صدر في تاريخ 5 يوليو (تموز) 2015م (الموافق 18 رمضان 1436هـ) القانون البحريني رقم 9 لسنة 2015 بإصدار قانون التحكيم. وأرفق به النص العربي لقانون الأونسيترال النموذجي للتحكيم التجاري الدولي لعام 1985 مع التعديلات التي أدخلت عليه عام 2006. وتم نشر القانون رقم 9 لسنة 2015 مرفقا به قانون الأونسيترال النموذجي في الجريدة الرسمية العـدد 3217 الصادرة يوم الخميس 9 يوليو (تموز) 2015. وتنص المادة التاسعة من القانون رقـم 9 لسنة 2015 أنه يعمل بالقانون بعد مضي شهر من تاريخ نشره في الجريدة الرسمية. فيكون تـاريخ 9 أغسطس (آب) 2015 هو تاريخ نفاذ القانون الجديد. والقانون الجديد هو نتاج طبيعي لمسيرة فريدة تميز بها التشريع البحرينـي فـي مجـال التحكيم. ينبغي التوقف عند المحطات البارزة في هذه المسيرة قبل استعراض أهم ميزات القانون الجديد .
أولاً- مسار التطور القانوني في مجال التحكيم في البحرين:
تم تنظيم التحكيم في البحرين للمرة الأولى عام 1971 في الباب السابع (المواد 233 الـ 243) كما في المادة 253 من قانون المرافعات المدنية والتجارية الصادر بالمرسوم بقانون رقـم 12 لسنة 1971. والمواد 233 إلى 243 تتناول الإجراءات المتعلقة بالتحكيم الداخلي. أما المادة 253، فهي تتناول تنفيذ أحكام التحكيم الأجنبية في البحرين. وقد أخذت المواد المذكورة بأحكـام قانون المرافعات المدنية والتجارية المصري لسنة 1949 وببعض أحكام قانون المرافعات المدنية والتجارية المصري لسنة 1968. وقد شكل عندها قانون سنة 1971 إنجازاً بارزاً تناسـب مـع الحقبة التي صدر فيها. لكنه ما لبث أن ظهرت فيه ثغرات كان ينبغي سدها.
أولاً- كانت هناك مسائل لم يتطرق قانون سنة 1971 إليها، فالقانون لم يلحظ مسألة استقلال شرط التحكيم عن العقد الوارد فيه. فجاءت محكمة التمييز البحرينية لتكرس هذا المبدأ في أحـد أحكامها الصادر سنة 1997. كما أن قانون سنة 1971 لم يذكر مسألة اختصاص هيئة التحكـيم للبت باختصاصها. كذلك فإن قانون سنة 1971 لم يلحظ إجراءات معينة لرد المحكمـين فبقيـت عالقة مسألة تطبيق أو عدم تطبيق أحكام رد القضاة الواردة في الباب الخامس (المواد 183 إلـى 185) من قانون سنة 1971. كذلك، فإن قانون سنة 1971 لم يتضمن أي نص يتعلـق بمـسائل تصحيح أو تفسير أحكام التحكيم.
ثانياً- أجازت المادة 242 من قانون سنة 1971 الطعن بالاستئناف في حكم التحكيم ما لـم يتفق الأطراف صراحة على عكس ذلك بكون حكم التحكيم نهائياً. وكان ذلك يشكل إهداراً لفكرة نهائية حكم التحكيم ويفتح الباب مجدداً لقضاء الدولة لتسوية المنازعـات التـى هـي موضـوع التحكيم.
ثالثا- لم يضع قانون سنة 1971 في المادة 243 منه مدة محددة لتقديم طلبات بطلان أحكام التحكيم. فبقي المجال متاحاً للطرف الخاسر أن يتقدم بطلب بطلان حكم التحكيم بعد مدة طويلـة من صدوره مما كان يقوض مبادئ نهائية أحكام التحكيم واستقرار المعاملات التجاريـة وأحكـام تسوية المنازعات. أضف إلى ذلك أن المادة 243 كانت تنص على أن طلب البطلان يرفع إلـى المحكمة المختصة أصلاً بنظر النزاع. فطلب البطلان كان يرفع دوماً إلى محكمـة أول درجـة مع ما يتضمن ذلك من فتح المجال لاحقاً للاستئناف وبعدها للطعن بالتمييز.
رابعاً- اكتفى قانون سنة 1971 بمعالجة التحكيم الداخلي دون التحكيم الدولي. وهذا لم يكن مستغرباً إذ أن الدول الغربية نفسها لم تكن قد اعتمدت في قوانينها هذا التصنيف آنذاك. فالتشريع الفرنسي على سبيل المثال اعتمد سنة 1981 التمييز بين التحكـيم الـداخلي والتحكـيم الـدولي والتشريع السويسري أفرد سنة 1987 نصوصاً خاصة بالتحكيم الدولي. وقد وضعت لجنة الأمـم المتحدة للقانون التجاري الدولي (الأونسيترال) قانونها النموذجي للتحكيم التجاري الـدولي عـام 1985 وأدخلت بعض التعديلات عليه عام 2006.
فكان لا بد لمملكة البحرين مع تقدم السنين أن تلتفت إلى مسألة التحكيم الدولي، خاصة وأنها كانت تطمح، نظراً الى موقعها الجغرافي، إلى أن تؤدي دوراً مميزاً في علاقات التجارة الدولية. وهذا ما يفسر صدور المرسوم بقانون رقم (9) لسنة 1994 بإصدار قـانون التحكيم التجـاري الدولي. وقد اعتبر اعتماد البحرين لقانون رقم 9 لسنة 1994 تطوراً ملحوظاً رغم وجود بعـض الثغرات فيه.
فالثغرة الأبرز في قانون سنة 1994 كانت اعتماده كقانون غير ملزم. فقد نصت المــادة الأولى منه: "يعمل بأحكام القانون النموذجي للتحكيم التجاري الدولي لعام 1985 المرافـق لـهـذا القانون على كل تحكيم تجاري دولي لم يتفق طرفاه على إخضاعه لقانون آخر". كما أن المـادة الأولى للنص العربي للقانون النموذجي للتحكيم التجاري الدولي لعام 1985 الذي أرفق بقـانون رقم 9 لسنة 1994، أضيف إليها أن أحكام القانون تنطبق على التحكيم التجاري الـدولي، "إلا إذا اتفق طرفا التحكيم على إخضاعه لقانون آخر".
وهناك ثغرة أخرى كانت تتمثل في المادة الثانية من قانون رقم 9 لسنة 1994 التي كانت في الوقت نفسه تستبعد تطبيق أحكام الباب السابع المتعلق بالتحكيم من قـانون المرافعـات المدنيـة والتجارية لسنة 1971 على أي تحكيم تجاري دولي يخضع لأحكام قانون رقـم 9 لسنة 1994 بينما تجيز تطبيق باقي أحكام قانون المرافعات المدنية والتجارية بالقدر الذي لا تتعارض فيه مع نصوص القانون رقم 9 لسنة 1994. فإذا كانت النصوص المتعلقة بالتحكيم الداخلي لا تطبق على التحكيم التجاري الدولي، فإنه كان من باب أولى ألا تطبق سائر أحكام قانون المرافعات المدنيـة والتجارية على التحكيم التجاري الدولي.
وخطا المشترع البحريني خطوة إضافية في مجال تسوية المنازعـات والتحكـيم التجـاري الدولي عبر إقراره المرسوم بقانون رقم (30) لسنة 2009 بـشأن غرفـة البحـرين لتـسـوية المنازعات الاقتصادية والمالية والاستثمارية ("الغرفة") القائمة على أساس ارتباط وتعاون تعاقدي وثيق مع هيئة التحكيم الأميركية. وقد حدد المرسوم بقانون رقم (30) لسنة 2009 فـي البـاب الثاني منه اختصاصين أساسيين للغرفة:
الاختصاص الأول، وهو ما بينه الفصل الأول في مادته التاسعة، هو اختصاص بموجـب القانون حيث تختص الغرفة بالفصل في المنازعات التي ينعقد الاختصاص بنظرها في الأصـل لمحاكم البحرين أو لأية هيئة ذات اختصاص قضائي فيها، متى زادت قيمة المطالبة عن خمسمائة ألف دينار بحريني وذلك في أي من الحالتين التاليتين:
الأولى- المنازعات التي يكون أحد أطرافها مؤسسة مالية مرخص لها بموجب أحكام قانون مصرف البحرين المركزي،
والثانية- المنازعات التجارية الدولية.
وبموجب المادة (15) من المرسوم بقانون رقم (30) لسنة 2009، يعتبر الحكم الذي يصدر من هيئة تسوية النزاع بموجب الاختصاص القانوني (أو اختصاص الفصل الأول) حكماً نهائيـاً صادراً من محاكم البحرين.
أما الاختصاص الثاني للغرفة الذي بينه الفصل الثاني في مادتـه التاسـعة عـشرة، فهـو اختصاص الفصل في المنازعات وفقاً لاتفاق الأطراف كتابة على تسويتها عن طريـق الغرفـة. وتشمل وسائل التسوية الوساطة والتوفيق والتحكيم. وقد أوكل المرسوم بقانون رقـم (30) لـسنة 2009 إلى مجلس أمناء الغرفة وضع القواعد الخاصة بتسوية المنازعات التي يتفـق الأطـراف على تسويتها من خلال الغرفة. وقد أصدر مجلس أمناء الغرفة قواعد التحكيم الخاصة بها.
ويتضح من ذلك أن المرسوم بقانون رقم (30) لسنة 2009 قد أنشأ في الفصل الثاني تحكيماً مؤسسيا تقوم فيه غرفة البحرين لتسوية المنازعات بدور مؤسسة التحكيم.
وقد تضمن المرسوم بقانون رقم (30) لسنة 2009 العديد من النقاط التي عالجت مـا قـد يصادف التحكيم من تحديات. فقد حددت المادة 21 أنه إذا لم يتفق الأطراف على القانون الواجب التطبيق على موضوع النزاع، وكان نظر النزاع أمام الغرفة قد تم وفقاً لأحكام الفصل الثـاني، تحدد هيئة تسوية النزاع القانون الذي تقرره قواعد تنازع القوانين التي ترى تلك الهيئة أنها واجبة التطبيق على موضوع النزاع. كما أوضحت المادة 23 من القانون أن حكم هيئة تسوية النـزاع الصادر طبقاً لأحكام الفصل الثاني يكون قابلاً للتنفيذ بأمر يصدره قاض بمحكمة الاستئناف العليا بناء على طلب على عريضة يقدمه طالب الأمر بالتنفيذ مرفقاً بأصل حكم هيئة تسوية النـزاع ونسخة من اتفاق تسوية النزاع، وذلك بعد الاطلاع على الحكم والاتفاق والتثبت من أن الحكم لا يخالف النظام العام في مملكة البحرين. ويكون أمر قاضي محكمة الاستئناف العليا الصادر بشأن طلب تنفيذ حكم هيئة تسوية النزاع مسبباً. ويجوز لأطراف النزاع الـتظلم منـه أمـام محكمـة الاستئناف العليا خلال ثلاثين يوماً من تاريخ صدوره أو إعلانه حسب الأحوال.
وأخيراً فقد بينت المادة 24 من قانون رقم 30 لسنة 2009 إجـراءات ومواعيـد وأسـبـاب الطعن بالبطلان على حكم التحكيم الذي يصدر من هيئة التحكيم، فيجوز لأطراف النزاع، خـلال ثلاثين يوماً، أن يطعنوا بالبطلان أمام أعلى محكمة، وهي محكمة التمييز، على حكم هيئة تسوية النزاع للأسباب التالية:
1- بطلان اتفاق تسوية النزاع عن طريق الغرفة لعدم أهلية أحد أطرافه أو مخالفـة هـذا الاتفاق لأحكام القانون الذي أخضع له الأطراف ذلك الاتفاق.
2- عدم إعلان الطاعن على وجه صحيح بتعيين أحد أعـضاء هيئـة تـسوية النـزاع أو بإجراءات تسوية النزاع أو عدم تمكينه من إبداء أوجه دفاعه.
3- مخالفة تشكيل هيئة تسوية النزاع أو إجراءات تسوية النزاع لمـا نـص عليـه اتفـاق الأطراف.
4- إذا كان حكم هيئة تسوية النزاع يتناول نزاعاً لا يقصده أو لا يشمله اتفاق العرض على الهيئة، أو أنه يشتمل على قرارات في مسائل خارجة عن نطاق هذا الاتفاق، على أنـه إذا كان من الممكن فصل القرارات المتعلقة بالمسائل المعروضة علـى الهيئـة عـن القرارات غير المعروضة عليها فلا يجوز أن يلغي من حكم هيئة تسوية النزاع سـوى الجزء الذي يشتمل على القرارات المتعلقة بالمسائل غير المعروضة على الهيئة
5- تعارض حكم هيئة تسوية النزاع مع النظام العام في مملكة البحرين.
ويلاحظ أن أسباب الطعن بالبطلان الواردة في المادة 24 من قانون رقم 30 لـسنة 2009 مبنية في مجملها على ما هو وارد في المادة 34 من قانون الأونسيترال النمـوذجي للتحكـيم التجاري الدولي.
كما أن المادة 24 من قانون رقم 30 لسنة 2009 أوضحت أنه لا يترتب على رفع الطعـن وقف تنفيذ حكم هيئة تسوية النزاع ما لم تأمر محكمة التمييز بوقف تنفيذه بناء على طلب الطاعن في صحيفة الطعن. وهذا ما أوضحته بدورها المادة 34 من قانون الأونسيترال النموذجي للتحكيم التجاري الدولي.
ثانياً- قانون رقم 9 لسنة 2015 وأبرز ميزاته:
أمام تعدد مصادر التشريع البحرينية في مجال التحكيم واختلاف النظم القانونية التي ترعاه حـسب الطبيعة القانونية للنزاع وإمكانية تطبيق أكثر من خيار حتى ولو كان التحكيم تجاريـاً دوليـا، ارتـأى المشترع البحريني عام 2015 أنه ينبغي التدخل مجدداً لتسهيل القواعد المطبقة وتوحيدها. لذا تم اقـرار القانون البحريني رقم 9 لسنة 2015 بإصدار قانون التحكيم، ومن أبرز ميزات القانون الجديد:
أ- من حيث نطاق تطبيق القانون الجديد :
لم يشأ المشترع البحريني أن يترك أي مجال للشك أو للالتباس بخصوص نطـاق تطبيـق قانون الأونسيترال النموذجي للتحكيم التجاري الدولي، المرفق بالقانون البحريني رقـم 9 لـسنة 2015. فبينما كان المرسوم بقانون رقم 9 لسنة 1994 ينص على أن قانون الأونسيترال يطبـق "على كل تحكيم تجاري دولي لم يتفق طرفاه على إخضاعه لقانون آخر"، جاء قانون رقم 9 لسنة 2015 ليوحد القواعد والقوانين. فبدل أن يسير قانون رقم 9 لسنة 2015 على خطـى المرسـوم بقانون رقم 9 لسنة 1994 ويعتمد قانون الأونسيترال النموذجي كقانون غير ملزم مطبق فقط في مجال التحكيم التجاري الدولي، وإذا رضي أطراف التحكيم مجتمعين على ذلك، اعتمد قانون رقم 9 لسنة 2015 قانون الأونسيترال النموذجي كقانون ملزم يطبق ليس علـى التحكيم التجـاري الدولي فحسب بل على كل تحكيم بما فيه التحكيم الداخلي. فقد نصت الفقرة الأولى مـن المـادة الأولى من قانون رقم 9 لسنة 2015:
"مع مراعاة أحكام الاتفاقيات الدولية النافذة في مملكة البحرين:
1- تسري أحكام قانون الأونسيترال النموذجي للتحكيم التجاري الدولي المرافق لهذا القانون على كل تحكيم أيا كانت طبيعة العلاقة القانونية التي يدور حولها النزاع، إذا كان هـذا التحكـيم يجري في المملكة أو في خارجها واتفق أطرافه على إخضاعه لأحكام القانون المرافق".
كما أن قانون رقم 9 لسنة 2015 ألغي صراحة كل القوانين السابقة له المتعلقـة بـالتحكيم باستثناء المرسوم بقانون رقم (30) لسنة 2009 بشأن غرفـة البحـرين لتسوية المنازعـات الاقتصادية والمالية والاستثمارية. فقد ألغت المادة الثامنة من قانون رقم 9 لسنة 2015 ليس فقط الباب السابع الخاص بالتحكيم من قانون المرافعات المدنية والتجارية الصادر بقانون رقم 12 لسنة 1971 بل كذلك المادة 253 من القانون نفسه المتعلقة بتنفيذ أحكام التحكيم الأجنبية. كما أن المادة الثامنة من قانون رقم 9 لسنة 2015 ألغت قانون التحكيم التجاري الـدولي الصادر بالمرسـوم بقانون رقم 9 لسنة 1994.
وأخيراً، فبينما أدخل قانون رقم 9 لسنة 1994 تعديلات طفيفة على النص العربي لقـانون الأونسيترال النموذجي المرفق به، فإن النص العربي لقانون الأونسيترال النموذجي المرفق بقانون رقم 9 لسنة 2015 هو الترجمة العربية الرسمية المعتمدة من قبل لجنة الأمم المتحـدة للقـانون التجاري الدولي بدون زيادة أو نقصان .
ب- التمثيل القانوني لأطراف النزاع:
جاء في المادة 19 من المرسوم بقانون رقم (26) لسنة 1980 بإصدار قانون المحاماة أنـه "يكون للمحامين دون غيرهم حق الحضور عن ذوي الشأن أمام المحاكم وهيئات التحكيم ودوائر الشرطة واللجان القضائية والإدارية ذات الاختصاص القضائي". كما جاء في المادة الأولى مـن القانون نفسه أنه "يشترط في من يمارس المحاماة أمام المحاكم أن يكون اسمه مقيداً فـي جـدول المحامين". وجاء في المادة الثانية أنه "يشترط في من يقيد اسمه في جدول المحامين... أن يكون بحريني الجنسية". فيستنتج من هذه النصوص أنه إذا شاء طرف أن يكون ممثلاً في تحكيم داخلي يجري في البحرين، فعليه أن يتمثل بمحام مستقل مقيد في الجدول العام للمحامين في البحرين.
وبما أنه من ضمن اختصاصات قانون رقم 30 لسنة 2009 الفصل في المنازعات التجارية الدولية، كان لا بد من التكيف مع الواقع المستجد. لذا ميزت المادة 30 من قانون رقم 30 لـسنة 2009 بين حالتين:
الحالة الأولى- إذا عرض النزاع أمام الغرفة، وفقاً لأحكام الفصل الأول، يحـق للمحـامين غير البحرينيين تمثيل الخصوم شرط الاشتراك مع أحد المحامين البحـرينيين المجـازين أمـام محكمة التمييز.
الحالة الثانيـة- إذا عرض النزاع أمام الغرفة وفقاً لأحكام الفصل الثاني، يجوز للمحـامين غير البحرينيين تمثيل الخصوم بمفردهم.
وقد اقتبست المادة السادسة من قانون رقم 9 لسنة 2015 الحالة الثانية التي ذكرتها المـادة 30 من قانون رقم 30 لسنة 2009، فنصت على ما يلي: "يجوز للمحامين غير البحرينيين تمثيل طرفي النزاع إذا كان التحكيم تجارياً دولياً يجري في مملكة البحرين".
ج- الحصانة المحدودة للمحكمين:
تنص المادة السابعة من قانون رقم 9 لسنة 2015:
"لا يسأل أي محكم تم تعيينه بالاستناد إلى أحكام القانون المرافق عن أي فعل أو امتناع فـى سبيل تنفيذ مهامه، إلا إذا صدر منه بسوء نية أو كان ناتجاً عن خطأ جسیم، ويسري هذا الحكـم على العاملين لدى المحكم أو المفوضين من قبله لمباشرة بعض الأعمال المرتبطة بالمهام الموكلة إليه، ولا يخل ذلك بمسؤولية المحكم إذا تنحى بغير سبب جدي أو في وقت غير مناسب".
ويلاحظ هنا أن المادة السابعة اقتبست نص المادة 36(ب) من قانون رقم 30 لسنة 2009 بشأن غرفة البحرين لتسوية المنازعات. ويلاحظ كذلك أنه، شأن المادة 36(ب)، لم تقتصر المادة السابعة في ما يتعلق بالحد من المسؤولية على المحكمين (أو أعضاء هيئات تسوية النزاعـات) دون سواهم، وإنما امتدت لتشمل كذلك العاملين لديهم أو المفوضين من قبلهم لمباشـرة بعـض الأعمال المرتبطة بالمهام الموكلة اليهم.
فالمبدأ العام هو عدم مساءلة المحكم عن قيامه أو عن امتناعه عن القيام بأي فعل خلال تنفيذ مهامه شرط ألا يكون العمل أو الامتناع ناتجاً عن سوء نية لديه أو عن خطأ جسيم منه. كمـا أن المحكم لا يعفى من مسؤوليته إذا تنحى لغير سبب جدي أو في وقت غير ملائم.
وإن مبدأ الحد من مسؤولية المحكمين قد تم اعتماده في السنوات الأخيرة في قواعد التحكيم المعتمدة لدى بعض مراكز التحكيم الدولية. فالمادة 40 من قواعد التحكيم الخاصة بغرفة التجارة الدولية لسنة 2012 تنص على عدم مساءلة المحكمين أو الأشخاص المعينين من قبل هيئات التحكيم عن أي عمل أو امتناع متعلق بالتحكيم باستثناء الحالة التي يكون فيها مبدأ الاعفاء من المسؤولية محظوراً بموجب القانون واجب التطبيق. كما أن المادة 1-31 من قواعد التحكيم المعتمدة لدى محكمة لندن للتحكيم الدولي لسنة 2014 تنص على مبدأ الاعفاء من المسؤولية شرط ألا يتعارض المبدأ مع القانون واجب التطبيق، وألا يكون عمل المحكم أو امتناعه ناتجاً عن خطأ مقصود ومتعمد. فتكون بذلك المادة السابعة من قانون رقم 9 لسنة 2015 (كما قبلها المادة 36(ب) من قانون رقم 30 لسنة 2009) أكثر قرباً من قواعد تحكيم محكمة لندن للتحكيم الدولي مما عداها.
د - توحيد المحكمة المختصة بالمساعدة والإشراف في مجال التحكيم:
وكما قام المشترع البحريني بتوحيد إجراءات التحكيم في قانون واحد ينطبق على كل أنواع التحكيم، سواء أكان محليا أو دولياً، فقد وحد المشترع البحريني في القانون رقم 9 لسنة 2015 المحكمة المختصة بنظر طلب تعيين المحكمين وطلب الحكم ببطلان حكم التحكيم بعد صدوره. المحكمة المختصة بالمساعدة والإشراف في مجال التحكيم بمقتضى المادة السادسة من وهي قانون الأونسيترال النموذجي. فقد قرر القانون رقم 9 لسنة 2015 في المادة الثالثة اختصاص المحكمة الكبرى المدنية للنظر في جميع تلك الطلبات.
في ظل الباب السابع من قانون المرافعات المدنية والتجارية لسنة 1971، والذي نظم أحكام التحكيم المحلي، كانت المحكمة المختصة أصلاً بنظر النزاع هي صاحبة الاختصاص ببت طلبات تعيين المحكمين وطلبات تنفيذ حكم التحكيم وطلبات الحكم ببطلان حكم التحكيم. والمحكمة المختصة أصلاً بنظر النزاع هي محكمة أول درجة، مما يعني إمكانية تقدم الأطراف باستئناف أي من الأحكام الصادرة في مثل تلك الطلبات (فيما عدا الحكم بتعيين محكم، إذ يعتبر الحكم الصادر فيه حكماً نهائياً لا يجوز الاعتراض عليه أو الطعن فيه استئنافاً). وغني عن القـول إن المحكمة المختصة أصلاً بنظر النزاع تختلف بحسب النصاب القيمي أو الموضوعي للدعوى.
أما القانون رقم 9 لسنة 1994 الذي عني بتنظيم أحكام التحكيم التجاري الدولي فقـد جعـل الاختصاص في نظر الطلبات الخاصة بتعيين المحكمين والطلبات الخاصة بالطعن ببطلان حكـم التحكيم لمحكمة الاستئناف العليا المدنية مباشرة، وهي محكمة ثاني درجة، مما يعني عدم إمكانية استئناف أحكامها التي تصدر في مثل تلك الطلبات. أما طلب تنفيذ حكم التحكيم فقد حدد القـانون رقم 9 لسنة 1994 المحكمة الكبرى المدنية صاحبة الاختصاص في قبول تنفيذ أو عدم تنفيذ حكم التحكيم. وحيث إن المحكمة الكبرى المدنية هي محكمة أول درجة، فيمكن استئناف حكمها الـذي يصدر بهذا الشأن أمام محكمة الاستئناف العليا.
أما قانون رقم 9 لسنة 2015، فقد حدد وعين محكمة واحدة، وهي المحكمة الكبرى المدنية، وجعلها المحكمة المختصة بالنظر في كافة الطلبات المتعلقة بتعيين المحكمين والحكم ببطلان حكم التحكيم. إلا أنه وفي ذات الوقت لم يقم القانون الجديد بتسمية المحكمة المختصة بتنفيـذ حـكـم التحكيم، مما يترك مساحة رمادية ويفتح باب النقاش والاجتهاد لتحديد مثل تلك المحكمة.
خاتمة:
في الختام، نشير إلى أن القانون البحريني الجديد الخاص بالتحكيم يأتي في سياق القـوانين الحديثة للتحكيم الدولي التي تم اعتمادها في عدد من البلدان العربيـة بـدءاً بثمانينيـات القـرن الماضي. فقد اعتمد لبنان سنة 1983 ضمن قانون أصول المحاكمات المدنية مواد تنظم التحكـيم الدولي مقتبسة من القانون الفرنسي، كما اعتمدت الجزائر سنة 1993 قانوناً للتحكيم الدولي تـأثر بالقانونين الفرنسي والسويسري. وقد أقرت كل من مصر والأردن والمغرب وعمـان وسـوريا وتونس، وأخيراً المملكة العربية السعودية، قوانين مستمدة من قـانون الأونسيترال النمـوذجي للتحكيم التجاري الدولي. كما انضمت غالبية البلدان العربية إلى اتفاقية نيويورك للاعتراف بأحكام التحكيم الأجنبية وتنفيذها.
ونحن نعتقد أن المشترع البحريني الذي تنبه إلى ضرورة إصدار قانون تحكيمي جديد مستمدّ كليا من قانون الأونسيترال النموذجي، وأضاف إليه أحكاماً متقدمة متعلقة بحـصانة المحكمـين والسماح للمحامين الأجانب بتمثيل اطراف النزاع في التحكيم التجاري الدولي الذي يجـري فـي البحرين، سيكون قادرا في المستقبل القريب على إضافة مواد جديدة يفرضها الواقع العملي في ما يتعلق، على سبيل المثال، بالتحكيم المتعدد الأطراف وضم الدعاوى في حالـة وحـدة موضـوع النزاع والخصوم.
وتبقى طبعاً العبرة في تطبيق هذه القوانين والمعاهدات من قبل المحاكم المختصة وفي تعاون البلدان العربية في ما بينها في مجالي القضاء والتحكيم لبناء غد أفضل.