الخدمات

ابواب التحكيم الرئيسية
  • متفرقات / قوانين التحكيم في الدول العربية / المجلات العلمية / مجلة التحكيم العالمية - العدد 3 / مقارنة بين قانون التحكيم السوري الجديد وقانون التحكيم المصري

  • الاسم

    مجلة التحكيم العالمية - العدد 3
  • تاريخ النشر

  • عدد الصفحات

  • رقم الصفحة

    129

التفاصيل طباعة نسخ

  صدر قانون التحكيم المصري في أبريل (نيسان) سنة 1994 برقم 27 ليحل محل المواد من 501 إلى 513 من قانون المرافعات المدنية والتجارية الصادر سنة 1968، والتي ألغيت بموجب القانون الجديد.

   وقد اتخذ القانون المصري أساساً له، القانون النموذجي الصادر عن منظمـة اليونسترال (لجنة الأمم المتحدة لقانون التجارة الدولية) سنة 1985 بشأن التحكيم التجاري الدولي مع بعـض التعديلات التي تلائم النظام القانوني المصري وقد عالجت المواد من 15 إلى 24 (الباب الثالث) من القانون المصري الجديد، أحكام هيئة التحكيم التي نقضي في المنازعات المدنيـة والتجاريـة التي تثور بين طرفي النزاع. 

  وقد صدر حديثاُ في سوريا القانون رقم 4 لسنة 2008 الخاص بـالتحكيم فـي المنازعات المدنية و الاقتصادية والتجارية كوسيلة أساسية لتسوية كل المنازعات الناشئة عنها، وقضى القانون الجديد بإلغاء المواد التي كانت تنظم التحكيم في سوريا وهي المواد من 506 إلى 534 من قانون أصول المحاكمات الصادر سنة 1953.

   وقد اتخذ القانـون السـوري الجديـد للتحكيـم مـن كل مـن القـانـون النموذجي للتحكيم التجاري الدولي وقانون التحكيـم المصري أساساً له، ولكنه تضمن بعض الأحكام المستحدثة التي تختلف أو لم ترد في كل من هذين القانونين، وعالج القانـون السوري الجديد موضوع هيئة التحكيم في المواد من 12 إلى 21 الواردة في الفصل الثالث منه. 

  وتتولى في هذه الدراسة المقارنة عرض الموضوع وفقاً لأحكام بعض التشريعات الأجنبيـة وكذلك قواعد التحكيم الصادرة عن بعض المنظمات التحكيمية.

 

1- تمهيد وتقسيم

 

  ينصرف اصطلاح "هيئة التحكيم"، وفقاً لنص المادة 4(2) من قانون التحكيم المصري إلـى الهيئة المشكلة من محكم واحد أو أكثر لتفصل في النزاع المحال إلـى التحكيم. وقـد اسـتخدم مشروع قانون التحكيم اصطلاح "محكمة التحكيم" إلا أنه عدل إلى "هيئة التحكيم" عنـد مناقشة المشروع في مجلس الشعب. بينما يستعمل اصطلاح "محكمة التحكيم" في معظم تشريعات التحكيم في مختلف الدول وكذلك في قواعد التحكيم الصادرة عن المنظمات التحكيمية المختلفة. 

  أما القانون السوري الجديد فقد تضمن في المادة (1) فيه ذات تعريف القانون المصري لهيئة التحكيم مستعملاً ذات الاصطلاح.

   وتتمتع هيئة التحكيم باختصاص قضائي، فهي تفصل في منازعة تثور بين أطراف معاملة، فهي جهة قضاء خاص يختارها أطراف النزاع، ويعترف المشرع لها بسلطة الفصل فـي نـزاع معين وإصدار حكم فيه، تماماً مثل جهة قضاء الدولة.

   على أن قضاء الدولة هو مرفق عام دائم وثابت، على عكس هيئة التحكيم، التـي يجـب أن تشكل في كل نزاع على حدة.

   ونلاحظ بادئ ذي بدء، أن القواعد القانونية الواردة في القانون المصري والتي تسري على هيئة التحكيم المشكلة لتنظر تحكيماً داخلياً، لا تختلف عن تلك التي تشكل لتنظر تحكيماً دولياً، إلا فيما يتعلق بتحديد المحكمة المختصة بنظر الأمور المتعلقة بهيئة التحكيم وقفاً لنص المادة (9) من قانون التحكيم المصري.

  أما القانون السوري فقد تضمنت المادة (3) اختصاص محكمة الاستئناف التي يجري ضمن دائرتها التحكيم مالم يتفق على اختصاص محكمة استئناف أخرى في سورية، وذلك فـي شـان الأمور المتعلقة بهيئة التحكيم دون تفرقة بين التحكيم الداخلي والتحكيم الدولي.

   ونعرض في فصول أربعة من هذه الدراسة: قواعد تشكيل هيئة التحكيم في فصل أول، ثـم للشروط التي يجب أن تتوافر في المحكم في فصل ثان، وأحكام الإنهاء المبتسر لمهمة المحكم في فصل ثالث، وأخيراً تعرض في الفصل الرابع للمركز القانوني المحكم.

 

الفصل الأول

تشكيل هيئة التحكيم

   2- تحرص مختلف تشريعات التحكيم والقواعد الصادرة عن منظمات التحكيم الدولي علـى وضع قواعد تفصيلية لكيفية تشكيل هيئة التحكيم.

   ونعرض فيما يلي لهذه القواعد في بعض أهم التشريعات، ثم تعرض لقواعد تشكيل هيئـة التحكيم وفقاً لأهم المنظمات التحكيمية الدولية،

 

الفرع الأول: التنظيم التشريعي لتشكيل هيئة التحكيم

المبحث الأول: القانون المصري والقانون السوري

  3- عدد المحكمين:

 

  استقـى كل من القانون المصري رقم 27 لسنة 1994 والقانون السوري رقم 4 لسنة 2008 قواعد تشكيل هيئة التحكيم من أحكام القانون النموذجي الصادر عن "اليونسترال" سنة 1985.

   ويتوقف اختيار أعضاء هيئة التحكيم وتحديد عددهم على إرادة طرفي التحكيم، وتقـضي المادة (10) من القانون النموذجي في فقرتها الأولى، بتقرير هذا المبدأ صراحة، بالنص علـى حرية أطراف التحكيم في تحديد عدد المحكمين، أما الفقرة الثانية من النص المذكور فإنها تقضي بأن يكون عدد المحكمين ثلاثة في حالة عدم اتفاق الأطراف على تحديد العدد. 

  وتنص المادة (15) من قانون التحكيم المصري على أن:

  "(1) تشكل هيئة التحكيم باتفاق الطرفين من محكم واحد أو أكثر، فإذا لم يتفقا علـى عـدد المحكمين كان العدد ثلاثة.

   (2) إذا تعدد المحكمون وجب أن يكون عددهم وتراً وإلا كان التحكيم باطلاً وقتن القـانون السوري ذات الحكم في المادة (12) منه.

  ومن ذلك يبين أن الطرفي التحكيم تحديد تشكيل هيئة التحكيم سواء من محكم منفرد أو أكثر، وفي حالة عدم الاتفاق على التحديد، وجب أن يكون العدد ثلاثة، وفي جميع الأحـوال يجـب أن يكون عدد المحكمين فردياً، وإلا ترتب على عدم مراعاة هذه القاعدة، بطلان التحكيم. وعلى ذلك يمكن تشكيل هيئة التحكيم من أكثر من ثلاثة متى لتفق طرفا التحكيم على ذلك، بشرط أن يكـون العدد وتراً أي فردياً. 

   والغائب في التحكيم التجاري الدولي أن يتجه الأطراف إلى تشكيل هيئة التحكيم من ثلاثـة أعضاء، إذ ليس من اليسير أن يتفقوا على شخص واحد، فضلاً عن تفضيل الأطراف أن يقوم كل منهم بتعيين محكم يحوز ثقته وقد يشترك كذلك في أختيار المحكم الثالث ، وفي هذه الحالة تتوافر لدى هيئة التحكيم الفرصة لمناقشة أعضائها لما يعرض على الهيئة من مشاكل بطريقة تؤدي إلى صدور حكم أفضل من حكم المحكم المنفرد، ولا سيما أن النزاع في التحكيم الدولي، يكون غالبـاً كبير القيمة.

 

4- كيفية اختيار المحكمين

    لطرفي التحكيم الاتفاق على اختيار المحكمين، أو على كيفيـة اختيارهم، أي أنـه يـجـوز للطرفين تعيين المحكمين بأسمائهم، إلا أنه يجوز أيضاً تحديدهم بصفاتهم دون ذكر أسماء معينة، كما لو اتفق على تعيين نقيب المحامين أو نقيب المهندسين مثلاً، ويجوز كذلك للأطراف الاتفـاق على وسيلة اختيار المحكمين، بدلاً من تعيينهم سواء بأشخاصهم أو بصفاتهم. 

   فإذا لم يتفق طرفا التحكيم على تعيين المحكمين أو وسيلة اختيارهم، فقد نصت المادة (17) من قانون التحكيم المصري والمادة (14) من القانون السوري، على عدة قواعـد علـى النـحـو التالي: 

   (1) إذا كانت هيئة التحكيم مشكلة من محكم واحد، تولت المحكمة المشار إليها فـي المـادة (9) من قانون التحكيم المصري والمادة (3) من القانون السوري اختياره بناء على طلـب أحـد الطرفين.

   (2) إذا كانت هيئة التحكيم مشكلة من ثلاثة محكمين، اختار كل طرف محكمـاً، ثـم يتفـق المحكمان على اختيار المحكم الثالث. فإذا لم يعين أحد الطرفين محكمه، أو إذا لم يتفق المحكمات المعينان على اختيار المحكم الثالث، تولت المحكمة المشار إليها في المـادة (9) مـن القـانون المصري والمادة (3) من القانون السوري اختياره بناء على طلب أحد الطرفين. 

  ومن المقرر له إذا تنحى أحد المحكمين الثلاثة، فلا يجوز للمحكمين الآخرين الاستمرار في نظر التحكيم حتى إصدار الحكم. 

   (3) تكون رئاسة هيئة التحكيم للمحكم الذي اختاره المحكمان المعينـان أو الـذي اختارتـه المحكمة. ويقوم رئيس التحكيم بالاشتراك في عضوية هيئة التحكيم وله دور مثل باقي أعـضـاء الهيئة في مناقشة نقاط النزاع للوصول إلى إصدار حكم التحكيم ، بالإضافة إلـى أن لـه دوراً إدارياً، إذ يدعو هيئة التحكيم إلى الانعقاد، ويقوم بإدارة الجلسة، وإعداد الأوامر الإجرائية، وغالباً ما يقوم رئيس هيئة التحكيم بإعداد مسودة حكم التحكيم بعد انتهاء مداولة أعضاء الهيئة بشأنه. 

  (4) تسري الأحكام السابقة كذلك، في حالة تشكيل هيئة التحكيم من أكثر من ثلاثة محكمين، بشرط أن يكون العدد وتراً. 

  وإذا تعدد المحتكمون أو المحتكم ضدهم، فقد تثور مشكلة اختيار المحكمين، ولا سيما إذا تعارضت مصالح أفراد أحد الطرفين، ولم يواجه كل من القانون المصري والقانون السوري للتحكيم هذا الفرض، وقرى لحل هذه المشكلة عند عدم اتفاق الطرفين، علـى كيفية اختيـار المحكمين، الاستناد إلى مبدأ تحقيق المساواة بين طرفي التحكيم عند اختيار أعضاء هيئة التحكيم، ولا صعوبة في الأمر عند اتحاد مصلحة أفراد طرف واحد من طرفي التحكيم، إذ يمكنهم الاتفاق على تعيين محكم واحد عليم، أما إذا تعارضت مصالحهم، فإنه لا مناص من أن يختار كل فـرد من أفراد أحد الطرفين محكماً عنه، فإذا كان الطرف الآخر فرداً واحداً، فإنـه يـطـلـب منـه أن يختار أكثر من محكم بعدد المحكمين المعينين من أفراد الطرف الأول، أما إذا تعدد أيضاً أفـراد الطرف الآخر، فإن كل فرد من حقه أن يعين محكماً عنه سواء اتحدت مصالحهم أو تعارضت.

 

5- المحكمة المختصة بالتعيين

  تقضي المادة (17) من قانون التحكيم المصري والمادة (14) من القانون السوري، بأنه عند عدم اتفاق طرفي التحكيم على اختيار المحكمين، تولت المحكمة المشار إليها في المادة (9) مـن امتناع المحكمة القانون المصري والمادة (3) من القانون السوري اختيار المحكم الذي لم يعين وذلك بناء علـى طلب أحد الطرفين. وحسناً فعل المشرع بالنص على ذلك في قانون التحكيم حتى لا يترتب على أحد طرفي التحكيم عن اختيار محكمه، عدم تشكيل الهيئة، وبالتالي عدم إمكان الفصل في النزاع عن طريق التحكيم، وهذا هو الوضع الذي كان قائماً في ظل نصوص قانون المرافعـات المصري المنظمة للتحكيم قبل إلغائها بالقانون الجديد للتحكيم، إذ كانت المحاكم ترفض تعيين المحكم عند امتناع أحد الطرفين عن الاختيار، لعدم النص على منح القضاء هذا الاختصاص وفقاً لنصوص قانون المرافعات. والمحكمة المختصة بتعيين المحكمين وفقاً لنص القانون، هي ا المشار إليها في المادة (9) مصري، وهي المحكمة المختصة أصلاً بنظر النزاع، إذا تعلق الأمر بتحكيم داخلي، ومحكمة استئناف القاهرة متى كان التحكيم تجارياً دولياً سواء جرى التحكيم فـي مصر أو في الخارج، ما لم يتفق طرفا التحكيم على اختصاص محكمة استئناف أخرى في مصر. 

  وتحرص فقرات المادة (17) المشار إليها على أن تنص على أن تعيين المحكم، عنـد عـدم اتفاق طرفي التحكيم على الاختيار هو من سلطة المحكمة وليس رئيس المحكمة، إذ تقضي بأنـه متى كانت هيئة التحكيم مشكلة من محكم واحد، أو لم يعين أحد الطرفين محكمـه أو لـم يتفـق المحكمان المعينان على اختيار المحكم الثالث عند تشكيل الهيئة من ثلاثة محكمين، تولت المحكمة المشار إليها في المادة (9) من القانون اختباره بناء على طلب أحد الطرفين، وبمقتضى هذا النص لا يجوز أن يتم التعيين بأمر من رئيس المحكمة المنصوص عليها في المـادة (9) بنـاء علـى عريضة يقدمها إليه طالب التعيين وإذا حدث ذلك كان التعيين بالطلا, وبناء على ما تقدم، فـان تعيين المحكم في الأحوال التي يعهد القانون به إلى المحكمة المختصة يتم بقرار من هذه المحكمة وليس من رئيسها، وهو قرار لا يقبل الطعن فيه بأي طريق من طرق الطعن وفقاً لنص المادة (3/17) من قانون التحكيم. ويؤخذ على هذا النص أنه وصف حكم تعيين المحكم بالقرار، ممـا آثار اللبس في فهم النص لدى البعض، وصدرت عدة قرارات بأوامر على عرائض تقدم إلـى رئيس المحكمة المشار إليها في المادة (9)، بتعيين المحكمين، خلافاً لما تطلبه قانون التحكيم. 

   أما المادة (14) من قانون التحكيم السوري فإنها تقضي بأنه في حالـة عـدم تعيين أحـد الطرفين لمحكمه تولت المحكمة المعرفة في المادة (3) اختياره بناء على طلب أحـد الطرفين بقرار تتخذه في غرفة المذاكرة، على أن يكون عدد المحكمين الذين تعينهم المحكمة مساوياً للعدد المتفق عليه بين الطرفين المادة (14-2). ولا يقبل قرار التعيين الطعن فيه بأي طريق من طرق الطعن، أما القرار برد التعيين فيمكن الطعن فيه خلال ثلاثين يوماً من تبليغ القرار أمام محكمـة النقض التي يجب عليها بت الطعن خلال ثلاثين يوماً من وصول الملف إليها المادة (5/14). 

   وتقضي المادة 17 (1- ب) مصري والمادة 14 (1-ج) سوري، بأنه متى كانت هيئـة ثلاثة محكمين، يكون للمحكم الذي اختاره المحكمان المعينان أو الذي اختارته المحكمة، رئاسة هيئة التحكيم، ويسري هذا الحكم أيضاً في حالة تشكيل هيئة التحكيم من أكثر من التحكيم مشكلة من ثلاثة محكمين.

   وإذا خالف أحد الطرفين إجراءات اختيار المحكمين المتفق عليهـا بينهمـا أو لم يتفـق المحكمان المعينان على أمر مما يلزم اتفاقهما عليه، أو إذا تخلف الغير عن أداء ما عهد إليه بـه في شأن تعيين المحكمين، تولت المحكمة المشار إليها في المادة (9) ذلك بناء على طلـب أحـد الطرفين، وذلك عند عدم الاتفاق على وسيلة أخرى لإتمام هذا الإجراء أو العمل (المـادة 3/17 مصري والمادة 4/14 سوري). 

  ولم يفرق قانون التحكيم، بين التحكيم بالقانون والتحكيم مع تفويض المحكمين بالصلح، فـي تحويل المحكمة سلطة تعيين المحكم، إذ يهدف القانون إلى تفويت الفرصة على الطـرف الـذي يحاول التنصل من تنفيذ الاتفاق باللجوء إلى التحكيم، برفضه تعيين محكم فـي حالـة تفويض المحكمين بالصلح.

   وللمحكمة حرية اختيار المحكم عند قيامها بتعيينه دون أن تنقيد في ذلك بما نصت عليـه المادة الثانية من قانون إصدار قانون التحكيم المصري من أن يصدر وزير العدل القرارات اللازمة لتنفيذ أحكام هذا القانون, ويضع قوائم للمحكمين الذي يجري الاختيار من بينهم وفقاً لحكم المادة (17) من هذا القانون"، وقد صدرت هذه القائمة بموجب قرار وزير العدل في مصر رقـم 3771 لسنة 1995، وتعد هذه القائمة إرشادية عند قيام المحكمة بتعيين المحكم، أي أنها ليـست ملزمة باختيار المحكم من الأسماء الواردة فيها، ولكن على المحكمة المختصة بتعيين المحكـم تحديده بالاسم، فليس لها أن تقضي بتعيين المحكم صاحب الدور دون بیان اسمه.

 

6- وقت اختيار المحكمين

   إذا لم يتفق طرفا التحكيم علي وقت اختيار المحكمين، فقد تولت المادة 1/17 مـن قـانون التحكيم المصري تحديد هذا الوقت على النحو الآتي:

  1- إذا كانت هيئة التحكيم مشكلة من محكم منفرد، فيتم تعيينه، عند عدم الاتفاق، بناء على طلب أحد الطرفين، من المحكمة المشار إليها في المادة (9) من القانون، وذلك في الوقت الذي يختاره طالب التحكيم لتقديم طلب التعيين.

  2- إذا كانت هيئة التحكيم مشكلة من ثلاثة محكمين، فالمفروض أن يختار كل طرف محكماً، ثم يتفق المحكمان على اختيار المحكم الثالث، فإذا لم يعيّن أحد الطرفين محكمـاً خـلال الثلاثين يوماً التالية لتسلمه طلباً بذلك من الطرف الآخر، أو إذا لم يتفق المحكمان المعينان علـي اختيار المحكم الثالث خلال الثلاثين يوماً التالية لتعيين آخرهما، فيتم بناء على طلب أحد الطرفين تعيين المحكم الذي كان على أحد الطرفين تعبيته أو المحكم الثالث الذي كان يتعين اختياره مـن المحكمين المختارين من الطرفين، بقرار من المحكمة المشار إليها في المادة (9).

  3- يوجب القانون على المحكمة التي تتولى تعيين المحكم، في الأحوال التي نص فيها على ذلك، أن تقوم بذلك على وجه السرعة، حتى لا يطول أمد التحكيم، بسبب إجراءات تعيين المحكم. وتضمنت المادة (14) من قانون التحكيم السوري على ذات الأحكام.

 

المبحث الثاني: القانون الفرنسي

7- عدد المحكمين

   يقوم تعيين المحكمين في القانون الفرنسي على مبدأ حرية الإرادة بما في ذلك تحديـد عـدد المحكمين بشرط أن يكون العدد فردياً. وقد نصت المادة 1453 من تقنين المرافعات الفرنسي بشأن التحكيم الداخلي، علي أن تشكل محكمة التحكيم Tribunal arbitral من محكم منفرد أو من عدد فردي impair من المحكمين.

  وفي مجال التحكيم الدولي، فقد نصت المادة 1493 من قانون المرافعات الفرنسي على أنه يجوز أن يعين اتفاق التحكيم، سواء بشكل مباشر أو بالإحالة إلى لائحـة تحكيميـة، المحكـم أو المحكمين أو بالنص على طريقة تعيينهم، ويعني ذلك أن النص الوحيد الوارد بشأن تشكيل محكمة التحكيم في التحكيم الدولي، يشير أيضاً إلى إمكان أن يكون المحكم منفرداً أو أن يتعدد المحكمون. وفي هذه الحالة وبالرغم من عدم النص على ذلك في المادة 1493، فإنه متى تعـدد المحكمـون أيضاً، كما في حالة التحكيم الداخلي، أن يكون العدد وتراً، لأنه ليس ثمة ما يمنع من امتداد بعض قواعد التحكيم الداخلي إلى التحكيم الدولي متى كان ذلك مناسباً، لذلك ينطبق على التحكيم وجب الدولي بشأن عدد المحكمين نص المادة 1453، فيجوز أن يتم تشكيل محكمة التحكيم من محك منفرد أو من عدد فردي من المحكمين .

 

8- كيفية اختيار المحكمين

  بالرغم من عدم ورود أحكام قانونية تفصيلية في القانون الفرنسي تعالج كيفيـة اختيـار المحكمين سواء على مستوى التحكيم الداخلي أو التحكيم الدولي، فقد تضمنت النصوص الواردة في قانون المرافعات، في هذا الشأن ما يفيد بسمو إرادة الطرفين عند اختيار المحكمين على ايـة وسيلة أخرى.

   وبينما تقضي المادة 1453 في مجال التحكيم الداخلي بأن عدد المحكمين يجب أن يكون وترا، فإن المادة 1454 تضع الحل عند قيام الطرفين بتعيين عدد زوجي من المحكمين، فإنـه يتعين اختيار محكم آخر سواء من قبل طرفي النزاع أو عند تعذر ذلك، يقوم المحكمون المعينون من عدد زوجي باختياره، فإذا لم يتفقوا، يقوم رئيس المحكمة الابتدائية باختياره. 

  أما في مجال التحكيم الدولي فقد نصت المادة 1493 في فقرتها الثانية على أنه متـى كـان التحكيم يجري في فرنسا، أو متى اتفق الطرفان على تطبيق قانون المرافعات الفرنسي علـى إجراءات التحكيم، فإنه عندما يصلاف تشكيل هيئة التحكيم أية عقبة، يجوز لأحد الطرفين، فـي حالة عدم وجود اتفاق على العكس، أن يبادر إلى طلب الفصل في تلك المشكلة من رئيس محكمة باريس الابتدائية، طبقاً للكيفية التي نصت عليها المادة 1457 مرافعات. 

  وقد أشارت المادة 1457 مرافعات إلى نصوص المواد التي تعرض لحالات معينة يصادف فيها تشكيل محكمة التحكيم بعض العقبات، وقضت بأن يصدر رئيس المحكمة، الذي يلجا إليه أحد الأطراف أو محكمة التحكيم، كما لو كان قاضياً للأمور المستعجلة قراره في صورة أمر غيـر قابل للطعن فيه، إلا إذا قرر رئيس المحكمة أن شرط التحكيم ظاهر البطلان أو غير كاف بشكل يسمح بتشكيل محكمة التحكيم، فيجوز الطعن عليه بالاستئناف وفقاً لقواعد الطعن في أحد مسائل مخالفة أحكام الاختصاص، وبينت الفقرة الأخيرة من المادة 1457 قواعد الاختصاص المحلي لرئيس المحكمة المختص بإصدار القرار. 

   ومما تقدم يتبين أنه برغم أن القانون الفرنسي يعطي الأولوية لإرادة طرفي التحكــم فـي تعيين المحكمين، إلا أنه يواجه الفرض الذي يصعب فيه تشكيل محكمة التحكيم وفقـاً لاتفـاق طرفيه. فنص على أنه في مجال التحكيم الدولي يختص رئيس محكمة باريس الابتدائيـة بتعيين المحكم وفقاً للطريقة التي نصت عليها المادة 1457 مرافعات، على نحو ما سلف بيانه.

   وإذا كانت المادة 2/1493 من قانون المرافعات الفرنسي أعطت لرئيس محكمـة بـاريس الابتدائية اختصاص الفصل في المشاكل المتعلقة بتعيين المحكم في الحالتين المشار إليهمـا فـي النص، أي إجراء التحكيم في فرنسا أو اتفاق الطرفين على تطبيق القانون الفرنسي على إجراءات التحكيم، فإن من المقرر أيضاً أنه متى لجأ أحد طرفي التحكيم إلى رئيس محكمة باريس الابتدائية في غير الحالتين المنوه عنهما ولم يعترض الطرف الآخر على منحه هذا الاختصاص، فإن ذلـك بعد اتفاقاً ضمنياً بين الطرفين على قبول رئيس المحكمة المشار إليه كسلطة تعيين للمحكم، عند عدم تعيين الطرفين صراحة لهذه السلطة.

 

المبحث الثالث: القانون الإنجليزي

 9- أهمية الموضوع

   إهتم القانون الإنجليزي للتحكيم الصادر سنة 1996 بموضـوع تشكيل محكمـة التحكيم arbitral tribunal فخصص له حسن عشرة مادة وهي المواد من 15 إلى 29 منـه وقـد عرض القانون في هذه المواد، القواعد المتعلقة بعدد المحكمين، وكيفية تشكيل المحكمة سواء عند اتفاق الطرفين أو في حالة الخلاف بينهما، ووقت التعيين فضلاً عن الشروط التي يجب توافرهـا في المحكمين، والأحكام الخاصة برئيس محكمة التحكيم والمحكم المرجح، وإنهاء عمـل ورد وعزل المحكمين، ومسؤولية المحكمين وحصانتهم. 

  ويطبق التشريع الانجليزي للتحكيم على كل من التحكيم الداخلي والتحكيم الدولي.

 

 10- عدد المحكمين

   من المقرر وفقاً للمادة 1/15 من قانون التحكيم الإنجليزي الصادر سنة 1996، أن الطرفين حرية تحديد عدد المحكمين عند تشكيل محكمة التحكيم ويشمل ذلك الاتفاق على تعيين رئيس لمحكمة التحكيم Chairman أو تعيين محكم مرجح Umpire. وإذا اتفق طرفا التحكيم على أن يكون عدد المحكمين إثنين أو عدداً زوجياً آخر، فإنه يجب فهم هذا الاتفاق على أنه يجب تعيين محكم إضافي كرئيس لمحكمة التحكيم، ما لم يتفق على غير ذلك (2/15). 

   وإذا لم يوجد اتفاق على عدد المحكمين، فإن محكمة التحكيم ستتكون مـن مـحـكـم واحـد(3/15).

   ويبين مما تقدم أن القانون الإنجليزي يختلف عن حكم القانون النموذجي بشأن تحديـد عـدد المحكمين برغم أن القانون النموذجي هو مصدر قانون التحكيم الانجليزي، إذ نص القانون الأخير في المادة (10) على أنه عند عدم الاتفاق على عدد المحكمين كان العدد ثلاثة. 

   من ناحية أخرى فإن القانون الانجليزي يجيز، كما قدمنا، أن يتفق الطرفان على أن يكـون عدد المحكمين زوجياً، فإذا لم يوجد اتفاق صريح على بقاء العدد زوجياً، وجب أن يكون العـدد وتراً، لأن الاتفاق على مجرد أن يكون العدد زوجياً يعني ضرورة تعيين محكم إضافي كرئيس لمحكمة التحكيم.

 

11- إجراءات تعيين المحكمين

   من حق طرفي التحكيم، الاتفاق على إجراءات تعيين المحكم، بما في ذلك تعيين رئيس محكمة التحكيم أو المحكم المرجح ( مادة 1/16). أما إذا لم يوجد اتفاق على إجراءات التعيين، وجب إتباع القواعد الآتية، التي نصت عليها الفقرات من الثانية إلى السادسة من المادة 16: 

   (1) إذا كانت محكمة التحكيم يجب أن تشكل من محكم منفرد، فعلى الطرفين اختياره خلال مدة لا تجاوز ثمانية وعشرين يوماً من إعلان طلب كتابي من أحد الطرفين إلى الآخـر لإتمـام التعيين.

   (2) إذا كانت محكمة التحكيم يجب أن تشكل من محكمين إثنين، فعلى كـل طـرف تعيين محكم واحد خلال مدة لا تتجاوز أربعة عشر يوماً من إعلان طلب كتابي من أحد الطرفين إلـى الآخر لإتمام هذا التعيين. 

  (3) إذا كانت محكمة التحكيم يجب أن تشكل من ثلاثة محكمين، وجب على كل طـرف أن يعين محكماً واحداً خلال مدة لا تتجاوز أربعة عشر يوماً من إعلان طلب كتابي من أحد الطرفين إلى الآخر لإتمام التعيين. ويقوم المحكمان المعينان من الطرفين بتعيين محكـم ثـالـث كـرئيس لمحكمة التحكيم.

 (4) إذا كانت محكمة التحكيم يجب أن تشكل من محكمين إثنين ومحكم مرجح، فإنه يتعـين على كل طرف أن يقوم بتعيين محكم، خلال مدة لا تتجاوز أربعة عشر يوماً، من إعلان طلـب كتابي من أحد الطرفين إلى الآخر بإتمام التعيين. ويقوم المحكمان المعينان من الطرفين بتعيين محكم مرجح في أي وقت بعد تعيينهما وقبل عقد أية جلسة لنظر موضوع النزاع، أو إذا لم يتمكنا من الوصول إلى اتفاق بشأن أمر من أمور التحكيم.

 

12- سلطة القضاء في تعيين المحكم

  يتميز القانون الإنجليزي عن القانون النموذجي ومعظم القوانين التي تبنت أحكامه، بالحلول التي وضعها عند تخلف أحد الطرفين في إتفاق التحكيم، عن تعيين محكمه، إذ تقضي المادة (17) من قانون التحكيم الإنجليزي بأنه في حالة عدم اتفاق الطرفين على غير ذلك، فإنه متى كان يجب على كل من طرفي اتفاق تحكيم أن يعين محكماً، ورفض أحدهما أو تخلف عن ذلك خلال المـدة المحددة، فإن للطرف الآخر الذي قام بتعيين محكمه تعييناً صحيحاً، أن يخطـر كتابـة الطـرف المتخلف عن التعيين باقتراح تعيين محكمه كمحكم منفرد. فإذا لم يقم الطرف المتخلف خلال سبعة أيام من هذا الإخطار بتعيين محكمه وإخطار الطرف الآخر بذلك، يقوم الطرف الآخـر بتعيين محكمه كمحكم منفرد ويكون الحكم الذي سيصدره . ملزماً للطرفين كما لو كـان معينـاً باتفـاق الطرفين. 

   ومع ذلك فإنه يجوز طبقاً للفقرة الثالثة من المادة (17)، للطرف الذي تخلـف عـن تعـيـين محكمه بعد إخطاره الطرف الآخر أن يطلب من محكمة الدولة Court إلغاء تعيـن المحكـم المنفرد. وتجيز الفقرة الرابعة من المادة، استئناف حكم المحكمة سواء بالتعيين أو بالإلغاء، بنـاء على إذن leave من المحكمة التي أصدرت الحكم. 

   أما إذا لم تنجح إجراءات تشكيل هيئة التحكيم، فقد نصت المادة 18(1) من القانون على حق الطرفين في الاتفاق على تحديد ما يتبع في هذه الحالة، وقررت أنه لا يعد من قبيل الإخفاق فـي اختيار المحكم، تعيين المحكم المنفرد الذي يتم صحيحاً وفقاً للمادة (17) على ما قدمناء مـا لـم يتقرر إلغاء هذا التعبين، فإذا لم يوجد اتفاق بين الطرفين، فمن حق أحدهما أن يطلب من محكمة الدولة، بناء على إخطار يوجه إلى الطرف الآخر، ممارسة سلطاتها التي تنص عليهـا الفقـرات الفرعية الثلاثة من المادة 18(3) وهي:

  أ- أن تصدر أوامر بشأن إجراء أية تعيينات لازمة للمحكمين.

 ب- أن تأمر بتشكيل محكمة التحكيم وفقاً للتعبيئات التي تمت فعلاً بالنسبة لهذه المحكمة أو لواحد أو أكثر من أعضائها.

 ج- أن تلغي أي تعيين تم لأحد أعضاء محكمة التحكيم.

 د - أن تقوم بنفسها باية تعيينات لازمة للمحكمين.

    ويكون لأي تعيين تقوم به محكمة الدولة وفقاً للمادة (18) ذات الأثر القانوني للتعيين الـذي يتم باتفاق الطرفين (م 4/18)، 

   ويتعين الحصول على إذن المحكمة التي أصدرت قراراً بإجراء تعيين للمحكمين وفقاً للمادة (18) للطعن بالاستئناف في هذا القرار.

 

13- رئيس محكمة التحكيم والمحكم المرجح

   تناولت المادتان 20 و21 من قانون التحكيم الإنجليزي حالتي تعيين رئيس محكمة التحكيم، وتعيين محكم مرجح لها. 

   وقد نصت المادة 20 على أنه متى اتفق طرفا التحكيم على أن يكون هناك رئيس لمحكمـة التحكيم، فإن لهما حرية الاتفاق على تحديد اختصاصات هذا الـرئيس فيما يتصل بإصـدار القرارات decisions والأوامر orders والأحكام awards. فإذا لم يوجد مثل هذا الاتفاق، فإن القرارات والأوامر والأحكام التي تصدر عن هيئة التحكيم ستتم من جميع أو من أغلبية المحكمين بمن فيهم الرئيس. وإذا لم يتوافر الإجماع أو الأغلبية، سترجح وجهة نظر رئيس محكمة التحكيم بشأن إصدار القرار أو الأمر أو الحكم.

   ويلاحظ البعض، أنه ليس مطلوباً في حكم التحكيم أن يذكر من هم المحكمين الذين يشكلون الأغلبية أو ما إذا كان هناك إجماع بين المحكمين أم لا، إذ أنه يجب أن يوقع الحكـم المحكمـون الذين وافقوا عليه، أو قد يوقع الحكم جميع المحكمين دون ذكر الأقلية التي لم توافق عليـه متـى فضلت محكمة التحكيم ذلك. 

   أما إذا اتفق طرفا التحكيم على أن يكون هناك محكم مرجح، فإن لهما حرية الاتفاق علـى تحديد اختصاصه، وعلى وجه الخصوص، بيان ما إذا كان يجوز له حضور إجراءات التحكيم، حتى يمكن أن يحل المرجح محل بقية المحكمين بصفته محكمة التحكيم، مـع سـلطة إصـدار القرارات والأوامر والأحكام (المادة 1/21). 

   فإذا لم يوجد اتفاق بين طرفي التحكيم في هذا الشأن فقد نصت المادة 21 في الفقرات مـن الثالثة إلى السادسة، على أن تطبق القواعد التالية: 

  (1) يحضر المرجح إجراءات التحكيم ويزود بجميع المستندات وغيرها من الأوراق التـي قدمت إلى بقية أعضاء محكمة التحكيم. 

  (2) تصدر القرارات والأوامر والأحكام من باقي المحكمين، دون المرجح، ما لـم يخفـق المحكمان في التوصل إلى اتفاق على أحد الأمور التي تتصل بالتحكيم. 

   وفي هذه الحالة، يتعين على المحكمين إخطار الطرفين والمحكم المرجح، وعندئذ يحـل المرجح محلهما ويصبح وحده محكمة التحكيم وينفرد بسلطة إصدار القرارات والأوامر والأحكام كما لو كان محكماً منفرداً.

 (3) إذا لم يصل المحكمان إلى اتفاق وأخفقا في توجيه الإخطار بهذه الواقعة إلى الطرفين والمرجح، أو أخفق أحد المحكمين في الانضمام إلى الآخر في توجيه الإخطار، فيجوز لكل طرف في إجراءات التحكيم، بعد إخطار كل من الطرف الآخر ومحكمة التحكيم، أن يعرض الأمر على محكمة الدولة التي قد تأمر بأن بحل المرجح محل المحكمين ليصبح وحده محكمة التحكيم، وتكون له سلطة إصدار القرارات والأوامر والأحكام، كما لو كان محكماً منفرداً. 

  (4) يتعين الحصول على إذن محكمة الدولة، بشأن استئناف أحد قراراتها وفقاً لهذه المادة. 

   ونلاحظ مع البعض، أن نظام المحكم المرجح Umpire نظام إنجليزي النشأة، وكان محل دراسة من اللجنة التي وضعت مشروع قانون التحكيم الصلار سنة 1996 وانتهت اللجنة إلى الإبقاء عليه. 

   وقررت المادة 22 من القانون الإنجليزي، الحكم عند اتفاق الطرفين على تعيين محكمين اثنين أو أكثر مع عدم تعيين رئيس لمحكمة التحكيم أو محكم مرجح، ففي هذه الحالة مـن حـق الطرفين أن يتفقا على أسلوب قيام محكمة التحكيم بإصدار القرارات والأوامر والأحكام، فإذا لـم يوجد مثل هذا الاتفاق، تصدر القرارات والأوامر والأحكام بإجماع المحكمين أو بالأغلبية.

 

 المبحث الرابع: القانون النموذجي

14- عدد المحكمين

    تأخذ المادة 10 من القانون النموذجي Model Law الصادر عن اليونسترال بمبدأ حرية طرفي التحكيم في تحديد عدد أعضاء هيئة التحكيم. وتقضي هذه المادة بأن للطرفين حرية تحديد عدد المحكمين, فإن لم يفعلا ذلك كان عدد المحكمين ثلاثة.. 

   ولم يرد في القانون النموذجي نص صريح يوجب أن يكون عدد أعضاء هيئة التحكيم وتراً، فيجوز إذن بحسب ظاهر نص المادة 1/10 منه أن يتفق طرفا التحكيم علـى أن يكون العـدد زوجياً ومع ذلك تقضي المادة (29) من القانون، بأن تتخذ قرارات هيئـة التحكيم بأغلبيـة أعضائها ما لم يتفق طرفا التحكيم على غير ذلك. كما تقضي المادة (31) بأن يوقع المحكمـون حكم التحكيم، ومع ذلك يكفي توقيع أغلبية المحكمين بشرط ذكر سبب عدم توقيع الأقلية. ويصعب تطبيق هذين النصين عندما تشكل هيئة التحكيم من عدد زوجي، لأنه قد يصعب الوصـول إلـى أغلبية في هيئة التحكيم المشكلة من عدد زوجي.

 

15- تعيين المحكمين

 

   وضعت المادة (11) من القانون النموذجي قواعد اختيار المحكمين. وتتضمن هذه المادة ست فقرات تعالج الموضوع من شتى جوانبه.

   ويقيم القانون النموذجي إجراءات تعيين المحكمين على أساس مبدأ حريـة إرادة طرفـي التحكيم، إذ الأصل أن لهما حرية الاتفاق على الإجراءات الواجب اتباعها فـي تعيين المحكـم (المادة 1/11).

   وفي حالة عدم اتفاق الطرفين على تلك الإجراءات، فإن الفقرة (3) من النص تفـرق بين حالة تشكيل هيئة التحكيم من ثلاثة محكمين، وتشكيلها من محكم منفرد، ففي الحالة الأولى بعـين كل طرف محكماً، ويقوم المحكمان المعينان بتعيين الثالث، وفي حالة عدم قيـام أحـد الطرفين بتعيين محكمه خلال ثلاثين يوماً من تسلمه طلباً بذلك من الطرف الآخر، أو في حالة عدم قيـام المحكمين المختارين من طرفي التحكيم بتعيين المحكم الثالث خلال ثلاثين يوماً مـن تعيينهمـا وجب أن تقوم بتعيينه، بناء على طلب أحد الطرفين، المحكمة (محكمة الدولة) أو السلطة الأخرى التي يحددها تشريع كل دولة. 

   أما إذا كان التحكيم بمحكم منفرد، فإنه إذا لم يتمكن الطرفان مـن تعيينـه، تولـت تعيينـه المحكمة أو السلطة الأخرى التي يحددها تشريع كل دولة.

  ومن المقرر وفقاً للفقرة (4) من المادة (11) أنه متى اتفق طرفا التحكيم علـى إجـراءات تعيين المحكم، فيجوز، مع ذلك، لأي من الطرفين أن يلجأ إلى محكمة قضاء الدولة أو إلى السلطة الأخرى المحددة قانوناً، لتتخذ الإجراء اللازم لتعيين المحكم في الأحوال الآتية:

  (أ) إذا لم يتصرف أحد الطرفين وفقاً للإجراءات المتفق عليها. 

  (ب) إذا لم يتمكن الطرفان أو المحكمان من التوصل إلى اتفاق مطلوب منهما وقفـاً لهذه الإجراءات. 

  (ج) إذا لم يتمكن شخص ثالث، بما في ذلك إحدى المنظمات التحكيمية (متى كانت هذه الإجراءات تحدد مثل هذا الشخص) من أداء المهمة المعهود بها إليه.

  كل ذلك مالم ينص الاتفاق بين طرفي التحكيم بشأن إجراءات التعيين على وسيلة أخـرى لضمان التعيين.

   ويعد قرار التعيين الصادر عن محكمة الدولة أو السلطة الأخرى المختصة بالتعيين فـي الحالات التي أشارت إليها المادة (11) نهائياً غير قابل للطعن فيه (للمادة 5/11).

 

الفرع الثاني: تشكيل هيئة التحكيم وفقاً لقواعد بعض المنظمات

 16- قواعد غرفة التجارة الدولية

   يقضي شرط التحكيم النموذجي الصادر عن غرفة التجارة الدولية ICC في مستهل قواعدها المعمول بها اعتباراً من أول يناير 1998، بأن جميع المنازعات التي تنشأ عن (العقد) أو التي لها علاقه به يتم حسمها نهائياً وفقاً لقواعد تحكيم الغرفة، بواسطة محكم أو عدة محكمين يتم تعيينــهم طبقاً لتلك القواعد. وقد تضمنت المواد من (7) إلى (12) الأحكام المتعلقة بمحكمـة التحكيم. ونصت المواد 8 و9 و10 على قواعد تشكيل محكمة التحكيم. 

   وتقضي المادة (8) بأن تشكل محكمة التحكيم من محكم منفرد أو من ثلاثة محكمين، فإذا لم يتفق الطرفان على عدد المحكمين، فإن المحكمة الدولية للتحكيم (إحدى هيئـات الغرفـة) تقـوم تعيين محكم منفرد مالم يتبين لها أن نوع النزاع يقتضي تعيين ثلاثة محكمين، وفي هذه الحالـة يقوم المدعي بتعيين محكم خلال الخمسة عشر يوماً التالية لإخطاره بقرار المحكمة الدولية، ويقوم المدعى عليه بتعيين محكم خلال الخمسة عشر يوماً التالية لإخطاره بتعيين المدعي لمحكم.

   وقد يتفق الطرفان على حل النزاع بواسطة محكم منفرد، وقد يتفقان عليه، فإذا لم يتفقا خلال الثلاثين يوماً التالية لتسلم الطرف الآخر طلب التحكيم المقدم من المدعي، ستتولى المحكمة الدولية تعيينه .

   فإذا كان النزاع يتعين الفصل فيه من ثلاثة محكمين، فسيعين كل طرف محكماً، إما في طلب التحكيم أو في الرد عليه، فإذا أخفق أحد الطرفين في تعيين محكمه، سيتم التعيين من المحكمـة الدولية التي ستعين المحكم الثالث الذي يعمل رئيساً لمحكمة التحكيم، مالم يتفق الطرفان علـي وسيلة أخرى لتعيينه.

  وطبقاً للمادة (9) من القواعد، فإن المحكمة الدولية تصادق على تعيين المحكم الذي لا تقوم به هذه المحكمة.

   وفي حالة تعدد أفراد أحد طرفي النزاع multiple parties فإن المادة (10) تقضي بـان متى وجب نظر النزاع من ثلاثة محكمين، يتفق أفراد كل طرف على تعيين محكـم واحـد وتستكمل بقية الإجراءات وفقاً للقواعد السالف الإشارة إليها. 

   فإذا أخفق أفراد الطرفين في الاتفاق على التعيين المشترك لمحكم واحد عن أفراد كل منهما، ولم يتمكنا كذلك من الاتفاق على وسيلة لتشكيل محكمة التحكيم، فإن المحكمـة الدوليـة ستقوم بتعيين جميع أعضاء محكمة التحكيم وتعيين أحدهم رئيساً لها.

 

17- قواعد محكمة لندن للتحكيم الدولي

   صدرت هذه القواعد عن محكمة لندن للتحكيم الدولي LCIA وأصبحت نافذة من أول يناير سنة 1998.

   وقد نصت المادة (5) من هذه القواعد على أن تعبير "محكمة التحكيم" ينصرف إلى المحكـم المنفرد أو جميع المحكمين متى كانوا أكثر من واحد، ولم تتقيد هذه المادة بأن يكون العدد ثلاثة، كما فعلت قواعد غرفة التجارة الدولية، وهو الأمر الذي يتسق مع أحكـام قـانون التحكيم الإنجليزي، على نحو ما سلف.

   وتقضي المادة (5) أيضاً بأن محكمة لندن للتحكيم الدولي هي وحدها السلطة المختصة بتعيين المحكمين، ولكنها تراعي عند التعيين الطريقة أو المعيار الذي وافق عليه الطرفان كتابة. وتقوم محكمة لندن للتحكيم بالتعيين بمجرد تسلم مسجل المحكمة Registrar رد المدعى عليه أو بعد مضي الثلاثين يوماً التالية لإعلان طلب التحكيم إلى المدعى عليه، إذا لم يتسلم المسجل منـه رداً على طلب التحكيم، ويتم ذلك بغض النظر عما إذا كان طلب التحكيم غير كامل أو كان رد المدعى عليه مفقودا أو متأخراً أو غير كامل، وتقوم محكمة لندن للتحكيم يتعيين المحكم المنفرد مالم يتفق الطرفان كتابة على غير ذلك، أو مالم تقرر محكمة لندن للتحكيم أن من المناسب بالنظر إلى ظروف الدعوي تشكيل محكمة التحكيم من ثلاثة أعضاء. وإذا شكلت محكمة التحكــم سـن ثلاثة، تعين محكمة لندن للتحكيم رئيس المحكمة، والذي لن يكون تعيينه من الطرفين.

 

18- قواعد اليونسترال ومركز القاهرة للتحكيم 

   تضمنت قواعد اليونسترال الصادرة سنة 1976، وهي القواعد التي تبناها مركـز القاهرة الإقليمي للتحكيم التجاري الدولي، نصوصاً تتعلق بتشكيل هيئة التحكيم في المواد من (5) إلـى (14) .

   وتقضي المادة (5) من القواعد المشار إليها عند عدم اتفاق الطرفين على عدد المحكمين (أي محكم واحد أو ثلاثة) ولم يتفقا خلال خمسة عشر يوماً من تاريخ تسلم المدعى عليـه إخطـار التحكيم، على ألا يكون هناك محكم واحد فقط، وجب أن تشكل هيئة التحكيم من ثلاثة محكمين.

   ووفقاً للمادة (6) إذا اتفق طرفا التحكيم على تشكيل الهيئة من محكم منفرد، جاز لكل منهما أن يقترح على الآخر اسم شخص واحد أو أسماء عدة أشخاص لاختيار المحكم المنفرد من بينهم، أو اسم مؤسسة تحكيمية أو أكثر أو شخص أو أكثر يمكن اختيار سلطة التعيين من بينها، إذا لـم يكن الطرفان قد اتفقا على تسمية سلطة تعيين. 

   فإذا انقضى ثلاثون يوماً من تاريخ تسلم أحد الطرفين إقتراحاً بتسمية المحكـم أو سلطة التعيين، تولت سلطة التعيين التي اتفق عليها الطرفان تعيينه، فإن لم توجد، جاز لكل طـرف أن يطلب من أمين عام محكمة التحكيم الدائمة بلاهاي، تسمية سلطة تعيين. 

   ويعد مركز القاهرة عند الاتفاق على تطبيق قواعده هو سلطة التعيين وفقاً للمـادة (6) مـن قواعد المركز.

   ويتم التعيين وفقا لنظام القوائم التي تتضمن ثلاثة أسماء على الأقل ترسل إلـى كـل مـن الطرفين. ويقوم كل طرف بشطب الإسم أو الأسماء التي يعترض عليها مع ترتيب باقي الأسماء

   حسب تفضيله وذلك خلال خمسة عشر يوماً من تاريخ تسلم هذه القائمة، وتراعي سلطة التعيين هذا التفضيل عند تعيين المحكم.

   أما إذا كان المطلوب هو تعيين ثلاثة محكمين، فإن كل طـرف يختـار محكمـاً، ويختـار المحكمان المعينان المحكم الثالث وهو الذي يتولى رئاسة هيئة التحكيم (المادة 7). 

   فإذا لم يعين أحد الطرفين محكمه خلال ثلاثين يوماً من إرسال إخطار إليـه مـن الطـرف الآخر، فيجوز للأخير أن يطلب من سلطة التعيين، تعيين المحكم الثاني. 

   وإذا انقضى ثلاثون يوماً من تاريخ تعيين المحكم الثاني دون أن يتفق المحكمان على إختيار المحكم الرئيس، تولت سلطة التعيين اختيار هذا المحكم بإتباع نفس الطريقة التي يعين بها المحكم المنفرد.

   وتقضي قواعد مركز القاهرة (سنة 2007) في المادة 8 مكرراً بأنه عندما يتضمن التحكيم متعدد الأطراف طرفين مدعيين أو أكثر، أو طرفين مدعى عليهما أو أكثر، ولم يتفق الأطـراف على التعيين خلال خمسة وأربعين يوماً من تاريخ إخطارهم بطلب التحكيم، يتولى المركز تعيين جميع المحكمين بناء على طلب أي من الأطراف، ويقوم المركز بتعيين واحـد مــن المحكمـين المعينين للعمل رئيساً لهيئة التحكيم.   

   ونلاحظ أن هذا الحكم الجديد من قواعد المركز قد تبني حكم المادة (10) من قواعد غرفة التجارة الدولية ICC سنة 1998.

 

الفصل الثاني: شروط تعيين المحكم

    19- تمهيد: تستخلص شروط تعيين المحكم من عدة نصوص متفرقة وردت في هذا الشأن في تشريعات التحكيم في مختلف الدول، وكذلك قد ترد بعض هذه الشروط في قواعـد التـحكــيم الصادرة عن مختلف المنظمات والمراكز التحكيمية والتي يمكن إستخلاصها صراحة أو ضمناً من تلك القواعد.

   وإذا كان الأصل أن لكل من طرفي التحكيم كامل الحرية في اختيار محكمـه، إلا أن هـذه الحرية ليست مطلقة، إذ عليهما مراعاة القواعد الآمرة التي قد تنص عليها تشريعات التحكيم فـي هذا الشأن. 

   ومن خلال النصوص التشريعية في مجال التحكيم، فإن الشروط التي يجب توافرهـا فـي المحكم عند تعيينه، لا تخرج عن شروط تتعلق بأهلية المحكم، وقبول المحكـم للتعيين، وحيـاد المحكم واستقلاله، بالإضافة إلى الشروط التي يتفق طرفا التحكيم سبقاً على ضرورة توافرها.

ونعرض في أربعة فروع للشروط المشار إليها.

 

الفرع الأول: أهلية المحكم

 

20 - الأهلية المدنية للمحكم

   نصت المادة 16 من قانون التحكيم المصري على أنه لا يجوز أن يكون المحكم قاصـراً أو محجوراً عليه أو محروماً من حقوقه المدنية بسبب الحكم عليه في جناية أو جنحة مخلة بالشرف او بسبب شهر افلاسه ما لم يرد إليه اعتباره. 

   ويعني هذا النص أن المحكم يجب أن يكون متمتعاً بكامل أهليته المدنية وفقاً لقانون جنسيته تطبيقاً للمادة 11 من التقنين المدني المصري، أي أن المحكم المصري يجب أن يكون بالغاً سـن الرشد وهي احدى وعشرون عاماً. ومتمتعاً بكامل قواه العقلية ولم يصدر حكم بالحجر عليه وفقاً لما تقضي به المادة 44 مدني.

  وتقضي المادة (1/13) من القانون السوري بذات الحكم، عدا عدم النص على استبعاد مـن حكم بشهر افلاسه من التعيين كمحكم.

   وتقضي المادة 1451 من تقنين المرافعات الفرنسي بأنه يجب أن يتمتع المحكم بكامل حقوقه المدنية، لذا لا يجوز أن يتولى التحكيم من يحرم من أي حق من حقوقه المدنية.

   وعلى ذلك لا يجوز للقاصر أن يتولى التحكيم لأنه لا يتمتع بكامل أهلية الإدارة أو التصرف فيما يتصل بأمواله، ولو كان مادونا بأعمال الإدارة.

   ووفقاً للقانون المصري، لا يجوز أن يتولى التحكيم من سبق الحكم عليه في جناية أو جنحة مخلة بالشرف، أو حكم بشهر إفلاسه ما لم يرد إليه اعتباره. 

   ويختلف هذا الحكـم عن الحكـم فـي القانون السوري، إذ يجوز أن يعين محكمـاً مـن حكم بشهـر إفلاسه، أما القانون المصري فيشترط لذلك أن يكون قد رد إلـى المفلـس إعتباره.

 

21- جنس وجنسية المحكم 

   تقضي الفقرة الثانية من المادة 16 من قانون التحكيم المصري بأنه لا يشترط أن يكون المحكم من جنس أو جنسية معينة إلا إذا اتفق طرفا التحكيم أو نص القانون على غير ذلك. 

   وهو ذات الحكم الوارد في المادة (2/13) من القانون السوري. 

   ويعني ما تقدم أنه يجوز أن يكون المحكم رجلاً أو امرأة، كما يجوز أن يكون المحكم وطنياً أو أجنبياً، وهذا الحكم يسري سواء على التحكيم الداخلي أو التحكيم الدولي. 

   وبالرغم من عدم نص القانون الفرنسي على جواز أن يكون المحكم أجنبياً، فإن الراجح هو جواز ذلك دون حاجة إلى نص خاص. 

   وتبدو أهمية هذا الحكم في التحكيم التجاري الدولي، إلا أنه تجب ملاحظة ما تقضي به المادة 5/11 من القانون النموذجي من أنه يتعين على المحكمة أو أي سلطة تعيين أخرى للمحكم عنـد قيامها بتعيين محكم أن تولي الاعتبار لضمان تعيين محكم من جنسية غير جنسية الطرفين. وهذا هو ما قضت به المادة 4/6 من قواعد اليونسترال، وكذلك المادة 4/6 من قواعد مركز القاهرة الإقليمي التجاري الدولي.

   وتوجب المادة 5/9 من قواعد تحكيم غرفة التجارة الدولية بباريس أن يكون المحكم المنفرد رئيس هيئة التحكيم من جنسية مختلفة عن جنسية الأطراف، إلا إذا لم يعترض أحـدهم علـى تعيينه من جنسية أحد الأطراف. وتأخذ بذات الحكم قواعد محكمة لندن للتحكيم الدولي (المـادة 1/6) 

 

22- أن يكون المحكم شخصاً طبيعياً 

   ولما كان التحكيم على ما قدمنا، بعد قضاء خاصاً، فلا شك في نظرنا أن المحكم يجب أن يكون شخصاً طبيعياً، بالرغم من عدم النص صراحة على ذلك في القانون المصري إذ لم يرد فيه نص مماثل لنص المادة 1451 من قانون المرافعات الفرنسي التي تشترط صراحة ذلك، لأن نص المادة 16 من قانون التحكيم المصري تفترض دون نص صريح أن يكون المحكم شخصاً طبيعياً لأن الصفات والشروط التي وردت في هذا النص لا يمكن أن تتصرف إلا إلى الشخص الطبيعي. لذلك فإن التساؤل قد يثور، إذا عهد اتفاق التحكيم إلى شخص معنوي مثـل أحـد المنظمـات أو المراكز التحكيمية بتولي التحكيم، فهل يعني ذلك أن يتولى الشخص المعنوي مهمة المحكم؟

   يذهب البعض في فرنسا إلى أنه إذا كان من المقرر طبقاً للمادة 1451 مرافعات أنـه عنـد تعیین شخص معنوي كمحكم فلا يكون لهذا الشخص المعنوي إلا سلطة تنظيم التحكيم، فيجـب استثناء التحكيم التجاري الدولي من هذا الحكم فيصبح مركز التحكيم المختار هو نفسه المحكـم ويعتبر الأشخاص الطبيعيون الذين يعينهم المركز لإصدار الحكم كأنهم يعملـون بـاسـم المركـز وتختلط أشخاصهم به. ونحن لا نتفق مع هذا الرأي، سواء في ظل القانون الفرنسي أو في ظـل القانون المصري، إذ يمنع القانون الفرنسي ذلك بصريح النص ودون تفرقة بين تحكــم داخلـي وتحكيم دولي، كما يستخلص هذا الحكم ضمنا من نص المادة 16 من قانون التحكيم المصري.

   ونرى أنه يترتب على كون المحكم قاضياً خاصاً، أنه متى كان التحكيم وفقاً لأحكام القانون دون تفويض بالصلح، يفضل أن يكون المحكم أو أحد المحكمين عند تعددهم من رجال القانون، وإن كان القانون المصري لم يشترط ذلك، وتشارك البعض الرأي بأن وجود رجل قانون ضمن هيئة التحكيم من شأنه أن يؤدي إلى ضبط إجراءات التحكيم ومراعاة الضمانات الأساسية للتقاضي ويفرض احترام الضوابط التي يجب على هيئة التحكيم التحلي بها، ونضيف إلى ما تقدم، أن تسبيب حكم التحكيم وبيان أسانيده القانونية يحتاج إلى متخصص، حتـى لا يتعرض الحكـم للبطلان.

 

23- جواز أن يكون المحكم قاضياً

   تنص المادة 63 من القانون المصري رقم 46 لسنة 1972 بشأن تنظيم السلطة القضائية و المعدل بالقانون رقم 142 لسنة 2006 في فقرتها الأولى على أنه:

   "لا يجوز للقاضي، بغير موافقة المجلس الأعلى للهيئات القضائية، أن يكون محكماً ولو بغير أجر، ولو كان النزاع غير مطروح على الفضاء، إلا إذا كان أحد أطراف النزاع من أقاربه أو أصهاره حتى الدرجة الرابعة بدخول الغاية".

  وهذا النص صريح وواضح دون ليس، أنه وفقاً لمفهوم المخالفة للنص، يجوز للقاضي تولي التحكيم بشرط موافقة المجلس الأعلى للهيئات القضائية على ذلك، إذ أن المقصود من الحـصول على لأن المجلس المشار إليه، التحقق من ملاءمة قيام القاضي بمهمة المحكـم حـسـب الحالة المطلوب فيها الإذن، لذلك فإن المجلس الأعلى للهيئات القضائية قد يوافق أو يرفض وفقاً لمطلق تقديره .

   إلا أن إذن المجلس الأعلى للهيئات القضائية غير مطلوب إذا كان أحد أطراف النزاع مـن أقارب القاضي أو أصهاره حتى الدرجة الرابعة بدخول الغاية، والمقصود هنا بداهة، أن يكـون القاضي هذا القريب أو الصهر.

 

أما الفقرة الثانية من نص المادة 63 المشار إليه فيقرر:

   كما لا يجوز بغير موافقة المجلس المذكور ندب القاضي ليكون محكماً عن الحكومـة أو إحدى الهيئات العامة متى كانا طرفاً في نزاع يراد فضه بطريق التحكيم وفي هذه الحالة يتـولي هذا المجلس وحده تحديد المكافأة التي يستحقها القاضي". 

   وتضيف هذه الفقرة أنه عند تعيين القاضي محكماً عن جهة حكومية أو هيئة عامة وجب أن يوافق المجلس الأعلى للهيئات الفضائية على هذا التعيين، دون الاكتفاء بقيام الجهة الحكوميـة أو الهيئة العامة بالاختيار، وتطلب النص أيضاً أن يقوم المجلس بتقدير المكافأة التي يستحقها القاضي عن قيامه بمهمة التحكيم في هذا الفرض.

 

ويترتب على مخالفة المادة 63، بطلان حكم التحكيم لبطلان تعيين المحكم،

   وبالرغم من صراحة نص المادة 63 من قانون تنظيم السلطة القضائية على إجـازة تـولي القضاة للتحكيم بموافقة المجلس الأعلى للهيئات القضائية، فإن ثمة رأياً يرى عكس ذلك تمامـاً ويفسر نص المادة 63 على أنه يحظر على القضاة مطلقاً القيام بمهمة التحكيم إلا في حالتين فقط هما عندما يكون أحد أطراف النزاع من أقارب أو أصهار القاضي حتى الدرجة الرابعة وبغيـر إذن المجلس الأعلى للهيئات القضائية، وإذا تم التعيين من جهة حكومية أو هيئة عامـة بـشرط موافقة المجلس المذكور. ويرتب هذا الرأي على قيام أحد القضاة بتولي مهمة التحكيم في غيـر هاتين الحالتين بطلان حكم التحكيم.

  وبالرغم من عدم وجود نص صريح في القانون الفرنسي يسمح للقضاة بتولي التحكيم، إلا أنه لا يوجد نص يمنع ذلك على القضاة، ويتجه القضاء الفرنسي إلى السماح للقضاة بالقيـام بوظيفة المحكم.

   ويجيز القانون الإنجليزي لقضاة المحكمة التجارية Commercial Court أو للمحققين الرسميين ollicial referee تولي التحكيم متى اعتقد أي منهم أنه من المناسب قبـول التعبـين كمحكم منفرد Sole arbitrator أو كمحكم مرجح Umpire بشرط موافقة رئيس القضاء  Lord Chief Justice على ذلك.

 

الفرع الثاني: قبول المحكم للتعيين

24- شكل القبول

    تنص المادة 16 من قانون التحكيم المصري في فقرتها الثالثة على:

   "يكون قبول المحكم القيام بمهمته كتابة، ويجب عليه أن يفصح عند قبوله عن أية ظروف من شأنها إثارة شكوك حول استقلاله أو حيدته".

  وتقضي المادة 1452 مرافعات فرنسي بأن تشكيل محكمة التحكيم لا يكتمل إلا بقبـول المحكمين المهمة المعهود بها إليهم. 

   ويختلف حكم القانون المصري عن القانون الفرنسي في وجوب أن يكون قبـول المـحكـم لمهمته كتابة، بينما لم يتطلب القانون الفرنسي ذلك، ويذهب الرأي الراجح فـي مـصـر إلـى أن تطلب الكتابة لقبول المحكم مهمته تعد شرطاً لإثبات هذا القبول وليس شرطاً لصحته ولذا يجـوز أن يثبت القبول بالإقرار أو اليمين الحاسمة. كما يمكن أن يكون القبول صريحاً أو ضمنياً، ويكون صريحاً بتوقيع مشارطة التحكيم بالقبول أو بتحرير إقرار مستقل بذلك، أو بتوقيع محـضـر مـن أعضاء هيئة التحكيم يفيد القبول الصريح لمهمتهم وذلك في أولى اجتمـاع للهيئـة أمـا القـول الضمني فيكون باشتراك المحكم في عملية التحكيم ومباشرة مهامه فيها. 

  ويتعين قبول المحكم مهمته أيا كانت وسيلة تعيينه أي سواء تم التعيين من أحد الطرفين أو منهما معاً أو من منظمة تحكيمية أو تم بواسطة المحكمة. 

   وإذا رفض المحكم قبول مهمة التحكيم، فإن هذا الرفض لا يؤثر على صحة اتفاق التحكيم، إلا إذا كان ذلك مشروطاً بين طرفي التحكيم، بأن يتم التحكيم بواسطة محكم معين أو هيئة تحكيم معينة تم تشكيلها في اتفاق التحكيم. 

  وتطبيقاً لما تقدم نجد أن المادة 3/1448 من قانون المرافعات الفرنسي تقـضـي بـأن تعـد مشارطة التحكيم باطلة ولا أثر لها caduc عندما لا يقبل المحكم المعين المهمة التي عهـد إليـه بها.

   ولم يعرض كل من القانون الإنجليزي والقانون النموذجي صراحة لشرط قبـول المحكـم مهمته لصحة تعيينه، إذ يفترض أن مباشرة المحكم مهمته تفيد قبوله لها.

   أما القانون السوري، فقد نصت المادة (1/17) منه على أن يكون قبول المحكم مهمته كتابة بتوقيعه إتفاق التحكيم أو وثيقة مستقلة تثبت قبوله أو محضر جلسة التحكيم. 

  وفيما يتعلق بقواعد التحكيم الصادرة عن بعض المنظمات، فإن المادة (7) من قواعد تحكيم غرفة التجارة الدولية بباريس تقضي بأن يلتزم المحكم بقبول المهمة الموكلة إليه، ويوقع إقراراً باستقلاله عن الأطراف.

  كما تشترط المادة (5) من قواعد محكمة لندن للتحكيم الدولي أن يقدم المحكم عنـد تعيينـه ملخصاً عن حياته المهنية ويوقع إقراراً بقبول معدل الأتعاب الوارد في جدول القواعـد وكذلك يوقع إقراراً باستقلاله عن الأطراف.

   ولم تعرض قواعد اليونسترال للتحكيم وكذلك قواعد مركز القاهرة الإقليمي للتحكيم التجاري الدولي لشرط تحرير إقرار من المحكم بقبول مهمته، ومع ذلك فقد درج مركز القاهرة علـى أن يطلب من المحكم بعد اختياره وقبل مباشرة مهمته، توقيع إقرار بقبول مهمة التحكيم، وبأنه مستقل عن الأطراف.

 

25- إقرار المحكم بما قد يشكك في حياده

   تتطلب تشريعات التحكيم والقواعد الصادرة عن مختلف المنظمات التحكيمية، أن يقر المحكم عند اختياره، عن اية ظروف أو وقائع قد يكون لها أثر سلبي في قبول طرفي التحكيم تعيينـه محكماً . سواء تعلقت بموضوع النزاع أو بصلته بأحد طرفيه.

   وتقضي المادة 3/16 من قانون التحكيم المصري بأنه يجب على المحكم أن يفصح عنـد قبوله مهمة التحكيم، عن أية ظروف من شأنها إثارة شكوك حول استقلاله أو حيدته. ونرى أن هذا الالتزام يظل قائماً أثناء إجراءات التحكيم، فإذا استجدت ظروف أو وقائع بعد بدء التحكيم، قد تثير الشك حول استقلال المحكم، فعليه أن يقضي بها.

   وتقضي المادة (1/17) من قانون التحكيم السوري الجديد بالتزام المحكم بالإفصاح عن أيـة ظروف من شأنها أن تشكك في استقلاله أو حيدته، وأن هذا الإلزام يظل قائماً بعد قبوله مهمتـه متى استجدت مثل هذه الظروف أثناء إجراءات التحكيم.

  وتقضي المادة 12 من القانون النموذجي بالتزام المحكم منذ تعيينه وطوال إجراءات التحكيم بأن يفضي بوجود أي ظروف من شأنها أن تثير شكوكاً حول حيدته أو استقلاله.

   وقد رأينا أن قواعد غرفة التجارة الدولية تتطلب في المادة (7) منها أن يوقع المحكم قبل تعيينه أو تثبيته إقراراً بإستقلاله. وعلى المحكم أن يحيط الأمانة العامة للمحكمة الدولية للتحكيم، بالظروف التي قد يكون من شأنها التشكيك في إستقلاله ويستمر التزام المحكم في هذا الشأن أثناء التحكيم.

  وتقضي المادة 3/5 من قواعد محكمة لندن للتحكيم الدولي بتقرير هذا الالتزام.  

    وكذلك تضمنت المادة (9) من كل من قواعد اليونسترال وقواعد مركز القاهرة هذا الالتزام على عاتق المحكم أيا كانت وسيلة اختياره، أي سواء تم بإرادة طرفي التحكيم أو أحدهما، أو تـم من سلطة التعيين التي اتفق عليها الطرفان، أو من المحكمة. 

   ويعتبر أن المحكم قد قام بالتزامه بالتصريح عن أية ظروف أو وقائع متى أفضى بها إلـى جهة التعيين أيا كانت، ولم يعترض أحد على تعيينه رغم ذلك، إذ يعد هذا قبولاً للأطراف المعنية بتعيين المحكم بالرغم من وجود هذه الظروف التي أفضى بها.

 

الفرع الثالث: إستقلال المحكم وحياده

26 - تمهيد

   لما كان المحكم يقوم بمهمة القضاء الخاص، كما قدمنا، فلا بد إذن من أن يتمتع بالاستقلال عن الخصوم وأن يكون محايداً فلا يصدر حكمه عن عرض أو هوى.

   وإذا كنا قد بينا فيما سبق، أن المحكم يجب أن يقر كتابة عند قبوله مهمة التحكيم باستقلاله عن الخصوم وبحياه، فليس هذا الإقرار شرطاً لصلاحية المحكم للقضاء في النزاع، وإنما هو التزام تابع لالتزامه بقبول مهمته.

  أما استقلال المحكم وحياده فهما من شروط صلاحية المحكم لتولي قضاء التحكيم، وهما من الشروط التي تستلزمها معظم تشريعات التحكيم وقواعد منظماته.



 

 27- إستقلال المحكم وحيدته في القانونين المصري والسوري 

   يستخلص هذا الشرط في القانون المصري من نص المادتين 3/16 و1/18 مـن قـانون التحكيم. إذ يقضي النص الأول كما ذكرنا آنفاً، بأن المحكم يلتزم بالإفصاح عن أية ظروف مـن شأنها " إثارة الشكوك حول استقلاله وحيدته، أما النص الثاني فيعتبر وجود ظروف تثير شكوكاً جدية حول حيدة أو استقلال المحكم سبباً لرده. 

   أما القانون السوري، فقد رأينا حكم المادة (1/17) منه، بالتزام المحكم بالإفصاح عـن أيـة ظروف تثير شكوكا حول استقلاله أو حيدته. 

  ويفرق الفقه والقضاء عادة بين استقلال المحكم وحياة، فيذهب البعض إلـى أن القاعـدة الأساسية أنه لا يجوز تعيين أحد خصوم الدعوى حكماً إذ لا يتصور أن يكون الشخص خصماً وحكماً في وقت واحد، وتتعلق هذه القاعدة بالنظام العام لأن الأمر يتعلـق بـإجراءات التحكيم وتنظيمه وهو من شأن المشرع. 

   والاستقلال يعني أن المحكم لا تربطه علاقة تبعية بأحد أطراف الخصومة، لذا يتنافى مع استقلال المحكم أن تكون له مصالح مادية أو شراكة أو ارتباطات ماليـة مـع أي مـن طـرفـي الخصومة المعروضة عليه، ويقوم الاستقلال غالباً على مظاهر خارجية يمكن إثباتها مثل علاقة الوظيفة أو القرابة أو الوكالة. 

ولا يعتبر المحكم مستقلاً إذا كان يباشر مهمة شخصية لأحـد أطـراف التحكيم كتقـديم الاستشارة والمساعدة الفنية له، أو إذا كان مستشاراً لإحدى الشركات الداخلة ضمن مجموعـة الشركات التي تدخل فيها الشركة الطرف في التحكيم. 

   وإذا كان استقلال المحكم يدل عليه أحد المظاهر الخارجية، فإن حيدة المحكم ليست سوى حالة ذهنية باطنة يصعب إثباتها، وخاصة إذا لم يقترن بها عدم استقلال المحكـم، لأن عـدم  الاستقلال من شأنه أن يؤدي إلى عدم الحيدة. 

   فالحيدة إذن، اتجاه نفسي وذهني قبل أن تكون مظهراً خارجياً. لذلك جرى العمـل فـي التحكيم التجاري الدولي، ويقضي بذلك أيضاً قواعد بعض منظماته الدولية، أن يكون المحكمون أو على الأقل رئيس التحكيم من غير جنسية أطراف النزاع، وتطبيقاً لما تقـدم يقـضـي قـانون التحكيم الفيدرالي في الولايات المتحدة الأمريكية بأن يكون كل المحكمـين مستقلين ومحايـين لذلك فإن المحكمين المختارين من أي طرف يجب ألا يعتبروا أنفسهم ممثلين لـه أو محامين عنه، وبمجرد تسميتهم يجب عليهم إنهاء أي ارتباط مع من اختارهم إن كانت هناك ارتباطـات سابقة.

   وقد أكد حكم الدائرة 91 تجاري بمحكمة استئناف القاهرة بتاريخ 2003/4/29 هـذا المبدأ، بالتأكيد على أن "المحكم المسمى من قبل أحد الخصوم يصبح في منزلة القاضي بمجـرد قبولـه المهمة المسندة إليه، وبذلك فإنه ليس وكيلاً أو محامياً للخصم الذي اختاره، بل هو قاض مختار يجب أن يتوافر فيه شرطاً الحيدة والاستقلال عن جميع أطراف النزاع بما فيهم الخصم الـذي اختاره. لذلك ليس من الغريب أن يقضي المحكم المسمى من أحد الخصوم ضده، في النزاع الذي يعرض عليه.

 

28- القوانين الأجنبية

  تقضي الفقرة الثانية من السادة 1452 من قانون المرافعات الفرنسي بأنه على المحكم الـذي يجد في نفسه سبباً للرد أن يخبر الأطراف بذلك، وفي هذه الحالة لا يجوز له قبول مهمته إلا بموافقة هؤلاء الأطراف، ويستخلص من هذا النص أن المحكم يجب أن يكون مستقلاً ومحايـداً لأن عدم الاستقلال أو عدم الحياء من أهم أسباب رد المحكم، ويذهب رأي في الفقه الفرنسي إلى أنه بينما يعد الاستقلال l'indépendance موقفاً ناشئاً عن واقعة ماديـة معينـة، فإن الحيـدة l'impartialité حالة ذهنية أو حالة نفسية، ولا تعارض بين حياد المحكم وعدم استقلاله، بالرغم من أن عدم الاستقلال بشكل قرينة على عدم الحياد. 

   واستقر القضاء الفرنسي على أن المحكم، ولو كان معيناً من قبل أحد الأطراف، يعتبر معيناً من جميع الأطراف، لأن من حق اي طرف أن يعترض على تعيين أحد المحكمين من قبل طرف آخر، متى توافرت لديه أسباب جدية للاعتراض.

  وفي الولايات المتحدة الأمريكية، فإن المحكم المعين من أحد الأطراف في التحكيم الـداخلي لا يشترط فيه الحيدة non neutral arbitrator، وإن كان يجب في المحكمين الآخـرين تـوافر شرطي الحيدة والاستقلال، كما يجب توافر هذين الشرطين في التحكيم الدولي.

   وفي القانون الإنجليزي نجد أن المادة 24 من قانون التحكيم تجيز في فقرتها الأولى، لكـل طرف في خصومة التحكيم أن يطلب من المحكمة (قضاء الدولة ) عزل أحد المحكمين لوجـود ظروف تشكك في حيدته. 

  كما تقضي المادة (12) من القانون النموذجي بأن عدم استقلال المحكم يعد سبباً يجيز رده. وتؤكد المادة (10) من قواعد اليونسترال ذات الحكم. كذلك تتضمن المادة 11 من قواعد غرفة التجارة الدولية نفس الحكم. أما المادة (10) من قواعد مركز القاهرة فإنها تضيف إلـى عـدم الاستقلال كسبب للرد، عدم الحيدة.

 

29- طبيعة القواعد المتعلقة باستقلال المحكم وحيدته 

   يذهب رأي في الفقه الإنجليزي، إلى أن نص المادة 24 من قانون التحكيم الواردة في شـان عزل المحكم بعد نصاً أمراً، لذلك فإنه لا يجوز الاتفاق وفقاً لهذا الرأي على مخالفة قاعـدة رد المحكم لانتفاء حيدته.

   والرأي الذي نراه، هو ما ذهب إليه الدكتور فتحي والي من أن شرطي الاستقلال والحيدة مقرران لمصلحة الخصوم، ويجب على ذي المصلحة أن يتمسك بهمـا أو بأحدهما وإلا سقط حقه في التمسك بأيهما، كما أنه إذا استمرت إجراءات التحكيم حتى صدور حكم التحكيم دون اعتراض أحد الخصوم على أحد المحكمين، فلا يجوز لهذا الخصم بعد صدور حكم التحكيم أن يرفع دعوى ببطلانه استناداً إلى عدم توافر الاستقلال أو الحيدة، وذلك وفقاً للمادة (8) من قانون التحكيم المصري التي تتطلب تقديم الإعتراض في وقت معقول، على أية مخالفة لشرط في اتفاق التحكيم أو لحكم من أحكام القانون مما يجوز الاتفاق على مخالفته.

 

الفرع الرابع: الشروط التي يتفق عليها طرفا التحكيم

30- تمهید 

   تناولنا الأسباب القانونية لصلاحية المحكم لنظر التحكيم والتي غالباً ما تتطلبها التشريعات المختلفة للتحكيم، أو قواعد المنظمات التحكيمية. ومن المقرر أنه فيما عدا أهلية المحكـم، فـان شروط صلاحية المحكم تخضع للقانون الواجب التطبيق على إجراءات التحكيم، أما الأهلية فهـي تخضع غالباً لقواعد القانون الذي يحكم الحالة الشخصية للمحكم أي لقانون الدولة التي ينتمي إليها بجنسيته. 

   إلا أنه قد تكون هناك بعض الشروط الخاصة لصلاحية المحكم يتطلبها طرفا التحكيم، سواء كانت شروطاً لا ينظمها تشريع التحكيم الذي يطبق على إجراءاته، أو كانت شروطاً تخالف مثـل هذا التشريع، وهو أمر جائز مادام أن هذه الشروط لا تتقرر بمقتضى قاعدة آمرة مما لا يجوز الاتفاق على مخالفتها. لذلك تنص المادة (3/17) من قانون التحكيم المصري والمادة (3/14) من القانون السوري على جواز أن يتفق طرفا التحكيم على شروط خاصة في المحكم. 

 

ونستعرض فيما يلي الأمثلة من هذه الشروط.

31- أمثلة لشروط الاتفاقية

   من المقرر أنه يجوز لأطراف التحكيم أن يعينوا في اتفاق التحكيم أسماء المحكمين، أو إسم من يختارونه رئيساً لهيئة التحكيم، وقد كانت المادة 3/502 من قانون المرافعـات المـصري الملغاة  بموجب قانون التحكيم المصري رقم 27 لسنة 1994 تقضي بأنه يجب تعيين أشخاص المحكمين في الاتفاق على التحكيم أو في اتفاق مستقل، وإلا بعد باطلاً حكم التحكيم الذي يصدر عن محكمين لم يعينوا طبقاً لما يشترطه القانـون (المادة 3/512 من قانون المرافعات الملغـاة). ولم يتطلب قانون المصري التحكيم الجديد هذا الشرط. 

   كذلك فإنه إذا كان من المقرر قانوناً جواز أن يكون المحكم رجلاً أو امرأة، أو أن يكـون المحكم أجنبياً، فإنه لا مانع قانوناً من أن يتفق الطرفان على أن يكون المحكم من جلس معين أو من جنسية معينة، كما يجوز أن يتفق طرفا التحكيم على أن يكون رئيس التحكيم من جنسية غير جنسية الطرفين ضماناً لحيدته.

   ويجوز أيضاً الاتفاق على اشتراط أن يكون المحكم متمتعاً بخبرة معينة أو من مهنة معينـة تتناسب . مع طبيعة المهمة التي يكلف بها (مهندس أو محاسب مثلاً). 

   وعلى المحكمة أو سلطة التعيين إذا تم تعيين المحكم بواسطة أيهما، أن تراعي الشروط التي اتفق طرفا التحكيم على توافرها في المحكم، وتنص المادة (3/17 ) من قانون التحكيم المصري والمادة (3/14) من القانون السوري على أنه " وتراعي المحكمة في المحكم الذي تختاره الشروط التي يتطلبها هذا القانون وتلك التي اتفق عليها الطرفان". لذلك إذا تم اختيار المحكم دون مراعاة أي من الشروط المتفق عليها بين الطرفين في تحكيم معين، كان هذا المحكم غير صالح لتـولي هذا التحكيم. 

   ومن الشروط الخاصة التي يتفق عليها طرفا التحكيم في شأن اختيار المحكم، أن يتم اختياره من بين عدة أسماء يتفقان عليها، أو من قائمة محكمين صادرة عن أحد المراكز التحكيميـة، أو تحديد شخص أو جهة من غير الطرفين لاختيار المحكم.

 

الفصل الثالث: الإنهاء المبتسر لمهمة المحكم

32- تمهيد 

   رأينا أن من أهم الشروط التي يجب توافرها في المحكم، أن يكون مستقلاً ومحايداً ضماناً لعدم تحيزه لأحد طرفي التحكيم، ذلك لأن المحكم يعتبر قاضياً يفصل في نزاع بين طرفين، فيجب أن يتوافر فيه ما يتوافر في القاضي من شروط قانونية تتعلق بالحيدة والاستقلال، علـى النحو الذي عرضنا له فيما سبق. 

   وإذا قبل المحكم التعيين، فليس هناك ما يمنعه، لظروف قد تستجد بعد التعيين من التنحـي، كذلك قد يتم عزل المحكم من مهمته إتفاقاً أو قضاء، كما قد يطلب رد المحكم، وفي النهايـة قـد يتوفى المحكم أثناء إجراءات التحكيم. وتعد الأسباب السابقة إنهاء مبتسراً لمهمة المحكم، إذ تنتهي هذه المهمة قبل إصدار حكم التحكيم، وفي جميع هذه الأحوال يجب تعيين محكم بديل يحل محـل المحكم الذي انتهت مهمته، وندرس في فروع ثلاثة تنحي المحكم وعزله، ثم رد المحكم، وأخيراً تعرض لقواعد اختيار محكم بديل.

 

الفرع الأول: تنحي المحكم وعزله

33- امتناع المحكم عن القيام بمهمته 

   متى قبل المحكم مباشرة مهمته للفصل في نزاع بعد تعيينه من أحد الأطراف، فليس لـه كقاعدة عامة، أن يمتنع عن مباشرة مهمته، إلا لسبب جدي يتبينه بعد تعيينه أو يطرأ بعـد هـذا التعيين، ويمثل امتناع المحكم عن مباشرة مهمته، عدولاً منه عن قبولها، من ذلك مثلاً لو تبـين للمحكم وجود واقعة أو طرأ سبب بعد قبوله التعيين يشكل أحد مبررات التقاء الاستقلال أو الحيدة مما قد يعد سببا لرده.

   وتنص المادة 1463 من قانون المرافعات الفرنسي على هذا الحكم بشأن الامتناع، وتعهـد إلى رئيس المحكمة المختصة في قضاء الدولة مهمة الفصل فيما يطرأ من مشاكل قد تنـشـا عـن تطبيق هذا النص، وكما يسري هذا الحكم على التحكيم الداخلي، فإنه يسري أيضاً على التحكيم الدولي، ما لم يتفق أطراف التحكيم على حكم يخالفه.   

   ولم يتضمن قانون التحكيم المصري حكماً مماثلاً، إلا أن ذلك لا يحول دون الأخذ به، إذ أنه لا يتعارض مع حكم القانون المصري، بل إن نص المادة 20 منه تقرر لقضاء الدولة - كما سنرى- سلطة إصدار أمر بإنهاء مهمة المحكم لأسباب من بينها عدم مباشرة المحكم مهمته. 

   أما القانون السوري، فقد نصت المادة (2/17) بأنه لا يجوز للمحكم بعد قبوله المهمة التخلي عنها دون مبرر، وإلا كان مسؤولاً عما قد يسببه من ضرر لطرفي التحكيم أو لأي منهما.

 

34 - تنحي المحكم 

   من المقرر أيضاً أنه يجوز للمحكم بعد قبول مهمة التحكيم، أن يتنحى عنه، لمانع قد يطـرأ عليه يجعل قيامه بمهمته عسيراً أو مستحيلاً أو لسبب مما يعد من أسباب رده، علـى أن تنخـي المحكم عن مهمته، يعد من الأمور التي يقررها بمحض إرادته دون التزامه بذلك، فإذا طلـب طرف من أطراف التحكيم من المحكم التنحي عن نظر الدعوى دون بيان سند هذا الطلب، ولـم يستجب، كما لم يقم هذا الطرف بإجراءات رد المحكم، فإن الحكم الصادر عنه لا يعد باطلاً. 

   ولا يجوز اللجوء إلى المحكمة المختصة لإجبار المحكم على الاستمرار في التحكيم، 

   ويفهم من نص المادة 1462 من قانون المرافعات الفرنسي، أن المحكم عليه أن يباشر مهمته حتى تنتهي، ولم ترتب هذه المادة أي جزاء على تنحي المحكم عن مهمته دون سبب، وكانـت المادة 1/503 من قانون المرافعات المصري (الملغاة) تنص على أنه إذا تنحى المحكم بغير عذر مقبول جاز الحكم عليه للخصم بالتعويضات. 

   ولم يشر قانون التحكيم المصري الجديد إلى تنحي المحكم إلا في نص المادة 21 التي تعالج تعيين محكم بديل بسبب إنتهاء مهمة المحكم برده أو عزله أو تنحيه أو بأي سبب آخر.

   أما القانون السوري فقد نص أيضاً على هذا الحكم بمناسبة تعيين محكم بديل منـى اعتــزل المحكم العمل المادة (2/16)، كما نصت المادة (3/20) على إنتهاء مهمة المحكم بتنحيه.

 

35 – عزل المحكم

   تنص المادة 2/1462 من قانون المرافعات الفرنسي على أنه لا يجوز عـزل révocation المحكم إلا بإجماع أطراف التحكيم. 

   وقد تضمنت المادة 20 من قانون التحكيم المصري النص على أنه يجوز للمحكمة المـشـار إليها في المادة (9) من هذا القانون أن تصدر أمراً بإنهاء مهمة المحكم بناء علـى طـلـب أحـد الطرفين، ما لم يتفق الطرفان على عزله. ويفهم من ذلك أن عزل المحكم قـد يـكـون إتفاقيـاً أو قضائياً.

   والعزل الاتفاقي يجب أن يتم بإجماع طرفي التحكيم سواء كان الطرف الذي قام بتعيينـه أو الطرف الآخر، لأن عدم اعتراض الطرف الآخر على تعيين مثل هذا المحكم يعني أن تعيينه قـد تم باتفاق طرفي التحكيم، وعزل أطراف التحكيم للمحكم جائز ولو كان معيناً من المحكمة أو من جهة أخرى. 

   أما العزل القضائي، فيحدث عادة عندما يقبل المحكم مهمة التحكيم، ثـم يتعذر عليـه أداء مهمته أو لم يباشرها أو انقطع عن أدائها مما يؤدي إلى تأخير لا مبرر له في إجراءات التحكيم، ولم يتنح ولم يتفق الطرفان على عزله، فيجوز للمحكمة المشار إليها في المـادة 9 مـن قـانون التحكيم الأمر بإنهاء مهمته بناء على طلب أي من الطرفين (المادة 20). 

  وبالرغم من أن المادة 20 تشير إلى أن إصدار الأمر بإنهاء مهمة المحكم أي بعزله يكـون من المحكمة، إلا أن المقصود أن يتم ذلك بأمر صادر من رئيس المحكمة المشار إليها في المـادة 9، لأن المحكمة تصدر أحكاماً ولا تصدر أوامر، لذلك يقدم طلب العزل بعريضة إلـى رئيس المحكمة وفقاً لقواعد الأوامر على العرائض. 

   أما القانـون الإنجليـزي فقد تضمن نصين هما المادة 23 والمادة 24 لتنظـيم عزل المحكم revocation سواء إتفاقاً أو قضاء، ويتفق طرفا التحكيم على عزل المحكم على أن يتم الاتفاق كتابة.

   وتعزل محكمة الدولة المحكم، بناء على طلب أحد الطرفين بعد إعلان الطرف الآخر بهـذا الطلب . 

   وتعرضت المادة 14 من القانون النموذجي لحالة عزل المحكم اتفاقا أو قضاء.

 

وقد نص القانون السوري الجديد في المادة (20) على أحكام تكاد تكون مماثلة لأحكام المادة (20) من القانون المصري، ولكن تقضي الفقرة (2) من المادة (20) سوري بـان يـتـم العـزل القضائي بقرار مبرم من المحكمة المعرفة في المادة (3) تتخذه في غرفة المذاكرة بناء على طلب احد الطرفين.

 

الممسوحة ضوئيا بـ CamScanner


 

الفرع الثاني: رد المحكم

36 - تمهيد

   عرضنا بين الشروط التي يجب أن تتوافر في المحكم، ما تقضي به تشريعات التحكيم المختلفة والقواعد الصادرة عن المنظمات التحكيمية، من أنه على المحكم عند قبوله مهمة التحكيم أن يفصح عن أية ظروف من شأنها إثارة شكوك حول استقلاله أو حيدته. وإذا نفذ المحكم هـذا الالتزام، فإن الأمر متروك بعد ذلك لتقدير طرفي التحكيم. 

   إذ قد لا يعترض أحدهما على تأثير ما ذكره المحكم من ظروف على حياده من وجهة نظره وقد يحدث اعتراض من أي من الطرفين، ويطلب في هذه الحالة من المحكم أن يتنحى عن مهمته وإلا تقدم بطلب لرده.

 

المبحث الأول: موقف تشريعات التحكيم من رد المحكم 

المطلب الأول: القانون المصري والقانون السوري

 37- أسباب الرد في القانون المصري 

   تنص المادة (18) من قانون التحكيم المصري، على أنـه: "لا يجـوز رد المحكـم إلا إذا قامت ظروف تثير شكوكاً جدية حول حيدته أو استقلاله".

   وقد بينا آنفاً أن المادة 3/16 من قانون التحكيم المصري تلزم المحكم عند قبوله مهمتـه، أن يفصح عن أية ظروف قد تثير شكوكاً حول حيدته أو استقلاله. 

   وكانت المادة 3/503 من قانون المرافعات (الملغاة) تقضي بأن يطلب رد المحكـم لـنفس الأسباب التي يرد بها القاضي أو يعتبر بسببها غير صالح للحكم. 

   ويفرق قانون المرافعات بين أسباب عدم صلاحية القاضي لنظر الدعوى ولو لم يرده أحـد الخصوم، (المادة 146 مرافعات) وأسباب رد القاضي من قبل أحد الخصوم (148 مرافعـات). ويعد عمل القاضي أو قضاؤه باطلاً إذا توافر أحد أسباب عدم صلاحيته لنظر الدعوى ولـو تـم باتفاق الخصوم (المادة 147 مرافعات). بينما يجوز رد القاضي للأسباب المقررة في (المادة 148 مرافعات) بناء على طلب أحد الخصوم، وتدور هذه الأسباب كلها حول وجود صلة بين القاضي أو زوجته أو أحد أقاربه أو أصهاره مع أحد الخصوم، مما يشكك في حيدته. 

   أما قانون التحكيم، فقد ذكر أسباب رد المحكم في جملة موجزة، وهي وجود ظـروف تثير شكوكاً جدية حول حيدته أو استقلاله". وحسناً فعل المشرع، عندما ترك للجهـة التـي تنظر طلب رد المحكم سلطة تقدير ما إذا كان سبب الرد يشكل مبرراً للشك فـي حيـدة أو استقلال المحكم، دون أن ينص على سبيل الحصر على أسباب الرد كما فعل بالنسبة الى رد القاضي. 

   ونلاحظ أنه إذا كان طرفا التحكيم على علم عند اختيار المحكم، بوجود سبب يشكك في حيدته أو استقلاله ولم يتمسك أحدهما بذلك أو لم يقم برد المحكم في الميعاد المقرر قانوناً، فـإن هذا يعد تنازلاً عن الحق في التمسك بالحيدة أو الاستقلال، لأن كلا من شرطي الحيدة و الاستقلال لا يتعلق بالنظام العام، وإنما بمصلحة الخصوم، ومن المقرر أيضاً أنه إذا لم يتمسك أحد الخصوم برد المحكم أو لم يعترض عليه، فلا يجوز له بعد صدور حكم التحكيم أن يرفع دعوى ببطلانـه استناداً إلى عدم حيدة أو عدم استقلال المحكم، إذ يسقط حق الخصم في التمسك بذلك طبقا للمادة (8) من قانون التحكيم.

   ويمكن أن نستند إلى أسباب رد القاضي المنصوص عليها في المادة 148 مرافعات، كأمثلة لرد المحكم، على ألا تكون هذه الأسباب هي فقط أسباب رد المحكم، إذ يمكن طلب رد المحكـم لأي سبب آخر يمكن أن يخل بشرطي الحيدة والاستقلال المطلوب توافرهما في المحكم. من ذلك مثلاً لو كان المحكم قد سبق أن أبدي رأيه في النزاع المعروض عليه قبل تقديم طلب التحكيم، أو كان المحكم يعمل مستشاراً قانونياً لأحد طرفي التحكيم. 

 

38- أسباب الرد في القانون السوري

   تنص المادة (1/18) من قانون التحكيم السوري بأنه لا يجوز رد المحكم إلا للأسباب التـي يرد بها القاضي، أو إذا فقد أحد شروط صلاحيته المنصوص عليها في هذا القانون، أي أن قانون التحكيم قد أحال إلى أسباب رد القضاة لتطبق على رد المحكمين، وأضاف إلى ذلك فقدان المحكم لأحد الشروط القانونية لصلاحيته المنصوص عليها في قانون التحكيم. 

   ومن المقرر أنه لا يجوز لأحد الخصوم بعد صدور حكم التحكيم أن يتمسك ببطلانه تأسيساً على توافر سبب من أسباب رد المحكم، إذ يسقط حق الخصم في التمسك بذلك طبقاً للمـادة (31) من القانون السوري الجديد للتحكيم.

 

39- تقديم طلب الرد

   يحدد القانون المصري الجهة التي يقدم إليها طلب الرد بالنص في المادة 3/19 بأنـه يـقـدم طلب الرد كتابة إلى هيئة التحكيم مبيناً فيه أسباب الرد خلال خمسة عشر يوماً من تـاريـخ عـلـم طالب الرد بتشكيل الهيئة أو بالظروف المبررة للرد. 

   ويعني ما تقدم أن طلب الرد يجب أن يقدم إلى هيئة التحكيم، في شكل طلب مكتوب يحتوي على بيان أسباب الرد. ويجب أن يقدم طلب الرد إلى هيئة التحكيم خلال مدة خمسة عشر يوماً، إما من تاريخ علم الطالب بتشكيل الهيئة أو من تاريخ علمه بالظروف التي تستدعي الرد. 

   أما القانون السوري فإنه يتطلب تقديم طلب الرد إلى المحكمة المعرفة في المادة (3) خـلال (15) يوماً من تاريخ علم طالب الرد بالأسباب المبررة للرد (المادة 1/19).

 

40- الجهة المختصة بالفصل في طلب الرد

   طبقاً للمادة 1/19 من قانون التحكيم عند صدوره، كانت هيئة التحكيم هي الجهة المختصة بالفصل في طلب الرد، إذ كان النص المذكور يقضي، بأنه إذا لم يتنح المحكم المطلوب رده بعـد تقديم طلب الرد من أحد الطرفين، فصلت هيئة التحكيم في الطلب. 

   وقد رفعت دعوى بالطعن بعدم دستورية هذا النص، أمام المحكمة الدستورية العليا، تأسيساً على أنه لا يجوز للمحكم أن يكون خصماً وحكماً في ذات الوقت، وأن هذا النص غير ملائم من الناحية القانونية ولا سيما إذا تكونت هيئة التحكيم من محكم منفرد، وقضت المحكمة الدستورية في هذا الطعن بعدم دستورية ذلك النص لأنه يتنافي مع قيم العدل ومبادئه وينتهك ضمانة الحيـدة التي يقتضيها العمل القضائي. 

   وترتب على الحكم السابق، أن أصدر المشرع تعديلاً للمادة 19 من قانون التحكيم بموجـب القانون رقم 8 لسنة 2000، ومن بين التعديلات الواردة فيه، النص في الفقرة الأولى من المـادة 19 على أنه: "إذا لم يتنح المحكم المطلوب رده خلال خمسة عشر يوماً من تاريخ تقديم الطلب، يحال بغير رسوم إلى المحكمة المشار إليها في المادة (9) من هذا القانون للفصل فيه بحكم غيـر قابل للطعن".

   أي أنه بعد تقديم طلب الرد إلى هيئة التحكيم، فإنه يجوز للمحكم أن يتنحى عن مهمته خلال خمسة عشر يوماً من تاريخ طلب الرد إلى هيئة التحكيم، وقد قرر المشرع هذا الحق للمحكم الذي قد يفضل التنحي من تلقاء نفسه دون أن يعرض نفسه لإحتمال رده من المحكمة، أو قد يستشعر المحكم المطلوب رده الحرج من الاستمرار في مهمته بعد تقديم طلب برده.

   فإن لم يتنح المحكم، على هيئة التحكيم أن تحيل الطلب إلى المحكمة المختصة أصلاً بنظر النزاع إذا كان التحكيم داخلياً، أو إلى محكمة استئناف القاهرة أو أي محكمة استئناف أخرى فـي مصر يتفق عليها الطرفان متى كان التحكيم تجارياً دولياً.

ولا يجوز لطالب الرد أن يرفع دعوى الرد مباشرة إلى المحكمة المشار إليها في المـادة(9) من قانون التحكيم.

   ويبين مما تقدم، أن القانون المصري يحدد جهتين مختلفتين بشأن تقديم طلب الرد والفصل فيه، فيقدم طلب الرد إلى هيئة التحكيم، أما الفصل فيه فيعيد القانون بذلك إلى المحكمـة المـشـار إليها في المادة (9) منه. 

   وتنعقد خصومة الرد بين طالب الرد والطرف الآخر في التحكيم، لذلك فـلا بعـد المـحكـم خصماً في دعوى الرد، كذلك لا يعد مركز التحكيم الذي يتم التحكيم وفقاً لقواعده خصماً في هذه الدعوى. ومع ذلك فإنه من حق المحكم أن يتدخل في دعوى للرد، إذا كان في أسباب الـرد مـا يمس نزاهته.

   أما القانون السوري، فإنه يتطلب تقديم طلب الرد إلى المحكمة المشار إليها في المـادة (3) وترفق به المستندات المؤيدة خلال (15) يوماً من تاريخ العلم بسبب الـرد. وتنظـر المحكمـة المذكورة في طلب الرد في غرفة المذاكرة وتفصل فيه بقرار مبرم (نهائي) بعد سماع المحكـم المطلوب ردة (المادة 2/11/19).

 

41- عدم قبول طلب رد المحكم 

   نص قانون التحكيم المصري على حالتين لا يجوز فيهما قبول طلب رد المحكـم: الأولـى نصت عليها المادة 2/18 بقولها "ولا يجوز لأي من طرفي التحكيم رد المحكم الـذي عينـه أو اشترك في تعيينه إلا لسبب تبينه بعد أن تم هذا التعيين". أي لا يجوز للطرف الذي اختار المحكم مباشرة أو بالاتفاق مع الطرف الآخر أن يطلب رد المحكم إذا تبين أنه كان يعلم السبب الذي يجيز الرد قبل هذا الاختيار. الثانية: نصت عليها المادة 2/19 بقولها "لا يقبل طلب الـرد مـمـن سبق له تقديم طلب برد المحكم نفسه في ذات التحكيم" أي يشترط لعدم قبول طلـب رد نفس المحكم، شرطان، الأول، أن يقدم الطلب الثاني لرد هذا المحكم ذات الطرف الذي قـدم الطلـب الأول. والثاني أن يقدم طلب الرد الثاني في ذات الدعوى التحكيمية التي قدم فيهـا طـلـب الـرد الأول.

   وكذلك تقضي المادة (4/19) سوري، بألا يقبل طلب الرد ممن سبق له تقديم طلـب بـرد المحكم نفسه في ذات التحكيم وللسبب ذاته.

 

42- آثار تقديم طلب الرد والفصل فيه 

   تقضي المادة 162 من قانون المرافعات المصري بأنه يترتب على تقديم طلب رد القاضي، وقف الدعوى الأصلية إلى أن يحكم فيه، ومع ذلك يجوز لرئيس المحكمة ندب قاض بدلاً ممـن طلب رده. اما قانون التحكيم المصري فإن المادة 3/19 نقضي بعكس ذلك عندما قررت أنـه "لا يترتب على تقديم طلب رد المحكم وقف إجراءات التحكيم" وقد طعن فـي هـذا النص بعـدم الدستورية أمام المحكمة الدستورية العليا، والتي قضت برفض الطعن وبدستورية هـذا النص. 

   ومن ثم، فإنه لا يترتب على تقديم طلب الرد وقف إجراءات التحكيم. وإذا استمر التحكيم حتى صدور حكم فيه، ثم حكم برد المحكم، ترتب على ذلك اعتبار ما يكون قد تم من إجـراءات التحكيم، بما في ذلك حكم المحكمين، كأن لم يكن، ولا يعني ذلك إنتهاء اتفاق التحكيم، وإنما يـتم اختیار محكم بديل، وفقاً لما ستعرض له لاحقاً، إلا إذا اتفق طرفا التحكيم على اختيار محكم معين مسمي في اتفاق التحكيم، فإن الحكم برده يؤدي إلى إنتهاء اتفاق التحكيم ما لم ينص إتفاق التحكيم على غيرذلك. 

   ولما كان من الجائز لطرفي التحكيم أن يتفقا على وقف دعوى التحكيم، فيمكن لهما بعد تقديم طلب الرد أن يتفقا على وقف الدعوى حتى يفصل في طلب الرد، تجنباً لما قد يحدث من مشاكل إذا صدر حكم التحكيم قبل صدور حكم الرد، إذ يترتب على الحكم الأخير إلغاء جميع الإجراءات بما فيها حكم التحكيم، كما رأينا آنفاً، ولكن يجب أن نلاحظ أن وقف دعوى التحكيم يعد في هـذا العرض "وقفاً اتفاقياً وليس كأثر لطلب الرد". 

   أما القانون السوري الجديد للتحكيم فإنه يقضي على عكس القانون المصري، بأنـه يترتـب على تقديم طلب الرد وقف إجراءات التحكيم وتعليق مدته إلى حين صدور القرار برفض طلـب الرد أو إلى حين قبول المحكم البديل مهمته التحكيمية (المادة 3/19)، 

   وإذا حكم برد المحكم ترتب على ذلك إعتبار ما يكون قد تم من إجراءات بما في ذلك. التحكيم - كأن لم يكن من تاريخ قيام سبب الرد.

  ومن المقرر طبقاً للمادة 1/19 من القانون المصري أن المحكمة المشار إليها في المادة (9) تفصل في دعوى رد المحكم، بحكم نهائي، لا يقبل الطعن فيه، سواء حكمت بقبول طلب الرد أو برفضه.

   ويقضي القانون السوري كذلك بأن القرار الصادر عن المحكمة في طلب الرد يعتبر نهائياً.

 

المطلب الثاني: القانون الفرنسي

43- النصوص

   ذكرنا فيما سبق، أن على المحكم، في القانون الفرنسي، سواء في مجال التحكيم الداخلي أوالتحكيم الدولي، أن يفصح لطرفي التحكيم عند اختياره، عن أي سبب يفترض معه أن يكون سبباً ارده récusation، فإذا فعل ذلك فلا يجوز لـه قبـول مهمته إلا بموافقـة الطـرفين (1452 مرافعات).

 

وتقضي المادة 1463 مرافعات بأنه لا يجوز رد المحكم إلا لسبب يستوجب الـرد، أفصح عنه عند تعبيته أو حدث بعد ذلك. وعلى الطرف الذي ينسك بعد التعيين بسبب بيرر رد المحكم أن يثبت أنه لم يكن يعلم به قبل التعيين. وبعد هذا الإثبات صعباً لأنه يرد على واقعة سلبية، إلا أنه يتعلق بواقعة ملاية يمكن إثباتها بجميع طرق الإثبات.

   ومن المسلم به أنه يمكن تطبيق أسباب رد القضاة على رد المحكمين.

 

44- إجراءات الرد

  تقضي المادة 2/1463 من قانون المرافعات، بأنه متى ثارت صعوبات بشأن تطبيـق حـق الرد، فإنها تنظر أمام رئيس المحكمة الابتدائية. والمقصود بالصعوبات المشار إليها، أن المحكـم المطلوب رده، قد يرفض التنحي عن مهمته لعدم اقتناعه بأسباب الرد، ففي هذه الحالة يعرض الأمر على رئيس المحكمة الابتدائية الذي يعتبر وحده القاضي الذي ينظر طلب الرد. ويسري هذا الحكم الوارد بشأن التحكيم الداخلي على التحكيم الدولي أيضاً، ويمكن أن يضاف أيضاً إلى هذه الصعوبات ما قد يتبينه أحد طرفي التحكيم من عدم توافر أحد الشروط في المحكـم الـذي تـم اختياره.

  ونلاحظ أن المادة 2/1493 من قانون المرافعات الفرنسي الواردة بشأن التحكيم التجـاري الدولي نقضي بأنه في الأحوال التي يجري فيها التحكيم الدولي في فرنسا أو في الحالة التي يتفق فيها طرفا التحكيم على تطبيق قانون المرافعات الفرنسي، فإن القاضي المختص بنظر الصعوبات التي تتعلق بتشكيل هيئة التحكيم بما في ذلك قواعد الرد - هو رئيس محكمة باريس الابتدائيـة طبقاً للأوضاع المنصوص عليها في المادة 1457 مرافعات، وهي المادة التي تنظم قواعد تشكيل هيئة التحكيم، والقاضي المختص بالتدخل في هذا الموضوع وطبيعة الأوامر التـي يـصدرها والأحوال التي يمكن فيها استئناف هذه الأوامر.

 

المطلب الثالث: القانـون الإنجليزي

 45- أسباب الرد

  تنص المادة 24 من قانون التحكيم الإنجليزي وعنوانها "سلطة المحكمة في عـزل المحكـم revocation على أنه لكل طرف في خصومة تحكيم أن يطلب من المحكمة عزل أحد المحكمين لأحد الأسباب التي وردت في هذا النص. ويخطر بطلب العزل المقدم إلى المحكمـة، الطـرف الآخر وباقي المحكمين.

 

أما أسباب العزل التي أشار إليها النص فإنه يرد في أول سبب فيها:

  (أ) وجود ظروف من شأنها أن تثير شكوكاً لهـا مـا يبررهـا تتعلـق بـحيـاد المحكـم -"impartiality" 

   ويضيف نص المادة 24 من القانون أسباباً أخرى تبرر العزل القضائي للمحكم من بينهـا، عدم توافر المؤهلات أوالشروط التي يتطلبها اتفاق التحكيم في المحكم")، والعجـز البـدني أو العقلي الذي يحول دون قدرة المحكم على تسيير الإجراءات، ورفض المحكم أو إخفاقه في تسيير الإجراءات كما ينبغي أو في تسييرها أو في إصدار حكمه بالسرعة المعقولة مما تسبب لوقا يتسبب بإلحاق ضرر جوهري لطالب العزل. 

   وفيما يتعلق بأسباب الرد التي وردت في القانون الإنجليزي، فإنه اقتصر على تركيز هذه الأسباب في عبارة مجملة دون أن ينص على أسباب حصرية للرد، وهو ذات المسلك الذي اتبعه القانون النموذجي الصادر سنة 1985 والذي تبناه كل من القانون المصري والقانون الإنجليزي. أننا نلاحظ أن المادة 2/12 من القانون النموذجي قد أضافت كسبب للرد إلى جانب ما ذكـره القانون الإنجليزي فيما يتصل بشكوك تتعلق بحيدة المحكم، وجود شكوك تتصل أيضاً باستقلاله independence. وقد ذهب البعض إلى أنه لا أهمية لوجود شكوك حول استقلال المحكم ما لـم بید بترتب على ذلك توافر شكوك حول حيدته.

 

46- إجراءات الرد

   يتم الرد بطلب يقدم إلى محكمة الدولة Court، برد المحكم، على أن يختصم فـي دعـوى الرد، باقي أطراف التحكيم والمحكمون الآخرون، ولم تتضمن المادة 24 النص علـى اختـصـام المحكم المطلوب رده فهو لا يعتبر خصماً في دعوى الرد، ومع ذلك تجيز الفقرة (5) من المـادة المذكورة، للمحكم المطلوب رده أن يتدخل في الدعوى لتسمع المحكمة وجهة نظره قبل أن تحكم في طلب الرد.

   وتشترط الفقرة (2) من المادة 24 لكي تباشر المحكمة سلطتها المقررة في الفقرة (1) مـن النص، أن يستنفد طالب الرد إجراءات عزل المحكم المتفق بين الطرفين على تقريرها لشخص أو لمنظمة تحكيمية معينة.

   وإذا قضت المحكمة برد أحد المحكمين فإنه يجوز لها أن تصدر أمر قد تراه ملائمـاً باستحقاق المحكم لأي أتعاب أو نفقات، أو إلزام المحكم برد أي أتعاب أو نفقات، تكون قد دفعت إليه فعلاً (الفقرة (4) من المادة 24). 

  ويلاحظ ما تقضي به الفقرة (3) من المادة المشار إليها من أنـه مـن الجـائز أن تستمر إجراءات التحكيم بل وأن تصدر هيئة التحكيم حكمها في موضوع النزاع بالرغم من تقديم طلـب إلى محكمة الدولة برد المحكم، ما دام أن هذا الطلب لم يفصل فيه.

 

المطلب الرابع: القانـون النموذجي

47- أسباب الرد

   تنص المادة 2/12 من القانون النموذجي لليونسترال بأنه لا يجوز رد محكم إلا إذا وجـدت ظروف تثير شكوكاً لها ما يبررها حول حيدته أو استقلاله، أو إذا لم يكن حائزاً مؤهلات إتفـق عليها الطرفان. 

   ومن ذلك يبين أن القانون النموذجي استخدم صيغة عامة لأسباب الرد، وهي وجود شكوك حول حياد أو استقلال المحكم. إلا أن هذا القانون أضاف أيضاً، سببا للرد هو عدم توافر المؤهلات التي اتفق طرفا التحكيم على اشتراطها في المحكم.

   ولم يأخذ بهذا الحكم القانون المصري للتحكيم، ولكن أخذ القانون الإنجليزي به، كما نـص القانون السوري في المادة (1/18) على أنه إذا فقد المحكم أحد شروط صلاحيته المنصوص عليها في القانون، فإنه يجوز رده. 

   ولا يجوز لأي من طرفي النزاع رد محكم عينه أو اشترك في تعيينه إلا لأسباب تبينها بعد أن تم تعيين هذا المحكم. 

 

48- أسباب الرد

   تنص المادة 13 من القانون النموذجي في شأن إجراءات الرد، بأنه يجوز لطرفي التحكيم الاتفاق على هذه الإجراءات، فإذا لم يوجد مثل هذا الاتفاق، وجب على الطرف الذي يعتزم رد محكم أن يرسل خلال خمسة عشر يوماً من تاريخ علمه بتكوين هيئة التحكيم ، أو مـن تـاريخ علمه بأي ظروف من الظروف المبررة للرد، بياناً مكتوباً بالأسباب التي يستند إليها طلب الرد، فإن لم يتنح المحكم المطلوب رده أو لم يوافق الطرف الآخر على طلب الرد، فعلى هيئة التحكيم أن تبت طلب الرد فإذا لم يقبل طلب الرد، جاز للطرف الذي قدمه أن يطلـب مـن المحكمـة (قضاء الدولة) أو السلطة الأخرى التي يحددها قانون الدولة، خلال ثلاثين يومـاً مـن تعلمه إخطاراً بقرار رفض طلب الرد، أن تبت طلب الرد، ويكون حكمها أو قرارها في ذلـك غيـر قابل لأي طعن.

   ووفقاً للقانون النموذجي، يجوز لهيئة التحكيم، ومن ضمنها المحكم المطلوب رده أن تواصل إجراءات التحكيم وأن تصدر حكم التحكيم.

 

المطلب الخامس: قواعد الرد وفقا لبعض المنظمات التحكيمية

49- غرفة التجارة الدولية

   تقضي المادة (11) من قواعد التحكيم الصادرة عن غرفة التجارة الدولية ICC والمعمـول بها من أول يناير سنة 1998، بأن يقدم طلب الرد استناداً إلى إدعاء انتفاء الاستقلال أو لأي سبب آخر، بتوجيه مذكرة كتابية إلى الأمانة العامة للمحكمة الدولية للتحكيم (إحـدى هيئـات الغرفة)، موضحاً فيها الوقائع والظروف التي يقوم عليها هذا الطلب. 

   ویشترط لقبول طلب الرد، أن يقدمه الطرف طالب الرد خلال ثلاثين يوماً من تاريخ تسلمه إخطاراً بتعيين المحكم أو بتثبيته، أو خلال ثلاثين يوماً من تاريخ علم طالب الـرد بالوقائع والظروف التي يستند إليها طلب الرد إذا كان هذا التاريخ لأحقاً على تسلم الإخطار. 

  وتصدر المحكمة الدولية قرارها فيما يتعلق بقبول الطلب شكلاً، وفي نفس الوقت، وإن كان هناك محل لذلك، في مدى صحة أسباب الرد، بعد أن تكون قد أتاحت للمحكم المطلوب رده وباقي الأطراف وكل عضو آخر في هيئة التحكيم إمكان التقدم بملاحظاتهم كتابة خلال مـدة مناسبة. وترسل هذه الملاحظات إلى كل من الأطراف والمحكمين.

 

50- قواعد محكمة لندن للتحكيم الدولي 

   تقضي المادة 3/10 من قواعد محكمة لندن للتحكيم الدولي LCIA المعمول بها مـن أول يناير سنة 1998، بأنه يمكن لأي طرف في التحكيم، أن يرد المحكم إذا قامت شكوك حول حيدته او استقلاله. ويمكن لكل طرف في التحكيم رد المحكم الذي عينه أو اشترك في تعيينه، لأسباب لم يعلمها هـذا الطرف إلا بعد أن قام بتعيين المحكم.

   ويتم تقديم طلب الرد خلال خمسة عشر يوماً من تاريخ تشكيل محكمة التحكيم أو مـن تاريخ علمه بمبرر الرد، بطلب كتابي يقدمه إلى محكمة لندن للتحكيم الدولي وهيئة التحكيم وباقي الأطراف يبين فيه أسباب الرد، وإذا لم يتنح المحكم المطلوب

رده أو لم يتفق باقي الأطراف على الرد خلال خمسة عشر يوماً من تاريخ تسلم طلب الرد كتابة، فإن محكمة لندن للتحكــم الـدولي ستفصل في طلب الرد challenge (المادة 4/10).

 

51- قواعد اليونسترال و مركز القاهرة الإقليمي

  يأخذ مركز القاهرة CRCICA بقواعد اليونسترال بشأن التحكيم. وتقضي المادة 10 من كل من قواعد المركز وقواعد اليونسترال بأنه يجوز رد المحكم إذا وجدت ظروف تثير شكوكاً لها ما يبررها حول حياده أو استقلاله.

   ولا يجوز للطرف الذي اختار المحكم أن يطلب رده إلا لأسباب لم يتبينها إلا بعـد أن تـم تعيين هذا المحكم. 

   وعلى الطرف الذي يعتزم رد محكم أن يودع لدى المركز إخطاراً كتابياً بطلب الرد خـلال خمسة عشر يوماً من تاريخ إخطاره بتعيين هذا المحكم أو من تاريخ علمه بالظروف المبـررة للرد. ويخطر المركز الطرف الآخر في التحكيم والمحكم المطلوب رده والأعضاء الآخرين فـي هيئة التحكيم بطلب الرد. ويجوز للطرف الآخر في التحكيم أن يوافق على الـرد، كمـا يـجـوز للمحكم المطلوب رده أن يتنحى دون أن تعد هذه الموافقة أو التنحي إقراراً ضمنياً بصحة أسباب طلب الرد (المادة 11).

  وإذا لم يوافق الطرف الآخر في التحكيم على طلب الرد ولم يتنح المحكـم المطعـون رده، يصدر القرار في طلب الرد من سلطة تعيين المحكم التي اتفق عليها أطراف التحكيم (المادة 12).

  وقد أصدر مركز القاهرة تقنيناً لسلوك المحكمين Code of Ethics يتضمن إحدى عشرة مادة تتضمن القواعد التي يجب أن يتحلى بها المحكم والسلوك الذي يجب أن ينتهجه في التعامـل مع أطراف النزاع والتزامه بالمحافظة على أسرار الدعوى.

 

الفرع الثالث: إختيار محكم بديل

52- إجراءات الاختيار

   تنص المادة 21 من قانون التحكيم المصري على أنه:

   "إذا انتهت مهمة المحكم برده أو عزله أو تنحيه أو بأي سبب آخر، وجب تعيين بـديـل لـه طبقاً للإجراءات التي تتبع في اختيار المحكم الذي انتهت مهمته". 

   وتضمنت المادة (3/20) من القانون السوري ذات الحكم. 

   ويعني ما تقدم أنه متى توفي المحكم أو حكم برده أو بعزله، أو باتفاق الطرفين على عزله أو بتنحيه، قبل الفصل في التحكيم، وجب تعيين محكم آخر يحل محله. أي يتعين اختيار محكـم بديل في أية حالة من حالات الإنهاء المبتسر لمهمة المحكم.

   وعلى ذلك إما أن يتم تعيين المحكم البديل من أحد طرفي التحكيم الذي قام باختياره، او باتفاق الطرفين، أو بإجراء هذا التعيين من المحكمة التي تشير إليها المادة (9)، أو مـن سـلطة التعيين المتفق عليها، أي وجب عند إنتهاء مهمة المحكم لأي . سبب إتباع ذات الأسلوب الذي تـم لاختياره، عند تعيين محكم بديل. لذلك حكم في مصر بأنه يجب عند تعيين محكم بدلاً من محكـم سبق أن عينته المحكمة المشار إليها في المادة (9) وتبين وفاته، أن يتم التعيين بـذات الإجـراء الذي تم في المرة الأولى أي برفع دعوى أمام المحكمة المذكورة وليس بتقديم طلب على عريضة إلى رئيس المحكمة، لكي يصدر أمراً بإستبدال المحكم الجديد بالمحكم الذي تبين وفاته، وإلا بعـد باطلاً الحكم الصادر من هيئة التحكيم التي شارك فيها مثل هذا المحكم")، ويجب تعيين المحكـم البديل بإسمه، فلا يجوز للمحكمة التي تعينه أن تحكم بتعيين المحكم صاحب الـدور دون بيـان اسمه.

   وقد رأينا أن القانون الفرنسي يقضي بأن يختص رئيس المحكمة الابتدائية بنظر الصعوبات أو المشاكل التي تتعلق بتشكيل هيئة التحكيم، ويكون الاختصاص لرئيس محكمة باريس الإبتدائية في التحكيم الدولي، لذلك فإن تعيين محكم بديل يدخل ضمن هذا الاختصاص.

   وتضمنت المادة 27 من قانون التحكيم الإنجليزي النص على تعيين محكـم بـديل بقواعـد خاصة أهمها منح أطراف التحكيم الحرية في الاتفاق على ضرورة وكيفية تعيين محكـم بـديل، وتحديد قيمة الإجراءات السابقة على إنتهاء ولاية أحـد المحكمين، فإذا لم يوجد اتفـاق أو كـان ناقصاً تسري أحكام المادتين 16 و 18 من القانون، وهي الأحكام التـي تطبق علـى تعيـين تطب المحكمين إبتداء.

  أما القانون النموذجي فقد نصت المادة 15 منه على أنه متى انتهت ولاية أحـد المحكمـين، يعين محكم بديل وفقاً للقواعد التي طبقت على المحكم الجاري تبديله. ويطابق هذا النص، المـادة 13 من قواعد اليونسترال وقواعد مركز القاهرة الإقليمي.

   أما قواعد غرفة التجارة الدولية ICC فقد نظمت في المادة 12 منها أحوال وقواعد تعيين محكم بديل. وبالإضافة إلى الأسباب التي تنتهي بها عادة مهمة المحكم مثل الرد والاستقالة والوفاة واتفاق الأطراف، يجوز لمحكمة التحكيم الدولية في الغرفة بمبادرة منها، أن تعين محكماً بديلاً، إذا قدرت أن قيام أحد المحكمين بمهمته متعذر قانوناً أو وفقاً للظروف، أو أنه لا يقـوم بمهمتـه طبقاً لقواعد الغرفة أو خلال المدد المحددة، بعد سماع ملاحظات المحكم المعني وباقي أعـضـاء هيئة التحكيم وأطراف التحكيم.

  وتقضي قواعد جمعية التحكيم الأمريكية A.A.A صراحة بأنه يجوز للمحكمين الباقين فـي هيئة التحكيم الثلاثية الاستمرار في مهمتهما.

 

53 - آثار تعيين محكم بديل

   يترتب على الإنهاء المبتسر لمهمة المحكم، وقف سريان مدة التحكيم بقوة القانون حتى يـتم تعيين محكم بديل، أي يقف الميعاد المتفق عليه أو الذي حدده القانون لإصدار حكم التحكيم منـذ اللحظة التي أبلغ فيها سبب إنهاء مهمة المحكم إلى هيئة التحكيم وحتى قبـول المحكـم البـديل لمهمته. ويرجع هذا الوقف إلى أنه لا ولاية لمن تبقى من أعضاء هيئة التحكيم للفصل في النزاع بدون تعيين محكم بديل وإكتمال تشكيل الهيئة، وفقاً لأحكام القانون المصري. 

   وقد نصت المادة (3/19) من القانون السوري للتحكيم، كما ذكرنا، على أنه يترتب علـى تقديم طلب الرد تعليق مدة التحكيم إلى حين صدور قرار رفض طلب الرد أو قبول المحكم البديل مهمته التحكيمية. كما تقضي المادة (4/20) بأن يترتب على تقديم طلب عزل المحكم تعليق مـدة التحكيم حتى يصدر القرار برفض الطلب أو لحين قبول المحكم البديل مهمته.

   وتحدد المادة (37) من القانون السوري الجديد مدة التحكيم عند عدم تحديد الطرفين لها بمائة وثمانين يوماً من تاريخ أول جلسة للتحكيم. ولهيئة التحكيم مدها إلى فترة لا تزيد علـى تـسـعين يوماً ولمرة واحدة.

   ومع ذلك فإن القواعد التحكيمية الصادرة عن بعض المنظمات التحكيمية تقرر أنـه يـجـوز استمرار التحكيم بواسطة المحكمين الباقين بدلاً من تعيين محكم بديل، من ذلك المادة 5/12 مـن قواعد غرفة التجارة الدولية ICC التي تقضي بأنه يجوز للمحكمة الدولية للتحكيم التابعة للغرفة أن تقرر، إذا رأت ذلك مناسباً، متابعة التحكيم بواسطة المحكمين الباقين بدلاً من تعيين محكـم آخر مكان المحكم المتوفي أو المعزول، على أن تأخذ المحكمة في اعتبارها آراء باقي المحكمين والأطراف.

   ولا يؤثر تعيين محكم بديل أثناء إجراءات التحكيم على ما تم من إجراءات أو صدر مـن قرارات قبل هـذا التعيين، ما دامت صحيحة في ذاتها. ويجب إعادة المرافعة من جديد أمام هيئة التحكيم بحضور المحكم البديل.

   وتترك قواعد غرفة التجارة الدولية ICC لهيئة التحكيم ما إذا كان ينبغي إعادة الإجـراءات السابقة المتخـذة أمام هيئة التحكيم بتشكيلها السابق وإلى أي مدى (المادة 4/12). بينمـا تـفـرق قواعد مركز القاهرة في المادة 14 بين ما إذا كان المحكم البديل هو رئيس التحك أو المحكـم المنفرد فيجب إعادة سماع المرافعات الشفهية، أو إذا كان المحكم البـديل أحـد أعـضـاء هيئـة التحكيم، فيترك لهيئة التحكيم تقدير إعادة سماع المرافعات السابقة. 

   وقد يحدث سماع المرافعات وتقديم الطرفين لجميع أوجه دفاعهما وحجز الدعوى للحكم وبدء المداولة، أن يقوم عارض بأحد المحكمين كما لو توفي، أو حكم برده، أو تخلف عن الاشتراك في المداولة لأسباب قهرية أو عمداً، وفي مثل هذه الحالات نشارك البعض الرأي بوجـوب تعيـين محكم بديل، ولكن هذا الحل قد لا يكون عملياً، خاصة إذا كان ميعاد إصدار حكم التحكــم علـى وشك الإنتهاء. لذلك تأخذ بعض المنظمات التحكيمية مثل قواعد غرفة التجارة الدولية في (المادة 5/12) بأنه متى توفي محكم أو عزل بعد انتهاء المداولة، فيجوز للمحكمة الدوليـة للتحكــم أن تقرر استمرار التحكيم بواسطة المحكمين الباقين. 

   كذلك أخذت قواعد التحكيم الصادرة عن جمعية المحكمين الأمريكية A.A.A بالحل ذاته.

 

الفصل الرابع: المركز القانوني للمحكم

54- تمهيد

   يترتب على تعيين المحكم سواء بواسطة أطراف التحكيم أو المحكمة أو سلطة التعيين المتفق عليها، أن ينشأ للمحكم مركز قانوني متميز، أثار الجدل حول تكييف طبيعـة علاقتـه بـأطراف التحكيم، ومن ناحية أخرى فإن المحكم، يلتزم بالتزامات معينة تفرضها طبيعة وظيفته القانونيـة، وعلاقته بأطراف التحكيم، ويترتب على الإخلال بهذه الالتزامات، المسؤولية القانونية للمحكم. 

   كما يستحق المحكم أتعاباً عن أداء مهمته، وكذلك النفقات التي تكبدها لأداء تلك المهمة. 

   لذلك نعرض في فروع ثلاثة لطبيعة وظيفة المحكم، ثم نتكلم عن مسؤولية المحك النهاية عن أتعاب المحكم.

 

الفرع الأول: طبيعة وظيفة المحكم

55- الجدل القانوني

   أثار تحديد طبيعة العلاقة بين المحكم وأطراف النزاع جدلا قانونياً، وأساس هـذا الجدل، الخلاف الفقهي حول طبيعة وظيفة المحكم، ويقوم المحكم كما رأينا، بوظيفة قضائية، بالفصل في المنازعات التي تعرض عليه وفقاً لاتفاق طرفي التحكيم. ومع ذلك فلا يجوز أن نعتبـر وظيفـة المحكم من ذات طبيعة وظيفة القاضي، لذا فلا محل للمقارنة بينهما في هذا المجال. 

   ويتجه الرأي الغالب، إلى أن العلاقة بين المحكم وأطراف التحكيم، تعد علاقة تعاقدية بحيث يمكن القول أن هناك عقد تحكيم receptum arbitri يحدد طبيعة وظيفة المحكم وذلـك سـواء كان التحكيم خاصاً ad hoc أو مؤسسياً institutionnel أو تم التعيين باتفاق الطرفين، أو من قبل المحكمة، أو أحد المراكز التحكيمية. وإن كان البعض يرى أن هـذا التكييف لا يصلح وحده ليكون أساساً لتحديد طبيعة وظيفة المحكم، لأنه لا يعتد بأي أثر من آثار عقد التحكيم إلا لأن المشرع يجيز التحكيم ويحدد من الإجراءات الأمرة ما لا يمكن بأي حال من الأحوال الاتفاق على مخالفتها. 

   وبصدد العلاقة التعاقدية التي أسس عليها الفقه طبيعة وظيفة المحكم، اختلف الرأي حول تحديد طبيعة العقد الذي ينشئ هـذه العلاقة، فقال رأي بأنها علاقة وكالة، بينمـا نفـي رأي آخر تكييف العلاقة التعاقدية المشار إليها بأنها وكالة، لأن المحكم يكلف بمهمة الفـصـل فـي نزاع معين من قبل طرفين أو أكثر تتعارض مصالحهم، ومن ثم فهو لا يمثـل أحـد الأطراف في قيامه بهذه المهمة، ومن المقرر أن المحكم يجب أن يكون مستقلاً عن طرفي النزاع.

   بينما يذهب رأي آخر بأن هذا العقد بعد عقد مقاولة entreprise لأنه يتضمن تقديم خدمات ذهنية من قبل المحكم لصالح طرفي التحكيم مقابل أتعاب يلتزمان بها، فهي علاقة من نوع علاقة عميل مع أحد المهنيين مثل الطبيب أو المهندس أو المحاسب.

   ويؤكد البعض أن العلاقة هي علاقة عمل مستقلة يمكن تقريبها من بعض الوجوه من علاقة المقاولة. 

   وانتقد البعض فكرة المقاولة كأساس لتحديد المركز القانوني للمحكـم، لأن المحكم يقـوم بوظيفة قضائية ويستمد سلطته في هذا الخصوص من القانون. 

   على أن الرأي الراجح دونيا، يميل إلى إعتبار العقد الذي يربط بين المحكم وأطراف النزاع، من طبيعة خاصة sui generis يلتزم المحكم بموجبه بإستعمال سلطاته التي حولها له القانون أو الأطراف للفصل في النزاع.

 

56 - المحكم في مركز قانوني خاص

   ونحن من جانبنا لا تتفق مع الرأي السائد من أن المحكم يرتبط مع أطراف التحكيم بعقد مـا مهما كانت طبيعته، وإنما يعتبر المحكم في مركز قانوني خاص sui generis، فإذا كان أسـاس قيامه بمهمته هو تعيينه من أطراف النزاع، فإنه قد يعين أيضاً دون اتفاق بينهم، إذ يقوم بالتعيين في أحيان كثيرة، إما القضاء أو إحدى الجهات الأخرى التي يشير إليها قانون التحكيم في الدولـة التي يجري فيها التحكيم أو يتفق على تطبيق قانونها. 

   وقبول المحكم للتعيين ليس من شأنه أن يضعه في مركز تعاقدي مع أطراف النزاع، بالرغم مما ذهب إليه الفقه والقضاء في فرنسا من أن قبول المحكم مهمته، يدخله في علاقة تعاقدية تسمي عقد ولاية contrat d'investure" أساسها إرادة الطرفين بأن يستمر المحكم فـي أداء وظيفتـه القضائية وقبول الطرفين للحكم الذي يصدره.

   ولذلك نرى أن المحكم بعد تعيينه وقبوله هذا التعيين، يستمد سلطته كقاض خاص، من أحكام القانون، سواء فيما يتعلق بعلاقته بأطراف النزاع، أو بالإجراءات التي يجب أن يتبعها حتـى يصدر حكمه، الذي يلزم الطرفين كما يلزم سلطات الدولة بعد وضع الصيغة التنفيذية عليه. لذلك ينتهي دور إرادة الطرفين في هذا الشأن عند تعيين المحكم، وقد لا يكون لهذه الإرادة أي دور في التعيين عندما يتم من قبل محكمة الدولة أو إحدى المنظمات التحكيمية أو من أي شخص آخـر يحدده الأطراف. ويبدأ دور القانون في فرض أحكامه على المحكم، بعد قبول الأخيـر مهمـة التحكيم، ويفرض القانون التزامات معينة على المحكم، متى أخل بها فإن مسؤوليته تتعقد قبـل المحتكمين وهي مسؤولية أساسها القانون، ولا تعد في نظرنا مسؤولية تعاقدية، كما قد يتعرض الحكم الصادر من المحكم لقواعد الاستئناف في بعض التشريعات أو لرفع دعوى بطلان الحكـم التحكيمي متى توافرت إحدى حالات البطلان التي ينص عليها القانون. 

  ويتمتع الحكم الصادر من المحكم، بحجية الأمر المقضي، شأنه في ذلـك شـان الأحكـام الصادرة عن قضاء الدولة.

 

الفرع الثاني مسؤولية المحكم

 

57- التزامات المحكم

   متى قبل المحكم مهمة التحكيم، فإنه يلتزم بمباشرة مهمته والاستمرار فيهـا حـتـى يـصدر الحكم، ولا يجوز للمحكم التخلي عن مهمة التحكيم دون مبرر مشروع، وقد نصت المادة 1462 من قانون المرافعات الفرنسي على التزام المحكم بأداء مهمته حتى نهايتها. 

   وعلى المحكم أن يتبع أحكام القانون في ممارسته مهمته، فيما يتعلق بالإجراءات الواجـب إتباعها في خصومة التحكيم، ومن أهمها عدم الإخلال بحق أحد الطرفين في الدفاع، ومعاملـة الطرفين على قدم المساواة. وقد نصت المادة 26 من قانون التحكيم المصري والمادة (25) مـن قانون التحكيم السوري على وجوب معاملة طرفي التحكيم على قدم المساواة، وتهيئـة الفرصة المتكافئة و الكاملة لكل طرف لعرض دعواه، والدفاع عن حقوقه. 

  كما يلتزم المحكم بأن يحيط الأطراف أثناء إجراءات التحكيم، بأي ظروف تستجد، قد تنـال من حيدته أو استقلاله. 

 

58- حصانة المحكم

   لما كان المحكم يقوم بوظيفة قضائية، فإنه وإن كان يلتزم بالتزامات قانونية معينة، ويـؤدي الإخلال بها إلى مسؤوليته، ومع ذلك لا يجوز مساءلة المحكم عن أي خطأ في الحكـم الـصـادر منه، كما لو أخطأ في تطبيق القانون أو تفسيره، ما لم يكن هذا الخطا عمداً. 

   ومن ذلك يبين أن المشرع في معظم الدول ومن بينها مصر وفرنسا، وإن لم يقرر صراحة المحكم حصانة تماثل حصانة القاضي، إلا أن القواعد العامة تسمح بتوافر نـوع مـن الحصانة للمحكم عن أخطائه غير العمدية. 

   ونلاحظ أن المواد من 494 إلى 500 من قانون المرافعات المصري قد أخضعت مسؤولية القاضي لأحكام خاصة بحيث لا تسري عليها القواعد العامة للمسؤولية، وإنما تخضع لقواعـد المخاصمة، ونظمت أحكام دعوى المخاصمة والحالات التي تجوز فيها رفع هذه الدعوي، وهـي حالات محددة على سبيل الحصر. 

   أما القانون السوري الجديد للتحكيم فلم يرد فيه نص صريح على توفير حصانة للمحكم، إلا ان بعض نصوصه تستخلص منها المساواة بين المحكم والقاضي من بعـض الوجوه المتعلقة بمركزه القانوني. كما تضمن القانون السوري نصاً لم يرد في القانون المصري هو نص المـادة (15) التي تنص على ان يعاقب كل من يعتدي على محكم خلال ممارسته مهمة التحكيم أو بسببها يذات العقوبة المقررة على من يعتدي على قاض. 

   وقد نصت بعض القوانين في الولايات المتحدة صراحة على منح حصانة للمحكمين، ولكـن يخرج عن نطاق هذه الحصانة الأخطاء العمدية للمحكم وتعمد الإضرار بالخصوم.

   وينص القانون الإنجليزي للتحكيم في المادة (29) على أن المحكم غير مسؤول عن أي فعل أو امتناع يقع بمناسبة أداء مهمته إلا إذا ثبت أن الفعل لو الامتناع كان بسوء نية in bad faith . ويذهب رأي في الفقه الإنجليزي إلى أن هذا النص أمر.

 

 59- المسؤولية المدنية للمحكم

   إذا توافرت أركان مسؤولية المحكم من خطأ وضرر وعلاقة السببية بينهمـاء سـواء فـي مواجهة أطراف التحكيم أو قبل الغير الذي قد يلحقه الضرر من جراء خطأ المحكم بالرغم من أن حكم التحكيم ليس حجة عليه، فإنه يجوز للمتضرر أن يقيم دعوى المسؤولية قبل المحكم للمطالبة بالتعويض عما لحقه من ضرر بسبب خطأ المحكم الجسيم أو العمـد. وتعد هذه المسؤولية تقصيرية وليست تعاقدية سواء في مواجهة أطراف التحكيم أو الغير، لأن أساس علاقة المحكـم بأطراف النزاع، هو القانون كما ذكرنا آنفاً ولذلك لا يجوز الاتفاق على الإعفاء منها. 

   وتخضع دعوى المسؤولية للقواعد العامة، وتختص بنظرها المحكمة المختصة وفقاً لقواعـد قانون المرافعات، وليست المحكمة المشار إليها في المادة (9) من قانون التحكيم المصري، أو المادة (3) من قانون التحكيم السوري. بيد أنه يجب أن تلاحظ ما سبق ذكره، مـن أن القـانون السوري ينص صراحة في المادة (2/17) على أن يكون المحكم مسؤولا عن القرار الذي يسببه لأي من طرفي التحكيم بسبب تخليه عن مهمته دون مبرر، بعد قبولها،

   ونتفق مع الرأي القائل بأنه "لا ارتباط بين إبطال حكم التحكيم وتقرير مسؤولية المحكم، إذ قد تتقرر مسؤولية المحكم برغم عدم قبول دعوى بطلان حكم التحكيم أو رفضها، وقد ترفض دعوى المسؤولية رغم بطلان الحكم". فلا يلزم المحكم بالتعويض لمجرد أن الحكـم قـد أبطل ما لم يرجع البطلان إلى خطأ جسيم أو غش من جانب المحكم، لأن الحكم ببطلان حكم التحكيم قد يكون مشوباً بالخطأ في تطبيق القانون أو تفسيره.

 

الفرع الثالث: أتعاب المحكم

60- الحق في الأتعاب 

   يقابل التزامات المحكم في مواجهة أطراف التحكيـم، على النحو الذي عرضنا لـه حقه في الحصول على أتعاب مقابل ما أداه من عمل، كما أن من حقـه أن يحصل علـى النفقات التي أنفقها لأداء مهمته، مثل مصاريف السفر والإقامة في المكان الذي يجري فيـه التحكيم.

    ولم يعالج المشرع المصري في قانون التحكيم قواعد أتعاب ونفقات المحكـم، وكذلك لـم يتضمن القانون الفرنسي نصوصاً تتعلق بحق المحكم في الحصول على أتعابه، لذلك يخضع هـذا الأمر للقواعد العامة. 

   أما القانون الإنجليزي، فقد نظمت المادة 28 منه حق المحكم في الحصول علـى أتعابـه ومصاريفه وقررت مسؤولية أطراف التحكيم التضامنية والمنفردة jointly and severally، عن سداد الأتعاب والمصاريف للمحكم.

 

61- تحديد أتعاب المحكم واستحقاقها

   تختلف طريقة تحديد أتعاب المحكم في التحكيم المؤسسي عنها في التحكيم الخاص ad hoc ففي مجال التحكيم المؤسسي، فإن قواعد المنظمة التحكيمية تتولى تحديد الأتعاب التي يتقاضاها المحكم وتكون عادة بتحديد نسبة معينة من قيمة النزاع، من ذلك مثلاً القواعد التي وضعتها غرفة التجارة الدولية، ومحكمة لندن للتحكيم الدولي، ومركز القاهرة الإقليمي. لذلك يلتـزم أطـراف التحكيم المؤسسي، بأداء الأتعاب المحددة وفقا لقواعد هذه المنظمات، دون أن يحق لهم المطلبـة قضاء بتخفيضها، لأنهم ارتضوا مقدما هذه الأتعاب بتبنيهم قواعد التحكيم وقفاً لنظام المؤسسة التحكيمية. بينما يجوز في بعض الظروف لمثل هذه المنظمات أن تزيد مقدار أتعاب المحكم، ومن هذه  الظروف مثلاً، الجهد الاستثنائي المبذول من المحكم والمكانة العلمية والعملية للمحكم.  

   أما في التحكيم الخاص ad hoc ، فإنه يتم الاتفاق بين المحكم والأطـراف علـى تـحـديـد الأتعاب، ويشترط لإلزام اي طرف في التحكيم بنصيبه في أتعاب المحكم أن يقيـل مـقـدمـا هـذا التحديد، فلا تكفي موافقة أحد أو بعض الأطراف دون الطرف الآخر على تحديد الأتعاب لإلـزام الأخير بها.

    وجدير بالذكر أن الاتفاق بين المحكم وأطراف التحكيم الخاص على تحديد الأتعاب، ليس من شأنه أن يجعل المحكم في مركز تعاقدي في علاقته بأطراف التحكيم من جميع الوجـوه، وإنمـا تقتصر العلاقة التعاقدية بين المحكم والأطراف على تحديد مقدار الأتعاب التي يحق للمحكـم أن يتقاضاها من أطراف التحكيم.

 

ويلتزم طرفا التحكيم عادة بأتعاب المحكم مناصفة بإيداعها أثناء إجراءات التحكيم، وحتـى يصدر الحكم، إذ يحدد الحكم عادة، الطرف الذي يلتزم بأتعاب التحكيم ونفقاته سـواء بتوزيعهـا مناصفة بين الطرفين أو الزام الطرف الخاسر بها، أو بإلزام كل طرف من الطرفين بنسبة معينة منها يحددها الحكم وفقاً لما قضى به لصالح كل منهما. 

    وتستحق أتعاب المحكم بمجرد صدور الحكم، وذلك بتوقيعه من المحكم وتسليمه إلى المنظمة التحكيمية التي تتم إجراءات التحكيم وفقاً لقواعدها وتحت إشرافها، أو بتوقيـع المـحكـم للحكـم وتسليمه إلى أطراف النزاع في التحكيم الخاص ad hoc.

   ومتى استحق المحكم أتعابه وقبضها، فلا يجوز لأحد أطراف التحكيم طلب استردادها بحجة أن حكم التحكيم قد قضى ببطلانه، وفي حكم حديث لمحكمة النقض المصرية، نقـضت حكمـاً لمحكمة استئناف القاهرة بإلزام محكم برد قيمة الأتعاب التي قبضها بسبب الحكم ببطلان حكـم التحكيم ، وذكرت محكمة النقض في أسباب حكمها أن الحكم المطعون فيه لم يواجه ما تمسك به الطاعن من أن الحكم ببطلان حكم التحكيم لا أثر له في رد قيمة الأتعاب التي دفعتهـا الـشـركة المطعون ضدها طوعاً لهيئة التحكيم لاستحقاقها على ما بذلته من جهد في أداء مهمتها .. وهـو دفاع جوهري يتسم بالجد ومن شأنه أن يتغير به وجه الرأي في الدعوى، ويعيب الحكم المطعون فيه بما يوجب نقضه دون حاجة إلى بحث في بقية أسباب الطعن.

 

62- القانون السوري

   اهتم قانون التحكيم السوري الجديد بالنص على انه يجب أن يتضمن حكم التحكيم ألعـاب ونفقات التحكيم وكيفية توزيعها بين الطرفين، وإذا لم يتم الاتفاق بين الطرفين والمحكمين علـى تحديد أتعاب المحكمين فيتم تحديدها بقرار هيئة التحكيم ويكون قرارها في هذا الشأن قابلاً للطعن أمام المحكمة المعرفة في المادة (3) من هذا القانون. وبعد قرار المحكمة في هذه الحالة ميرمـاً (نهائيا). (المادة 2/42 من قانون التحكيم السوري).