الخدمات

ابواب التحكيم الرئيسية
  • متفرقات / قوانين التحكيم في الدول العربية / المجلات العلمية / مجلة التحكيم العالمية - العدد 8 / دراسة عن قانون التوفيق والتحكيم في ليبيا

  • الاسم

    مجلة التحكيم العالمية - العدد 8
  • تاريخ النشر

  • عدد الصفحات

  • رقم الصفحة

    157

التفاصيل طباعة نسخ

المستحدث في قانون التوفيق والتحكيم

   اهتم المشرع الليبي بمؤسسة التوفيق منذ عام 1975 حيث أصدر القانون رقم (74) لسنة 1975 في شأن ممارسة اللجان الشعبية لاختصاص التوفيق والتحكيم بين المواطنين. وحدد المشرع غاية التوفيق: انهاء المنازعات ودياً بين ذوي الشأن. ويظهر من قراءة نصوص القانون المشار اليه ان التوفيق هو الوسيلة المستهدفة بالتنظيم: فمن جهة ان المشرع علق قبول الدعاوى التي تدخل في اختصاص المحكمة الجزئية والمحكمة الابتدائية في المواد المدنية والتجارية وتلك المتصلة بالنفقات الشرعية، على عرض النزاع موضوع الدعوى على اللجنة الشعبية المختصة لمحاولة انهائه ودياً (مادة 8/1 معدلة بالقانون رقم (4) لسنة 1979). ومن ناحية ثانية ان التحكيم، كما هي القاعدة، ليس اجبارياً، بل متروك لتقدير المواطنين الذين يقبلون أن تقوم اللجنة بدور المحكم.

   وتميز القانون المذكور بأن نطاق تطبيقه من حيث الاشخاص جاء قاصراً: فهو لا يشمل الأجانب كما هو واضح من تسمية القانون. وهو يقتصر على الاشخاص الطبيعيين، فالعرض لا يكون اجبارياً عندما يكون النزاع بين اشخاص معنوية، أو اذا كان أحد الاطراف شخصاً اعتبارياً.

   وفي حالة وصول اللجنة إلى تسوية، يحرر محضر الصلح بما إنتهى اليه الاتفاق يوقعه اطراف النزاع ورئيس اللجنة وامين سر الاجتماع بعد تلاوته جهراً، وتتولى اللجنة إيداع اصل المحضر لدى المحكمة الجزئية المختصة محلياً واستصدار امر منها باعطائه قوة السند التنفيذي. اما اذا كان النزاع محل التسوية قد رفعت به دعوى فيقدم أصل محضر الصلح الى المحكمة التي توجد الدعوى أمامها لاتخاذ الاجراءات القانونية اللازمة بشأنه (مادة 7 من القانون رقم (74)/1975).

   وبتاريخ 28/1/2010 صدر قانون جديد هو القانون رقم (4) لسنة 2010 بشأن مسيحي التوفيق والتحكيم. والقانون الجديد تكون من أربع عشرة مادة (مقابل عشر مواد من القانون القديم - رقم 74 لسنة 1975). وقـراءة هذا القانون الجديد تظهر ملامح تجديد (أولاً) وفي نفس الوقت لا بد ان تثير في الذهن بعض التساؤلات حول مدى توفيق المشرع في قانونه هذا (ثانياً).

اولاً- مظاهر التجديد في قانون التوفيق والتحكيم:

  يمكننا الوقوف على مظاهر التجديد التالية:

(أ) مجال التوفيق:

    يلاحظ أن القانون الجديد للتوفيق والتحكيم حدد المجال الذي يعمل فيه هذا الاسلوب في تسوية المنازعات بشكل مغاير عما كان مقرراً في القانون القديم. فالمادة الاولى من القانون الجديد تنص: (ينظم التوفيق والتحكيم بين الافراد فيما ينشأ بينهم من المنازعات التي تدخل في اختصاص المحاكم الجزئية في المسائل المدنية والتجارية ومسائل الاحوال الشخصية والحقوق الشخصية المترتبة على المواد الجنائية على النحو المبين في هذا القانون).

   فمن جهة يبدو أن المشرع وسع في مجال تطبيق القانون لجهة الاشخاص لأنه استعمل لفظ "الافراد" وليس المواطنين مما يدل على أن وجود أجنبي في النزاع لم يعد حائلاً امام الالتجاء الى اللجنة لتسوية النزاع ودياً. ومن جهة ثانية، إن المشرع وسع أيضاً من النظاق الموضوعي لأعمال هذا الاسلوب من خلال إضافة (ومسائل الاحوال الشخصية والحقوق الشخصية المترتبة على المواد الجنائية...) وهو تطور ملحوظ لأن القانون القديم كان ينص فقط على الدعاوى المدنية والتجارية والدعاوى المتعلقة بالنفقات الشرعية.

ولكن المشرع في نفس الوقت أورد قيداً مهماً قلص به مجال اعمال أسلوب التوفيق وهو: المنازعات التي تدخل في اختصاص المحكمة الجزئية، مما يعني استبعاده حيث يكون الاختصاص للمحكمة الابتدائية.

(ب) من حيث تشكيل لجنة التوفيق والتحكيم:

وفقاً للمادة الثانية تشكل في نظام كل مؤتمر شعبي لجنة أو أكثر لا يقل عدد أعضائها عن ثلاثة ولا يزيد على خمسة. ويتم التشكيل بطريقة التعيين من اللجنة الشعبية العامة للعدل (وزارة العدل). ويشترط في الاشخاص الذين يعينون (النزاهة والحيدة والكفاءة والوجاهة الاجتماعية والخبرة في حل المنازعات).

   ورغبة من المشرع في تحفيز هذه اللجان على العمل، أوجب على الجهة التي يصدر عنها قرار تشكيل اللجان تحديد مكافأة اعضاء هذه اللجان وكذلك مكافأة امين السر (مادة 2). وهنا يوجد تطور ملحوظ سواء فيما يتعلق بكيفية اختيار اعضاء هذه اللجان (التعيين وليس التصعيد) أو من حيث تقرير مقابل العمل الذي تقوم به تلك اللجان واعوانها. ولم يعد شرطاً في امناء السر ان يكونوا من فئة المأذونين الشرعيين.

(ج) اجراءات التوفيق:

    تتعهد اللجنة بالنزاع من خلال طلب يقدمه أحد الاطراف. ويتم تسجيل هذا الطلب من قبل امين سر اللجنة – وليس من رئيسها كما كان الحال في القانون القديم- وهو الذي يحدد أيضاً موعد نظر النزاع واخطار الاطراف بمكان وزمان انعقاد اللجنة على ان يكون ذلك قبل ثلاثة ايام على الاقل (مادة 3).

   ولضمان حياد اللجنة تطلب القانون الجديد عدم اشتراك أي من اعضاء اللجنة تربطه صلة قرابة بأحد الخصوم حتى الدرجة الرابعة، فضلاً عن الشرط الذي كان مقرراً في القانون القديم وهو عدم اشتراك من له مصلحة شخصية مباشرة في النزاع (مادة 4). في اليوم المحدد للاجتماع، تبدأ اللجنة بالتوفيق بين المتخاصمين، فإذا لم تتوصل الى حل النزاع بهذه الطريقة، حددت لهم جلسة أخرى للتحكيم (مادة 5). والاصل ان الاجتماعات علنية، ما لم تقرر اللجنة، عند الاقتضاء، نظر النزاع في اجتماع غير علني.

   وتوجب المادة الثامنة على الاطراف حضور اجتماعات اللجنة لتقديم وجهات نظرهم ودفاعهم، واذا تخلف أحدهم عن الحضور، بدون عذر مقبول، جاز للجنة التوفيق والتحكيم ان تنظر النزاع في غيبته وان تعتبره متنازلاً عن حقه في الدفاع وان تحيل الامر الى المحكمة المختصة!

   وللجنة أن تستعين بأهل الخبرة ولو من خارج المحلة أو المنطقة (كان القانون القديم يقيدها بأهل الخبرة بالمحلة أو بالمنطقة التي توجد فيها اللجنة: م 5/4).

   ويلزم القانون الجديد توقيع محاضر اللجنة من امين وأعضاء اللجنة وأمين السر (مادة 6) وكان القانون القديم يكتفي بتوقيع رئيس اللجنة وامين السر. أما محاضر الصلح فيلزم توقيعها من أطراف النزاع واعضاء اللجنة وأمين السر. وعلى الرغم من ان عبارة المادة 7 من القانون الجديد (... واعضاء اللجنة..) اذا فسرت حرفياً قد يفهم منها كفاية توقيع الاعضاء دون اشتراط توقيع الرئيس، إلا ان قصد المشرع ليس كذلك. ولهذا فتوقيعه يعتبر ضرورياً فهو أيضاً عضو في اللجنة!

   يودع رئيس اللجنة محضر الصلح بالمحكمة الجزئية المختصة محلياً ويستصدر أمراً بإعطائه قوة السند التنفيذي دون أداء أي رسوم. وفي حالة ما اذا كان النزاع قد رفعت به دعوی فيكون الايداع امام المحكمة التي توجد الدعوى امامها لاتخاذ الاجراءات القانونية المناسبة (مادة 7 ).

    ورغبة في توفير حماية وقتية لاصحاب النفقات الذين لاعتبارات معينة لا يطلبون النفقة امتناع من تجب عليهم، فيكون للجنة أن تحدد مبلغاً للنفقة فوراً بصفة مؤقتة ورفع الامر الى القاضي المختص لفرض نفقة نهائية (مادة 9). كان القانون القديم يعطيها صلاحية رفع الأمر إلى القاضي (مادة 8/3).

(د) مكان التوفيق وزمانه:

   اعطت المادة العاشرة مرونة كبيرة للجنة. وان كان الاصل ان مكان انعقاد اللجنة هو في مقر المحكمة الجزئية المختصة، إلا أنها تستطيع ان تجتمع في اي مكان آخر يتم الاتفاق عليه بين اطراف النزاع أو في منزل احدهم بشرط موافقة باقي الاطراف. واللجنة هي من يحدد الوقت الذي تراه مناسباً للاجتماع، على أن تخطر أصحاب الشأن بذلك.

   غير أن اللجنة يجب أن تنتهي من مهمتها في كل حالة في ميعاد لا يجاوز شهراً من تقديم الطلب- كان الميعاد ستين يوماً في القانون القديم . وبفوات هذا الميعاد دون تسوية، يكون لأي من الاطراف استعمال حقه في الالتجاء الى القضاء (مادة 8) ولا شك أن هذا التحديد يستجيب للنقد الذي وجه الى النص القديم من حيث أن الغالب ان ينتظر الشخص مدة 60 يوماً دون فائدة قبل أن يتمكن من استعمال حقه في الالتجاء الى القضاء. ما سبق يمهد الطريق لاثارة بعض الاشكاليات.

ثانياً- نظرة تقويمية لقانون التوفيق والتحكيم:

   على الرغم من التطور المحمود في بعض المسائل (أ)- فإن سياسة المشرع كما تجسدت في القانون الجديد لا تستحق التأييد في عدة أمور (ب).

أ- التطور المحمود:

   لعل من أبرز نقاط التطور المحمود ما يتعلق بكيفية اختيار اللجنة حيث أصبح في مقدور الجهة المختصة ان تنتقي افضل العناصر وفقاً لضوابط الحيدة والنزاهة والخبرة في تسوية النزاعات خاصة من القضاة والمستشارين والمحامين المتقاعدين أو من غيرهم من رجال القانون والاختصاصيين الاجتماعيين أو النفسيين. وكذلك الشأن فيما يتعلق بمكان وزمان انعقاد اجتماعات اللجنة وما حظيت به اللجنة من مرونة في تحديد ذلك في اطار السقف الزمني المحدد.

   أضف الى ذلك توزيع العمل بين أمين اللجنة والرئيس فيما يتعلق باستقبال طلبات التوفيق وتحرير المحاضر وابداع محاضر الصلح بالمحكمة المختصة. كما أن عدم استلزام شرط المواطنية في تقديم طلبات التوفيق يشكل خطوة إلى الامام باعتبار ان التمييز الذي جسده القانون لا يستند الى منطق سليم ومعقول. غير أن هذه الحسنات يجب الا تخفي الجوانب غير القديم المضيئة في هذا القانون.

ب - أشكاليات التجديد :

   سنكتفي بالاشارة السريعة الى اربع اشكاليات تحد من نجاعة القانون الجديد:

1- تقليص مجال التوفيق:

   العودة الى ما قبل تعديل سنة 1979 تقصر التوفيق على الدعاوى التي تدخل في اختصاص المحكمة الجزئية فقط يمثل في رأينا خطوة الى الوراء. فالقانون رقم (4) لسنة 1979 الذي عدل الفقرة الاولى من المادة 8 من القانون رقم 74/1975 بإضافة (والمحكمة الابتدائية) كان منطقياً، لأن الغاية من تنظيم هذه الوسيلة هو التخفيف على المحاكم ومحاولة الحد من بطء العدالة من ناحية، والامتثال لمبدأ "والصلح خير" الذي نادت به الشريعة الغراء حفاظاً على استمرار العلاقة بين المتنازعين. ومن ثم لا محل للتمييز الذي كرسه من جديد القانون رقم (4) لسنة 2010 بشأن التوفيق والتحكيم: دعاوى مدنية وتجارية واحوال شخصية من اختصاص المحكمة الجزئية- يجوز فيها التوفيق والتحكيم- ودعاوى من اختصاص المحكمة الابتدائية لا يجوز فيها ذلك.

   وإن كان المشرع حاول ان يبعث في هذه الوسيلة الحيوية من خلال اضافة دعاوى الاحوال الشخصية، وهي في أغلبها من اختصاص المحكمة الجزئية، بعد ان كان الامر في ظل القانون القديم قاصراً على دعاوى النفقات.

2- صلاحية نظر النزاع في غيبة احد الاطراف:

   هدف المشرع هو على الارجح الضغط على اصحاب الشأن لحضور اجتماعات لجان التوفيق، اذ بغير ذلك لا محل للتفكير في المصالحة التي هي هدف القانون. غير أن نتائج منح هذه الصلاحية وان جاءت بلفظ الجواز، ليست مضمونة: فافتراض تنازل الخصم عن حقه في الدفاع التي وردت في المادة (8)، لا تنسجم مع ما يقتضيه التوفيق من سعي لاقناع الاطراف بحل وسط ينهي النزاع ويقنع الجميع. وهذا غير ممكن في حالة غياب احد الاطراف وان كان غيابه بدون عذر! فأي عدالة تصالحية تتم بناء على دفاع طرف واحد!

   لذلك أتوقع أن ما جرى عليه العمل في ظل القانون القديم وهو أن اللجنة ستكتفي باعطاء طالب التوفيـق شهادة بأن النزاع عرض ولم تتمكن من حله، وهو ما عرف عملا بالشهادة السلبية.

 3- التحكيم الاجباري:

   اذا فشلت اللجنة فيحل النزاع بطريق التوفيق، فعليها تحديد جلسة للتحكيم ولها في سبيل ذلك ان تقوم بالآتي:

1- سماع الشهود 2

- تكليف أي من الاطراف بتقديم المستندات والاوراق الاخرى التي ترى اللجنة انها منتجة في فض النزاع.

3- معاينة الاماكن.

4- الاستعانة بمن ترى من أهل الخبرة (مادة 5).

    فصياغة النص توحي بأن المشرع هنا ينظر الى لجنة التوفيق والتحكيم نظرة مطابقة للهيئة القضائية أو التحكيمية المخولة بالفصل في المنازعات: وبحكم أنها ليست محكمة، فإن مركزها سيكون: هيئة تحكيم اجباري لعدم وجود اتفاق التحكيم الذي هو اساس مشروعية التحكيم. والمحكمة الدستورية العليا في مصر لم تتردد بحق، في وصف مثل هذا التحكيم بأنه غير دستوري (جلسة 11/5/2003 في القضية رقم 380/23 م. دستورية). ولعل مما يزيد في نشاز هذا التحكيم ان قانون التوفيق والتحكيم الجديد لم يبين اجراءات التحكيم ولم يحل كما فعل سابقه على (الاوضاع المقررة للتحكيم (مادة 1/3 قانون 74/1975).

   وهكذا يلاحظ عدم التوفيق الواضح للمشرع في هذا الحكم، خاصة وان قواعد التحكيم النافذة فيها ما يغني، متى توافرت الرغبة لدى الفرقاء، في البحث عن تسوية بطريقة التحكيم.

   على أي حال، اذا سارت اللجنة الى النهاية في استعمال آلية التحكيم، فإن قرارها سيخضع للطعن طبقاً للقواعد العامة، سواء اعتبر حكماً تحكيمياً او قراراً صادراً عن لجنة إدارية ذات اختصاص قضائي.

4- الصلح في المواد الجنائية:

المادة 12 من القانون رقم 4/2010 بشأن التوفيق والتحكيم نظمت طريقاً للتسوية غير القضائية لبعض الجرائم؛ حيث اجازت لذوي الشأن اللجوء الى لجنة التوفيق المختصة لإنهاء الدعاوى الناشئة عن المخالفات وكذلك الجنح التي يتوقف رفع الدعوى بشأنها على شكوى الطرف المتضرر، انهاء تلك الدعاوى بطريقة الصلح، واذا تم الصلح، فإن الجريمة لا تعتبر سابقة في العود!

   هذا النص لا بد أنه يثير عدة اشكاليات تتعلق بدور النيابة العامة، وهي الامين على الدعوى الجنائية، في هذه العملية وبالكيفية التي سيتم بها الصلح من حيث اطرافه واجراءاته؟

   قانون التحكيم الجديد لم يحقق الهدف المنشود وهو تنظيم وسيلة التوفيق تنظيماً يقوم على تبسيط الاجراءات وكفالة حق الدفاع، لأن لجنة التوفيق منحت سلطة الفصل في النزاع ولو في غيبة احد الخصوم، أو رغم ارادته. ولهذا فإن من المحتمل جداً الطعن فيه بعدم الدستورية لفرضه آلية التحكيم ولمخالفته لمبدأ القرآن الكريم شريعة المجتمع فيما يتعلق بالتوفيق في مسائل الاحوال الشخصية بغير الطريق المقرر: حكماً من اهله وحكماً من اهلها!