متفرقات / قوانين التحكيم في الدول العربية / المجلات العلمية / مجلة التحكيم العالمية - العدد 11 / النظام القانوني لتنفيذ أحكام التحكيم الداخلي في المغرب
الأصل أن تنفيذ الأحكام الصادرة في النزاعات التي تنظرها هيئات التحكيم يكـون تلقائيـاً وبإرادة الطرف الخاسر للدعوى التحكيمية، ويستوي الأمر في ذلك أن يكون التحكـيم داخليـاً أو دولياً. وتأتي هذه التلقائية أو تلك الإرادية في تنفيذ أحكام التحكيم من كون اللجوء إلى هذا الأخير باعتباره وسيلة بديلة لحل المنازعات لا يمكن أن يتم إلا بإرادة الأطراف التي تتـرجم بحـسب الأحوال في شرط تحكيم أو عقد تحكيم. وهو الأمر الذي تأكد عليه جميع التشريعات الوطنيـة الخاصة بمسطرة التحكيم وكذلك القوانين النموذجية الصادرة عن المنظمـات الدوليـة المعينـة والاتفاقيات الدولية ذات الصلة بالموضوع، وبالتالي فإن أطراف أي نزاع حين يتفقـون علـى اللجوء إلى التحكيم للحسم في نزاعهم، يكونون بذلك قد اتفقوا على تقبل حكم المحكم أو المحكمين وتنفيذه طواعية بمحض إرادتهم. غير أن الأمر ليس دائماً بهذه السهولة التـي يمكـن تـصورها نظرياً. ذلك أنه في حالات كثيرة يرفض الطرف الذي صدر الحكم التحكيمي ضده، تنفيـذ هـذا الأخير إرادياً أو طوعياً، الشيء الذي قد يفرغ هذا الحكم ومن خلاله العملية التحكيمية برمتها من محتواها، ولو كان الأمر قد توقف عند هذا الحد، لكان من اللازم الرجوع من نقطة الصفر فـي النزاع واللجوء إلى القضاء لرفعه من جديد وانتظار صدور حكمه الذي سينفذ جبراً عندما يصبح نهائياً غير قابل للطعن بأي طريق من طرق الطعن العادية، وبالتالي استهلاك المزيد من الوقـت والجهد والمصاريف التي ربما لا حمل للأطراف بها. لهذا السبب بالـذات تـدخلت التشريعات الوطنية والقوانين النموذجية والاتفاقيات الدولية لتقر نظاماً قانونياً يسمح بتلافي كل هذه المشاكل ويتعلق الأمر بنظام إكساء الحكم التحكيمي بالصيغة التنفيذية والتي ترفع هذا الحكم إلى مـصاف الحكم أو القرار القضائي من حيث القوة التنفيذية، وبالتالي تسمح باستعمال كـل الوسـائل التـ تستعمل لتنفيذ الحكم القضائي في عملية تنفيذ الحكم التحكيمي، بما في ذلك القوة الجبرية. وذلـك بالرغم من أن القانون يعترف للحكم التحكيمي بحجية الشيء المقضي به منذ صدوره و والتـي يفترض أن تسمح لهذا الأخير بكفاية ذاتية تجعله عنوان الحقيقة على ما تضمنه، وبالتـالي غيـر قابل للطعن من حيث المبدأ.
فما هو النظام القانوني لتنفيذ الحكم التحكيمي في المغرب؟
- هذا هو السؤال الذي ستحاول هذه الورقة الإجابة عنه من خلال العناصر التالية: - ماذا بعد صدور الحكم التحكيمي؟
- من هي الجهة المختصة بإكساء الحكم التحكيمي بالصيغة التنفيذية؟
- ما هي حدود سلطة هذه الجهة في رقابة الحكم التحكيمي قبل اكتسائه بالصيغة التنفيذية؟
- ما مدى إمكانية الطعن في الأمر بمنح أو رفض منح الصيغة التنفيذية؟
على أننا سنكتفي في هذه الورقة بدراسة المقتضيات القانونية المغربيـة الـواردة فـي القانون المغربي رقم 05-08 الصادر بتاريخ 06 دجنبر 2007 في الجريدة الرسمية رقـم 5584 مع مقارنتها بالنصوص القديمة الملغاة، وذلك فيما يتعلق بالحكم التحكيمي الصادر في منازعة من طبيعة وطنية بمعنى التحكيم الداخلي والمقابل للتحكيم الدولي. هذا الأخير الـذي يقصد به ذلك التحكيم الذي يتعلق بمصالح التجارة الدولية والذي يكون فيه لأحد أطرافه على الأقل موطن أو مقر في الخارج. بمعنى أن يكون لأطراف التحكيم وقت إبرام الاتفاق عليـه مؤسسات بدول مختلفة أو كان أحد الأمكنة التالي بيانها واقعاً خارج الدول الموجـودة فيهـا مؤسسات الأطراف:
- مكان التحكيم عندما يكون منصوصاً عليه في اتفاقية التحكيم أو معيناً بمقتضى هذا الإتفاق.
- كل مكان يجب أن ينفذ فيه جزء مهم من الالتزامات المترتبة على العلاقـة التجاريـة أو المكان الذي تربطه أكثر بموضوع النزاع صلة وثيقة.
أو كان الأطراف متفقين صراحة على أن موضوع اتفاق التحكيم يهم أكثر من بلد واحد؟.
وبمفهوم المخالفة فإن كل تحكيم لا تتوافر فيه الشروط المذكورة أعلاه يعد تحكيمـاً داخليـاً يخضع لمقتضيات القانون 05-08 المتعلق بالتحكيم والوساطة الاتفاقية في المواد من 306 إلـى 327-38. وهو ما سيكون موضوع الدراسة في هذه الورقة.
أولاً- ماذا بعد صدور الحكم التحكيمي؟
يصدر الحكم التحكيمي الداخلي بأغلبية أصوات المحكمين بعد المداولة التي تكون سـرية، في شكل كتابي يشار فيه إلى اتفاق التحكيم ويتـضمن عرضـاً مـوجزاً للوقـائع والادعـاءات والدفوعات والمستندات وبيان النقط التي تم الفصل فيها وكذا منطوق ما قضي به مع التعليل الذي يمكن للأطراف الاتفاق على عدم ضرورته إذا كان القانون الواجب التطبيق على مسطرة التحكيم يشترطه، ما لم يتعلق الأمر بحكم تحكيمي يتعلق بنزاع يكون أحد الأشخاص الخاضعين للقـانون العام طرفاً فيه حيث يجب أن يكون دائماً معللاً. على خلاف ما كان وارداً في القانون الملغـى الذي لم يكن يشترط تعليل الحكم التحكيمي في أي حالة من الحالات. غيـر أنـه فـي جميـع الأحوال يجب أن يكون الحكم التحكيمي موقعاً من قبل كل محكم مـن المحكمـين، وإذا رفـض بعضهم التوقيع، أشير إلى ذلك في نهاية الحكم مع ذكر أسباب عدم التوقيع، ومع ذلـك يـحـتفظ الحكم التحكيمي بالأثر نفسه كما لو كان موقعاً من لدن كل محكم من المحكمين .
وحتى يكون هذا الحكم صحيحاً، يجب أن يتضمن كذلك أسماء المحكمين الـذين أصـدروه وجنسياتهم وصفاتهم وعناوينهم وتاريخ صدوره ومكان صدوره والأسماء العائليـة والشخـصية للأطراف أو عناوينهم التجارية ومواطنهم أو مقارهم الاجتماعية وأسماء المحامين أو أي شخص مثل الأطراف أو أزرهم.
وبعد صدور الحكم التحكيمي بالشكل المذكور أعلاه، تقوم هيئة التحكيم بتسليم نسخة منه إلى كل من الطرفين خلال أجل سبعة أيام من تاريخ صدوره وذلك من أجل تنفيذه طوعاً بعـد أن كان ثلاثة أيام في القانون الملغي وأجل السبعة أيام هو نفسه الممنوح لكي يودع فيه هـذا الحكـم لدى كتابة ضبط المحكمة الصادر الحكم في دائرتها في نسخته الأصلية، مصحوباً بنسخة مـن اتفاق التحكيم مع ترجمتهما إلى اللغة العربية إذا كانا مكتوبين بلغة أخرى. ويتم هذا الإيداع من قبل أحد المحكمين أو الطرف الأكثر استعجالاً على خلاف ما كان منصوصاً عليه فـى الـنص الملغي الذي لم يكن يطلب سوى من أحد الحكمين القيام بهذا الإيداع. وإن كانت عمليـة الإيـداع هذه لا تبدو إلزامية، إلا أنها تفيد في إعطاء الحكم التحكيمي تاريخاً ثابتاً في الحالة التـ الحالة التـي يغفـل المحكمون تحديده في الحكم أو كان هناك خلاف عليه بين الأطراف، كما تفيد في تسهيل عمليـة الرجوع إليه عند الحاجة بعد اندثار الهيئة التحكيمية.
بعد هذين الإجراءين الأساسيين، يفترض أن يبادر الطرف الـذي صـدر الحكـم فـي مواجهته إلى تنفيذه بدون أجل إرادياً وبدون مشاكل، بل يخضع هذا الحكم للقواعد المتعلقـة بالتنفيذ المعجل للأحكام حتى وإن لم تطلب بشأنه الصيغة التنفيذية، ولا تتوقف عملية تنفيذ الحكم التحكيمي الداخلي في المغرب، إلا إذا تم تقديم طلب لتصحيحه أو تأويله من قبل أحد الأطراف للهيئة التحكيمية التي تقوم بذلك داخل أجل ثلاثين يوماً التالية للنطق به وستين يوماً إذا تعلق الأمر بإصدار حكم تكميلي بشأن طلب وقع إغفال البث فيه. وعندما يتعذر علـى الهيئة التحكيمية الاجتماع من جديد، فإن صلاحية البت في طلب التصحيح أو التأويل، تخول لرئيس المحكمة الصادر الحكم التحكيمي في دائرتها والذي يجب عليه أن يبت الأمر في أجل ثلاثين يوماً بأمر غير قابل للطعن. كما تتوقف عملية تنفيذ الحكـم التحكيمـي الـداخلي بالمغرب طوال الأجل الممنوح لممارسة دعوى الطعن في الحكم التحكيمي الذي يبتدئ منـذ صدور الحكم التحكيمي وإلى مرور خمسة عشر يوماً من تاريخ تبليغـه مـذيلاً بالـصيغة التنفيذية، وإذا حصل وتم الطعن فيه بالبطلان فإن تنفيذه يتوقـف طيلـة سـريان دعـوى البطلان .
غير أن المسألة تصبح أكثر تعقيداً حين يرفض الطرف الذي خسر الدعوى التحكيمية تنفيـذ الحكم التحكيمي الصادر ضده بشكل إرادي أو تطوعي. فيصبح الطرف الثاني ملزما بطلب تدخل القضاء للأمر بإكساء هذا الحكم بالصيغة التنفيذية حتى يمكن تنفيذه جبرا، الأمر الـذي يطـرح السؤال عن كيفية منح الصيغة التنفيذية والجهة التي يمكنها أن تمنحها؟
ثانياً- إجراءات طلب الصيغة التنفيذية والجهة الموكل لها منحها؟
إذا كان المبدأ الذي يمكن تكريسه من خلال ما جاء في النقطة السابقة هو أن الحكم التحكيمي ينفذ في الأصل إدارياً وطواعية، فإن المبدأ الذي يقابله هو أن الحكم التحكيمي لا يمكـن تنفيـذه جبرياً إلا بمقتضى أمر بتخويل الصيغة التنفيذية.
فالطرف الذي يطالب بتنفيذ الحكم التحكيمي يقدم طلبا عن طريق المحـامي إلـى رئـيس المحكمة المختصة لتحويل الحكم التحكيمي الصيغة التنفيذية، ويكون هذا الطلب مصحوباً بنسخة أصلية من الحكم التحكيمي وترجمتها إلى اللغة العربية إذا كان الحكم قد صدر بلغة أخرى كمـا ترفق به أيضاً نسخة من أتفاق التحكيم. ونعتقد أن تقديم هذا الطلب غير محكوم بأية مدة خاصة ما عدا ما هو وارد في القواعد العامة للأحكام في قانون المسطرة المدنية. أما مدة سبعة أيـام المتحدث عنها في المادة 31-327 فإنها تتعلق بتسليم الأطراف الحكم التحكيمي من قبل المحكمين وبعملية الإيداع التي يقوم بها الطرف الأكثر استعجالاً وغالباً ما يكون الطرف الرابح في الدعوى التحكيمية أو أحد المحكمين. وهي عمليات مستقلة عن عملية الصيغة التنفيذية بحيث خلصنا مـن خلال الصياغة العامة للفقرة الثانية من المادة 31-327 إلى أنها عمليات يمكن القيام بها في جميع الأحوال سواء كان الحكم سينفذ طواعية أو سيطلب بشأنه تحويل الصيغة التنفيذية، رغم أن الفقرة الأولى من المادة 31-327 تتعلق بالصيغة التنفيذية.
أما في ما يتعلق بالجهة التي منحها القانون صلاحية تحويل الصيغة التنفيذية للحكم التحكيمي الداخلي في المغرب، فلم تكن تثر أي إشكاليات في إشكاليات في الصيغة القديمة، حيث كان الفصل 320 مـن قانون المسطرة المدنية لسنة 1974 ينص على أن هذه الجهة هي رئيس المحكمة الابتدائية التـ صدر الحكم التحكيمي في دائرة نفوذها، والمحكمة الابتدائية المقصودة هنا المحكمـة الابتدائيـة العادية، بحيث أن المغرب لم يكن يعرف آنذاك قضاء متخصصاً وكانت هذه المحاكم ذات ولايـة عامة رغم أنه في الفترة التي فصلت بين إنشاء محاكم متخصـصـة فـي المغـرب (التجاريـة والإدارية) وبين صدور القانون 05-08، كان القضاء يعتبر المحكمة المختصة بتخويل الـصيغة التنفيذية هي المحكمة المختصة نوعياً رغم صياغة النص القديم 23. أما في القانون الجديـد فـإن المادة 31-327 تنص على أن الأمر بتحويل الصيغة التنفيذية يصدره رئيس المحكمة الـصـادر الحكم في دائرتها. وهي الصياغة التي تم تفسيرها قضائيا بأنها تعني بالضرورة رئيس المحكمـة المختصة نوعياً بحسب ما إذا كان النزاع الذي فصل فيه الحكم التحكيمي مدنياً فيكـون رئـيس المحكمة المختصة هو رئيس المحكمة الابتدائية العادية، أو تجارياً فيكون هو رئيس المحكمـة التجارية أو إدارياً فتكون المحكمة المختصة هي المحكمة الإدارية التي سيتم تنفيذ الحكم التحكيمي في دائرتها أو المحكمة الإدارية بالرباط عندما يكون تنفيذ الحكـم التحكيم ی يـشمل التـراب المغربي". وذلك بالرغم من وجود مادة في القانون 05-08 تنص على أنه يراد برئيس المحكمة في هذا القانون، رئيس المحكمة التجارية ما لم يرد خلاف ذلك، ولم يرد خلاف ذلك إلا بالنسبة الى المادة الإدارية، كما سبق ذكره. غير أن القضاء وحتى في ظل القانون الملغى ومنذ دخـول القانون المحدث للمحاكم التجارية حيز التنفيذ بتاريخ 12/02/1997، دأب علـى التمييـز فـي الاختصاص بحسب الطبيعة المدنية أو التجارية أو الإدارية للنزاع من أجـل تخويـل الـصيغة التنفيذية للحكم التحكيمي فما بالك في ظل القانون الجديد للتحكيم الذي كانت له مناسبة للتعامل مسألة الاختصاص في نازلة عرض فيها طلب بتحويل الصيغة التنفيذيـة علـى المحكمـة التجارية في نزاع يتعلق بعلاقة شغل وهي من طبيعة مدنية فحكم بعدم الاختصاص مستندا إلى أن رئيس المحكمة التجارية يمارس الاختصاصات الموكلة له بصفته تلك في حـدود الاختصاص للمحكمة التجارية. غير أن هذا التعليل لا يحسم الأمر رغم منطقيته ما دامـت المـادة 31-327 تنص على رئيس المحكمة بنفس الصيغة المنصوص عليها في المادة 312، ولم ترفق بصفة المختصة كما هو وارد في مواد أخرى عديدة من القانون نفسه. وبالتالي يتطلب الأمـر تدخلاً تشريعياً لتصحيح هذه الوضعية، وهو ما يبدو أن وزارة العدل بصدده من خلال مشروع قانون لتعديل القانون 05-08 جاء فيه: يراد في هذا الباب بما يلي: رئيس المحكمـة، رئـيس المحكمة المختصة نوعياً حسب موضوع النزاع النوعي
وفي جميع الأحوال فإن طلب الأمر بالصيغة التنفيذية يقدم إلى رئيس المحكمـة المختصة بصفته الولائية وليس بصفته قاضياً للأمور الاستعجالية، فقد سبق لرئيس المحكمة التجارية بالدار البيضاء أن أصدر أمراً بعدم الاختصاص بناء على أن طلب الأمر بتخويل الصيغة التنفيذية قـد وجه له بصفته قاضياً للأمور المستعجلة، والحال أن هذا الأمـر لا يـدخل فـي اختـصاصاته الاستعجالية المحددة في نصوص قانونية خاصة بقدر ما يدخل في اختصاصاته الولائية بموجـب المادة 20 من القانون المحدث للمحاكم التجارية التي تنص على أنه: "يمارس رئيس المحكمـة التجارية الاختصاصات المسندة إلى رئيس المحكمة الابتدائية بموجب قانون المسطرة المدنية وكذا الاختصاصات المخولة له في المادة التجارية".
وأمام سكوت النص التشريعي فقد اختلفت الممارسة القضائية فـي مـا يتعلـق بحـضور الأطراف أمام رئيس المحكمة وهو يبت الأمر بالصيغة التنفيذية. ففي الوقت الذي لا تبـت فيـه مؤسسة الرئاسة بالمحكمة التجارية بالدار البيضاء إلا في حضور الأطراف جميعها، تتغاضى هذه المؤسسة بالمحكمة التجارية بالرباط عن هذا الشرط تماما.
ثالثاً- حدود رقابة رئيس المحكمة في الأمر بتخويل الصيغة التنفيذية؟
لقد ضيق مشرع القانون 05-08 من الرقابة التي يمكـن أن يمارسها رئيس المحكمـة المختصة وهو في صدد الأمر بتخويل الصيغة التنفيذية إلى حد أنه تخلى عما كـان وارداً فـي القانون الملغي من أن رئيس المحكمة الابتدائية ملزم بالتأكد من أن حكم التحكـيم غيـر معيـب ببطلان يتعلق بالنظام العام وخاصة بخرق مقتضيات الفصل 306. رغم أنه غير مخول بالنظر في موضوع القضية، ورغم أن القانون الجديد لم يتضمن ذلك، إلا أن رقابة قاضـي الـصيغة التنفيذية لا يمكن أن تمتد إلى موضوع النزاع، بل تظل محصورة في الحد الأدنى الذي لا يمكـن التجاوز عنه من الناحية الشكلية دون أن تتجاوز ما هو من صميم النظام العام.
فأول ما يلتفت إليه قاضي الصيغة التنفيذية هو طبيعة النزاع ومـا إذا كـان يـدخل ف اختصاصه النوعي (نزاع تجاري أو مدني أو إداري) وهو الاختصاص الذي تحـدده القـوانين المنظمة لكل نوع من أنواع المحاكم، وكل ما يخرج عن اختصاص كل محكمة نوعية يبقى من اختصاص المحكمة الابتدائية العادية صاحبة الولاية العامة، خصوصاً وأنـه لا جـدال فـي أن الاختصاص النوعي في المغرب هو من النظام العام. فإذا تأكد من اختصاصه النـوعي بحـسب طبيعة النزاع، وجب عليه أن يتأكد من اختصاصه المكاني، وهو الاختصاص الذي تحدده المـادة 31-327 بدائرة المحكمة التي صدر فيها الحكم التحكيمي. وقد سبق لرئيس المحكمة التجاريـة بطنجة أن أصدر أمراً بعدم اختصاصه المكاني لتحويل حكم تحكيمي الصيغة التنفيذية فـي ظـل القانون 05-08 رغم عدم اختصاصه النوعي ما دام النزاع كان متصلا بعلاقة شغل.
بعد ذلك يجب عليه أن يبحث فيما إذا كان موضوع النزاع يقبل التحكيم كما كانت تنص عليه صراحة المادة 321 من فقرتها الثانية من النصوص الملغاة، فبحسب المواد من 308 إلـى 311 من القانون 05-08 تقبل التحكيم كل النزاعات المتعلقة بالحقوق التي يملك الأشخاص الطبيعيون أو المعنويون ذوو الأهلية الكاملة حرية التصرف فيها ما دام سببها مشروعاً، بما فيها النزاعـات الداخلية في الاختصاص النوعي للمحاكم التجارية ما عدا مساطر صعوبة المقاولة، والمنازعـات المتعلقة بحالة الأشخاص وأهليتهم وحقوقهم الشخصية التي لا يمكن أن تكون موضوع تجارة. غير أنه يجوز أن يكون موضوع تحكيم النزاعات المالية الناتجة من التصرفات الأحادية للدولة أو الجماعة المحلية وغيرها من الهيئات المتمتعة باختصاصات السلطة العمومية، وكذا النزاعـات المتعلقة بالعقود التي تبرمها الدولة أو الجماعات المحلية أو المقاولات العامة الخاضعة لقـانون الشركات التجارية. وحين ينظر رئيس المحكمة في هذه المسألة فإنه ينظر في صـحة اتفـاق التحكيم الذي يجب أن تودع نسخة منه أصل مع الحكم التحكيمي باعتبار أن أهم شروط صـحة اتفاق التحكيم أن يكون النزاع موضوعه قابلاً للتحكيم، بالإضافة إلى الشروط الأخرى التي يطلبها القانون لصحته، وهي: الكتابة التي وسع من معناها وجعلها تشمل العقد الرسمي أو العرفي أو أي محضر يحرر أمام الهيئة التحكيمية المختارة، كما اعتبر اتفاق التحكيم مبرما كتابة إذا ورد وثيقة موقعة من الأطراف أو في رسائل متبادلة أو اتصال بالتلكس أو برقيـات أو أيـة وسـيلة أخرى من وسائل الاتصال أو حتى بتبادل مذكرات الطلب أو الدفاع التي يدعي فيها أحد الطرفين بوجود اتفاق التحكيم دون أن ينازعه الطرف الآخر في ، وهو التوسع الذي دفع بالكثير إلى القول بأن كتابة اتفاق التحكيم في القانـون المغربـي هي شرط إثبات وليـسـت شـرط صـحة ووجود.
وإذا تعلق الأمر بشرط التحكيم فيجب على قاضي الصيغة التنفيذية أن يراقب مدى تعيينـه للمحكم أو المحكمين الذين سيتولون نظر النزاع أو على الأقل طريقة تعيينهم . أمـا إذا تعلـق الأمر بعقد تحكيم فيجب أن يراقب، بالإضافة إلى مسألة تعيين المحكمين تضمنه لتحديد موضوع النزاع وحتى تتم صحة العملية التحكيمية يجب أن يتوافر بين يدي قاضي الصيغة التنفيذيـة مـا يثبت موافقة المحكم أو المحكمين على المهمة المسند إليهم"، وذلك إما بواسطة محضر تـشكيل الهيئة التحكيمية أو بواسطة وثيقة التحكيم التي يوقعها الأطراف مع المحكمـين أو مـن خـلال توقيعهم حكم التحكيم، وهي الموافقة التي يترتب عليها ابتداء أجل التحكـيم نفـسـه كمـا جعلهـا المشرع شرطاً لصحة العملية التحكيمية من خلال عدم اعتبار تشكيل الهيئة التحكيميـة صـحيحاً وكاملا إلا إذا قبل المحكم أو المحكمون المعينون المهمة المعهود إليهم بها.
وبعد من صحة اتفاق التحكيم وعدم وجود ما يمكن أن يؤدي إلى بطلانه، ينتقل قاضي الصيغة التنفيذية إلى مراقبة الحكم التحكيمي نفسه من خلال العناصر الرئيسية التـي يجـب أن تتوافر فيه دون أن يدخل في الموضوع بأي شكل من الأشكال. فيجب أن يتأكد أنه أمـام حـكـم مكتوب باليد أو بالآلة الطابعة، ولا يمكن اعتبار الوسائل التي تحدث عنها المشرع وهـو يفـسر مفهوم الكتابة في اتفاق التحكيم صالحة لمفهوم الكتابة في الحكم التحكيمي، كما يجب أن يتأكـد القاضي من تضمنه للعناصر التالية: . - الإشارة إلى اتفاق التحكيم ومراجع العقد الواردة فيه سواء أكان شرطاً أو عقداً.
- عرض موجز لوقائع النزاع وهو ما يسمح بالتأكد مما إذا كان هذا النزاع قابلا للتحكيم أم لا، بمقتضى المواد من 308 إلى 311 من القانون رقم 05-08 المغربي، وكذلك لمعرفة مدى اختصاص المحكمة المعروض على رئيسها الأمر بالصيغة التنفيذية نوعياً. بحـسب المادة 31-327 من القانون 05-08 المغربي.
- إدعاءات الأطراف ودفوعاتهم للتأكد من احترام مبدأ مساواة الأطراف أمام العدالة. - الإشارة إلى المستندات التي أدلى بها الأطراف أثناء نظر النزاع.
- بيان النقط التي تم الفصل فيها للتأكد عند الحاجة من أن الهيئة التحكيمية قد فصلت في كل ما طلب منها وليس أكثر مما طلب منها.
- منطوق ما قضي به للتأكد من احترام مبدأ عدم جواز إنكار العدالة.
- أسماء المحكمين وجنسياتهم وصفاتهم وعناوينهم.
- تاريخ صدور الحكم لإمكان احتساب مختلف الآجال، الإيداع والتسليم للأطراف، الطعـن بالبطلان. - مكان صدور الحكم الذي قد يفيد في تحديد الطبيعة الداخلية أو الدولة للتحكيم بحسب المادة 40-327 من القانون 05-08 المغربي.
- الأسماء العائلية والشخصية للأطراف وعناوينهم.
- تحديد أتعاب المحكمين ونفقات التحكيم وكيفية توزيعها بين الأطراف، بحيث أنه إذا لم يتم الاتفاق بين الأطراف والمحكمين على تحديد أتعاب هؤلاء، فيجب تحديدها بقرار مـستقل من هيئة التحكيم، وهو القرار الذي يمكن الطعن فيه أمام رئيس المحكمة المختصة والذي هو قاضي الصيغة التنفيذية ويكون قراره بهذا الصدد نهائياً غير قابل لأي طعن.
- كما يجب أن يتضمن الحكم التحكيمي توقيعات المحكمين كلهم، وإذا رفض أحدهم التوقيع فيجب أن يشار إلى ذلك مع أسبابه في الحكم التحكيمي.
- كما يجب أن يكون الحكم التحكيمي معللاً، وما يراقب قاضي الصيغة التنفيذية هنـا هـو مجرد وجود التعليل دون الانتباه إلى مدى صحة هذا التعليل من عـدمها رغـم النقـاش القضائي والفقهي حول مدى إمكانية اعتبار فساد التعليل بمثابة انعدامـه، وفـي جميـع الأحوال فإن الأطراف يمكنهم الاتفاق على عدم ضرورة وجود التعليل من أساسه ويظـل الحكم التحكيمي صحيحاً، كما أنه إذا كان القانون الواجب التطبيق على مسطرة التحكـيم الذي اختاره الأطراف أو أدت إليه قواعد الإسناد أو اختاره المحكمون بحسب الأحوال لا يلزم بهذا التعليل فإن الحكم التحكيمي يظل صحيحاً بدونه ما عدا في الحالة التي يكـون فيها النزاع متعلقاً بأحد الأشخاص الخاضعين للقانون العام، ففي هذه الحالة يجب إن يكون الحكم التحكيمي بالضرورة معللاً رغم اتفاق الأطراف على عدم ضرورة التعليل، ورغم أن القانون الواجب التطبيق على مسطرة التحكيم لا يلزم بالتعليل.
على أن العناصر المذكورة سابقاً كلها تتفاوت في القيمة التي يعتبرها قاضي الصيغة التنفيذية لاتخاذ قراره بالأمر بهذه الصيغة من عدمه. فمثلاً لا يمكن أن نتصور أتفاق تحكـيـم شـفوياً وإن كان مسجلاً على آلة للتسجيل، كما لا يمكن أن نتصوره خالياً من أي إشارة إلى المحكمـين وإن كان بمجرد تحديد طريقة تعيينهم، وإذا تعلق الأمر بعقد تحكيم أبرم بعد نشأة النزاع فيجـب أن يتضمن ملخصاً لموضوع النزاع. كما لا يمكن تصور حكم تحكيمي لا يتضمن الحد الأدنى مـن المعلومات التي يتضمنها الحكم القضائي من أن يكون مكتوباً ومتـضمناً للمعلومـات الخاصـة بالأطراف والوقائع والمنطوق، أما العناصر الأخرى فإذا كان من الممكن أن تستفاد ضمنياً مـن الحكم نفسه أو أية وثيقة أخرى تكون مصاحبة له، فإن هذه الاستفادة يمكن أن تـؤدي الغـرض وتسمح بأن يتخذ رئيس المحكمة المختصة قراره بإعطاء الصيغة التنفيذية، وهو على بينـة مـن أمره.
وهكذا إذا توافرت العناصر الضرورية المذكورة أمكن لهذا الـرئيس أن يمـنـح الـصيغة التنفيذية لكي يمكن تنفيذ الحكم التحكيمي جبرياً، إذا اقتضى الحال، أما إذا غابت تلك العناصر أو أحدها أمكن لقاضي الصيغة التنفيذية أن يرفض منحها الحكم بشكل تلقائي أو بناء علـى طلـب الطرف الثاني، وفي هذه الحالة الأخيرة يمكن للطرف الذي صدر الحكم التحكيمي لـصالحه أن يطعن في رفض رئيس المحكمة منحه الصيغة التنفيذية، ولذلك أوجب القانون أن يكـون رفـض منح الصيغة التنفيذية معللاً دائماً.
رابعاً- مدى إمكانية الطعن في الأمر بالصيغة التنفيذية أو برفضها؟
الأصل أن الأمر بتخويل الصيغة التنفيذية يكون غير قابل للطعن، على عكس الأمر الذي يرفض الصيغة التنفيذية. لذلك لم يشترط المشرع أن يكون الأمر بتخويل الصيغة التنفيذية معللاً، بل ويمكن أن يوضح مباشرة على أصل الحكم التحكيمي دون الحاجة إلى حكم منفصل تتوافر فيه كل المواصفات المطلوبة لصحة الحكم الشكلية على عكس ما كان وارداً في النصوص الملغاة من إمكانية الطعن في الأمر بتخويل الصيغة التنفيذية بالاستئناف ضمن الإجراءات العادية خلال 30 يوماً من تبليغه ما لم يتخل الأطراف مقدماً عن هذا الطعن عند تعيين المحكمين أو بعد تعييـنـهم وقبل صدور حكمهم، ويقدم هذا الاستئناف أمام محكمة الاستئناف التي صدر الحكم في دائرتها. غير أنه إذا تم الطعن بالبطلان في الحكم التحكيمي بناء على أحد الأسباب الواردة في المادة 36- 327 أمام محكمة الاستئناف التي صدر في دائرتها خلال 15 يوماً مـن تـاريخ تبليغـه مـذيلاً بالصيغة التنفيذية، فإن هذا البطلان يفتح الباب الذي كان قد أغلق أمام الطعن في الأمر بالصيغة التنفيذية وذلك بقوة القانون في حدود النزاع المعروض على المحكمة. ولأنه يمكن الطعن فـي الحكم التحكيمي بمجرد صدوره وحتى قبل أن يصدر الأمر بتخويله الصيغة التنفيذية، فـإن هـذا الطعن يؤدي إلى رفع يد رئيس المحكمة المختص بتحويل الصيغة التنفيذية عن هذا الأمر وذلـك بشكل فوري.
أما الأمر الذي يرفض الصيغة التنفيذية، فيجب أن يكون معللاً تعليلاً صحيحاً لا يخرج عن غياب أحد الشروط المطلوبة لصحة اتفاق أو حكم التحكيم، وذلك لأنه على عكس الأمـر الـذي يخول الصيغة التنفيذية، يقبل الطعن بالاستئناف وفق القواعد العادية لهذا الأخير والـواردة فـي قانون المسطرة المدنية داخل 15 يوماً من تاريخ تبليغه، ويتم الطعن فيه أمام محكمة الموضـوع التي تنظر فيه بناء على طلب الأطراف من خلال مناقشة الأسباب التي كان بإمكانهم التمسك بها ضد الحكم التحكيمي عن طريق الطعن بالبطلان. وذلك لأن كل الأسباب التـي يمكـن علـى أساسها الطعن بالبطلان هي أصلا أسباب يمكن على أساسها رفض الصيغة التنفيذية إما تلقائياً أو بناء على طلب ذوي المصلحة رغم أن القضاء الفرنسي يشترط أن يكون السبب الذي يـدفـع بـه الطاعن سبق وتمت إثارته في المرحلة التحكيمية وإلا فإن الطعن سيكون مآله الرفض. وتبـت المحكمة هذا الطعن طبقاً لمسطرة الاستعجال، أما إذا كان رفض تخويل الصيغة التنفيذية قد صدر عن الرئيس الأول لمحكمة الاستئناف، فإن الطعن بالاستئناف في هذا الأمر سيتم أمام المحكمـة نفسها في الأجل نفسه وضمن الإجراءات نفسها وذلك رغم سكوت النص عن هذه الحالة.