الخدمات

ابواب التحكيم الرئيسية
  • متفرقات / قوانين التحكيم في الدول العربية / المجلات العلمية / مجلة التحكيم العالمية - العدد 3 / قانون التحكيم المغربي الجديد  قراءة للقانون رقم 05-08 المنظم للتحكيم والوساطة الاتفاقية المغربي الجديد

  • الاسم

    مجلة التحكيم العالمية - العدد 3
  • تاريخ النشر

  • عدد الصفحات

  • رقم الصفحة

    109

التفاصيل طباعة نسخ

مدخـل

    نظراً الى الطفرة الاقتصادية التي أصبحت تعرفها أغلب دول المعمورة، عرفت المملكة

المغربية بدورها نمواً اقتصادياً مشهوداً، واكبه تدفق للاستثمارات الأجنبية، وحركية نشيطة

الاستثمارات الداخلية.

  ومن المعروف ان رؤوس الأموال المستثمرة تتسم بالجبن ولا جنسية لها، لا يستقر لها حال، وشروطها عنيدة وقاسية في أحيان كثيرة، تصل الى المطالبة بأن يكون الاستقرار السياسي تاماً، وان تكون الشفافية الادارية في كل مراحلها بما فيها الفعالية والسرعة في الانجاز، وأن تسيل القوانين والتشريعات مأموريتها.

  ومن هذا المنطلق أصبح الاتجاه يسير نحو ايجاد طرق بديلة لحل النزاعات منها التحكيم والوساطة الاتفاقية. 

   ولكون نصوص المسطرة المدنية المنظمة للتحكيم لم تعد تفي بالغرض المطلوب لقصر نصوصها وعدم تنظيمها للتحكيم الدولي والوساطة الاتفاقية، فإن المشرع المغربي عمد الى سن القانون رقم 05-08 المنظم للتحكيم والوساطة الاتفاقية الذي نسخ وعوض الباب الثامن بالقسم الخامس من المسطرة المدنية.

   وبالمناسبة نقوم بقراءة نصوص هذا القانون في ثلاثة أبواب تخصص أولها للتحكيم الداخلي، وثانيها للتحكيم الدولي، وثالثها للوساطة الاتفاقية، ثم نتحدث عن تنفيذ الأحكام التحكيمية في باب رابع. 

 

الباب الأول التحكيم الداخلي

  نظم القانون رقم 05-08 جوانب هذا الباب المتعلقة باتفاق التحكيم ومشتملاته والمادة التحكيمية والمحكم والهيئة التحكيمية وتشكيلها والاجراءات والطلبات العارضة وتنازع الاختصاص وصدور الحكم التحكيمي وتذييله بالصيغة التنفيذية وطرق الطعن فيه، وسنحاول التطرق الى كل موضوع من هذه الموضوعات على حدة:

 

أولاً- اتفاق التحكيم ومشتملاته

  عرف الفصل 307 اتفاق التحكيم بأنه التزام الاطراف باللجوء إلى التحكيم قصد حل نزاع نشأ أو قد ينشأ عن علاقة قانونية معينة، تعاقدية أو غير تعاقدية، وهو قد يكون في شكل عقد تحكيم أو شرط تحكيم.

   من هذا التعريف يتبين أنه لكي يلجأ الطرفان إلى التحكيم لحل نزاعهما بدل قضاء الدولة الرسمي، يلزم أن يكون هناك عقد كتابي في شكل اتفاق تحكيمي يتضمن الاتفاق على حل النزاع عن طريق الاحتكام الى محكم واحد أو هيئة تحكيمية، وإما في شكل شرط تحكيمي وارد في العقد الرابط بين الطرفين.

   وفي هذا المنحى جاء في قرار للمجلس الاعلى المغربي ان الاختصاص في أي نزاع ينشب فيما بين الاطراف ينعقد للمحاكم، في حين الاتفاق على التحكيم يشكل استثناء، والاستثناء بطبيعته يؤول بشكل ضيق، غير أنه لا يمكن اللجوء الى التحكيم الا إذا كان هناك شرط تحكيمي او اتفاق على التحكيم حرر بشكل لا لبس فيه.

  وحسب الفصل 313 من نفس القانون أوجب المشرع ان يبرم اتفاق التحكيم بشكل كتابي، وأجاز أن يكون بعقد رسمي او عرفي أو بمحضر يحرر امام محكم أو هيئة تحكيمية، كما اعتبر أنه يمكن ان يرد في وثيقة وقعها الأطراف أو في رسائل متبادلة، أو من خلال اتصال برقي أو بالتنكس أو بأية وسيلة أخرى، وأضاف بأنه يمكن أن يعتبر التحكيم مبرماً بتبادل مذكرات الطلب أو الدفاع التي يدعي فيها أحد الطرفين بوجود اتفاق التحكيم دون أن ينازعه الآخر.

   من خلال هذا التفصيل يتبين بأن المشرع توسع في كيفية إبرام اتفاق التحكيم، معتبراً إمكانية انعقاده بين طرفيه بأية وسيلة من وسائل الاتصال المعروفة أو التي ستعرف، ولو أثناء تبادل المذكرات بمناسبة نزاع قضائي، وفي ذلك خروج عن النظرية التقليدية التي تعتبر القضاء هو الأصل واللجوء إلى التحكيم هو الاستثناء، وفي نفس السياق نص الفصل 314 على أنه إذا تم الاتفاق على التحكيم في أثناء نظر النزاع من قبل المحكمة، فعلى المحكمة أن تقرر إحالة الأطراف على التحكيم، ويعد هذا القرار بمثابة اتفاق تحكيم مكتوب.

   وما دمنا في صدد عقد التحكيم فإنه يجب ان يتضمن تحت طائلة البطلان: 

  تحديد موضوع النزاع وتعيين الهيئة التحكيمية أو التنصيص على طريقة تعيينها أما شرط التحكيم فهو الاتفاق الذي يلتزم فيه أطراف عقد بأن يعرضوا على التحكيم النزاعات التي قد تنشأ عن العقد المذكور" ويجب تحت طائلة البطلان أن يضمن شرط التحكيم كتابة في الاتفاق الاصلي أو في وثيقة تحيل عليه بشكل لا لبس فيه وينص فيه على تعيين المحكم او المحكمين أو على  طريقة تعيينهم".

 

ثانياً- المادة التحكيمية أو قابلية النزاع للتحكيم

   أن كانت القاعدة العامة هي لجوء الاطراف إلى القضاء لفض ما قد ينشأ بينهم من نزاعات باعتباره الجهة التي أوكلت اليها مختلف التشريعات الحكم في الخصومات، فإن مميزات التحكيم المتجلية في سرعة البت واقتصاد النفقات وبساطة الاجراءات والتخصص في النزاع المعروض، جعلت البعض يفضل هذا النظام بدل قضاء الدولة ومساطرة المتشعبة، ولاختيار التحكيم وسيلة لفض النزاع، يلزم أن ينصب على مسألة يسرع فصلها عن طريق التحكيم، أي ان يكون النزاع قابلا للبت من طرف المحكمين.

  وبالرجوع الى قانون التحكيم المغربي الملغية يلفي انه كأغلب التشريعات الاخرى استثني من دائرة النزاعات التي يمكن تسويتها عن طريق التحكيم: الهبات والوصايا المتعلقة بالاطعمة والملابس والمساكن والمسائل المتعلقة بحالة الاشخاص وأهليتهم، والمسائل التي تمس النظام العام وخاصة نزاعات عقود وأموال يحكمها القانون العام، والنزاعات الجبائية، ونزاعات تحديد الأثمان والتداول الجبري والصرف والتجارة الخارجية ونزاعات بطلان وحل الشركات.

   أما قانون 05-08 الجاري به العمل حالياً فقد قلص من عدد المواد غير القابلة للتحكيم ونص في فصوله 309 و 310 و311 على أنه لا يجوز ان يبرم اتفاق التحكيم في شأن تسوية النزاعات التي تهم حالة الاشخاص وأهليتهم، أو الحقوق الشخصية التي لا تكون موضوع تجارة، ولا يجوز أن تكون محل تحكيم النزاعات المتعلقة بالتصرفات الاحادية للدولة أو الجماعات المحلية أو غيرها من الهيئات المتمتعة باختصاصات السلطة العمومية، غير أن النزاعات المالية الناتجة منها يمكن أن تكون محل عقد تحكيم ماعدا المتعلقة بتطبيق قانون جبائي، ويمكن ان تكون النزاعات المتعلقة بالعقود التي تبرمها الدولة أو الجماعات المحلية محل اتفاق تحكيم، ويجوز للمقاولات العامة الخاضعة لقانون الشركات التجارية أن تبرم اتفاقات تحكيم وفق الاجراءات والشروط المحددة من لدن مجالس ادارتها او رقابتها أو أجهزة تسييرها، كما يجوز للمؤسسات العامة إبرام عقود تحكيم وفق الاجراءات والشروط المحددة من لدن مجالس ادارتها، وتكون الاتفاقات المتضمنة لشروط التحكيم محل مداولة خاصة يجريها مجلس الادارة.

   وهكذا نجد أن هذا القانون حجم نطاق المادة غير التحكيمية، وأباح التحكيم في مسائل توجد فيها الدولة او مؤسساتها العامة طرفاً لما يتعلق بنزاع مالي، كما أجازه في نزاعات الأحوال الشخصية المالية، وفي هذا الاتجاه أجازت مدونة الأسرة المغربية في مادتها 49 التحكيم للزوجين في إطار تدبير الأموال التي ستكتسب في أثناء قيام الزوجية والاتفاق على استثمارها وتوزيعها من خلال تدوين ذلك في وثيقة مستقلة عن عقد الزواج.

   كما ان الفصل الثاني من مرسوم 30 دجنبر (ديسمبر) 1998 المتعلق بتحديد شروط واشكال إبرام صفقات الدولة، يفيد أنه يمكن إخضاع عقود أشخاص القانون العام لقواعد القانون العادي وشروط إبرام الصفقات المنصوص عليها بالمعاهدات التي قد تخضع النزاع للتحكيم. 

  كذلك ثمة الفقرة الأخيرة من المادة 17 من القانون الاطار رقم 95-18 بمثابة ميثاق الاستثمار التي نصت على أنه " يمكن ان تتضمن العقود الاستثمارية بنودا تقضي بغض كل نزاع قد ينشأ بين الدولة المغربية والمستثمر الاجنبي بخصوص الاستثمارات وفقاً للاتفاقيات الدولية التي صادق عليها المغرب في ميدان التحكيم الدولي" .

 

  هناك كذلك القانون رقم 89-39 المأذون بموجبه في تحويل منشات عامة إلى القطاع الخاص الذي أجاز النص في عقود الخوصصة (الخصخصة) على شرط اللجوء إلى التحكيم في حالة حدوث نزاع. من خلال هذه التحولات التشريعية يلاحظ أن الاتجاه العام يسير إلى فتح الباب أمام نظام التحكيم لولوج مجموعة من المواد التي كان إلى العهد القريب يحظر عليه نظرها.

 

ثالثاً- رئيس المحكمة المختص بمنح الصيغة التنفيذية

   نص الفصل 312 من القانون 05-08 على أنه يراد من "رئيس المحكمة" رئيس المحكمة التجارية ما لم يرد خلاف ذلك.

  ونص الفصل 31-327 على أنه لا ينفذ الحكم التحكيمي جيرياً إلا بمقتضى أمر بتحويل الصيغة التنفيذية يصدره رئيس المحكمة الصادر الحكم في دائرتها. 

   وجاء في الفصل 310 بأنه يرجع الاختصاص بنظر طلب تذييل الحكم التحكيمي الصادر في شأن النزاعات المالية الناتجة من التصرفات الأحادية للدولة أو الجماعات المحلية أو غيرها من الهيئات المتمتعة باختصاصات السلطة العمومية إلى المحكمة الإدارية. 

  من خلال هذه النصوص يثور التساؤل حول الجهة المختصة بإسدال الصيغة التنفيذية على الأحكام التحكيمية الصادرة في قضايا غير تجارية وغير إدارية، مثل نزاعات الشغل وقضايا الأكرية المدنية والنزاعات المالية بين الزوجين وغيرها.

   عرض هذا الموضوع على رئيس المحكمة التجارية بالدار البيضاء، وكان يتعلق بإكساء مقرر تحكيمي بالصيغة التنفيذية يخص نزاعاً شغلياً، فأصدر مقرره بعدم الاختصاص النوعي لفائدة رئيس المحكمة الابتدائية، بعلة انه ما دام القانون 05-08 يرجع النظر في طرق الطعن في الحكم التحكيمي للمحكمة المختصة نوعياً لبت النزاع الذي كان موضوع تحكيم، فإن تذييل الحكم التحكيمي بالصيغة التنفيذية لن يخرج عن ذلك، ومن ثم يرجع الاختصاص بمنح الصيغة التنفيذية لرئيس المحكمة الابتدائية إن تعلق الأمر بنزاع مدني، ولرئيس المحكمة التجارية بالنسبة الى النزاعات التجارية، أما إن كان النزاع إدارياً فالمشرع أوكل ذلك الى المحكمة الإدارية وليس الى رئيسها.

  وهذا الاتجاه كان معتمداً من طرف المجلس الأعلى، فلقد جاء في قرار له يتعلق بمنح الصيغة التنفيذية لحكم تحكيمي يخص نزاع طرفين حول تجهيز ارض فلاحية بمعدات سقوية، بأن ما ذهبت اليه محكمة الاستيناف التجارية "من أن اختصاصات الرئيس هي نفسها سواء عرض النزاع على المحكمة التجارية أو المحكمة الابتدائية" بعد تعليلا فاسداً، على اعتبار ان قواعد الاختصاص لا تخضع لرغبة الأطراف وإنما للنصوص القانونية المنظمة لها، واستناداً إلى الفصل 320 من قانون المسطرة المدنية والمادة 20 من قانون إحداث المحاكم التجارية، فإنه يتعين على المحكمة بت الدفع بعدم الاختصاص النوعي في إطار المعطيات المتوافرة لديها بخصوص موضوع النزاع، فإن كان مدنياً بطبيعته يرجع اختصاص بت منح الصيغة التنفيذية للحكم التحكيمي الصادر في نطاقه لرئيس المحكمة الابتدائية، وان كان تجارياً عاد الاختصاص في شأن ما ذكر لرئيس المحكمة التجارية.

 

رابعاً- المحكم وتشكيل الهيئة التحكيمية وتعيينها

 

باستقراء النصوص المنظمة لهذا الموضوع يتبين ان التحكيم هو إما خاص وتتكفل الهيئة التحكيمية بتنظيمه، وإما مؤسسيا وتتكفل المؤسسة التحكيمية بتنظيمه وضمان حسن سيره طبقاً  لنظامها مع ضمان حقوق الدفاع"، ولا تسند مهمة التحكيم الا الى شخص ذاتي وليس شخصاً معنوياً لتعذر إجرائها من طرف هذا الأخير، وأن يكون كامل الأهلية، ولم يسبق ان صدر عليه حكم نهائي بالإدانة من أجل أفعال تخل بالشرف أو بصفات الاستقامة أو الآداب العامة، أو بالحرمان من أهلية ممارسة التجارة أو حق من الحقوق المدنية".

   من هذه النصوص يتضح أن المشرع يريد تطهير البيئة التحكيمية من كل الشوائب التي قد تؤدي الى عرقلة مسيرتها وصولاً بها الى الغايات النبيلة لقضاء التحكيم.

   وفي هذا النسق أوجب المشرع على الأشخاص الطبيعيين الذين يقومون اعتياديا أو في إطار المهنة بمهمات المحكم في إطار فردي أو مؤسسي أن يصرحوا بذلك إلى الوكيل العام للملك لدى محكمة الاستيناف الواقع في دائرة نفوذها محل إقامتهم، ثم يتسلموا وصلاً بالتصريح، ويقيد المحكم في قائمة المحكمين لدى ذات المحكمة بعد دراسة وضعيته.

   بهذا التدبير الاضافي يتضح أن المشرع حاول غلق أبواب هذا الميدان في مواجهة المتطفلين واصحاب السلوك الشائن، إلا أنه قد يثور التساؤل حول دور النيابة العامة في هذا الميدان؟ 

  الظاهر ان هذه المؤسسة لا تملك حق الإشراف على المحكم أو على المسيرة التحكيمية لغاية صدور الحكم التحكيمي، وإنما هي تراقب فقط الجانب الاخلاقي والسلوكي للمحكم الذي تنتظره مهمة الفصل في قضايا الناس وبتها، وما تتطلبه من كتمان للسر المهني" وهي لها إمكانيات بحث هائلة لتحقيق هذه الغاية .

  وتحدث المشرع عن عزل المحكم الذي لا يكون الا بموافقة جميع الأطراف، وتنتهي مهمته بمجرد إعلامه بعزله، وهنا يجب ان يعين محكم آخر عوضاً عنها. 

  وفي الحالة التي يتعذر فيها على المحكم القيام بمهمته، أو لم يباشرها، أو انقطع عن أدائها، فإن المشرع المغربي تنبه لذلك، مجيزاً لأحد الطرفين التقدم إلى رئيس المحكمة المختصة بطلب لإنهاء مهمته، والأمر الصادر في هذا الخصوص لا يقبل أي طعن .  

  وبخصوص تشكيل الهيئة التحكيمية" فهي تتكون من محكم واحد أو عدة محكمين، تكون للأطراف حرية تحديد اجراءات تعيينهم وعددهم. 

  وإن لم يتفق الأطراف على عدد أعضاء الهيئة التحكيمية كان عددها ثلاثة، وان تعدد المحكمون كان عددهم وتراً وإلا عن التحكيم باطلاً. 

   ولما يثبت أن المحكم أو المحكمين المعينين لا تتوافر فيهم الشروط أو كان تعيينهم مزدوجاً، فإن التعبين الجديد يتم إما بإتفاق الأطراف أو من لدن المحكمين المعينين، وإما من لدن رئيس المحكمة بناء على أمر غير قابل للطعن".

  ولم يفت المشرع ان ينبه للحالة التي لا يتم فيها تعيين الهيئة التحكيمية مسبقاً وكيفية وتاريخ اختيار المحكمين، أو لما لا يتفق الاطراف على ذلك، وذكر الاجراءات التي يتعين اتباعها، وهي أنه إذا كانت هيئة التحكيم مكونة من محكم واحد، فإن رئيس المحكمة المختصة يتولى تعيين المحكم بناء على طلب أحد الطرفين، وإن كانت الهيئة ثلاثية، عين كل طرف محكماً، ويتفق المحكمان المعينان على تعيين محكم ثالث، وإن تعذر ذلك خلال 15 يوماً التالية لتسلم طلب التعيين أو التعيين المحكم الثالث، فإن رئيس المحكمة المختصة سيتولى ذلك، على أن براعي في المحكم الذي يختاره الشروط التي يتطلبها القانون وكذا المتفق عليها من الأطراف، وقراره يصدر حضورياً ولا يقبل أي طعن، والملاحظ ان تشكيل الهيئة لا يكون كاملاً إلا إذا قبل المحكم أو المحكمون المهمة ، ويفصحون كتابة عن أي ظروف من شأنها إثارة الشكوك حول حيادهم واستقلالهم ويثبتون هذا القبول بالتوقيع على اتفاق التحكيم أو بتحرير عقد ينص على الشروط في القيام بالمهمة.

   والملاحظ ان غاية المشرع في الإتيان يكل هذه التفاصيل، هي إزالة أية عرقلة قد تعترض مسيرة التحكيم، وتبسيط المساطر المؤدية لهذه الغاية، التي يقوم فيها الأطراف بأهم التدابير المسطرية المدللة لنجاح عملية التحكيم.

   وفي هذا السياق أوجب المشرع المغربي على المحكم أن يستمر في القيام بمهمته الى نهايتها، ولا يجوز له تحت طائلة دفع تعويضات ان يتخلى عنها دون سبب مشروع، اما تخليه عنها فيتم بإشعار يذكر فيه الأسباب التي يتعين أن تكون مشروعة.

  من هذا المقتضى يتبين حجم المسؤولية الملقاة على كاهل المحكم، التي تتطلب منه إضافة الى الاخلاق وحسن المروءة، ان يعمل كل ما في وسعه لإنجاح التحكيم وعدم عرقلة مسيرته والا ووجه بالمساءلة القضائية.

  كذلك أوجب المشرع على المحكم الذي يعلم بوجود أحد أسباب التجريح في نفسه أن يشعر الأطراف بذلك، ولا يجوز له قبول المهمة إلا بعد موافقة الاطراف. ران قدم طلب تجريح او عزل أحد المحكمين" وجب وقف مسطرة التحكيم الى ان يبت هذا الطلب، ماعدا إذا قبل المحكم المعني بالأمر التخلي عن مهمته، وترفع هذه الصعوبات إلى رئيس المحكمة الذي يبث أمراً غير قابل للطعن في اطار مسطرة حضورية.

 

خامساً- تنازع الاختصاص بين قضاء التحكيم والقضاء الرسمي

عالج المشرع المغربي هذا التنازع على النحو التالي: 

  - لما يكون النزاع معروضاً على هيئة تحكيمية، ثم يطرح على نظر إحدى المحاكم، فإن هذه الأخيرة حين يثار امامها قبل الدخول في الجوهر الدفع بوجود تحكيم، تكون ملزمة بالتصريح بعدم قبول المقال المقدم اليها. 

  - وان كان النزاع غير معروض على التحكيم، وجب على المحكمة وبطلب من المدعى عليه، أن تصرح بعدم قبول الدعوى المقدمة اليها ما لم يكن بطلان اتفاق التحكيم واضحاً. 

  - وإن رفضت المحكمة في الحالتين المذكورتين التصريح بعدم قبول الدعوى، جاز للبيئة التحكيمية مباشرة مسطرة التحكيم أو متابعتها وإصدار حكمها التحكيمي في انتظار بت المحكمة. 

   وهناك نقاش كبير يدور حول الجهة المختصة باتخاذ الاجراءات الوقتية والتحفظية مع وجود اتفاق تحكيم.

   حسم المشرع المغربي في هذا الأمر ذاكراً أن الاتفاق على التحكيم لا يمنع أي طرف من اللجوء إلى القضاء سواء قبل بدء اجراءات التحكيم أو أثناءها لاستصدار أي إجراء وقتي أو تحفظي، ويجوز التراجع عن تلك الاجراءات بالطريقة ذاتها.

  وفي نفس السياق، اجاز - حتى للهيئة التحكيمية ما لم يتم الاتفاق على خلاف ذلك، أن تتخذ بطلب من أحد الأطراف كل تدبير مؤقت او تحفظي تراه لازما في حدود مهمتها.

 

سادساً- الاجراءات والطلبات العارضة امام الهيئة التحكيمية

   فصل المشرع المغربي في هذا الباب رغبة منه في عدم توقف مسطرة التحكيم والسير بها لغاية إصدار الحكم التحكيمي.

  وهكذا أعطى للهيئة حق البت تلقائيا أو بطلب من أحد الأطراف صحة وحدود اختصاصها، وصحة اتفاق التحكيم، ويكون ذلك بأمر غير قابل للطعن بشكل منفرد، وإنما يمكن الطعن فيه مع الموضوع. 

   وبالنسبة إلى مسطرة التحكيم لم يلزم المشرع الهيئة التحكيمية بتطبيق القواعد المتبعة امام المحاكم، وإنما تطبق اجراءات مسطرة التحكيم التي تراها مناسبة وتلك الواردة في هذا القانون، ما لم يتفق الأطراف على خلاف ذلك في اتفاق التحكيم. 

   وبخصوص مكان إجراء التحكيم، أجاز المشرع لطرفي التحكيم الاتفاق على ان يكون بالمغرب أو خارجه، وإن لم يكن ثمة اتفاق عينت هيئة التحكيم مكانه المناسب لظروف النزاع، ويجوز اجتماع الهيئة في أي مكان تراه مناسباً للقيام بإجراء ما كسماع الشهود مثلاً.

   ولقد ركز المشرع المغربي في هذا القانون على ضرورة التعامل على قدم المساواة بين أطراف التحكيم، وتهيئ الظروف المناسبة لهم لممارسة كل منهم دعواه وحقوقه في الدفاع.

 

  وبخصوص إجراءات التحقيق أجاز المشرع لهيئة التحكيم القيام بجميع إجراءات التحقيق من سماع الشهود وتعيين الخبراء ووقوف على عين المكان وغيرها، ولها أن تطلب من أحد الاطراف الادلاء لها بوسيلة إثبات توجد بين يديه، أما الاستماع لكل شخص فيكون بعد أداء اليمين القانونية.

   وبالنسبة إلى لغة التحكيم" تجرى بالعربية ما لم يتفق الطرفان على خلاف ذلك، أو تحدد

الهيئة لغة أخرى.

  وعالج المشرع طريقة عمل المحكمين لما يكونون متعددين، بأن أوجب عليهم المشاركة جميعا في كل الأشغال بما فيها تحرير جميع المحاضر الا إن أذن لهم الأطراف في انتداب أحدهم للقيام بعمل معين، وتبقى لرئيس الهيئة الاهلية لبت القضايا المسطرية ما لم يعارض الأطراف او المحكمون الآخرون.

   ولما يعرض خلال إجراءات التحكيم مسألة تخرج عن اختصاص هيئة التحكيم، أو يتم الطعن بالزور في وثيقة أمامها، جاز لهذه الأخيرة الاستمرار في نظر موضوع النزاع، إذا ارتأت ان النظر فيما ذكر غير لازم للفصل في موضوع النزاع، والا أوقفت الإجراءات حتى يصدر حكم في الموضوع وطبعاً يترتب على ذلك وقف سريان الموعد المحدد لإصدار الحكم التحكيمي.

  وفيما يتعلق بالقواعد القانونية المطبقة أمام الهيئة التحكيمية أعطى المشرع طرفي التحكيم

الحرية في اختيار القانون الذي يرغبون في تطبيق قواعده وفي حالة عدم الاتفاق طبقت الهيئة القانون الأكثر اتصالاً بالنزاع، مع مراعاتها شروط العقد والأعراف التجارية والعادات.

   وعلى خلاف القانون الملغي لسنة 1974 الذي كان يحدد أجل إصدار الحكم التحكيمي في ثلاثة أشهر، فإن القانون الجديد مشده إلى ستة أشهر تبتدئ من اليوم الذي قبل فيه آخر محكم مهمته، غير أنه إن حدد اتفاق التحكيم أجلاً آخر فإنه يتم اعتماده، مع الإشارة الى انه يجوز تمديد الأجل الاتفاقي أو القانوني لنفس المدة باتفاق الاطراف، أو بأمر صادر عن رئيس المحكمة، وإن لم يصدر الحكم التحكيمي في الآجال المذكورة جاز لأي من طرفي التحكيم أن يطلب من رئيس المحكمة أن يصدر أمره بإنهاء إجراءات التحكيم، ويكون من حقه رفع دعواه إلى المحكمة المختصة.

   وفي اطار احترام الآجال السالفة الذكر، ألزم المشرع المغربي الهيئة التحكيمية بعد ختم الاجراءات، بتحديد تاريخ حجز القضية للمداولة وتاريخ إصدار الحكم، مع ملاحظة أنه بعد ذلك التاريخ لا يجوز تقديم أي طلب جديد، أو إثارة أي دفع جديد، أو إبداء أية ملاحظة جديدة، أوالإدلاء بأية وثيقة جديدة.

 

سابعاً - الحكم التحكيمي

  كان هناك فصل وحيد في قانون التحكيم الملغي يوجب أن يكون حكم المحكمين مكتوباً ويتضمن بياناً لادعاءات الاطراف ونقط النزاع التي تناولها والمنطوق الذي حسم به النزاع، وهذا الحكم يوقع من لدن المحكمين، ويحدد فيه هويتهم ويبين تاريخ ومحل إصداره.

   وهذا النص كان يطرح التساؤل حول عنونة الحكم التحكيمي فصدر قراران عن المجلس الأعلى المغربي جاء فيهما <<بأن المقرر التحكيمي تضمن جميع بيانات حكم المحكمين، ولم ينص الفصل 318 من ق.م.م على اصدار الحكم التحكيمي باسم جلالة الملك لكون المحكم لا يعد من قضاة الدولة الذين تحمل أحكامهم عبارة بإسم جلالة الملك>>. 

   وبعد صدور قانون التحكيم رقم 08/05 تبين ان المشرع المغربي أحاط الحكم التحكيمي

بعناية خاصة منها": 

انه يصدر باغلبية الأصوات بعد المداولة، وتكون المداولات سرية.

يصدر كتابـة. 

يجب الإشارة فيه إلى اتفاق التحكيم. 

يتضمن عرضاً موجزاً للوقائع، وادعاءات الأطراف ودفوعهم ومستنداتهم والنقط التي تم الفصل فيها، والمنطوق.

وجوب تعليله ما لم يتفق الأطراف على خلاف ذلك أو كان القانون الواجب التطبيق لا يشترط التعليل.

ان كان أحد الأطراف من اشخاص القانون العام وجب أن يكون الحكم التحكيمي معللاً. يجب أن يتضمن الحكم التحكيمي اسماء المحكمين وجنسياتهم وصفاتهم وعناوينهم، وتاريخ صدوره، ومكان اصدارة، والأسماء العائلية والشخصية للأطراف وعنوانهم التجاري، وموطنهم أو مقرهم الاجتماعي، واسماء المحامين ومؤازريهم إن وجدوا.

يلزم أن يتضمن اتعاب المحكمين ونفقات التحكيم وكيفية توزيعها بين الأطراف. 

يوقعه كل محكم، وفي حالة رفض الأقلية التوقيع تثبت الأسباب في الحكم التحكيمي الذي يكون له نفس أثر الحكم الموقع من لدن كل محكم. 

يكتسب الحكم التحكيمي حجية الشيء المقضي به بمجرد صدوره. 

ان تعلق الأمر بنزاع أحد طرفيه من أشخاص القانون العام، فإن الحكم التحكيمي لا يكتسب حجية الشيء المقضي به الا بعد تذييله بالصيغة التنفيذية. 

يخضع الحكم التحكيمي لقواعد النفاذ المعجل.

تلزم الهيئة التحكيمية بتسليم الطرفين نسخة من الحكم التحكيمي خلال اجل سبعة أيام من تاريخ صدوره. 

لا ينشر الا بعد موافقة طرفيه.

رغم انتهاء مهمة الهيئة التحكيمية بصدور الحكم التحكيمي، فإنه يبقى بإمكانها إصلاح

الأخطاء المادية وتأويل جزء منه وإصدار حكم تكميلي في شأن ما وقع إغفال بته.

 

ثامناً- تذييل الحكم التحكيمي بالصيغة التنفيذية

  أحاط المشرع المغربي الاكساء بالصيغة التنفيذية للأحكام التحكيمية بعناية خاصة، باعتبارها مرحلة حاسمة في العملية التحكيمية، ولهذه الغاية أوضح أنه يودع أصل الحكم التحكيمي مرفقاً باتفاق التحكيم مترجما للغة العربية بكتابة الضبط داخل أجل سبعة أيام التالية لتاريخ صدوره، وإن تعلق باستيناف حكم ثم الابداع بكتابة ضبط محكمة الاستيناف، وتصدر الصيغة التنفيذية في الحالتين عن رئيس المحكمة الابتدائية أو عن الرئيس الأول لمحكمة الاستئناف، وتوضع على أصل الحكم، وهي غير قابلة لأي طعن، عدا ما تعلق بالطعن بالبطلان في الحكم التحكيمي الذي بعد طعناً حتى في الصيغة التنفيذية نفسها. 

  اما رفض منح الصيغة التنفيذية فيجب ان يكون معللاً وهو يقبل الطعن بالاستيناف داخل أجل 15 يوماً من تاريخ تبليغه، وتبت محكمة الاستيناف وفق مسطرة الاستعجال. 

 

تاسعاً- طرق الطعن في الحكم التحكيمي 

  حسب قانون التحكيم الملغي لم يكن الحكم التحكيمي يقبل الطعن في أية حالة عدا ما تعلق بتعرض الغير الخارج عن الخصومة وإعادة النظر لما تتوافر شروط قبولهما.

  وبعد صدور القانون الجاري به العمل، أكد من جديد عدم قبول الحكم التحكيمي لأي طعن، غير أنه أجاز أن يكون موضوع اعادة النظر طبقاً لشروطها المقررة بقانون المسطرة المدنية، على أن يتم نظر الطعن أمام المحكمة التي كانت ستنظر في القضية في حالة عدم وجود اتفاق التحكيم.

   كما أجاز للاغيار ان يتعرضوا تعرض الغير الخارج عن الخصومة على الحكم التحكيمي أمام المحكمة التي كانت ستنظر في النزاع لو لم يبرم اتفاق تحكيم. 

  والطعن الجديد الذي جاء به القانون 05-08 هو الطعن بالبطلان في الحكم التحكيمي الذي پباشر طبقاً للقواعد العادية أمام محكمة الاستيناف التي صدر في دائرتها، ويفتح اجل هذا الطعن بمجرد صدوره، ويقدم داخل أجل 15 يوما من تبليغ الحكم التحكيمي المذيل بالصبغة التنفيذية، اما تبليغ غير المذيل بها فلا يرتب أي اثر.

 

ونص المشرع على حالات قبول الطعن بالبطلان وهي:

صدور الحكم التحكيمي في غياب اتفاق التحكيم.

صدوره مع وجود اتفاق تحكيم باطل.

صدوره بعد انتهاء أجل التحكيم.

تشكيل الهيئة التحكيمية بصفة مخالفة لاتفاق الأطراف أو للقانون.

بت الهيئة التحكيمية دون التقيد بالمهمة المسندة إليها.

بتها في مسائل لا يشملها اتفاق التحكيم.

تجاوزها حدود اتفاق التحكيم. 

عدم احترام الحكم التحكيمي ما تعلق بأسماء المحكمين وتاريخ صدوره والتوقيعات اللازمة.

خرقه واجب احترام حقوق الدفاع.

صدوره خلاقاً لقاعدة من قواعد النظام العام. 

عدم تقيده بالاجراءات المسطرية المتفق عليها.

عدم تطبيقه القانون الذي اتفق اطراف النزاع على تطبيقه.

   والملاحظ ان هذا الطعن ليس من شأنه ان يبطئ مسيرة التحكيم، لكون محكمة الاستيناف المعروض عليها الطعن ملزمة قانوناً ببته طبقاً لمسطرة الاستعجال ولو أن ممارسته داخل الاجل توقف تنفيذ ما قضى به الحكم التحكيمي" كما أنه إذا أبطلته المحكمة تصدت لجوهر النزاع وبتت فيه في اطار المهمة التي كانت مسندة للبيئة التحكيمية، ما لم يصدر حكم بإبطال او بطلان اتفاق التحكيم بيد أنها ان رفضت دعوى الطعن بالبطلان وجب عليها أن تصدر قراراً نهائياً يتنفيذ الحكم التحكيمي، مع ملاحظة أن كل القرارات الصادرة عن محكمة الاستيناف تقبل الطعن بالنقض طبقا للقواعد العادية. 

 

الباب الثاني- التحكيم الدولي

   لم يكن القانون الملغي يتحدث عن التحكيم الدولي، إلى أن صدر القانون 05-08 الذي نظم هذا الجانب من التحكيم في 16 فصلاً، استهلها المشرع بالفصل 39-327 الذي ذكر ان هذا النص القانوني يطبق على التحكيم الدولي دون الإخلال بما ورد في الاتفاقيات الدولية المصادق عليها من طرف المحكمة المغربية.

  وأعطى الفصل 40-327 تعريفاً للتحكيم الدولي، أجمله في أنه هو المتعلق بمصالح التجارة الدولية الذي يكون لأحد اطرافه على الأقل موطناً أو مقراً في الخارج، أو لما يكون لأحد اطراف التحكيم مؤسسات بدول مختلفة، أو يكون مكان التحكيم أو مكان التنفيذ في الخارج او يتفق الأطراف على أن موضوع الاتفاق بهم أكثر من بلد.

  وتحدث الفصل 41-327 عن المحكمين الذين يعينهم اتفاق التحكيم او ينص على اجراءات تعيينهم وتعويضهم، ويرفع الأمر إلى رئيس المحكمة المخول منح الصيغة التنفيذية لرفع الصعوبات المتعلقة بهذا الأمر، غير أنه إذا كان التحكيم جاريا بالخارج عاد الاختصاص إلى رئيس المحكمة التجارية بالرباط.

   ونظم الفصل 42-327 مسطرة التحكيم التي يحددها اتفاق التحكيم، وأن لم يرد به نص في شأن ذلك، قامت هيئة التحكيم بتحديدها اما مباشرة وإما بالرجوع الى قانون او نظام معين. 

   وتضمن الفصلان 43-327 و 44--327 المسطرة والقواعد القانونية الواجب تطبيقهما على النزاع التحكيمي واللذين يستمدان من اتفاق التحكيم، وفي غياب اتفاق خاص في شأن ما ذكر يطبق قانون المسطرة المدنية المغربي إن كان التحكيم خاضعاً له، كما تطبق القواعد القانونية التي تراها الهيئة ملائمة.

   وعالجت الفصول من 46-327 إلى 50-327 الاعتراف والصيغة التنفيذية للأحكام التحكيمية الأجنبية، بذكرها إن من يتمسك بهذه الأحكام للاعتراف بها عليه ان يثبت وجودها، وان لا يكون ذلك مخالفة للنظام العام الوطني أو الدولي، ويختص بالاعتراف ويمنح الصيغة التنفيذية لها رئيس المحكمة التجارية التي صدرت في دائرتها، أو رئيس المحكمة التجارية بالرباط إن كان مقر التحكيم في الخارج، ويثبت وجود الحكم التحكيمي بالإدلاء بأصله او نسخته وأصل اتفاق التحكيم أو نسخته محررتين باللغة العربية وإلا تمت ترجمتهما. 

   يقبل الأمر الصادر برفض الاعتراف أو تحويل الصيغة التنفيذية الطعن بالاستيناف.

   أما الأمر القاضي بتخويل الاعتراف او الصيغة التنفيذية، فهو لا يقبل الطعن بالاستيناف الا في حالات محددة، تجمل في بت الهيئة التحكيمية دون اتفاق تحكيم او استنادا الى اتفاق باطل او بعد انتهاء أجل التحكيم، او ان كان تشكيلها او تعبيتها تم بصفة غير قانونية أو أن حادث عن المهمة المسندة البها، أو أن لم تحترم حقوق الدفاع، او ان كان الاعتراف أو التنفيذ مخالفاً للنظام العام الدولي أو الوطني.

   ويرفع الاستيناف أمام محكمة الاستيناف ذات الاختصاص المكاني بالنظر إلى مقر المحكمة التابع لرئيس المحكمة المستأنف أمره، وذلك داخل اجل 15 يوما من تاريخ تبليغ الأمر، وتبت هذه المحكمة طبقاً لمسطرة الاستعجال. 

  ولم يفت المشرع المغربي في بقية فصول هذا الباب أن يتحدث عن مسطرة الطعن بالبطلان في الحكم التحكيمي الدولي، ذاكراً أن هذه الأحكام لما تكون صادرة بالمغرب فهي تقبل هذا النزاع من الطعون في الحالات المحددة السالف ذكرها بمناسبة استيناف الصيغة التنفيذية. 

  وترفع دعوى البطلان أمام محكمة الاستيناف التي صدر الحكم التحكيمي في دائرتها داخل اجل 15 يوماً على تبليغه، ويوقف هذا الأجل وأجل الاستيناف المذكور تنفيذ الحكم التحكيمي، ويكون نفس الشيء بالنسبة إلى الطعن الممارس داخل الأجل. وما يجب لفت النظر اليه، انه اذا ابطلت محكمة الاستيناف الحكم التحكيمي الدولي فإنها لا تتصدى لبت الجوهر كما هو عليه الحال بالنسبة الى التحكيم الوطني.

 

الباب الثالث - الوساطة الاتفاقية

   من جملة ما أتي به المشرع المغربي في القانون 05-08) نظام الوساطة الاتفاقية الذي نظمه في 15 فصلاً من 55-327 إلى 69-327، أفردها للتعريف باتفاق الوساطة الذي هو عقد يتفق الاطراف بموجبه على تعيين وسيط يكلف بتسهيل إيرام صلح لإنهاء نزاع نشأ لو قد ينشأ فيما بعد، وميز بين عقد الوساطة وشرط الوساطة، فالأولى يبرم بعد نشوء النزاع، أما الثاني فيتم النص عليه في الاتفاق الأصلي، وفي جميع الأحوال يبرم الاتفاق كتابة في وثيقة موقعة من الاطراف أو في رسائل متبادلة أو حتى بتبادل مذكرات الطلب والدفاع، أو بمناسبة الاحالة على وثيقة تتضمن شرط وساطة، ويجب أن يتضمن تحت طائلة البطلان تحديد موضوع النزاع وتعيين الوسيط أو النص على كيفية تعيينه، اما شرط الوساطة فهو بدوره يجب ان يحرر كتابة في الاتفاق الاصلي، أو في وثيقة تحيل عليه، ويلزم تحت طائلة البطلان ان يتضمن اسم الوسيط او طريقة تعيينه، ويحدد الأطراف للوسيط مدة مهمته التي لن تتجاوز اجل ثلاثة اشهر غير أنها يمكن تمديدها، ويلزم الوسيط بكتمان السر المهني، ولا تستعمل ملاحظاته وتصريحاته أمام القاضي المعروض عليه النزاع أو في دعوى أخرى، الا باتفاق الاطراف، ويجوز ان يكون الوسيط شخصاً طبيعياً أو معنوياً، وبمجرد قبوله مهمته عليه ان يخبر الاطراف بذلك ولا يتخلى عنها الا باتفاق الأطراف او بانصرام الأحل المذكور، ومنحته هذه النصوص سلطات كبرى تتجلى في جواز سماع الشهود والقيام بأعمال الخبرة، ثم تقريب وجهات النظر بينهم، وصولاً إلى تحرير وثيقة صلح تتضمن وقائع النزاع وكيفية حله وما اتفق عليه على الشكل الذي يضع حداً للنزاع، وتوقع الوثيقة من لدن الوسيط والاطراف. 

   بيد أنه في حالة فشل الصلح يسلمهم وثيقة موقعة من طرف الجميع بعدم وقوع الصلح، مع ملاحظة أن نجاح الصلح يكتسي بين الاطراف قوة الشيء المقضي به ، ويمكن تذييله بالصيغة التنفيذية من طرف رئيس المحكمة المختص محلياً لبت موضوع النزاع.

 

الباب الرابع - تنفيذ الأحكام التحكيمية بالمغرب

أولاً- الحكم التحكيمي الوطني

-   يذيل المقرر التحكيمي الوطني من طرف رئيس المحكمة التجارية أن تعلق الأمر بنزاع تجاري، ومن طرف رئيس المحكمة الابتدائية ان تعلق بنزاع مدني، ومن طرف المحكمة الادارية ان تعلق بنزاع اداري مالي غير ما هو جبائي. 

-   ان كان التحكيم يتعلق باستيناف حكم كان الاختصاص يتذييل المقرر التحكيمي للرئيس الأول لمحكمة الاستيناف للمحاكم المذكورة. 

-  الأمر بتحويل الصيغة التنفيذية غير قابل للطعن (الفصل 32-327). 

-  رفض الصيغة التنفيذية يكون معللاً ويقبل الاستيناف داخل أجل 15 يوماً من تاريخ  

- الحكم التحكيمي لا يقبل أي طعن عدا إعادة النظر وتعرض الغير الخارج عن الخصومة.

- يكون الحكم التحكيمي قابلاً للطعن بالبطلان أمام محكمة الاستيناف الصادر في دائرة نفوذها، داخل أجل 15 يوماً من تبليغه وهو مذيل بالصيغة التنفيذية، وذلك في أحوال محددة حصرياً بالمادة (36-327) ويتوقف تنفيذ الحكم التحكيمي.

- إذا ابطلت محكمة الاستيناف الحكم التحكيمي بتت جوهر النزاع.

 

-  اذا رفضت دعوى البطلان أمرت بقرار نهائي بتنفيذ الحكم التحكيمي. 

 

     بعد تذييل الحكم التحكيمي بالصيغة التنفيذية من طرف رئيس المحكمة أو بعد رفض دعوى البطلان، فإنه يصبح مثل الأحكام الصادرة عن قضاء الدولة الرسمي التي أصبحت سندات تنفيذية، وفي هذه الحالة يفتح للحكم التحكيمي ملف تنفيذي لدى المحكمة المختصة، أي محكمة مكان التنفيذ، والتي قد تكون عادية أو تجارية أو إدارية. 

-  حسب طرق التنفيذ، يحق لطالب التنفيذ، بواسطة أعوان التنفيذ أو المفوضين القضائيين ان يسلك أجراءات التنفيذ الجبري للأحكام من حجز تحفظي ثم تتفيذي للمنقولات والعقارات وكذا سلوك مسطرة الحجز لدى الغير.

 

ثانياً- الحكم التحكيمي الدولي

-  تخول الصبغة التنفيذية للحكم التحكيمي الدولي من طرف رئيس المحكمة التجارية التي صدرت في دائرتها، وإن صدرت بالخارج فإن الاختصاص يكون لرئيس المحكمة التجارية

بالرباط.

-  الأمر الصادر برفض الصبغة التنفيذية يقبل الطعن بالاستيناف . 

- منح الصيغة التنفيذية يقبل الاستيناف في أحوال محددة حصرياً بالفصل (49-327). 

- يقبل الحكم التحكيمي الدولي الصادر بالمملكة الملعن بالبطلان وان أبطلته محكمة الاستيناف فإنها لا تبت الجوهر.

- لا يقبل الحكم التحكيمي الدولي الصادر في الخارج الطعن بالبطلان.

*    بعد تذبيل الحكم التحكيمي الدولي بالصيغة التنفيذية، فإنه يصبح سنداً تنفيذياً مستفيداً من جميع طرق التنفيذ المتاحة، طبقاً لما سبق بيانه بالنسبة الى الحكم التحكيمي الوطني.

 

ثالثاً- الوساطة الاتفاقيـة

   أن الوسيط المعين من الاطراف بعد الانتهاء من مهمته يحرر وثيقة صلح يوقعها معهم واضعاً بذلك حداً للنزاع القائم بينهم، وإن تعذر عليه ذلك سلمهم وثيقة عدم وقوع الصلح. 

-  يكتسي الصلح بين الاطراف قوة الشيء المقضى به، فيقع تنفيذ مضمونه تلقائياً. 

- في حالة الرفض يمكن تذييله بالصيغة التنفيذية من طرف رئيس المحكمة المختصة مستفيداً . من جميع طرق التنفيذ المتاحة. محلياً، ويصبح .

 

ملاحظة: تنشر مجلة التحكيم في باب "القوانين لم فنون التحكيم المغربي الجديد.