تعد دولة قطر إحدى دول مجلس التعاون الخليجي التي شهدت تطوراً هائلاً في كافة مناحي الحياة وتوسعاً كبيراً عقب اكتشاف كميات ضخمة من الثروات الطبيعية كالنفط والغاز والنجاح في إستخراجها بكميات وفيرة والإستفادة من عائداتها في تحقيق تنمية إقتصادية هائلة خلال السنوات القليلة الماضية.
وكان لزاماً أمام تطور وتنوع الحياة الاقتصادية ورواج نشاط الإستثمار والتجارة وما يستتبعه من حركة في رؤوس الأموال والتدفقات المالية أن يبادر المشرع القطري الى إستحداث تشريعات جديدة تلائم روح العصر، بالإضافة إلى إجراء تطوير تشريعي شامل لمعظم التشريعات والقوانين القائمة تلبية لإحتياجات القطاعات الاقتصادية الرئيسية.
وكان للتشريعات الاقتصادية نصيب وفير من التحديث والتعديل في موضوعات تتعلق بأنشطة الأعمال التجارية وتأسيس الشركات والإستثمار الأجنبي والمناقصات والمزايدات والتطوير العقاري وغيرها من النواحي القانونية ذات الصلة.
وكان لزاماً أن يواكب هذا التطور تعديل شامل للنصوص المنظّمة للتحكيم بإعتباره
الوسيلـة التي يفضِّلها المستثمرون والكيانات الإقتصادية الوطنية أو الأجنبية على حد سواء ورجال الأعمال في إنهاء خلافاتهم بدلاً من اللجوء إلى الطريق المعتاد أمام المحاكم
الوطنية.
فقد كانت هناك حاجة ماسة منذ عدة سنوات في قطر لإصدار تشريع حديث خاص بالتحكيم يحلّ محل القواعد التي كانت تنظمه، والتي مضى عليها أكثر من ربع قرن من الزمان ضمن نصوص قانون المرافعات المدنية والتجارية رقم 13 لسنة 1990، حيث أنّ الباب الثالث عشر من ذلك القانون قد إشتمل على المواد من 190 إلى 210، والتي تحاكي إلى حد بعيد المواد من 501 إلى 513 من قانون المرافعات المدنية والتجارية المصري رقم 13 لسنة 1968 قبل أن يتم إلغاؤها وإستبدالها بالقانون رقم 27 لسنة 1994.
ودون الخوض في تفصيلات كثيرة بشأن النصوص السابقة، فقد كانت بمثابة قواعد عامة في مجملها وضعت لتنظّم حالات التحكيم غير المؤسسي أو الحر، وكان يعيبها إغفالها عن النص صراحة على مبادئ التحكيم الحديثة من إستقلالية شرط التحكيم وقاعدة الإختصاص بالإختصاص، وكذلك كان يسمح بإستئناف أحكام التحكيم أمام القضاء بجوار طرق أخرى للطعن في قرارات المحكمين، وعدم تحديد مدة لرفع دعوى البطلان، وعدم النص صراحة على دور إرادة الأطراف في تنظيم إجراءات التحكيم سواء بأنفسهم أو من خلال مراكز التحكيم التي يتم التحكيم وفقاً لقواعدها.
وبعد مرور عدة سنوات على النسخة الأولى من مشروع قانون أعدّته اللجنة التشريعية برئاسة مجلس الوزراء القطري وما تلاه من تعديلات، أصدر المشرع القطري في 16 فبراير 2017 قانون التحكيم في المواد المدنية والتجارية رقم 2 لسنة 2017، والذي سوف يكون محور هذه الدراسة.
وقد استوحت معظم نصوصه من قانون الأونسترال النموذجي الصادر عن لجنة الأمم المتحدة للقانون التجاري الدولي عام 1985، والذي تمت مراجعته وتعديله عام 2006.
وسوف نشير داخل هذه الدراسة - كلما استدعى الأمر - إلى ما كان يجري عليه العمل وفقاً للنصوص السابقة مقارنة بالنص الجديد في قانون التحكيم الجديد.
2- في مواد قانون الإصدار:
جاءت المادة الثانية من قانون الإصدار مقرّرة نطاق تطبيق القانون بشكل عام من حيث عدم سريان أحكام قانون التحكيم في المواد المدنية والتجارية المرفق على المنازعات التي (أ) لا يجيز أي قانون آخر تسويتها بطريق التحكيم، أو (ب) التي لا يجوز عرضها على التحكيم إلاّ وفقاً لأحكام مختلفة، حيث أنه تخرج من نطاق تطبيق أحكام هذا القانون المسائل أو الموضوعات التي لا تقبل التحكيم مثل المسائل المتعلقة بالحالة الشخصية من الزواج والطلاق والنسب والبنوة والحضانة ومسائل التركة والميراث أو المسائل الجنائية أو تلك المتعلقة بحقوق الملكية الفكرية، وكذلك المتصلة بالخلافات الناشئة عن عقود العمل الفردية. أيضاً هناك بعض الموضوعات التي تقبل التحكيم إلاّ أنّ نصوص تحكيم خاصة بها تنظّمها مثل تسوية المنازعات المتعلقة بالعلاقات بين المستثمر وشركات الوساطة في الأوراق المالية أو تلك المتصلة بالمنازعات الرياضية.
وقد نشر القانون بالجريدة الرسمية في العدد الثالث من 2017 بتاريخ 13 مارس2017 دون تحديد تاريخ محدّد للعمل به ، وبناءً على ذلك، ووفقاً للمادة 142 من الدستور القطري لسنة 1971، يسري قانون التحكيم بعد 30 يوماً من تاريخ نشره في الجريدة الرسمية. مما جعل تاريخ نفاذ مواد قانون التحكيم الجديد إبتداءً من 13 أبريل 2017.
كما ألغيت المواد من 190 إلى 210 من الكتاب الأول من قانون المرافعات المدنية والتجارية، وكذلك ألغي كل حكم يخالف أحكام القانون المرفق.
3- في إستخدام بعض المسمّيات الجديدة وفي تحديد إختصاصات مشتركة للمحاكم:
جاءت المادة الأولى من القانون القطري بمجموعة من التعريفات لكلمات وعبارات لتحديد وتوحيد المعنى المقصود منها عند إستخدامها مثل (التحكيم) و(إتفاق التحكيم) و(هيئة التحكيم) إلاّ أنّ القانون أستحدث مسميات جديدة مثل (السلطة الأخرى) للدلالة على الجهة التي يختارها الأطراف في إتفاقهم، والتي تقوم بالمساعدة والاشراف على التحكيم، سواء كانت مركزاً أو مؤسسة دائمة للتحكيم. وكذلك حدّد المقصود ب (المحكمة المختصة) و(القاضي المختص) وأعطاهما لهما إختصاصات محدّدة تشترك فيها جهتان قضائيتان وتتبع كلاهما المجلس الأعلى للقضاء. حيث أنّ (المحكمة المختصة) هي إما دائرة منازعات التحكيم المدني والتجاري بمحكمة الاستئناف والمنشأة بموجب القانون الجديد، أو الدائرة الابتدائية بالمحكمة المدنية والتجارية لمركز قطر للمال ، بحسب إتفاق الأطراف. وتكون لكلا المحكمتين نفس الإختصاص حيث تقومان بدور الرقابة والإشراف على أحكام المحكمين، وبالفصل في دعاوى البطلان قبل إصدار الأمر بتنفيذ حكم التحكيم. كما أنهما تقومان بتقديم العون لأطراف النزاع خاصة في التحكيم غير المؤسسي من حيث تعيين المحكم الفرد أو رئيس هيئة التحكيم في حالة فشل الأطراف في إختيار المحكم الفرد أو فشل المحكمين المعينين من الأطراف من إختيار رئيس هيئة التحكيم أو الحكم المرجح وبت طلب رد المحكم المقدم من أحد الأطراف، وكذلك تقديم المساعدة لأي من الأطراف في الحصول على الأدلة ذات الصلة بموضوع النزاع، بما في ذلك أعمال الخبرة الفنية وفحص الأدلة.
أمّا (القاضي المختص) فهو إمّا قاضي التنفيذ بالمحكمة الابتدائية، أو قاضي التنفيذ بالمحكمة المدنية والتجارية لمركز قطر للمال بحسب إتفاق الأطراف. ويجوز لكليهما مباشرة الإختصاصات الواردة في القانون مثل الأمر بتنفيذ القرارات أو الأحكام الصادرة من هيئة التحكيم باتخاذ تدابير مؤقتة أو تحفظية وكذلك الأمر بتنفيذ حكم التحكيم أو برفضه سواء كان هذا الحكم صادراً داخل قطر أو خارجها.
4- في نطاق تطبيق نصوص القانون القطري:
حدّد القانون الجديد النطاق الشخصي والمكاني لتطبيق القانون وفقاّ لما جاء في المادة الثانية منه التي نصّت "مع عدم الإخلال بأحكام الاتفاقيات الدولية النافذة في الدولة، تسري أحكام هذا القانون على كل تحكيم بين أطراف من أشخاص القانون العام أو القانون الخاص، أياّ كانت طبيعة العلاقة القانونية موضوع النزاع، إذا كان هذا التحكيم يجري في الدولة، أو كان تحكيماً تجارياً دولياً يجري في الخارج واتفق أطرافه على إخضاعه لأحكام هذا القانون".
كذلك حدّدت المادة الثالثة من قانون الإصدار النطاق الزمني لتطبيق قانون التحكيم بنصّها على "سريان أحكام قانون التحكيم في المواد المدنية والتجارية المرفق على كل تحكيم قائم في تاريخ نفاذه أو يبدأ بعد نفاذه".
وهكذا عالج المشرع القطري في قانون التحكيم رقم 2 لسنة 2017 مسألة أشخاص اتفاق التحكيم أي من لهم سلطة إبرام اتفاق التحكيم سواء كانوا أطرافاً من أشخاص
القانون العام كالوزارات والهيئات العامة وغيرها أو أشخاص القانون الخاص كالشركات التجارية أو الصناعية والمؤسسات والأفراد أياً كانت طبيعة العلاقة القانونية التي يدور حولها النزاع.
كما أجاز القانون صراحة أن تشتمل العقود الإدارية على شرط للتحكيم بين الدولة أو إحدى الوزارات أو الهيئات العامة، من جهة، وإحدى الشركات الخاصة، من جهة أخرى، شريطة أن يتم ذلك بموافقة رئيس مجلس الوزراء أو من يفوضه، وفي نفس الوقت الذي أباحت فيه اللجوء إلى التحكيم في العقود الإدارية مع أشخاص القانون الخاص، حظّرت على أشخاص القانون العام اللجوء إلى التحكيم في ما بينهم لحل ما ينشأ بينهم من منازعات.
وقد ذكرت المادة الثانية في فقرتها الثانية:
"يكون الاتفاق على التحكيم في منازعات العقود الإدارية بموافقة رئيس مجلس الوزراء أو من يفوّضه. ولا يجوز بأي حال من الأحوال لأشخاص القانون العام اللجوء إلى التحكيم لحل ما ينشأ بينهم من منازعات".
كما اشترطت الفقرة الأولى من المادة السابعة من ذات القانون وجوب توافر الأهلية القانونية اللازمة لأطراف التحكيم عند الاتفاق عليه وحدّدت مناطها، وذلك بقولها:
"اتفاق التحكيم هو اتفاق الأطراف سواءً كانوا من الأشخاص المعنوية أو الأشخاص الطبيعيين الذين يتمتعون بالأهلية القانونية للتعاقد، على الالتجاء إلى التحكيم، للفصل في كل أو بعض المنازعات التي نشأت أو التي قد تنشأ بينهم بشأن علاقة قانونية محددة، تعاقدية كانت أو غير تعاقدية".
وخروجاً عن الأصل العام المتمثل في سريان القانون من وقت نشره في الجريدة الرسمية أو بعد مرور فترة زمنية معينة على نشره ، فإنّ المشرّع قرّر أن تسري أحكام قانون التحكيم الجديد على كل تحكيم قائم في تاريخ نفاذه أو يبدأ بعد نفاذه . أي يطبّق هذا القانون على كل تحكيم قائم وقت نفاذه أو يبدأ بعد نفاذه ولو استند إلى اتفاق تحكيم سابق على إعمال القانون، على أن تبقى الاجراءات التي تمت وفق أحكام أي قانون سابق صحيحة وطالما لم يكن قد أغلق باب المرافعة وحجز للحكم فيه.
5- في الأخذ بكافة صور إتفاق التحكيم المستحدثة والتوسع في مفهوم الكتابة:
تماشياً مع روح العصر وثورة الاتصالات وتطبيقاتها اليومية المذهلة التي تسمح بالتواصل بين الأشخاص بكل سهولة ويسر وتنوع أشكال الكتابة من ورقية وإلكترونية، فقد أقر القانون في الفقرات الثالثة والرابعة والخامسة من المادة السابعة كل هذه الأشكال المستحدثة إهتداءً بما جاء في قانون الأونسترال النموذجي (المادة 7) وذلك بعد أن أوضحت الفقرة الثالثة وجوب توافر الكتابة كركن شكلي لإنعقاد إتفاق التحكيم، وإلاّ كان باطلاً، وبحيث يجوز أن يتخذ اتفاق التحكيم شكل وثيقة منفصلة أو شرط تحكيم وارد في عقد .
المادة 7:
3- يجب أن يكون اتفاق التحكيم مكتوباً وإلا كان باطلاً. ويُعتبر اتفاق التحكيم مكتوباً
إذا ورد في وثيقة موقّعة من الأطراف، أو كان في صورة رسائل ورقية
أو إلكترونية، أو في أي صورة أخرى تتم بوسائل الاتصال التي تتيح إثبات الاستلام كتابةً.
4- يعتبر اتفاق التحكيم مستوفياً شرط الكتابة، إذا ادعى أحد الأطراف بوجود الاتفاق في مذكّرة الدعوى أو مذكّرة الردّ دون أن يُنكر الطرف الآخر ذلك في دفاعه.
5- تعتبر الإشارة في عقد ما إلى وثيقة تتضمّن شرط التحكيم بمثابة اتفاق تحكيم بشرط أن تكون تلك الإشارة واضحة في اعتبار هذا الشرط جزءاً من العقد.
ويعتبر هذا التوسع في مفهوم الكتابة وفي الأشكال المختلفة التي أوردها المشرع القطري سعياً طيباً وتجديداً يتماشى مع روح العصر والتكنولوجيا التي تسمح بتبادل رسائل إلكترونية وغيرها من وسائل الاتصال التي تتيح إثبات الاتفاق كتابة بين الأطراف، وكذلك التأكيد على صحة شرط التحكيم بالإحالة، أي إشارة الأطراف بشكل واضح في صلب العقد إلى وثيقة أخرى تتضمّن شرط التحكيم، واعتبار هذه الوثيقة جزءاً لا يتجزأ من العقد. وكذلك الإحالة إلى أحكام عقد نموذجي أو إتفاقية دولية يوجد فيها شرط التحكيم، مع استلزام توافر إشارة واضحة وصريحة إلى تبنّي الأطراف ذلك الشرط وموافقتهم عليه بإعتباره جزءاً من العقد.
6- في تشكيل هيئة التحكيم:
يخضع تشكيل هيئة التحكيم في الأصل إلى حرية أطراف النزاع وإرادتهم، فلهم الحق في الاتفاق على اختيار المحكمين،
وقد نصّت المادة العاشرة من القانون على كيفية تشكيل هيئة التحكيم، حيث نصّت على أنه:
"تشكّل هيئة التحكيم من محكم واحد أو أكثر، حسب اتفاق الأطراف، فإذا لم يتفقوا على المحكمين كان العدد ثلاثة. وإذا تعدّد المحكمون وجب أن يكون عددهم وتراً، وإلاّ كان التحكيم باطلاً."
ويُفهم من ذلك أنّ هيئة التحكيم يمكن أن تتشكل من محكِّم واحد أو أكثر، وفي حال تشكيل هيئة التحكيم من مجموعة من المحكمين، فيُشترط لذلك أن يكون العددُ وترًا، أي أنْ تكون هيئة التحكيم مكوَّنة، على سبيل المثال، من ثلاثة محكمين. وفي حال مخالفة قواعد تشكيل هيئة التحكيم بأن يتمّ اختيارُ المحكمين بعدد زوجيٍّ وليس فردياً، فإنَّ البطلان يكون هو الجزاء المترتِّب على ذلك.
ويعزى السبب في اشتراط المشرّع أن يكون عدد هيئة التحكيم وتراً، تجنّب ظهور أية إشكالات عند المداولة، إذ من غير المستبعد أن ينقسم المحكمون إلى فريقين متساويين بصدد الفصل في النزاع المنظور، وفي هذه الحالة لن يكون هناك رأي مرجح حاسم للنزاع، مما يعني غياب ضمانة مهمة من ضمانات الخصومة، ألا وهي ضمانة الترجيح، ولهذا جاء البطلان المطلق جزاءً لذلك.
وفي تغيير عما كان يجري العمل به قبل صدور القانون من عدم وجود قوائم للمحكمين لدى وزارة العدل أو المجلس الأعلى للقضاء، نصّ القانون الجديد على إنشاء "سجل" لقيد المحكمين، وكذلك تحديد شروط وقواعد قيدهم وشطبهم، والذين يصدر بإعتمادهم قرار من وزير العدل (المادة 37 من القانون).
وهناك عدة شروط يلزم توافرها في من يتم تعيينه محكماً، وهذه الشروط نصّت عليها المادة الحادية عشرة من القانون:
حيث يكون تعيين المحكم من بين المحكمين المعتمدين والمقيّدين بسجل قيد المحكمين بالوزارة، كما يجوز تعيين أي شخص محكماً إذا توافرت فيه الشروط الآتية :
1- أن يكون كامل الأهلية.
2- ألاّ يكون قد أدين بحكم نهائي في جناية أو جنحة مخلّة بالشرف أو الأمانة، ولو كان قد ردّ إليه اعتباره.
3- أن يكون محمود السيرة حسن السمعة.
كما أنّ القانون قرّر أنه لا يشترط أن يكون المحكم من جنسية معينة، ما لم يتفق الأطراف أو ينص القانون على غير ذلك (المادة 11 فقرة 2).
7- في تكريس مبدأي "الإختصاص بالإختصاص" و "استقلالية شرط التحكيم":
لم تشمل النصوص السابقة المنظّمة للتحكيم أي نص خاص بتفعيل مبدأ "الإختصاص بالإختصاص"، والذي إنتهجه الفقه الحديث للتحكيم، وكذلك القانون النموذجي لليونسترال (المادة 16) وأيضاً تشريعات الكثير من الدول، وكانت النصوص السابقة في قطر تؤكد فقط على جواز تمسّك أحد الأطراف بعدم قبول الدعوى إذا ثار نزاع أمام المحكمة بصدد عقد اشتمل على شرط التحكيم (مادة 192 من قانون المرافعات المدنية والتجارية).
أمّا القانون الحالي فقد خصّص المادة السادسة عشرة للتأكيد على مبدأ "الإختصاص بالإختصاص" أي إعطاء هيئة التحكيم سلطة الفصل في المنازعات المتعلقة بأصل اختصاصها ونطاقه، ذلك أنّ هيئة التحكيم هي المختصة بالفصل في الدفوع المتعلقة بعدم اختصاصها، فهي جهة الاختصاص التي تحكم في اختصاصها. وطالما أعتبر المحكم قاضياً، وطالما كان القاضي يملك سلطة التحقق من اختصاصه، فإنّ المحكم يملك نفس السلطة. كما تعتبر مسألة الاختصاص مسألة فرعية، متفرّعة عن النزاع الأصلي، فالقاضي الذي ينظر النزاع الأصلي هو الذي ينظر النزاع الفرعي، تطبيقاً لقاعدة أنّ "قاضي الدعوى هو قاضي الدفع".
وبمقتضى هذه القاعدة، وكنتيجة لازمة لها، فإنّه إذا ثارت منازعة حول نطاق سلطة هيئة التحكيم والذي يتحدّد بالادعاءات المتبادلة للخصوم فإنّ لتلك الهيئة إختصاص الفصل في هذه المنازعة طالما أن قضاء الدولة لن يقبل نظر الدعوى بكل ما يتعلق بهذه المنازعة بمجرد إبرام اتفاق التحكيم بشكل صحيح ، وتطبيقاً لذلك إذا أثار أحد الأطراف منازعة أمام هيئة التحكيم بشأن نطاق سلطتها، فإنّ هيئة التحكيم هي التي تفصل في المنازعة المتعلقة بصحة أو حدود مهمتها حتى ولو كان أحد أطراف العلاقة ينازع في اختصاصها على أساس التمسّك: ببطلان اتفاق التحكيم بطلاناً مُطلقاً، أو عدم وجوده ابتداء، أو سقوطه لأي سبب كاتفاق الطرفين لاحقاً على إلغاء شرط التحكيم من عقدهما الأصلي، أو إذا أثار أحد الخصوم مسألة وجود عيب في الرضا، أو بطلان الاتفاق على التحكيم إذا كان موضوع النزاع لا يجوز التحكيم فيه، أو لمخالفته النظام العام، أو عدم شموله موضوع النزاع.
كما يعتبر شرط التحكيم اتفاقا مستقلاً عن شروط العقد الأخرى، ولا يترتب على بطلان العقد أو فسخه أو إنهائه أي أثر على شرط التحكيم الذي تضمّنه طالما كان هذا الشرط صحيحاً في ذاته. وفي ذلك أكدت المادة السادسة عشرة نفسها مبدأ "استقلالية شرط التحكيم" عن باقي شروط العقد.
مادة 16:
1- تفصل هيئة التحكيم في الدفوع المتعلقة بعدم اختصاصها، بما في ذلك الدفوع المبنية على عدم وجود اتفاق التحكيم أو عدم صحته أو بطلانه أو سقوطه أو عدم شموله موضوع النزاع، ويُعتبر شرط التحكيم اتفاقاً مستقلاً عن شروط العقد الأخرى، ولا يترتّب على بطلان العقد أو فسخه أو إنهائه أي أثر على شرط التحكيم الذي تضمّنه طالما كان هذا الشرط صحيحاً في ذاته.
2- ويجوز لهيئة التحكيم أن تفصل في أي من تلك الدفوع قبل الفصل في الموضوع أو لاحقاً ضمن حكم التحكيم الصادر في موضوع النزاع. وإذا رفضت الهيئة الدفع، فيجوز لمن قُضي برفض دفعه، أن يطعن عليه خلال ثلاثين يوماً من تاريخ إعلانه أمام السلطة الأخرى أو المحكمة المختصة، بحسب الأحوال، ويكون القرار الصادر غير قابل للطعن عليه بأي طريق من طرق الطعن. كما لا يمنع إقامة هذا الطعن إستمرار هيئة التحكيم في إجراءاتها وإصدار حكمها.
وإذا كان الدفع بعدم اختصاص هيئة التحكيم هو في -جميع الأحوال- دفع جوهري، إلاّ أنّ الدفع لن يسقط حتى ولو أصدرت هيئة التحكيم حكماً تمهيدياً باختصاصها بالمغالطة لحقيقة الأمر، ذلك أنّ فحص هذا الدفع سيتراخى الفصل فيه إلى المرحلة اللاحقة على صدور حكم التحكيم، وهي مرحلة الطعن ببطلان حكم التحكيم أو الاعتراض على تنفيذه جبراً بواسطة المحكمة المختصة، كما سيتم بيانه لاحقاً.
8- في قبول المحكم المهمة المسندة إليه وإجراءات ردّه وعزلـه:
نصّ القانون الجديد على غرار النص القديم على أنّه يجب أن يكون قبول المحكم أو هيئة التحكيم للتعيين كتابة، وذلك بأي شكلٍ يتفق عليه في ما بين الأطراف سواء كان عن طريق توقيعه على رسالة يوجّهها الى الأطراف مباشرة أو إلى مؤسسة التحكيم الدائمة التي سوف يباشر مهمته تحت مظلتها، ووفقاً لقواعدها، يخبرها فيه بقبوله المهمة التي تمّ تعيينه فيها، وسواء تم القبول في صورة رسالة ورقية أو إلكترونية، أو في أي صورة أخرى تثبت ذلك كتابة بما فيها إثبات قبوله في محضر الجلسة الإجرائية الأولى .
وقد أكّد المشرع القطري ذلك المعنى في الفقرة الثالثة من المادة الحادية عشرة من القانون على استلزام الشكل الكتابي بمفهومه الواسع لقبوله هذا التعيين، وأن يصاحب ذلك إلتزام جوهري يتمثل في إفصاحه عن أية ظروف من شأنها أن تثير شكوكاً حول حياده أو استقلاله، وعلى أن يبقى هذا الالتزام قائماً في حقه ولو طرأت هذه الظروف بعد تعيينه. حيث أنّ الحياد والاستقلال شرطان لازمان لإنجاز عمل المحكم.
ويمكن تعريف (عدم الحيدة) بأنه "ميل نفسي أو ذهني للمحكم لصالح أو ضد أحد أطراف النزاع بحيث يرجّح معه عدم استطاعته الحكم بغير ميل أو هوى لأحد أطراف النزاع أو ضده" .
كذلك تعريف (استقلالية المحكم) بأنه "عدم ارتباطه بأي رابطة تبعية، خصوصاً بأطراف النزاع وعدم وجود روابط مادية وذهنية تتنافى مع استقلاله، بحيث تشكِّل خطراً مؤكداً للميل إلى جانب أحد أطراف التحكيم" .
فكفالة الأمان القانوني لأطراف النزاع تعدّ من الأساسيات الجوهرية لنظام التحكيم، ولا يتوافر هذا الأمان إلا إذا رسخت لدى الخصوم القناعة الكاملة بشخصية المحكم، ليس فقط في بداية الخصومة، وإنما في كل مراحل النزاع. ويعني هذا المبدأ ضرورة تقرير الحق للأطراف في ردِّ المحكم طالما توافر أي سبب من شأنه الإخلال بهذه القناعة.
ومن ثم يخضع المحكمون لما يخضع له القضاء من حيـث جواز ردهـم وتنحيتهـم وعزلهـم، ولا يجـوز ردّ المحكـم عن مهمته عملاً بنص المادة 12 من القانون، إلاّ في حالتين: الأولى منها هي وجود ظروف تثير شكوكاً لها ما يبررها حول حياد أو استقلال المحكم، والثانية منها هي عدم توافر في شخص المحكم المؤهلات التي اتفق عليها الأطراف.
وكان النص الملغى (المادة 194) بشأن طلب رد المحكم يشير لذات الأسباب التي يرد بها القاضي أو التي يعتبر بسببها غير صالح للحكم.
وعادة ما تتلخّص أسباب الردّ في الظروف والوقائع التي من شأنها أن تثير شكوكاً حول حيدة المحكم واستقلاله، وفقاً للمفهوم السابق، كوجود ميل شخصي أو معنوي أو علاقات مادية أو اجتماعية بين المحكم وأحد طرفي التحكيم أو ممثله.
حيث أنّ التحكيم قضاء، ومن يتولاه يتنزّه عن كل نقيصة تخلّ بميزان العدالة القائم بالقسط والمحكم قاضٍ، وإن كان خاصاً، يلزم فيه الموضوعية في تقييم ووزن الأمور، والحيدة والاستقلال في مواجهة من يحكم فيهم، ولا يحسبن المحكم أنه لا رقيب عليه، يحكم كيف شاء، أنّ حياده واستقلاله ونزاهته هي محط الإيمان بعدالة قضائه.
وتكمن العلة في إجازة رد المحكم في حق كل طرف في أن يفصل في النزاع شخص محايد، لا تربطه بأحد الطرفين أية صلة تجعله يغلِّب مصلحة هذا الطرف على حساب الطرف الآخر، وهو ما يهدر نظام التقاضي، ولذلك، وحتى تتوافر لدى كل طرف قناعة راسخة بحياد المحكم، وحتى يكون كل طرف على يقين بأن حكم التحكيم صدر مؤسساً على اعتبارات موضوعية من طبيعة النزاع، دون أن يتأسس على اعتبارات شخصية ناتجة من ميل أو هوى.
وفي ما يتعلق بإجراءات الردّ، ووفقاً للمادة 13 من القانون، يجوز للأطراف الاتفاق على إجراءات ردّ المحكم، فإذا لم يوجد مثل هذا الاتفاق، يقدّم طلب رد المحكم كتابة، إلى هيئة التحكيم أو إلى المحكم ذاته مبيّناً فيه أسباب الردّ، وذلك خلال خمسة عشر يوماً من تاريخ علم طالب الرد بتشكيل الهيئة أو بتعيين المحكم أو بالظروف المبرِّرة للردّ، فإذا لم يتنحَ المحكم المطلوب ردّه، أو لم يوافق الطرف الآخر على طلب الردّ، يحال طلب الردّ إلى السلطة الأخرى (أي مركز التحكيم المؤسسي) أو للمحكمة المختصة (أي دائرة منازعات التحكيم المدني والتجاري بمحكمة الاستئناف أو الدائرة الابتدائية بالمحكمة المدنية والتجارية لمركز قطر للمال، بحسب اتفاق الأطراف) .
وحيث أنّ قيام المحكم بمهمته يرتكز على الطبيعة الإتفاقية للتحكيم، حيث أنّ أطراف النزاع قد إتفقوا على تعيينه فيحق لذات الأطراف الاتفاق معاً على عزله لأي سبب،
وكذلك فقد أكد القانون على جواز عزل المحكم من جانب مؤسسة التحكيم (السلطة
المختصة) أو دائرة منازعات التحكيم المدني والتجاري بمحكمة الإستئناف
(المحكمة المختصة) بناءً على طلب أحد الطرفين في حالة ما إذا تعذّر على المحكم أداء مهمته أو لم يباشرها أو انقطع عن أدائها بما يؤدي إلى تأخير غير مبرر في إجراءات التحكيم، ولم يتنحَ من تلقاء نفسه، ولم يتفق الطرفان على عزله، جاز للسلطة الأخرى أو المحكمة المختصة، بحسب الأحوال، الأمر بإنهاء مهمته بناءً على طلب أي من الأطراف، ويكون قرارها في هذا الشأن نهائياً غير قابل للطعن عليه بأي طريق من طرق الطعن. (المادة 14 من القانون).
ولملاحقة التشريعات الحديثة في التحكيم، وكذلك لوائح مراكز التحكيم المؤسسية، فقد أفرد المشرّع القطري نصاً جديداً يتعلق بالمسؤولية المهنية للمحكم حال قيامه بالمهمة المسندة إليه حيث لا يجوز مساءلة المحكم عن ممارسته لمهام التحكيم، إلاّ إذا كانت ممارسته لها عن سوء نية أو تواطؤ أو إهمال جسيم. (الفقرة 11 من المادة 11).
9- سلطة المحكم في إصدار القرارات الوقتية والتحفظية:
فقد تقتضي طبيعة موضوع النزاع أو ظروف وملابسات الدعوى المعروضة على هيئة التحكيم سرعة اتخاذ بعض التدابير المؤقتة أو التحفظية أو إصدار بعض الأحكام الوقتية تجنباً لأضرار بالغة قد تلحق بأحد الخصوم نتيجة الانتظار حتى صدور حكم التحكيم المنهي للخصومة أو التي تجعله بعد صدوره عديم الجدوى، لذا حرص المشرّع في قانون التحكيم القطري على النص في الفقرة الاولى من المادة 17 على أنه يجوز لهيئة التحكيم بناءً على طلب أي من الأطراف أن تأمر بإتخاذ ما تراه من تدابير مؤقتة أو أحكام وقتية تقتضيها طبيعة النزاع أو بغرض توقِّي ضرر قد لا يمكن جبره.
وعليه، فإنّ أساس صلاحيات هيئة التحكيم في إصدار مثل هذه التدابير هو عدم وجود اتفاق الطرفين على خلاف ذلك. وبناءً على ذلك، فإذا لم يتفق الطرفان على تخويلها هذه السلطة، امتنع عليها إصدار مثل هذه التدابير.
وقد أورد المشرِّع أمثلة لما ترمي إليه التدابير المؤقتة التي تصدرها هيئة التحكيم من أهداف منها:
أ- إبقاء الحال على ما هو عليه أو إعادته إلى ما كان عليه لحين الفصل في النزاع.
ب- اتخاذ أي إجراء يمنع حدوث ضرر حال أو وشيك أو المساس بعملية التحكيم ذاتها، أو منع اتخاذ إجراء يحتمل أن يسبب أياً من ذلك.
ج- توفير وسيلة للمحافظة على الموجودات التي يمكن بواسطتها تنفيذ أي قرارات لاحقة.
د- المحافظة على الأدلة التي قد تكون هامة أو جوهرية للفصل في النزاع.
فقد ترى هيئة التحكيم الأمر بسرعة معاينة البضاعة لإثبات صلاحيتها اذا كانت قابلة للتلف، أو ضرورة تعيين مدير على مصنع لاستمرار تشغيله أو الأشراف على صيانته لاستمراره في الإنتاج تجنباً للخسائر الفادحة التي تترتب على توقّفه عن الإنتاج، أو اتخاذ إجراءات سريعة للحفاظ على البضائع محل النزاع وسلامة تخزينها تجنباً لتلفها بإيداعها مستودعات تحفظها من حرارة الجو، خاصة إذا كانت سريعة التلف كالأدوية واللحوم والفاكهة، أو سرعة سماع شاهد في مرض الموت أو التحفظ على البضائع المتنازع عليها منعاً لتهريبها الى غير ذلك من الحالات التي يصعب حصرها ووضع معيار محدّد لها سلفاً، وإن ما يجمعها أنها مسائل تقتضي سرعة التدخل لكونها بطبيعتها لا تتحمل التأخير، الأمر الذي يقتضي سرعة إسعاف الخصوم بإجراءات وقتية سريعة حتى لا تضار مصالحهم ضرراً بالغاً إذا ما انتظروا حكم التحكيم المنهي للخصومة.
ويجوز لهيئة التحكيم أن تطلب من الطرف الذي يطلب اتخاذ هذه الإجراءات، عند الأمر بها تقديم ضمان كافٍ لتغطية نفقات التدبير المؤقت أو الحكم الوقتي.
10- في تنظيم إجراءات التحكيم:
جاء المشرِّع القطري بالعديد من الأحكام التفصيلية في الفصل الرابع (المواد من 18 إلى 27) بخصوص إجراءات التحكيم نذكر منها:
أ- تبدأ إجراءات التحكيم من اليوم الذي يستلم فيه المدعى عليه طلب إحالة النزاع إلى التحكيم، ما لم يتفق الأطراف على خلاف ذلك.
ب- إلتزام هيئة التحكيم الحياد والمساواة بين الأطراف، وأن تهيئ لكل منهم فرصة كاملة ومتكافئة لعرض دعواه ودفاعه ودفوعه. مع تجنب أي تأخير أو مصاريف غير ضرورية، وذلك بغرض تحقيق وسيلة عادلة وعاجلة لحل النزاع.
ت- حرية الأطراف في الاتفاق على إجراءات التحكيم، بما في ذلك قواعد الإثبات، وفقاً للقواعد النافذة في أي مؤسسة أو مركز تحكيم داخل قطر أو خارجها.
ث- يجوز لهيئة التحكيم الاستمرار في إجراءات التحكيم، والفصل في النزاع بناءً على الأدلة وعناصر الإثبات المتوافرة لديها، إذا تخلّف أحد الأطراف عن حضور إحدى الجلسات أو عن تقديم ما يُطلب منه من أدلة أو مستندات أو معلومات.
ج- تفصل هيئة التحكيم في النزاع وفقاً للقواعد القانونية التي أتفق عليها الأطراف، وإلاّ طبّقت هيئة التحكيم القانون الذي تقرِّره قواعد تنازع القوانين. وفي جميع الأحوال، تفصل هيئة التحكيم في النزاع، وفقاً لشروط العقد، وتأخذ في اعتبارها الأعراف والعادات التجارية المتّبعة في ذلك النوع من المعاملات.
ح- إذا علم أحد الأطراف بوقوع مخالفة لنصٍ مكملٍ أو مفسرٍ لقانون التحكيم، مما يجوز للأطراف مخالفته، أو لشرط من شروط اتفاق التحكيم، واستمر مع ذلك في إجراءات التحكيم دون أن يبادر إلى الاعتراض على هذه المخالفة في الميعاد المتفق عليه، أو بدون تأخير غير مبرر عند عدم الاتفاق، أعتبر ذلك نزولاً منه عن حقه في الاعتراض.
11- في إصدار حكم التحكيم والأنواع المختلفة للأحكام والقرارات التي تصدرها هيئة التحكيم:
تصدر أحكام التحكيم كتابة بأغلبية الآراء بعد إجراء المداولة بين رئيس وأعضاء هيئة التحكيم وفقاً لأحكام القانون. ويجب أن يشتمل حكم التحكيم على أسماء الأطراف وعناوينهم، وأسماء المحكمين وعناوينهم وجنسياتهم وصفاتهم، ونسخة من اتفاق التحكيم، وتاريخ صدور الحكم، ومكان التحكيم، كما يتعيّن أن يشتمل الحكم على ملخص لطلبات الأطراف وأقوالهم ومستنداتهم ومنطوق الحكم وأسبابه، إذا كان ذكرها واجباً. ويجب أن يكون الحكم موقعاً من جميع المحكمين وقد يُكتفى بتوقيعات أغلبية المحكمين في حال إعتراض أحد المحكمين على الحكم أو رفضه التوقيع، بشرط أن يُثبت في الحكم سبب ذلك. (المادة 31 من القانون) .
وبخصوص الأنواع المختلفة لحكم التحكيم، يجب أن نميِّز بين الأحكام الصادرة قبل الفصل في موضوع النزاع المنهى للخصومة، وتلك الصادرة عند الفصل في موضوع النزاع المنهي للخصومة، وأخيراً تلك التي قد تصدر بعد الفصل في موضوع النزاع.
ففي الأحكام الصادرة قبل الفصل في موضوع النزاع المنهي للخصومة، هناك "حكم التحكيم التمهيدي"، وهو الذي يصدر في بداية إجراءات التحكيم في مسألة أولية مثل صحة إتفاق التحكيم أو في إختصاص الهيئة في نظر مسألة معينة.
و"حكم التحكيم الاتفاقي" أي حكم التحكيم الصادر خلال إجراءات التحكيم، في حالة توصّل الأطراف الى تسوية النزاع بينهم، وطلب الأطراف من هيئة التحكيم إثبات التسوية وشروطها، و"حكم التحكيم الجزئي" الذي يفصل في مسألة معينة تمثل جزءًا من النزاع.
أمّا الأحكام الصادرة عند الفصل في موضوع النزاع المنهى للخصومة فالمقصود منها حكم التحكيم النهائي أي القرار الصادر عن هيئة التحكيم الذي يفصل بشكل قطعي في موضوع المنازعة.
وأخيراً تشمل الأحكام الصادرة بعد الفصل في موضوع النزاع المنهي للخصومة كل من "حكم التحكيم الإضافي"، وهي التي تصدرها هيئة التحكيم في حالة إغفالها الفصل في مسألة معينة. و "حكم التحكيم التصحيحي" لتصحيح الأخطاء المادية الكتابية أو الحسابية التي قد تحدث في بعض الأحيان والواجب تصحيحها بناءً على طلب أحد الأطراف أو كليهما أو من جانب هيئة التحكيم التي تبادر بإجراء هذا التصحيح من تلقاء نفسها، و"حكم التحكيم التفسيري" لتفسير ما وقع في منطوق الحكم من لبس أو من غموض، هذا ويعتبر كل من حكم التحكيم الإضافي وحكم التحكيم التصحيحي والحكم التفسيري متمماً لحكم التحكيم الأصلي.
12- في الطعن بالبطلان على حكم التحكيم الوطني:
حصّن المشرّع القطري أحكام التحكيم عن الطعن عليها بطرق الطعن العادية وغير العادية، وحدّد طريقة وحيدة للطعن عليها عن طريق رفع دعوى بطلان حكم التحكيم، وفقاً للشروط والإجراءات التي حدّدتها المادة 33 من القانون.
فقد أرسى المشرّع القطري قاعدة جوهرية تنص على عدم جواز الطعن في حكم التحكيم بأي طريق من طرق الطعن العادية (المعارضة والاستئناف) أو غير العادية (الطعن بالنقض والتماس إعادة النظر)، فكان طبيعياً أن يفتح الباب أمام الطرف الذي صدر حكم التحكيم في غير صالحه برفع دعوى لا يطلب فيها إعادة نظر موضوع النزاع، وانما يطلب فحسب الحكم ببطلان حكم التحكيم .وقد سمحت بذلك الفقرة الثانية من المادة (33) فأرست مبدأ جواز رفع دعوى بطلان حكم التحكيم إذا توافرت الحالات المنصوص عليها في الفقرة الثانية من المادة (33) ، وعلى أن يتم رفع الدعوى خلال مدّة معيّنة حدّدها إتفاق الأطراف أو حدّدها القانون في حالة عدم وجود أتفاق بينهم، ووفقاً للقواعد التي تضمّنتها الفقرة الرابعة من المادة نفسها.
في الميعاد المقرّر لرفع دعوى البطلان:
وفقاً للفقرة الرابعة من المادة 33 من القانون، قرّر المشرِّع أنّ الميعاد المقرّر لرفع دعوى البطلان أمام المحكمة المختصة يكون خلال شهر من تاريخ تسليم الأطراف نسخة الحكم أو من تاريخ إعلان طالب الإبطال بحكم التحكيم أو صدور قرار التصحيح أو حكم التفسير أو التحكيم الإضافي، وذلك كله ما لم يتفق الأطراف كتابة على تمديد ميعاد رفع دعوى البطلان.
في تحليل أسباب البطلان:
جاءت الأسباب المؤدية إلى بطلان حكم التحكيم على النحو الآتي:
أ- أنّ أحد أطراف اتفاق التحكيم وقت إبرامه كان فاقداً للأهلية أو ناقصها، وفقاً للقانون الذي يحكم أهليته، أو أنّ اتفاق التحكيم غير صحيح، وفقاً للقانون الذي اتفق الأطراف على أن يسري على هذا الاتفاق، أو وفقاً لهذا القانون، إذا لم يتفقوا على ذلك.
ب- أنّ طالب الإبطال لم يُعلن إعلاناً صحيحاً بتعيين أحد المحكمين أو بإجراءات التحكيم، أو تعذّر على طالب الإبطال تقديم دفاعه لأي سبب آخر خارج عن إرادته.
ج- أنّ حكم التحكيم قد فصل في أمور لا يشملها اتفاق التحكيم، أو جاوز حدود هذا الاتفاق. ومع ذلك إذا أمكن فصل أجزاء الحكم المتعلقة بالمسائل الخاضعة للتحكيم عن أجزائه الخاصة بالمسائل غير الخاضعة له، فلا يقع البطلان إلاّ على الأجزاء الأخيرة فقط.
د- أنّ تشكيل هيئة التحكيم أو تعيين المحكمين أو إجراءات التحكيم، قد تم بالمخالفة لما اتفق عليه الأطراف، وذلك ما لم يكن الاتفاق متعارضاً مع أحد أحكام هذا القانون، ممّا لا يجوز للأطراف الاتفاق على مخالفته، أو في حالة عدم وجود اتفاق أن يكون ذلك قد تم على وجه مخالف لهذا القانون.
كما تقضي المحكمة المختصة ببطلان حكم التحكيم من تلقاء نفسها،
- إذا كان موضوع النزاع ممّا لا يجوز الاتفاق على الفصل فيه عن طريق التحكيم وفقاً لقانون الدولة، أو
- إذا كان حكم التحكيم يخالف النظام العام للدولة.
وسنعرض في ما يلي بعض التفصيل لحالات بطلان حكم التحكيم التي رصدها قانون التحكيم القطري.
1- البطلان الراجع لعوارض الأهلية:
قرّر المشرِّع أنّ من حالات بطلان حكم التحكيم "إذا كان أحد طرفي إتفاق التحكيم وقت إبرامه فاقد الأهلية أو ناقصها وفقاً للقانون الذي يحكم أهليته".
حيث تنص المادة 11 من القانون المدني القطري على أنّ "الحالة المدنية للأشخاص وأهليتهم يسري عليها قانون الدولة التي ينتمون إليها بجنسيتهم، ومع ذلك ففي التصرفات المالية التي تعقد في قطر وتترتّب آثارها فيها إذا كان أحد الطرفين أجنبياً ناقص الأهلية، وكان نقص الأهلية يرجع إلى سبب فيه خفاء لا يسهل على الطرف الآخر تبيّنه فإنّ هذا السبب لا يؤثر في أهليته".
إنّ المشرع أحال إلى القانون الذي يحكم الأهلية ومن ثم تكون الإحالة للمادة 11 من القانون المدني بكاملها أي بما ورد عليها من استثناء الذي يمنع الرجوع لقانون الجنسية إذا ما كان الشخص ناقص الأهلية، وفقاً لهذا القانون، وكان نقص الأهلية يرجع إلى سبب فيه خفاء لا يسهل على الطرف الآخر تبيّنه.
وإذا تعلّق الأمر بجنسية شخص اعتباري أو معنوي، تنطبق المادة 12 من القانون المدني، والتي تنص على أنّ "النظام القانوني للأشخاص المعنوية الأجنبية من شركات وجمعيات ومؤسسات وغيرها، يسري عليه قانون الدولة التي اتخذت فيها هذه الأشخاص مركز إدارتها الرئيسي الفعلي، ومع ذلك فإن باشرت نشاطها الرئيسي في قطر، ولو لم يوجد فيها مركز إدارتها الرئيسي الفعلي، فإنّ القانون القطري هو الذي يسري".
2- البطلان الراجع لحالات متعلقة بإتفاق التحكيم:
لا شك في أنّ أساس وجود التحكيم هو إتفاق التحكيم، فمن المنطقي أنّ أي عوارٍ في إتفاق التحكيم لا بد من أن يصيب حكم التحكيم بالبطلان، ويلاحظ أنّ العوار في إتفاق التحكيم يمكن أن يتخذ إحدى الصور الآتية:
أ- عدم وجود إتفاق التحكيم:
والواقع أنّ الالتجاء إلى هذه الحالة أمر نادر الحدوث، وإن كان من الممكن تصوّر حدوثه عندما يتمسّك الطرف الذي لم يوقِّع على إتفاق التحكيم، ولكنه وقّع على وثيقة المهمة بعدم وجود إتفاق على التحكيم. كذلك تثور هذه الحالة عملياً فيما لو تمسّك أحد الأطراف في مواجهة الآخر بشرط التحكيم على الرغم من عدم توقيع هذا الأخير على العقد الذي يتضمّن هذا الشرط، ويتحقق كذلك إذا كان شرط التحكيم يتضمّنه عقد ويراد الاحتجاج به على أحد من الغير، فهنا يكون للغير إذا صدر حكم أن يدفع بصدوره دون وجود إتفاق أو شرط تحكيم.
ب- بطلان إتفاق التحكيم:
إنّ إتفاق التحكيم يخضع لما تخضع له العقود من القواعد العامة بشأن إنعقادها وصحتها، بحيث يجب توافر الشروط التي تطلّبها القانون، فإذا ما تخلّف شرط من شروط الإنعقاد كان الإتفاق باطلاً، وإذا ما تخلّفت شروط الصحة كان الإتفاق قابلاً للإبطال، حيث أنه لكي يكون إتفاق التحكيم صحيحاً منتجاً لآثاره، وجب أن يقوم على التراضي بين طرفيه بمعنى تطابق إرادتيهما واتجاهها إلى ترتيب آثار قانونية تبعاً لمضمون ما اتفقا عليه، وأن يرد ذلك التراضي على محل ممكن ومشروع وأن يستند إلى سبب مشروع.
وتطبيقاً لذلك إذا شاب إرادة أحد أطراف التحكيم عيب من عيوب الرضاء مثل الغلط والتدليس والإكراه والإستغلال، فإنه يكون باطلاً بطلاناً نسبياً، كذلك يكون باطلاً إتفاق التحكيم إذا ما ورد على موضوع لا يجوز الفصل فيه عن طريق التحكيم كمسألة من مسائل الأحوال الشخصية مثلاً.
3- البطلان الراجع للإخلال بحقوق الدفاع:
قرّر المشرّع القطري بطلان حكم التحكيم إذا تعذّر على أحد طرفي التحكيم تقديم دفاعه بسبب عدم إعلانه إعلاناً صحيحاً بتعيين محكم أو بإجراءات التحكيم أو لأي سبب آخر خارج عن إرادته. وعلى ذلك فإنّ أي إخلال بحقوق الدفاع يجعل حكم التحكيم باطلاً، وإذا كان المشرِّع قد مثّل في البداية لحالات إخلال بحقوق الدفاع، إلاّ أنه عاد وقرّر "لأي سبب آخر خارج عن إرادته"، بما يعني عدم حصر حالات الإخلال بحقوق الدفاع تحت حالات معيّنة.
4- البطلان الراجع لمجاوزة هيئة التحكيم حدود ولايتها:
نصّت على هذه الحالة الفقرة 2(ح) من المادة 33 من القانون، ذلك أنّ التحكيم يقوم في الأساس على إرادة الأطراف، فإذا ما اتجهت الإرادة إلى اللجوء للتحكيم بشأن نزاع ما فلا يجوز لهيئة التحكيم تجاوز حدود ما اتفقت عليه الإرادة بشأن تحديد محل النزاع، ومن ثم فلا تمتد سلطتها للمسائل الأولية والفرعية، فإذا تعدّت هيئة التحكيم لمسائل مطروحة عليها وتعرّضت بالفصل لمسائل أخرى لم يشملها إتفاق التحكيم فإنّ حكم التحكيم لا يبطل إلاّ بقدر ما فصل فيه بشأن هذه المسائل الأخيرة، اللهم إلاّ إذا كانت هذه المسائل ترتبط مع المسائل الأخرى إرتباطاً لا يقبل التجزئة.
5- البطلان الراجع لتشكيل هيئة التحكيم أو تعيين المحكمين على وجه مخالف للقانون أو لاتفاق الطرفين:
فنظام التحكيم يقوم في منشئِه على الإرادة، ومن ثم فليس من الغريب أن يعترف للإرادة بدور مرموق في جميع مراحل العملية التحكيمية، خاصة في تشكيل هيئة التحكيم وتعيين المحكمين، ولكن المشرِّع تحسّب للوضع الذي لا تتفق فيه الإرادة على كيفية تشكيل هيئة التحكيم أو لإختيار المحكمين، فأورد نصاً مكملاً لا يتم إعماله إلاّ عند تخلّف الإتفاق. وذلك كله ما لم يكن الاتفاق متعارضاً مع أحد النصوص الآمرة للقانون، مما لا يجوز للأطراف الاتفاق على مخالفتها.
6- بطلان إجراءات التحكيم التي تمّت بالمخالفة لإتفاق الأطراف:
فقد يكون سبباً من أسباب إقامة دعوى البطلان وقوع بطلان في الإجراءات بالمخالفة لإتفاق الأطراف أثّر في الحكم، ولكن لا يعني ذلك أنّ أي بطلان في الإجراءات سوف يؤثر بالضرورة في الحكم، فالعبرة في ذلك بمدى تحقيق الإجراء لغايته من عدمه، وذلك وفقاً للقواعد العامة في قانون المرافعات. وتطبيقاً لذلك يُعدّ بطلاناً مؤثراً في الحكم عدم إعلان أحد الأطراف أو عدم إرسال تقارير على العنوان المحدّد في إتفاق التحكيم، لأنه حرم هذا الطرف من إمكانية الحضور أو الردّ على ما تضمّنته هذه التقارير، ما لم يثبت علم الطرف بذلك.
7- البطلان الراجع إلى عدم قابلية موضوع النزاع للتحكيم:
ونكون أمام مثل هذا الأمر لو أن حكم التحكيم قد فصل في إحدى المسائل التي لا يجوز التحكيم فيها كالجنسية أو الأحوال الشخصية، كما يمكن أن نستخلص أنّ (ما لا يجوز الصلح فيه لا يجوز التحكيم فيه) وذلك وفقاً للفقرة الثانية من المادة السابعة. ولكن يجوز التحكيم في بعض الأمور المترتِّبة على الحالة الشخصية، لأنّ هذه الأمور تكون قابلة للصلح، فيجوز للمطلِّقة مثلاً التحكيم على مقدار نفقة العدة ومؤخّر الصداق، ويجوز للورثة الاتفاق على التحكيم لحصر الإرث وتوزيعه، كما يجوز التعويض عن فسخ الخطبة.
8- البطلان الراجع لمخالفة النظام العام:
والمقصود به النظام العام الداخلي القطري وليس النظام العام الدولي، حيث أنّ النظام العام فكرة مرنة مطّاطة تختلف من مكان الى مكان وفي ذات المكان تختلف من زمان الى زمان، ولكنّها فكرة طاردة لكل ما يخالفها، وهي تعبِّر في النهاية عن المقومات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية في الدولة. وإذا ما تعلّق الأمر بحكم تحكيم أجنبي فإنه يجب فهم فكرة النظام العام الداخلي بمعناها الموجود في النظرية العامة للقانون الدولي الخاص. فدور فكرة النظام العام في القانون الداخلي يتمثّل في ضمان عدم الخروج الإرادي عن القواعد الآمرة، وبالتالي فأية مخالفة لقاعدة آمرة تعدّ خرقاً للنظام العام.
في منح هيئة التحكيم فرصة إستكمال إجراءات أو إزالة أسباب البطلان:
جاء القانون لجديد بنصٍ يقابل الفقرة الرابعة للمادة 34 من قانون التحكيم النموذجي يسمح بأن تقوم محكمة البطلان حال نظرها دعوى البطلان بوقف إجراءات الدعوى وإعادة الدعوى الى هيئة التحكيم التي باشرت إجراءات التحكيم من أجل منحها فرصة إستكمال إجراءات أو إزالة أسباب البطلان.
حيث أنّ الفقرة الخامسة من المادة 33 من قانون التحكيم القطري الجديد أتت بنص فريد من نوعه حيث تنص:
"ما لم يتفق الأطراف على خلاف ذلك، يجوز للمحكمة المختصة أن توقف إجراءات نظر الدعوى، بناءً على طلب من أحد الأطراف، إذا وجدت ذلك ملائماً، وذلك للمدة التي تحدِّدها، من أجل منح هيئة التحكيم الفرصة لاستكمال إجراءات التحكيم أو لاتخاذ أي إجراء آخر ترى هيئة التحكيم أن من شأنه إزالة أسباب البطلان."
ويستفاد من النص السابق أنه يجوز لمحكمة البطلان إذا وجدت ذلك ملائماً وقف إجراءات الدعوى – بناءً على طلب من أحد الأطراف وهو غالباً من صدر الحكم لصالحه – لتعاد الدعوى من جديد إلى هيئة التحكيم للقيام بإصلاح ما شاب الحكم من عيوب أو عوار قد يؤدي إلى بطلان الحكم .
إلاّ أنه يتضح في ضوء تحليل النص السابق، استلزام توافر ثلاثة شروط لكي يتم وقف إجراءات نظر الدعوى ومنح هيئة التحكيم فرصة إستكمال إجراءات أو إزالة أسباب البطلان.
1- الشرط الأول هو أن هذه الرخصة لا تكون إلاّ لمحكمة البطلان عندما تفحص دعوى البطلان المرفوعة أمامها.
2- الشرط الثاني هو أنّ الأمر بوقف إجراءات نظر الدعوى يكون وفقاً لسلطة المحكمة التقديرية وللمدة التي تقرِّرها، وذلك بناءً على طلب أحد الأطراف وليس من تلقاء نفسها.
3- الشرط الثالث هو كون ذلك كله قبل أن تأمر المحكمة ببطلان حكم التحكيم حيث أنه لا مجال لإعمال هذا النص بعد صدور الحكم. وبحيث يكون لهيئة التحكيم الخيار بين إستكمال إجراءات التحكيم أو إتخاذ أي إجراء آخر تراه من شأنه إزالة أسباب البطلان.
في نهائية الحكم الصادر بالبطلان أو برفضه:
يكون حكم محكمة البطلان في قرارها الصادر بقبول دعوى البطلان أو رفضها نهائياً وغير قابل للطعن عليه بأي طريق من طرق الطعن. (المادة 33 فقرة 6).
13- في إجراءات تنفيذ حكم التحكيم:
نظّم المشرع القطري في الفصل السابع من القانون قواعد واجراءات تنفيذ أحكام المحكمين، حيث نصّ في الفقرة الأولى من المادة 34 على أنه "تحوز أحكام المحكمين حجية الأمر المقضي به، وتكون واجبة النفاذ وفقاً لأحكام هذا القانون، بصرف النظر عن الدولة التي صدرت فيها.
والبيّن من هذا النص أنّ المشرّع أضفى حجية الأمر المقضي على الأحكام التي يصدرها المحكمون، وبهذا تكون لهذه الأحكام ذات الحجية الموجودة للأحكام القضائية، كما أنها تتمتع بإمكانية تنفيذها بالقوة الجبرية.
كما أنّ المشرّع قد ساوى أو عادل في شروط التنفيذ بين حكم التحكيم الوطني الصادر داخل دولة قطر وحكم التحكيم الأجنبي الصادر خارج الدولة.
وترتيباً على ما تقدّم، فإنّ التحكيم الذي يجري في قطر أو في الخارج - سواء اتخذ الشكل المؤسسي (النظامي) أو الشكل الحر - ونتج منه صدور حكم تحكيم تمهيدي أو جزئي أو نهائي أو كان حكماً إضافياً أو حكماً تفسيرياً . يكون قابلاً للتنفيذ وفقاً للشروط الشكلية والموضوعية التي نص عليها القانون في المادتين 34 و35.
فمتى اتفق الأطراف على إحالة النزاع القائم بينهم إلى هيئة التحكيم، تباشر هيئة التحكيم عملها وصولاً إلى إصدار حكم أو قرار تحكيمي منهٍ للخصومة القائمة بين أطرافهـا، إلاّ أنّ هذا القرار الصادر لا يتمتع بقوة ومفعول القرارات وأحكام المحاكم ولا يكتسب "قوة الأمـر المقضي به"، ولا يكون له القوة التنفيذية إلاّ بعد أن يذيّل بالصيغة التنفيذية من قبل المحكمة المختصة، كونه يخضـع للرقابة القضائية على الرغم من أنه يحوز الحجية في مواجهة الأطراف بمجرد صدوره، بحيث يترتّب على ذلك عدم جواز طرح ذات النزاع موضوعاً على القضاء، ورغم ذلك فلا يعتبر هذا القرار سنداً تنفيذياً إلاّ إذا أكسته المحكمة المختصة الصيغة التنفيذية.
ومما لا شك فيه أنّ تنفيذ حكم التحكيم هو نهاية مطاف الدعوى التحكيمية، لأن التحكـيم لا ينـتج مفاعيلـه وآثـاره القانونية إلاّ إذا انتهى إلى قرار، وكان هذا القرار واجب التنفيذ. فالهدف من التنفيذ هو وضع آثار هذا القرار موضع التنفيذ. فهو روح التحكيم، ومن دونه يظل التحكيم مجرد فكرة قانونيـة مجـردة، ولاسيما إذا أخذنا بالحسبان أن هذا الحكم يتمتع، من حيث المبـدأ، بصفة الإلزام بحكم إلتزام الخصوم الإرادي بالتحكيم المؤيد بحكم القانون، ولكنه لا يتمتع بـأي قـوة تنفيذية، بحد ذاته، إلاّ عند صدور الأمر القضائي بتنفيذه بناءً على طلب من صدر الحكم لصالحه. وبموجـب هذا الطلب تمارس المحاكم الوطنية رقابتها على هذه الأحكام التحكيمية وتخضعها لنـوع مـن التدقيق الشكلي أو الموضوعي ضمن حدود معينة .
وترتيباً على ما سبق، نستعرض كلاً من الشروط الشكلية والموضوعية المتعلقة بالتنفيذ التي نصّ عليها القانون في المادتين 34 و35.
1- الشروط الشكلية:
وفقاً لنصّ الفقرة الثانية من المادة 35، نجد أنّ المشرع قد نصّ من ناحية أولى على أن يتم تقديم طلب التنفيذ كتابة إلى القاضي المختص مرفقاً به عدد من المستندات والوثائق اللازمة:
أ- صورة من اتفاق التحكيم.
ب- أصل حكم التحكيم أو صورة موقّعة منه باللغة التي صدر بها،
ج- ترجمة حكم التحكيم إلى اللغة العربية من جهة معتمدة، إذا كان صادراً بلغة أجنبية.
وذلك ما لم يتفق الأطراف على وسيلة بديلة لتنفيذ الحكم. وفي هذا الإستدراك الذي وضعه المشرّع، فإنه يكون من الجائز أن يتفق الأطراف على استخدام وسيلة أخرى أسهل وأسرع، كما لو كان الاتفاق على التنفيذ الإرادي. فالأصل في التنفيذ أنه إرادي ولا يعمل بنظام التنفيذ الجبري إلاّ عند رفض المحكوم عليه التنفيذ الإرادي. كما أنّ هناك قواعد تنفيذ خاصة هدفها حماية الدائن أو طالب التنفيذ، وهذه لا تتعلق بالنظام العام ويجوز الاتفاق على مخالفتها.
وأما السند التنفيذي أو ما يأمر به القاضي فهو بمثابة السبب المباشر للحق في التنفيذ لمن صدر حكم التحكيم لصالحه، ذلك أنه بدون سند تنفيذي لا يوجد حق في التنفيذ بما حكم به وإقتضاء لحق محقق الوجود محدّد المقدار وحال الأداء.
ومن ناحية ثانية، نصّ المشرّع على "عدم قبول طلب تنفيذ حكم التحكيم، إلاّ بعد انقضاء ميعاد رفع دعوى بطلان هذا الحكم"، أي أنّ القاضي المختص لن يقبل طلب التنفيذ إلاّ بعد مرور مدة شهر كامل – ما لم يكن الأطراف قد اتفقوا على مدة أطول لرفع دعوى البطلان - من تاريخ تسليم الأطراف نسخة الحكم أو من تاريخ إعلان طالب الإبطال بحكم التحكيم أو صدور قرار التصحيح أو حكم التفسير أو التحكيم الإضافي".
2- الشروط الموضوعية:
وقد وردت الشروط الموضوعية في متن المادة 35 من القانون، حيث أنه لا يجوز رفض الاعتراف بأي حكم تحكيم أو رفض تنفيذه، بصرف النظر عن الدولة التي صدر فيها، إلاّ في الحالتين الآتيتين:
1- بناءً على طلب الطرف المطلوب تنفيذ الحكم ضده، إذا قدّم هذا الطرف إلى
القاضي المختص، الذي قُدم إليه طلب الاعتراف أو التنفيذ، دليلاً يثبت إحدى الحالات الآتية:
أ - أنّ أحد أطراف اتفاق التحكيم وقت إبرامه كان فاقداً للأهلية أو ناقصها، وفقاً للقانون الذي يحكم أهليته، أو أنّ اتفاق التحكيم غير صحيح، وفقاً للقانون الذي اتفق الأطراف على أن يسري على الاتفاق، أو وفقاً لقانون الدولة التي صدر فيها الحكم إذا لم يتفقوا على ذلك.
ب- أنّ الطرف المطلوب تنفيذ الحكم ضدّه لم يعلن إعلاناً صحيحاً بتعيين أحد المحكمين أو بإجراءات التحكيم، أو تعذّر عليه تقديم دفاعه لأي سبب آخر خارج عن إرادته.
ج- أنّ حكم التحكيم قد فصل في أمور لا يشملها اتفاق التحكيم، أو جاوز حدود هذا الاتفاق. ومع ذلك إذا أمكن فصل أجزاء الحكم المتعلقة بالمسائل الخاضعة للتحكيم عن أجزائه الخاصة بالمسائل غير الخاضعة له، يجوز الاعتراف أو تنفيذ أجزاء حكم التحكيم التي فصلت في الأمور التي يشملها اتفاق التحكيم أو لم تجاوز هذا الاتفاق.
د- أنّ تشكيل هيئة التحكيم أو تعيين المحكمين أو إجراءات التحكيم، قد تم بالمخالفة للقانون أو لاتفاق الأطراف، أو في حالة عدم وجود اتفاق أن يكون ذلك قد تم على وجه مخالف لقانون البلد الذي جرى فيه التحكيم.
هـ- أنّ حكم التحكيم لم يعد ملزماً للأطراف، أو قد تم إبطاله أو إيقاف تنفيذه من قبل إحدى محاكم الدولة التي صدر فيها ذلك الحكم أو وفقاً لقانونها.
2- أن يرفض القاضي المختص الاعتراف أو تنفيذ حكم التحكيم من تلقاء نفسه في الحالتين الآتيتين:
أ- إذا كان موضوع النزاع مما لا يجوز الاتفاق على الفصل فيه عن طريق التحكيم، وفقاً لقانون الدولة.
ب- إذا كان الاعتراف بالحكم أو تنفيذه يتعارض والنظام العام للدولة.
وهكذا يلاحظ أنّ من بين أهم ما جاءت به هذه المادة في فقرتها الأولى أنها قلبت قواعد الاثبات ونصّت على عدم جواز رفض تنفيذ حكم التحكيم إلاّ إذا قدّم الطرف الخاسر أو الطرف المطلوب تنفيذ الحكم ضده للقاضي المختص دليلاً وإثباتاً يهدم حكم التحكيم.
حيث أنّه بمجرد تقديم طالب البطلان هذه المستندات تقوم لصالحه قرينة قانونية قابلة لإثبات العكس على صحة حكم التحكيم من حيث تشكيل الهيئة التي أصدرته وكونه متفقاً وإرادة الأطراف والأحكام القانونية المكمّلة والمفسِّرة لهذه الإرادة في قانون الدولة الذي تم فيها التحكيم، وصحة الإجراءات التي اتبعت في التحكيم، وأنّ النزاع الذي فصل فيه الحكم وارد في مشارطة التحكيم، وأنّ الحكم لم يتجاوز حدود ما ورد في هذه المشارطة، وأنه ملزم لأطرافه، وعلى الخصم الذي يحتج عليه بهذا الحكم إن أراد توقّي البطلان أن يقدِّم الدليل الذي يدحض هذه القرينة.
مقارنة بين أسباب بطلان حكم التحكيم الوطني والأسباب التي تؤدي إلى رفض تنفيذ حكم التحكيم الوطني أو الأجنبي: إحالة:
باستقراء المواد 33 و35 من قانون التحكيم حيث أنّ المادة 33 تشير إلى الحالات التي تؤدي إلى بطلان حكم التحكيم، والمادة 35 تشير إلى الحالات التي تؤدي إلى رفض تنفيذ حكم التحكيم وبعقد مقارنة بينهما نجد أنهما يتشابهان تماماً في ما عدا السبب الأخير لرفض الإعتراف وتنفيذ حكم التحكيم (الفقرة (هـ) من المادة 35) الذي ينص أنه لا يجوز رفض الاعتراف بأي حكم تحكيم أو رفض تنفيذه، بصرف النظر عن الدولة التي صدر فيها، بناءً على طلب الطرف المطلوب تنفيذ الحكم ضده، إلاّ إذا قدّم هذا الطرف إلى القاضي المختص دليلاً يثبت "أن حكم التحكيم لم يصبح بعد ملزماً للطرفين أو أنّه تم إبطاله أو تعليقه من قبل سلطة مختصة في الدولة التي صدر فيها".
وبناءً عليه، نحيل في الأسباب الأخرى لما تمّ ذكره عند معالجة أسباب بطلان حكم التحكيم، ونفرد فقط تحليلاً لذلك السبب الأخير، ويقع عبء إثبات أنّ الحكم لم يصبح بعد ملزماً أو أنه تم إبطاله أو تعليقه على عاتق المدعى عليه في طلب الأمر بالتنفيذ.
في الميعاد المقرّر لتقديم طلب التنفيذ:
بحسب الفقرة الثالثة من المادة 34 من القانون، لا يقبل طلب تنفيذ حكم التحكيم، إلاّ بعد انقضاء ميعاد رفع دعوى بطلان هذا الحكم. أي لا بد من مرور فترة شهر كامل من تاريخ تسليم الأطراف نسخة الحكم أو من تاريخ إعلانهم بحكم التحكيم أو صدور قرار التصحيح أو حكم التفسير أو التحكيم الإضافي.
رفض الأمر بتنفيذ حكم التحكيم في حالة كونه لم يعد ملزماً للأطراف، أو قد تم إبطاله أو إيقاف تنفيذه من قبل إحدى محاكم الدولة التي صدر فيها ذلك الحكم أو وفقاً لقانونها.
1- كون حكم التحكيم غير ملزم:
أي أنّ الحكم لم يصبح نهائياً وفَقَدَ صفة الإلزام، ومن ثم كان الحكم مازال قابلاً للطعن عليه بطرق الطعن العادية كالاستئناف أو المعارضة.
2- كون حكم التحكيم قد تم إلغاؤه:
أي أنّ حكم التحكيم قد ألغي بشكل نهائي من قبل محكمة مختصة ولا يكفي مجرد رفع دعوى أو تقديم طلب لإلغاء حكم التحكيم.
3- كون حكم التحكيم قد تم تعليقه (أو إيقافه):
أي حكم التحكيم الذي تم إيقافه من قبل محكمة مختصة في الدولة التي صدر فيها الحكم أو تلك التي صدر الحكم بموجب قانونها.
جواز التظلّم من الأمر الصادر برفض تنفيذ حكم التحكيم أو بتنفيذه:
يجوز التظلم من الأمر الصادر برفض تنفيذ حكم التحكيم أو بتنفيذه أمام المحكمة المختصة خلال ثلاثين يوماً من تاريخ صدور الأمر.
14- موقف المشرِّع القطري من إتفاقية نيويورك بشأن الإعتراف وتنفيذ أحكام التحكيم الأجنبية:
حيث أنّ قطر قد إنضمت لإتفاقية نيويورك 1958 بشأن الاعتراف وتنفيذ أحكام المحكمين الأجنبية بمقتضى المرسوم رقم (29) لسنة 2003 الصادر في 15 مارس 2003، والذي يجعل نصوص الإتفاقية جزءًا من التشريع الداخلي وتصبح أحكام هذه الإتفاقية قانوناً من قوانين الدولة ويلتزم القاضي بإعمال القواعد الواردة فيها على تنفيذ أحكام المحكمين الأجنبية الصادرة على إقليم دولة أخرى.
وقد نصّت المادة (3) منها على أن:
"تعترف كل من الدول المتعاقدة بحجية حكم التحكيم وتأمر بتنفيذه طبقاً لقواعد المرافعات المتّبعة في الأقليم المطلوب إليه التنفيذ وطبقاً للشروط المنصوص عليها في المواد التالية. ولا تفرض للاعتراف أو تنفيذ أحكام المحكمين التي تطبَّق عليها أحكام الاتفاقية الحالية شروط أكثر شدة ولا رسوم قضائية أكثر ارتفاعاً بدرجة ملحوظة من تلك التي تفرض للاعتراف وتنفيذ أحكام المحكمين الوطنيين".
ونلاحظ أنّ هناك تطابقاً تاماً بين أسباب رفض التنفيذ الواردة في قانون التحكيم القطري، وتلك الواردة في إتفاقية نيويورك. ناهيك عن أنّ المادة 35 من القانون أشارت إلى هذا التطابق والمساواة في معاملة كل من حكم التحكيم الوطني وحكم التحكيم الأجنبي، حيث نصّت:
"لا يجوز رفض الاعتراف بأي حكم تحكيم أو رفض تنفيذه، بصرف النظر عن الدولة التي صدر فيها، إلاّ في الحالات الآتية .... ".
وكانت محكمة التمييز القطرية (الدائرة المدنية) قد أصدرت حكماً في 25 مارس (آذار) 2014 في الطعنين رقمي 45 و49 لسنة 2014 بشأن دعوى بطلان حكم تحكيم صدر في قطر من محكمة التحكيم بغرفة التجارة الدولية بباريس في نزاع نشأ بين شركتين بخصوص عقد تشييد مشروع سكني بدولة قطر، وبطبيعة الحال سعت الشركة التي صدر حكم التحكيم لصالحها لتنفيذه من خلال إقامة دعوى تنفيذ أمام المحكمة المختصة بهدف إكساء حكم التحكيم الصيغة التنفيذية، إلاّ أنّ الشركة الرابحة في حكم التحكيم فوجئت بالشركة الخاسرة تقيم دعوى بطلان أمام المحكمة الإبتدائية ضد حكم التحكيم بسبب عدم صدوره بإسم صاحب السمو أمير دولة قطر.
وقد ذهبت محكمة التمييز إلى إعتبار "أن المحكم مصدر الحكم المعيّن من قبل غرفة التجارة الدولية بباريس وطبّق قوانينها طبقاً لإتفاق الطرفين بوثيقة التحكيم، وأصدر الحكم مستوفياً شكله الصحيح وفقاً لتلك القوانين، فضلاً عن أنّ إتفاقية نيويورك الخاصة بالإعتراف وتنفيذ الأحكام الأجنبية والمنضمة إليها دولة قطر لم تتضمّن بنودها الإعتراف بالحكم بشرط صدوره في شكل أحكام الدولة التي يجري التحكيم في إقليمها واشترطت ذلك فقط عند الأمر بتنفيذه".
كما اعتبرت المحكمة - بالنظر إلى مواد أو بنود العقد محل الخلاف- بأنّ: "طرفي النزاع قد حددا بإرادتهما القانون الواجب التطبيق على التحكيم القائم بينهما وهي قواعد الغرفة التجارية بباريس مع إجراء التحكيم داخل دولة قطر".
ثم تعرضت المحكمة إلى كون حكم التحكيم الصادر في قطر هو حكم أجنبي يخضع في تنفيذه داخل دولة قطر لنصوص إتفاقية نيويورك، فذكرت "وكان مؤدّى نص المادتين الأولى والثانية من إتفاقية نيويورك الخاصة بالإعتراف وتنفيذ أحكام المحكمين الأجنبية، والتي إنضمّت إليها دولة قطر وأصبحت تشريعاً نافذاً بها واجب التطبيق، وكذلك اعتراف كل دولة متعاقدة بحجية الأحكام الأجنبية وإلتزامها تنفيذها طبقاً لقواعد المرافعات المتّبعة فيها، والتي يحدِّدها قانونها الداخلي، ولم تتضمَّن نصوصاً تتعلق بشكل الحكم وبياناته".
15- في تنظيم إنشاء مراكز التحكيم في دولة قطر وتوفيق أوضاعها:
جاء القانون في الفصل الثامن من القانون ببعض النصوص (المواد 36 إلى 39) في شأن تنظيم إنشاء مراكز للتحكيم وفروع لمراكز التحكيم الأجنبية في دولة قطر، حيث أنّ المادة 36 قد أكّدت على أنّ وزير العدل سوف يصدر قراراً وزارياً بشأن الضوابط والشروط الواجب توافرها للحصول على ترخيص بإنشاء مراكز للتحكيم وفروع لمراكز التحكيم الأجنبية في دولة قطر، كما أنّ القرار الوزاري سوف يضع قواعد تفصيلية لمنح الترخيص وإلغائه وتحديد الرسوم المقرّرة في هذا الشأن.
وحيث أنّ مراكز التحكيم أو مراكز تسوية المنازعات التي كانت قائمة وقت صدور القانون لم تكن ملزمة بإستخراج ترخيص خاص بها، فقد منحها القانون فترة إنتقالية مدّتها ستة أشهر لتتمكن من توفيق أوضاعها، حيث أنّ المادة 38 من القانون نصّت "على مراكز التحكيم القائمة وقت العمل بهذا القانون، توفيق أوضاعها بما يتفق مع أحكامه والقرارات الصادرة في هذا الشأن، وذلك خلال ستة أشهر من تاريخ العمل به".
وحيث أنه وحتى تاريخ إعداد هذه الدراسة، لم تصدر بعد القرارات الوزارية لتفعيل إجراءات التقدم للحصول على الترخيص لمراكز التحكيم القائمة وتوفيق أوضاعها، فقد شمل القانون على نصٍ أخير يجيز لمجلس الوزراء، بناءً على اقتراح الوزير، إصدار قرار لمدِّ مهلة توفيق الأوضاع لمدة ستة أشهر أخرى أو مددٍ مماثلة.
16- خاتمة:
بصدور قانون التحكيم القطري الجديد رقم 2 لسنة 2017 والمستوحى من القانون النموذجي الصادر عن الأونسترال، خطوة إيجابية أشاد بها الكثيرون، وهي بلا شك تمثِّل نقلة كبيرة وتغييراً جذرياً عما كانت عليه النصوص القديمة. فالقانون الجديد يعكس أهم التطورات والاتجاهات الحديثة في التحكيم التجاري، وقد عالج أوجه القصور والعيوب التي كانت تشوب القواعد الملغاة.
يبقى أن نذكِّر القرّاء بأن المخاطبين بقانون التحكيم بصفة عامة هم كل من أطراف النزاع أو ممثليهم أو وكلائهم القانونيين ومراكز التحكيم المؤسسية وكل شخص تسند إليه مهمة التحكيم، وكذلك القضاة حيث منحهم القانون صلاحيات وسلطات واسعة في تقديم يد العون والمساعدة لأطراف التحكيم وللمحكمين حال مباشرة إجراءات التحكيم، وفي ممارسة سلطة الرقابة على الأحكام الصادرة من هيئات التحكيم قبل الأمر بتنفيذ تلك الأحكام أو الفصل في دعاوى البطلان الخاصة بها. كما أعطى المشرِّع صلاحيات مماثلة للمحكمة المدنية والتجارية بمركز قطر للمال في سابقة فريدة من نوعها ووفقاً لإتفاق الأطراف.
وقد أوردت النصوص الجديدة صلاحيات هامة لمراكز التحكيم المؤسسية والتي أطلق عليها (السلطة الأخرى) وإن كانت هذه التسمية غير دقيقة، لتقوم بمهمتها بشكل متكامل، وخاصة في حالات التحكيم المؤسسي جنباً إلى جنب وبالتوازي مع المحاكم المختصة، حيث نصّ القانون على إنشاء دائرة خاصة بالتحكيم بمحكمة الإستئناف، وكذلك قاضٍ للتنفيذ بالمحكمة الإبتدائية والذي يختص بالنظر في طلبات تنفيذ أحكام التحكيم سواء الصادرة في قطر أو خارجها.