الخدمات

ابواب التحكيم الرئيسية
  • متفرقات / قوانين التحكيم في الدول العربية / المجلات العلمية / مجلة التحكيم العالمية - العدد رقم 28 / دور التحكيم في إنجاز مشاريع البنية التحتية في قطر

  • الاسم

    مجلة التحكيم العالمية - العدد رقم 28
  • تاريخ النشر

  • عدد الصفحات

  • رقم الصفحة

    131

التفاصيل طباعة نسخ

المقدمة:

   يعد الإقتصاد القطري واحداً من أكثر الإقتصادات نموا على النطاق العالمي، كما تشهد دولة قطر تحولاً كبيراً في مجال تطوير البنية التحتية في البلاد، حيث تقدر مشاريع البنية التحتيـة، والتي تشمل الطرق والسكك الحديدية والجسور، فضلا عن العديد من الفنادق والمباني السكنية والتجارية، بما يقارب 200 مليار دولار أميركي. مثل هذه الأعمال الـضخمة جـذبت كبـرى الشركات العالمية ورؤوس الأموال، والتي دخلت كشريك في معظم هذه المشاريع فـي جميـع مراحلها بدءاً من التصميم الى ادارة وبناء المشاريع.

   جاء هذا النمو والتطور تزامناً مع رؤية سمو الأمير الوالد التي رسمت رؤية قطر الوطنيـة 2030، والتي تهدف إلى التميز الوطني، وجعل قطر قادرة على الظهور كقوة عالميـة وتحـافظ على هذا المستوى، بحيث تكون قوة عالمية مستدامة.

   إن اعتماد أفضل الممارسات الدولية في جميع المجالات المهنية هي واحدة من أسس رؤيـة قطر الوطنية، والتي من شأنها أن تدعم الإستخدام الأفضل لاستثمارات الدولـة للوصـول إلـى اقتصاد متنوع ومزدهر، جنباً إلى جنب مع عائدات النفط والغاز يهدف إلـى دعـم المـواطنين القطريين لأجيال.

   من جانب آخر، أدى فوز دولة قطر بحق تنظيم بطولة كأس العالم لكرة القـدم 2022 الـى تعجيل العمل في تنفيذ رؤية قطر الوطنية 2030، خصوصاً في مجال البنية التحتيـة، لتـصبح الخطة مكتملة عام 2022 بدلاً من 2030.

   لذا، أصبح من غير المقبول أن يتأخر أي من المشاريع الإنشائية في قطر. ولكـن بطبيعـة الحال، مثل هذه المشاريع والعقود الضخمة لا بد من أن تتخللها بعض الخلافات والمشاكل بـين اطراف العقد. وحيث، كما ذكرت آنفاً، أغلب عقود المشاريع الإنشائية بها أطراف أجنبية؛ فـإن طرفي النزاع يفضلان اللجوء الى التحكيم لحل النزاعات الناشئة من العقد بدلاً من اللجوء الـى المحاكم القطرية. هذه المفاضلة تعود إلى عدة أسباب، من ضمنها:

   - أولاً- السرعة والمرونة في الإجراءات، حيث أن النزاعات، عادة، تحل بوقت أقل مـن الوقت الذي يستغرقه القضاء في حل النزاعات نفسها، بالإضافة إلى ما يتميز به التحكيم من مرونة في الإجراءات.

   - ثانياً - الحيادية، حيث أن طرفي أو اطراف النزاع من جنسيات مختلفة، مما يجعل اللجوء الى المحكمة الوطنية لدولة أحد الأطراف مدعاة إلى التفاضل بين الأطـراف لمـصلحة الطرف الذي تم اللجوء للمحكمة الوطنية في دولته، والذي بطبيعة الحال تكون خبرته في إجراءات هذه المحكمة أكثر من غيره. لذا فإن الأطراف يفضلون اللجوء في حل النزاع الى قاض من اختيارهم (المحكم).

   - ثالثاً- السرية، حيث أنه من الضمانات التي يكفلها القضاء علنية الجلسات، مما يتعارض مع رغبة الشركات العالمية، حيث أن ذلك من شأنه أن يضر بسمعة الشركة في سـوق العمل. وعلى العكس من ذلك، فإن التحكيم يكفل السرية في الجلسات وكافة الإجراءات.

   - رابعاً- الخبرة، حيث بإمكان أطراف النزاع اختيار محكم أو هيئة تحكيم من ذوي الخبرة الفنية أو التجارية المتعلقة بموضوع النزاع.

   - خامساً- نهائية القرار، بشكل عام، قرار التحكيم نهائي وملزم، في حين أن حكم محكمـة الدرجة الأولى قابل للإستئناف، ومن ثم التمييز .

   - سادساً- إنفاذ قرارات التحكيم، يوجد العديد من الإتفاقيات الدولية التي تنظم الاعتـراف المتبادل وإنفاذ قرارات التحكيم الأجنبية، ولعل أهم هذه الإتفاقيات هي اتفاقية نيويورك لعام 1958، والتي صادق عليها عدد كبير من الدول، مما يسهل عملية انفاذ قرارات التحكيم .

    والسؤال هنا: هل تشجع القوانين القطرية اللجوء الى التحكيم؟ وهل نظم القـانون القطـري مسائل التحكيم بحيث يصبح اللجوء الى التحكيم الطريقة الأسهل والأسرع لحل المنازعات التـي تنشأ من العقود بشكل عام، وخصوصاً العقود الإنشائية، لما تتطلبه هذه العقود في هذه الفترة من سرعة إنجاز؟ وهل اجراءات التحكيم وإنفاذ قرارات التحكيم في قطر سلسة وفعالة أم أن هنـاك عراقيل تعترضها.

   للإجابة عن هذه التساؤلات، ستتناول هذه الورقة التحكيم في دولة قطر من خـلال تسليط الضوء على الوضع في ضوء التشريعات المعمول بها حالياً، وسيتم التعـرض لـبعض أحكـام محكمة التمييز القطرية الصادرة بشأن بعض قرارات التحكيم، ومن ثم تسليط الضوء على الوضع التشريعي في ضوء مشروع قانون التحكيم الجديد، إضافة إلى نظام تسوية المنازعات في العقود الإنشائية، والذي يتم العمل على تطويره من قبل محكمة قطر الدولية ومركز تسوية المنازعـات. وفي الختام، نقدم بعض التوصيات التي تسهم في تطوير التحكيم في العقـود الإنشائية بـشكل خاص، والتحكيم في دولة قطر بشكل عام.

الوضع في ضوء التشريعات المعمول بها حالياً:

   أفرد المشرع القطري للتحكيم الباب الثالث عشر من الكتاب الأول من قـانون المرافعـات المدنية والتجارية رقم 13 لسنة 1990، وذلك من المادة 190 الى 210. ويعد هذا اعترافاً مـن المشرع القطري بالتحكيم بصفة عامة كوسيلة رضائية لحسم المنازعات.

    وقد نصت المادة (190) على ما يلي:

   "يجوز الإتفاق على التحكيم في نزاع معيّن بوثيقة تحكيم خاصة، كما يجوز الإتفاق على التحكيم في جميع المنازعات التي تنشأ من تنفيذ عقد معين، ولا يثبت الإتفاق على التحكيم إلا بالكتابة".

   ويتضح من هذا النص أن المشرع القطري قد أباح اللجوء الى التحكيم في جميع المنازعات، فهل تشمل هذه الإباحة المنازعات في العقود الإنشائية (عقود انشاء البنية التحتية) والتـي تكـون الدولة أو أحد أشخاصها الاعتباريين طرفاً فيها، وبالتالي فهي تندرج تحت العقود الإدارية؟

   بالإطلاع على قانون رقم 11 لسنة 2002 بتعديل بعض أحكام المرسوم بقانون رقم 14 لسنة 1991 بتنظيم وزارة العدل وتعيين اختصاصاتها، المادة رقم 9 من هذا القـأنون، والتـي تعنـى باختصاصات ادارة الفتوى والعقود، وتحديداً في البند رقم 6 من هذه المادة، جاء النص كما يلي:

    مادة 9: "تختص ادارة الفتوى والعقود بما يلي:

    1-.....، 2- .....،3-.....،4-.....،5-....،

    6- مراجعة مشروعات العقود التي تزمع الوزارات والأجهزة الحكومية الأخـرى إبرامهـا وإبداء الرأي في المسائل التي تنجم عن تنفيذ هذه العقود.

    ولا يجوز للجهات المذكورة إبرام أو إجازة أي عقد أو صلح أو تحكيم تزيـد قيمتـه علـى (500.000) خمسمائة الف ريـال بغير استفتاء الإدارة، وفي حالة استخدام نموذج العقد المعتمد مسبقا من إدارة الفتوى والعقود، فللجهة المتعاقدة إبرام العقد مباشرة دون عرضه علـى الإدارة، ويكتفي بموافاتها بنسخة منه بعد ابرامه". .

   7-.....، 8- .....،9-.....،10-.....

     مما سبق يتبين أن المشرع أقر مبدأ التحكيم في العقود الإدارية، ومنها العقود الإنشائية محل البحث، إلا أنه الزم الأجهزة الحكومية والوزارات باستفتاء إدارة الفتوى والعقود بأي عقد إداري تبرمه مع الغير، وكانت قيمته تزيد على خمسمائة الف ريـال، وذلك فقط في حال عدم استخدام نموذج العقد المعتمد مسبقا من ادارة الفتوى والعقود.

    وبالرجوع الى الباب الثالث عشر من الكتاب الأول من قانون المرافعات المدنية والتجاريـة، والمتعلق بتنظيم التحكيم، فإنه لا يوجد ما يتعلق بالتحكيم في العقود الإنشائية بشكل خاص، واقتصر على تنظيم التحكيم بشكل عام، بدءاً بالإتفاق وتشكيل هيئة التحكيم وصحة عقد التحكـيم وإثباتـه، مروراً بتحديد ما يجوز خضوعه للتحكيم وآثار عقد التحكيم، انتهاء بأحكام المحكمين وتنفيذها.

    وقد جاءت قواعد هذا القانون عامة وغير شاملة لكثير مـن الجزئيـات المنظمـة لعمليـة التحكيم، بالإضافة لكونها غير مسايرة للإتجاهـات الحديثـة للتحكـيم. فعلـى سـبيل المثـال لا الحصر:

   - إن من مميزات التحكيم – كما ذكرنا آنفاً - نهائية القرار، فإنه يفترض أن يكون التحكـيم حاسما للنزاع بشكل نهائي وبات، ويكتفى بمراجعة الحكم عن طريق دعـوى الـبطلان، وذلك اختصاراً للوقت والجهد والمال. إلا أن المادتين رقم 205 و 206 من هذا القانون تجيزان استئناف أحكام التحكيم وتجعلانها قابلة للطعن بالتماس إعادة النظر، ممـا يفقـد التحكيم إحدى أهم مميزاته.

   - جاء تنظيم دعوى البطلان في المواد 207 و 208 و 209 من هذا القانون، إلا أنه لم يتم تحديد ميعاد معين لرفع دعوى البطلان، مما يهدد استقرار المراكز القانونيـة لأطـراف التحكيم، بل ذهبت المادة 209 إلى أبعد من ذلك، حين أعطت المحكمة التي تنظر دعوى البطلان الحق في الفصل في النزاع بنفسها، ويكون الحكم الصادر منها قابلا للإستئناف، وذلك مما يتعارض مع أحد أغراض التحكيم، وهو السرعة في حل النزاع .

أحكام محكمة التمييز القطرية الصادرة في شأن بعض قرارات التحكيم:

    سوف نتعرض في هذه الجزئية من الورقة لثلاثة من أهم الأحكام التي صدرت من محكمـة التمييز القطرية في شأن بعض قرارات التحكيم، والتي دار حولها الكثير من الجدل، وكان لها أثر جلي على التحكيم في دولة قطر بشكل عام.

   حكم محكمة التمييز الصادر في الطعن رقم 64 لسنة 2012 تمييز مدني (الدائرة الثانية):

   حيث تتحصل الوقائع أن الطاعنين أقاموا الدعوى رقم 2010/1245 مــدني كلى علـى المطعون ضده بطلب الحكم ببطلان حكم التحكيم رقم 2009/11، والقاضي بإلزام الطاعنين كـل بنسبة مساهمته في الشركات المتخارج منها بأداء مبلغ 8,843,230 ريــالاً للمطعـون ضـده وانتقال حصته اليهما

   حكمت المحكمة برفض الدعوى، فاستأنف الطاعنان الحكم بـرقم 2011/1031، وبتـاريخ 2012/1/29 قضت محكمة الإستئناف برفضه. طعن الطاعنان في هذا الحكم بطريق التمييز.

   وقد ميزت محكمة التمييز الحكم المطعون فيه، وألزمت المطعـون ضـده المـصروفات، وحكمت بإلغاء الحكم المستأنف وببطلان حكم التحكيم رقم 11 لسنة 2009، وألزمت المـستأنف ضده المصروفات عن درجتي التقاضي.

   وقد سببت المحكمة حكمها بأن حكم التحكيم رقم 11 لسنة 2009 الصادر من مركز قطـر الدولي للتوفيق والتحكيم لم يصدر بإسم حضرة صاحب السمو أمير دولة قطر، مخالفاً بذلك النظام العام، وعليه فإنه يكون باطلاً بطلاناً مطلقاً بما يوجب تمييزه دون حاجـة إلـى بـحـث أسـباب الطعن.

   وكانت المحكمة استندت في حكمها هذا إلى ما يلي:

   1- ما نصت عليه المادة (63) من الدستور على أن "السلطة القضائية تتولاها المحاكم على الوجه المبين في هذا الدستور وتصدر الأحكام بإسم الأمير".

   2- ما جاء في نص المادة (69) من قانون المرافعات على "أن تصدر الأحكام وتنفذ بإسـم حضرة صاحب السمو أمير دولة قطر".

   3- نص المادة (198) من قانون المرافعات "يصدر المحكمون حكمهـم. ... وبـشرط عـدم مخالفة قواعد النظام العام والآداب".

   4- المادة (207) من قانون المرافعات على أنه "يجوز لكل ذي شأن طلب بطـلان حكـم المحكمين في الأحوال الآتية: 1- اذا كان قد صدر .... أو خالف قاعدة مـن قواعـد النظام العام أو الآداب".

    وجاء في أسباب الحكم أن المحكمة استشفت من المواد سالفة الذكر أن المشرع حينما وصف قرار المحكم في باب التحكيم واعتبره حكماً. فحكم المحكم هو بمثابة حكم عادي يخضع للـشكل المقرر له ويصدر من شخص مكلف بتأدية وظيفة القضاء في خصوص النزاع المطروح أمامه، على الرغم من أنه في الأصل من غير رجال القضاء.

    وبعد صدور هذا الحكم، تم رفض تنفيذ العديد من أحكام المحكمين من قبل محاكم أقل درجة من محكمة التمييز. بعض هذه الأحكام رفضت بالكامل والبعض الآخر أعيد إلى المحكمين لإعادة صياغتها وإصدارها بإسم سمو الأمير .

   ومن وجهة نظرنا، أن هيئة المحكمة الموقرة لم يكن التوفيق حليفها في التعرف إلى الطبيعة الأمير الحقيقية للتحكيم.

   وبالتالي، فقد جانب الصواب هذا الحكم، وقد استندنا في هذا الرأي إلى طبيعة التحكيم فـي ضوء القوانين القطرية، وذلك من خلال ما يلي:

   - نصت المادة (63) من الدستور القطري على أن "السلطة القضائية تتولاها المحاكم على الوجه المبين في هذا الدستور وتصدر الأحكام بإسم الأمير. كما حددت المادة (4) من قانون السلطة القضائية المحاكم على النحو التالي: "تتكون المحـاكـم مـن: 1- محكمـة التمييز، 2- محكمة الإستئناف، 3- المحكمة الإبتدائية". ولم تشتمل المادة (4) من هـذا القانون على مراكز التحكيم، مما يفيد أن المشرع لم يصنفها كمحاكم .

- تنص المادة (133) من الدستور على أن "جلسات المحاكم علنية، إلا إذا قررت المحكمة جعلها سرية مراعاة للنظام العام أو الآداب العامة، وفي جميع الأحـوال يـكـون النطـق بالحكم في جلسة علنية. وذلك مخالف لطبيعة سرية التحكيم، حيث تعد الخـصوصية واحدة من أهم مزاياه.

- جاء في نص المادة (1) من قانون السلطة القضائية "في تطبيق أحكام هذا القانون، تكون للكلمات التالية، المعاني الموضحة قرين كل منها، ما لم يقتض السياق معنى آخر: 1- المجلس: المجلس الأعلى للقضاء. 2- القضاة: الرئيس ونـواب الـرئيس والقـضـاة بمحكمة التمييز، والرؤساء ونواب الرئيس والقـضاة بمحكمـة الإسـتئناف، والرؤسـاء والقضاة بالمحكمة الإبتدائية. 3-....   

ومن الواضح أن النص لم يذكر المحكمين ولم يعتبرهم من ضمن القضاة.

- نصت المادة (33) من قانون السلطة القضائية على أن "يصدر بتحديد رواتـب القـضـاة وبدلاتهم قرار من الأمير، ولا يجوز أن يقرر لأحدهم راتب بصفة شخصية، أو أن يعامل معاملة استثنائية.

    من جانب آخر، نصت المادة (210) من قانون المرافعات المدنية والتجارية على أن "تحدد أجور المحكمين باتفاق الخصوم عليها في وثيقة التحكيم أو في اتفاق لاحق، وإلا فتحددها المحكمة المختصة أصلاً بنظر النزاع، بناء على طلب أحد ذوي الشأن، في حضور باقيهم أو في غيبـتهم بعد تكليفهم بالحضور، ويكون قرارها نهائيا".

- نصت المادة (200) من قانون المرافعات المدنية والتجارية على أن "يحكم المحكمون .. ويجوز لهيئة التحكيم أن تطلب إلى المحكمة المختصة أصلاً بنظر النزاع إصـدار قرار بإبراز أي مستند ضروري للتحكيم يكون في حوزة الغيـر، أو تكليـف شـاهد بالحضور لأداء الشهادة أمام الهيئة". كما نصت المادة (201) من القانون نفسه على أن "يرجع المحكمون إلى المحكمة المختصة أصلاً بنظـر النـزاع لإجـراء مـا يـأتي: 1- الحكم على من يتخلف من الشهود عن الحضور أو يمتنع مـنهم عـن الإجابـة، بالجزاءات المنصوص عليها في الباب الثالث من الكتاب الثاني مـن هـذا القـانون. 2- الأمر بالإنابات القضائية التي يقتضيها الفصل في النزاع" . كما نصت المـادة (204) على أن حكم المحكمين لا يكون قابلاً للتنفيذ، إلا بأمر يصدره قاضي المحكمة التي أودع أصل الحكم قلم كتابها، وذلك بعد الإطلاع على الحكم ووثيقة التحكيم، وبعد التثبت من أنه لا يوجد ما يمنع من تنفيذه. ويختص القاضي الأمر بالتنفيذ بكل ما يتعلق بتنفيذ الحكم.

    فلو كان المحكم مكلفاً بتأدية وظيفة القضاء في خصوص النزاع المطروح أمامه، كما جـاء في أسباب الحكم في الطعن رقم 2012/64 تمييز مدني، لمنحه المشرع هـذه الـصلاحيات دون الرجوع الى المحكمة المختصة، فهذه الإجراءات من صميم اختصاصات القاضي، ولـم يمنحهـا المشرع للمحكم.

   كذلك المادة (202) التي حددت الإطار الشكلي لحكم المحكمين لم تشترط صدوره بإسم سمو الأمير. حيث اشترطت المادة أن يكون الحكم مكتوباً، وأن يشتمل على صورة من وثيقة التحكيم، وعلى ملخص أقوال الخصوم ومستنداتهم، وأسباب الحكم ومنطوقه، والمكان الذي صـدر فيـه وتاريخ صدوره وتوقيعات المحكمين .

-  بالرغم من أن المشرع قد استخدم مصطلح حكم لوصف قرار المحكمين، إلا أنه بين الفـرق فيما بين حكم القاضي وحكم المحكم، وذلك في سياق نصوص بعض مواد قانون المرافعـات المدنية والتجارية. فجاء في نص المادة (198) من هذا القانون ما يلي: "يصدر المحكمـون حكمهم غير مقيدين بإجراءات المرافعات المنصوص عليها في هذا القانون عدا ما نص عليه في هذا الباب، ويكون حكمهم على مقتضى القانون ما لم يكونوا مفوضين بالصلح، وبـشرط عدم مخالفة قواعد النظام العام والآداب. واذا تم الإتفاق على التحكيم في قطر، كانت قـوانين دولة قطر هي الواجبة التطبيق على هذه المنازعة، ما لم يتفق الأطراف على خلاف ذلك"22. وعليه، تكون أحكام المحكمين غير خاضعة لأحكام المادة رقم (69) من قانون المرافعـات، والتي تقضي بأن تصدر الأحكام وتنفذ بإسم حضرة صاحب السمو أمير دولة قطـر، وذلـك لكونها ليست من ضمن الباب الثالث عشر المشار اليه في المادة رقم 198.

    مما سبق يتبين أنه، بالرغم من أن المشرع قد اطلق مصطلح حكم على أحكام القضاة وأحكام المحكمين؛ فإن صلاحيات المحكمين محدودة مقارنة بصلاحيات القضاة. وبالتـالي، فـإن حك التحكيم غير مساو لحكم المحكمة.

- حكم محكمة التمييز الصادر في الطعنين رقمي 45 و 49 لسنة 2014 تمييز مدني (الـدائرة الثانية):

   الطعنان المذكوران تم إيداعهما على التوالي، وذلك في شأن حكم محكمة الإستئناف رقـم 2013/826 الصادر بتاريخ 2013/12/15، والصادر في شأن تنفيذ حكم تحكيم صدر عن محكم فرد في قطر، تم تعيينه بمعرفة غرفة التجارة الدولية بفرنسا (ICC) إعمالاً لاتفاق طرفي النزاع بتطبيق قواعد التحكيم الخاصة بها.

    تم رفض تنفيذ الحكم من قبل المحكمة الإبتدائية لعدم صدوره باسم حضرة صاحب السمو أمير دولة قطر، ولعدم اشتماله على وثيقة التحكيم. وقد أيدت محكمة الإستئناف هذا الحكم وقضت بإعادة الدعوى الى المحكم مصدر الحكم لنظرها، إلا أن محكمة التمييز كانت لها وجهـة نظـر مختلفة. فقد تعاملت مع هذا الحكم على أنه قرار تحكيم أجنبي، وذلك لصدوره وفقاً لقواعد التحكيم الخاصة بغرفة التجارة الدولية بفرنسا على الرغم من صدوره في دولة قطر. وبالتالي فإن القرار يجب أن لا يصدر باسم سمو الأمير، ويجب تنفيذه وفقاً لاتفاقية نيويورك الخاصـة بـالإعتراف وتنفيذ الأحكام الأجنبية.

    بالرغم من أن هذا القرار لا يعتبر أجنبياً، حيث أنه صدر في قطر، حتى وإن كان خاضـعاً لقواعد غرفة التجارة العالمية، إلا أن تنفيذه من قبل محكمة التمييز يعتبر خطوة جيدة نحو بيئـة صديقة للتحكيم في قطر .

 - حكم محكمة التمييز الصادر في الطعن رقم 164 لسنة 2014 تمييز مدني (الدائرة الثانية):

    قبلت محكمة التمييز الطعن الذي أودع لديها في حكم الإستئناف رقـم 2014/38 الـصـادر بتاريخ 2014/3/26 في شأن تنفيذ قرار التحكيم الصادر من غرفة التجارة العالمية بفرنسا مـن قبل محكمين تم تعيينهم وفقا لقواعد التحكيم الخاصة بهذه الغرفة. وذلك لكون قرار التحكيم سألف الذكر قد صدر وفقاً لما ذكر أعلاه، فإنه يجب أن لا يصدر باسم سمو الأمير، بل يجب أن ينفـذ وفقاً لأحكام اتفاقية نيويورك.

    بصدور هذين الحكمين من محكمة التمييز، بات جلياً أن الأحكام الأجنبية مستثناة من شـرط الإصدار باسم سمو الأمير، وأنها تخضع في تنفيذها لأحكام اتفاقيـة نيويورك. إلا أن محكمـة التمييز لا بد لها من إعادة النظر في حكمها في شأن أحكام التحكيم المحلية، للوصول إلى وضـع مستقر في شأن هذه الأحكام.

الوضع في ضوء مشروع قانون التحكيم الجديد:

   مر مشروع قانون التحكيم القطري المزمع إصداره قريباً بعدة مراحل وصولاً الى الـشكل النهائي. حيث جاءت نصوصه مستوحاة من القانون النموذجي (اليونسترال). وقد تـم اسـتحداث فصل یعنی بتنظيم مراكز وجهات التحكيم واعتماد المحكمين.

   يحتوي المشروع الجديد في متنه على (40) مادة. وقد نص صراحة في المادة الثانية مـن الفصل الأول على جواز التحكيم في العقود الإدارية (التي تندرج تحتها عقود البنيـة التحتيـة)، حيث جاء النص، كما يلي:

   "مع مراعاة أحكام الإتفاقيات الدولية النافذة، تسري أحكام هذا القانون على كل تحكيم، بـين أطراف من أشخاص القانون العام أو القانون الخاص، أياً تكن طبيعة العلاقة القانونية موضـوع النزاع، اذا كان التحكيم يجري في الدولة، أو كان تحكيماً تجارياً يجري لة، أو كان تحكيماً تجارياً يجري فـي الخـارج، واتفـق أطرافه على إخضاعه لأحكام هذا القانون. ويكون الإتفاق على التحكيم فـي منازعـات العقـود الإدارية بموافقة وزير العدل.

   ولا يجوز بأي حال من الأحوال لأشخاص القانون العام اللجوء الى التحكيم لحل مـا ينـشأ بينهم من خلافات.

    كما نصت الفقرة الثانية من المادة الخامسة من الفصل نفسه على أن تنشأ بمحكمة الإستئناف دائرة تختص بمنازعات التحكيم التجاري بقرار من المجلس الأعلى للقضاء بالتنسيق مع الوزير. وقد ألغى هذا المشروع ما جاء في المادتين (205، 206) من قانون المرافعات المدنية والتجارية من جواز استئناف أحكام التحكيم.

    ولضمان سرعة الإجراءات في التحكيم، نصت المادة (32) من الفصل السادس والمتعلقـة بإنهاء اجراءات التحكيم، في الفقرة الثالثة منها على ما يلي:

    "يتعين على هيئة التحكيم إصدار الحكم المنهي للخصومة كلها خلال الميعاد المتفق عليه بين الأطراف، فإذا لم يوجد اتفاق وجب أن يصدر الحكم خلال شهر من تاريخ إقفال باب المرافعـة. وفي جميع الأحوال يجوز أن تقرر هيئة التحكيم من هذا الميعاد لفترة لا تزيد على شهر آخر، ما لم يتفق أو يوافق الأطراف على خلاف ذلك".

    مما سبق، يتبين أن المشرع القطري قد تلافى كثيراً من العيوب والنواقص، وعالج كثيراً من المشاكل المتعلقة بالتحكيم في هذا المشروع. فهل يعالج هذا القانون جميع الإشكالات التي تواجـه التحكيم في قطر في الوقت الحالي؟ وهل يكون اللجوء للتحكيم – وفقاً لمشروع القانون الجديـد - هو الحل الأمثل لضمان إنجاز مشاريع البنية التحتية في قطر في المدة الزمنية المتفق عليها؟

    مع ما سبق ذكره من مواد مشروع قانون التحكيم القطري الجديد، والتي تعتبر اللبنة الأولى في تطوير منظومة التحكيم في قطر، إلا أن المشرع لم يعالج المسألة المتعلقة بضرورة إصـدار أحكام التحكيم المحلية باسم صاحب السمو أمير دولة قطر، والتي أثارتها محكمة التمييـز، كمـا ذكرنا سابقاً. فقد أبقى المشروع على استخدام مصطلح حكم على قرار التحكـيم، ولـم يـصرح بالفرق بين أحكام المحاكم وأحكام المحكمين.

    ومما يحسب لهذا المشروع، ما جاء في الفقرة الأولى من المادة (17) من الفصل الرابع من المشروع في شأن سلطة هيئة التحكيم في الأمر بتدابير مؤقتة أو أحكام وقتية ما يلي:

    "ما لم يتفق الأطراف على خلاف ذلك، يجوز لهيئة التحكـيـم بنـاء علـى طلـب أي مـن الأطراف، أن تصدر تدابير مؤقتة أو أحكام وقتية تقتضيها طبيعة النزاع أو بغرض توقي ضـرر قد لا يمكن جبره، بما في ذلك أي مما يلي:

    أ) إبقاء الحال على ما هو عليه أو إعادته إلى ما كان عليه لحين الفصل في النزاع.

   ب) اتخاذ أي اجراء يمنع حدوث ضرر حال أو وشيك أو المساس بعملية التحكيم ذاتهـا، أو منع اتخاذ اجراء يحتمل أن يسبب ذلك الضرر أو المساس.

   ج) توفير وسيلة للمحافظة على الموجودات التي يمكـن بواسـطتها تنفيـذ أيـة قـرارات لاحقة.

    د) المحافظة على الأدلة التي تكون هامة أو جوهرية في الفصل في النزاع.

   ويجوز لهيئة التحكيم أن تطلب من الطرف الذي يطلب اتخاذ هذه الإجراءات، تقديم ضـمـان كاف يقدمه لتغطية نفقات التدبير أو الحكم الذي تأمر فيه".

   تعطي هذه المادة هيئة التحكيم السلطة في الأمر بتدابير وأحكام مؤقتة تقتضيها طبيعة النزاع أو بغرض توقي ضرر قد لا يمكن جبره.

    عليه، يجوز لهيئة التحكيم أن تأمر باستمرار أعمال الإنشاء محل العقد موضوع النـزاع اذا كان توقف هذه الأعمال سيؤدي إلى تأخر تسليم المشروع لفترة قد تمتد طويلاً، وهو مـن غيـر المقبول في ظل ارتباط هذه المشاريع بفعاليات عالمية محددة المواعيد مسبقاً.

   ولكن ماذا لو كان موضوع النزاع متعلقاً بأعمال الإنشاء نفسها؟

    لحل هذا النوع من النزاعات، قامت محكمة قطر الدولية ومركز تسوية المنازعات بالعمـل على تطوير نظام لتسوية المنازعات في العقود الإنشائية هو (Q-CONSTRUCT).

نظام تسوية المنازعات في العقود الإنشائية (Q-CONSTRUCT):

    كما ذكر آنفاً، تعتبر قطر حالياً من اكثر الإقتصادات المزدهرة في العالم، وبالإضافة لكونها البلد المضيف لكأس العالم لكرة القدم 2022، والذي زاد كمية مشاريع البنية التحتية في الدولـة، كما أصبح عامل الوقت هو أهم العوامل التي يجب مراعاتها في عقود البنية التحتية. فالتأخير في تسليم أي من هذه المشاريع غير مرحب به وغير مقبول.

   لذلك، ودعماً لمشاريع البنية التحتية الضرورية لتحقيق رؤية قطر 2030 واستضافة كـأس العالم 2022، وحرصاً على تسليمها في الوقت المناسب، والنأي بها عن مخاطر التـأخير غيـر المرغوب فيه والذي قد ينشأ نتيجة لإجراءات التقاضي العادية، فقد حرصت محكمة قطر الدولية ومركز تسوية المنازعات (QICDRC) على استحداث نظام جديد لتسوية مثل هـذه النزاعـات بطريقة تضمن عدم الإخلال بمواعيد التسليم المحددة، دون التورط في النزاعات. يـضمن هـذا النظام حل النزاعات الناشئة عن عقود البنية التحتية في دولة قطر، داخل الدولة وبمعايير دوليـة ومن قبل متخصصين.

    هذا النظام متاح لجميع الشركات القطرية والدولية التي تشارك في مشاريع البناء والهندسة، وتشمل: جميع الشركات التي تشارك في مشاريع ضخمة متعلقة بالبنيـة التحتيـة، بالمقـاولين، بالمقاولين من الباطن، بالإستشاريين– بالمهندسين والمعماريين والمصممين، ومدراء المشاريع.

    اما بالنسبة إلى قرارات هيئة بت النزاعات، فسوف تدعم التشريعات هذه القرارات لتكـون ملزمة تعاقديا. كما سيكون هناك إشراف قضائي من قبل محكمة قطر الدولية علـى إنفـاذ هـذه القرارات وإدارة العملية بشكل عام. وتتمثل آلية (Q-CONSTRUCT) فيما يلي:

  - يجوز لأطراف عقود البنية التحتية عند نشوء نزاع فيما بينهم في شأن هذا العقد اللجـوء إلى هيئة بت النزاعات لحل هذا النزاع.

  - كما يجوز للأطراف أن يتفقوا عند بداية مشروع بناء كبير على تعيين أو اختيـار هيئـة لمراقبة سير العمل في هذا المشروع، وبت النزاعات في حال نشوء أي منها.

  - يتم اختيار أعضاء الهيئة من قائمة من المتخصصين المسجلين في (QICDRC). حيث تقوم (QICDRC) بإدارة قائمة من خبـراء البنـاء، مـن ذوي الإختصاص التقن والقانوني، والذين ستشرف لجنة متخصصة على فحص طلبات انضمامهم إلى هذه القائمة لضمان انضمام الخبراء المؤهلين والذين يحملون شهادات خبرة عالمية فقط.

 - ستقوم (QICDRC) بنشر الأسعار المتفق عليها لأعضاء الهيئة، ما يضمن للأطـراف قيمة جيدة مقابل المال، كما يتيح لهم تقييم التكاليف بدقة.

 - للأطراف أن يختاروا بين دفع التكاليف الخاصة بهم وتقاسم تكاليف المحكمين أو أن تحدد الهيئة على من تقع مسؤولية دفع التكاليف.

 - اذا كان الخلاف ذا قيمة منخفضة نوعاً ما، أو كان بسيطاً، جاز لأطراف النزاع أن يتفقوا على أن ينظر في المسألة محكم واحد يعين من قبل (QICDRC).

 - للمسائل الأكثر تعقيداً، يتم نظر النزاع من قبل لجنة مكونة من 3 محكمين، يختـار كـل طرف عضواً من قائمة الخبراء، وتقوم (QICDRC) باختيار رئيس اللجنة الذي إما أن يكون تقنياً أو قانونياً. ويتم تحديد فترة زمنية لهذه الإجراءات.

 - توفر اجراءات (Q-CONTRUCT) رقابة صارمة على الوثائق المصرح بهـا، كمـا ستضع جداول زمنية صارمة لتسوية النزاع، حيث ستكون هنـاك اجـراءات واضـحة ويتمكن الأطراف من الإطلاع عليها، مما يسهل عليهم اجراء تقييم دقيق لمـدى سـرعة تحديد النزاع.

 - وستحظى الإجراءات بدعم رقابي من قبل أحد قضاة محكمة قطر الدولية المتخصصين في عقود الإنشاء. هذا النوع من الرقابة يعني أن أي إجـراء يتطلـب تـدخل الـسلطة القضائية أو الإنفاذ، فإنه يتم على وجه السرعة وبنتيجة مؤكدة.

 - ستكون هناك معايير زمنية صارمة للفصل في النزاع، بحيث تمنح فترة محددة من الوقت للمحكمين لتقديم قرارهم، وذلك تحت اشراف (QICDRC).

 - قرارات هيئة التحكيم ملزمة تعاقدياً للأطراف.

 - ما لم يتم ايداع مذكرة بعدم الإتفاق، يكون القرار قابلا للتنفيذ من خـلال محكمـة قطـر الدولية، بوصفها محكمة قطرية.

    في حال حاجة الأفراد لإنفاذ القرار، تيستر المحكمة لهم إمكانية الوصول إلى قاضي التنفيـذ بالمحكمة، والذي سيقوم بإنفاذ القرار ملتزما الفترة المحددة باستخدام آلية محاكم الدولـة، وذلـك بموجب أحكام مذكرة تفاهم مع المحاكم المحلية.

   - ستكون هناك عملية استئناف محدودة:

   - حيث يجوز للأطراف إما قبول قرار اللجنة والإمتثال، أو

   - يجوز لهم ايداع مذكرة بعدم الإتفاق.

   - يجب التزام القرارات على وجه السرعة، على أساس مؤقت، حتى لو رغـب طـرف من الأطراف في إخضاع القرار إلى إعادة النظـر مـن قبـل جـهـة أخـرى لـتـسوية النزاع (كالتحكيم أو التقاضي). ومع ذلك، وفي حـالات محـدودة للغايـة، لـن تمـنـح الفرصة للأطراف لإيداع طعـون بالإستئناف مـن شـأنها تعطيـل الأثـر الملـزم للقرار.

   - مذكرة عدم الإتفاق تعتبر شرطاً مسبقاً ضرورياً لإمكانية عرض القرار على جهة أخرى نهائية وملزمة كالتحكيم أو التقاضي.

   - يجوز للأطراف قبول القرار والإمتثال على الفور،

   - يجوز للأطراف ايداع مذكرة بعدم الإتفاق، والإمتثال للقرار، والإتفاق علـى اجـراءات التحكيم او المحكمة لحل النزاع أو في نهاية العقد، أو

   - يجوز أن يودع الأطراف طلب استئناف لأسباب محدودة للغاية، مع إيداع قيمـة القـرار بالمحكمة كضمان في انتظار الإستئناف.

  - يتم تحديد إمكانية الإستئناف من الطرف الذي تقدم بطلب الإستئناف، مـن قبـل قـاض مختص من محكمة قطر الدولية، وذلك وفقاً لأسس محـددة مثـل عـدم الإختـصاص الموضوعي لهيئة التحكيم أو خرق العدالة (كالتحيز والإحتيال)، ويجوز لقاضي محكمـة قطر الدولية أن يقرر التكاليف المناسبة للطرف الذي يتقدم بطلب استئناف غير معقول أو غير جدير .

    مما سبق، يتبين لنا مدى اهتمام محكمة قطر الدولية ومركز تسوية المنازعـات بأسـتحداث نظام لحل المنازعات التي تنشأ بين أطراف عقود مشاريع البنية التحتية في قطر داخل دولة قطر، آخذة في الإعتبار أهمية عامل الوقت بالنسبة لهذه المشاريع في ضوء ما تقدم ذكره. كما حرصت على أن تنشئ هذا النظام وفقاً لمعايير دولية، وعلى أيدي متخصصين. وقد تم وضع قيود علـى كل من الأطراف وهيئة المحكمين التي تفصل في النزاع، بحيث تصدر هيئة التحكـيم قرارهـا خلال 30 يوماً اعتباراً من بدء عملية تسوية النزاع. وتشمل هذه المدة 15 يوماً من وقت إيـداع الدعوى لدى الهيئة، و15 يوماً لإيداع مذكرة الدفاع، مع إضافة يومين للمطالب الأولية.

الخاتمة:

   تنفيذاً لرؤية قطر الوطنية 2030 والتزاما بتنفيذ مشاريع البنية التحتية اللازمـة لاستضافة قطر كأس العالم 2022، من فنادق ومبان سكنية وتجارية وطرق وسكك حديدية وجسور، أصبح من غير المقبول تأخير تسليم أي من هذه المشاريع الضخمة والإستراتيجية. إلا أنه في مثل هـذه المشاريع الضخمة والتي تصل قيمة عقودها الى ما يقارب 200 مليار دولار، لا بد من أن ينـشأ بعض النزاعات بين أطراف العقود في إحدى مراحل المشروع مما يتطلب حل أو تسوية النزاع. وحيث أن اللجوء الى التقاضي كوسيلة لحل النزاعات التي قد تنشأ بين أطراف العقد قد يتسبب في توقف العمل في المشروع لفترة قد تطول، مما يترتب عليه تأخر تسليم المشروع؛ فقد بـات البحث عن وسيلة أخرى لحل النزاعات بشكل أسرع يضمن عدم التأخير في تسليم هذه المشاريع.

    ويعد التحكيم هو الأمثل والأكثر قبولاً على المستوى الدولي لحل النزاعـات الناشـئـة بـين أطراف العقود التجارية، لما يتمتع به من مزايا تتمثل في السرعة والمرونة، والحيادية، والسرية، والخبرة التي يتمتع بها المحكمون في مجال موضوع النزاع، ونهائية قرارات التحكيم، وصـولاً الى إنفاذ قرارات التحكيم التي تضمنتها العديد من الإتفاقيات الدولية التي انضم إليهـا وصـادق عليها عدد كبير من الدول، كاتفاقية نيويورك لعام 1958م.

   وبالنظر في التشريعات المعمول بها حاليا في دولة قطر، نجد أن قانون المرافعات المدنيـة والتجارية، القطري، والذي أفرد الباب الثالث عشر من الكتاب الأول منـه للتحكـيم، لا يخـدم التحكيم بصورة مثالية حيث يفقد التحكيم في قطر إحدى مميزاته بحسب المادتين رقم 205 و206 من قانون المرافعات المدنية والتجارية، واللتان تجيزان استئناف أحكام التحكيم وتجعلاهـا قابلـة للطعن بالتماس اعادة النظر.

    إضافة إلى عدم استقرار المراكز القانونية لأطراف التحكـيم نتيجـة عـدم تحديـد ميعـاد معين لرفع دعوى البطلان، والتي جاء تنظيمهـا فـي المـواد 207 و 208 و 209 مـن هـذا القانون.

   وقد أثارت أحكام المحاكم في قطر جدلاً على نطاق واسع من حيث كون دولة قطر تشكل بيئة غير صديقة للتحكيم، وذلك بعد حكم محكمة التمييز القطرية في الطعن رقم 64 لسنة 2012 تمييز مدني، والذي حكمت فيه ببطلان حكم التحكيم رقم 11 لسنة 2009 لمخالفته قواعد النظـام العام لعدم صدوره باسم سمو أمير دولة قطر.

    إلا أن المحكمة عادت في أحكام لاحقة، وبينت أن هذا الشرط يطبـق فقـط علـى أحكـام المحكمين المحليين، ولا يشمل قرارات التحكيم الأجنبية، وأن هذه الأحكام تخضع في إنفاذها إلى أحكام اتفاقية نيويورك التي انضمت إليها دولة قطر عام 2003.

   ولا يسعنا هنا إلا أن نلتمس من محكمة التمييز الموقرة أن تعيد النظر في هذه المسألة، وذلك عملاً بنص المادة 8 من قانون السلطة القضائية رقم 10 لسنة 2003، والتي تنص على ما يلي:

    "اذا رأت إحدى دوائر محكمة التمييز العدول عن مبدأ قانوني قررته أحكام سابقة صـادرة منها أو من الدوائر الأخرى أو عرضت مسألة تتعلق بتنازع الاختصاص سلباً أو إيجاباً، أحالـت الدعوى إلى دوائر المحكمة مجتمعة للفصل فيها".

    وبالنظر في مشروع قانون التحكيم القطري الجديد، نجد أن المشرع القطري قد عني كثيـراً في صياغة المشروع لإخراجه بالشكل الذي يخدم التحكيم ويجعل منـه وسـيلة بديلـة لتسوية المنازعات يلجأ اليها اطراف النزاع، وذلك لتخفيف العبء على المحاكم من جهة، وتحقيقاً لرغبة أطراف النزاع في الحفاظ على السرية وسرعة إنهاء اجراءات تسوية النزاع وغيرها.

    وقد نص المشرع صراحة على جواز التحكيم في العقود الإدارية، التي تندرج تحتها عقـود مشاريع البنية التحتية – موضوع الورقة-، كما أعطى السلطة لهيئة التحكيم باتخاذ تدابير مؤقتـة من شأنها ضمان توقي حدوث أضرار لا يمكن جبرها لاحقاً.

      إلا أنه لم يصرح بالفرق بين أحكام المحكمين وأحكام المحاكم، وترك الحبل على الغـارب للقضاء في هذه المسألة. وما دام أن المشروع لم ير النور بعد، وهو قابل للتعديل، فإننـا نناشـد المشرع حل هذه المسألة جذرياً، وذلك باستبدال مصطلح حكم التحكيم بمصطلح قرار التحكـيم، وذلك لإزالة اللبس ومنع الجدل الفقهي وإقفال باب الإجتهاد القضائي في هذه المسألة التي تترتب عليها مصالح كثيرة.

    وعليه، فإننا نجد أنه في ضوء المشروع الجديد يمكن للتحكيم أن يكون هو الوسيلة الأسـهل والأسرع لحل النزاعات التي قد تنشأ من عقود البنية التحتية بشكل يضمن انجـاز المـشاريع وتسليمها في المواعيد المقررة لذلك، أو على أقل تقدير، في فترة زمنية أقل بكثير ممـا اذا تـم اللجوء إلى القضاء لحل هذه النزاعات.

   أخيراً، فإننا نأمل في نظام تسوية المنازعات في العقود الإنشائية، الذي تقوم على استحداثه محكمة قطر الدولية ومركز تسوية المنازعات، عندما يرى النور، أن يكون هو الوسيلة المثلـى والأنسب لضمان تسليم المشاريع في المدة الزمنية المقررة لها لما يقدمه من ضـمانات لـسرعة تسوية النزاع، وفقاً لمعايير دولية عالية الجودة، ومن خلال متخصصين، وبإشراف قضائي مباشر يكفل سرعة إصدار الأحكام الملزمة وإنفاذها. كما يضمن سير أعمال البناء والتشييد أثناء نظـر النزاع.