الخدمات

ابواب التحكيم الرئيسية
  • متفرقات / قوانين التحكيم في الدول العربية / المجلات العلمية / مجلة التحكيم العالمية - العدد 8 / الدور الاستراتيجي والخلاق للقضاء في تحقيق فاعلية التحكيم في التشريع السوري

  • الاسم

    مجلة التحكيم العالمية - العدد 8
  • تاريخ النشر

  • عدد الصفحات

  • رقم الصفحة

    165

التفاصيل طباعة نسخ

   لا شـك أن للقضـاء دوراً مهماً للغاية في دعوى التحكيم سواء في سير إجراءات التحكيم أو فيما يتخذه من تدابير وقتيـة وحجـز تحفظـي وأيضـاً فـي اسـتدعاء الـشهود والإنابـة القضائية.

   إن قضاء الدولة يؤدي وظائف وأهدافاً متباينة في علاقته بقضاء التحكيم ويتجلى ذلك بشكل واضح من خلال تحقيق الفعالية القصوى للتحكيم سواء كان الأمر يتعلق بالتحكيم كاتفاق أو بالتحكيم كحكم.

ومن ناحية ثانية، فإن قضاء الدولة يؤدي دوراً آخر يتمثل في تقديم المعاونة والمساعدة للتحكيم وهو الأمر الذي يتجلى في صور عدة لعل من أبرزها الاعتراف لقضاء الدولة باتخاذ الإجراءات الوقتية والتحفظية، كذلك فإن قضاء الدولة يؤدي دوراً رقابياً إزاء حكم التحكيم من جهة ثالثة، وبالتأكيد فإن الهدف الرئيسي من هذه الرقابة هي تحقيق فعالية أفضل للتحكيم من خلال نوعين من الرقابة:

1- رقابة عند طلب تنفيذ حكم التحكيم إذ لا تعطى الصيغة التنفيذية لحكم التحكيم إلا بعد التأكد من تحقق شروط معينة في هذا الحكم.

2- الرقابة عند الطعن على حكم التحكيم.

   وسوف نعرض في هذه الدراسة بشيء من التفصيل لبعض صور تدخل القضاء وذلك على الشكل التالي:

المبحث الأول: دور القضاء في إجراءات التحكيم:

   نظراً لأن المحكم لا يتمتع بسلطة الإجبار التي يتمتع بها القاضي فإنه يضطر إلى اللجوء الى القضاء بهدف المساعدة على إجبار الخصوم على إتمام الإجراء المطلوب والانصياع لقرارات هيئة التحكيم ويتحقق ذلك من خلال الحالات التالية:

المطلب الأول: دور القضاء في تشكيل هيئة التحكيم:

   لقد بينت المادة /14/ من قانون التحكيم السوري الجديد حالات تدخل القضاء بسبب عدم اتفاق الطرفين على اختيار المحكمين أو على كيفية ووقت اختيارهم، وذلك وفق التالي:

1) حالة تشكيل هيئة التحكيم من محكم واحد: وإذا لم يتم الاتفاق على تسمية المحكم من قبل الطرفين فإنه يجـب أن يتقدم أحد طرفي التحكيم إلى المحكمة بطلب لتعيين المحكم الواحد.

2) حالة تشكيل هيئة التحكيم من ثلاثة محكمين أو أكثر: فإن محكمة الاستئناف تتدخل بالمساعدة على تعيين المحكمين فإذا لم يعين أحد الطرفين محكمه فيكون من حق محكمة الاستئناف تعيين هذا المحكم، وذلك بشرط أن يقوم أحد الطرفين بتعيين محكمه، ويخطر الطرف الآخر بضرورة تعيين محكمه ويمر ثلاثين يوماً من تاريخ تسلم هذا الأخير الإخطار دون أن يعين محكمه، وأن يتقدم أحد الطرفين إلى المحكمة بطلب لتعيين المحكم الآخر، وهذا الطلب يقدمه الطرف الذي عيّن محكمه.

   وإذا عين الطرفان محكميهما دون أن يتفق هذان المحكمان على اختيار المحكم الثالث فإن المحكمة تعين المحكم الثالث، وهو الذي يتولى رئاسة هيئة التحكيم. والمحكمة المختصة بتعيين المحكم الواحد، وتعيين المحكمين والمحكم الثالث أو المرجح في حالة تشكيل هيئة التحكيم من ثلاثة محكمين أو أكثر، هي المحكمة المشار إليها في المادة /3/ من قانون التحكيم و تنص في فقرتها الأولى على أنه: "يكون اختصاص النظر في مسائل التحكيم التي يشملها هذا القانون إلى محكمة الاستئناف التي يجري ضمن دائرتها التحكيم ما لم يتفق الطرفان على اختصاص محكمة استئناف أخرى في سورية".

    وعلى المحكمة المختصة أن تراعي عند تعيين المحكم الشروط التي يتطلبها هذا القانون وتلك التي اتفق عليها الطرفان، وتصدر قرارها بالتعيين على وجه السرعة في غرفة المذاكرة بعد دعوة الطرفين (الفقرة /3/ من المادة /14/ تحكيم).

   وكذلك يكون للمحكمة حق اتخاذ أي إجراء كان يجب على الطرفين أو على الغير اتخاذه بشأن اختيار المحكمين، ولكنه لم يتخذ بسبب عدم اتفاق الطرفين وتخلف الغير عن اتخاذه (الفقرة /4/ من المادة 14 تحكيم).

   وفيما يتعلق بالطعن في القرار الصادر عن محكمة الاستئناف في الحالات المشار إليها فإن القرار الصادر وفقاً لأحكام هذه المادة لا يقبل الطعن بأي طريق من طرق الطعن، ويقبل القرار الصادر برد طلب التعيين الطعن أمام محكمة النقض خلال مدة ثلاثين يوماً التالية لتبليغ القرار وتبت المحكمة الطعن خلال مدة ثلاثين يوماً من تاريخ وصول الملف إليها (الفقرة /5/ من المادة /14/ تحكيم).

   وبذلك نجد أن المشرع كان موفقاً بوضع ضوابط لآلية تعيين المحكمين في حال عدم اتفاق أطراف التحكيم وكذلك بالنسبة إلى الطعن بالقرار الصادر عن المحكمة والهدف الأساسي من ذلك ينصب في تحقيق سرعة بت قضايا التحكيم.

المطلب الثاني: دور القضاء الوطني في رد المحكم:

   تنص المادة 17/1 من قانون التحكيم على أنه: "يكون قبول المحكم لمهمته كتابة بتوقيعه على اتفاق التحكيم أو بتوقيعه على وثيقة مستقلة تثبت قبوله أو على محضر جلسة التحكيم، ويجب عليه أن يفصح لطرفي التحكيم وللمحكمين الآخرين عن أية ظروف من شأنها أن تثير شكوكاً حول استقلاله أو حيدته سواء أكانت هذه الظروف قائمة عند قبوله لمهمته أم استجدت أثناء إجراءات التحكيم .....".

   وجاءت المادة 18/1 بالنص على أنه: "لا يجوز رد المحكم إلا للأسباب التي يرد بها القاضي، وإذا فقد أحد شروط صلاحيته المنصوص عليها في هذا القانون.

   يقـدم طلـب الـرد كتابـة إلى المحكمة المعرفة في المادة /3/ من هـذا القـانون مرفقة به الأوراق المؤيدة له خلال مـدة (15) يوماً من تاريخ علم طالب الرد بالأسباب المبررة للرد.

1- تنظر المحكمة المذكورة بطلب الرد في غرفة المذاكرة، وتفصل فيه بقرار مبرم بعد سماع المحكم المطلوب رده.

2- يترتب على تقديم طلب الرد وقف إجراءات التحكيم وتعليق مدته إلى حين صدور القرار برفض طلب الرد أو إلى حين قبول المحكم البديل مهمته التحكيمية.

3- لا يقبل طلب الرد ممن سبق له تقديم طلب رد المحكم نفسه في ذات التحكيم و للسبب ذاته.

4- إذا حكم برد المحكم ترتب على ذلك اعتبار ما يكون قد تم من إجراءات بما في ذلك حكم التحكيم كأن لم يكن، من تاريخ قيام سبب الرد.

   والواقع أن رد أحد المحكمين وتعيين بديل له يؤدي إلى إعادة تشكيل هيئة التحكيم وإعادة الإجراءات من جديد وذلك من أجل تلافي الأثر الذي أحدثه المحكم الذي تقرر رده على واقع القضية التحكيمية.

المطلب الثالث: دور القضاء الوطني في عزل المحكم:

   تنص المادة /20/ من قانون التحكيم السوري رقم /4/ لعام 2008 على أنه: "إذا أصبح المحكم غير قادر بحكم القانون أو بحكم الواقع على أداء مهمته أو تخلف أو انقطع عن القيام بها بعد قبولها أكثر من /30/ يوماً، وجب عليه التنحي وإلا كان عرضة للعزل، وفي هذه الحالة يتم العزل إذا لم يتفق الطرفان على عزله بقرار مبرم من المحكمة المعرفة في المادة /3/ من هذا القانون تتخذه في غرفة المذاكرة بناء على طلب أحد الطرفين.

   ويستفاد من هذا النص أن للقضاء السوري دوراً في إنهاء مهمة المحكم الذي يتخلف عن أداء مهمته في حالات عديدة منها لأسباب قانونية كفقده للأهلية، اتخاذ قرار بالحجر عليه، أو حرمانه من مباشرة الحقوق المدنية بسبب الحكم عليه في جناية، أو جنحة مخلة بالشرف أو لشهر إفلاسه وعدم رد اعتباره وقد يتعذر عليه الاستمرار في مهمته لأسباب واقعية مثل الوفاة أو المرض العضال... وقد يمتنع المحكم عن أداء مهمته بإرادته وذلك بالتوقف عن أداء مهمته بصورة كاملة، أو بصـورة متقطعة مما يترتب عليه التأخير في إجراءات التحكيم من غير مبرر.

   وحتى يتسنى للقضاء السوري من خلال المحكمة المختصة والمشار إليها في المادة /3/ من قانون التحكيم إنهاء مهمة هذا الحكم لا بد من عدم اتفاق طرفي التحكيم على عزله، وأن يتقدم أحد الطرفين بطلب عزل المحكم الممتنع إلى محكمة الاستئناف والتي يجب أن تتحقق من توافر إحدى الحالات التي يجيز لها عزل المحكم. والقرار الذي يصدر قرار مبرم يتخذ في غرفة المذاكرة، وضمن هذا الإطار لابد من التنويه إلى أن المشرع السوري رتب المسؤولية على المحكم الذي يتخلى عن مهمته دون مبرر، فقد نصت الفقرة الثانية من المادة /17/ من قانون التحكيم على التالي: "لا يجوز للمحكم بعد قبول المهمة التخلي عنها دون مبرر، وإلا كان مسؤولاً عما قد يسببه من ضرر لطرفي التحكيم أو لأي منهما".

   وبهذا النص امتاز المشرع السوري عن كثير من القوانين المماثلة في غالبية الدول ولا شك أن تحديد المسؤولية وتقدير الضرر يعود إلى القضاء المختص، وإن هذا النص الذي جاءت به الفقرة الثانية من المادة /17/ يمثل عملاً رادعاً لكل حالات التخلي عن المهمة التحكيمية بعد قبولها والتي يمكن أن يقوم بها المحكم بدون مبرر، والهدف من كل ذلك الحد من عرقلة مسيرة الدعوى التحكيمية ووضع ضوابط لها لتجنب إطالة أمد الخصومة التحكيمية.

المطلب الرابع: دور القضاء في حال عدم صدور حكم التحكيم في المدة المحددة:  

   تنص المادة /37/ فقرة /1/ من قانون التحكيم السوري على التالي:

   "على هيئة التحكيم إصدار الحكم الفاصل في النزاع خلال المدة التي اتفق عليها الطرفان، فإذا لم يوجد اتفاق وجب أن يصدر الحكم خلال مدة /180/ يوماً من تاريخ انعقاد أول جلسة لهيئة التحكيم".

   وجاء في الفقرة الثانية من ذات المادة أنه "يجوز لهيئة التحكيم إذا تعذر عليها الفصل في النزاع ضمن الآجال المذكورة في الفقرة السابقة، من أجل التحكيم لمدة لا تزيد على /90/ يوماً ولمرة واحدة".

    وتنص الفقرة الثالثة من المادة /37/ أنه "إذا لم يصدر حكم التحكيم خلال الميعاد المشار إليه في الفقرتين السابقتين جاز لكل طرف من طرفي التحكيم أن يطلب من المحكمة المعرفة في المادة /3/ من هذا القانون خلال /10/ أيام من انتهاء هذا الميعاد مد أجل التحكيم لمدة إضافية لا تتجاوز/90/ يوماً ولمرة واحدة، وفي هذه الحالة يتم التمديد أو رد طلبه بقرار مبرم تصدره المحكمة في غرفة المذاكرة بعد دعوة الخصوم".

  ونصت الفقرة الرابعة على أنه "في حال انتهاء أجل التحكيم وفق ما جاء في الفقرات السابقة دون صدور حكم التحكيم، كان لأي طرف من طرفي التحكيم رفع دعواه إلى المحكمة المختصة أصلاً بنظر النزاع ما لم يتفق الطرفان على التحكيم مجددا".

   ويستفاد من هذا النص أنه إذا انتهت مدة التحكيم القانونية أو الاتفاقية دون أن يصدر حكم منه للخصومة كلها فإنه يجوز لأي من طرفي التحكيم أن يلجأ إلى المحكمة المختصة ويطلب منها أن تصدر قراراً بتحديد ميعاد إضافي لمدة /90/ يوماً ولمرة واحدة والقرار يصدر مبرماً في غرفة المذاكرة.

   وقد جاءت الفقرة الخامسة من المادة /37/ لتعطي المتضرر من أطراف التحكيم الحق في مراجعة القضاء المختص لمطالبة هيئة التحكيم بالتعويض لعدم بت القضية التحكيمية بدون عذر مقبول حيث نصت هذه الفقرة على أنه "إذا انقضت آجال التحكيم ولم تفصل هيئة التحكيم في النزاع بدون عذر مقبول كان للمتضرر من أطراف التحكيم مراجعة القضاء لمطالبتها بالتعويض".

   والواقع أن الحق في التعويض عند ثبوت تقصير هيئة التحكيم الذي اتاحه المشرع السوري للطرف المتضرر انفرد به القانون السوري وعزز فيه العوامل الايجابية للتحكيم.

المبحث الثاني: دور القضاء في التدابير المؤقتة والحجز الاحتياطي:

   قد تطرأ أثناء النظر في دعوى قضائية أو بمناسبتها، الحاجة إلى اتخاذ تدابير وقتية أو تحفظية تتصف بطبيعتها بطابع العجلة ولا يمكنها أن تنتظر انتهاء دعوى الأساس لأجل اتخاذها تحت طائلة فقدان أية فعالية لحكم الأساس، فيتم اللجوء إلى القاضي المختص بالنظر وهو عادة قاضي الأمور المستعجلة وأحياناً رئيس دائرة التنفيذ.

   وقد تقتضي طبيعة وظروف النزاع المطروح على هيئة التحكيم اتخاذ بعض الإجراءات الوقتية أو التحفظية سواء أكان ذلك قبل انعقاد هيئة التحكيم أو أثناء سير خصومة التحكيم، ومثال هذه الإجراءات سماع شاهد على وشك الموت أو فرض حراسة قضائية أو بيع الأموال القابلة .".....

   وقد عالجت المادة /38/ من قانون التحكيم موضوع اتخاذ التدابير المؤقتة والتحفظية وسوف نتناول هذا الأمر بالتفصيل، ولكن قبل ذلك لابد من التوضيح أن الإجراءات الوقتية والتحفظية تتسم بالخصائص التالية:

 1- الطابع التبعي لهذه الإجراءات حيث لا توجد إلا بصدد نزاع موجود أو سيوجد حول الموضوع الأصلي الذي اتفق بشأنه على التحكيم.

2- إجراءات تتسم بالطابع الوقتي وبالتالي فهي ليست حاسمة أو قاطعة حيث أن بقاءها متوقف على بقاء الخصومة الأصلية ولا تتمتع بأي حجية أمام قاضي الموضوع.

3- رغم ارتباطها بالدعوى الأصلية، إلا أنها لا تهدف إلى حل النزاع مباشرة، بل تهدف إلى تسهيل تحقق غرض الخصومة الأصلية وهو إصدار الحكم وضمان تنفيذه مستقبلاً، ولذا فإن إجراءات إصدارها مختلفة عن الإجراءات التي تتم أثناء نظر موضوع النزاع.

المطلب الأول: التدابير الوقتية:

   تنص الفقرة الخامسة من المادة /38/ من قانون التحكيم على أنه: "يجوز لهيئة التحكيم أن تصدر أحكاما وقتية أو في جزء من الطلبات و ذلك قبل إصدار الحكم النهائي".

   كما تنص الفقرة السادسة من المادة نفسها على انه "يحق لأي من طرفي التحكيم مراجعة قاضي الأمور المستعجلة سواء قبل بدء إجراءات التحكيم أو أثناء سيرها لاتخاذ إجراء تحفظي وفقاً للأحكام المنصوص عليها في قانون أصول المحاكمات".

   ولا يجوز التظلم من القرار الوقتي الصادر من هيئة التحكيم على نحو ما هو متبع بالنسبة الى القرارات الوقتية التي تصدر عن القضاء، حيث أن قانون التحكيم لم ينص صراحة أو ضمناً على جواز الطعن في القرار الصادر ولم ينص إلا على جواز رفع دعوى ببطلان حكم التحكيم باعتبار أن حكم التحكيم هو حكم منه للخصومة و تلك القرارات الوقتية ليست منهية للخصومة.

   وإذا كان المشرع السوري قد أجاز في الفقرة الخامسة من المادة /38/ على أنه لهيئة التحكيم أن تصدر أحكاماً وقتية أو في جزء من الطلبات قبل الحكم النهائي فإن المشرع في الفقرة السادسة منح الحق لأي من طرفي التحكيم في مراجعة قاضي الأمور المستعجلة، وبذلك فإنه بموجب هاتين الفقرتين من المادة /38/ قد تقرر نوع من الاختصاص المشترك بين التحكيم والقضاء بشأن التدابير الوقتية والتحفظية. ولا بد من الإشارة إلى أن اختصاص القضاء ينحسر في المسائل المستعجلة إذا اتفق الطرفان في اتفاق التحكيم على قصر الاختصاص بتلك المسائل على التحكيم وحده دون القضاء، ولجوء أحد الأطراف إلى القضاء لا يؤثر على سير الإجراءات الخاصة بالتحكيم ولا يعتبر مناقضاً لاتفاق التحكيم وتقديم الطلب إلى السلطة القضائية لاتخاذ الإجراءات الوقتية والتحفظية لا يعد تنازلا عن التمسك بالتحكيم أو نظر المحكمة في أساس الموضوع.

المطلب الثاني: الحجز التحفظي:

لقد عالجت المادة 38/6 من قانون التحكيم مسألة الإجراءات التحفظية كما سبق أن ذكرنا، ويحكم رئيس محكمة البداية في الأمور المستعجلة في المسائل التي يخشى عليها من فوات الوقت المادة "78/4" من قانون أصول المحاكمات المدنية.

   ويلحظ القانون السوري عدة أنواع من التدابير الوقتية والتحفظية التي يجوز لقاضي الأمور المستعجلة أو لرئيس دائرة التنفيذ اتخاذها وهذه الأنواع يمكن تحديدها كالتالي: 1- التدابير التحفظية التي من شأنها حفظ الحقوق أو الأوضاع القانونية، والأمثلة على ذلك "جرد الموجودات وفرض الحراسة القضائية وبيع الأموال القابلة للتلف وكذلك التدابير الآيلة إلى إزالة التعدي الواقع على الحقوق ......." وبصورة عامة هذه التدابير تهدف إلى تلافي حصول ظرف نهائي وغير قابل للتعويض.

2- التدابير التحفظية التي من شأنها الحفاظ على وسائل الإثبات وإلزام تقديمها بموجب أحكام القانون السوري الذي، يعود الى قاضي الأمور المستعجلة صلاحية تمكين أحد المتقاضين من الاستحصال أو المحافظة على وسائل إثبات يخشى ضياعها فالمادة 78/6 من قانون أصول المحاكمات المدنية تجيز لقاضي الأمور المستعجلة أن يقرر بناء على الطلب المقدم إليه وقبل دعوة الخصوم إجراء معاينة أو خبرة فنية وذلك في حال العجلة الزائدة ووفق المادة 34/3 من قانون التحكيم فإن هيئة التحكيم ترجع إلى المحكمة المعرفة في المادة /3/ من هذا القانون للحكم بتكليف الغير بإبراز مستند في حوزته يعتبر ضرورياً للحكم في النزاع.

3- التدابير التحفظية التي من شأنها تجميد الأموال تحضيراً للتنفيذ عليها: يجيز القانون السوري (المادة 212 أصول محاكمات مدنية) للدائن أن يوقع حجزاً احتياطياً على أموال مدينه المنقولة والغير المنقولة في الحالة التي يكون فيها الحق موضوع النزاع محتمل الوجود.

4- إذا تعلق النزاع بحق عيني على عقار حيث جاء في القانون السوري على أنه "إذا تعلق النزاع بحق عيني على عقار وجب وضع إشارة الدعوى على صحيفة العقار بقرار تتخذه في غرفة المذاكرة المحكمة التي يعقد لها الاختصاص وفقاً للفقرة الأولى من هذه المادة".

 

المبحث الثالث: دور القضاء في استدعاء الشهود والأمر بالإنابة القضائية:

أولا- استدعاء الشهود:

   لما كان المحكم لا يعدو أن يكون في حقيقة الأمر سوى شخص عادي لا يملك سلطة القاضي لإجبار الغير على الانصياع إلى ما تتطلبه الخصومة التحكيمية من قواعد إثبات ومنها استدعاء شاهد للحضور لسماع شهادته أمام هيئة التحكيم بالوسائل التي تساعده على إجباره على الحضور أو عند امتناعه عن الإجابة، وكذلك إلزام شخص من الغير بتقديم مستند منتج في الدعوى التحكيمية وضروري لبتها وما قد يتطلبه الأمر من الالتجاء إلى الإنابة القضائية في بعض المسائل التي يتعذر على هيئة التحكيم مباشرتها.

   وتنص المادة /22/ من قانون التحكيم على التالي:

1- مع مراعاة أحكام هذا القانون، لطرفي التحكيم الاتفاق على الإجراءات التي يتعين على هيئة التحكيم إتباعها بما في ذلك حقهما في إخضاع هذه الإجراءات للقواعد النافذة في أي منظمة أو مركز دائم للتحكيم في سوريا أو خارجها.

2- فإذا لم يوجد مثل هذا الاتفاق كان لهيئة التحكيم مع مراعاة أحكام هذا القانون أن تختار إجراءات التحكيم التي تراها مناسبة.

   يستفاد من النص السابق أن المشرع السوري أجاز لهيئة التحكيم أن تختار إجراءات التحكيم التي تراها ملائمة.

   ونظراً إلى أن هيئة التحكيم لا تتمتع بسلطة الإجبار والإلزام التي يتمتع بها القضاء فقد أجاز قانون التحكيم السوري لهيئة التحكيم أن تلجأ إلى القضاء لاتخاذ إجراءات الإثبات المناسبة، ولكن مع هذه السلطات الواسعة التي منحها قانون التحكيم الجديد لهيئة التحكيم في مسائل الإثبات عملاً بالمادة /22/ إلا أنه في مسألة الطعن بالتزوير فقد جعل هذه المسألة من اختصاص القضاء السوري عملاً بأحكام المادة /40/ من قانون التحكيم والتي نصت على التالي:

   "إذا عرضت خلال إجراءات التحكيم مسألة تخرج عن ولاية هيئة التحكيم أو طعن بالتزوير في وثيقة قدمت لها جاز لها وقف الإجراءات إذا كان الفصل في النزاع يتوقف على بت هذه المسألة أو صحة الوثيقة".

   وضمن هذا الإطار اعترف المشرع الفرنسي لهيئة التحكيم بسلطة الفصل في دعوى التزوير وتحقيق الخطوط، وإننا نؤيد توجه المشرع الفرنسي بهذا الصدد لأن من شأن ذلك سرعة بت القضايا التحكيمية.

   ولهيئة التحكيم أن تستمع إلى الشهود للوصول إلى الوقائع الحقيقية وبالتالي فإنه يجوز لها اللجوء إلى القضاء ليلزم الشهود بالحضور.

   وقد نصت المادة /33/ من قانون التحكيم السوري على أنه "ترجع هيئة التحكيم إلى المحكمة المعرفة بالمادة /3/ من هذا القانون لإجراء ما يلي:

"1- الحكم على من يتخلف من الشهود عن الحضور أو يمتنع بدون عذر قانوني عن الإجابة بالجزاءات والغرامات المقررة قانوناً ....".

ثانياً- الإنابة القضائية:

   وهي عمل بموجبه تفوض محكمة محكمة أخرى للقيام مكانها وفي دائرة اختصاصها بأحد أو بعض إجراءات التحقيق أو الإجراءات القضائية الأخرى التي يقتضيها الفصل في الدعوى المرفوعة أمامها والتي تعذر عليها مباشرتها بنفسها بسبب المسافة أو أي مانع آخر كأن يكون المال المراد معاينته في مكان بعيد عن مقر المحكمة المنيبة.

   وعملاً بالمادة /33/ من قانون التحكيم فإن هيئة التحكيم ليس من سلطتها أن تنيب عنها في اتخاذ إجراء قضائي معين، ولكنها تطلب من المحكمة المختصة إصدار الأمر بالإنابة إلى أي محكمة أخرى لتقوم بالإجراء نيابة عنها، فالمحكمة المختصة والمشار إليها في المادة /3/ من هذا القانون هي المحكمة المنيبة والمحكمة التي يوجه إليها أمر الإنابة هي المحكمة المنابة.

   ولا شك أن طلب هيئة التحكيم الإنابة القضائية يعد نوعاً من المساعدة التي يقدمها القضاء في الدولة لنظام التحكيم كما يؤكد أهمية القضاء الوطني.

   وأخيراً فإننا نطمح أن يبقى هدف القضاء هو تحقيق الفعالية القصوى لقضاء التحكيم من خلال دعم التعاون بين قضاء الدولة وقضاء التحكيم كما هو الحال بالنسبة الى اتخاذ الإجراءات الوقتية والتحفظية من قبل قضاء الدولة وفي المسائل المتصلة بتشكيل هيئة التحكيم وأيضاً من خلال الرقابة على حكم التحكيم سواء أكان الأمر يتعلق بالرقابة من خلال الطعن بالبطلان أو إكساء صيغة التنفيذ، وهو دور هام للقضاء السوري لنا كل الثقة في قدرته على إنجازه بشكل كامل.

المبحث الرابع: دور القضاء في إبطال حكم التحكيم:

   تنفق الكثير من القوانين، على أن حكم التحكيم النهائي هو مبرم وغير قابل لأي طريق من طرق الطعن العادية، حيث تنص المادة /49/ من قانون التحكيم السوري على أنه: "لا تصدر أحكام التحكيم طبقاً لأحكام هذا القانون مبرمة غير خاضعة لأي طريق من طرق الطعن".

   وبذات التوجه المادتان /52 و 55/ من القانون المصري والعماني والمادتان /48 و 52/ من القانون الأردني، وبالمقابل تنفق هذه القوانين على طريق استثنائي للطعن بالحكم وهو ما يطلق عليه دعوى بطلان الحكم وهو هنا بطلان وليس استئنافا للحكم.

   وقد نصت المادة /50/ من قانون التحكيم السوري على التالي:

 "1-) لا تقبل دعوى بطلان حكم التحكيم إلا في الحالات التالية:

أ- إذا لم يوجد اتفاق تحكيمي، أو كان هذا الاتفاق باطلاً أو سقط بانتهاء مدته.

ب- إذا كان أحد طرفي اتفاق التحكيم وقت إبرامه فاقداً الأهلية أو ناقصها وفقاً للقانون الذي يحكم أهليته.

ج- إذا تعذر على أحد طرفي التحكيم تقديم دفاعه بسبب عدم إعلانه إعلاناً صحيحاً بتعيين محكم أو بإجراءات التحكيم أو لأي سبب آخر خارج عن إرادته.

د - إذا استبعد حكم التحكيم تطبيق القانون الذي اتفق الأطراف على تطبيقه على موضوع النزاع.

هـ- إذا تم تشكيل هيئة التحكيم أو تعيين المحكمين على وجه مخالف لهذا القانون أو لاتفاق الطرفين.

و- إذا فصل حكم التحكيم في مسائل لا يشملها اتفاق التحكيم أو جاوز حدود هذا الاتفاق ومع ذلك إذا أمكن فصل أجزاء الحكم الخاصة بالمسائل الخاضعة للتحكيم عن أجزائه الخاصة بالمسائل غير الخاضعة له فلا يقع البطلان إلا على الأجزاء الأخيرة وحدها.

ز- إذا وقع بطلان في حكم التحكيم أو إذا كانت إجراءات التحكيم باطلة بطلاناً أثر في الحكم.

2- تقضي المحكمة التي تنظر دعوى البطلان من تلقاء نفسها ببطلان حكم التحكيم إذا تضمن ما يخالف النظام العام في الجمهورية العربية السورية".

   وحالات البطلان منصوص عليها في المادة /53/ من كل من القانون المصري والعماني، والمادة /49/ من قانون التحكيم الأردني.

   والخصومة هنا موجهة من أحد طرفي النزاع وهو الطرف الخاسر للدعوى بشكل كامل أو بشكل جزئي ضد الطرف الآخر ويستوي أن يصف الطاعن نفسه بالمستدعي أو بطالب الطعن أو غير ذلك، أو يصف الطرف الآخر بالخصم بدعوى البطلان أو المستدعي ضده أو غير ذلك، أو يصف موضوع الدعوى بأنه الطعن بحكم التحكيم أو بطلانه مادام أنه من الواضح أن أسباب الطعن هي الأسباب المنصوص عليها في القانون.

   وحالات الطعن بالبطلان هي حالات محددة على سبيل الحصر، فلا يجوز القياس عليها وتبقى دعوى البطلان جائزة حتى لو اتفق طرفا النزاع قبل صدور الحكم على غير ذلك، أي على أن الحكم الذي سيصدر هو حكم قطعي غير قابل لأي طريق من طرق الطعن (المادة 54 مصري وعماني والمادة 50 أردني)، وهذا ما نصت عليه المادة 51/1 من قانون التحكيم السوري، ولكن يفهم من هذه النصوص بمفهوم المخالفة ان اتفاق الأطراف بعد صدور الحكم على عدم الطعن فيه هو اتفاق جائز ويعمل به، مما يحول دون الطعن بالحكم عن طريق دعوى البطلان.

   ولكن إذا كان الحكم مخالفا للنظام العام فإنه يتوجب على المحكمة المختصة وفق القانون السوري المادة 50/1 المنوه عنها أعلاه، والقانون الأردني، أو رئيس المحكمة حسب القانونين المصري والعماني عدم تنفيذ الحكم (المادتان 53/2 58/2 مصري وعماني والمادة 49/ب و54 أردني).

   ومن حيث مدة الطعن تتفق القوانين على تحديد مدة للطعن بحكم التحكيم فإذا رفعت دعوى البطلان بعد تلك المدة ترد الدعوى شكلاً وهي مسألة من النظام العام، ويجوز لمحكمة أن تثيرها من تلقاء نفسها حتى لو لم يثرها الطرف المطعون ضده، ولكن قوانين هذه الدول تختلف من حيث تحديد مدة الطعن، ففي حين أن القانون السوري حدد المدة بثلاثين يوماً التالية لتبليغ الحكم المادة 51/1 وفي ذات التوجه ذهب المشرع الأردني /المادة 50 أردني/ فيما ينص كل من القانون المصري والعماني على أن هذه المدة هي تسعون يوما من ذلك التاريخ /المادتان 54 مصري وعماني/.

    وتتفق قوانين التحكيم في غالبية الدول العربية على تقسيم أسباب البطلان إلى قسمين:

1- أسباب لا بد أن يثيرها الطاعن حتى تتصدى لها المحكمة.

2- أسباب تثيرها المحكمة من تلقاء نفسها ولو لم يتمسك بها الطاعن.

   المادة /50/ من القانون السوري، والمادة /53/ من القانون المصري والعماني، والمادة /49/ من القانون الأردني، وفيما عدا حالة واحدة فإن جميع الأسباب تدخل ضمن القسم الأول في حين تقع هذه الحالة ضمن القسم الثاني.

   وهذه الحالة هي مخالفة النظام العام يدخل ضمنها كون موضوع النزاع من المسائل التي لا يجوز التحكيم فيها.

   ويكون الحق في رفع دعوى بطلان حكم التحكيم لكل ذي مصلحة من طرفي التحكيم.

   وسلطة المحكمة المختصة (محكمة الاستئناف) عند تدقيقها للطعن بالبطلان في حكم التحكيم ينحصر دورها إما في القضاء ببطلانه إذا ما توافرت الحالات الواردة على سبيل الحصر في المادة /50/ تحكيم سوري والمادة /53/ تحكيم مصري وعماني والمادة /49/ تحكيم أردني، أو تقضي برفض دعوى البطلان و ليس لها أن تتصدى لحكم التحكيم من حيث الموضوع أو من الناحية القانونية، وذلك عكس توجه القضاء الفرنسي الذي يملك الحق وفق المادة /1485/من قانون المرافعات الفرنسي الجديد من التعرض لموضوع النزاع والحكم به، ونرى أن هذا التوجه أقرب للعدالة لأنه يحقق السرعة في بت النزاع، ويتجنب إطالة أمد التقاضي ويوفر النفقات.

   وفيما يتعلق بالأثر المترتب على رفع دعوى البطلان فإن المادة /55/ نصت على أنه: "لا يترتب على رفع دعوى البطلان وقف تنفيذ حكم التحكيم ومع ذلك يجوز للمحكمة أن تقرر في غرفة المذاكرة وقف التنفيذ لمدة أقصاها ستون يوماً إذا طلب المدعي ذلك في صحيفة الدعوى وكان يخشى من التنفيذ وقوع ضرر جسيم يتعذر تداركه ويجوز للمحكمة أن تلزم المدعي بتقديم مگر كفالة مالية تضمن لخصمه أضرار وقف التنفيذ إذا قضت برد الدعوى".

   وتلتقي هذه المادة من حيث المضمون مع المادة /57/ تحكيم مصري.

   وتفصل محكمة الاستئناف بدعوى البطلان خلال مدة تسعين يومـاً مـن تـاريخ اكتمـال الخصومة، المادة 51/3 تحكيم سوري، وبالنسبة الى جواز الطعن في الحكم الصادر في دعـوى البطلان فيشير إلى ثلاث حالات:

   الحالة الأولى: إذا تم الطعن ببطلان حكم التحكيم ولكن المحكمة ردت الدعوى وقررت المصادقة على الحكم فإن القرار حسب القانونين السوري والأردني هو قرار قطعي لا يقبل الطعن وذلك بخلاف ما إذا قررت المحكمة قبول الدعوى وبالتالي بطلان الحكم في هذه الحالة يكون قرارها قابلاً للطعن أمام محكمة النقض خلال ثلاثين يوماً من اليوم التالي لتبليغ الحكم.

   وقد نصت المادة 51/4 على انه إذا قررت المحكمة رد دعوى البطلان فإن قرارها يقوم مقام إكساء حكم المحكمين صيغة التنفيذ.

   كما نصت المادة 52 من قانون التحكيم السوري الجديد على التالي:

1- يقبل قرار المحكمة بإبطال حكم التحكيم الطعن أمام محكمة النقض خلال مدة 30 يوماً التالية لتبليغ الحكم.

2- تبت محكمة النقض الطعن في القرار الصادر بإبطال حكم التحكيم خلال مدة 90 يوماً من تاريخ وصول ملف الدعوى إليها.

   الحالة الثانية: أنه لا يجوز إكساء حكم المحكمين صيغة التنفيذ إذا كان حكم التحكيم مخالفاً للنظام العام أو لم يتم تبليغه صحيحاً للمحكوم عليه.

   الحالة الثالثة: إذا كان حكم التحكيم في جزء منه باطلاً وفي الجزء الآخر صحيحاً وأمكن فصل الجزأين عن بعضهما فلا يقع البطلان إلا على الجزء الباطل في حين يحكم بصحة الجزء الآخر وبتنفيذه وهذه الحالة نصت عليها الفقرة /15/و من المادة /50/ من قانون التحكيم السوري (والمادة 53/1/و) مصري وعماني والمادة 49/ا/6 أردني فإذا كان بالإمكان فصل الجزأين بعضهما فلا يقع البطلان إلا على الشق الأول من الحكم بحيث يطبق على مختلف حالات البطلان متى كان ذلك ممكناً أن يكون الحكم باطلاً بسبب مخالفة النظام العام ولكن البطلان متعلق بجزء من النزاع دون الجزء الآخر.