحظات بخصوص تلك القائمة السابقة المتعلقة بالأنشطة المسموح بمزولتها في المركز أو من خلاله:

1)     فمن ناحية طبيعية الأنشطة، نلاحظ أن القائمة تضمنت أنشطة تعتبر ذات صفة تجارية وفقاً لقانون التجارة القطري رقم 27 لسنة 2006 ، وأيضاً أنشطة أخرى تعتبر ذات طبيعة مدنية مثل التدقيق، المحاسبة، الضرائب، الاستشارات، والخدمات القانونية . ويعتبر هذا الأمر توسعاً محموداً حيث أن الاتجاه السائد حالياً هو التركيز على القيمة الاقتصادية للنشاط وما يحققه من ربح دون التركيز على طبيعته التجارية أو

المدنية. ولعل ذلك يوكد أن المركز يسير في الركب الحديث لنظرية قانون الأعمال Business Law دون التقيد بالنظرية التقليدية للقانون التجاري Commercial law والتي تتطبق فقط على التجار والأعمال التجارية

2)     من حيث طبيعية مزاولة الخدمات المهنية داخل المركز، نلاحظ أن بعض هذه المهن منظمة بموجب قوانين خاصة تتطلب الحصول على ترخيص من أصحاب تلك المهن من اجل مزاولتها بشكل قانوني داخل دولة قطر. فعلي سبيل المثال، نصت المادة 3 من القانون رقم (23) لسنة 2006 بإصدار قانون المحاماة على انه لا يجوز لغير المحامين مزاولة مهنة المحاماة داخل قطر . كما نظم القانون شروط القيد بجداول المحامين  والاستثناءات المحددة فيما يتعلق بشروط مزاولة المهنة . إلا أن قانون مركز قطر للمال يسمح بتسجيل مكاتب الاستشارات والخدمات القانونية دون استيفاء شروط مزاولة المهنة التي نص عليها قانون المحاماة القطري، وبالأخص الحصول على موافقة لجنة قبول المحامين. كما لا تخضع هذه المكاتب المسجلة لدي المركز لرقابة وإشراف وزارة العدل. ومن ثم يؤدي هذا الوضع إلى خلق ازدواجية على صعيد تنظيم مهنة المحاماة.

3)     من حيث نطاق تطبيق شروط مزاولة النشاط، فتجدر الإشارة إلى أن القائمة المذكورة لا تسري على الشركة أو جهة العمل، التي ترغب في تقديم خدمات لشركات تزاول أنشطة مسموحاً بمزاولتها داخل المركز، والتي تخضع للقواعد العامة للممارسة الأنشطة التجارية التي توجبها قوانين الدولة.

 

ثانياً- الشرط الإجرائي:

يتمثل هذا الشرط في ضرورة الحصول على ترخيص من هيئة تنظيم مركز قطر للمال حتى تستوفي الشركة شروط التأسيس بمركز قطر للمال. فطبقاً للفقرة 5 من المادة 6 من قانون مركز قطر للمال تختص هيئة تنظيم مركز قطر للمال بمنح التراخيص والموافقات والتصاريح الجائز إصدارها وفقاً لهذا القانون للأشخاص والشركات والكيانات الأخرى الراغبة في مباشرة أعمالها في المركز (سواء عن طريق إنشاء فرع أو عمل آخر في المركز أو عن طريق إنشاء أو تأسيس شركة أو كيان جديد فيه). ولا يكون لهؤلاء الأشخاص أو الشركات أو الكيانات مزاولة الأنشطة المنظمة، إلاّ بعد الحصول على الموافقات أو التصاريح أو التراخيص اللازمة لذلك من هيئة التنظيم .

 

المبحث الثاني- الإطار القانوني لعمل محاكم مركز قطر للمال:

يتشكل النظام القضائي داخل مركز قطر للمال من عدة هيئات مختلفة في طبيعتها عمّا هو معروف في نظم التقاضي التقليدية، ولذلك نستعرض في البداية هذه المحاكم، ثم نوضح اختصاصها (أولاً). وبعد ذلك سوف ننتقل إلى بحث مسألة تنفيذ الأحكام الصادرة من محاكم مركز قطر للمال سواء القضائية أو التحكيمية (ثانياً).

المطلب الأول- الهيكل القانوني لمحاكم مركز قطر للمال:

نصت المادة 8-1 من قانون مركز قطر للمال على تأسيس هيئة التنظيم والتي

تعتبر بموجب القانون شخصاً معنوياً مملوكاً للدولة. وتتولي هذه الهيئة مهمة تنظيم

وترخيص والإشراف على أعمال البنوك والمعاملات المالية وأنشطة التأمين التي تباشر في المركز أو من خلاله. وتنفرد هيئة التنظيم بصلاحية التنظيم والترخيص والإشراف على هذه الأنشطة.

وتخضع هيئة التنظيم لرقابة الجهاز القضائي للمركز المعروف حالياً بمسمى "محكمة قطر الدولية ومركز تسوية المنازعاتThe Qatar International Court and Dispute Resolution Centre ". وتتكون المحكمة من نوعين من المحاكم: محكمة التنظيم والمحكمة المدنية والتجارية، بالإضافة إلى مركز تسوية المنازعات والذي يعمل على توفير منصة قانونية متطورة وفاعلة لفضّ المنازعات بالطرق البديلة خاصة الوساطة والتحكيم

ويتمتع رئيس وأعضاء كل من محكمة التنظيم والمحكمة المدنية والتجارية بالاستقلال المالي والإداري عن الدولة وهيئة المركز وأجهزته . كما يكون لكل محكمة موازنة مستقلة، ولا تطبق عليها قوانين الدولة الخاصة بالموازنة العامة للدولة ووزاراتها ، وتلتزم الدولة توفير التمويل اللازم لكل منها مباشرة وبصورة مستقلة عن موازنة هيئة المركز .

وبخصوص المركز القانوني لأعضاء هذه المحاكم، فوفقاً لنص المادة 19 من قانون

مركز قطر للمال يعتبر رئيس وأعضاء ومحكمة التنظيم، والمحكمة المدنية والتجارية،

من قبل الموظفين عموميين في مجال تطبيق أحكام قانون العقوبات القطري رقم (11)

لسنة 2004. كما أنه وفقاً للمادة 16 من ذات القانون، لا يتحمل أعضاء هذه المحاكم أي

مسؤولية مدنية، في ما يتعلق بقيامهم بأفعال أو إغفالهم القيام بها بحسن نية، أثناء قيامهم، أو محاولتهم القيام بصلاحياتهم وواجباتهم ومهامهم، بمقتضى هذا القانون أو الأنظمة أو وفقاً لأحكامهما .

 

أولاً- محكمة التنظيم:

وفقاً للمادة 8 -2 من قانون مركز قطر للمال رقم 7 لسنة 2005 تتكون محكمة التنظيم بمركز قطر للمال من دائرة أو أكثر، تشكّل كل منها من ثلاثة قضاة، على أن يكون مقرها في المركز، ويجوز لها عند الضرورة أن تعقد جلساتها في مكان آخر داخل الدولة. وتختص محكمة التنظيم بالفصل في الطعون التي يقدمها الأفراد والهيئات ضد القرارات الصادرة عن هيئة المركز، وهيئة التنظيم، وغيرهما من أجهزة المركز.

وتناول الملحق رقم (5) المضاف بموجب المادة 4 من القانون رقم (2) لسنة 2009

(بتعديل بعض أحكام قانون مركز قطر للمال الصادر بالقانون رقم (7) لسنة 2005)

النظام الإجرائي الخاص لعمل محكمة التنظيم سواء من حيث شروط تعيين القضاة أو

عزلهم، بالإضافة إلى إجراءات الطعن على أحكام المحكمة وكيفية تنفيذها، وذلك على التفصيل التالي :

 

شروط تعيين أعضاء محكمة التنظيم

يتعيّن أن تتوافر الشروط التالية في رئيس وأعضاء محكمة التنظيم:

(أ)     أن يكون رئيس وأعضاء محكمة التنظيم حسني السلوك، وألاّ يقل عمر أحدهم عن ثلاثين سنة عند تعيينه، وأن يكون من ذوي المعرفة والخبرة القانونية. ونلاحظ هنا أن القانون لم يشترط جنسية معينة في أعضاء المحكمة، وذلك على عكس المادة 27 من قانون السلطة القضائية القطري رقم 10 لسنة 2003 . ولذلك تضم محكمة التنظيم نخبة من الخبراء الدوليين برئاسة فخامة السير ديفيد كين .

(ب)   لا يجوز لرئيس أو عضو محكمة التنظيم أن يكون عضواً في المجلس، أو مجلس إدارة هيئة التنظيم، أو مجلس إدارة أي من أجهزة المركز، أو موظفاً لدى أي منها، وتنتهي تلقائياً عضوية أي من رئيس أو عضو محكمة التنظيم إذا أصبح عضواً أو موظفاً في أي من هذه الجهات.

ولقد أعطى القانون محكمة التنظيم الحرية في تحديد نظام عملها، والإجراءات

المتبعة أمامها، وذلك مع مراعاة مبادئ التقاضي الأساسية وأفضل الممارسات الدولية.

ولا تعد هذه القواعد والإجراءات نافذة إلا بعد إقرارها من مجلس الوزراء. ويتولى رئيس

محكمة التنظيم إدارتها، وتصريف شؤونها المالية والإدارية، وإصدار القرارات اللازمة لذلك. ونلاحظ أيضاً في هذا السياق أن القانون منح المحكمة سلطة اختيار لغة التقاضي دون التقيد باستخدام اللغة العربية وفقاً لما تقضي به المادة 16 من قانون السلطة القضائية القطري رقم 10 لسنة 2003 .

أما بخصوص القانون واجب التطبيق أمام المحكمة، فطبقاً للفقرة 12 من الملحق رقم 5 لقانون مركز قطر للمال، تطبّق محكمة التنظيم أحكام قانون مركز قطر للمال، وتعديلاته، والأنظمة الصادرة استناداً إليه، على المنازعات التي يرفعها الأفراد والهيئات ضد القرارات الصادرة عن هيئة المركز، وهيئة التنظيم، وغيرهما من أجهزة المركز.

 

حالات العزل:

يُعيّن الرئيس وأعضاء محكمة التنظيم لمدة خمس سنوات قابلة للتجديد، ويصدر بتعيينهم وتحديد مكافآتهم، قرار من مجلس الوزراء، بناءً على عرض الوزير المختص (وزير المالية وفقاً لقانون المركز). ويتمتع رئيس وأعضاء محكمة التنظيم بالاستقلال والحيدة الواجبين، ولا يجوز للدولة، أو مجلس الوزراء، أو الرئيس، أو هيئة المركز، أو هيئة التنظيم، أو أي شخص آخر أو جهة، أن تتدخل في اتخاذهم قراراتهم. كما لا يجوز أن يكون لرئيس أو عضو محكمة التنظيم أي روابط اقتصادية، أو مالية من أي نوع لدى أطراف النزاع.

ويجوز لمجلس الوزراء أن يعزل أياً من رئيس أو أعضاء محكمة التنظيم من منصبه، في أي من الحالات الآتية :

(أ)     إذا أصبح عاجزاً لأسباب صحية عن أداء مهام وظيفته بفاعلية.

(ب)   إذا أشهر إفلاسه.

(ج)   إذا أُدين في جريمة جنائية، أو اقتنع مجلس الوزراء بارتكابه سوء سلوك جسيم، وارتأى مجلس الوزراء في أي من الحالتين أنها من طبيعة تستوجب عزله من منصبه.

 

مدة الطعن وبت النزاع:

تتصف إجراءات الطعن أمام محكمة التنظيم بالسرعة، وذلك حتى تلبي احتياجات المستثمرين، ولذلك نص الملحق رقم (5) المضاف بموجب المادة 4 من القانون رقم (2) لسنة 2009 (بتعديل بعض أحكام قانون مركز قطر للمال الصادر بالقانون رقم (7) لسنة 2005) بأن يكون الطعن أمامها خلال ستين يوماً من تاريخ نشر القرارات الصادرة عن أي من هيئات أو أجهزة المركز في النشرات الخاصة بالجهة مصدرة القرار "إن وجدت"، أو إعلان صاحب الشأن بها بموجب كتاب مسجّل مصحوب بعلم الوصول. ولا يترتب على الطعن في القرار وقف تنفيذه، ما لم تقرّر المحكمة، بناءً على طلب صاحب الشأن، ولأسباب جدية يقدمها، وقف التنفيذ إلى حين الفصل في الموضوع.

وينقطع سريان هذا الميعاد بالتظلم إلى الجهة مصدرة القرار. ويجب بت التظلم خلال ستين يوماً من تاريخ تقديمه، ويعتبر فوات ستين يوماً على تقديم التظلم دون أن تجيب عنه الجهة مصدرة القرار بمثابة رفض ضمني له، ويحسب ميعاد رفع الدعوى من تاريخ الرفض الصريح أو الضمني بحسب الأحوال.

وعلى محكمة التنظيم أن تفصل في الدعوى المرفوعة أمامها خلال (90) يوماً من تاريخ إعلان صحيفتها للجهة المختصمة فيها، وذلك ما لم تقتضِ طبيعة النزاع مدها لمدة أو لمدد أخرى.

 

ثانياً- المحكمة المدنية والتجارية:

نظّمت المادة 8-3 من قانون مركز قطر للمال نظام عمل المحكمة المدنية والتجارية لمركز قطر للمال والتي يترأسها فخامة اللورد فيليبس وورث ماثارانيوس .

ووفقاً للمادة سالفة الذكر تتكون المحكمة المدنية والتجارية من دائرة ابتدائية أو أكثر، ودائرة استئنافية، تشكل كل منها من ثلاثة قضاة. ويكون مقرها في مركز قطر للمال، ويجوز لها عند الضرورة أن تعقد جلساتها في مكان آخر داخل الدولة.

وتختص الدائرة الابتدائية بالمحكمة المدنية والتجارية بالفصل في المنازعات الآتية:

1-     المنازعات المدنية والتجارية الناشئة عن المعاملات أو العقود أو الترتيبات أو الوقائع التي تجري في المركز أو من خلاله بين الكيانات المؤسسة فيه.

2-     المنازعات المدنية والتجارية الناشئة بين هيئات أو أجهزة المركز من جهة، والكيانات المؤسسة فيه من جهة أخرى.

3-     المنازعات المدنية والتجارية الناشئة بين الكيانات المؤسسة في المركز والمقاولين المتعاقدين معها والعاملين لديها، ما لم يتفق الأطراف على خلاف ذلك.

4-     المنازعات المدنية والتجارية الناشئة عن المعاملات أو العقود أو الترتيبات التي تتم بين كيانات مؤسسة في المركز، من جهة، وبين أشخاص يقيمون في الدولة أو كيانات مؤسسة فيها خارج المركز، من جهة أخرى، ما لم يتفق الأطراف على خلاف ذلك.

أما الدائرة الاستئنافية بالمحكمة المدنية والتجارية، فتشكّل برئاسة رئيس المحكمة واثنين من الأعضاء، ويطعن أمامها في الأحكام الصادرة من محكمة التنظيم والدائرة الابتدائية بالمحكمة المدنية والتجارية خلال ستين يوماً من تاريخ صدورها .

وتختص الدائرة الاستئنافية بالمحكمة المدنية والتجارية بالفصل في الطعون المقامة أمامها في الأحكام الصادرة من الدائرة الابتدائية، وكذلك الطعون في الأحكام الصادرة من محكمة التنظيم. ولا يجوز أن يجلس في نظر الطعن أمامها من كان عضواً في الدائرة أو المحكمة التي أصدرت الحكم المطعون فيه.

وتفصل الدائرة الاستئنافية في الطعن المقام أمامها خلال (90) يوماً من تاريخ إعلان صحيفة الاستئناف للمستأنف ضده، وذلك ما لم تتطلب طبيعة النزاع مدّها لمدّة أو مدد أخرى .

وتكون أحكام الدائرة الاستئنافية نهائية وغير قابلة للطعن فيها بأي طريق من طرق الطعن . ومع مراعاة أحكام البند (1) من المادة (18) من قانون المركز، تطبق المحكمة المدنية والتجارية بدائرتيها الابتدائية والاستئنافية قانون مركز قطر للمال المشار إليه والأنظمة الصادرة استناداً إليه، على موضوع النزاع، وذلك ما لم يتفق الأطراف صراحة على تطبيق قانون آخر، بشرط ألا يتعارض مع قواعد النظام العام والآداب في الدولة .

ويسري على المحكمة المدنية والتجارية، سواء الدائرة الابتدائية أو الاستئنافية، ذات القواعد التي تطبق على محكمة التنظيم، وذلك وفقاً للملحق رقم 6 المضاف بموجب المادة 5 من القانون رقم (2) لسنة 2009 بتعديل بعض أحكام قانون مركز قطر للمال الصادر بالقانون رقم (7) لسنة 2005 .

 

ثالثاً- خصوصية محاكم مركز قطر للمال بالمقارنة بمحاكم مركز دبي المالي العالمي:

كان لإمارة دبي بدولة الأمارات العربية المتحدة السبق منذ عام 2004 في تأسيس محاكم دولية على أراضيها متخصصة للفصل في المنازعات المالية والتجارية وملحقة بمركز دبي المالي العالمي والتي تعرف باللغة الإنجليزية تحت مسمى Center the Dubai International Financial (DIFC). وفي عام 2005 تم تأسيس مركز قطر للمال وألحقت به المحكمة المدنية والتجارية، وهي ما تعرف حالياً بمحكمة قطر الدولية ومركز تسوية المنازعات. ولقد لحقت أمارة أبو ظبي أخيراً بهذا الركب عام 2015 واطلقت ذات النموذج من التقاضي للشركات العاملة بسوق أبو ظبي العالمي  Abu Dhabi Global Market. 

ومن الجدير بالذكر أن هناك نقاط تشابه وتباعد بين كل من محكمة مركز قطر للمال ومحاكم مركز دبي المالي العالمي .

-       بخصوص نقاط التشابه

1.     تطبّق كل من محاكم مركز قطر للمال ومحاكم مركز دبي المالي العالمي

نموذج المحاكم الأنجلوسكسوني أو القانون العام Common law jurisdiction، مستشهدين في ذلك بالتجربة الناجحة والفريدة لمحكمة لندن التجارية

London commercial court- على الرغم من انتماء كل من دولة قطر والأمارات لمدرسة القانون المدني.

2.     ترتبط كل من محاكم مركز قطر للمال ومحاكم مركز دبي المالي العالمي في نشأتها بمراكز مالية متخصصة في الأمور المالية والتجارية.

3.     تتولى كل من محاكم مركز قطر للمال ومحاكم مركز دبي المالي العالمي الفصل في المنازعات المدنية والتجارية فقط دون المسائل الجنائية والتي تخضع لنظام التقاضي الوطني والتقليدي في الدولة.

4.     تتشكل هيئة محاكم مركز قطر للمال ومحاكم مركز دبي المالي العالمي من قضاة دوليين وأيضاً محليين، وإن كانت الجنسية الأجنبية هي الغالبة على هذه المحاكم.

5.     تطبّق كل من محاكم مركز قطر للمال ومحاكم مركز دبي المالي العالمي مبدأ التقاضي على درجتين حيث توجد بهما دوائر ابتدائية واستئنافية .

6.     تتصف إجراءات التقاضي أمام كل من محاكم مركز قطر للمال ومحاكم مركز دبي المالي العالمي بمبدأ المواجهة adversarial بين الخصوم ويستتبع ذلك أهمية قصوى للمرافعات الشفوية أمام هيئة المحكمة.

7.     يمتد اختصاص كل من محاكم مركز قطر للمال ومحاكم مركز دبي المالي العالمي ليشمل المنازعات التي قد لا يوجد بينها رابطة حقيقية nexus مع المراكز التي تتبعها هذه المحاكم، طالما اتفق الأطراف على إخضاع المسألة لهذه المحاكم. ولقد كان لمركز قطر للمال السبق في إقرار هذا الأمر للمرة الأولى على صعيد الوطن العربي ، ثم طبقت بعد ذلك محاكم مركز دبي المالي العالمي ذات الاتجاه بموجب المادة 5 (أ) من التعديل الصادر لاختصاص هذه المحاكم وفقاً للقانون رقم 16 للعام 2011.

8.     من الملاحظ أن كل من محاكم مركز قطر للمال ومحاكم مركز دبي المالي العالمي تطبّق قوانين موضوعية مستقلة عن القوانين الوطنية خاصة في مسائل الشركات أو الإفلاس أو الأوراق المالية.

-       أما بخصوص نقاط الاختلاف:

1.     تعتبر محاكم مركز قطر للمال بمثابة محكمة قطرية تندرج في النظام القضائي للدولة وذلك بموجب تأسيسها وفقاً للقانون 7 لسنة 2005، ولذلك فهي ليست في حاجة إلى أي إجراءات تنفيذ من أجل الاعتراف بأحكامها داخل المنظومة القضائية في الدولة. ولعل هذه الأمر يمثل عقبة أمام تنفيذ أحكام محاكم مركز دبي المالي والعالمي، وهذا في حقيقة الأمر ما دفعها لتوقيع عدد من بروتوكولات تعاون عام 2009 لضمان تنفيذ أحكامها داخل أمارة دبي، وهو الأمر الذي قامت به أيضاُ مع الأجهزة القضائية في باقي الأمارات الأخرى .

ولقد تم تعديل عملية التنفيذ لأحكام محاكم مركز دبي المالي العالمي - إستناداً إلى التعديلات التي تمت على قانون مركز دبي المالي العالمي في أكتوبر عام 2011 - والتي بموجبها سمحت المادة 7 (2) تنفيذ الأحكام والقرارات والأوامر الصادرة عن المحاكم والقرارات التحكيمية المصادق عليها من قبل المحاكم، إذا كان محل التنفيذ خارج حدود المركز من قبل قاضي التنفيذ في محاكم دبي، وفقاً للشروط التالية:

أ-      أن يكون الحكم أو القرار أو الأمر نهائياً وقابلاً للتنفيذ،

ب- أن تتم ترجمة الحكم أو القرار أو الأمر إلى اللغة العربية.

2.     يجوز لمحاكم مركز قطر للمال نظر المنازعات باللغة العربية والإنجليزية ، وذلك وفقاً لقرار وزير الاقتصاد والمالية رقم (1) لسنة 2011 بشأن الأنظمة والقواعد الإجرائية للمرافعات المدنية والتجارية لدى المحكمة المدنية والتجارية لمركز قطر للمال. أما محاكم مركز دبي المالي العالمي فتعمل فقط  باللغة الإنجليزية .

3.     تطبق محاكم مركز قطر للمال القوانين الخاصة بالمركز، وأيضاً قد تلجأ إلى تطبيق القوانين القطرية في حالة عدم وجود نص في قوانينها أو أنظمتها بخصوص المسألة المعروضة عليها، وذلك على عكس محاكم مركز دبي المالي العالمي والتي لا تطبّق- من حيث الأصل- القوانين الوطنية بدولة الأمارات العربية المتحدة.

4.     تتمتع الشركات والكيانات المسجلة لدى مركز قطر للمال بحق ممارسة أعمالها داخل المركز أو من خلاله، أي أنّ لها التواجد مثل أي كيان مسجّل لدى الجهات الأخرى داخل الدولة، وهذا ما يطلق عليه الاختصاص الموزاية  onshore jurisdiction، وأما الشركات والكيانات المسجلة لدي مركز دبي المالي العالمي فهي لا تغدو سوى أن تكون بمثابة شركات عاملة في منطقة حرة وفقاً لمزايا استثمارية وإعفاءات ضريبية محددة ولا يجوز لها ممارسة الأعمال خارج حدود تلك المنطقة

ومن الجدير بالذكر أنّ أمارة دبي أصدرت في 9 يونيو 2016 المرسوم رقم 19 لسنة 2016 بخصوص تشكيل لجنة قضائية  Judicial committeeلفضّ النزاعات بين محاكم دبي ومحاكم مركز دبي المالي العالمي . وتتشكل هذه اللجنة من سبع أعضاء برئاسة رئيس محكمة تمييز دبي، بالإضافة إلى أثنين من القضاة بمحاكم دبي وثلاثة قضاة من محاكم مركز دبي المالي العالمي والسكرتير العام للمجلس القضائي بدبي. وتختص هذه اللجنة بما يأتي:

1-     فضّ تنازع الاختصاص بين محاكم دبي ومحاكم مركز دبي المالي العالمي.

2-     الحكم بخصوص الأحكام المتعارضة بين محاكم دبي ومحاكم مركز دبي المالي العالمي.

3-     اقتراح الحلول لإزالة أي تعارض بين أحكام محاكم مركز دبي المالي العالمي ومحاكم دبي.

وتكون قرارات هذه اللجنة نهائية وغير قابلة للاستئناف وتصدر خلال 30 يوماً من تاريخ تقديم الطلب إليها. ولقد أصدرت المحكمة أول أحكامها في قضية Daman Real Capital Partners Company LLC v. Oger Dubai LLC, Cassation No. 1/2016) والتي قضت فيها بالأغلبية بسلب اختصاص محاكم مركز دبي المالي العالمي في نزاع كان قد حكمت فيه سابقاً باختصاصها . ويرى البعض أنّ مثل هذه الإجراءات الجديدة ستقلّل من قدرة محاكم مركز دبي المالي العالمي على جذب النزاعات إليها من خارج المركز، وذلك كمنصة أو جسر للاعتراف بالأحكام الأجنبية وتنفيذه أمام المحاكم الوطنية  conduit  jurisdiction حيث عادة يلجأ الأطراف لمحاكم مركز دبي المالي العالمي للاستفادة من نظامها المرن والسهل في تنفيذ الأحكام، وذلك من أجل الاعتراف بالأحكام أمامها، ومن ثم تنفيذها بعد ذلك أمام محاكم دبي .

وبعد هذا العرض لنقاط التشابه والاختلاف بين نماذج المحاكم الدولية بكل من دولة قطر والأمارات العربية المتحدة، نعرّج على مسألة تنفيذ ما تصدره هذه المحاكم من أحكام سواء قضائية أم تحكيمية.  

 

المطلب الثاني- تنفيذ الأحكام في ضوء قواعد مركز قطر للمال:

قد تصدر عن محكمة قطر الدولية أحكام قضائية، كما قد تصدر عنها أيضاً أحكام تحكيم من خلال مركز تسوية المنازعات. وسوف نبحث على التوالي مسألة التنفيذ لهذه الأحكام القضائية أو التحكيمية.

 

أولا- تنفيذ الأحكام القضائية:

لا بدّ من التفرقة بين ثلاثة فروض عند دراسة مسألة تنفيذ الأحكام القضائية الصادرة من محكمة قطر الدولية:

 

- الفرض الأول: تنفيذ أحكام محكمة قطر الدولية داخل قطر:

تتضمّن الملحق رقم (5) المضاف بموجب المادة 4 من القانون رقم (2) لسنة 2009 (بتعديل بعض أحكام قانون مركز قطر للمال الصادر بالقانون رقم (7) لسنة (2005) نظام تنفيذ أحكام محكمة قطر الدولية سواء الصادرة من محكمة التنظيم أو المحكمة المدنية والتجارية. فأحكام محكمة التنظيم واجبة النفاذ، وذلك ما لم تقرّر الدائرة الاستئنافية بالمحكمة المدنية والتجارية وقف تنفيذه بناءً على طلب ذوي الشأن، ولأسباب معقولة تقدّرها.

أما أحكام القضاء القطري الصادرة من المحاكم العادية فتكون مشمولة بالنفاذ المعجّل بغير كفالة، ولكن يجوز وقف تنفيذ الحكم عن طريق التظلم أمام محكمة الاستئناف المختصة، وذلك بالإجراءات المعتادة لرفع الدعوى، ويكون ميعاد الحضور ثلاثة أيام. ويجوز لمحكمة الاستئناف أن تأمر بوقف النفاذ المعجل، إذا رأت أن الحكم مرجّح الإلغاء، أو إذا كان يخشى من تنفيذه وقوع ضرر جسيم يتعذر تداركه. كما يكون للمحكمة عندما تأمر بوقف النفاذ المعجّل أن توجب تقديم كفالة، أو أن تأمر بما تراه كفيلاً بصيانة حق المحكوم له .

وقد قام رئيس محكمة قطر الدولية بتعيين أحد قضاة المحكمة من منتسبي القضاء القطري كقاضٍ للتنفيذ يختص بإصدار أوامر التنفيذ ضمن حدود المركز . وبتاريخ 4 أغسطس 2016، أصدر قاضي التنفيذ بمحكمة قطر الدولية أول قرار بالتنفيذ الجبري خارج المركز لحكم قضائي صادر عن المحكمة المدنية والتجارية في القضية رقم 6 لسنة 2016، والذي الزم المدعى عليه بتأدية مبلغ وقدره 2.752.000 ريال قطري. وبناءً على ذلك أصدر مصرف قطر المركزي تعميماً لجميع البنوك والمصارف العاملة في الدولة لتنفيذ حكم محكمة قطر الدولية .

ومن الجدير بالذكر أنّ قانون المرافعات المدنية والتجارية الصادر بالقانون رقم (13) لسنة 1990 وتعديلاته يعتبر الشريعة العامة بالنسبة لإجراءات التقاضي أمام محكمة التنظيم والمحكمة المدنية والتجارية حيث تسري قواعده على الدعاوى المرفوعة أمامهما، وذلك في ما لم يرد بشأنه نص خاص في قانون مركز قطر للمال، أو في القواعد والإجراءات التي تضعها المحكمة. وهذا الأمر يؤكد الملاحظة التي ذكرت سلفاً بخصوص تطبيق محاكم قطر للمال للقوانين القطرية.

- الفرض الثاني- على صعيد التنفيذ خارج قطر وداخل النظام القضائي العربي:

بما أنّ الأحكام الصادرة من محاكم مركز قطر للمال تعتبر أحكاماً قضائية مثلها مثل الأحكام الصادرة من القضاء القطري، فإنّها بالتالي سوف تستفيد من نظام التنفيذ طبقاً لاتفاقية الرياض العربية للتعاون القضائي لسنة 1983، والتي نظّمت تلك المسألة في الباب الخامس، والذي جاء تحت عنوان "الاعتراف بالأحكام الصادرة في القضايا المدنية والتجارية والإدارية وقضايا الأحوال الشخصية وتنفيذها" .

كما تستفيد أحكام محاكم مركز قطر للمال من اتفاقية عمان لسنة 1997 بشأن تنفيذ الأحكام والإنابات والإعلانات القضائية بدول مجلس التعاون لدول الخليج العربية، والتي تقضي في مادتها الثالثة بأنه "يكون الحكم الصادر من محاكم إحدى الدول الأعضاء، قابلاً للتنفيذ في أي من تلك الدول، متى كان قابلاً للتنفيذ لدى الدولة التابعة لها المحكمة التي أصدرته".

ووفقاً للمادة 2 من الاتفاقية، يرفض تنفيذ الحكم، كله أو جزءٍ منه، في الحالات الآتية:

أ-      إذا كان مخالفاً لأحكام الشريعة الإسلامية، أو أحكام الدستور، أو النظام العام، في الدولة المطلوب إليها التنفيذ.

ب-    إذا كان غيابياً، ولم يعلن الخصم المحكوم عليه بالدعوى أو الحكم إعلاناً صحيحاً.

ج-     إذا كان النزاع الصادر في شأنه الحكم، محلاً لحكم سابق صادر في الموضوع بين الخصوم أنفسهم، ومتعلقاً بذات الحق؛ محلاً وسبباً، وحائزاً قوة الأمر المقضي به لدى الدولة المطلوب إليها التنفيذ، أو لدى دولة أخرى؛ عضو في هذه الاتفاقية.

د-     إذا كان النزاع الصادر في شأنه الحكم المطلوب تنفيذه، محلاً لدعوى منظورة أمام إحدى محاكم الدولة المطلوب إليها التنفيذ، بين الخصوم أنفسهم، ويتعلق بذات الحق محلاً وسبباً، وكانت هذه الدعوى قد رفعت في تاريخ سابق على عرض النزاع على محكمة الدولة التي صدر عنها الحكم.

هـ-    إذا كان الحكم صادراً ضد حكومة الدولة المطلوب إليها التنفيذ، أو ضد أحد موظفيها، عن أعمال قام بها أثناء الوظيفة أو بسببها فقط.

و-     إذا كان تنفيذ الحكم يتنافى مع المعاهدات والاتفاقات الدولية؛ المعمول بها لدى الدولة المطلوب إليها التنفيذ.

 

- الفرض الثالث- التنفيذ خارج قطر وخارج النظام القضائي العربي:

بطبيعة الحال يخضع تنفيذ أحكام مركز قطر للمال أمام المحاكم الأجنبية خارج نطاق اتفاقية الرياض لسنة 1983 لنفس الأوضاع والشروط التي تنطبق على تنفيذ الأحكام الصادرة من المحاكم القطرية. وتحكم هذه المسألة الاتفاقيات الثنائية التي تبرمها دولة قطر بخصوص تنفيذ الأحكام القضائية

 

ثانياً- تنفيذ أحكام التحكيم:

وضع مركز قطر للمال لوائح التحكيم الخاصة بموجب اللائحة رقم 8 لسنة 2005 والصادرة في 22 نوفمبر 2005 إلا أن المركز لم يؤسس مركز تحكيم خاص إلى الآن. ووفقاً للمادة 36 من الفصل الثامن من قانون التحكيم الجديد رقم 2 لسنة 2017، يصدر بالترخيص بإنشاء مراكز التحكيم وفروع مراكز التحكيم الأجنبية داخل الدولة، وبشروط وقواعد منح الترخيص وإلغائه وتحديد الرسوم المقرّرة في هذا الشأن، قرار من وزير العدل.

وعلى ذلك نتوقع أن مركز قطر للمال سيعكف جدياً على تأسيس مركز تحكيم

بعد الحصول على التراخيص المطلوبة. وفي هذا السياق، لابد من التفريق بين ثلاثة

فروض محتملة بخصوص تنفيذ أحكام التحكيم في حال تأسيس مركز التحكيم بمركز قطر

للمال:

 

- الفرض الأول- تنفيذ أحكام التحكيم الصادرة من المركز في قطر:

ترتبط الإجابة عن هذا الفرض بتحديد ما إذا كان حكم التحكيم الصادر من مركز تسوية المنازعات بمركز قطر للمال يعتبر حكماً أجنبياً أم لا. وقد استقر القضاء القطري في أنّ المعيار في تحديد الطبيعة الأجنبية لحكم التحكيم تكون وفقاً لخضوع التحكيم لقواعد مؤسسة تحكيمية، ومن ثم يعتبر الحكم أجنبياً طالما كان التحكيم مؤسسياً حتى ولو كان مقر التحكيم في قطر. أما إذا كان التحكيم حراً، فيكون الحكم وطنياً حتى ولو كان مقره في الخارج .

وفي الطعن بالتمييز رقم 344 لسنة 2016، عدّلت محكمة التمييز عن هذا التوجه، واعتبرت أن المعيار الجغرافي هو ما يحدّد الطبيعة الأجنبية أو الوطنية لحكم التحكيم"، مفاد النص في المادة 379 من قانون المرافعات والمادة 381...... أن المشرع بين المعيار الذي اعتمده لاعتبار الحكم أجنبياً، وأن العبرة في ذلك تكون بالنظر لمكان صدور الحكم القضائي لتحديد ما إذا كان وطنياً أو أجنبياً، فإذا صدر داخل الدولة كان الحكم وطنياً معبراً عن سيادتها بوصفه صادراً بواسطة إحدى سلطاتها، ويكون أجنبياً إذا صدر خارجها. وعلى ذلك تثبت الصفة الأجنبية لحكم المحكمين بمجرد صدوره في بلد اجنبي بصرف النظر عن البلد الذي عقدت فيه مشارطة التحكيم وجنسية الخصوم أو المحكمين، وإذا تعددت الدول التي يعقد فيها التحكيم- فعندئذ- يعتدّ بالدولة التي صدر فيها حكم التحكيم؛ لأنّ الحكم يحمل صفة الدولة التي صدر فيها ويكون معبراً عن سيادتهما ببسط سلطانها داخل إقليميها الوطني، فلا تعلو عليها سلطة أخرى أو تنافسها في فرض إرادتها داخل الدولة. ويؤيد هذا النظر حرص المشرع على اشتراط بيان المكان الذي فيه حكم التحكيم واعتباره من البيانات الجوهرية الواجب توافرها في الحكم" .

وعلى ذلك تعتبر أحكام مركز قطر للمال بمثابة أحكام تحكيم وطنية تخضع في تنفيذها للقواعد المنصوص عليها في الفصل السابع من قانون التحكيم الجديد رقم 2 لسنة 2017. ومن نافلة القول أنّ القانون سالف الذكر لم يتناول الطبيعة الأجنبية للحكم وإن كان قد أورد تعريفاً للتحكيم الدولي .

 

- الفرض الثاني- تنفيذ أحكام التحكيم الصادرة من المركز خارج قطر:

وبطبيعة الحال يخضع تنفيذ حكم التحكيم في هذه الحالة للقواعد العامة الواردة في اتفاقية نيويورك 1958 والتي انضمت لها دولة قطر عام 2003 .

 

- الفرض الثالث- تنفيذ الأحكام غير الصادرة عن مركز قطر للمال وتنفيذها:

بموجب المادة 42 من لائحة التحكيم بالمركز، يجوز لمحكمة مركز قطر للمال، بناءً على الطلب المقدّم من أحد الطرفين لتنفيذ حكم خارج المركز أن تصدر: (أ) أمراً بتنفيذ الحكم في مركز قطر للمال أو (ب) أية أوامر أخرى مكمّلة لتنفيذ الحكم.

أما المادة 43 من اللائحة، فقد تناولت أساس رفض الإقرار بحكم أو تنفيذه الصادر خارج المركز، حيث يجوز لمحكمة مركز قطر للمال أن ترفض الإقرار بحكم أو تنفيذه داخل المركز في الأحوال التالية فقط:

(أ)     بناءً على طلب الطرف الصادر بحقه الحكم إذا قدم ذلك الطرف إلى محكمة مركز قطر للمال دليلاً على:

(1)   أنّ طرفاً باتفاقية التحكيم المشار إليها في المادة (10) من هذه اللوائح كان مصاباً بأحد عوارض عدم الأهلية؛ أو أنّ الاتفاق المذكور ليس سارياً بموجب القانون الذي خضع له الطرفان أو، في حال عدم وجود إيضاح بشأنه، بموجب قانون البلد الذي صدر فيه الحكم.

(2)   أنّ الطرف الذي يَصدر الحكم في حقه لم يقدّم إليه إخطار مناسب بتعيين محكم أو بإجراءات التحكيم أو كان خلاف ذلك غير قادر على عرض قضيته.

(3)   أن الحكم يتعامل مع نزاع غير منصوص عليه أو غير مندرج ضمن شروط الخضوع للتحكيم، أو يحتوي على قرارات بشأن أمور تخرج عن نطاق الخضوع للتحكيم بشرط أنه إذا كان يمكن فصل القرارات بشأن الأمور المقدمة للتحكيم عن تلك الأمور التي لم تقدّم للتحكيم، يجوز أن ينفذ ذلك الجزء من الحكم الذي يحتوي على القرارات بشأن الأمور التي لم تقدّم للتحكيم.

(4)   أن تشكيل هيئة التحكيم أو إجراء التحكيم لم يكن طبقاً لاتفاق الطرفين، أو

في حال عدم وجود ذلك الاتفاق، لم يكن بموجب قانون الدولة التي عقد فيها التحكيم.

(5)   أنّ القرار لم يصبح ملزماً بعد للطرفين أو ألغته أو أوقفته محكمة بالبلد الذي صدر فيها الحكم أو بموجب القانون الذي صدر الحكم بناءً عليه.

(ب)   إذا وجدت محكمة مركز قطر للمال:

(1) أن موضوع النزاع لم يكن ليقبل التسوية عن طريق التحكيم وفقاً لقوانين مركز قطر للمال.

(2) أنّ الإقرار بالحكم أو تنفيذه مخالف للسياسة العامة لمركز قطر للمال.

 

الخاتمة والتوصيات:

لا مشاحة في أنّ القضاء الوطني أضحى يقوم بدور إيجابي وملحوظ في تحقيق التنمية الاقتصادية وتشجيع الاستثمار الوطني وجذب الاستثمارات الأجنبية. فمن المستقر عليه أنّ توفير الضمانات القانونية لفض المنازعات، سواء التي قد تنشأ بين الدولة والمستثمرين أو بين المستثمرين بعضهم البعض، هو من الأمور الهامة التي تعزّز الأمن القانوني وتحسين مناخ الاستثمار، وبما يعزز ايجاد بيئة اقتصادية قادرة على المنافسة في ضوء المتغيرات العالمية .

ولقد اتخذ المشرّع القطري العديد من الخطوات لتحقيق هذا الهدف المنشود، وذلك عن طريق إصدار العديد من التشريعات التي تعمل على تعزيز المناخ الاستثماري. ولعل من اهم تلك التشريعات هو القانون رقم 7 لسنة 2005 والخاص بتأسيس مركز قطر للمال ليكون منصة إقليمية لجذب الاستثمارات. ولقد خصصّ المشرّع في هذا المركز محاكم قطرية ذات معايير دولية – لم يخضعها للهيكل العادي للسلطة القضائية- وذلك حتى تستقطب الخبرات الأجنبية من الكفاءات القانونية من سائر بلدان العالم، ومن ثم يعزز شعور المستثمر باليقين القانوني بأنه لن يخضع لأي تمييز أو معاملة تعسفية في ما يقدّمه من رؤوس أموال أو يتحصل عليه من أرباح.

ولعل تجربة دولة قطر والأمارات العربية المتحدة في إنشاء محاكم دولية متخصصة تعكس بزوغ ريادة القانون الأنجلوسكسوني على صعيد ممارسة الأعمال التجارية. فتطور الحياة الاقتصادية وسيطرة النظام العالمي وفقاً للمفهوم الرأسمالي فرض قواعد قانونية، تتأبى على الزمان وتتخطى حدود الأوطان، على صعيد التجارة الدولية، وهو الأمر الذي دفع أيضا التشريعات الوطنية أن تسير على ذات النهج من أجل الاستمرار في منظومة التجارة العالمية عن طريق استحداث محاكم تسير على ذات النهج . كل ذلك يعزّز من بزوغ أثر قواعد القانون الأنجلوسكسوني نظراً لما يحققه من إجراءات تقاضي مرنة وسهولة في الإثبات والحكم بتعويضات مناسبة، مما يدعم التجارة ويعزّز البيئة القانونية لتكون حصناً للتجار في ممارسة أعمالهم وأمنا لكل مستثمر يساهم فيها

ومن نافلة القول، هناك أيضاً تأثير واضح لقواعد القانون الأنجلوسكسوني على تعديلات القانون المدني الفرنسي الجديد والذي ظل بعيداً عن فكرة البعد الاقتصادي لنظرية الالتزام منذ صدوره عام 1804. فقد تمّت التعديلات على حوالي 350 مادة من التقنين المدني الفرنسي، فقط في ما يتعلق بشق العقد والالتزامات، وصدرت هذه التعديلات في 10 فبراير 2016، ثم دخلت حيّز النفاذ في 1 أكتوبر 2016. فعلى سبيل المثال، تم إقرار مبدأ التزام المضرور بتقليل أو تخفيف الضرر في المسؤولية العقدية والتي تعرف في نظام common law تحت مسمى mitigation of dommages، فلقد ظلت محكمة النقض الفرنسية ترفض إقرار هذا الالتزام حتى جاءت المادة 1263 من التعديلات الجديدة في 2016 لتقرّ بهذا المبدأ على الصعيد التشريعي. مثال آخر مبدأ التعويض العقابي أو ما يعرف punitive dommages والذي أخذت به تعديلات القانون الفرنسي في المادة 1266. أيضاً حذف المشرع الفرنسي في التعديلات الجديدة ركن السبب من ضمن أركان العقد، وذلك انسجاماً مع القانون الأنجلوسكسوني والذي يعتمد فكرة المحل فقط consideration.

إذاً تأثير القانون الأنجلوسكسوني الواضح على بيئة الأعمال أضحى لا يوجد فقط على صعيد الإجراءات القضائية، بل تعدّى إلى الشق الموضوعي في ما يتعلق بنظرية الالتزام في تعديلات التقنين المدني الفرنسي. ولقد جاء صدور قانون التحكيم الجديد رقم 2 لسنة 2017 ليدعم هذا الاتجاه بإقرار محكمة مركز قطر للمال كمحكمة مختصة سواء في ما يتعلق بمساعدة الأطراف أثناء عملية التحكيم أو الرقابة على أحكام التحكيم، وذلك في حال اتفاق الأطراف على اللجوء الى هذه المحكمة. ونحن في انتظار أن نرصد كيفية تعامل محاكم مركز قطر للمال مع قانون التحكيم الجديد لمقارنة اتجاهها وأسلوبها مع المحاكم العادية بدولة قطر.