الخدمات

ابواب التحكيم الرئيسية
  • متفرقات / قوانين التحكيم في الدول العربية / المجلات العلمية / مجلة التحكيم العالمية - العدد 7 / مشروع قانون التحكيم الليبي 

  • الاسم

    مجلة التحكيم العالمية - العدد 7
  • تاريخ النشر

  • عدد الصفحات

  • رقم الصفحة

    99

التفاصيل طباعة نسخ

تمهيـد:      

  لا يخفى على احد الاهمية التي يتمتع بها التحكيم باعتباره من وسائل فض المنازعات. واذا كانت نظرة المشرع الليبي للتحكيم تفاوتت بين القبول به في البداية، كما تجسد ذلك في الباب الرابع من الكتاب الثالث من قانون المرافعات (مواد 739 الى 771) ومن قانون البترول لعام 1955، فإن عامل الشك والريبة هو الذي حرك المشرع اعتبارا من مطلع السبعينات (القرن العشرين) ليمنعه في بعض المجالات (العقود العامة) ثم ليعدل عن سياسة المنع تلك مكتفياً بتقييده كما تجسد ذلك في لائحة العقود الادارية وفي قانون تشجيع الاستثمار رقم 5 لسنة 1997. ولهذا لا بد من التساؤل عن مدى الحاجة إلى وضع مشروع قانون في شأن التحكيم؟ 

   إن تبرير الحاجة الى ذلك تعود في رأيي الى العوامل التالية: 

1- قدم قواعد تنظيم التحكيم في ليبيا: 

   اذ كما سبق القول أن التنظيم تم في قانون المرافعات المدنية والتجارية أي في 1953/11/28، وهو ما يؤكد ان التنظيم اصبح قديماً الى حد كبير، وإن بحكم موضعه (قانون المرافعات) ومضمونه جاء قاصراً مما ادى الى وجود قواعد خاصة تمت الاشارة اليها.

2- التطور في مؤسسة التحكيم في العالم: 

   من المعلوم لدى غالبية أصحاب الثقافة المتوسطة ان تنظيم التحكيم استحوذ على اهتمام الجميع ليس فقط للمؤسسـات الرسميـة (الامــم المتحدة، المنظمـات الاقليميـة- المشرعون من الدول المختلفة)، بل أيضاً مؤسسات المجتمع المدني (مثل غرف التجـارة). وهكذا ظهر القانون النموذجي (UNCITRAL) وتسابقت الـدول المختلفـة فـي تحـديث منظوماتها التشريعية في مجال التحكيم للحد من بطء العدالة ولجذب الاستثمارات الاجنبية... الخ. 

3- الحاجة الى تفعيل دور التحكيم في ليبيا للتخفيف من بطء العدالة وحفاظاً على العلاقات بين المتعاملين. وهذا العامل يعتبر من أهم العوامل التي تدفع إلى الاهتمام بمؤسسة التحكيم وتطويرها املاً في ان يؤدي ذلك الى تخفيف العبء عن المحاكم وعن المتقاضين، اذ ان ثمة بطأ كبيراً في العدالة على كل الصعد: السياسية والاقتصادية والاجتماعية. 

   ولهذا كان الهدف من اعداد مشروع قانون التحكيم الذي يتكون من سبع وستين مادة موزعة على أربعة فصول: 

  • الفصل الاول وعنوانه أحكام عامة (9 مواد). 

  • الفصل الثاني في التحكيم الداخلي (المواد من 15 الى 52). 

  • الفصل الثالث في التحكيم الدولي (المواد من 53 الى 64). 

  • الفصل الرابع وعنوانه احكام ختامية (المواد من 65 الى 67). 

   واعتمدت اللجنة التي اعدت هذا المشروع على النصوص المنظمة للتحكيم في مشروع ايضا قانون الاجراءات المدنية العربي الذي اقرته الجامعة العربية كقانون نموذجي واعتمدت على القانون النموذجي (اليونسيترال) وعلى بعض قوانين التحكيم الحديثة مثل قانون التحكيم المصري ومجلة التحكيم التونسية وقواعد التحكيم الفرنسية التي وردت في قانون المرافعات الفرنسي الجديد... الخ. 

  وقراءة هذا المشروع تظهر ان المشروع تجاوز قواعد التحكيم النافذة في ليبيا حالياً سواء من حيث ما استحدثه من أحكام (الفقرة الاولى) أو من حيث ما ادخله من تطوير على الأحكام القائمة (الفقرة الثانية).

الفقرة الاولى- مظاهر التحديث في مشروع قانون التحكيم: 

   لعل من أهم ملامح التحديث في المشروع: 

اولاً- تنظيم التحكيم الدولي: 

   خصص المشروع للتحكيم الدولي الفصل الثالث (المواد من 53 الى 64) فضلاً عن الاحكام العامة التي وردت في الفصل الاول والتي تسري على نوعي التحكيم الداخلي والدولي. وهي خطوة هامة، ذلك لأن قانون المرافعات اكتفى بإشارة عابرة الى التحكيم الدولي عندما نص في المادة 1/761 على أنه: (يجب أن يصدر حكم المحكمين داخل حدود الاراضي الليبية والا اتبعت في شأنه القواعد المقررة للاحكام الصادرة في بلد اجنبي). ففي اشارة ضمنية مبنية على المعيار الجغرافي (اي مكان صدور الحكم). 

  وهذه الاشارة، فضلاً عما فيها من خلط بين التحكيم الدولي والتحكيم الاجنبي، فهي غير كافية. ولهذا يحمد للمشروع أنه تبنى معياراً أكثر انضباطاً (أ) ووضع الخطوط العريضة لهذا النوع من التحكيم (ب). 

أ- معيار التحكيم الدولي: 

   لكي يكون التحكيم دولياً وفقاً للمشروع لا بد من توافر شرطين نصت عليهما المادة 53: 1- أن يكون موضوعه نزاعاً يتعلق بالتجارة الدولية، ويترتب عليه انتقال اموال او خدمات عبر الحدود. 2- ان تتوافر احدى الحالات التي حددتها المادة المذكورة على سبيل الحصر وهي: 5- اذا كان المركز الرئيسي لأعمال طرفي التحكيم واقعاً في دولتين مختلفتين وقت ابرام اتفاق التحكيم واذا تعددت المراكز الرئيسية لأحد الطرفين، فتكون العبرة بالمركز الاكثر ارتباطاً بموضوع اتفاق التحكيم. وفي حالة عدم تمتع اي من الطرفين بمركز اعمال، فالعبرة بمحل اقامته المعتادة. 

  • اذا كان موضوع النزاع محل اتفاق التحكيم يرتبط باكثر من دولة واحدة. 

   - اذا كان احد الاماكن المذكورة لاحقاً يقع خارج الدولة التي يقع فيهـا المركـز الرئيسي لأعمال طرفي التحكيم، وهذه الاماكن هي - مكان اجراء التحكيم كما عينه اتفاق التحكـيم او تـم تحديده وفقاً له. – مكان تنفيذ جانب جوهري من الالتزامات الناتجة من العلاقة التجاريـة بـين الطرفين - المكان الذي يكون لموضوع النزاع اوثق صلة به وهو إما مكان ابرام العقد أو مكـان تنفيذه. 

   وهكذا فإن التحكيم، في فكر واضعي المشروع، يعتبر تحكيماً دولياً- أو بتعبير ادق تحكيماً تجارياً دولياً – بتوافر الشرطين بصرف النظر عن مكان اجرائه او مكان ابرام التصرف القانوني محل التحكيم أو القانون المختار لحكم اجراءات التحكيم أو للفصل في الموضوع- وبغض النظر كذلك عن جنسية اطراف العلاقة موضوع التحكيم أو جنسية المحكمين. 

ب- أحكام التحكيم الدولي: 

   لعل ابرز هذه الاحكام تتمثل في اعطاء الفرقاء حرية اختيار مكان التحكيم داخل ليبيا أو خارجها، واذا لم يوجد هذا الاتفاق، تولت هيئة التحكيم تحديده مع بعض القيود (مادة 54). وتجسدت هذه الحرية كذلك في تحديد اجراءات التحكيم، حيث يملك الاطراف تحديدها مباشرة في الاتفاق او بالاحالة إلى نظام تحكيمي معين او باخضاع هذه الاجراءات لقانون اجراءات مدنية يتم تحديده. وعند عدم استعمال الاطراف لهذه الصلاحية، تتولى هيئة التحكيم تطبيق الاجراءات التي تراها مناسبة بحسب مقتضى الحال (مادة 58). والتزم المشروع بمبدأ حرية الاتفاق ايضاً في شأن القانون الذي يحكم موضوع النزاع. فالهيئة تلتزم الفصل في النزاع وفقاً لاحكام القانون الذي اختاره الاطراف. ولا تملك الحكم طبقاً لقواعد العدل والانصاف الا في حالة اتفاق الاطراف صراحة على تفويضها بالصلح. واذا لم يحدد الاتفاق القانون الواجب التطبيق أو التفويض بالصلح، تطبق هيئة التحكيم القانون الذي تراه أكثر اتصالاً بموضوع النزاع مع تقييدها ببعض الموجهات تتمثل في ضرورة مراعاة شروط العقد وما جرى عليه التعامل بين الطرفين والاعراف التجارية ذات العلاقة بموضوع النزاع (مادة 59). 

   واعطت المادة 55 لهيئة التحكيم صلاحية تحديد المكان الذي تراه مناسباً للمداولة بين اعضائها أو لاتمام اجراءات التحقيق كلها او بعضها، كل ذلك ما لم يقيدها اتفاق التحكيم بغير ذلك . 

   وتم اختيـار محكمة الاستئناف التي يراد التنفيذ في دائرتها لتقوم مقام محكمة مركز التحكيم الحاصـل في الخارج، كلما اقتضى الحال ذلك في تطبيق قواعد التحكيم الدولي (مادة 56).

ثانيا- استقلال شرط التحكيم: 

   قانون المرافعات الحالي في تنظيمه للتحكيم سكت عن تنظيم هذه المسألة، وقضاء المحكمة العليا لم يعالجها، ولهذا جاء المشروع بحكم حاسم في المادة الثالثة التي وردت في الاحكام العامة والتي تنص: (يعتبر شرط التحكيم اتفاقاً مستقلاً عن شروط العقد الأخرى ولا يترتب على بطلان العقد وفسخه او انهائه أي أثر على شرط التحكيم الذي يتضمنه، اذا كان هذا الشرط صحيحاً في ذاته، واذا كان شرط التحكيم باطلاً فيعتبر كأنه لم يكن). 

ثالثاً- تنويع طرف التبليغ: 

   اذا لم يوجد اتفاق خاص بين طرفي التحكيم، فيتم التسليم لأي رسالة أو تبليغ الى المرسـل اليه شخصياً أو في مقر عمله أو في محل اقامته المعتاد أو في عنوانه البريدي المعروف للطرفين أو المحدد في مشارطة التحكيم أو في الوثيقة المنظمة للعلاقة التي يتناولها التحكـيم. واذا تعـذر معرفة احد هذه العناوين، بعد اجراء تحريات كافية، يعتبر التسليم قد تم، اذا حصل التبليغ بخطاب مسجل الى آخر مقر عمل او محل اقامة معتاد او عنوان بريدي معروف للمرسل اليه. وغني عن البيـان ان احكـام التبليـغ المذكورة هنا لا تسـري على التبليغات القضائية امـام المحـاكم (مادة 9). 

رابعاً- نظام محضر مهمة المحكم: 

   أوجب المشرع على هيئة التحكيم فور تشكيلها تحديد مهمتها من خلال طلبات المحتكمين والمستندات المقدمة منهم، ويكون ذلك في محضر خاص هو (محضر تحديد المهمة) الذي يجب ان يتضمن على الاخص: 

   1- اسماء المحكمين. 

   2- اسماء أطراف التحكيم وعناوينهم وعرضاً موجزاً لطلباتهم 

   3- تحديد نقاط النزاع الواجب الفصل فيها. 

  4- اجراءات التحكيم والبرنامج الزمني المتعلق بها. 

   وتوقع محضر مهمة المحكم الهيئة والاطراف ويبلغ به الاطراف والجهة المنظمة للتحكيم ان وجدت. وفي حالة رفض احد الاطراف التوقيع، وجب تبليغ الجهة المنظمة للتحكيم للتصديق على المحضر المذكور. اما في حالة عدم وجود مثل هذه الجهة، فعلى الهيئة اثبات واقعة الرفض في وثيقة مستقلة وتعتمد من رئيس المحكمة الابتدائية التي يكون التحكيم في دائرتها، وتلحق بالمحضر(مادة 20). 

   ولا شك في أهمية هذا التجديد بالنسبة لواقع التحكيم في ليبيا. 

خامساً- الاختصاص بالاختصاص: 

   من مظاهر التجديد الهامة في المشروع ما ورد في المادة 21 والتي تعطي هيئة التحكيم سلطة الفصل في الدفوع المتعلقة بعدم اختصاصها. بما في ذلك الدفوع المبنية على عدم وجود اتفاق تحكيم او انتهاء مدته دون صدور الحكم أو بطلانه او عدم شموله موضوع النزاع، ما دامت تلك الدفوع قد ابديت في الميعاد المتفق عليه أو الذي تعينه هيئة التحكيم. وللهيئة قبول الدفع المقدم بعد الميعاد اذا رأت ان التأخير كان لسبب مقبول. ويكون الفصل في الاختصاص قبل أو مع الحكم في الموضوع (مادة 21). 

سادساً- تعاظم دور المحكم: 

   سبقت الاشارة الى صلاحية المحكم في الحكم باختصاصه (م 21). ولهيئة التحكيم طبقاً للمادة 22 من المشروع سلطة اتخاذ كل اجراء يساعد في حل النزاع وعلى الأخص سماع الشهود، ندب الخبراء وامر من يحوز من طرفي التحكيم مستنداً منتجاً في الدعوى بتقديمه في الأحوال التي يجوز فيها ذلك قانوناً. غير أن تلك السلطة لا تشمل الحكم بالجزاء المفروض على من يتخلف من الشهود عن الحضور او يمتنع عن الاجابة أو أمر الغير بتقديم مستند تحت يده منتج في الدعوى وكذلك الأمر بالإنابات القضائية. ففي هذه الأمور يتعين الرجوع الى المحكمة المختصة سواء من قبل الهيئة نفسها أو من قبل احد اطراف خصومة التحكيم بموافقتها (مادة 23). ويتجلى اتساع دور هيئة التحكيم فيما يتعلق بتفسير الحكم، حيث تملك تفسيره، بناء على طلب اي من طرفي التحكيم، خلال الثلاثين يوماً التالية لتسلمه الحكم ويصدر التفسير كتابة خلال الثلاثين يوماً التي تلي تاريخ تقديم الطلب (مادة 39). وهو الشأن فيما يتعلق بتصحيح الأخطاء المادية التي وقعت في الحكم، حيث تملك الهيئة القيام بذلك بقرار تصدره من تلقاء نفسها أو بناء على طلب احد ذوي الشأن. ويتم ذلك بدون مرافعة خلال الثلاثين يوماً اللاحقة لتاريخ صدور الحكم أو ايداع طلب التصحيح بحسب الأحوال (مادة 40)، بل اعطاها المشروع أكثر من ذلك، عندما اجاز لكل من طرفي التحكيم، ولو بعد انقضاء ميعاد التحكيم، ان يطلب من هيئة التحكيم خلال الثلاثين يوماً التالية لتسلمه حكم التحكيم، إصدار حكم فيما أغفل الفصل فيه من الطلبات الموضوعية التي قدمت خلال اجراءات التحكيم. ويصدر الحكم في ظل احترام مبدأ المواجهة خلال ثلاثين يوماً من تاريخ تقديم الطلب مع امكانية مد هذا الميعاد بما لا يجاوز هذه المدة عند الضرورة (مادة 41) واذا تعذر اجتماع هيئة التحكيم من جديد، فإن طلبات التفسير أو التصحيح أو التكملة ترفع الى المحكمة الابتدائية التي يجري التحكيم في دائرتها (مادة 42). 

   ولم يقتصر المشروع على استحداث أحكام، بل عمل على تطوير احكام قائمة كما سيتضح من الفقرة التالية: 

الفقرة الثانية- مظاهر التطوير في مشروع قانون التحكيم: 

   لعل ابرز مظاهر تطوير قواعد التحكيم النافذة يتعلق بالأمور التالية: 

اولاً- تطوير آليات الاتفاق على التحكيم: 

   اذا كانت المادة الثانية من المشروع كرست صورتي الاتفاق على التحكيم التقليديتين (مشارطة التحكيم وشرط التحكيم)، فإن المادة الرابعة اضافت صورة أخرى عندما نصت: (تعتبر الإحالة في عقد مكتوب إلى وثيقة تتضمن شرطاً تحكيمياً بمثابة اتفاق على التحكيم، إذا كانت الاحالة واضحة في اعتبار هذا الشرط جزءاً من العقد). وكرس المشروع ما هو مسلم به، من ان الاتفاق على التحكيم يجوز ابرامه ولو كان النزاع موضوعا لدعوى مقامة أمام القضاء. (مادة 2). وهذا التطوير للحكم الوارد في المادة 739 مرافعات ليبي، دعمه المشروع بالحكم الخاص باستقلال شرط التحكيم الذي سبقت الاشارة اليه أعلاه. 

ثانياً- تطوير دور الكتابة في التحكيم: 

   فعلى خلاف المادة 742 مرافعات التي جعلت الكتابة لإثبات الاتفاق على التحكيم، جاء المشروع بحكم مختلف عندما أوجب ان يكون اتفاق التحكيم مكتوباً والا كان باطلاً. ويكون هذا الاتفاق مكتوباً في نظر واضعي المشروع اذا تضمنه محرر وقعه الطرفان او اذا تضمنه ما تبادله الطرفان من رسائل او مبرقات او برقيات او غيرها من وسائل الاتصال الحديثة. (مادة 5).

ثالثاً- تطوير كيفية تشكيل المحكمة: 

   اختيار المحكمين كان وما زال من صلاحيات الفرقاء. غير أن المشروع لم يكتف في حالة وجود عقبة دون تشكيل الهيئة بالرجوع إلى المحكمة المختصة (مادة 746 مرافعات)، بل اضاف الى ذلك مراجعة الجهة المنظمة للتحكيم: (لطرفي التحكيم الاتفاق على اختيار المحكمين وعلى كيفية ووقت اختيارهم، فإذا لم يتفقا أو اذا لم يبادر أحدهما بتعيين المحكم الذي يعود له اختياره خلال الأجل المحدد لذلك أو امتنع واحد أو أكثر من المحكمين المتفق عليهم عن العمل أو عزل عنه او قام به مانع من مباشرته، فلأي من الطرفين مراجعة الجهة المنظمة للتحكيم أو رئيس المحكمة الابتدائية التي يكون التحكيم في دائرتها لتعيين المحكم أو المحكمين بعد تبليغ الطرف الآخر) (مادة 14). 

   واذا عين الخصوم محكمين اثنين او محكمين بعدد زوجي وجب اضافة محكم آخر اليهم يختار وفق ما حدده الخصوم، والا فباتفاق المحكمين المعينين، واذا تعذر ذلك فيكون التعيين بقرار من الجهة المنظمة للتحكيم أو بقرار من رئيس المحكمة الابتدائية التي يكون التحكيم في دائرتها (مادة 15). 

رابعاً- تطوير نظام عزل ورد المحكم: 

   مقارنة المادة 749 مرافعات بالمادتين 17 و 18 من مشروع قانون التحكيم تظهر ان آلية عزل المحكم ما زالت كما هي (اتفاق المحتكمين أو حكم من المحكمة). غير ان المشروع ربط العزل بأن يكون لأسباب جدية. اما رد المحكم فهو يطلب من الطرف الذي عين المحكم أو اشترك في تعيينه لأسباب علم بها بعد أن تم هذا التعيين. ويشترط لذلك: 1- توافر سبب من أسباب الرد المنصوص عليها في قانون المرافعات بالنسبة لرد القضاة. 2- الا يتم تقديم طلب الرد لأكثر من مرة واحدة في نفس التحكيم ولذات المحكم (مادة 3/17) ويقدم طلب الرد الى نفس هيئة التحكيم (وليس للمحكمة ابتداء) خلال خمسة أيام من تاريخ علم طالب الرد بتشكيل الهيئة وبالاسباب المبررة للرد، واذا لم يمتنع المحكم المطلوب رده خلال خمسة ايام من تقديم ذلك الطلب، يرفع الطلب الى الجهة المنظمة للتحكيم أو رئيس المحكمة الابتدائية التي يتم التحكيم في دائرتها حسب الأحوال في الخمسة ايام التالية لانتهاء هذا الميعاد (مادة 18).

   ورتب المشروع على تقديم طلب الرد وقف اجراءات التحكيم. واذا حكم برد المحكم، اعتبرت كافة الاجراءات التي تمت، بما في ذلك حكم المحكمين، كأن لم تكن (مادة 18). وبانتهاء مهمة المحكم بالرد أو العزل او التنحي، يتوجب تعيين محكم بديل له طبقا للإجراءات التي تتبع في اختيار المحكم المنتهية مهمته (مادة 19). 

خامساً- تطوير نظام انتهاء الخصومة التحكيمية: 

   تنتهي خصومة التحكيم بصدور الحكم المنهي للخصومة كلها أو بانقضاء مهلة التحكيم، كما كذلك بإنهاء الاجراءات من هيئة التحكيم في الأحوال التالية: 1- اتفاق الأطراف علـى انهائها، بصلح او بدونه. 2- ترك طالب التحكيم لخصومة التحكيم، ما لم تقرر الهيئة، بنـاء على طلب المحتكم ضده ولمصلحة جدية استمرار اجراءات التحكيـم الى حين حسم النـزاع - وهذا من مواطن التجديد - 3- إذا قررت هيئة التحكيم لأي سبب آخر عدم جدوى استمرار اجراءات التحكيم او استحالته (مادة 31). 

سادساً- تطوير نظام الاعتراض على الحكم:

   خصص المشروع المواد من 33 الى 42 للحكم التحكيمي وما يتعلق به من طلبات تتعلق بتصحيحه أو تفسيره أو تكملته في الأمور التي اغفل الفصل فيها. ويقوم رئيس هيئة التحكيم أو الجهة المنظمة للتحكيم حسب الأحوال بتسليم صورة موقعة من الحكم الى كل من طرفيه خلال خمسة عشر يوماً من صدوره. ويجب إيداع أصل الحكم واتفاق التحكيم بقلم كتاب المحكمة الابتدائية التي يجري التحكيم في دائرتها من رئيس هيئة التحكيم او احد اعضائها في الميعاد المذكور سابقا. ويحرر كاتب المحكمة بذلك الايداع محضراً (مادة 38). 

   حدد المشروع طرق الاعتراض على الحكم التحكيمي في طريقين أحدهما استثنائي (وهو الاستئناف) والثاني اصلي (وهو دعوى بطلان الحكم التحكيمي). 

أ- استئناف الحكم التحكيمي: 

   اذا كانت المادة 1/767 مرافعات اجازت الاستئناف من حيث المبدأ عدا استثناءات اربعة بينتها الفقرة الثانية منها، فإن المشروع كرس الاتجاه العكسي: لا يجوز الطعن في الحكم التحكيمي بالاستئناف الا اذا اتفق الاطراف على غير ذلك صراحة. ويرفع الاستئناف في حالة الاتفاق على جوازه طبقاً للقواعد المقررة لاستئناف أحكام المحاكم والى محكمة الاستئناف التي تختص فيما لو كان النزاع قد صدر فيه حكم ابتدائي من المحكمة الإبتدائية التي جرى التحكيم في دائرتها (مادة 43). 

ب- دعوى بطلان الحكم التحكيمي: 

   اجاز المشروع رفع دعوى بطلان الحكم التحكيمي الصادر نهائياً ولو اتفق الأطراف على خلاف ذلك في سبع حالات وهي: 

  1- اذا لم يوجد اتفاق تحكيم أو كان هذا الإتفاق باطلا أو قابلا للإبطال أو سقط بإنقضاء مدته. 

  2- اذا استحال على احد طرفي التحكيم تقديم دفاعه لسبب خارج عن ارادته. 

 3- اذا لم تطبق هيئة التحكيم القانون الذي يحكم النزاع. 

 4- اذا تم تشكيل هيئة التحكيم أو تعيين المحكمين على وجه مخالف للقانون او لاتفاق الطرفين. 

 5- اذا فصل الحكم في أمور لا يشملها اتفاق التحكيم او جاوز حدود هذا الإتفاق، ما لم يتم فصل اجزاء الحكم الخاصة بالمسائل الخاضعة للتحكيم عن أجزائه غير الخاضعة له، في هذه الحالة لا يقع البطلان الا على الأجزاء الأخيرة وحدها. 

 6- اذا كانت اجراءات التحكيم مخالفة للإتفاق أو للقواعد الأساسية في المرافعات. 

7- مخالفة الحكم لقاعدة من قواعد النظام العام (مادة 44). 

   وترفع دعوى بطلان الحكم التحكيمي بالأوضاع المعتادة الى محكمة الإستئناف المختصة طبقاً لحكم المادة 43 المذكور اعلاه وذلك خلال ثلاثين يوماً من تبليغ الحكم للمحكوم عليه (مادة 45).

    ورفع الدعوى المذكورة لا يوقف التنفيذ الذي تأمر به المحكمة المرفوعة اليها الدعوى متى رأت ذلك بناء على طلب المدعي الوارد في الصحيفة والمؤسس على اسباب جدية. وتفصل المحكمة في طلب الوقف خلال 30 يوما من تاريخ أول جلسة حددت لنظر الطلب مع امكانية الزام المدعي بتقديم كفالة أو ضمان مالي. ويتعين على المحكمة اذا امرت بالوقف ان تفصل في الدعوى خلال ستة أشهر من تاريخ صدور امر الوقف (مادة 46). واذا حكمت المحكمة ببطلان الحكم، فإنها تنظر الموضوع في حدود المهمة المعينة للمحكم، ما لم يتفق طرفا التحكيم على خلاف ذلك (مادة 47). 

سابعاً- تطوير اجراءات الإعتراف بالحكم التحكيمي وتنفيذه: 

   ينبغي هنا التمييز بين القواعد الخاصة بالحكم التحكيمي الوطني (مواد 48 الى 52) والقواعد المقررة في شأن الحكم التحكيمي الدولي والأجنبي (مواد 60 الى 64) من المشروع: 

أ- الإعتراف بالحكم التحكيمي الوطني وتنفيذه: 

   تحوز احكام التحكيم الوطنية من تاريخ صدورها حجية الأمر المقضي وتكون واجبة النفاذ مع مراعاة احكام المواد 49 الى 52 (مادة 48). فالحكم التحكيمي يحسم منازعة ويأخذ شكل الأحكام ومن ثم فإنه يتمتع بحجية الشيء المحكوم فيه بمجرد صدوره مع ما يترتب على ذلك من نتائج. غير أن تنفيذه جبراً يتوقف على اجراء قضائي: الأمر بالتنفيذ الذي يصدر عن رئيس المحكمة الإبتدائية التي اودع اصل الحكم فيها أو من يندبه من قضاتها لذلك. ويتطلب ذلك تقديم عريضة من المحكوم له. ويصدر القاضي امره هذا بعد الإطلاع على الحكم وعلى اتفاق التحكيم والتحقق من انقضاء موانع التنفيذ وانقضاء ميعاد رفع دعوى بطلان الحكم التحكيمي (مادة 49 ومادة 50):

 وموانع تنفيذ الحكم التحكيمي الوطني هي: 

  1- عدم تعارضه مع حكم قضائي سابق صدر في موضوع النزاع. 

  2- عدم تعارضه مع النظام العام. 

 3- عدم تبليغه الى المحكوم عليه تبليغاً صحيحاً (مادة 50). 

   والأمر الصادر بالتنفيذ أو برفض طلب التنفيذ يقبل التظلم منه خلال شهر واحد من تاريخ صدوره. ويكون التظلم أمام محكمة الإستئناف المختصة وفقاً للأوضاع المعتادة في التقاضي (اي بصحيفة تعلن للطرف الآخر). ويكون حكم المحكمة في التظلم غير قابل للطعن بالنقض أو بالإلتماس (مادة 51).

ب- الإعتراف بالحكم التحكيمي الدولي والأجنبي وتنفيذه: 

   ساوى المشروع بين الحكم التحكيمي الوطني والدولي فيما يتعلق بمسألة الإعتراف بالحكم حيث اعتبر ان هذا الأخير يتمتع بحجية الأمر المقضي بصرف النظر عن مكان صدوره (مادة 60) شريطة انتفاء الموانع التي سترد الإشارة اليها. اما تنفيذ الحكم التحكيمي الدولي، وكذا الأجنبي، فإنه يتطلب توافر شرطين: أولهما انتفاء موانع التنفيذ، حيث تنص المادة 62: (لا يجوز رفض الإعتراف أو التنفيذ الا في الأحوال التالية: 

  1- ان المحكوم عليه لم تتوافر له الأهلية وفقاً للقانون الذي يحكم اهليته. 

  2- ان اتفاق التحكيم غير صحيح وفقاً للقانون الذي اتفق عليه الأطراف، أو في حالة عدم الإتفاق طبقاً لقانون البلد الذي صدر فيه الحكم. 

  3- ان المحكوم عليه لم يتم إعلانه اعلاناً صحيحاً بتعيين هيئة التحكيم أو بإجراءات التحكيم أو كان من المستحيل عليه ان يقدم دفاعه. 

  4- أن الحكم فصل في نزاع خارج نطاق الموضوع المحدد في اتفاق التحكيم أو خرج عن حدود المشارطة، ومع ذلك يجوز الإعتراف وتنفيذ جزء من الحكم الخاضع أصلاً للتسوية بطريق التحكيم اذا امكن فصله عن باقي اجزاء الحكم غير المتفق على حلها بهذا الطريق. 

  5- ان تشكيل هيئة التحكيم او اجراءات التحكيم مخالف للإتفاق او لقانون البلد الذي تم فيه أو لقانون البلد الذي تم فيه التحكيم في حالة عدم الإتفاق. 

  6- ان الحكم غير قابل للتنفيذ في بلد صدوره او تم ابطاله أو أوقف تنفيذه من المحكمة المختصة في البلد الذي صدر فيه الحكم أو تم ابطاله او اوقف تنفيذه بموجب قانون ذلك البلد. 

  7- ان الحكم مخالف للنظام العام الدولي. 

   ويكون الحكم الصادر برفض الإعتراف بالحكم التحكيمي الدولي أو الأمر بتنفيذه قابلا للطعن بالنقض. 

    اما الشرط الثاني فهو صدور أمر بتنفيذ الحكم الدولي أو الأجنبي من محكمة استئناف طرابلس (وليس من المحكمة الإبتدائية التي يراد التنفيذ في دائرتها كما هو الحال في ظل القواعد النافذة). ويتطلب الأمر رفع دعوى بالأوضاع المعتادة في التقاضي على ان ترفق بأصل الحكم واتفاق التحكيم او صورة رسمية منه، وترجمة معتمدة للحكم والإتفاق اذا كانا محررين بلغة غير العربية (مادة 61) ولمحكمة الإستئناف التي رفعت اليها دعوى طلب التنفيذ ان تؤجل بت الطلب اذا اثبت المحكوم عليه ان الحكم قد طعن فيه طبقاً لقانون مكان صدوره، ويجوز لها ايضاً، بناء على طلب المحكوم له، أن تأمر المحكوم عليه بتقديم ضمان مناسب في حالة التأجيل. 

   ويضاف إلى الشرطين المذكورين فيما يتعلق بالأحكام التحكيمية الأجنبية: مراعاة مبدأ المعاملة بالمثل وعدم مخالفة قواعد النظام العام في ليبيا (مادة 64). 

على سبيل الخاتمة: 

   العرض السريع السابق لأحكام مشروع قانون التحكيم الليبي يظهر الدور الكبير للفرقاء وتعاظم دور المحكم وفي نفس الوقت تقلص دور التبعية للمحاكم التي تعكسها قواعد التحكيم الواردة في قانون المرافعات الحالي (حول هذه القواعد انظر لكاتب هذا العرض: أضواء على قواعد التحكيم في قانون المرافعات الليبي، المجلة العربية للفقه والقضاء، الأمانة العامة لجامعة الدول العربية، أبريل 2001 عدد 25 ص 55). 

   وبالتالي فإنه، في حالة اصداره من الجهة المختصة بالتشريع، سيشكل خطوة هامة في تعيين قواعد التحكيم في ليبيا والتحاق ليبيا بقائمة الدول التي استقبلت بشكل ملحوظ قواعد اليونسترال UNCITRAL. كما انه يخفف من سلبيات عدم تصديق ليبيا على اتفاقية نيويورك لعام 1958 في شأن الإعتراف وتنفيذ احكام التحكيم الأجنبية. 

   غير ان هذا المشروع وكأي عمل بشري لا يمكن ان يكون كاملاً، وعلى الرغم من الجهد الذي بذلته اللجنة في الوقت القصير الذي منح لها والتي شرفت برئاستها، فإن المدقق سيكتشف بعض السلبيات ولعل منها عدم تنظيم المشروع للتحكيم متعدد الأطراف وعدم معالجة حتماً مسؤولية المحكم. 

   على أي حال، نأمل ان ترى هذه القواعد النور لتكون هي الإطار التشريعي للتحكيم في ليبيا، ولكن في شكل كتاب ختامي يضاف الى قواعد المرافعات التي حظيت هي الأخرى بمشروع جديد ينتظر أن يرفع الى مستوى التشريع. وليس ذلك بغريب بإعتبار ان التحكيم من طرق تسوية المنازعات التي تجد مكانها الطبيعي في قانون المرافعات (مقالتنا السابقة، المكان السابق، ص 77).