القانون الذي كان يرعى التحكيم في الجزائر هو قانون الاجراءات المدنية الصادر سنة 1966 ويتضمن ويتضمن فصلاً عن "التحكيم"، متأثراً بقانون الاجراءات المدنية الفرنسي الذي لم يكن على وفاق مع التحكيم، بل يحظر لجوء الدولة والمصالح الحكومية اليه. ولكن القانون الجزائري لم يتبن قاعدة حصر التحكيم في الحقل التجاري كما قضى القانون الفرنسي بذلك، بل أجازه في الحقل المدني ايضاً. كذلك اعطى القانون السابق المحكمين صلاحية النظر في صلاحيتهم، مراعياً التحكيم الداخلي.
ولكن المشرع الجزائري وجد ان التحكيم الداخلي يختلف عن التحكيم الدولي، وانه لا بد من أحكام قانونية ترعى التحكيم الدولي، خاصة بعدما انضمت الجزائر الى اتفاقية نيويورك. فأصدر مرسوماً تشريعياً سنة 1993 ينظم احكام التحكيم الدولي في الجزائر، متأثراً بمجمله بأحكام القانون الفرنسي الصادر سنة 1981 والقانون السويسري الجديد الصادر سنة 1987. وبقي الحال على هذا المنوال الى ان صدر في 25 فبراير - شباط 2008 قانون الاجراءات المدنية والادارية ليحل محل القانون القديم متضمناً فصلاً خاصاً ليس عن التحكيم فحسب، بل عن "الطرق البديلة لحل المنازعات" من الصلح الى الوساطة الى التحكيم. مسايرا تطور هذه الوسائل البديلة كل منها على حدة، خصوصاً ان "الوساطة" اخذت تحتل مكانة كبيرة كوسيلة بديلة لحسم المنازعات الى جانب التحكيم، ولاسيما التحكيم الدولي الذي صار هو القضاء الاساسي للتوظيفات الدولية كما للتجارة الدولية. هكذا خصص القانون الجديد فصلاً للتحكيم الداخلي وآخر للتحكيم الدولي.
والقانون الجزائري الجديد يتأثر بقانون التحكيم الفرنسي الجديد الصادر سنة 1981، فيكون المشرع الجزائري اختار المنحى الفرنسي للتحكيم الذي اتبعه كل من المغرب وتونس ولبنان بينما اتبعت بقية الدول العربية منحى الاونسترال (لجنة قانون التجارة الدولية للأمم المتحدة) وأولها مصر التي كيفت قانون الاونسترال النموذجي وتبعتها سلطنة عمان ثم الاردن فسوريا والآن الامارات العربية واليمن.
ولكن متى يكون التحكيم دولياً ومتى يكون داخلياً في قانون التحكيم الجزائري الجديد؟
اعتبر قانون التحكيم الجزائري السابق ان التحكيم يصبح دوليا حين "يختص بالنزاعات المتعلقة بالمصالح التجارية الدولية"، وأضاف شرطاً آخر لدولية التحكيم هو "ان يكون مقراً أو موطناً لأحد الطرفين على الاقل، في الخارج". وبذلك اعتمد معيارين وليس معياراً واحداً لتحديد دولية التحكيم.
وقد حسم القانون الجديد الأمر باعتماد معيار واحد يجمع بين المعيارين بطريقة فذة وجديدة، اذ نص على انه "يعد التحكيم دولياً بمفهوم هذا القانون، التحكيم الذي يخص النزاعات المتعلقة بالمصالح الاقتصادية لدولتين على الأقل"، فيكون القانون الجديد تخلى عن المعيار الاقتصادي الذي هو "النزاعات المتعلقة بمصالح التجارة الدولية" الى تعدد الاستثمارات الدولية، بحيث يكون التحكيم دولياً حين يكون أحد طرفيه منتمياً إلى المصالح الاقتصادية للدولة الفرنسية مثلاً، بينما الطرف الآخر منتم إلى المصالح الاقتصادية للدولة الجزائرية، وهذا التعريف يتجاوز المعيار الاقتصادي (مصالح التجارة الدولية) والمعيار القانوني (تعدد اماكن الاقامة أو تعدد الجنسيات) الى مقياس فيه معيار اقتصادي يتعلق بمصالح التجارة الدولية، وفيه معيار قانوني يتعلق بتعدد الدول والجنسيات والاقامات.
ولكن الملاحظ أن القانون الجديد يسري مفعوله بعد سنة من تاريخ نشره في الجريدة الرسمية، وبما انه نشر في الجريدة الرسمية في 23 ابريل نيسان 2008 * فإنه يصبح ساري المفعول في 23 أبريل نيسان 2009.
فما هي احكام قانون التحكيم الجزائري الجديد؟
المبحث الأول: عقد التحكيم
اولا- في القانون الفرنسي
لم يكن قانون المرافعات المدنية القديم، يتعرف الا الى الاتفاق التحكيمي. وكان الاجتهاد الفرنسي هو الذي كرس اللجوء الى الشرط التحكيمي بإستخلاصه من نص تشريعي معاد للتحكيم.
اعتمد النص الجديد التمييز الحاصل الذي حدده الاجتهاد، وابرز نوعاً ما الشرط التحكيمي، على الاتفاق التحكيمي. وهذا الشرط اصبح حاليا حجر الرحى الذي يقوم عليه الصرح التحكيمي.
وفي الواقع، أصبح هذا الشرط يدرج في عقود التجارة الداخلية ولاسيما في التجارة الدولية، بل أصبح هو القاعدة، في ميدان التجارة الدولية. ويمكن القول، ان الاغلبية الساحقة من القضايا التحكيمية، وخاصة الدولية منها، تنشأ استناداً إلى شرط تحكيمي سابق للنزاع. وعدد أقل بكثير منها ينشأ بالاستناد إلى اتفاق تحكيمي لاحق للنزاع.
1- شروط صحة الشرط التحكيمي
فقرة أولى- في التحكيم الداخلي
خصص قانون المرافعات المدنية الجديد، فصلاً كاملاً للشرط التحكيمي في التحكيم الداخلي، فحقق بذلك خطوة مهمة عندما أقر رسمياً بالشرط التحكيمي، الا ان هذا الاقرار بقي استثناء ولم يصبح هو القاعدة، ذلك أن القانون المدني قد نص على ما يلي:
"يعتبر الشرط التحكيمي باطلاً اذا لم ينص القانون على خلاف ذلك".
وان قانون المرافعات المدنية الجديد قد نص على خلاف ذلك، بما انه جعل الشرط التحكيمي امراً مشروعاً.
فأي شرط تحكيمي مقصود؟
للإجابة عن هذا السؤال، يقتضي التذكير بأن قانون المرافعات المدنية الفرنسي صدر بموجب مرسوم، بينما القانون المدني كان قد صدر بموجب قانون. واذا كان للمرسوم الاثر والنتائج التي للقانون، الا انه لا يمكنه ان يعدل القانون. وبالتالي، فان المرسوم انشأ نظام التحكيم الداخلي، لكنه لم يتمكن من حل المسألة المطروحة في القانون المدني، والتي تمنع الشرط التحكيمي وتعتبره باطلاً، الا اذا كان هناك نص قانوني مخالف، وهكذا، فإن الشرط التحكيمي يكون قد أصبح في وضع دقيق.
واعتبر الاجتهاد ان الشرط التحكيمي يقع باطلا في الاعمال المختلطة ما بين التجاري والمدني، ولم يقر بهذا الشرط الا في الميدان التجاري، تطبيقاً لأحكام قانون التجارة ، الذي يجيز عرض النزاعات التجارية على التحكيم وعمد إلى تحديدها حصراً، وتعود الى صلاحية محاكم التجارة.
يستخلص من ذلك، على رغم اعتراف قانون المرافعات المدنية الجديد بالشرط التحكيمي، وهو الاعتراف الذي سبق اليه الاجتهاد الفرنسي، والذي كان قد سعى الى حماية الشرط التحكيمي في ميدان التحكيم الدولي، فإن الشرط التحكيمي لبث باطلاً في الميدان المدني، وغير مقبول في الميادين الأخرى، باستثناء الميدان التجاري، وان بطلان هذا الشرط هو الذي شكل القاعدة، وصحته هي الاستثناء.
وقد طرح قانون المرافعات المدنية الجديد، شرطين اضافيين لصحة الشرط التحكيمي في الميدان الداخلي، هما:
أ- يقتضي ان يكون الشرط التحكيمي خطياً، الأمر الذي يجعل الكتابة شرطاً لصحة الشرط وليس لاثباته فقط.
ب ويقتضي أن يعمد الاتفاق التحكيمي، اما الى تحديد المحكم أو المحكمين، أو الى تحديد كيفية هذا التعيين. وفي ذلك يتميز النص الجديد عن النص القديم الذي كان يفرض تعيين المحكمين دون ان يترك باب المخالفة مفتوحاً. الا ان الاجتهاد كان قد توسع بتفسير النص القديم، معتبراً انه اذا كان هناك تحديد لكيفية تعيين المحكمين، فان ذلك كان يعادل التعيين، ولا يكون الشرط التحكيمي باطلاً في هذه الحالة، وبالتالي فان النص الجديد يكون قد تبنى موقف الاجتهاد في هذا الصدد، بل ذهب الى أبعد من ذلك، اذ اعطى قاضي الامور المستعجلة سلطة التدخل لتعيين المحكمين الذين لم يتم تعيينهم في الشرط التحكيمي.
ومن جهة أخرى، فان النص الجديد لم يفرض أن يكون موضوع التحكيم محدداً، ليكون الشرط التحكيمي صحيحاً، وهو عائق كان يصطدم به الشرط التحكيمي الذي يتعلق بالنزاعات المستقبلية، التي لا يمكن معرفة موضوعها، قبل حصولها.
وفي الحالة التي لا يتحقق فيها هذان الشرطان، فان الاتفاقية التي تحتوي على الشرط التحكيمي لا تكون باطلة، بل وحده الشرط التحكيمي هو الذي يعتبر وكأنه لم يكن، وتبقى بقية احكام الاتفاق سارية المفعول. وبذلك، وضع النص الجديد حداً للمناقشات التي أثارها الفقه والاجتهاد، في موضوع صحة العقد المتضمن شرطاً تحكيمياً باطلاً. وفي كل الاحوال، فان بطلان الشرط التحكيمي يمكن أن يؤدي الى بطلان العقد في حالة واحدة، وهي ارادة المتعاقدين، التي لم تجعل من الشرط التحكيمي وسيلة لفض النزاعات فحسب، بل شرطاً أساسياً لتوافقهم، بمعنى أن الفرقاء ما كانوا ليتعاقدون، لولا وجود مثل هذا الشرط. ففي هذه الحالة فقط، يكون مصير العقد مرتبطاً بالشرط التحكيمي.
فقرة ثانية: في التحكيم الدولي
ان الوضع القانوني مختلف تماماً، في ما يتعلق بالتحكيم الدولي، لأن قانون التحكيم الدولي الفرنسي، يعطي المتعاقدين حرية واسعة في هذا المجال.
وهكذا فإنه ليس مفروضاً ان يكون الشرط التحكيمي مكتوباً. وان كانت امكانية ان لا يكون مكتوباً، قليلة الاحتمال، مع الاشارة في الوقت نفسه الى ان قانون التحكيم الدولي، اذا لم يفرض الكتابة لصحة الاتفاقية التحكيمية، الا انه عاد ففرض ان ترفق الاتفاقية التحكيمية أو نسخة عنها بأصل القرار التحكيمي أو نسخة عنه، وان يقدما مع طلب التنفيذ.
والقانون نفسه لم يفرض شكلاً محدداً للعقود المكتوبة، وهو يقبل اية مستندات كتابية، تشكل بمجموعها دليلاً كتابياً على وجود الاتفاقية التحكيمية.
وبناء عليه فان نظرية "المستندات الكتابية" يمكن تفسيرها تفسيراً واسعاً، يشمل مثلاً المراسلات المتبادلة ما بين الفرقاء، والتي يمكن اعتبارها وسيلة اثبات كتابية تدل على وجود اتفاق تحکیمی.
ويرى البعض، أن المستند الوحيد الذي وقعه فريق واحد كاف، شرط ان يعمد صاحب الطلب الى تقديم شرح مقنع يبرر به غیاب توقيع الفريق الآخر.
وقد ذهب قانون التحكيم الدولي أبعد من ذلك، في الحالة التي تفترض فيها الاعراف التجارية وجوب حل نزاع معيّن بواسطة التحكيم، اذ اجاز الاجراءات التحكيمية، حتى في غياب اتفاق خطي في هذا الصدد.
مع ملاحظة ما يلي:
1- لا يحتوي القانون الفرنسي على تعريف للشرط التحكيمي في التحكيم الدولي، بينما هذا الشرط معرف في التحكيم الداخلي.
2- لا يحتوي كذلك على قواعد متعلقة بصحة الشرط التحكيمي في التحكيم الدولي، بينما مثل هذه القواعد موجودة في التحكيم الداخلي.
فهل هذا الأمر هو بمثابة ترك حرية كاملة للفرقاء، بما يمكنهم من وضع الشرط التحكيمي في الميدان والاطار والتوجه الذي يناسبهم، سواء أكان الميدان مدنيا ام تجارياً، تاركاً مجال الاثبات واسعاً، كما هو الأمر في قانون التجارة؟
3- لم يشر قانون التحكيم الدولي الى القانون الذي يقتضي تطبيقه في مجال التحكيم الدولي، بالنسبة الى صحة الشرط التحكيمي والى تنفيذه، ولكنه أشار فقط إلى الحالة التي يختار فيها الفرقاء تطبيق القانون الفرنسي، اذ ذكر أن الاحكام المتعلقة بالتحكيم الداخلي "لا تطبق الا في غياب الاتفاقات الخاصة".
4- لم يتخذ القانون الجديد موقفاً مما يتعلق بإجتهاد محكمة استئناف باريس، التي سبق ان وضعت قاعدة تقضي بأن الشرط التحكيمي لا يشكل مخالفة للنظام العام الدولي اذا كان موضوعه يشترك فيه الطابع المدني مع التجاري.
وهناك مسألة تطرح في التحكيم الدولي، وهي صحة الشروط التحكيمية "على بياض"، التي نجدها غالبا في عقود التجارة الدولية. والشرط التحكيمي "على بياض" هو شرط ينحصر اتفاق الفرقاء بموجبه على ذكر، أن كل نزاع ينشأ في ما بينهم، يفصل فيه الحكام. والشرط التحكيمي لا يتضمن بالتالي الا هذه الاشارة "على بياض" ولا يحتوي على أي تفصيل آخر، فلا هو يذكر كيفية تعيين المحكمين، ولا المدة التي يقتضي ان يصدروا خلالها قراراتهم التحكيمية، ولا مكان التحكيم ولا لغته، ولا القانون الذي يقتضي أن يطبق على هذا التحكيم ولا على اجراءاته.
وهذا الشرط... "على بياض" يدفع الى احتمال اعتبار التحكيم غير قابل للتطبيق، اذا ما طبقت عليه احكام اتفاقية نيويورك (التي تشكل جزءاً لا يتجزأ من القانون الفرنسي)، الا اذا كان هناك على الاقل تعيين لمكان التحكيم، أو للقانون الذي يقتضي تطبيقه على اجراءات المحاكمة، مما يعطي امكانية عملية لمباشرة التحكيم.
وفي غياب جميع هذه العناصر، فان الشرط "على بياض" يكون أمام احتمال اعتباره مجرداً من كل مفعول قانوني. وفي الحالة التي يحدد فيها هذا الشرط ان القانون الفرنسي، هو الذي يطبق على اجراءات التحكيم، أو أن مكان التحكيم هو فرنسا، فإن القاضي الفرنسي يصبح محرجاً في تقرير ما اذا كان قانون التحكيم الفرنسي الداخلي، هو الذي يقتضي تطبيقه، أم قانون التحكيم الفرنسي الدولي، خاصة وأن القانون الاول يطرح قاعدتين مبدئيتين أساسيتين، وهما تعيين المحكم (أو تعيين كيفية هذا التعيين) ووترية عدد المحكمين، بينما القانون الثاني لا يتضمن مثل هاتين القاعدتين .
2- استقلالية الشرط التحكيمي
الفريق الذي يثير موضوع بطلان عقد، هل يثير في الوقت نفسه بطلان الشرط التحكيمي
الذي يحتويه؟
وبتعبير آخر، هل يؤدي بطلان العقد الى بطلان احكامه جميعاً، بما فيها الشرط التحكيمي الذي يشكل جزءاً لا يتجزأ منه؟
يجيب الاجتهاد الفرنسي المتعلق بالتحكيم الداخلي عن هذه المسألة بالايجاب، معتبراً ان الشرط التحكيمي الذي يتضمنه العقد الباطل، هو باطل بدوره. ونتيجة هذا الاجتهاد، كان المحكم يعتبر نفسه مرفوع اليد عن القضية، بمجرد ان يثير احد الفرقاء قضية صحة العقد الاساسي. وقد يعتبر نفسه مجبراً على اعلان عدم صلاحيته، لأنه كان عليه تبعاً للمسألة المطروحة، ان يعمد إلى النظر في صحة العقد الاساسي، وبالتالي صحة الشرط التحكيمي، الذي يستقي منه صلاحيته. وكان هناك اجماع في الاجتهاد، على انه ليس للمحكم "صلاحية التقرير في موضوع صلاحيته"19، لأن شروط العقد تتكامل في ما بينها، وهي غير قابلة للتجزئة.
ولكن تغييراً حدث في هذا الاجتهاد عام 1963، عندما صدر قرار غوسسي(GOSSET) الذي اكتسب شهرة واسعة في اوروبا، وبموجبه، اعتبرت محكمة التمييز الفرنسية ان لاتفاق التحكيم في التحكيم الدولي استقلالية ذاتية تحميه مما يتعرض له العقد الاساسي الا في ظروف خاصة جداً، سواء أكان معقوداً على حدة، أم كان العقد مدرجاً فيه.
وان الفكرة التي ارتكزت عليها نظرية استقلالية الشرط التحكيمي، هي أن هذا الاتفاق يشكل عقداً ضمن العقد، وهذا يعني بتعبير آخر، إن الشرط التحكيمي يشكل عقداً معادلاً للعقد الاساسي، وبالتالي، فإن قاضي الأساس هو قاضي الفرع. وقاضي العقد هو قاضي الشرط التحكيمي.
وهكذا فقد رسم الاجتهاد امام التحكيم الدولي، سبيلاً لاستقلالية الشرط التحكيمي بالنسبة الى بقية شروط العقد، بينما بقي الشرط التحكيمي نفسه في التحكيم الداخلي مرتبطاً وملتصقاً بالعقد.
وفي العام 1972، صدرت عدة قرارات، سارت في اتجاه مماثل في التحكيم الداخلي. فقد فصلت محكمة استئناف باريس هذا الموضوع، معتبرة ان الشرط التحكيمي والعقد الاساسي يشكلان عملين يفرض المنطق تمايزهما.
وقد استمرت الأمور على هذا المنحى، حتى صدور مرسوم عام 1980، في شأن التحكيم الداخلي، ومرسوم عام 1981 في شأن التحكيم الدولي.
فما هو موقف هذين المرسومين من هذا الموضوع؟
فقرة أولى- في التحكيم الداخلي
كان هناك اتجاه يدعو الى توحيد الاجتهاد في هذا الصدد، بحيث يتبنى التحكيم الداخلي موقف التحكيم الدولي حول هذه المسألة.
وقد صدر القانون الجديد بموجب مرسوم، بينما يوجب الدستور الفرنسي ان يحصل اي تعديل للقانون بقانون صادر عن السلطة التشريعية وليس بمرسوم صادر عن السلطة التنفيذية.
ولكن رغم هذا الواقع، فقد أظهر النص الجديد جراءة في منحاه المستجد، اذ تبنى التيار الذي اطلقه الاجتهاد. وجاء النص كالآتي:
"اذا اعترض الفرقاء او احدهم، على صلاحية المحكم، من حيث المبدأ ام من حيث المدة، فانه يعود الى هذا الاخير الفصل في موضوع صحة وحدود صلاحيته".
ولكن هذا النص لا يكفي للفصل في هذه المسألة، لأن النص حول التحكيم الداخلي جاء يحدد في مادة أخرى، الحالات التي يمكن فيها، طلب رفع يد القاضي عن القضية. وتنص هذه المادة على ما يلي:
"عندما يرفع نزاع، تنظر فيه محكمة تحكيمية الى محكمة قضائية تابعة للدولة، يقتضي على هذه الاخيرة ان تعتبر نفسها غير صالحة للنظر فيه.
فاذا كانت المحكمة التحكيمية لم تشرع بعد في النظر في هذا النزاع، فان على المحكمة القضائية التابعة للدولة ان تعلن عدم صلاحيتها، الا اذا كانت الاتفاقية التحكيمية باطلة بطلاناً واضحاً. وفي الحالتين، فانه ليس بإمكان المحكمة القضائية اعتبار نفسها غير صالحة بصورة تلقائية.
وأمام هذا النص يمكن ملاحظة ما يلي:
أ- ان عدم صلاحية الهيئة القضائية التابعة للدولة، للنظر في النزاع موضوع الاتفاقية التحكيمية، ليس من النظام العام، ولا يمكن التمسك به، الا اذا اثاره احد الفرقاء.
ب- ان صلاحية الهيئة التحكيمية شاملة، وان المحكم في الاساس هو محكم في الفرع ايضاً. والنتيجة ان الفصل في صحة الشرط التحكيمي يعود الى المحكمة التحكيمية، وبذلك يكون المشرع قد اختار نظرية استقلالية الشرط التحكيمي، في مادة التحكيم الداخلي، التي سبق اعتمادها اجتهاداً في ما يتعلق بالتحكيم الدولي.
ج- وضع القانون استثناء واحداً، في الحالة التي تكون فيها الاتفاقية التحكيمية باطلة بطلاناً واضحا، ولا يكون فيها النزاع قد عرض على المحكمة التحكيمية، فاذا تحقق هذان الشرطان، يمكن للمحكمة القضائية التابعة للدولة، أن تنظر في النزاع.
يقتضي ان يكون البطلان اذاً، واضحاً، لدرجة تقطع امكانية اي اعتراض قانوني، اي ألا يكون فيه مجال لأي جدال. ويمكن المقارنة هنا بين "البطلان الواضح" وحالة "الضرورة" والعجلة التي تستند اليها صلاحية قاضي الامور المستعجلة، فيقتضي أن تكون الحالة الضرورة والعجلة بديهية بشكل الاستثناء.
"البطلان الواضح"، مثله مثل "العجلة"، هو حالة تمكن من الابتعاد عن القاعدة التي بموجبها يكون قاضي الاساس، هو نفسه قاضي الفرع (قاعدة تمكن المحكم من الفصل في صحة الشرط التحكيمي)، والتي تبرر بالتالي تمكن المحاكم القضائية التابعة للدولة، من الفصل في النزاع المرتبط بشرط تحكيمي باطل "بصورة واضحة". وفي هذه الحالة، يخرج النزاع عن صلاحية الهيئة التحكيمية، ليصبح، وبصورة استثنائية، من صلاحية المحاكم القضائية التابعة للدولة، استنادا الى هذا البطلان الواضح.
فقرة ثانية- في التحكيم الدولي
مع قرار "غوسسي" الصادر عام 1963، اعتمد الاجتهاد نظرية استقلالية الشرط التحكيمي في مادة التحكيم الدولي. وقد جرى تأكيد هذا الوضع عام 1972، بموجب قرار "هشت" (HECHT) ولم يتطرق القانون الجديد الى هذا الموضوع، تاركاً اياه للإجتهاد الثابت. وقد ورد في تقرير في هذا الشأن، قدمه وزير العدل الى الوزير الاول، محدداً "ان الأحكام القانونية الجديدة لا تضع موضع الطعن، المبادئ التي يعتمدها الآن اجتهاد محكمة التمييز في ما خص النظام القانوني للتحكيم الدولي".
يقتضي في الوقت نفسه تفهم "استقلالية الشرط التحكيمي وفق قانون التحكيم الفرنسي الدولي، في ضوء القرار الصادر عام 1975 في قضية (MENICUCCI) والذي بموجبه طرح الاجتهاد مبدأ مهماً، وهو مبدأ استقلالية الشرط التحكيمي، اياً يكن القانون المطبق، مما اعطى هذه الاستقلالية حجماً أكبر وأهم" .
ماذا تعني استقلالية الشرط التحكيمي، اياً يكن القانون المطبق؟
يعني ذلك أن الاتفاقية التحكيمية اصبحت منيعة ضد أي طعن في صحتها، سواء جاء ذلك من القانون الفرنسي ام من اي قانون اجنبي.
الامر الذي لا يعني استقلالية الشرط التحكيمي نسبة الى بقية شروط العقد فحسب، بل ايضاً بالنسبة الى القانون الفرنسي بمجمله، وبالنسبة الى أي قانون عائد لأي بلد من البلدان.
3- القانون المطبق على الشرط التحكيمي
اي قانون يقتضي تطبيقه للفصل في صحة الشرط التحكيمي؟ وأهلية التعاقد لدى المتعاقدين وعيوب الرضا؟ وفي قابلية النزاع للتحكيم؟ ... الخ...
لا يطرح هذا الموضوع اي اشكال في موضوع التحكيم الداخلي، لأن القانون المطبق على العقد هو القانون الفرنسي، الذي يعتمد للفصل في صحة الشرط التحكيمي، وصحة التحكيم عموماً.
وليس الامر كذلك في التحكيم الدولي، حيث يميز الفقه والاجتهاد ما بين قانون العقد وقانون التحكيم، اللذين نجدهما قانوناً واحداً تارة وقانونين مختلفين طوراً. وفي قرار (MENICUCCI) الصادر عام 1975، اعفت محكمة استئناف باريس الشرط التحكيمي من تطبيق اي قانون عليه، حتى أصبح في الامكان تعريف هذا الشرط بأنه "عقد دون قانون"، ولكن الفقه تحفظ عن هذا الاتجاه، ورأى "ان القوة الالزامية للعقد، لا يمكن تصورها خارج قاعدة قانونية توجدها وتؤكدها"30 "لأنه ليس في الامكان فصل القانون الذي يخضع له العقد، عن ذلك الذي تخضع له الاتفاقية التحكيمية".
4- نتائج الشرط التحكيمي
فقرة اولى- في التحكيم الداخلي
فصل قانون التحكيم الداخلي هذه النقطة، إذ عمد الى نزع صلاحية النظر في النزاعات، موضوع الاتفاقات التحكيمية من المحاكم القضائية التابعة للدولة، مع التحفظ لجهة الشروط التي سبق سردها وهي التالية:
1- يقتضي ألا يكون الشرط التحكيمي الذي انتج التحكيم، باطلاً بطلاناً واضحاً او بديهياً.
2- يقتضي ان يكون النزاع قد عرض على المحكمة التحكيمية.
3- يقتضي أن يكون أحد الفرقاء متشبثاً بالتحكيم، لأنه ليس على المحكمة ان تثير بصورة
تلقائية هذا الموضوع الذي لا يمس بالنظام العام.
ولكن اذا كان البطلان "واضحاً"، ولم يكن النزاع قد عرض على التحكيم بعد، او اذا لم يكن
احد من الفرقاء قد أبدى رغبته في اللجوء الى التحكيم، وذلك خلال النظر في النزاع لدى المحكمة القضائية التابعة للدولة، فان نتائج الشرط التحكيمي تزول، ويصبح من حق المحاكم القضائية التابعة للدولة ان تستعيد صلاحياتها، وتنظر في النزاع.
فقرة ثانية- في التحكيم الدولي
خلافاً لما هي عليه الحال في قانون التحكيم الداخلي، فأن قانون التحكيم الدولي، لا يشتمل على اي نص في هذا الشأن. ولكن الاتفاقات الدولية التي عقدتها فرنسا، تشكل جزءاً لا يتجزأ من هذه القوانين، بل تطغى على القوانين الوطنية.
ان اتفاقية نيويورك التي صادقت عليها فرنسا تنص على ما يلي :
"على محكمة الدولة المتعاقدة التي يطرح أمامها نزاع حول موضوع كان محل اتفاق من - الاطراف بالمعنى الوارد في هذه المادة – (اتفاق تحكيم او شرط تحكيم) – ان تحيل الخصوم بناء على طلب احدهم الى التحكيم وذلك ما لم يتبين للمحكمة ان هذا الاتفاق باطل او لا اثر له او غير
قابل للتطبيق".
وهكذا فان اتفاقية نيويورك تكون قد فصلت هذه النقطة، التي أهملها قانون التحكيم الدولي الفرنسي، وجردت المحاكم القضائية التابعة للدول، من صلاحية النظر في النزاع في حال وجود
اتفاقية تحكيمية.
مع الملاحظة أن الشرط التحكيمي يفقد كل نتائجه في مادة التحكيم الداخلي، عندما يكون الشرط باطلاً "بطلاناً واضحاً".
وها هو يفقد كل نتائجه في التحكيم الدولي، عندما "يفتقر الى الفاعلية"، وعندئذ يمكن التعبير عنه بصيغة أخرى، بأنه باطل بطلاناً "واضحاً".
5- الاتفاق التحكيمي
انتقل الاتفاق التحكيمـي في القانـون الفرنسـي الى المرتبة الثانية، بينما كان يحتل المرتبة الاولى، بل كان وحده ذا مكانة في قانون المرافعات القديم، حيث كان الشرط التحكيمي غائباً.
وأوجد التشريع الجديد واقعاً مستجداً في التجارة الداخلية والدولية، مكرساً الشرط التحكيمي الذي تقدم حالياً على الاتفاق التحكيمي، ليصبح المصدر الرئيسي للتحكيم.
وعرف قانون التحكيم الداخلي الاتفاق التحكيمي بأنه "اتفاقية، يعمد فرقاء في نزاع ناشئ، الى عرض هذا النزاع على تحكيم شخص او عدة اشخاص ، كما حدد هذا القانون الشروط التي بمقتضاها "يعتبر الاتفاق التحكيمي صحيحاً".
6- موضوع النزاع
فقرة اولى- في التحكيم الداخلي
فرض القانون الجديد، شأنه شأن القانون القديم، أن يكون موضوع النزاع محدداً، حتى يكون
الاتفاق التحكيمي صحيحاً، ، ويؤدي ذلك الى:
أ- ان الامتناع عن تحديد موضوع النزاع يؤدي الى بطلان الاتفاق التحكيمي.
ب- يقتضي بالمحاكم التحكيمية أن تتقيد بموضوع النزاع المحدد.
أ- تحديد موضوع النزاع في الاتفاق التحكيمي
يتحدد موضوع النزاع في الاتفاق التحكيمي، عبر الموقف الذي يتخذه كل من الفرقاء. وينتج من ذلك ان كل نقطة جديدة يضيفها احد الفرقاء الى هذه الادعاءات الاساسية، تعتبر خارجة عن موضوع النزاع، ولا تخضع لصلاحية المحكمة التحكيمية.
ويقتضي أن يفهم ذلك في ضوء القاعدة القانونية التي بموجبها: "تكون الوقائع للفرقاء، والقانون للقاضي .
ان الوقائع التي يعرضها كل من الفرقاء في الاتفاق التحكيمي، هي التي تحدد موضوع النزاع والروابط والحدود المرسومة من خلال اقوال الفرقاء، ولا يمكن بالتالي تغيير هذه الوقائع،
الا اذا توافق الفرقاء على هذا التبديل.
ومن جهة ثانية، وللتمكن من تحديد الموضوع، يقتضي أن يكون النزاع قد نشأ قبل توقيع الاتفاق التحكيمي.
ويمكن ان يكون للفرقاء مصلحة في اعطاء معنى واسع لموضوع النزاع، حتى لا يشكل هذا الموضوع نزاعا في حد ذاته.
ب- يقتضي بالمحكمة التحكيمية ان تتقيد بموضوع النزاع كما هو حدده الاتفاق التحكيمي.
ان النتيجة الثانية لذلك هي انه يجب على المحكمة التحكيمية التوقف عند هذا الموضوع، اي الا تتجاوز حدود الوقائع التي يتكون منها موقف كل من الفرقاء، كما هو معبر عنه في الاتفاق التحكيمي.
ويقتضي أن يكون هذا الشرط مفهوماً، في ضوء المبادئ العامة التي ترعى مسيرة الدعوة،
والتي نذكر منها المبادئ التالية:
1- لا يتقيد القاضي بالوصف القانوني الذي يعطيه الفرقاء لموضوع النزاع، وله الحق في
تعديل هذا الوصف.
2- على القاضي أن يفصل في كل المطالب المقدمة من سائر الفرقاء.
3- لا يمكن للقاضي ان يحكم بأكثر مما هو مطلوب من الفرقاء.
4- لا يمكن للقاضي ان يقر بأمور لم يطالب منها.
5- لا يمكنه أن يمنح الا الامور المطالب بها.
ومن جهة أخرى، فإن قابلية النزاع للتحكيم تبقى مرتبطة بالنظام العام، وينبغي ان لا يكون موضوع النزاع من المواضيع التي لا يقبل النظام العام التحكيم فيها، اي ان لا يكون موضوعاً مختصاً بالمحاكم القضائية.
وبالتالي، فإن كل اتفاق بين الفرقاء، باحالة نزاع على التحكيم، وهو لا يقبل التحكيم، يعتبر باطلاً وكأنه لم يكن.
فقرة ثانية- في التحكيم الدولي
لم يضع قانون التحكيم الدولي اية عوائق أمام الفرقاء، الذين تبقى لهم حريتهم في وضع
الاتفاق التحكيمي كما يشاؤون، دون أن يتوجب عليهم التباع قاعدة معينة في ما يتعلق بتعيين المحكم او موضوع النزاع.
ويكتفي هذا القانون بأن ينص على ما يلي:
يمكن للإتفاقية التحكيمية، "مباشرة أو بالعودة إلى احد الانظمة التحكيمية، إن تعين المحكم أو المحكمين، أو أن تحدد كيفية تعيينهم
وهناك مسألة مطروحة في التحكيم الدولي، للتوفيق ما بين موضوع النزاع، وقواعد النظام العام. وقد تطور الاجتهاد الفرنسي في ما خص مادة التحكيم الداخلي، وحلل كثيرا مما كان محرماً على التحكيم.
فبعدما كان يرى ان الاتفاق التحكيمي يصبح باطلاً اذا كان موضوعه متعرضاً للنظام العام، عاد وقرر "ان بطلان الاتفاق التحكيمي، لا يتأتي عن أن النزاع يتعرض لمسائل ذات ارتباط بالنظام العام، بل يعود ذلك فقط، الي ان النظام العام قد تم خرقه
وقد ذهب الاجتهاد في ما خص التحكيم الداخلي أبعد من ذلك، اذ كرس النهج الذي يذهب إلى إن خرق النظام العام، لا يبطل الاتفاق التحكيمي، الا إذا جاء هذا الخرق "من موضوع النزاع المعروض على التحكيم. اي اذا كان هذا الموضوع هو السبب الأساسي المباشر والمؤثر، الذي جاء الحرق من خلاته، والقرارات التي تلامس النظام العام ملامسة بسيطة، لا تؤدي الى البطلان.
هذه هي الحدود التي وصل اليها الاجتهاد الفرنسي، في موقفه المتساهل من التحكيم الداخلي.
ولكن هذا الاجتهاد نفسه، رأى في مجال آخر، إن التساهل ليس على قدر كاف في ما خص التحكيم الدولي، لأن القرارات التحكيمية الصادرة، يقتضي أن تأخذ سبيلها إلى التنفيذ، الأمر الذي
يمكن ان يقودها إلى المواجهة مع نظام قضائي أو قانوني اذا كانت مخالفة للنظام الذي كان يرعى
مجريات التحكيم، فاعتمد في التحكيم الدولي، القواعد المطبقة على التحكيم الداخلي، مضافا اليها تلك الاشارة التي يحتويها قرار (IMPEX) ، والذي بموجبه يكون للقاضي الذي يعهد إليه بالتنفيذ، سلطة الرقابة على موضوع النزاع المعروض على التحكيم، في الحالة التي تثار فيها مسألة حرق النظام العام. وهكذا، فرق الاجتهاد ما بين ثلاثة قوانين تطبق على التحكيم الدولي في
صدد موضوع النظام العام:
أ- قانون العقد الاساسي، الذي ليس بالضرورة هو قانون الاتفاقية التحكيمية نفسه.
ب قانون الاتفاقية التحكيمية، الذي يمكن أن يكون هو نفسه المطبق على التحكيم وعلى اجراءاته، كما يمكن الا يكون.
ج- قانون الإجراءات التنفيذية، الذي يمكن ان يكون هو نفسه قانون العقد أو الاتفاق التحكيمي، كما يمكن الا يكون.
7- تعيين المحكمين
لقد اعتمد القانون الجديد، الشرط الذي وضعه القانون القديم في ما خص صحة الاتفاقات التحكيمية، التي يقتضي أن تتضمن اسم المحكم أو اسماء المحكمين المعينين ، ولكنه كان أكثر تسامحاً بالنسبة إلى التحكيم حيث عمد إلى تليين هذا الشرط، معتمداً القاعدة التي توصل اليها الاجتهاد في هذا الموضوع، واضاف الى النعم الذي كان قائماً، التعبير التالي: "او تحديد كيفية تعيينهم .
وهذه الاضافة سبق أن اعتمدها الاجتهاد، في مواجهة النص القديم الذي كان يعتبر أي اتفاق تحكيمي، لا يتضمن تعييناً للحكام، باطلاً إذ اعتبر أن تحديد كيفية تعيين الحكام، معادلة للتعيين نفسه .
وهكذا فان القانون الجديد، بإعتماده التعريف الذي طرحه الاجتهاد، يظهر البصمات التي خلفها التحكيم النظامي فيه، أخذاً في الاعتبار، وبمعزل عن الحالات النادرة نسبياً، والتي تحدد الاتفاقات التحكيمية كيفية تعيين الحكام، فإن القاعدة هي الاحالة على نظام تحكيمي يحدد طريقة تعيين المحكمين .
وفي ما خص التحكيم الدولي، فإن صحة الاتفاقية التحكيمية، ليست مرتبطة بشرط تعيين المحكمين أو أن تكون كيفية تعيينهم محددة.
ويشير القانون في هذا الصدد "، إلى أنه بالامكان ان تعين الاتفاقية المحكمين، أو أن تحدد كيفية تعيينهم، ما يعني أن هذا النص يعترف بمبدأ الحرية الكاملة للفرقاء، في صياغة اتفاقياتهم التحكيمية.
ویری قانون التحكيم الداخلي ان الاتفاق التحكيمي يعتبر باطلاً، اذا رفض المحكم المعين القيام بمهمته. وهكذا يكون قد أبعد هذه الحالة عن بقية الحالات التي تتدخل فيها محاكم الدولة لانقاذ التحكيم.
ولكن البطلان لا يعني الالغاء في التحكيم الدولي، اذ يشير قانون التحكيم الدولي الى أن الاتفاقية التحكيمية يمكنها تعيين الحكام، أو الاشارة الى كيفية تعيينهم، ولم يحدد حالة بطلان الاتفاق التحكيمي، تبعاً لرفض المحكم مهمته. وقد ترك الباب مفتوحاً امام كل تدخل قانوني، للمحاكم القضائية التابعة للدولة، بهدف انقاذ التحكيم في الحالة التي يواجه فيها تشكيل المحكمة التحكيمية، مصاعب من هذا النوع .
أعطى قانون التحكيم الداخلي الفرقاء امكانية اللجوء إلى التحكيم، حتى ولو كان ذلك خلال سير المحاكمة، لدى احد المراجع القضائية التابعة للدولة". يستنتج من ذلك أن النزاع الخاضع لمحكمة قضائية حكومية مهما كانت درجتها، يمكن اعادة توجيهه إلى التحكيم وفي كل الأحوال، ما تم الفصل فيه من نزاع قائم ما بين الفرقاء، يبقى محتفظاً بقوة القضية المقضية، ولا يتابع التحكيم الا بالنسبة إلى الأمور المتبقية، الا اذا عمد الفرقاء الى التراجع الاجماعي، عن قبولهم بالقرارات القضائية للتوجه إلى محاكمة جديدة شاملة عن طريق التحكيم"، وهذه القاعدة التي يطرحها قانون التحكيم الداخلي، مطبقة في قانون التحكيم الدولي.
8- كل نص مخالف لأحكام القانون يعتبر وكأنه لم يكن
يعتبر قانون التحكيم الداخلي ان كل "أحكام او اتفاقات مخالفة للقواعد المنصوص عنها، تعتبر وكانها لم تكن" .
هذا النص يعتبر أي اتفاقية تحكيمية غير موجودة، سواء أكانت شرطاً تحكيمياً أم اتفاقاً تحكيمياً، اذا كانت مخالفة لتلك القواعد. الا ان الاتفاق الاساسي، يبقى ساري المفعول في بقية شروطه، وتحفظ الفقه الوحيد في هذا الاطار، هو الذي يتعلق بالحالة التي يكون فيها الشرط التحكيمي بشكل واضح وظاهر، سبباً أساسياً من أسباب التعاقد.
في هذه الحالة، يعتبر هذا العقد وكأنه لم يكن بكنيته، وليس في ما يتعلق بالشرط التحكيمي فقط . وفي ميدان التحكيم الدولي، ليس مفروضا على الفرقاء ان يتبعوا هذه القواعد، ولا يجبرون على التقيد الا بما يلي:
أ- بالنظام العام الدولي الذي يشير اليه قانون التحكيم الدولي الحديد.
ب- بالقواعد التي ترعى التحكيم الدولي، وقد اعتبر الاجتهاد ان الامتناع عن التقيد بالقواعد الالزامية الناشئة عن القانون الداخلي، لا تقابله عقوبة في المجال الدولي، وقد ظهر هذا الاتجاه خاصة في قرار شهير عرف باسم قرار BRUYNZELL'۔
ج- بالاتفاقات الدولية التي عقدتها فرنسا، والتي تشكل جزءا من نظامها القانوني. وهذه الاتفاقيات، وخاصة اتفاقية نيويورك، حولت هذه القواعد الالزامية إلى قواعد إضافية أو متممة".
9- الأهلية للتحكيم
يقتضي التفريق في هذا الصدد ما بين اشخاص القانون الخاص واشخاص القانون العام. وإذا كانت الفئة الأولي لا تطرح أي مشكلة، فالأمر ليس كذلك بالنسبة إلى أشخاص القانون العام.
فقرة 1- اشخاص القانون الخاص في التحكيم الداخلي:
تنص المادة 2059 من القانون المدني الفرنسي، على أن كل شخص يمكنه اللجوء إلى التحكيم بالنسبة الى الحقوق التي يملك حرية التصرف بها".
أن هذا النص يفرض، بالإضافة إلى الأهلية العامة، الأهلية الخاصة التي تتعلق بالتصرف وليس بالادارة.
وهكذا فإن الاشخاص القاصرين، لا يمكنهم اللجوء الى التحكيم، أما الأشخاص القاصرون المأذون لهم فيمكنهم التحكيم في ما يتعلق بالأفعال المسموحة.
وهكذا أيضاً، فأن المدين الذي يكون في حالة تسوية قضائية، يمكنه اللجوء الى التحكيم. ولكن بمعاونة وكيل التفليسة .
لذلك يعتبر الاجتهاد ان للمدير أو لرئيس مجلس الإدارة، أو للمدير العام لشركة تجارية، كل الصلاحيات لادارة أموال الشركة والتصرف بها، وبالتالي صلاحيات اللجوء إلى التحكيم.
فقرة 2- اشخاص القانون الخاص في التحكيم الدولي:
ان اهلية الفرقاء من الشخاص القانون الخاص في اللجوء الى التحكيم، تتوقف على قانونهم المحلي، أي القانون الوطني أو قانون محل الاقامة. وكذلك فإن اهليتهم للتعاقد في عقد تحكيم، تتوقف على القانون الذي يحدد قواعد التمثيل (تمثيل الموكل وعديم الاهلية والشركة، على سبيل المثال). وفي هذا الصدد ينبغي اعطاء المحكم صلاحية تطبيق القواعد التي براها ملائمة. كما يسمح له بذلك بالنسبة الى إجراءات المحاكمة أو فض النزاع.
فقرة 3- اشخاص القانون العام في القانون الداخلي:
تنص المادة 2060 من القانون المدني الفرنسي، بعد تعديلها بموجب قانون 1972/7/5. انه لا يجوز التحكيم.. في الخلافات التي تتعلق بالهيئات العامة وبالمؤسسات العامة...
وتنص الفقرة الثانية في المادة نفسها التي ادخلت بموجب قانون 1975/7/9. على أنه يسمح للمؤسسات العامة الصناعية والتجارية باللجوء الى التحكيم بموجب مرسوم".
وستعرض لهذه القاعدة في التحكيم الداخلي ثم في التحكيم الدولي.
كرست المادة (206 من القانون المدني مبدأ عدم أهلية الهيئات والمؤسسات العامة للجوء الى التحكيم. وعلى رغم الاستثناء المنصوص عليه في الفقرة الثانية المتعلق بالمؤسسات العامة الصناعية والتجارية، لم يصدر أي مرسوم يجيز لهذه المؤسسات اللجوء إلى التحكيم.
ان سبب هذا المنع يعود إلى أن النظام العام مرتبط بأفعال السلطة العامة، وان المحاكم الادارية قد البطت بها بصلاحية حصرية، للنظر في نزاعات الدولة والمقاطعات والبلديات.
فقرة 4: اشخاص القانون العام في التحكيم الدولي
ان الاجتهاد مستقر في ميدان التحكيم الدولي، باعتبار المنع الذي تفرضه المادة 2060 من القانون المدني، لا يتعلق بالنظام العام الدولي.
وبموجب القرار الصادر في 2 أيار 1966، في قضية غالاكيس (GALAKIX)، اعتبرت
الغرفة المدنية الأولى في محكمة التمييز، إن هذا المنع لا يطبق على "عقد دولي وجد لحاجات.
وفي شروط متوافقة، مع أعراف التجارة البحرية .
أن الاصلاح الذي لدخل بموجب مرسوم 12 أيار 1981، لم يؤثر على هذه القواعد، وقد أكد تقرير وزير العدل الى رئيس الوزراء، أن القواعد التي وضعتها محكمة التمييز لتسهيل اللجوء إلى التحكيم الدولي، ليست موضع اعادة نظر، ان "أن أحكام قانون التحكيم الدولي الجديدة، لا تتعلق الا بالاجراءات ولا تعيد النظر بتاتا بالمبادئ التي وضعتها محكمة التمييز في ما يتعلق بالنظام القانوني للتحكيم الدولي. وهذا الأمر يتعلق خاصة بالاتفاقية التحكيمية الدولية، والتي قضي في ما يتعلق بها بأنه لا يمكن وضع عفية في وجهها لأن.. هذه الاتفاقية قد عقدت من قبل الدولة او شخص معنوي من القانون العام.....
وكان من الصعب أن يعاد النظر في هذه القواعد لأن:
- اللجوء الى التحكيم أصبح عادياً، وأصبحت القاعدة في التجارة الدولية، التي تشارك فيها الدولة ومؤسساتها العامة، أن تتضمن العقود شرطاً تحكيمياً.
- الدولة تعهدت بموجب اتفاقية دولية، أن تحترم الالتزامات التي اخذتها على عاتقها في مادة التحكيم". وهكذا فان المادة 2 من الاتفاقية الأوروبية لعام 1961، وضعت مبدأ "ان الأشخاص المعنويين، الذين يصنفهم القانون الذي يطبق عليهم كأشخاص معنويين من القانون العام، لهم الحق في عقد اتفاقيات تحكيمية". وهكذا أيضاً، فإنه من الصعب التصور ان دولة انضمت الى اتفاقية واشنطن لتسوية الخلافات المتعلقة بالاستثمارات ما بين الدول ومواطني دول أخرى (ICSI) والتي لا قيمة لها، الا اذا اعطينا الاشخاص المعنويين من القانون العام اهلية اللجوء إلى التحكيم، هذه الدولة لا يمكنها أن تدعي انه وفقاً لقانونها الوطني، لا يمكنها اللجوء الى التحكيم .
مع ذلك، وعلى رغم انضمام فرنسا إلى هذه الاتفاقية، والتفسير الواسع الذي أعطي لعبارة الاستثمار والتي يجب أن تشمل خاصة عقود الامتياز، والتنمية الاقتصادية.... فأن مجلس الشورى عندما طلب رأيه في موضوع مشروع اورودیزنیلاند (Eurodisneyland)، اعتبر أن الاتفاقية المزمع عقدها تحتوي على خصائص عقد اداري، وتفترض لتنفيذها ممارسة صلاحيات السلطة العامة.
ويستنتج مجلس الشورى من ذلك، إن هذه الاتفاقية المزمع عقدها لا تشكل عقداً دولياً، وان انضمام فرنسا لاتفاقية الـ ICSID، ليس له اية نتائج على منع اللجوء الذي يخضع له اشخاص
القانون العام.
ان هذا الرأي دفع بالحكومة إلى اعتماد قانون يسمح باللجوء الى التحكيم، لأن قانون 19 آب 1986، الذي يتعلق بأحكام مختلفة تتعلق بالهيئات المحلية"، يتضمن المادة 9 التي تنص على ما يلي:
"مخالفة لأحكام المادة 2060 من القانون المدني يسمح للدولة، للهيئات المحلية، والمؤسسات العامة في العقود التي تبرمها، بالاشتراك مع شركات أجنبية، لتحقيق عمليات تتعلق بالمصلحة الوطنية وبالتوقيع على شروط تحكيمية لتسوية النزاعات المتعلقة بتطبيق وتفسير هذه العقود .
مع ومع أن هذا النص يتعلق بمصلحة ظرفية، لأنه وضع للسماح للدولة الفرنسية، منطقة الابل دي فرانس (lle-de-France) وهيئات عامة أخرى أو مؤسسات عامة بتوقيع عقد شركة والت ديزني برودكشينز (Walt Disney Productions)، من اجل النشاء مدينة ملاهي و استثمارها، فإنه يتضمن أيضاً فائدة أخرى، هي تقديم استثناء للمادة 2060 من القانون المدني.
نص قانون التحكيم الداخلـي الجزائري الجديد على أن "الشرط التحكيمي هو الاتفاق الذي يلتزم بموجبه الاطراف في عقد متصل بحقوق متاحة بمفهوم المادة 1006 اعلاه، لعرض النزاعات التي قد تثار في سان هذا العقد على التحكيم". . اما قانون التحكيم الدولي فقد نص على انه تسري الثقافية التحكيم على النزاعات القائمة والمستقبلية. يجب من حيث الشكل وتحت طائلة البطلان، أن تبرم اتفاقية التحكيم كتابة أو بأية وسيلة اتصال أخرى تجيز الاثنبات بالكتابة.
تكون اتفاقية التحكيم صحيحة من حيث الموضوع، إذا استجابت الشروط التي يضعها، اما القانون الذي اتفق الاطراف على اختياره او القانون المنظم لموضوع النزاع أو القانون الذي يراه المحكم ملائماً...".
وبالتالي،
1- في التحكيم الدولي، فإن الشرط التحكيمي صار صحيحاً، فقد وضع قانون التحكيم الداخلي قاعدة عامة. هي صحة الشرط التحكيمي الوارد في عقد، ولم يعد يفرق لا بين عقد تجاري ولا عقد مدني ولا عقد إداري، ولكن في العقد الاداري هناك شروط سنوردها لاحقا.
في التحكيم الدولي، لم يعد لازماً ان يحرر الاتفاق التحكيمي أمام المحكمين الذين يتم اختيارهم، وما عاد شرطا توقيع محضر باتفاق التحكيم.
2 - في التحكيم الداخلي، اتفاق التحكيم يجب أن يكون كتابة، وفي التحكيم الدولي بأي وسيلة اتصال أخرى.
3- اخضع القانون الجديد صحة الشرط التحكيمي، أولاً لقانون التحكيم الذي أخضع الطرفان له تحكيمهم، لأن التحكيم الدولي ليس خاضعاً للقانون الجزائري حتماً، فاذا كان التحكيم خاضعاً للقانون الجزائري فإن صحة الشرط التحكيمي تقاس وفقاً للقانون الجزائري الجديد الذي أقر بصحة الشرط التحكيمي المتحرر من كل قيد، والا فان القانون الجديد أحال معالجة صحة الشرط التحكيمي لتحكيم يجري في الجزائر، على قانون تحكيم آخر مثل القانون الفرنسي الذي لم بعد يختلف عن القانون الجزائري أو القانون البلجيكي، اذا أحال الطرفان عليه تحكيمهما الذي يمكن أن يجري في الجزائر وفقا لقانون تحكيم دولة غير الدولة الجزائرية.
إذاً التعامل مع الشرط التحكيمي وقياس مدى صحته، يتم وفقاً لقانون التحكيم الذي أحال الطرفان نزاعهما عليه، وبعد ذلك يأتي القانون الذي اختاره الطرفان لحسم النزاع لقياس الشرط التحكيمي، لأنه يمكن أن يطبق على نزاع قانون التحكيم البلجيكي او نظام تحكيم غرفة التجارة الدولية ويكون القانون الجزائري أو القانون الالماني هو المطبق لحسم النزاع.
ولكن، إذا كنا أمام تحكيم لم يحدد طرفاه لا القانون التحكيمي المطليق ولا القانون المطبق لحسم النزاع، وهذا يحصل احيانا، وكان القانون الجزائري مطبقاً لأن التحكيم يحصل في الجزائر مثلاً، فإن قانون التحكيم الجزائري بحيل على القوانين التي اختارها سلطان الارادة. والقانون الجزائري ازاء حالة كهذه، لم يعين فيها سلطان الارادة قانوناً للتحكيم يطبق ولا قانوناً لحسم النزاع. اذ ذلك يعود للمحكمين ان يحددوا القانون المطبق لتحديد صحة الشرط التحكيمي.
4- يجب أن يتضمن شرط التحكيم، تحت طائلة الابطال، تعيين المحكم أو المحكمين او تحديد كيفية تعيينهم وبالتالي فأن تحديد كيفية التعيين تعتبر شرطاً لصحة شرط التحكيم.
2- الاهليـة
نس القانون الجديد على عدة قواعد للأهلية:
1- نصت المادة 975 الجديدة على أنه لا يجوز للأشخاص المذكورة في المادة 800 اعلاه ان تجري تحكيماً الا في الحالات الواردة في الاتفاقات الدولية التي صادقت عليها الجزائر وفي مادة الصفقات العمومية".
وبالعودة إلى المادة 800 فان الاشخاص (الهيئات) المذكورة فيها هي:
أ- الدولة
ب الولاية
ج-البلدية
د - أحدى المؤسسات العمومية ذات الصبغة الإدارية.
2 - نصت المادة 1006 على أنه:
" يمكن لكل شخص اللجوء إلى التحكيم في الحقوق التي له مطلق التصرف فيها.
لا يجوز التحكيم في المسائل المتعلقة بانتظام العام أو حالة الاشخاص واهليتهم.
ولا يجوز للاشخاص المعنوية العامة ان تطلب التحكيم، ما عدا في علاقاتها الاقتصادية الدولية أو في إطار الصفقات العمومية.
فتكون الأهلية حسب القانون الجديد كما يلي:
1- ابقى القانون شرط أهلية التصرف في الحقوق لإبرام عقد التحكيم، وليس مجرد اهلية التقاضي والدارة الحقوق، فيكون المشرع الجزائري ما زال يعتبر التحكيم طريقة استثنائيا للتقاضي .
والتركيز على الانفتاح انصب على التحكيم الدولي.
ومن ينظر إلى النظام القضائي الفرنسي يلاحظ أن موقف القضاء العدلي من أهلية اشخاص القانون العام مختلفة اختلافاً جذرياً في القضاء العدلي عنها في القضاء الاداري، ففي رأي لمجلس الدولة الفرنسي، أعطى في 1986/3/6، تظهر مقاومة عنيفة من القضاء الاداري لفتح ابواب التحكيم الدولي. واذا كان عقد إداري مثل عقد Lurodisneyland اجازه المشرع، فإنما هو الاستثناء الذي يثبت قاعدة افعال باب التحكيم الدولي أمام اشخاص القانون العام. ولكن تطور الظروف الاقتصادية الدولية كان أقوى.. ومع الوقت فتحت أبواب التحكيم الدولي عريضة امام اشخاص القانون العام، ولكن مصير الحكم التحكيمي النابع من عقد اداري، يكون فيه شخص من أشخاص القانون العام طرفا، بقي متوقفاً على ما اذا كان سيسلك طريق القضاء العدني، السالك والأمن له، أم طريق القضاء الاداري الذي تتعالى فيه الحواجز والعقبات.
الا أن المحافظين وروح المحافظة التي يتسم بها القضاء الاداري في موضوع التحكيم لا
يمكنها أن تصمد كثيراً، ولاسيما ان ابواب التحكيم الدولي تفرض نفسها اكثر وتفتح أكثر فاكثر ليوليا عريضة امام العقد الإداري الدولي.
2- صار بأمكان الدولة والمؤسسات العامة والبلديات والولايات ان تبرم عقود تحكيم إذا كان موضوع العقد، ما يسميه المشرع الجزائري، الصفقات العمومية أي الأشغال العامة، وبالتالي اصبحت عقود الصفقات العمومية في الاشغال العامة الداخلية قابلة للتحكيم الداخلي، أما خارج الصفقات العمومية فإن شرط اجازة التحكيم لأشخاص القانون العام (الدولة، المؤسسات العامة، البلديات والولايات) هو أن تدخل هذه العقود في اتفاقات دولية صادقت عليها الجزائر، ويوقع العقد الوزير والوزراء المعنيين اذا كانت الدولة طرفاء وإذا كانت البلدية أو الولاية هي الطرف فيوقعه الوالي أو رئيس المجلس الشعبي البلدي. أما المؤسسات العمومية ذات الصبغة الإدارية فيوقعه ممثلها .
3 -المؤسسات العمومية( أو العامة) ذات الصبغة الإدارية لها أهلية التحكيم في عقود الصفقات العمومية أي الأشغال العامة أما المؤسسات العمومية الصناعية والتجارية فهي خاضعة لنظام التحكيم الالزامي.
4- كل ما يتعلق بالنظام العام غير قابل للتحكيم، والنظام العام الجزائري نطاقه يكبر ويصغر باختلاف الأزمان، والمحاكم القضائية هي التي تحدد نطاقه وهو مرتبط بالمفاهيم الاجتماعية والاقتصادية، ولا تقبل التحكيم المواضيع الآتية لأنها متعلقة بحالة الأشخاص وإهليتهم:
أ- الزامات نفقة الاعاشة
ب الحقوق الارثية
ج- منازعات السكن والمجلس
د المنازعات المتعلقة بأهلية الاشخاص.
اما في حقل التجارة الدولية، التي يسميها المشرع الجزائري العلاقات الاقتصادية الدولية. فأن باب التحكيم الدولي مفتوح أمام المؤسسات العامة الجزائرية او اشخاص القانون العام وهم اشخاص لهم أهلية عقد اتفاقات تحكيم في مجال التجارة الدولية أو العلاقات الاقتصادية الدولية.
3- استقلالية الشرط التحكيمي:
لم يتين قانون التحكيم الداخلي نظرية استقلالية الشرط التحكيمي وبالتالي فإن منازعة احد الطرفين بصحة العقد تشل اختصاص المحكمين ويعود الاختصاص إلى القضاء، فاذا قضى بصحة العقد عادت الحياة إلى الشرط التحكيمي والى التحكيم، والا نظر الفضاء في النزاع التعاقدي.
اما في التحكيم الدولي فقد نصت المادة 1040 فقرتها الأخيرة انه "لا يمكن الاحتجاج بعدم صحة اتفاقية التحكيم بسبب عدم صحة العقد الأصلي"، فيكون القانون الجديد سار على خطى القانون السابق ولم يتين نظرية استقلالية الشرط التحكيمي في التحكيم الداخلي وتبناها في التحكيم الدولي بشكل واضح وصريح.
4- شكل الشرط التحكيمي
نص قانون التحكيم الجديد للتحكيم الداخلي على انه ليثبت شرط التحكيم تحت البطلان بالكتابة في الاتفاقية الأصلية او في الوثيقة التي تستند اليها . وبالتالي فان الكتابة هدفت لصحة الشرط التحكيمي وليس لإثباته. أما في التحكيم الدولي فقد اشترط الكتابة أو بأية وسيلة اتصال أخرى تجيز الاثبات بالكتابة أنا فتكون أي وسيلة اتصال من الفاكس الى البريد الالكتروني مقبولة في التحكيم الدولي.
المبحث الثاني: المحكمون
أولاً: في القانون الفرنسي
1- المحكم شخص طبيعي
غاب تحديد شخصية المحكم عن الذكر في نص قانون التحكيم الداخلي، بينما أقر الاجتهاد التحكيم الذي يعهد به الى شخصيات معنوية ، الا ان القانون الجديد فصل جذرياً هذه المسألة، ناصاً على أن مهمة المحكم لا يمكن أن يعهد بها الا إلى شخص طبيعي، حائز اهلية تخوله ممارسة كل حقوقه المدنية.
واذا عينت الإتفاقية التحكيمية شخصاً معنوياً، فإن هذا الأخير لا يتمتع الا بصلاحية تنظيم اجراءات التحكيم " (ولا حق له بالتالي في الفصل في النزاع)، وبالتالي فإن الاتفاقية التحكيمية التي تعين شخصاً معنوياً محكماً، لا تعتبر وكأنها لم تكن، ولكن تأثيرها يبقى محدوداً في نطاق تنظيم اجراءات التحكيم.
وفي نطاق التحكيم الدولي، فان الحرية التي كرسها الاجتهاد في السابق، لم يتطرق اليها القانون الجديد، بل لم يشر اليها، ضمن القواعد النادرة التي أوردها.
ويمكن للفرقاء في مادة التحكيم الدولي، العهدة بالنزاع الى شخص معنوي للفصل في النزاع، وهي صلاحيات أوسع بكثير من تلك المعطاة للمحكم في قضايا التحكيم الداخلي، الامر الذي يؤكد الاختلاف، بين كل من التحكيم الداخلي والتحكيم الدولي.
2- الافرادية في عدد المحكمين
أعطى قانون التحكيم الجديد أولوية نصفة فض النزاعات على صفة المصالحة، فارضاً ان يكون عدد المحكمين وتراً، حتى ولو كان الأمر متعلقاً بتحكيم بالصلح، وان الافرادية في عدد المحكمين، هي وسيلة للتأكيد أن المحكمين يمارسون سلطة قضائية، مثلهم مثل القضاة التابعين للدولة، والذين يسري عليهم مبدأ إفرادية هيئة المحكمة.
وبالتالي فإن كل اتفاقية تحكيمية تحدد عدداً مزدوجاً من المحكمين، تعتبر وكانها لم تكن، وذلك خلافاً لما كان عليه الأمر في القانون السابق"، الذي كان ينص على ان التحكيم يمكن ان يباشره محكمان، على ان يعين لاحقاً محكم مرجح، إذا تعذر اتخاذ قرار باجماع المحكمين الاصيلين، الأمر الذي يظهر أن القانون القديم، كان يتجه الى تغليب صفة التحكيم بالصلح على التحكيم بالقانون، بمعنى ان اللجوء الى التحكيم يباشر أولا بجهود للمصالحة، مع احتمال ان ينتهي في حال فشل المصالحة الى قرار يحسم النزاع.
وفي ما يتعلق بالتحكيم الدولي، فأن الطرق التي يقتضي اتباعها في هذا المجال، خالية من اي حاجز او عائق، حيث يسمح فيه بأمور عديدة غير مسموح بها في ميدان التحكيم الداخلي. وهكذا فان اية اتفاقية تحكيمية دولية لا تحترم قاعدة وترية عدد المحكمين، لا تعتبر كانها لم تكن، بل ترتب آثارها القانونية وتتشكل محكمة تحكيمية من محكمين لا يستطيعان الوصول الى أكثر من تسوية.
3- قبول المحكم مهمته
ينص القانون الجديد على أن تشكيل المحكمة التحكيمية لا يكتمل، الا اذا أعلن المحكم او المحكمون قبولهم المهمة المعهودة اليهم".
ويصبح المحكم في هذه الحالة فريقاً في الاتفاقية التحكيمية، كما يصبح مرتبطاً تجاه الفرقاء بروابط تعاقدية، ما يدفع الى طرح مسألة مسؤولية المحكم التعاقدية الناتجة من تنفيذه واجباته التعاقدية.
وتندمج هذه الواجبات في واجب واحد، وهو موجب "النتيجة" المتمثل في الزامية فصل النزاع، وليس فقط بذل الجهود للتوصل الى هذه الغاية.
ويقتضي تحقيق غاية اصدار القرار الفاصل في النزاع، خلال المهلة المحددة تعاقدياً، وذلك تحت طائلة تحميله المسؤولية عن التأخير أو التخلف.
وكذلك، فأن أي محكم في قضية ما، يفترض أن يعلم ما إذا كانت هناك اسباب بطلب رده او عزله ويقتضي أن يبلغ الفرقاء بذلك، وفي هذه الحالة، لا يمكنه قبول المهمة، الا اذا اجازه في ذلك جميع الفرقاء". وهذا الشرط، يضع المحكم في ما يتعلق بعلاقته بسائر الفرقاء في موقع القاضي، يعرض القرار التحكيمي للإبطال في حال مخالفته.
4- عزل المحكم
لا يمكن عزل المحكم الا استناداً الى موافقة اجماعية من سائر الفرقاء. وهو بذلك لا يكون مجرد ممثل للفريق الذي عينه، سواء أكان ذلك في التحكيم بموجب القانون ام في التحكيم بالصلح، وتفسر هذه القاعدة أن تعيين المحكم، هو تعبير عن ارادة الفرقاء المشتركة، وبالتالي فإنه لا يمكن الا لهذه الارادة المشتركة ان تضع حداً لمهمته.
5- تمنع المحكم عن مباشرة المهمة
بمجرد قبول المحكم المهمة الموكولة اليه، عليه متابعتها حتى النهاية"، ويصبح ملزماً تعاقديا : بوجوب اصدار قراره التحكيمي، تحت طائلة تحميله مسؤولية التمنع.
ان الامتناع عن اصدار القرار التحكيمي، يشكل خرقاً للموجب التعاقدي الذي التزم به والمتمثل بالتحديد، بموجب فصل النزاع. والأمر هنا هو موجب تحقيق "نتيجة"، يقتضي تنفيذه خلال مهلة محددة، وليس بالتالي، موجب بذل عناية.
وينص قانون التحكيم "، على أنه ليس في امكان المحكم التمنع عن مهمته واصدار قراره، الا نسبب من اسباب الرد، يكون قد عرف أو طرا بعد التعيين، والا ألحق بالمحكم ذنب التمنع عن احقاق الحق.
6- رد المحكم
في مادة التحكيم الداخلي، يمكن طلب رد المحكم للأسباب نفسها التي يمكن بموجبها طلب رد القضاة، الا أنه يقتضي أن يكون على علم بهذه الأسباب، او ان تكون قد طرأت بعد حصول التعيين، لأن على المحكم، تحت طائلة المسؤولية، ان يبلغ الفرقاء بأي سبب للرد وان قبول المحكم المهمة، يشكل اقراراً واضحاً بأن مثل هذه الاسباب غير موجودة، والا لكان عليه ان يعلم الفرقاء بالأمر الذي كان سيمنع تعيينه، الا اذا قبل الفرقاء المذكورون خلاف ذلك .
ومن المفترض بالنتيجة، أن سبب الرد يجب ان يطرأ بعد قبول المحكم مهمته. فاذا تبين ان هذا السبب كان قائماً قبل هذا القبول، وأن المحكم لم يعمد الى ابلاغ الفرقاء بوجوده، فإن رده يكون على مسؤوليته.
وتقتضي الاشارة هنا إلى أن المشترع اكتفي بطرح قاعدة رد المحكم، دون ان يعين المواد المتعلقة بها في قانون المرافعات المدنية الجديد، بينما عندما طرح مبدأ وجاهية المحاكمة، وقاعدة انقطاع المحاكمة"، فانه عمد الى تحديد مواد هذا القانون المتعلقة بها، وبذلك فإن القاعدتين المذكورتين اعلاه تطبقان وفقاً للتعريف وبالخصائص التي يعطيها لهما المشترع الفرنسي، بينما قاعدة الرد تطبق وفقاً لمبادئ عامة مستقاة من قاعدة رد القضاة.
أما أهم أسباب طلب رد المحكمين وفقا للمبادئ المحددة إعلام فهي التالية:
أ- اذا كان للمحكم أو لزوجه مصلحة شخصية في النزاع القائم.
ب- اذا كان المحكم أو زوجه دائناً او مديناً او وريثاً او طرفاً في هبة لأحد الفرقاء.
ج- اذا كان المحكم أو زوجه قريباً أو نسيباً لأحد الفرقاء أو زوجه، وذلك حتى الدرجة الرابعة.
د- اذا كانت أقيمت دعوى، أو كانت هناك دعوى ناشئة ما بين المحكم او زوجه، وبين احد الفرقاء أو زوجه.
هـ- اذا سبق للمحكم ان عين في القضية المطروحة، قاضياً أو محكماً، أو أعطى استشارة لأحد الفرقاء.
و - اذا كان المحكم أو زوجه مكلفاً بادارة اموال احد الفرقاء.
ز - اذا كانت هناك أية علاقة تبعية ما بين المحكم او زوجه، وبين احد الفرقاء أو زوجه.
ح- اذا كانت هناك علاقة صداقة او عداء ما بين المحكم وأحد الفرقاء.
ثانياً: في القانون الجديد
1- تسمية المحكم:
نص قانون التحكيم الداخلي الجديد على أنه "... يجب أن يتضمن شرط التحكيم، تحت طائلة البطلان، تعيين المحكم أو المحكمين او تحديد كيفيات تعيينهم.
وبالتالي فان سلطان الارادة يعين المحكمين أو يحيل على نظام تحكيمي أو على مركز تحكيمي يفضي الى تعيين المحكمين.
واذا اعترضت صعوبة ما تشكيل المحكمة التحكيمية، يعين المحكم أو المحكمين، رئيس المحكمة الواقع في دائرة اختصاصها ابرام العقد أو محل تنفيذه.
قانون التحكيم الدولي يترك لسلطان الارادة تعيين المحكمين او تحديد شروط تعيينهم وشروط عزلهم واستبدالهم.
فاذا لم يعين المحكمون شرط التحكيم او اتفاق التحكيم، وكان التحكيم في الجزائر، يراجع الطرف الذي يهمه التعجيل:
أ- رئيس المحكمة التي يقع في دائرة اختصاصها التحكيم.
ب- اذا كان التحكيم خارج الجزائر ايضاً واختير القانون الجزائري، فتراجع المحكمة القضائية التي يقع في دائرة اختصاصها مكان ابرام العقد أو مكان تنفيذه، الا اذا اتفق الاطراف على جهة قضائية أخرى .
والملاحظ ان تغييراً أساسياً طرأ على قانون التحكيم الجزائري الدولي الجديد، بالمقارنة مع القانون السابق الذي كان يلزم القاضي عند مراجعته بتعيين محكم في التحكيم الدولي أن يعينه من غير جنسية الطرفين، ويبدو ان هذا القيد لم يعد وارداً واصبح بامكان القاضي الجزائري عند مراجعته لتعيين المحكم الثالث الذي لم يتفق الطرفان عليه، أن يسمي محكماً من جنسية احد الطرفين.
2- في عدد المحكمين الوتر
نص قانون التحكيم الداخلي الجزائري الجديد على أن تتشكل محكمة التحكيم من محكم أو عدة محكمين بعدد فرد".
فيكون المشرع الجزائري قد اختار العدد الوتر للتحكيم ترجيحاً للطبيعة القضائية للتحكيم وبغية الوصول إلى حسم النزاع.
اما قانون التحكيم الدولي فقد ترك الأمر لسلطان الارادة ولم يضع اي قيد على عدد المحكمين.
3- المحكم شخص طبيعي أو معنوي
في التحكيم الداخلي اعتمد القانون الجديد القاعدة التي وضعها القانون الفرنسي ونص على انه: "إذا عينت اتفاقية التحكيم شخصاً معنوياً، تولى هذا الاخير تعيين عضو أو أكثر من اعضائه بصفة محكم". ولكنه اختلف عن القانون الفرنسي، الذي يقضي بأن الشخص المعنوي يتولى تنظيم التحكيم، من حيث تعيين المحكمين وتحديد اجراءات المحاكمة التحكيمية الخ.. اما القانون الجزائري فهو يقضي بأن الشخص المعنوي ينحصر دوره بتسمية محكم أو محكمين من اعضائه. فاذا احال شرط تحكيمي حسم النزاع على نقابة المحامين أو غرفة التجارة، فإنه في فرنسا تنظم نقابة المحامين التحكيم وتسمي محكمين ليسوا بالضرورة من المحامين وتضع اجراءات المحاكمة التحكيمية وكذلك غرفة التجارة. أما في الجزائر فان نقابة المحامين تسمي محكمين من المحامين من اعضائها، وغرفة التجارة تسمي تجاراً من اعضائها محكمين، وبذلك ينتهي دور نقابة المحامين وغرفة التجارة.
اما في قانون التحكيم الدولي فأن الموضوع متروك لسلطان الارادة، وبالتالي اذا احال شرط تحكيمي النزاع على شخص معنوي، فهو من يجب ان ينظر في النزاع ويصدر الحكم التحكيمي.
4- قبول المعلم مهمته
تطرق القانون الجديد الى قبول المحكم فنص على أنه "لا يعد تشكيل محكمة التحكيم صحيحاً الا اذا قبل المحكم أو المحكمون بالمهمة المسندة اليهم وبالتالي فان قبول المحكم أصبح من القواعد الأمرة التي ترتبط بها صحة تشكيل المحكمة التحكيمية.
وتطرق القانون الداخلي للتحكيم الى الموضوع ايضاً من زاوية رفض المحكم، اذ قضى بأنه "اذا رفض المحكم المعين القيام بالمهمة المسندة إليه، يستبدل بغيره بأمر من طرف رئيس المحكمة المختصة. فيكون موضوع قبول المحكم من اهم القواعد الأمرة التي نص عليها القانون الجديد.
ويترتب على ذلك انه يجب فرض المهمة على المحكم المعين، سواء أكان محكماً معيناً من طرف او محكماً ثالثاً معيناً من الطرفين أو من القضاء أو من مركز تحكيمي او من سلطة تسمية، أما أن يقبلها او يرفضها. فاذا قبلها صح تشكيل محكمة التحكيم والتزم المحكم تعاقدياً مهمة اصدار حكم تحكيمي ضمن شروط ونظام التحكيم الذي يرعى التحكيم النابع من الشرط التحكيمي الذي حدد كيفية تعيين المحكمين واجاز للأطراف تسمية محكميهم. إذا رفض فليس الذي عينه هو الذي يعين البديل منه الا اذا كان القضاء هو الذي عينه بل الذي يعين البديل هو القضاء.
أما في التحكيم الدولي فإن القانون لم يتطرق الى الموضوع وتركه لسلطان الارادة.
5- رد المحكم أو عزله
في التحكيم الداخلي، لا يجوز عزل المحكمين خلال مدة التحكيم الا باتفاق . جميع الاطراف واضاف المشرع الجزائري الى ذلك قاعدة في الرد وهي "اذا علم المحكم انه قابل للرد يخبر الاطراف بذلك ولا يجوز له القيام بالمهمة الا بعد موافقتهم .
وهذه القاعدة واردة في القانون السابق ولكن بنص آخر. فما هي اسباب الرد في القانون الجديد؟
ان أسباب الرد هي نفسها في القانون السابق:
1- عندما لا تتوافر فيه المؤهلات المتفق عليها بين الأطراف .
2- عندما يوجد سبب للرد منصوص عليه في نظام التحكيم الذي وافق عليه الاطراف.
3 عندما تتبين شبهة مشروعة في استقلاليته، ولاسيما بسبب وجود مصلحة أو علاقة اقتصادية أو عائلية مع احد الاطراف مباشرة او عن طريق وسيط.
لا يجوز طلب رد المحكم من الطرف الذي كان قد عينه، او شارك في تعيينه، الا لسبب علم به بعد التعيين.
وهي اسباب الرد نفسها في قانون التحكيم الدولي السابق، وقد اخذ القانون الجديد من القانون القديم بمبدأ وجوب ابلاغ المحكمة التحكيمية والطرف الآخر بسبب الرد".
من هو المرجع الذي يبت طلب الرد؟
اعتمد القانون الجديد القاعدة التي اعتمدها القانون السابق وهي: "في حالة النزاع، واذا لم يتضمن نظام التحكيم كيفية تسويته أو لم يسع الاطراف لتسوية اجراءات الرد، يفصل القاضي في ذلك بأمر بناء على طلب من يهمه التعجيل. وهذا الأمر غير قابل لأي طعن". وما يلفت في القانون السابق، كما في القانون الحالي، ان اسباب الرد ليست من النظام العام وبالتالي يمكن تسويتها وبالتالي فاذا ظهر سبب للرد فيمكن للطرفين ان يتفاوضا عليه وان يتوافقا على القبول
المبحث الثالث: اجراءات المحاكمة التحكيمية
طرح التحكيم باستمرار سؤالين وردت عليهما جملة اجوبة، غالباً ما كانت من قبل المشترع، واحياناً من قبل الاجتهاد. وبموجب هذه الاجوبة، راح التحكيم يتخذ لنفسه شكلاً وتوجهاً وخصائص مختلفة. والسؤالان هما:
- هل التحكيم عقد ام مؤسسة قضائية؟
- هل جرى تصوره بهدف فصل النزاعات، أو مصالحة الفرقاء، أو الأمرين معاً؟
ان الاجوبة التي صاغتها الآراء الفقهية الإسلامية على مدى تاريخ التحكيم، جاءت مختلفة ومتنوعة. ثم جاءت أجوبة الاجتهاد متعددة ومتنوعة بسبب الافتقار إلى النص القانوني. واخيراً، جاء دور المشترع في اعطاء الاجوبة التي كانت تتنوع وفقاً للبلد الذي صدرت فيه، ففي الجزائر اعطى القانون الجديد للتحكيم الداخلي اجوبة قاطعة: - أ- التحكيم هو مؤسسة قضائية والمحكم هو قاض.
ب- استبعد التحكيم بالصلح واعتمد التحكيم بالقانون وحده وأكد الصيغة القضائية التي تغلب عليه
أولاً- في القانون الفرنسي:
فقرة أولى: في التحكيم الداخلي الفرنسي
1- مبدأ حرية المحكمين
قلب القانون الجديد القاعدة التي كانت متبعة بموجب القانون السابق في هذا الصدد، والتي كانت تنص على تطبيق احكام قانون المرافعات المدنية على التحكيم، الا اذا كان الفرقاء قد اتفقوا على خلاف ذلك. وسمح القانون الجديد للمحكمين بتنظيم الأصول التحكيمية، دون أن يكون عليهم اتباع القواعد التي تعتمدها المحاكم، الا اذا كان الفرقاء قد اتفقوا في الاتفاقية التحكيمية على خلاف ذلك".
ولكن هناك ملاحظتين تتدرجان في هذا الصدد:
أ- اذا احال الفريقان نزاعهما على مركز دائم للتحكيم، يقتضي بحكامه ان يتقيدوا بأنظمته، فيفقدون بذلك حرية تحديد قواعد الاجراءات التحكيمية بأنفسهم.
ب إن القواعد المحددة في قانون المرافعات المدنية الجديد، هي قواعد احتياطية ومكملة بالنسبة الى المحكمين الذين يمكنهم بواسطتها الاستحصال على الضمانة، بما تؤمنه للقرارات التحكيمية من صلابة، بحيث تصبح أكثر قابلية وسهولة للتطبيق.
2- تطبيق المبادئ الاساسية للدعوى
ان المبادي الاساسية للدعوى " تبقى إلزامية في الدعوى التحكيمية، وبصورة خاصة:
أ - احترام حقوق الدفاع ومبدأ الوجاهية، ونحن هنا في صدد المبدأ الذي يضمن لكل فريق امكانية العلم بكل ما هو ضروري لنجاح دعواه او دفاعه. وهو يفرض ان كل مستند او رأي او حجة أو اثبات تقدم به أي من الفرقاء اطلاع الفريق الآخر عليه واتاحة المجال له لمناقشته بحرية خلال الجلسات، وهذا المبدأ يطبق الزامياً على اجراءات المحاكمة، ولا يمكن للفرقاء الاستغناء عن هذه الأصول بإرادتهم.
ب- ان عبء الاثبات يقع على عاتق الجهة المدعية.
ج-السلطة المعترف بها للقاضي بدعوة الفرقاء لتقديم شروحاتهم واقوالهم حول الوقائع وحول القوانين، والأمر بالقيام بأية تحقيقات، وعلى الفرقاء أن يقدموا لتأمينها كل مساهمة وعون.
3- قواعد مطروحة قانوناً
هناك قواعد أخرى مطروحة، في شأن اجراءات التحكيم، وذلك في قانون المرافعات المدنية الجدید .
أ- إذا أمسك احد الفرقاء بعنصر من عناصر الاثبات، يمكن للمحكم أن يطلب منه تسليمها. ولكن، خلافاً لما هي عليه الحال بالنسبة إلى القاضي ، فإنه ليس للمحكم، سلطة تغريم الفريق الذي يمسك عن تسليم وسيلة اثبات بحوزته، علماً أن الامتناع من التسليم بشكل عنصراً سلبياً يأخذه المحكم بعين الاهتمام، خلال مرحلة تشكيل قناعاته التي على اساسها يصدر قراره الحكيمي .
ب - يستمع الى الاشخاص الثالثين دون تحليفهم اليمين".
ذلك أن القاعدة المتبعة، أنه ليس لأحد أن يستمع الى شاهد بعد تحليفه اليمين، الا اذا كانت له سلطة ملاحقته بجرم الإدلاء بشهادة كاذبة، الأمر غير المتوافر للمحكم.
ج- لا يمكن عزل المحكم الا باتفاق الفرقاء الاجماعي
د - يمكن طلب رد المحكم وكذلك القاضي ولكن نسبب لا بد من ان يكون ناشئاً بعد
ز - يمكـن للمحكـم أن يتحقق من صحـة الخطوط والتواقيع، وما اذا كانت مزورة، وذلك وفقاً لأحكام قانون المرافعات المدنية الفرنسي، الا اذا كان هناك اتفاق ينص على خلاف ذلك .
هذه المبادئ الاساسية للدعوى القضائية المطبقة في التحكيم، سواء أكان بالصلح أم بالقانون، تؤكد أن المشترع الفرنسي جعل الصفة القضائية تطغى على الصفة التعاقدية للتحكيم، كما جعله لحسم المنازعات وليس للتوفيق والمصالحات.
4- المهل
اذا كانت الاتفاقية التحكيمية لا تحدد مهلة، فأن قانون التحكيم الداخلي الفرنسي يعتبر أن مهلة التحكيم هي ستة اشهر اعتباراً من يوم قبول آخر المحكمين المعينين مهمته. ويمكن تمديد المهلة القانونية او الاتفاقية، أما باتفاق الفرقاء، أو بطلب من احدهم أو من المحكمة التحكيمية الى رئيس المحكمة العليا، أو الى رئيس محكمة التجارة.
ليس للمحكمة التحكيمية صلاحية التمديد، الا إذا فوض الفرقاء ذلك الى المحكمين بصورة واضحة، ويقتضي أن يكون التفويض بالتمديد محدداً وواضحاً، اذ ان مهمة المحكمين لا تتضمن في حد ذاتها صلاحية التمديد .
أ- المهلة القانونية
حدد القانون الفرنسي المهلة القانونية بستة أشهر، بينما كانت ثلاثة اشهر وفقا للقانون القديم.
ومن جهة أخرى، فإن بداية المهلة، لا تحسب انطلاقا من تاريخ توقيع الاتفاقية التحكيمية، كما كان الشأن في القانون القديم، بل تبدأ اعتباراً من تاريخ قبول المحكم الاخير مهمته، وسبب هذا التعديل، يتمثل في أن الشرط التحكيمي أصبح حجر الرحى للتحكيم، بينما تراجع الاتفاق التحكيمي في المرتبة الثانية، ولأنه ليس في الأمكان انطلاق المهلة، اعتبارا من تاريخ توقيع الشرط التحكيمي، لأن أي نزاع لا يكون قد نشأ في ذلك الوقت. من هنا أهمية تاريخ قبول المحكمين مهماتهم.
ب- ان مهلة الاشهر الستة المحددة قانوناً، لا تعتمد الا في غياب اتفاق الفرقاء على ذلك. والقاعدة الاساسية في الواقع هي قاعدة سلطان ارادة الفرقاء الذين يستطيعون، اتفاقا، تحديد مهلة طويلة أو قصيرة وفقاً لمشيئتهم.
ج- تمديد المهلة
يحق للفرقاء تمديد المهلة، وذلك عائد الى صلاحية قاضي الأمور المستعجلة، في حال اغفال الفرقاء أو خلافهم على تحديد هذه المهلة. ويتم ذلك بناء على طلب احد الفرقاء، أو بناء على طلب المحكمة التحكيمية .
وفي ذلك، تميز قانون التحكيم الداخلي من القانون السابق. فقد نص هذا القانون" في الواقع على "ان الاتفاق التحكيمي يكون صحيحاً حتى ولو لم يعمد الى تحديد مهلة. وفي هذه الحالة، يقتضي ان تنتهي المهلة التحكيمية في مدة أقصاها ثلاثة اشهر، اعتباراً من تاريخ حصول الاتفاق التحكيمي"، كما أن الطريق الذي يقود إلى محاكم الدولة، بهدف تمديد المهلة، كان مقفلاً في وجه الفرقاء في النزاع، ولم يكن أمام هؤلاء إلا طريق الاتفاق المتبادل، الذي يمكنه دون اي طريق آخر، التوصل إلى تمديد المهلة.
وبتعبير آخر، وأمام إهمال المحكم او تجاوزه المهلة المحددة، فان الفريق الذي لديه رغبة في الخروج من التحكيم، يجد نفسه في وضع مريح، لأنه يصبح في أمكانه عرض النزاع على القضاء الصالح، ولا يتوجب عليه القيام بأية مبادرة، لأن التحكيم يعتبر منتهيا، وليس بالامكان إعادة إحياته.
لقد فتح القانون الجديد الطريق امام تدخل المحاكم القضائية لتمديد المهل، قاطعاً الطريق امام الفريق الذي اصبح مناوئاً للتحكيم.
وكان القانون القديم أكثر ملاءمة للفريق الذي كان يرغب في التملص من التحكيم، لأنه بانهاء المهلة دون امكانية تمديدها الا بالاتفاق، وعلى اساس ان تستعاد الاجراءات من بدايتها، فإن التحكيم يعتبر منتهياً. وكان المحكم ملماً تماماً بخطورة هذا الوضع، لدرجة أنه في حال التأخير، لم يكن بامكانه التحرك للتوصل إلى أي حل الا باتفاق الفرقاء، وهذا الاتفاق كان صعباً جدا بل بمنزلة المستحيل. اما الرابح الأساسي بموجب هذا النص، فهو الفريق الذي كان يدرك أن التحكيم لن يكون في صالحه، والذي كان يبذل أقصى جهد لإطالة الاجراءات حتى تنقضي المهلة، وحتى يكون هناك الزام بمعاودة الاجراءات كلها، منذ البداية. وفي هذا الصدد، عالج كل من القانون السويسري والقانون الانكليزي هذه الحالة بطريقة مماثلة.
فالقانون الانكليزي لا يحدد مهلة قانونية، ويعطي المحكمة، صلاحية تمديد المهلة التعاقدية. وهو يعطي ايضاً القاضي حق عزل المحكم بناء على طلب الجهة المهتمة بذلك، اذا كان المحكم المذكور مسؤولاً عن بطء الاجراءات التحكيمية. ويعتبر القانون الالماني انه يمكن عزل المحكم الذي يؤخر إجراءات التحكيم بطريقة معقولة.
واعطى القانون البلجيكي" كل فريق، الحق في اللجوء الى المحكمة حتى تعمد الى تحديد آخر مهلة اضافية" للتحكيم.
وهنا يطرح السؤال عما اذا كان هذا الطريق الذي فتحه المشترع الفرنسي وبعض المشترعين الاوروبيين، هو من الخاصية المطلقة للمحاكم القضائية؟ أم أن مراكز التحكيم التي اختارها الفرقاء لتنظيم تحكيمهم، قادرة على أن تقوم بدور ما في هذا النطاق، وتمديد المهلة كما هو شأن المحاكم القضائية؟
اعطى الفقه عدة أجوبة عن هذا السؤال:
بموجب الجواب الاول ، فإن قانون التحكيم الفرنسي لا يمنع الغير، الذي عهد اليه الفرقاء بمهمة تنظيم التحكيم، والذين يعتبرون بالتالي خاضعين لانظمته، لا يمنعه من تمديد المهلة لأن هذا الغير يتخذ قراره بموجب الارادة المشتركة التي أوكلته. انما في حال تمنع هذا الغير عن تمديد المهلة، يبقى للفرقاء امكانية مراجعة المحاكم القضائية.
وبموجب الجواب الثاني، حدد المشترع بصورة حصرية السلطة التي يعود اليها الفصل في هذا الموضوع، واذا كان قد إغفل ذكر مراكز التحكيم في هذا المجال، بعدما اعترف بها سابقا، فذلك يعني أنه لم يشأ أن تكون لهذه المراكز سلطة تمديد المهلة.
فهل الحق المذكور اعلاه محدد في الوقت أم مطلق؟ وبعبارة أخرى، هل لانقضاء المهلة القانونية أو التعاقدية، نتيجة تفضي إلى انهاء الدعوى التحكيمية أم إلى إيقافها؟
ان انقضاء المهلة يضع نهاية الدعوى التحكيمية. وليس للمحاكم القضائية، صلاحية احياء الدعوى التحكيمية التي حلت نهايتها. وهي لا تتمتع بهذه الصلاحية الا قبل انتهاء الدعوى التحكيمية، حتى لو كان قرار تمديد هذه المهلة قد صدر بعد تاريخ انتهائها.
وتطبق هذه القاعدة أيضاً، على الفرقاء. وفي الواقع، إذا لم يكن للشرط التحكيمي، امكانية تمدید مهلة الدعوى التي توقف النظر فيها، فللفرقاء في المقابل، حرية تمديد المهلة التعاقدية أو القانونية. ولكن ينبغي عليهم أن يعمدوا إلى ذلك خلال اجراءات الدعوى، لأن النظر فيها لا يعتبر موقوفاً فحسب، بل تعتبر منتهية بانقضاء مهلة النظر فيها، ويكون من الضروري في هذه الحالة، اعادة النظر في الدعوى منذ بدايتها، إذا كان الفرقاء قد قرروا العودة الى التحكيم. وهكذا فان للفرقاء الحرية في تمديد المهلة التعاقدية أو القانونية، ولكن ليس بوسعهم ممارسة هذا الحق، بعد انتهاء المهلة، بل قبل ذلك فقط.
5- المذاكرة
عدل القانون الفرنسي القاعدة التي طرحها القانون القديم في هذا المجال، والتي كانت تفرض ختم الجلسات قبل اسبوعين من انتهاء مدة التحكيم، أي في الوقت الذي تنتهي فيه المهلة المحددة لممارسة حق الدفاع وتقديم المستندات. .
وهذا الموضوع متروك في القانون الفرنسي لتقدير المحكمين، الذين لا يرتبطون بأي تاريخ، وهم احرار بتحديد تاريخ ختم جلسات المحاكمة، في ضوء ظروف الدعوى التحكيمية واجراءاتها. الا انهم يرتبطون بالطبع بمهلة التحكيم. ولا يعود في الامكان بعد ختم المحاكمة وجلساتها، تقديم بينات جديدة أو وسائل دفاع جديدة.
6- قاضي العجلة متمم للمحكمة التحكيمية
جعل قانون التحكيم الداخلي الفرنسي رئيس محكمة التجارة، الذي يصدر قراراته بالصفة المستعجلة ، مؤازرة للمحكمة التحكيمية، وذلك بموجب نصوص واضحة تخوله تقديم حلول سريعة تمكن من وضع ارادة الفرقاء موضع التنفيذ وتعزيز موقع المحكمة التحكيمية حينما تتعرض اجراءات التحكيم للخلل. وعليه فإن قاضي الأمور المستعجلة يتدخل لتحقيق ما يلي:
أ- ازالة المصاعب التي يتعرض لها تشكيل المحكمة التحكيمية.
ب- تعيين المحكم الثالث في حال اخفاق الفرقاء في التوصل إلى تعيينها.
ج- تمديد المهلة المحددة لاتمام التحكيم.
د- حل المصاعب الناتجة من تمنع المحكم عن ممارسة مهماته او عن رده.
وليس هناك ما يمنع الفرقاء من أن يعهدوا الى احد المراكز التحكيمية، بمهمة تذليل هذه المصاعب. ويصبح التحكيم بالتالي، انطلاقاً من هذا المنحى، تحكيم نظامية خاضعة لنظام يحدد الجهة التي تتولى ازالة هذه المصاعب، ولا يمكن للمحكم التدخل في هذا الشأن لأن ذلك خارج عن صلاحياته. ولكن الحالات التي تتطلب تدخل القاضي، ليست مذكورة حصرية، ذلك أن روح النص تشير الى ان المشترع أراد أن يكون قاضي الأمور المستعجلة صالحة لتذليل المصاعب التي تواجه اجراءات التحكيم، دون أن يكون له حق المساس بالأساس. وينظر هذا القاضي في ما هو مطروح عليه وفقا لاجراءات المحاكمة المستعجلة، دون أن تكون قراراته خاضعة لأية طريقة من طرق المراجعة، الا في الحالة التي يعتبر فيها أن الاتفاقية التحكيمية باطلة بصورة واضحة، وهي غير كافية للتمكن من التوصل إلى تعيين محكم. وفي هذه الحالة تصبح محكمة الإستئناف صالحة للنظر في هذا الأمر، متبعة في ذلك مبدأ وجاهية المحاكمة. ومن جهة أخرى يتدخل قاضي الدولة بعد انتهاء الإجراءات التحكيمية، وذلك في حالتين:
أ- التفسير القرار التحكيمي، وتصحيح اخطائه المادية، وذلك في الحالة التي يصبح فيها مستحيلاً جمع المحكمة التحكيمية مجدداً، وفي النص القانوني يفتح الباب بصورة اكيدة أمام تدخل القاضي، لكن، خلافاً لما ذهب اليه الاجتهاد السابق، يبقى المحكم هو المحرك الأساسي، ولا يكون القاضي في هذا الاطار الا مؤازرة. وفي الواقع، فان صلاحية تفسير القرارات التحكيمية وتصحيح اخطائها تعود إلى المحكم، ولا تنتقل هذه الصلاحيات الى القاضي، الا اذا استحالة ممارستها على المحكم لأي سبب من الأسباب. وقد نزع الاجتهاد السابق صلاحية التفسير والتصحيح المذكورة عن المحكم. أما الآن، فقد عادت تلك الصلاحية اليه مجدداً، وهي لا تنتقل الى القاضي الا في الحالة التي يستحيل على المحكم ممارستها.
وبتعبير آخر، فان القاعدة الأساسية ترتكز على أن صلاحية تفسير القرارات التحكيمية، وتصحيح اخطائها المادية تعود إلى المحكم، باستثناء الحالات المحددة التي تعهد بها هذه الصلاحية الى القاضي.
ب- لكي يعطي القرار التحكيمي صيغة التنفيذ.
فقرة ثانية: في التحكيم الدولي الفرنسي
"يمكن لاتفاقية التحكيم، مباشرة أو بالعودة إلى نظام تحكيمي، تنظيم الاجراءات التي يقتضي اتباعها في المحاكمة التحكيمية، كما يمكنها اخضاع هذه المحاكمة لقانون اجرائي معين. وفي حال اغفال الاتفاقية التحكيمية هذا الأمر، يعمد المحكم الى تنظيم الأصول الإجرائية بالقدر الذي يحتاج فيه الى ذلك، سواء مباشرة أو بالعودة إلى قانون ما، أو إلى نظام تحكيمي ما. أن الإصلاح الذي طاول قانون التحكيم الدولي الفرنسي عام 1981، يؤكد حرية الفرقاء والمحكمين، في اعتماد اجراءات المحاكمة التي يقتضون.
ويمكن في هذا المجال ابداء ملاحظات عدة:
1- الحرية في تحديد قواعد الإجراءات تعود الى الفرقاء، وبصورة استطرادية إلى المحكمين.
2- هذه الحرية تعني غياب أية شكليات قانونية، واستقلالية الإجراءات التحكيمية، عن اي نظام قضائي تابع للدولة، ولاسيما القانون المتعلق باجراءات المحاكمة في البلد الذي يجري فيه
التحكيم.
3- أن الحد الوحيد من هذه الحرية يتمثل في احترام مبدأ وجاهية المحاكمة.
4- أن قواعد اجراءات المحاكمة، يمكن أن يحددها الفرقاء او المحكمون مباشرة، أو بالعودة الى نظام تحكيمي معين، أو بالعودة الى قانون مرافعات معين.
5- أن اختيار الفرقاء قانون المرافعات الفرنسي، وفيه نظام التحكيم الفرنسي، يمكن أن يؤدي الى بعض الانعكاسات.
1- حرية الفرقاء والمحكم في تحديد قواعد اجراءات المحاكمة
يترك قانون المرافعات المدنية الجديد للفرقاء، وفي حال تخلفهم للمحكمين، حرية تحديد اجراءات المحاكمة التي يقتضي تطبيقها. وفي الحالة التي تكون فيها هذه الإجراءات خاضعة للقانون الفرنسي، فان القواعد المطبقة أمام المحاكم الفرنسية لا تطبق، الا في حال غياب الاتفاقات الخاصة حول هذا الموضوع.
أ- حرية الفرقاء
يمكن للفرقاء تنظيم اجراء اتهم، ولكن الشروع في التحكيم لا ينهي حقهم في اكمال اتفاقيتهم التحكيمية، التي يحق لهم العمل بمقتضاها، حتى الجلسة التي تسبق اصدار القرار التحكيمي.
ب- حرية المحكمين
لا يتمتع المحكمون بحرية وضع اجراءات المحاكمة الا بصورة استطرادية، وفي حال اغفال الاتفاقية التحكيمية تحديد ذلك، أو عدم اتفاقهم لاحقا على ذلك.
2- غياب الشكليات القانونية
ان الاستغناء عن الشكليات القانونية، يجعل استغلال الوسائل التسويقية امراً صعباً ، ولكن غياب الشكليات القانونية جميعا، لا يعني غياباً كاملاً للشكل، وذلك للتمكن من ممارسة وسائل المراجعة في شأن التحكيم فيها.
وتغييب الشكليات القانونية يعني انسلاخ الاجراءات التحكيمية الدولية، عن مختلف الأنظمة القانونية التابعة للدول، وخاصة قانون المرافعات في البلد الذي يجري فيه التحكيم. وهذا ما أوضحه الاجتهاد الفرنسي في قرار GOTAVERKEN الذي أصدرته محكمة استئناف باريس، واذ ردت الاستئناف ضد قرار تحكيمي دولي، في صدد تحكيم حاصل في فرنسا، وذكر المحكم في أسبابه الموجبة "أن القرار في صدد النزاع قد صدر وفقاً لاجراءات محاكمة، لا ترتبط اطلاقاً بالنظام القانوني الفرنسي، وأن الفرقاء هم من الأجانب، وان العقد قد نظم في الخارج، ويقتضي بالتالي أن ينفذ في الخارج، وبالتالي لا يمكن اعتباره فرنسياً".
وفي وجود شرط تحكيمي يحيل على نظام غرفة التجارة الدولية مثلاً، فان المكان الذي يجري فيه التحكيم، والذي اختير لحياده بالنسبة الى الفرقاء النزاع، ليس معبراً تعبيراً خاصاً في حد ذاته، ولا يمكن أن تترتب عليه نتائج قانونية مثل أن يطبق عليه قانون اجراءات المحاكمة المطبق في هذا البلد وامام محاكمه.
وفي ذلك يذهب القانون الفرنسي أبعد مما ذهبت اليه اتفاقية نيويورك، التي ذكرت أنه في حال لم يختر الفرقاء قانوناً من قوانين المرافعات المدنية، وعندما لا تحترم اجراءات المحاكمة المتبعة بموجب قانون البلد الذي حصل فيه التحكيم، فان امكانية الامتناع عن اعطاء الصيغة التنفيذية للقرار التحكيمي تصبح واردة.
ففي اتفاقية نيويورك، تعطى الأفضلية للقانون الذي اختاره الفرقاء. لكن في الحالة التي لا ينص فيها على ذلك في الاتفاقية التحكيمية، فأن قانون المرافعات الذي يقتضي اتباعه في هذه الحالة هو قانون البلد الذي يحصل فيه التحكيم. بينما لا يربط قانون التحكيم الفرنسي، التحكيم الدولي، الآ بالقواعد التي تحددها ارادة الفرقاء. وحتى في غياب مثل هذه الارادة، فان القانون الفرنسي لا يربط التحكيم الدولي بالقواعد القانونية للمكان الذي يجري فيه التحكيم. واذا كانت اتفاقية نيويورك ملأت الفراغ الذي يتركه الفرقاء، بموجب قانون مكان التحكيم، فان القانون الفرنسي، ملأ بدوره هذا الفراغ، بارادة المحكم التي تأتي في الدرجة الثانية، بعد ارادة الفرقاء، دون أن تكون على ارتباط بقوانين بلد التحكيم ولا بالقانون المطبق على المحاكمات في البلد الذي يجري فيه التحكيم. وبالنتيجة فان حرية المحكمين كاملة لا تحدها الأ قاعدة احترام المبادئ القانونية العامة المشتركة ما بين كل البلدان، و بصورة خاصة مبدأ وجاهية المحاكمة.
3- احترام مبدأ وجاهية المحاكمة
يشير القانون الفرنسي الى امكانية المراجعة لدى الجهة القضائية التي تعطي القرار التحكيمي الدولي صيغته التنفيذية، وذلك عندما يمس مبدأ وجاهية المحاكمة او لا يحترمها.
كما أنه أشار الى امكانية الغاء القرار التحكيمي نفسه، أذا كان صادرة في فرنسا و مس هذا المبدأ أو لم يحترمه.
4- طبيعة القواعد القانونية ومضمونها
يترك قانون التحكيم الدولي الفرنسي للفرقاء، واستطراداً للمحكمين، ثلاث امكانيات لانشاء قواعد اجرائية محددة للتحكيم، سواء تم ذلك مباشرة، أو بمقتضى نظام تحكيمي، أو بمقتضی قانون مرافعات يطبق على المحاكمات، وهذه الامكانيات الثلاث وضعها المشترع على المستوى نفسه.
أ- أن الامكانية الأولى التي تركت للفرقاء، تتمثل في حقهم في تحديد قواعد المحاكمات مباشرة في الاتفاقية التحكيمية، ولكن هذه الامكانية قلما يستغلها الفرقاء، خاصة عندما نعلم أن الأغلبية الساحقة من المحكمين الدوليين، أنما يعينون بموجب شروط تحكيمية تخضع النزاع الحاصل للاتفاقية التحكيمية، دون التطرق إلى معالجة تفاصيل قواعد المحاكمة التي ستطبق على اجراءات التحكيم ويكتفي في الغالب بتعيين مرجع لتنظيم عملية التحكيم.
ب- وتترك الامكانية الثانية، لمركز دائم من مراكز التحكيم مهمة السير بالتحكيم، وتحديد القواعد التي ترعاه. وهكذا فان اتفاقية التحكيم حين تحيل على نظام مركز تحكيمي دائم، يصبح هذا النظام هو قانون المحاكمة التحكيمية الذي يطبق على اجراءات التحكيم. ولكن، كما يحصل غالباً، حيث لا يحدد الفرقاء مباشرة قواعد المحاكمة التي يقتضي تطبيقها، فإن النظام التحكيمي، يكون ناقصاً واذ ذاك يعود الى الحكام، تحديد قواعد المحاكمة، مع التحفظ لجهة احترام مبدأ وجاهيتها.
وبالتالي، فإن المحكم هو الذي يحدد مثلاً لغة التحكيم، بحرية تامة، ودون أن يكون ملزماً باعتماد لغة بلد التحكيم، ولكن، دون أن يبتعد كثيراً عن لغة العقد ومستندات الدعوى التي يتمثل بها خيار الفرقاء أنفسهم، ولو بصورة رمزية.
ويعمد المحكم كذلك إلى وضع اسس التبليغ وتبادل المذكرات، وكل التفاصيل المتعلقة بذلك. وهو الذي يرعى طوال التحكيم، أمر حراسة الفرقاء هذه القواعد واتباعها، وهو الذي يحدد كذلك كيفية وموعد اختتام الجلسات والمناقشات.
ج- والامكانية الثالثة تتمثل في العودة الى قانون المرافعات المدنية المطبق على المحاكمات المدنية في بلد التحكيم وهو قانون مختلف عن القانون المطبق على العقد. وهكذا يصبح قانون المرافعات المطبق على المحاكمات في بلد ما هو قانون التحكيم، وفيه نظام التحكيم الذي اختاره سلطان الارادة له صفة تعاقدية وله الآثار التي لسلطان الإرادة والقرار التحكيمي .
5- نتائج اختبار قانون المرافعات الفرنسي واجراءات التحكيم الدولي في فرنسا
ان الاحالة على القانون الفرنسي، تؤدي إلى تطبيق اجراءات المحاكمة المطبقة على التحكيم الداخلي، الذي يبقى في اطار محدود، انطلاقاً من أن عدداً من القواعد المذكورة للتحكيم الداخلي، لا يمكن تطبيقها بصورة ملائمة في ميدان التحكيم الدولي. وانطلاق كذلك من أنها لا تطبق الآ في غياب اتفاقية خاصة، أي بتعبير آخر، لا تطبق الا اذا غاب التعبير عن الارادة.
بالنسبة الى بعض المؤلفين القانونيين فأنه "عندما يحيل الفرقاء، نزاعهم على القانون الفرنسي، يكونون بذلك قد وضعوا تحكيمهم ضمن النظام القانوني الفرنسي". الا أن ذلك لا يعني انه في غياب الاتفاقات الخاصة، فان الامتناع عن تطبيق قواعد قانون التحكيم الداخلي، يجب أن يؤدي إلى منع تنفيذ القرارات التحكيمية أو بطلانها. واذا كان الامتناع عن تطبيق هذه القواعد يشكل في التحكيم الداخلي خرقاً للنظام العام، فإن الأمر ليس كذلك بالنسبة الى التحكيم الدولي، حيث القاعدة الوحيدة الملزمة هي قاعدة وجاهية المحاكمة.
وخارج اطار هذه الاحالة العامة على أحكام قانون التحكيم الداخلي، فليست هناك حالة يحيل فيها قانون التحكيم الفرنسي الدولي، وبصورة مباشرة، على قانون التحكيم الفرنسي الداخلي سوى حالة الاستعجال اذ تنص المادة 1493 بفقرتها الثانية على ما يلي: "اذا اصطدم تشكيل المحكمة التحكيمية في التحكيم الحاصل في فرنسا او في التحكيم الذي توافق الفرقاء على تطبيق القانون الفرنسي في شأنه، بعقبات معينة، فان للفريق الأكثر عجلة، (باستثناء النص على العكس)، الطلب الى محكمة الدرجة الأولى في باريس النظر فيها، وفقا لأحكام المادة 1457"، أي وفقاً للاحكام المستعجلة.
اذاً، إن اللجوء إلى القاضي التابع للدولة، هو بمثابة طلب عون، من اجل انقاذ التحكيم. وتدخل القاضي الفرنسي معلق على شرطين: الأول ايجابي والآخر سلبي، ولا يشير القانون أي من الشرطين هو الأرجح في حال التعارض بينهما.
الشرط الايجابي: يقتضي أن يكون الأمر متعلقة باجراءات المحاكمة التي اتفق الفريقان على تطبيق القانون الفرنسي في شأنها، أو أن تكون المحاكمة التحكيمية حاصلة في فرنسا.
وفي الحالات التي تكون فيها الاجراءات التحكيمية حاصلة في فرنسا، يرى بعض الكتاب أن تدخل القاضي أمر قابل للنقاش، لأن اللجوء الى القاضي الفرنسي يتم بصورة غريبة، فهو تدخل يلقي بثقل فرنسا على اجراءات تحكيمية دولية متعلقة بقانون اجنبي و اكثرها بين أجانب. واعتماد مكان التحكيم لترتیب آثار قانونية عليه، يناقض اتجاه المشرع نحو تخليص التحكيم الدولي من ارتباطاته القانونية الداخلية. ولكن لهذا الأمر بعض التبرير في النطاق العملي، لأنه إذا كان التحكيم يجري في فرنسا، فان القاضي الفرنسي هو بالطبع الموقع الأفضل، الذي يقتضي من خلاله التحرك لانقاذ التحكيم.
ويعمد كتاب آخرون إلى تبرير ذلك بالطريقة التالية:
"ان هذا التدخل يجب أن يكون مقبولاً، اذ أن المهمة التي يقوم بها القاضي الفرنسي في اطار المادة 1493 فقرة 2، هي أوسع من اطار التحكيم الداخلي المستند الى المادة 1444، لأن المادة 1493 فقرة 2، تلزمه بملء فراغ صمت الاتفاقية التحكيمية، اذا لم تتحدث تلك الاتفاقية عن عدد المحكمين أو كيفية تعيينهم.
وهكذا فان الفرقاء الذين توافقوا على شرط بهذه النواقص في قضية دولية، دون اخضاعها الاجراءات المحاكمة الفرنسية، يفترض فيهم أن يعهدوا الى القاضي الفرنسي بمهمة تنفيذ اتفاقهم".
الشرط السلبي: لا تجيز المادة 1493 تدخل القاضي الفرنسي، الا في حال الاتفاق في النص على خلاف ذلك، وهو بهذا المعنى يتدخل انقاذا لسلطان الارادة في تسوية المصاعب التي يمكن ان تصادف التحكيم خلال سيره.
ثانياً- في القانون الجزائري الجديد
1- اجراءات المحاكمة التحكيمية وسلطان الارادة
سلطان الارادة هو الذي يحدد "الآجال والأوضاع" أي اجراءات المحاكمة التحكيمية الداخلية فاذا لم يعبر سلطان الارادة عن خيار فان الآجال والأوضاع المقررة أمام الجهات القضائية هي التي تطبق وبالتالي تطبق اجراءات المحاكمة القضائية هذا في التحكيم الداخلى وهو مطابق لما كان عليه القانون السابق.
وعلى خطى القانون السابق للتحكيم الدولي فان سلطان الارادة هو الذي يحدد "الاجراءات الواجب اتباعها في الخصومة" أو يحيل على نظام تحكيمي او قانون اجراءات بلد ما. فإذا لم يعبر سلطان الارادة عن خیار فلا تطبق اجراءات المحاكمات القضائية، بل يعود ذلك إلى محكمة التحكيم التي يمكن أن تضع الاجراءات هي بنفسها أو تحيل على نظام تحكيم كنظام غرفة التجارة الدولية او على قانون تحكيم كما قانون التحكيم اللبناني.
2- الوجاهية
لم يذكر التحكيم الداخلي قاعدة الوجاهية، ولكنها تبقى حتماً جزءاً من النظام الداخلي، وهي قاعدة أساسية في الأصول القضائية فلا يمكن تجاهلها في اجراءات التحكيم الداخلي. اما قانون التحكيم الدولي فكان يبطل الحكم "اذا لم يراع مبدأ حضور الأطراف"، وهو مبدأ متصل او غير متصل بالوجاهية، فالأمر فيه التباس. لهذا جاء قانون التحكيم الجديد فنص صراحة على ابطال حكم التحكيم الدولي، اذا لم يراع الوجاهية فيكون القانون الجديد قد كرس الوجاهية واعطاها مكاناً ومكانة وقدسية في اجراءات التحكيم وسماها باسمها بدون مواربة وجعل مخالفتها مبطلة للحكم التحكيمي الدولي.
3- ألغي التحكيم بالصلح
كان قانون التحكيم الداخلي السابق يفرق بين التحكيم بالقانون والتحكيم بالصلح وكذلك التحكيم الدولي السابق كان يفرق، ويجيز التحكيم بالقانون كما التحكيم بالصلح.
اما قانون التحكيم الداخلي الجديد كما قانون التحكيم الدولي الجديد فقد حصر التحكيم الداخلي بالتحكيم بالقانون، بل نص وأكد أن المحكمين يفصلون في الدعوى "وفقاً لقواعد القانون.
وترك قانون التحكيم الدولي للأطراف حرية اختيار قانون الإجراءات، كما قانون حسم النزاع. فاذا تضمن القانون الأجنبي نصا يعترف بالتحكيم بالصلح و بالعدل والإنصاف فليس في القانون الجديد ما يمنع ذلك. أما اذا كان قانون التحكيم الدولي الجزائري هو المطبق فإنه لم يعترف بالتحكيم بالصلح والعدل والإنصاف"، بل نص على أنه "تفصل محكمة التحكيم في النزاع عملا بقواعد القانون الذي اختاره الاطراف وفي غياب هذا الاختيار تفصل حسب قواعد القانون والأعراف التي تراها مناسبة" مما يعني أن المشرع الجزائري ادخل الأعراف الى جانب القانون في التحكيم الدولي.
4- المهل
أن قانون التحكيم السابق يترك للأطراف الاتفاق على مهلة التحكيم فاذا لم يتفقوا على ذلك فان المهلة هي ثلاثة اشهر تبدأ من تاريخ تعيين المحكمين أو أخرهم اذا عينهم الأطراف، ومن تاریخ صدور قرار قضائي بتعيين آخر محكم من المحكمين.
كذلك لم يحدد قانون التحكيم الدولي السابق مهلة للتحكيم، اما قانون التحكيم الداخلي الجديد فترك لسلطان الارادة أن يحدد مدة التحكيم واعتبر العقد صحيحاً حتى لو لم يحدد مهلة التحكيم، ولكنه في هذه الحالة تكون مهنة التحكيم اربعة اشهر، تبدأ من تاريخ تعيين المحكمين اي آخرهم.
والتمديد جائز وهو السلطان الارادة، فاذا تعذر فيعود الأمر إلى نظام التحكيمي المطبق الذي تطبق مهله، فاذا انقضت ولم يتوصل الطرفان إلى اتفاق على التمديد يعود الأمر إلى القضاء المختص.
ولم يحدد قانون التحكيم الدولي الجديد مهلة للتحكيم، وبالتالي فان الأمر يعود الى سلطان الارادة. ولكن اذا لم يمارس سلطان الارادة خياراً فلا يكون للتحكيم الدولي في القانون الجزائري مهلة، ومع ذلك فقد أجاز استئناف قرار اعطاء الصيغة التنفيذية لحكم تحكيمي دولي اذا "فصلت محكمة التحكيم... بناء على اتفاقية باطلة أو انقضاء مدة الاتفاقية".
والاتفاقية التحكيمية الدولية تنص على مهلة للتحكيم او تحيل على نظام تحكيمي أو على نظام مركز تحكيمي يحدد المهل، وبالتالي اذا انقضت المهلة التي حددها سلطان الارادة في التحكيم الدولي فإن الأمر باعطاء صيغة التنفيذ الحكم التحكيمي الدولي الصادر عن هذا التحكيم، يكون معرضاً للفسخ. أما إذا لم يحدد سلطان الارادة مهلة أو احال على نظام تحكيمي كنظام تحكيم الأونسترال، الذي لا يحدد مهلة، فلا تكون المهلة منقضية، لأنه ليست هناك مهلة أصلاً وبالتالي فان التحكيم الدولي الذي لم تحدد اتفاقيته التحكيمية الدولية مهلة للتحكيم لا تكون صيغة التنفيذ المعطاة له قابلة للفسخ أو الإلغاء لانقضاء المهلة لأنه ليست هناك مهلة أصلاً.
5- مساعدة القضاء للتحكيم
القضاء يقدم مساعدة للتحكيم الداخلي، لتشكيل المحكمة التحكيمية "اذا اعترضت صعوبة تشكيل محكمة التحكيم... يعين المحكم او المحكمين من قبل رئيس المحكمة الواقع في دائرة اختصاصها محل ابرام العقد أو محل تنفيذه".
وبعد تشكيل المحكمة التحكيمية فان القضاء لا يعود له دور في مساعدة المحكمة التحكيمية، کسماع الشهود اذا امتنع شاهد عن الحضور او في الزام اشخاص ثالثين بتقديم وثائق ومستندات تساعد التحكيم على كشف الحقيقة والحقوق، الا في تحديد المهلة اذا تعذر وصول الطرفين الى اتفاق على التمديد، هذا في التحكيم الداخلي. أما في التحكيم الدولي فإن القانون الجديد يستعين بمساعدة القضاء في تشكيل المحكمة التحكيمية في حال غياب سلطان الارادة أو في حالة صعوبة تعيين المحكمين او عزلهم أو استبدالهم، فيجيز للطرف الذي يهمه التعجيل مراجعة القضاء. فاذا كان التحكيم الدولي جارياً في الجزائر فالقضاء المختص بالمساعدة على تعيين المحكم او المحكمين هو رئيس المحكمة التي يقع في دائرة اختصاصها التحكيم، اما اذا كان التحكيم يجري خارج الجزائر ويطبق قانون التحكيم الدولي الجزائري وقواعد الإجراءات المعمول بها في الجزائر فالقضاء المختص هو رئيس محكمة الجزائر.
اما بعد ذلك، وخلافاً للتحكيم الداخلي، فان قانون التحكيم الدولي نص على أنه "اذا اقتضت الضرورة مساعدة السلطة القضائية في تقديم الأدلة أو تمديد مهمة المحكمين أو تثبيت الاجراءات او في حالات أخرى، جاز لمحكمة التحكيم او للأطراف بالاتفاق مع هذه الأخيرة أو للطرف الذي يهمه التعجيل بعد الترخيص له من محكمة التحكيم، أن يطلبوا بموجب عريضة تدخل القاضي المختص ويطبق في هذا الشأن قانون بلد القاضي ".
اذاً، في التحكيم الداخلي يساعد القضاء على تعيين المحكمين وعلى تمديد المهل ويقف دور القضاء المساعد عند هذا الحد. أما في التحكيم الدولي فالباب واسع جداً يبدأ بتعيين المحكمين اذا تعذر ذلك ويمتد الى تقديم الأدلة وتمديد مهلة التحكيم، ثم يفتح القانون الباب واسعاً بالقول ".. أو في حالات أخرى.." كلما دعت الحاجة.
ولكن مراجعة المحكمة القضائية تستوجب بعض الملاحظات:
الملاحظة الأولى: المحكمة التحكيمية يمكنها أن تراجع القضاء، وكذلك الباب مفتوح لاطراف النزاع، أي لأي طرف، ولكن بالاتفاق مع المحكمة التحكيمية.
الملاحظة الثانية: يقدم الطلب على عريضة، أما من المحكمة التحكيمية أو من طرف من الأطراف مرخصا له من المحكمة التحكيمية.
الملاحظة الثالثة: يطبق القضاء قانون بلد القاضي، فاذا جرى التحكيم في فرنسا وطبق قانون التحكيم الجزائري فان القاضي الفرنسي يطبق قانونه، وهنا ناقص ومنقوص لأنه اذا كان القانون الجزائري مطبقاً وفقاً للاصول المحددة في مساعدة المحكمة التحكيمية في تحكيم يجري خارج الجزائر ويطبق قانون التحكيم الجزائري، فإن القاضي الفرنسي مرخص له، حسب القانون الجزائري، بتطبيق القانون الفرنسي الذي قد يتفق وقد لا يتفق مع القانون الجزائري في هذا الصدد.
6- توقف التحكيم
في قانون التحكيم الداخلي الجديد: اذا طعن بالتزوير مدنياً في ورقة، أو اذا حصل عارض جنائي، يحيل المحكمون الأطراف على الجهة القضائية المختصة ويتوقف سير التحكيم ليستأنف سريان أجله من تاريخ الحكم في المسألة العارضة. وهو النص الذي كان وارداً في القانون السابق.
اما قانون التحكيم الدولي الجديد فلم يذكر توقف سير التحكيم، وبالتالي فان التحكيم الدولي لا تؤثر فيه العوارض الجنائية والتزوير الذي تراجع في شأنه المحاكم الوطنية لأن التحكيم دولي، واجتهاد التحكيم الدولي، استقر على عدم تطبيق قاعدة "الجزاء يعقل الحقوق" الا اذا وجدت المحكمة التحكيمية ارتباطاً وثيقاً بين العارض او التزوير والنتيجة التي ستتوصل اليها.
7- التدابير المؤقتة والتحفظية
لم يتعرض القانون السابق للتدابير المؤقتة والتحفظية في القانون الداخلي، كذلك القانون الجديد، وبالتالي فان التدابير التحفظية والمؤقتة تكون من اختصاص القضاء.
اما قانون التحكيم الدولي السابق فقد أجاز للمحكمة التحكيمية الأمر بالتدابير المؤقتة او التحفظية، الا اذا كان هناك اتفاق مخالف. كذلك فان قانون التحكيم الدولي الجديد اجاز للمحكمة التحكيمية أن تأمر بتدابیر مؤقتة او تحفظية بناء على طلب احد الأطراف، الا اذا نص اتفاق الطرفين على خلاف ذلك. والجديد في القانون انه اذا لم ينفذ الطرف المعني هذا التدبير ارادياً، جاز لمحكمة التحكيم أن تطلب تدخل القاضي المختص. ويضيف القانون: "...يطبق في هذا الشأن قانون بلد القاضي" أي أن المحكمة التحكيمية التي تطبق قانون التحكيم الجزائري في تحكيم يجري خارج الجزائر، يحق لها أن تتخذ قرارات تحفظية ومؤقتة وتكون الاستعانة بقاضي البلد الذي يجري فيه التحكيم لتنفيذ هذه القرارات وفقا لقانون هذا القاضي.
ويضيف قانون التحكيم الدولي الجديد، وهو جديد يأتي به القانون الجديد، يمكن لمحكمة التحكيم او للقاضي أن يخضع التدابير المؤقتة أو التحفظية لتقديم الضمانات الملائمة من قبل الطرف الذي طلب هذا التدبير.
8- المحاضر واعمال التحقيق
قانون التحكيم السابق الزم بأن أعمال التحقيق يقوم بها المحكمون جميعاً، الا اذا كان هناك اتفاق يخول لهم سلطة انتداب احدهم للقيام بها.
وقد نحا القانون الجديد المنحى نفسه.
وبالتالي فان المحكمين يعملون معاً ويجب وضع محضر في الجلسات كلها يوقعه المحكمون جميعهم مع الأطراف.
أما في التحكيم الدولي فالأمر يعود الى سلطان الارادة وليست هناك أية قيود.
9-الاستئناف
في القانون السابق، يقبل القرار التحكيمي الاستئناف امام القضاء، ألا اذا اتفق اطراف النزاع على العكس. ويمكن التخلي عن الاستئناف في أية مرحلة من المراحل.
واسباب الاستئناف غير محصورة، لأنه يفضي إلى نشر الدعوى مجددا أمام القاضي، ولكن لا يمكن في الاستئناف الإدلاء بأسباب الأبطال المحددة في القانون على سبيل الحصر.
والحكم التحكيمي في التحكيم الدولي لا يقبل الاستئناف لا في القانون السابق ولا في القانون الجديد.
أما في القانون الجديد فان قرار التحكيم يقبل الاستئناف امام القضاء، إلا إذا اتفق الأطراف على غير ذلك والاستئناف ينشر الدعوى أمام القضاء.
ولم يضع القانون الجديد اسباباً لابطال الحكم التحكيمي ولا اسباباً لابطال الصيغة التنفيذية التي يكتسبها الحكم التحكيمي، وكان القانون السابق قد وضع اسباباً للإبطال. فالقانون الجديد اكثر انسجاماً مع المنطق طالما أن القرار التحكيمي بذاته قابل للاستئناف الذي ينشر الدعوى امام القضاء وينتهي الاستئناف بحكم قضائي قابل للنقض كما كل الأحكام القضائية الاستئنافية.
10- اختصاص المحكم للنظر في اختصاصه
اذا اعترض طرف على صحة العقد فان المحكم لا يعود مختصة للنظر في عقد مطعون في صحته، ضمنه الشرط التحكيمي الذي ينبع منه التحكيم والذي يستمد منه المحكم اختصاصه، الا اذا تبنى القانون نظرية استقلالية الشرط التحكيمي عن العقد ، ولكن اذا اعترض طرف ليس على العقد، بل على الشرط التحكيمي ذاته وادلى بأنه معیوب بعيب من عيوب الرضى مثلاً كالغلط او الاكراه الخ.. فالمحكم لا يعود مختصة بالنظر في اختصاصه، الا اذا تبنى القانون المطبق على التحكيم نظرية "اختصاص المحكم للنظر في اختصاصه" Competence competence
لم يعتمد قانون التحكيم الجديد هذه النظرية في التحكيم الداخلي كما أنه لم يعتمد نظرية استقلالية الشرط التحكيمي، كما بينا سابقاً، وبالتالي فان أية منازعة بصحة الشرط التحكيمي توقف سير التحكيم فيحال النزاع على القضاء الذي اذا بت صحة الشرط التحكيمي، يعود التحكيم فيتابع سيره، والا ينتهي التحكيم بحكم قضائي يبطل الشرط التحكيمي.
اما في التحكيم الدولي، فان قانون التحكيم الجديد نص على أن محكمة التحكيم هي التي تفصل في الاختصاص المناط بها، ولكن يجب اثارة الدفع بعدم الاختصاص قبل اي دفاع في الموضوع، فاذا لم يثر اولاً، سقط الحق في اثارته، ويجب أن تفصل المحكمة التحكيمية بأختصاصها بحكم اولي، الا اذا كان الدفع بعدم الاختصاص مرتبطة بموضوع النزاع.
11- انتهاء الدعوى التحكيمية
في قانون التحكيم الداخلي الجديد:
ينتهي التحكيم:
1- بوفاة أحد المحكمين أو رفضه القيام بمهمته بمبرر او تنحيته أو حصول مانع له، ما لم يوجد شرط مخالف، أو اذا اتفق الأطراف على استبداله، أو استبداله من قبل المحكم او المحكمين الباقين. وفي حالة غياب الاتفاق تطبق أحكام المادة 1009 اعلاه.
2- بانتهاء المدة المقررة للتحكيم، فأذا لم تشترط المدة، فبانتهاء مدة اربعة اشهر.
3- بفقد الشيء موضوع النزاع أو انقضاء الدين المتنازع فيه.
4- بوفاة أحد أطراف العقد.
ونص هذه المادة واضح فيما خص انتهاء التحكيم بوفاة أحد المحكمين أو رفض المحكم القيام بمهمته، الا اذا كان هناك شرط مخالف. الى هنا النص واضح، ولكن حصول مانع للمحكم كأن يمرض او يتزوج من احد الطرفين أو ممن يرتبط بهم برابطة قرابة أو مصاهرة قريبة.. يجعل النص ملتبسة وغامض!
لماذا ينتهي التحكيم بزواج المحكم او بمرضه مثلاً؟ لماذا لا يستبدل المحكم؟
ثم يذهب النص الى مزيد من الغموض بالقول أن التحكيم ينتهي اذا " اتفق الأطراف على استبداله (المحكم) او استبداله من المحكم او المحكمين الباقين، وفي حال غياب الاتفاق تطبق المادة 1009".
2- واستبدال المحكم الذي يتفق عليه الأطراف من المحكم او المحكمين الباقين" ما هو المقصود؟ هل المقصود استبدال محكم بمحكم؟ ام المقصود موافقة باقي المحكمين على الاستبدال.
3- وماذا تفيد المادة 1009 في هذا الصدد. فالمادة 1009 تتعلق بحل صعوبة تتشكيل المحكمة التحكيمية بفعل احد الأطراف، وانقاذ القضاء لهذا الوضع.. فلماذا وكيف ينتهي التحكيم الذي يشكو مشكلة استبدال محكم اذا كان القضاء سينقذ الوضع ويعين المحكم؟ ولماذا ينتهي التحكيم عند تعيين القضاء لهذا المحكم الذي كان تعيينه يشكل صعوبة ذللها القضاء؟
هذا النص يحتاج الى اعادة النظر..
اما في قانون التحكيم الدولي فسلطان الارادة هو الذي يحدد وحده دون سواه متى ينتهي التحكيم. وقانون التحكيم الدولي لا يأتي على ذكر الموضوع.
المبحث الرابع: الحكم التحكيمي
اولاً- في القانون الفرنسي
فقرة اولى: في التحكيم الداخلي
أن الصفة القضائية التي يتسم بها القرار التحكيمي، سواء أكان التحكيم تحكيمة بالصلح ام تحكيم بالقانون، تبرز بوضوح في قانون التحكيم الجديد. فالقرار التحكيمي يجب أن يصدر نتيجة مذاكرة وان يكون معللاً وان يصدر بالاكثرية وله قوة القضية المقضية بمجرد اصداره وبالامكان الطعن به امام المراجع القضائية.
1- سرية المذاكرة- الاغلبية لا الاجماع
بتحديده أن "مذاكرة المحكمين يقتضي أن تكون سرية"، فان قانون المرافعات المدنية تبني القاعدة المطبقة على الاحكام الصادرة عن قضاء الدولة. وفي حين أن قانون المرافعات المدنية القديم، ادخل نظام المحكم الثالث المرجح في حالة تعاكس التصويت ، مؤدياً في الواقع إلى قرار يقضي بأن تتأمن له الأغلبية، فان قانون المرافعات المدنية الجديد، تخلى عن هذا النظام واكد بوضوح أن "القرار التحكيمي يصدر بأغلبية الأصوات ".
وهذه القاعدة الجديدة تسير في الاتجاه الذي يسير فيه عدد المحكمين ويجب اعتبار القرار التحكيمي الصادر بالاكثرية غير مناقض لمبدأ سرية المذاكرة، بل منسجمة مع قاعدة أن القرار
التحكيمي يصدر باكثرية الأصوات. وبالتالي فان المحكم الذي يرفض توقيع الحكم يفهم امتناعه عن التوقيع من هذه الزاوية.
2- تعليل القرار التحكيمي
ينص قانون التحكيم الداخلي على أن القرار التحكيمي، يجب أن يكون معللاً ، وذلك تحت طائلة البطلان. وهذا الموجب الذي يعتبره الاجتهاد من متطلبات النظام العام، يطبق على التحكيم بالقانون، كما على التحكيم بالصلح.
ولا يعني هذا الموجب في كل الأحوال، أن المحكمين مجبرون على الرد على كل الدفوع التي أدلى بها الفرقاء.
3- مضمون القرار التحكيمي
يقتضي أن يعرض القرار التحكيمي بايجاز الأقوال المتقابلة للفرقاء ، كما يجب أن يحتوي القرار على:
- اسم المحكمين الذين أصدروه.
- تاريخ القرار: وهذا ما يمكن من التحقق من أن القرار صدر ضمن المهلة.
ومن جهة أخرى، حدد القانون الجديد "أن القرار التحكيمي يقتضي أن يكون موقعاً من المحكمين جميعاً. وفي جميع الأحوال، اذا رفضت اقلية منهم التوقيع، يشير بقية المحكمين إلى ذلك في متن القرار، ويكون للقرار التحكيمي المفعول نفسه، كما لو كان وقع من قبل المحكمين جميع"، وذلك بهدف منع الأقلية المعارضة للقرار من شله وجعله و كأنه غير موجود من خلال التمنع عن التوقيع. ولكن، بينما الاشارة الى اسم المحكمين وتاريخ القرار وكذلك توقيعه من المحكمين أو اكثريتهم، هي امور مطلوبة تحت طائلة البطلان ، فان امور اخرى ادرجت في القانون الجديد، دون أن يكون البطلان نتيجة اغفالها:
- المكان الذي صدر فيه القرار: وهذا يمكن من تحديد الصلاحية المكانية، التي يتعلق بها مصير الصيغة التنفيذية للقرار.
- اسماء الفرقاء بالكامل، وكذلك محل اقامتهم أو مركزهم الرئيسي، واذا اقتضى الأمر، اسماء المحامين او أي شخص مثل الفرقاء او عاونهم.
4- القواعد المطبقة في النزاع
ينتج من قانون التحكيم الداخلي الجديد أن "المحكم يفصل في النزاع بما يتناسب والقواعد القانونية، الا اذا كان الفرقاء في الاتفاقية التحكيمية، قد عهدوا اليه بمهمة اصدار قراره بوصفه محكما بالصلح.
وفي الحالة التي لا يكون فيها اختيار التحكيم بالصلح محدداً بوضوح في الاتفاقية التحكيمية، يقتضي أن يتم التحكيم بصورة الزامية بما يتوافق وقواعد القانون، كذلك في الحالة التي يتنازل فيها الفرقاء عن الاستئناف، يفترض بأنهم قد اختاروا التحكيم بالصلح.
وفي كل الأحوال، اذا كان اختيار التحكيم بالصلح يدفع إلى تقييد تطبيق القانون، الا انه لا يلغيه. ويبقى التحكيم بالصلح مقيد بالنظام العام.
5- القرار التحكيمي يتمتع بقوة القضية المقضية اعتبارا من وقت الصدور
اتخذ المشترع موقفاً مضاداً لموقف الاجتهاد الصادر عن محكمة التمييز، التي اعتبرت أن القرار التحكيمي لا يتمتع بقوة القضية المقضية، الا بعد اكتسابه الصيغة التنفيذية، التي تمنحه
اياها من المحكمة القضائية المختصة. ويذهب القانون الجديد الى أن القرار التحكيمي، يكتسب قوة القضية المقضية، منذ صدوره.
ان تاريخ اكتساب القرار قوة القضية المقضية هو امر مهم، لأنه بموجب القانون الجديد، لا يستطيع الخصم أن يتقدم بدعوى جديدة ضد الفريق نفسه، اعتباراً من تاريخ صدور القرار التحكيمي، وكذلك فان يد المحكم ترفع عن القضية التي فصل في نزاعها، اعتباراً من تاريخ صدور القرار، وليس من تاريخ منحه الصيغة التنفيذية .
6- المحكم يفسر القرار التحكيمي ويصحح اخطاءه ويكمل نواقصه
أن القرار التحكيمي، يرفع يد المحكم عن النزاع الذي فصل فيه، ولكن للمحكم صلاحية تفسير القرار التحكيمي، وتصحيح اخطائه المادية، واستكمال نواقصه، عندما يكون قد أغفل بت احد الطلبات.
ولكن ذلك يفترض امكانية جمع المحكمة التحكيمية مجدداً، والا فتعود الصلاحية الى المحكمة القضائية، التي كانت ستصبح صالحة، لو لم تتشكل المحكمة التحكيمية وتمارس مهماتها. وقد حسم القانون الجديد هذه النقطة التي كانت مدار جدال واسع في القانون القديم، اذ اكد القاعدة التي بموجبها تكون للمحكم صلاحية عامة وهو الأصل والقاضي هو قاضي الفرع.
الفقرة الثانية: في التحكيم الدولي
1- الافتقار إلى الشكل:
آن قانون التحكيم الدولي، لم يفرض أي الزام شكلي، في شأن القرار التحكيمي في مادة التحكيم الداخلي. وهكذا فان المادة 1502 من قانون اصول المرافعات المدنية الجديد لا تشير الى شكل القرار التحكيمي رغم انها تحدد حالات استئناف اوامر الصيغة التنفيذية لقرارات التحكيمية الصادرة خارج فرنسا، أو تلغي القرارات الصادرة في فرنسا في مادة التحكيم الدولي، وبالتالي لا يسبب بطلان القرار الصادر في مادة التحكيم الدولي: غياب التعليل في القرار، وغياب ذکر اسم المحكمين وتاريخ القرار، واخيرا غیاب توقيع المحكمين، وما يؤديه كل ذلك إلى بطلان القرار التحكيمي بموجب القانون الداخلي.
ولكن المادة 1502 من قانون المرافعات المدنية الجديد، تمكن من استئناف قرارات اعطاء الصيغة التنفيذية للقرارات التحكيمية الصادرة خارج فرنسا، أو ابطال القرارات الصادرة في فرنسا، في مادة التحكيم الدولي وذلك:
1- اذا كان المحكم قد أصدر قراره التحكيمي بموجب اتفاقية انقضت مدتها ، الأمر الذي يدفع إلى اعتبار أن القرار التحكيمي يقتضي أن يتضمن التاريخ الذي صدر فيه، وذلك بهدف التأكد من أن المحكمين احترموا المهل.
2- اذا أصدر المحكم قراره دون التقيد بحدود المهمة التي عهد بها اليه الفرقاء. فاذا كان هؤلاء قد عهدوا الى المحكم مهمة اصدار حكمه ضمن شكليات معينة، أو وفقاً لقانون مرافعات مدنية عائد الى بلد ما، فأن امتناع المحكمين عن احترام ارادة الفرقاء، يمكن أن يكون سبباً من اسباب البطلان او الاستئناف.
لذلك، فإن ارادة الفرقاء في النزاع، هي التي ترسم حدود مهمة المحكمة، فيما يتعلق بالشكل الذي يقتضي أن يتخذه القرار التحكيمي. وهؤلاء الفرقاء أنفسهم هم الذين يقررون ما اذا كان يقتضي أن يكون القرار التحكيمي معللاً او دون تعليل، وما اذا كان يقتضي أن يتضمن تاريخ او لا يتضمن، وما اذا كان يقتضي ذكر الوقائع ام لا.
واذا كان الأمر يتعلق اكثر ما يتعلق بتعليل القرارات التحكيمية، فإن محكمة التمييز سبق أن ذهبت الى ما يلي:
"اذا كان الأمر يتعلق بتحكيم دولي، يرعى اجراءاته التحكيمية قانون اجنبي، فان محكمة الاستئناف قد قررت ان الافتقار إلى الأسباب التعليلية، ليس في حد ذاته مخالفاً للنظام العام بالمفهوم المعتمد في قانون التحكيم الدولي الفرنسي، طالما أن اغفال التعليل في القرار التحكيمي لا يخفي حلاً في الأساس غير متوافق مع النظام العام، او نیلاً من حقوق الدفاع".
اذا اعتمد هذا الاجتهاد على أن القرارات التحكيمية في التحكيم الدولي، غير واجبة التعليل. وان قانون 1981 المتعلق بالتحكيم الدولي، لم يعدل هذا الموقف، الا اذا كان الفرقاء قد عمدوا بصورة مباشرة أو غير مباشرة، إلى اعتماد أن يكون القرار التحكيمي معللاً. هكذا تكون الحال عندما يشار الى تطبيق اجراءات المحاكمة الفرنسية التي تفرض هذا التعليل.
ويمكن الملاحظة أن الامتناع عن التعليل، هو في طريق الزوال في مادة التحكيم الدولي. ففي انكلترا نفسها، وبسبب المصاعب التي يلاقيها تنفيذ القرارات التحكيمية غير المعللة في المجال الدولي، فان قانون 1979 التحكيمي قد خطا خطوة كبيرة في هذا الاتجاه. اذ نص على أن الفرقاء او المحكمة العليا يمكنهم أن يطلبوا من المحكمين، أن يعللوا قراراتهم التحكيمية.
وأخيراً، وفيما يتعلق بمبدأ سرية المذاكرات، أو بمبدأ الأغلبية، فان قانون التحكيم يربط القواعد التي يجب أن تتقيد بها القرارات التحكيمية بارادة الفرقاء، سواء عبروا عنها بصورة مباشرة أو غير مباشرة. وفي الحالة التي لا يكون فيها مثل هذا التعبير، فان للمحكمين أن يضعوا بحرية اجراءات المحاكمة، على أن يكونوا ملزمين في مطلق الأحوال، بالتقيد بالنظام العام الدولي.
هل يقتضي أن تكون المذاكرات سرية؟ اذا لم يبد الفرقاء موقفهم في هذا الصدد، سواء بصورة مباشرة أو غير مباشرة، فان المسألة لا تكون معلقة الا على ما يجيزه النظام العام الدولي وما يمنعه، أو بالرأي الذي يكونه المحكم، ومن ثم الرأي الذي يكونه القاضي الفرنسي. لأن لهذا الأخير صلاحية الغاء القرار التحكيمي الذي يناقض النظام العام.
2- القواعد المطبقة على الاساس
ينتج من قانون التحكيم الدولي الجديد، أن المحكم يعمد إلى فصل النزاع وفق قواعد القانون الذي يختاره الفرقاء. وفي حال الافتقار إلى هذا الخيار، فبموجب القواعد التي يراها مناسبة. وهو يأخذ بعين الاعتبار كل الأعراف التجارية ".
يصدر المحكم قراراته التحكيمية كمحكم بالصلح، اذا كانت الاتفاقية التحكيمية قد عهدت اليه بهذه المهمة".
المبدأ اذاً أن يكون حكم المحكم وفقاً للقانون، والاستثناء يجب أن يعبر عنه الفرقاء بارادة واضحة، في أن يكون التحكيم بالصلح.
وقد نصت المادتان 1496 و 1497 على اربع قواعد:
- توسع في سلطان ارادة الفرقاء، في اختيار القانون الذي يجب أن يطبق لحسم النزاع.
- توسع في استقلالية المحكمين وحريتهم.
- الزام باحترام الأعراف التجارية.
- توسع في صلاحيات المحكم بالصلح.
أ- سلطان ارادة الفرقاء في اختيار القانون المطبق على اساس النزاع
لا تمكن المادة 1496 من اختيار هذا القانون او ذاك فحسب، بل اختيار "قواعد قانونية"، ما يعني أن الفرقاء احرار في تحديد مزيج قانوني، والتخلص من اية قاعدة الزامية، لجميع التشريعات ذات العلاقة، باستثناء القواعد الفرنسية المتعلقة بالنظام العام الدولي، التي يلجأ إليها احد الفرقاء عندما يطلب تنفيذ القرار التحكيمي .
ب- استقلالية المحكمين وحريتهم
المحكمون غير ملزمين بتطبيق نصوص القانون، الذي يقتضي تطبيقه لأنه القانون الملائم، بل لهم الحرية نفسها التي يتمتع بها الفرقاء، في اختيارهم للقواعد القانونية التي يرون أنها ملائمة، والتي تتناسب بشكل افضل مع التوقعات المشروعة للفرقاء.
ج- موجب احترام الاعراف التجارية
وفقاً لتفكير المشترع، فان الاعراف تحل في التجارة الدولية، محل القانون الذي يقتضي تطبيقه . ويقتضي بالمحكم، في كل الاحوال ان يأخذها في الاعتبار.
د - التحكيم بالصلح
عمد قانون التحكيم الفرنسي الدولي، على غرار قانون التحكيم الداخلي، الى ترك امكانية لجوء الفرقاء الى التحكيم بالصلح، ولكنه ذهب في هذا النطاق ابعد بكثير من قوانين التحكيم، التي قیدت حرية الاختيار بالقانون المطبق على التحكيم اذ قيدت اللجوء الى التحكيم بالصلح بأن يكون مجازاً في القانون المطبق على التحكيم، فاذا كان القانون الانكليزي هو المطبق فلا يجوز اللجوء الى التحكيم بالصلح ويجب ان يكون التحكيم بالقانون.
وعلى العكس من ذلك فان القانون الفرنسي لم يأخذ في الاعتبار، القانون المطبق على التحكيم، مقراً بحق اللجوء الى التحكيم بالصلح، حتى ولو كان ذلك القانون المطبق لا يجيزه.
وكذلك عمد قانون التحكيم الدولي الى ربط امكانية الاختيار هذه، بوقت معين أو بمرحلة معينة من مراحل النزاع، وفقاً لما ذهب اليه القانون البلجيكي؟ الذي لا يعتبر التحكيم بالصلح سارياً وصحيحاً، الا اذا اعتمده الفرقاء في مرحلة لاحقة لنشوء النزاع، وليس في مرحلة سابقة من خلال شرط تحكيمي.
وليس المحكم بالصلح مجبراً على اصدار قراراته وفقاً لقواعد القانون، وذلك يتضمن بناء على المادة 1496 من قانون المرافعات المدنية الجديد، ليس قوانين الدولة فحسب، بل ايضاً الاعراف التجارية. وتفيد ايضاً احكام المادة 1502 من قانون المرافعات المدنية، أن المحكم، في التحكيم بالصلح، ليس مجبراً على تطبيق قواعد النظام العام، لأن خرق احكام النظام العام الدولي وحدها، هو الذي يؤدي الى الغاء القرار التحكيمي .
3- قوة القضية المقضية- تفسير الأحكام - تصحيح الأخطاء
انطلاقاً من أن المادة 1500 من قانون المرافعات المدنية الجديد اعلنت تطبيقها مضمون المادة 1476، يستنتج من ذلك أن القرارات التحكيمية الصادرة في مادة التحكيم الدولي أو في الخارج، مؤهلة لأن تستفيد من قوة القضية المقضية بحكم القانون.
وبالنسبة إلى القرارات التحكيمية الصادرة في فرنسا، فانها تكتسب قوة القضية المقضية بمجرد صدورها. أما القرارات التحكيمية الصادرة في الخارج، والتي لا يمكن أن نعرف مسبقاً انها ستلجأ إلى القانون الفرنسي، فان اكتسابها قوة القضية المقضية لا يتم الا عند حصولها على الصيغة التنفيذية.
وفي مادة التحكيم الداخلي، فإن القانون يعطي المحكم، سلطة تفسير القرار التحكيمي، وتصحيح الأخطاء التي تشوبها. ولكن قانون التحكيم الدولي لا يشير الى هذا النص، ولا يمكن ان تطبق أحكام قانون التحكيم الداخلي على التحكيم الدولي. يستتبع ذلك انه اذا رفعت يد المحكم عن النزاع المعروض على التحكيم الدولي، فان سلطة تفسير القرار التحكيمي، او تصحيح اخطائه، تصبح تابعة لقانون اجراءات المحاكمة الذي طبق على التحكيم. ولكن، من المؤكد أنه عندما وضع قانون التحكيم الفرنسي الدولي القواعد الالزامية المستقاة من قانون التحكيم الداخلي، قواعد ذات ارتباط بالقضية المقضية، والصيغة التنفيذية، وتعليل القرار التحكيمي وتنفيذه المؤقت، فانه لم يدخل ضمنها تلك المتعلقة بالسلطة المعطاة للمحكم، بتفسير القرار التحكيمي وتصحيح اخطائه. فهل يعني ذلك أن المشترع لم يعترف للمحكم بهذه الصلاحية في مادة التحكيم الدولي؟ أو هل يقتضي الحاق هذه الصلاحية، بالحريات الواسعة الممنوحة للمحكم؟
ثانياً: في القانون الجديد
1- انواع الاحكام التحكيمية
فريق قانون التحكيم الجديد بين الحكم النهائي والحكم الجزئي والحكم التحضيري وجعل هذه الأحكام قابلة للتنفيذ بأمر يصدره رئيس المحكمة التي صدر في دائرة اختصاصها ويودع الطرف الذي يهمه التعجيل اصل هذا الحكم في امانة ضبط المحكمة .
أما التدابير المؤقتة والتحفظية فقد تركها القانون الداخلي الجديد الاختصاص القضاء.
اما قانون التحكيم الدولي الجديد فقد أجاز للمحكمة التحكيمية أن تأمر بتدابیر مؤقتة أو تحفظية الا اذا اختار سلطان الارادة غير ذلك واعترف القانون الدولي الجديد بالحكم الأولي ، وترك لسلطان الارادة أن يقرر في هذا الأمر، فيكون الحكم الجزئي، ومن باب أولى الحكم الأولي، والحكم التحضيري، احكاماً مجازة في التحكيم الدولي اذا طبق قانون التحكيم الجزائري، الا اذا اختار سلطان الارادة غير ذلك وحصر الفصل في النزاع بالحكم النهائي وحده.
2- الحكم بالصلح والحكم بالقانون
الملاحظ أن قانوني التحكيم الداخلي والدولي تجاهلا التحكيم بالصلح وحصرا التحكيم بالتحكيم بالقانون. ولكن قانون التحكيم الدولي ترك لسلطان الارادة حرية اختيار الاجراءات الواجب اتباعها في الخصومة والا فإن المحكمين يحددون الإجراءات.
لم يمنع قانون التحكيم الدولي أن يحيل سلطان الارادة أو ضبط المحكمين للاجراءات، وليس ما يمنع في القانون الجديد الإحالة على تحكيم بالصلح، ويكون التحكيم بالصلح والعدل والإنصاف نابعة من سلطان الارادة والحرية المتاحة لسلطان الارادة في اختيار اجراءات المحاكمة التي فيها تحكيم بالصلح أو ضبط المحكمين لنظام تحكيمي يكون فيه تحكيم بالصلح والعدل والإنصاف. واذا كان التحكيم بالصلح فيجب أن يراعي الحكم كل قواعد التحكيم بالصلح ولا يشذ عن القواعد الأساسية للدعوى من حيث الوجاهية وحق الدفاع والمساواة بين الطرفين.
3- تسبيب الحكم
القانون الجديد صريح بإلزام الحكم التحكيمي بالتسبيب وفي التحكيم الدولي يعتبرعدم التسبيب سبباً لإبطال الحكم التحكيمي فيكون قانون التحكيم الجزائري الدولي قد تبنى لزوم التسبيب خلافاً للقانون التحكيمي الفرنسي الدولي الذي لم يفرض هذا الشرط حتى لا يصطدم بالنظام التحكيمي الانكليزي الذي يجيز الأحكام بدون تسبيب.
4- البيانات الالزامية في الحكم
الزم قانون التحكيم الداخلي الجديد بأن يتضمن حكم التحكيم البيانات الآتية :
1- اسم ولقب المحكم او المحكمين.
2- تاريخ صدور الحكم.
3- مكان اصداره.
4- اسماء والنقاب الاطراف وموطن كل منهم وتسمية الهيئات المعنوية ومقرها الاجتماعي. 5- اسماء و القاب المحامين او من مثل الأطراف عند الاقتضاء او ساعدهم.
لذلك يجب أن تتضمن أحكام المحكمين عرضا موجزة لادعاءات الاطراف واوجه دفاعهم.
وكذلك يجب أن يوقع الأحكام كل المحكمين الآ المخالفين، فيشار الى ذلك.
ترك قانون التحكيم الدولي لسلطان الارادة أن يحدد البيانات الالزامية في الحكم التحكيمي بالاحالة على نظام تحكيمي او قانون تحكيمي. وفي كل الأحوال فلا يتصور حكم تحكيمي دولي يأخذه طرفيه الى التنفيذ:
1- اذا لم يتضمن أسم المحكم أو المحكمين لمراقبة استقلاليتهم وحيادهم.
2- تاريخ صدور الحكم والا فكيف يعرف اذا كان الحكم قد صدر ضمن مهلة التحكيم ام لا ؟
3- مكان اصداره لأنه اذا لم يبين مكان اصداره، فكيف ستعرف المحاكم المختصة للمراجعة لديها في طلب أبطاله مثلاً؟
4- اسماء اطراف النزاع و عناوينهم.
5- اسماء المحامين.
وبالطبع يجب أن يكون الحكم التحكيمي الدولي موقعاً. فهذه البيانات الالزامية هي اسس عضوية ينهض على متنها الحكم التحكيمي واية كان الخيار الذي مارسه سلطان الارادة فلا يمكنه أن ينفك عن هذه البيانات الالزامية لأن غيابها يفقد الحكم فعاليته.
5- الاكثرية ام الاجماع
قانون التحكيم الداخلي الجديد نص صراحة على أن الأحكام التحكيمية تصدر بأغلبية الأصوات ويوقعها المحكمون، وفي حال امتناع الأقلية عن التوقيع، يشير بقية المحكمين الى ذلك ويرتب الحكم اثره باعتباره موقعاً من جميع المحكمين .
اما في التحكيم الدولي فقد كان القانون السابق يشترط توقيع اكثرية المحكمين على الحكم، الا أن القانون الجديد لم يتعرض لا للأكثرية ولا للاجماع ولا للتوقيع وترك لسلطان الارادة أن يعبر عن خياره فيكون سلطان الارادة هو الذي سيحدد في كل تحكيم هل الأكثرية مطلوبة ام الاجماع؟
6- تصحيح الحكم
في قانون التحكيم الداخلي الجديد ترتفع يد المحكم عن النزاع بمجرد أصدار الحكم الذي يفصل في النزاع، غير انه يمكن للمحكم تفسير الحكم او تصحيح الأخطاء المادية أو الاغفالات التي تشوبه.
فاذا كان طلب التصحيح او التفسير واردة ضمن مهلة التحكيم فان الطرف طالب التصحيح او التفسير يتوجه الى المحكم. أما اذا كانت مهلة التحكيم قد انقضت ولم يتوافق مع الطرف الآخر
على التمديد فيتوجه الى القضاء ليطلب منه تحديد المهلة فاذا رد طلب التمديد ينظر القضاء في أمر التفسير او التصحيح ويبته.
اما في التحكيم الدولي فان الحكم الذي يحتاج إلى تفسير او تصحيح، اذا كان صادراً في الجزائر، يتبع الطريق الذي يتبعه الحكم التحكيمي الداخلي، أما اذا صدر في الخارج او استناداً الى نظام او قانون غير القانون الجزائري، فان هذا النظام أو هذا القانون يحدد طريقة تصحيح الأحكام التحكيمية وتفسيرها.
7- قوة القضية المقضية
في التحكيم الداخلي تحوز احكام التحكيم، وفقاً للقانون الجديد، حجية الشيء المقضي فيه بمجرد صدورها في ما خص النزاع المفصول فيها.
اما قانون التحكيم الدولي السابق فكان ينص على الاعتراف للحكم التحكيمي "فور صدوره حجية الشيء المقضي فيه المتعلق بالنزاع الذي فصل فيه.
ولكن القانون الجديد للتحكيم الدولي خلا من ذكر هذا التأكيد لحجية الشيء المقضي فيه وربما اعتمد على سلطان الارادة لملء هذا الفراغ في اختيار قانون تحكيم او نظام تحكيم. ولكن، ماذا لو اختار التحكيم تطبيق القانون الجزائري او جرى التحكيم في الجزائر، هل يعتبر الحكم التحكيمي الصادر على هذا الأساس متكسياً حجية الشيء المقضي به؟ ربما كانت العودة إلى القواعد المطبقة أمام القضاء والتي تعطي الحكم القضائي حجية الشيء المقضي به لتسعف الفراغ، اذا لم يكن سلطان الارادة قد مارس خيارا واعتمد ما يملأ هذا الفراغ.
المبحث الخامس: تنفيذ الحكم التحكيمي
اولاً- في القانون الفرنسي
فقرة اولى: في التحكيم الداخلي
للتمكن من تنفيذ القرار التحكيمي، يقتضي اكسابه الصيغة التنفيذية، ممنوحة اليه من السلطات القضائية المختصة التابعة للدولة. ولهذا الغرض، يقتضي ايداع أصل القرار التحكيمي لدى قلم المحكمة البدائية، التي صدر القرار في نطاقها. ويجري الايداع أحد المحكمين، أو الفريق الأكثر عجلة، ويقتضي أن يرفق به نسخة عن الاتفاقية التحكيمية.
يهدف المشترع من ايداع القرار وفقاً لما ذكر (دون أن يحدد لذلك مهلة معينة) الى تحقيق غايتين:
- اعطاء تاريخ صحيح للقرار التحكيمي.
- رفع يد المحكمين عملية عن القضية التحكيمية.
مع الملاحظة أن عدة تشريعات في أكثر من بلد، فرضت كيفيات أخرى للتنفيذ، تؤدي إلى النتيجة نفسها. وهكذا، فان المشترع الايطالي مثلاً، يفرض مصادقة القاض على القرار التحكيمي، ويعتبر أن التاريخ الذي يعتد به، هو تاريخ هذه المصادقة، دون أن يكون القرار قبل ذلك الا مجرد مشروع. والمشترع الاسباني يفرض المصادقة على القرار التحكيمي لدى الكاتب العدل . اما المشترع الألماني فقد اعتمد الكيفية نفسها التي اعتمدها المشترع الفرنسي، اذ أنه فرض ايداع القرار التحكيمي في قلم المحكمة، وعند هذا الايداع فقط، يصبح مشروع القرار التحكيمي قراراً. أن الاجراءات المذكورة هي رجائية، ويكون القاضي الذي قدم اليه طلب التنفيذ، امام احتمالين:
أ- اما منح الصيغة التنفيذية.
ب- او رفضها.
1- الوضعية الاولى: منح الصيغة التنفيذية
القرار الذي يمنح القرار التحكيمي صيغته التنفيذية، لا يكون معللاً. وتتحقق الصيغة التنفيذية بالختم والتوقيع الحاصل على وثيقة القرار ، وهو غير قابل لأية وسيلة من وسائل المراجعة. وهكذا فان القانون تضمن جديد، متمثلاً في انه يميز بين قرار القاضي بمنح الصيغة التنفيذية، الذي لا يكون خاضعة لأية وسيلة من وسائل المراجعة، وبين القرار التحكيمي الذي تمكن المراجعة القضائية في شأنه، عن طريق طلب الأبطال، او عن طريق الاستئناف في الحالات التي يتفق فيها الفرقاء على أن القرار التحكيمي يمكن استئنافه. وبعدما قرر المشترع أن القرار الذي تعطى الصيغة التنفيذية بموجبه، غير قابل لأية طريقة من طرق المراجعة، أضاف: "على كل، فان الاستئناف، أو طلب الأبطال يحتوي حكماً، وفي حدود تسلم المحكمة القضية، على مراجعة قرار قاضي التنفيذ، أو طلبا برفع يده عن القضية".
وفي كل الأحوال، فإن القرار الذي يمنح التنفيذ لا يكون سارياً، الا بعد شهر من تاريخ ابلاغه، وهي مهلة يتمكن فيها الفريق الآخر من الطعن في القرار من خلال طلب أبطاله، أو من خلال تقديم استئناف، في الحالة التي يكون فيها الفرقاء قد اتفقوا على أن القرار التحكيمي يمكن استئنافه. وبالطبع، فان المراجعة توقف تنفيذ هذا القرار.
2- الوضعية الثانية: رفض منح الصيغة التنفيذية
لا يمكن للقاضي رفض منح الصيغة التنفيذية، الا اذا كان القرار التحكيمي مخالفاً للنظام العام بصورة واضحة وظاهرة، دون أن يكون للقاضي الحق في مراجعة القضية مجدداً، والتصدي لأساس النزاع، الأمر الذي يتطلب في حال حصوله محاكمة وجاهية.
وفي الحالة التي يرفض فيها القاضي منح الصيغة التنفيذية لقرار التحكيمي، يقتضي أن يكون قراره بالرفض معللاً، ومثل هذا القرار الرافض قابل لطرق المراجعة عكس القرار الذي يمنح الصيغة التنفيذية.
أن المهلة الممنوحة لاستئناف قرار الرفض هي شهر، اعتباراً من تاريخ ابلاغه، وتتم الاجراءات الاستئنافية لدى محكمة الاستئناف وجاهياً.
آن رد الاستئناف او رد طلب الأبطال، يمنح القرار التحكيمي الصيغة التنفيذية.
3- التنفيذ المؤقت للقرار التحكيمي
في الحالات الطارئة، أو في أية حالة تتطلب السرعة، يمكن للمحكم اعطاء القرار صيغة التنفيذ المؤقت، وغالبا مقابل كفالة.
"أن القواعد المتعلقة بتنفيذ الأحكام المؤقتة تسري على القرارات التحكيمية".
"في حالة الاستئناف او طلب الأبطال، يمكن للرئيس الأول، أو للقاضي المولج بالامر التنفيذي، منح الصيغة التنفيذية للقرار التحكيمي، متلازمة مع التنفيذ المؤقت. ويمكنه كذلك، الأمر بالتنفيذ المؤقت ضمن الشروط المحددة في المادتين 525 و 526. وأن قراره في هذا الصدد يساوي الصيغة التنفيذية".
فقرة ثانية: في التحكيم الدولي
عالج قانون التحكيم الدولي، على المستوى نفسه، موضوع الاعتراف بالقرارات التحكيمية الصادرة في الخارج، او في مادة التحكيم الدولي، وتنفيذها اجبارية، ووسائل المراجعة فيها.
وهكذا، أوجد قانون التحكيم الدولي وضعا جديدا رغم مصادقة فرنسا على اتفاقية نيويورك، فقد كان القانون الفرنسي السابق صامتاً عن امكانية القاضي للاعتراف بقرار تحكيمي ما، دون أن يعمد الى منحه الصيغة التنفيذية
ويتميز الاعتراف بالقرار التحكيمي، عن منحه الصيغة التنفيذية بأن القرار في شأنه ينحصر في مراقبة قانونية القرار التحكيمي و الاعتراف به بقوة القضية المقضية، دون أن يعمد القاضي الى منحه الصيغة التنفيذية. وفي الغالب، فان الاعتراف بالقرار يكون "عارضاً، وذلك ناشئ عن أن طلب الاعتراف يأتي عارضاً في طلب رئيسي آخر، لهذا يكون دوره محدوداً .
ومن جهة أخرى، فأن اجراءات المحاكمة الهادفة للاعتراف بقرار تحكيمي او تنفيذه، والمحددة في المواد 1498 الى 1500 من قانون المرافعات المدنية، هي معتمدة سواء بالنسبة إلى القرارات التحكيمية الصادرة في الخارج - في مادة التحكيم الدولي أو غيرها - او الصادرة في فرنسا أو في الخارج. ولكن وفقاً لما يذهب اليه بعض المؤلفين القانونيين فان التطابق ليس كاملاً وهو يتوقف امام موضوع وسائل المراجعة .
وفي هذا الصدد يمكن الاشارة الى "ابتعاد قانوني" delocalisation juridique، في القرارات التحكيمية الصادرة في مادة التحكيم الدولي، بمعنى أنه لا ينظر اليها على أنها اعمال مرتبطة بنظام قانوني معين، بل على أنها اعمال خاصة.
- فمن جهة، القرارات التحكيمية الصادرة في مادة التحكيم الدولي في فرنسا، لا يمكن اعتبارها بمثابة حكم فرنسي وهي غير خاضعة للاستئناف، ولا يمكن الا اللجوء للمطالبة بإبطالها، الأمر الذي يقربها من العقود.
- ومن جهة ثانية، إن القرارات التحكيمية الصادرة في الخارج، ليست بمثابة حكم اجنبي يقتضي أن يتحقق قاضي التنفيذ من كونها صحيحة، وقابلة للتنفيذ في البلد الذي صدرت فيه، بل هي بمثابة عمل خاص يقدره القاضي التنفيذي بكثير من الحرية.
وهكذا، فإن رقابة قاضي التنفيذ، هي نفسها على القرارات التحكيمية الصادرة في الخارج أو تلك الصادرة بمادة التحكيم الدولي في فرنسا.
1- الاجراءات
أن منح الصيغة التنفيذية للقرار التحكيمي الدولي، يخضع لاجراءات المحاكمة التي يخضع لها القرار التحكيمي الداخلي، بناء على المادة 1500 من قانون المرافعات المدنية الجديد، الذي يعتبر احكام المادتين 1476 و 1479 المتعلقتين بالتحكيم الداخلي، قابلتين للتطبيق.
- أن للقرار التحكيمي منذ صدوره، قوة القضية المقضية في صدد النزاع الذي فصل فيه.
- أن القرار التحكيمي ليس قابلاً للتنفيذ الجبري، الا بموجب قرار منحه صيغة تنفيذية صادرة عن المحكمة البدائية التي صدر القرار في نطاقها. وان قاضي التنفيذ هو الذي يصدر قرار منح الصيغة التنفيذية.
واذا كان القرار صدر خارج فرنسا، فان القاضي المختص مكانياً هو القاضي الذي يقع التنفيذ في نطاق صلاحيته.
- تدرج الصيغة التنفيذية على الوثيقة الاصلية للقرار التحكيمي المطلوب تنفيذه.
- أن القرار الذي يرفض اعطاء الصيغة التنفيذية، يقتضي أن يكون معللاً.
- أن القواعد المتعلقة بالتنفيذ المؤقت للأحكام القضائية، تطبق على القرارات التحكيمية.
2- الشروط
"تعترف فرنسا بالقرارات التحكيمية، اذا تم اثباتها من قبل الجهة التي تستفيد منها، واذا كان الاقرار بها لا يخالف النظام الدولي العام مخالفة صريحة، ويتم اعتبار تلك القرارات قابلة للتنفيذ من قبل قاضي التنفيذ".
من ذلك يظهر ان هناك شرطين للاعتراف بالقرار التحكيمي واعطائه الصيغة التنفيذية:
أ) شرط مادي:
يقتضي اثبات وجود القرار التحكيمي، من قبل الجهة التي تستفيد منه، وهذا الوجود يتمثل
تقديم أصل القراء ، مرفقا بالاتفاقية التحكيمية,
واذا كانت هذه المستندات غير محررة باللغة الفرنسية، يقتضي أن ترفق بترجمة لها، من قبل مترجم محلف مسجل على لائحة المترجمين المحققين
ب) شرط قانوني:
يقتضي الا يكون الاعتراف أو تنفيذ القرار التحكيمي، مخالفاً للنظام الدولي العام بصورة واضحة.
وما يميز قانون التحكيم الدولي عن قانون التحكيم الداخلي في هذا الشأن، ان التحكيم الدولي يقلص هذا التفحص إلى حده الأدنى، وكل ما هو مطلوب من القاضي عند نظره في القرار التحكيمي، هو التحقق مما إذا كان يحتوي على خرق واضح وفاضح للنظام الدولي العام، دون ان يكون له الحق في العرس في ما يتعدى ذلك.
وهكذا فان القانون الفرنسي يذهب إلى أبعد مما ذهبت اليه اتفاقية نيويورك، لأن القاضي الفرنسي المونج بالنظر في القرار التحكيمي، بهدف منحه الصيغة التنفيذية، ليس مسموحاً له رفض منح هذه الصبغة، الا في الحالة التي يتضمن فيها القرار خرقاً واضحاً للنظام الدولي العام.
وفي كل حال، ووفقاً لبعض الكتاب الحقوقيين، فإن النظر في هذا الحرق الواضح لا يكفي في كل الحالات، ويقتضي الإقرار بأنه في حال افتراض طلب طاري للاعتراف بالقرار التحكيمي، خلال المحاكمة الوجاهية، فإن المحكمة الصلاحية للنظر في جميع الدفوع المقدمة من في الفريق المعترض على ذلك، والتي يتم قبولها بموجب المادة 1502".
ثانياً: في القانون الجديد
فى تنفيذ الحكم التحكيمي الدولي، تبني القانون الجديد القواعد نفسها التحكيم الداخلي كما للتحكيم الدولي . وهكذا:
1- يكون حكم التحكيم، النهائي أو الجزئي أو التحصيري، قابلاً للتنفيذ بأمر رئیس المحكمة التي صدر دائرة اختصاصها، ويودع الطرف الذي يهمه التعجيل أصل الحكم في أمانة ضبط المحكمة؟
2- يمكن للخصوم استئناف الأمر القاضي برفض التنفيذ خلال خمسة عشر يوماً من تاريخ صدور قرار الرفض .
3- يسلم رئيس أمناء الضبط نسخة رسمية مشهورة بالصيغة التنفيذية من حكم التحكيم لمن يطلبها من الأطراف .
4- تطبق القواعد المتعلقة بالنفاذ المعجل للأحكام على أحكام التحكيم المشمولة بالنفاذ المعجل .
5- لا يحتج بأحكام التحكيم تجاه الغير .
.
والملاحظ له ان احال قانون التحكيم الدولي الجزائري الجديد على قانون التحكيم الداخلي في تنفيذ الأحكام التحكيمية الأجنبية، إلا أن هذا الموضوع يبقى عائداً الى اتفاقية نيويورك لتنفيذ الأحكام التحكيمية الأجنبية التي تعلو على القوانين لأن الجزائر انضمت اليها، لهذا فان تنفيذ أحكام اتفاقية نيويورك لتنفيذ الأحكام التحكيمية الأجنبية هي التي ترعى تنفيذ الأحكام التحكيمية الأجنبية، فماذا في اتفاقية نيويورك ؟
تتميز التفاقية نيويورك بالخصائص الأساسية الآتية:
أ- رغم أن عنوان الاتفاقية هو «الاعتراف بأحكام التحكيم الأجنبية، وتنفيذها، إلا ان الحقل الذي عالجته كان أكبر بكثير من هذا العنوان.
ب- الاتفاقية تطبق على «أحكام المحكمين التي لا تعتبر وطنية في المطلوب اليها ذلك». وهكذا أصبح في الامكان ان يجري تحكيم أجلي على أرض البلد ذاته ويصدر بنتيجته حكم تحكيمي اجنبي ويطلب من القضاء الوطني لهذا البند اعطاء صيغة التنفيذ لهذا الحكم، فصار في الامكان مثلاً أن يجري في مصر تحكيم مصري داخلي تطبق عليه المحاكم قواعد نظام التحكيم الداخلي المصري، وتحكيم دولي أو أجنبي تطبق عليه المحاكم قواعد القافية نيويورك للتعيد الأحكام التحكيمية الأجنبية.
ج- تضمنت اتفاقية نيويورك اول شهادة اعتراف رسمية بمراكز التحكيم الدولية، اذ نصت على انه يقصد بأحكام المحكمين ليس الأحكام الصادرة عن محكمين معينين للفصل في حالات محددة فحسب، بل أيضاً الأحكام الصادرة عن هيئات دائمة يحتكم اليها الأطراف.
د- يمكن ان ينحصر تطبيق الاتفاقية بالدولة المنضمة «بالتجارة»، وفقاً لمفهوم قوانين هذه الدولة للتجارة.
هـ- فرقت الاتفاقية بين الشرط التحكيمي والاتفاق التحكيمي اللاحق للنزاع، واعتبرتهما شكلين مشروعين للعقد التحكيمي، ونصت على ان العقد التحكيمي ينزع اختصاص محاكم الدولة مكرسة بذلك أثار العقد التحكيمي في اتفاقية دولية.
والثورة التي حققتها اتفاقية نيويورك، التي بينتها منظمة الأمم المتحدة سنة 1958، قلبت عبء الاثبات بالنسبة إلى الحكم التحكيمي الدولي أو الأجنبي، مقارنة بالتفاقية جنيف للتحكيم الدولي الموضوعة لسنة 1927 التي تنتها عصبة الأمم المتحدة وكانت سائدة قبلها.
يكفي من أجل ذلك القاء الضوء على كل من الوجهة الايجابية والوجهة السلبية لتنفيذ الحكم التحكيمي الدولي في اتفاقية جنيف، ثم مقارنة ذلك باتفاقية نيويورك.
كيف كان الوضع في اتفاقية جنيف 1927؟
1- الوجهة الإيجابية في تنفيذ الحكم التحكيمي الدولي تلفي على عاتق طالب التنفيذ.
اثبات:
أ- أن الحكم التحكيمي الدولي صادر بنتيجة عقد تحكيمي صحيح، ووفقاً للقانون المطبق
(شرطاً تحكيمياً كان أو اتفاقاً لاحقاً للنزاع).
ب- ان موضوع النزاع الذي يحسمه الحكم التحكيمي الدولي بمقتضى قانون البنك المطلوب تنفيذه فيه هو من المواضيع القابلة للتحكيم.
ج- إن الحكم التحكيمي صادر عن محكمة تشكلت وفقاً لقانون ارادة الطرفين التي يجب ان تكون هي القانون المطبق على العقد، أو أن المحكمة التحكيمية تشكلت وفقاً لقانون ارادة الطرفين التي يمكن الا تكون حتماً هي القانون المطبق على العقد.
د - أن الحكم التحكيمي الدولي أصبح نهائياً وغير قابل للمراجعة في البلد الذي صدر فيه.
هـ- ان تنفيذ الحكم التحكيمي الدولي ليس مخالفاً للنظام العام للبلد المطلوب تنفيذه فيه.
2- الوجهة السلبية، تحيز رد طلب تنفيذ الحكم التحكيمي الدولي إذا وجد قاضي التنفيذ:
أ- أن الحكم التحكيمي الدولي بطل في البلد الذي صدر فيه.
ب ان في الحكم مساساً بحق الدفاع.
ج- إذا لم يكن الحكم داخلاً في حقل العقد التحكيمي، أو أنه تجاوزه، أو انه لم يحسم كل
نقاط النزاع التي يحيلها العقد التحكيمي على التحكيم.
وهكذا تلاحظ ان الوجهة السلبية لا تثير اعتراضات، باعتبارها تتعلق بعيوب خطيرة تفضي بالتأكيد إلى تجريد الحكم من قوته، بينما الوجهة الإيجابية تعرف كثيراً سير تنقية الحكم التحكيمي الدولي لأنها تلزمه بـ :
أ- اثبات الوجود المادي للعقد التحكيمي وانطباقه على القانون الاجنبي المطبق عليه.
ب - صحة اجراءات التحكيم التي يجب تنفيذها تطبيقا للقانون ذاته.
ج- اثبات البرام مهل المراجعة أو عدم قابلية الحكم التحكيمي للمراجعة، الأمر الذي يلزم طالب التنفيذ بالاستحصال على صيغة تنفيذ في البلد الصادر فيه الحكم التحكيمي.
الثورة التي حققتها اتفاقية نيويورك سنة 1958 اتها قلبت علبة الأثبات، جاعلة من الحكم التحكيمي مع في يد الفريق الذي يحوزه سنداً ثابتاً يعتد به. من هنا فإن مجرد تقديم الحكم التحكيمي مع العقد التحكيمي يشكل اثباتاً على وجود حكم «الزامي»، وينقل بعد ذلك عبء الاثبات المعاكس الي المطلوب التنفيذ ضده، ولا يعود القاضي ملزماً باثارة ذلك من تلقاء نفسه، فصار الحكم التحكيمي مقبولاً حتى ثبوت العكس. وعبء هذا الاثبات هو على الطرف الجاري التنفيذ ضده و الذي يجنب، ليوقف تنفيذ الحكم، أن يأتي بالدليل على اثبات:
أ- أن أطراف العقد التحكيمي كانوا طبقاً للقانون الذي يطبق عليهم عديمي الأهلية مثلاً، أو كان العقد التحكيمي غير صحيح وفقا للقانون الذي أخصه له الأطراف, وعند عدم نفس القانون على ذلك فطبقاً لقانون البلد الذي صدر فيه الحكم، مما يعزز الرجعية سلطان الأرادة على القوانين الداخلية. وهذا مكسب أخر تحققه اتفاقية نيويورك، وهو خطوة ثورية في القانون الدولي للتحكيم.
ب- حرق حقوق الدفاع على المطلوب التنفيذ ضده أن يثبت حرف حق الدفاع.
ج- على المطلوب التنفيذ ضده أن يثبت أن الحكم فصل في نزاع غير وارد في العقد التحكيمي أو تجاوز حدوده في ما قضى به.
د- على المطلوب التنفيذ ضده أن يثبت ان تشكيل المحكمة التحكيمية أو اجراءات التحكيم
مخالف للعقد التحكيمي، فإذا خلا العقد من ذلك فيجب الاثبات أن تشكيل المحكمة التحكيمية
واجراءات التحكيم كانا مخالفين القانون البلد الذي يجري فيه التحكيم.
هكذا، بمقتضى اتفاقية نيويورك، قال قانون ارادة المشرفين هو الذي يرجح على قانون البلد الذي يجري فيه التحكيم، والذي لا يطبق الا في حال خلو العقد التحكيمي من اختيار قانون معين تتطبيقه، بحيث فكت اتفاقية نيويورك الارتباط بين التحكيم الدولي وبين قانون البلد الذي يجري فيه التحكيم تاركة لارادة الطرفين سلطة اختيار القانون الذي يريدانه.
وهذا هو حجر الزاوية في الثورة. فالتحكيم الدولي يحتاج، لانطلاقه وازدهاره، إلى أن يكون سلطان الارادة أسبقية على القوانين الداخلية، ولا يرجح قانون داخلي في تحكيم دولي إلا إذا شاء سلطان الارادة ذلك، أو إذا خلا العقد من خيار.
هـ- علي المنفد عليه، ليوقف مفعول الحكم التحكيمي الدولي ويمنع حائزة من تنفيده: ان يثبت ان الحكم التحكيمي ثم يصبح بعد الزامية، أو الغته أو أوقفته السلطة المختصة في البلد الذي صدر الحكم التحكيمي بموجب قانونه، هكذا حصر مجال أبطال الحكم التحكيمي الدولي:
- في البلد الذي صدر الحكم فيه أو بموجب قانونه .
- في البلد الذي يطلب التنفيذ فيه .
وخارج هذين البلدين لم يعد ممكناً ابطال الحكم التحكيمي أو الغاؤه أو وقفه في أي بلد في العالم بغية لتعطيل تنفيذه، إال في بلد تنفيذه بالطبع، إذا كان هناك اسباب تقبلها اتفاقية نيويورك .
ثالثا :في القانون الجديد :
القاضي الجزائري غير مقيد بقرارات قاضي بلد منشأ الحكم التحكيمي الصادر خارج الجزائر
ان قانون التحكيم الدولي الفرنسي لا يقيد القاضي الجزائري باحكام قاضي بلد منشأ الحكم التحكيمي الصادر خارج الجزائر، والقانون الجزائري على المنوال عينه، يفك الارتباط بين قرارات قاضي بلد منشأ الحكم التحكيمي وقرارات قاضي بلد تنفيذ الحكم التحكيمي .
فالمادة (1) 5( هـ ) من اتفاقية نيويورك التي تنص على أن سبب عدم التنفيذ ان "الحكم يصبح ملزماً للخصوم أو الغته او اوقفته السلطة المختصة في البلد التي فيها او بموجب قانونها صدر الحكم ."هذه القاعدة لم يتبناها القانون التحكيمي الجديد الذي جعل الشرط الوحيد ان يكون الحكم التحكيمي الدولي ، نهائياً بل يمكن ان يكون جزئياً او تحضيرياً (المادة 1035) لأن المادة السابعة (1) من اتفاقية نيويورك لا تحرم أي فريق من حقه في الاستفادة ...بالقدر المقرر في تشريع أو معاهدات البلد المطلوب اليه الاعتراف أو التنفيذ.وقانون التحكيم الدولي الجزائري يشترط لتنفيذ الحكم التحكيمي أن يكون قد أصبح ملزماً ولا يعتبر أنه "اذا الغته أو أوقفته ..المحكمة في البلد التي فيها أو بموجب قانونها صدر الحكم ".
وبالتالي، فإن الحكم التحكيمي الذي يبطل خارج الجزائر، في المانيا مثلاً يبقى بامكان قاضي التنفيذ الجزائري اعطاءه صيغة التنفيذ .وال يكون القاضي الجزائري مقيدا بقرارات قاضي بلد منشأ الحكم ، .التحكيمي الدولي الذي يأتي إلى الجزائر لاكتساء صيغة التنفيذ .
المبحث السادس: طرق المراجعة
اولاً: في القانون الفرنسي
فقرة أولى: في التحكيم الداخلي
لا يقبل القرار التحكيمي الاعتراض ولا التمييز . واذا صدر القرار عقب تغيب المدعى عليه عن المحاكمة، فان القرار لا يقبل الاعتراض، الا انه يقبل، اعتراض الشخص الثالث، والاستئناف والابطال واعادة النظر.
1- اعتراض الشخص الثالث
اكتفى القانون القديم بالتأكيد، أن القرارات التحكيمية، لا يمكنها في أي حال، ان تكون سارية على الغير، الا انه بإمكانها ان تلحق ضرراً بالغير. وهكذا، عمد القانون الجديد الى وضع حد للاضطراب، الذي ساد في هذا الصدد في عهد القانون القديم، اذ نص على ان القرار التحكيمي يمكن الطعن فيه من قبل شخص ثالث، والسلطة القضائيـة الصالحة للنظر في اعتراض الشخص الثالث، هي المحكمة التي كانت صالحة للنظر في النزاع، لو لم يتم اللجوء الى التحكيم.
2- الاستئناف
باستثناء الحالة التي يتنازل فيها الفرقاء عن حقهم في الاستئناف في الاتفاقية التحكيمية، وباستثناء التحكيم بالصلح، يدور التحكيم على درجتين: الاولى تحكيمية، والثانية قضائية.
وتعادل الدرجة الاولى التحكيمية المحاكمة البدائية.
وعندما لا يتنازل الفرقاء عن حقهم في الاستئناف، يكون الاستئناف هو طريق المراجعة الوحيد المفتوح أمامهم .
3- الإبطال
عندما يعمد الفرقاء الى التنازل عن الإستئناف، أو حين لا يحتفظون بهذا الحق في الإتفاقية التحكيمية، يمكنهم التقدم بطلب ابطال القرار التحكيمي، رغم أي نص مخالف. وقد حدد القانون لذلك ست حالات، يمكن للفرقاء تقديم طلب الإبطال فيها وهي التالية:
-اذا باشر المحكم التحكيم غير مستند الى اتفاقية تحكيمية، أو كانت الإتفاقية باطلة او انقضت مدتها.
-اذا تشكلت المحكمة التحكيمية بصورة غير قانونية او عين المحكم المنفرد بشكل غير
قانوني.
-اذا قام المحكم بمهمته دون التقيد بحدود المهمة التي عهد بها اليه.
-اذا لم يحترم مبدأ وجاهية المحاكمة.
-اذا كان القرار التحكيمي غير معلل او غير متضمن إسم المحكمين الذين اصدروه، او
تاریخ صدوره، او اذا لم يتضمن توقيع جميع المحكمين.
-اذا خالف المحكم قاعدة من قواعد النظام العام.
هذه الحالات الست التي تخول محكمة الاستئناف النظر في القضية، لا يمكن ان تكون مجالاً لأي تنازل مسبق عنها، وذلك خلافاً للاستئناف عموماً الذي يمكن للفرقاء التنازل عنه. مع الاشارة الى ان كلاً من قاعدة وجاهية المحاكمة وقاعدة احترام مبادئ النظام العام، تفسحان مجالاً واسعاً لمراقبة التحكيم، كما ان مبدأ وجاهية المحاكمة يغطي حق الدفاع، وان حقل النظام العام هو دائماً في مجال التوسع، ليشكل مزيدا من التآلف مع النظريات الاجتماعية والاقتصادية السائدة، وبصورة خاصة تلك التي يفرضها المشترع.
وعليه، يمكن التساؤل عن المغزى المتعلق بتنازل الفرقاء عن حق الاستئناف، علماً أنه على رغم هذا التنازل، فإن القرار التحكيمي عرضة لوسيلة أخرى من وسائل المراجعة، واسعة المجال. ويمكن التساؤل ايضاً، عما اذا كانت هذه الحالة، تجعل القرار التحكيمي قابلاً للإستئناف بصورة دائمة، علماً أن اللجوء الى طلب الابطال اصبح مجاله واسعاً، وان صلاحية محكمة الاستئناف، خلال نظرها في المراجعة الحاصلة، تشابه لتلك التي تتمتع بها في المجال الاستئنافي، اذ انها تنظر في أساس النزاع، سواء في الحالة التي تلغي فيها القرار التحكيمي، ام في الحالة التي تفسخه فيها، ولكن ضمن حدود مهمة التحكيم، الا اذا كانت هناك ارادة مخالفة للفرقاء.
يقدم الاستئناف ومراجعة الابطال الى محكمة الاستئناف التي صدر القرار التحكيمي في نطاقها. ويمكن قبول المراجعة فور صدور القرار، ويمتنع اذا قدمت المراجعة بعد مهلة شهر من تاریخ ابلاغ القرار التحكيمي، واستحصاله على الصيغة التنفيذية، والمراجعة المقدمة ضمن هذه المهلة من شأنها تعليق آثار القرار.
ويقتضي الملاحظة أخيراً، بأن الاجراءات الاستئنافية، واجراءات مراجعة الابطال هي اجراءات قضائية وان رد الاستئناف أو رد المراجعة الابطالية، تمنح القرار التحكيمي الصفة التنفيذية .
4- مراجعة اعادة النظر
يقتضي تقديم هذه المراجعة لدى محكمة الاستئناف، ضمن الشروط المحددة في الأحكام
القضائية، أي:
-اذا تبين بعد صدور القرار التحكيمي، أنه بني على غش قام به الفريق الذي صدر القرار لمصلحته.
-اذا تبين بعد صدور القرار، ان هناك مستندات مهمة، لم يتمكن احد الفرقاء من تقديمها
للمحكمة التحكيمية بفعل الفريق الآخر.
-اذا صدر القرار استناداً إلى مستندات تبين لاحقاً بالاعتراف او بالوسائل القضائية انها مستندات مزورة.
-اذا صدر القرار استناداً الى افادات او شهادات، او الى يمين تبين لاحقاً انها كاذبة.
فقرة ثانية: في التحكيم الدولي
يمكن ابداء عدة ملاحظات، حول وسائل المراجعة في قانون عام 1981.
1) احدث نوع من التنسيق بين التحكيم الدولي والتحكيم الداخلي. لذلك، فان خمساً من الحالات الست المنصوص عليها في المادة 1484 من قانون المرافعات المدنية الجديد، والمتعلقة بالقرارات التحكيمية الداخلية، نجدها في المادة 1502 المتعلقة بالقرارات التحكيمية الصادرة في مادة التحكيم الدولي او في الخارج.
256
-والحالة الوحيدة من الحالات الست المذكورة، في شأن التحكيم الداخلي، التي حدفها المشترع، هي تلك التي لا يعلل فيها القرار التحكيمي، او لا يشتمل على اسم المحكمين الذين اصدروه، او تاریخ صدوره، وتواقيع سائر المحكمين، الأمر الذي يعني ان حكم التحكيم الدولي لم يعتمد الشكليات. ولكن اذا اخضع الفرقاء التحكيم للقانون الفرنسي، فان الاخلال بهذه الشكليات، يمكن أن يتعرض المحكم لمؤاخذة قانونية في ما يتعلق بتجاوز حدود الصلاحية، ولاسيما اذا لم يكن الحكم معللاً.
-ان خرق "النظام العام الداخلي" ابدل بـ "النظام العام الدولي" الذي وحده، يؤخذ بالحسبان، الا ان مجاله اقل اتساعاً من مجال النظام العام الداخلي.
2) ان القرارات التحكيمية الصادرة في موضوع التحكيم الدولي، لم تعد مرتبطة بنظام قانوني معين، بل صارت اقرب ما تكون الى العقود.
وفي ما يتعلق بطرق المراجعة، فان قانون المرافعات المدنية قليل الاكتراث بالمراقبة التي يمارسها القاضي الفرنسي على القرارات التحكيمية الصادرة في الخارج، أو الصادرة بمادة التحكيم الدولي في فرنسا.
3) بينما طلب الاعتراف بالقرار التحكيمي، او اعطائه الصيغة التنفيذية، لا يعطي قاضي التنفيذ مجالاً الا لتفحص مختصر ومحصور، لاحتمال وجود خرق واضح للنظام العام الدولي، فان اللجوء إلى طرق المراجعة المحددة في المادتين 1502 1504، يمكن من تفحص القرارات التحكيمية ومراقبتها، مراقبة أكثر عمقاً واتساعاً، الا ان طرق المراجعة هذه محصورة بالحالات الخمس وهي في كل حال لا تترك اي مجال للغوص في أساس النزاع أو التصدي له.
4) تنص المادة 1507 من قانون المرافعات المدنية الجديد، على اعتبار احكام العنوان الرابع (المتعلق بطرق المراجعة في مادة التحكيم الداخلي)، غير قابلة للتطبيق على القرارات التحكيمية الصادرة في الخارج، أو في موضوع التحكيم الدولي، باستثناء الفقرة 1 من المادة 1487(1) والمادة 1490(2). وبالتالي فان طرق المراجعة المحددة في شأن القرارات التحكيمية الداخلية، لا يمكن تطبيقها على القرارات التحكيمية الصادرة في الخارج، أو في مادة التحكيم الدولي.
ويكون الأمر على هذا النحو:
أ- في حالة استئناف القرار التحكيمي
ان القرار التحكيمي الدولي غير خاضع للاستئناف خلافاً للقرار التحكيمي الداخلي، واذا كانت الحاجة اليه في موضوع التحكيم الداخلي محتملة، فليست كذلك في التحكيم الدولي.
ب- في اعتراض الشخص الثالث
هذه الوسيلة من وسائل المراجعة غير موجودة، لأنها تؤدي الى صلاحية محكمة قضائية تابعة للدولة، عليها ان تنظر في أساس النزاع. وهذا ما يرغب في تجنبه الاطراف في التحكيم الدولي. وفي الواقع، اذا كانت المحاكم القضائية الفرنسية صالحة للنظر في اعتراض شخص ثالث على القرار التحكيمي الدولي، فإن الفرقاء في التحكيم الدولي المذكور سيعمدون إلى تجنب اجراء تحكيمهم في فرنسا، لأن غير المقيمين فيها والاجانب عنها سيجدون أنفسهم مدعوين للمثول امام القاضي الفرنسي، خلال النظر في اعتراض الشخص الثالث، ويبدو أن ذلك السبب هو الذي دعا المشترع الفرنسي الى الغاء وسيلة المراجعة هذه في التحكيم الدولي، لأنه كان يرمي الى اجتذاب القضايا التحكيمية الى باريس، الامر الذي لم يكن يتناسب والواقع، الذي يمكن فيه شخص ثالث الاعتراض على القرار التحكيمي لدى القاضي الفرنسي.
ج- في طلب اعادة النظر
وهذه الوسيلة غير موجودة، الا أن أمرها، يعتبر مبالغاً فيه وقابلاً للنقد، بسبب وجود مخاطر الغش والخداع، التي يمكن ان تحصل دائماً وفي اي مجال .
5) مع ان القانون الفرنسي يستقي مواقفه من النظرية التعاقدية، ويخضع للرقابة القرارات التحكيمية الدولية اياً يكن البلد الذي صدرت فيه، سواء في فرنسا ام في الخارج، فإن عملية الاستيعاب ليست كاملة، وتقف عند مسألة طرق المراجعة، لأن القانون الفرنسي يعطي نفسه شيئاً من الابوة، بالنسبة الى القرارات التحكيمية الصادرة في فرنسا، عندما يقبل بابطالها، بينما هو لا يقبل بأية وسيلة من وسائل المراجعة بالنسبة الى القرارات التحكيمية الصادرة في الخارج، سواء أكانت صادرة في ميدان التحكيم الدولي ام لم تكن. ويقتضي أن نفرق هنا بين هاتين الفئتين من القرارات التحكيمية في ما يتعلق بوسائل المراجعة. وفي النهاية، يمكن ان نلاحظ ما يلي:
-هناك طريق مشترك من طرق المراجعة لكل القرارات التحكيمية، سواء أكانت صادرة في فرنسا في مادة التحكيم الدولي، او في مادة التحكيم الداخلي، وهو استئناف الامر القضائي للقرارات الرافضة إعطاء الصيغة التنفيذية أو الاعتراف بها.
-وهناك طريق من طرق المراجعة الخاصة بالقرارات التحكيمية الصادرة في الخارج، سواء في مادة التحكيم الدولي، ام في مادة التحكيم الداخلي، وهو استئناف الامر القضائي الذي يمنح الصيغة التنفيذية القرارات التحكيمية أو يعترف بها" .
-وهناك طريق من طرق المراجعة الخاصة بالقرارات التحكيمية الصادرة في فرنسا في مادة التحكيم الدولي، وهو طلب ابطال القرار التحكيمي .
ويمكن ان نلاحظ كذلك انه اذا كان موضوع المراجعة مختلفاً وفقاً لكل حالة، فان شكل
الاجراءات في تلك المراجعات والرقابة التي تمارسها المحاكم القضائية الفرنسية، والحاصلة في هذه المناسبة، هي نفسها في جميع الحالات.
فرع 1: استئناف القرار التحكيمي الرافض منح الصيغة التنفيذية للقرار التحكيمي أو الاعتراف به
"أن القرار الذي يرفض الاعتراف بالقرار التحكيمي، أو يرفض منحه الصيغة التنفيذية قابل للإستئناف" سواء أكان القرار التحكيمي صادرة في الخارج، ام في فرنسا في مادة التحكيم الدولي.
ويقدم الاستئناف لدى محكمة الاستئناف، التي يتبع لها القاضي الذي اتخذ القرار برفض التنفيذ أو رفض الاعتراف ويمكن الاستئناف، حتى انقضاء مهلة شهر، اعتباراً من تاريخ إبلاغ قرار القاضي الى ذوي العلاقة.
وكما لاحظ عدد من المؤلفين ، فان هذا الوضع يشكل لغزاً، في الحدود التي لا يعمد فيها القاضي الى ابلاغ قراره إلى مقدم الطلب، وعندما لا تكون لهذا الطالب اية مصلحة في ابلاغ خصمه القرار الذي قضى برفض منح الصيغة التنفيذية، في هذه الحالة لا يكون الاستئناف مقيداً بأية مهلة، الا اذا اعتبرت بداية تلك المهلة سارية، اعتباراً من تاريخ ابلاغ قرار الرفض، إلى المدعي من قبل القاضي أو رئيس القلم ".
ولكن ما هي الحالات الاستئنافية؟ وما هي صلاحيات المحكمة؟
هذه الاسئلة تطرح نفسها عند المقارنة، ما بين نص قانون التحكيم الدولي، وقانون التحكيم الداخلي الذي ينص على ما يلي:
"يمكن استئناف القرار الذي يرفض منح الصيغة التنفيذية، في خلال مهلة شهر تسري اعتباراً من تبليغه. وفي هذه الحالة فأن محكمة الاستئناف تنظر بناء على طلب الفرقاء في الأسباب التي كان بإمكان هؤلاء الادلاء بها ضد القرار التحكيمي عن طريق الاستئناف او عن طريق الابطال حسب الحالة".
وان قانون التحكيم الدولي يلحظ امكانية استئناف القرار، ولكنه خلافاً لقانون التحكيم الداخلي، بقي صامتاً عما يخص صلاحية محكمة الاستئناف في إعتماد الوسائل التي يبني على أساسها الاستئناف.
وفي الواقع، فان نظرة أولية على قانون التحكيم الدولي، تترك مجالاً للتفكير في أن دور محكمة الاستئناف يمكن أن ينحصر في التحقق من وجود القرار التحكيمي الدولي والاتفاقية التحكيمية، وعدم وجود مخالفة واضحة في القرار التحكيمي للنظام العام الدولي، بالتالي فأنها ترفض ابطال القرار، حتى وان وجدت خللاً فيه.
ولكن هذه القراءة تؤدي إلى وضع عبثي، لأنه في كل الحالات، فإن الفريق الرافض للاعتراف بالقرار التحكيمي أو لمنحه الصيغة التنفيذية، ليست له الامكانية الاستئناف قرار منح الصيغة التنفيذية، أو الاعتراف. وكذلك فان قراءة ثانية للنص القانوني المستكمل ببقية أحكام القانون اعتبر الفقه في ضوئها أن استئناف القرار الصادر عن القاضي، والرافض طلب الاعترف بالقرار التحكيمي، أو قرار منح الصيغة التنفيذية الصادر عن القاضي، يفتح الطريق في وجه دعوي وجاهية، تتمتع فيها محكمة الاستئناف، بصلاحية النظر في قرار المحكمة القضائية، التي رفضت منح الصيغة التنفيذية أو رفضت الاعتراف بالقرار التحكيمي، والتحقق مما اذا لم تكن مشوبة بأحد العيوب الخمسة المحددة قانوناً.
فرع 2: استئناف القرار الذي يمنح الصيغة التنفيذية أو الاعتراف بالقرار التحكيمي الصادر في الخارج
آن قرار منح الصيغة التنفيذية، غير الخاضع لأية وسيلة من وسائل المراجعة في موضوع التحكيم الداخلي، يمكن استئنافه في التحكيم الدولي، ولكن، فقط، في الحالة التي يكون القرار التحكيمي فيها قد صدر في الخارج، وفي الحالة التي يكون مشوبا بأحد العيوب الخمسة والتي تصبح عيوباً ستة بالنسبة إلى القرارات الصادرة في الداخل ، وان الفريق الذي يتضرر من القرار الصادر في الخارج، يصبح مجبراً على انتظار صدور قرار القاضي الفرنسي الذي يمنح الاعتراف أو الصيغة التنفيذية لذلك القرار التحكيمي، لأنه لا يمكنه المراجعة ضد قرار صادر خارج فرنسا، الا بعد صدور القرار الفرنسي القاضي بمنحه الاعتراف أو الصيغة التنفيذية.
وهذا النوع من القرارات التحكيمية، يبقى محمياً من مراجعة الإبطال في فرنسا، ولا يمكن الطعن فيه مباشرة. والقرار الوحيد الذي يمكن الطعن فيه هو القرار الفرنسي، الذي يقر بصحته أو بمنحه الصيغة التنفيذية.
ويعتبر الفقه أن موقف المشترع الفرنسي من القرار التحكيمي الصادر خارج فرنسا، نابع من حرصه على عدم المساس بالسيادة الأجنبية.
ويقدم هذا الاستئناف لدى محكمة الاستئناف، التي يقع القاضي الذي أصدر الأمر حول التنفيذ في نطاقها. ويمكن تقديمه حتى انقضاء مهلة الشهر السارية، اعتباراً من تاريخ تبليغ قرار القاضي. وان مهلة الاستئناف هذه، ثم تقديم طلب المراجعة ضمنها، تعلق تنفيذ القرار التحكيمي.
وان اجراءات الاستئناف هي قضائية ، ورده يؤدي تلقائياً إلى منح الصيغة التنفيذية للقرار التحكيمي.
وان الاستئناف يؤدي الى ابطال القرار الذي يمنح الصيغة التنفيذية دون أن يذهب إلى أبعد من ذلك، حتى ولو كان الفرقاء قد أخضعوا تحكيمهم الدولي للقانون الفرنسي سواء أكان التحكيم بالقانون أم كان التحكيم بالصلح.
فرع 3: طلب ابطال القرار التحكيمي الدولي الصادر في فرنسا:
أن القرار الذي يمنح الاعتراف، أو الصيغة التنفيذية للقرار التحكيمي الدولي الصادر في فرنسا، غير قابل لأية طريقة من طرق المراجعة. ولا يبقى في النتيجة أمامه الأ طريق الأبطال أي أبطال القرار التحكيمي نفسه، بغية الغاء القرار الذي منحه الاعتراف أو الصيغة التنفيذية، وذلك استناداً إلى القاعدة التي بموجبها يتبع الفرع الأصل. وفي الواقع، فان طلب الأبطال يغلب على ما عداه، في الحدود التي تضع فيها المحكمة يدها على القضية، وهو طلب قرار قاضي التنفيذ، أو رفع يد ذلك القاضي.
وهذه المراجعة التي لا يفتح مجالها، الا في احدى الحالات الخمس المحددة في المادة 1502، تقدم لدى محكمة الاستئناف التي صدر القرار التحكيمي في نطاقها. ويمكن قبولها فور صدور القرار التحكيمي، ولا تعود مقبولة بعد مهلة شهر، من تاريخ تبليغ القرار التحكيمي القابل للتنفيذ. ومهلة مراجعة الابطال هذه، وكذلك تقديم المراجعة ضمن المهلة، يعلقان تنفيذ القرار التحكيمي والاجراءات لدى محكمة الاستئناف، هي اجراءات ذات طابع قضائي ووجاهي.
واذ يتعلق الأمر بنتائج أبطال القرار التحكيمي، فان الفرق الأساسي بين الأبطال في التحكيم الداخلي، والأبطال في التحكيم الدولي، يتمحور حول أن محكمة الاستئناف الصالحة للنظر في طلب الأبطال، لا يمكنها في التحكيم الدولي أن تقرر أكثر من ابطال القرار التحكيمي الدولي، بينما في التحكيم الداخلي يمكنها النظر في القضية من أساسها، والفصل مجدداً عند صدور قرار الابطال.
ويمكن أن يعتد بقرار الأبطال لاحقاً، في بلدان أخرى، حيث يكون أحد الفرقاء راغباً في تنفيذ القرار التحكيمي. والدول المشتركة في اتفاقية نيويورك الصادرة عام 1958، مسموح لها بصورة واضحة برفض أي أثر للقرارات التحكيمية المبطلة في البلد الذي صدرت فيه.
اما رد طلب الابطال، فانه يمنح في الوقت نفسه القرار التحكيمي الصيغة التنفيذية.
ما هي الحالات الخمس التي تفتح طريق الاستئناف، امام القرار الذي يمنح الصيغة التنفيذية للقرار التحكيمي الصادر خارج فرنسا، وطريق أبطال القرار التحكيمي الصادر في فرنسا؟ لقد حددها المشترع الفرنسي كما يلي:
الحالة الأولى: اذا جرت العملية التحكيمية بدون اتفاقية تحكيمية، أو بموجب اتفاقية تحكيمية باطلة أو انقضت مدتها.
الحالة الثانية: اذا تشكلت المحكمة التحكيمية بصورة غير قانونية، أو اذا كان المحكم قد عين بصورة لا تتفق مع اجراءات التحكيم المطبقة.
الحالة الثالثة: اذا لم يتقيد المحكم بالمهمة المعهود بها اليه.
الحالة الرابعة: اذا لم يحترم مبدأ وجاهية المحاكمة.
الحالة الخامسة: اذا كان الاعتراف بالقرار التحكيمي، أو منحه الصيغة التنفيذية، مخالفاً للنظام العام الدولي.
الحالة الأولى: المحكم انجز المهمة دون اتفاقية تحكيمية، أو بموجب اتفاقية باطلة أو انقضت مدتها
ما هو النظام القانوني الذي يقتضي بالقاضي الفرنسي تطبيقه، للنظر في صحة الاتفاقية التحكيمية؟ يوجد في هذا النطاق تياران:
أ- التيار الاول يربط القرار التحكيمي ببلد منشئه.
وهذا التيار متأثر بالنظرية القضائية للتحكيم، ولا يقر صحة قرار تحكيمي، الا اذا طبق عليه احد القضاة قانون احدى الدول، للنظر في صحته وصحة الاتفاقية التحكيمية.
ب- التيار الثاني متأثر بنظرية تعاقدية التحكيم، ويقر باجراءات متحررة من كل ارتباط بقوانين الدول، وهو يرى أن العقد هو قانون الفرقاء، وان ارادتهم المشتركة، هي مصدر صحة الاتفاقات التحكيمية وكذلك صحة الرضي.
وفي هذه النظرية، لا يرعى قانون البلد القرار التحكيمي الذي صدر فيه، عكس القرار القضائي. وهذه هي النظرية التي يعتمدها المشترع الفرنسي في ما خص التحكيم الدولي، الامر الذي يقلل كثيراً من احتمالات بطلان القرارات التحكيمية والاتفاقات التحكيمية، والذي يرفض ربط هذا القرار بالبلد الذي صدر فيه، كما انه لا يأخذ في الاعتبار الابطال الصادر في اي بلد.
ان موضوع القانون الواجب تطبيقه، يبقى قائماً في ما يتعلق بحالات بطلان اتفاقيات التحكيم، ويحكم على صحة تلك الاتفاقيات، وفقاً للقانون المحدد بموجب قاعدة تنازع القوانين الفرنسية، كلما إفتقد في القانون الفرنسي قاعدة محددة خاصة بالتحكيم الدولي .
وفي ما يتعلق بانتهاء مدة اتفاقية التحكيم، تعود محكمة الاستئناف الى الاتفاقية المعقودة بين الفرقاء. واذا لم ينص الفرقاء على مهلة في هذه الاتفاقية تعود المحكمة الاستئنافية الى النظام التحكيمي، اي الى قانون اجراءات التحكيم الذي يكون الفرقاء قد حددوه ليرعى نزاعاتهم.
الحالة الثانية: تشكيل المحكمة التحكيمية بصورة غير قانونية، أو تعيين المحكم المنفرد خلافاً لاجراءات التحكيم المطبقة
لم يحدد المشترع الفرنسي في مادة التحكيم الدولي قواعد محددة لتشكيل المحكمة التحكيمية أو تعيين المحكم. وبالتالي، لا يمكن ان نتصور ان هناك اجراءات رادعة لأحكام، لا وجود لها لتحديد الخلل الحاصل. وبالتالي، لا بد من اللجوء الى معرفة ارادة الفرقاء، سواء حددت الارادة تلك القواعد مباشرة، أو حددت لذلك نظاماً تحكيمياً أو قانوناً لاجراءات المحاكمة التحكيمية اي قانوناً للتحكيم.
واذا اتفق الفرقاء على ان قانون التحكيم الداخلي، هو الواجب التطبيق على التحكيم، يجب آنذاك، وفقاً لهذا القانون، أن يكون عدد المحكمين وتراً، وتلك قاعدة الزامية لا يمكن للفرقاء مخالفتها.
الحالة الثالثة: قيام المحكم بفصل النزاع دون التقيد بحدود مهمته
يتعلق الأمر هنا بمبدأ عام، الا ان مراقبة هذا المبدأ، يقتضي ان يقيدها بعض الحدود، اذ ان من ليست له مصلحة من الفرقاء، يمكنه الادعاء بأن المحكم لم يعمد الى التقيد بمهمته، وفي هذه الحالة يشكل القاضي التابع للدولة ومحكمته، درجة ثانية فعلية من درجات المحاكمة.وحده الخرق الواضح لحدود تلك المهمة، أي لإرادة الفرقاء المتعلقة بموضوع النزاع او باجراءات التحكيم، هو الذي يقتضي ان يكون مراقباً. وهذا هو الموقف الذي اتخذه الاجتهاد الفرنسي في هذا الصدد، اذ اعتبر، وعلى سبيل المثال، ان تحوير العقد أو الخطأ في تحديد الوقائع، أو الخطأ القانوني لا يمكن ان ينال من القرار التحكيمي. في المقابل، فان المحكم الذي يقوم بمهمته بصفته محكماً بالصلح، بينما الفرقاء عهدوا اليه بمهمة المحكم بالقانون، يعتبر أنه لم يتقيد بحدود المهمة الموكولة اليه.
الحالة الرابعة: عدم التقيد بمبدأ وجاهية المحاكمة:
فى التحكيم الدولي كما في التحكيم الداخلي، ان الامتناع عن احترام مبدأ وجاهية المحاكمة، يؤدي الى بطلان القرار التحكيمي.
وان محكمة التمييز الفرنسية عمدت بتاريخ 1967/10/4 الى اصدار قرار عرف باسم "قرار بشير"، أعلنت فيه أنه ليس للمحاكم الفرنسية سلطة المراقبة على تقيد القرار التحكيمي الدولي بالاجراءات المتبعة في التحكيـم، وان هذه المراقبة يقتضي أن تكون محدودة بموضوع معرفة ما اذا كان مبدأ وجاهيـة المحاكمـة قد تم احترامه، لأن هذا المبدأ يعتبر أحد العناصر الأساسية للنظام الدولي العام، الذي يؤكد المبدأ الأساسي الآخر المتعلق بحق الدفاع.
الحالة الخامسة: الاعتراف بالقرار التحكيمي أو تنفيذه مخالفان للنظام العام الدولي
ان قانون التحكيم الداخلي يعتبر كل قرار تحكيمي مخالف للنظام العام باطلاً. وفي ما يتعلق بقانون التحكيم الدولي، فهو لا يبطل القرار التحكيمي، ولا يرفض تنفيذه أو الاعتراف به الا اذا كان هذا التنفيذ أو هذا الاعتراف مخالفاً للنظام العام الدولي.
وبينما يحدد القانون صلاحيات القاضي عند نظره في طلب الاعتراف أو التنفيذ، ويحصرها في حالة الخرق الواضح للنظام العام الدولي فان هذه المراقبة المختصرة، تتسع عند النظر على أساس مخالفة النظام العام الدولي، حيث يفرض القانون خرقاً واضحاً للنظام العام، ويكتفي بفتح المجال أمام المراجعة في الحالة التي يكون فيها الاعتراف أو التنفيذ مخالفين للنظام الدولي العام.
بناء عليه، ان كل ما هو مخالف للنظام العام الداخلي، ليس مخالفاً حتماً للنظام العام الدولي. فالقرار التحكيمي الدولي المخالف للنظام العام الفرنسي، يمكن تنفيذه في فرنسا دون ان يبطله حتى ولو كان التحكيم نفسه حصل في فرنسا. وفي الواقع، فإن القاضي الذي يطلب اليه النظر في القرار القاضي بمنح الصيغة التنفيذية لقرار تحكيمي دولي، أو بالغاء قرار تحكيمي دولي صادر في فرنسا، ينظر في هذا القرار، بطريقة مختلفة تماماً عن تلك التي تعتمد على النظر في القرار التحكيمي الداخلي، لأنه اذا كان يطبق قواعد النظام العام الفرنسي لإتخاذ القرار، في صدد أبطال القرار التحكيمي الداخلي، فليس الأمر كذلك عندما يطلب اليه منح الصيغة التنفيذية لقرار تحكيمي دولي، حتى ولو عمد إلى تطبيق القانون الفرنسي. فهو ينظر من خلال هذا القانون بطريقة مرنة جداً، حتى ولو كان الأمر متعلقاً بالقواعد الالزامية.
ماذا يمكن القول اذا كنا في صدد تطبيق قانون أجنبي؟ في هذا الوضع يكون النظام العام الدولي، أضيق مجالاً من النظام العام الفرنسي. ذلك أنه اذا كان هذا الأخير يتضمن قواعد ينبغي بالمتعاقدين احترامها، وهي تحد من حريتهم، فليس للنظام الدولي العام أي رابط بهذه القواعد، وهو ليس الا تعبيراً عن المبادئ العامة ذات الطابع الدولي. لهذا، فان القواعد الفرنسية التي تحمي المستهلكين مثلاً، ليست عائدة الى النظام العام الدولي، ويمكن ذكر عدة أمثلة.
المثال الأول: مخالفة قوانين الرقابة على النقد
طبق القانون الذي يفرض رقابة على النقد الاجنبي في بلد، على قضية ذات طابع دولي. وقد تضمن العقد الذي نشأ عنه النزاع مخالفة لهذا القانون، وخالف القرار التحكيمي الصادر في هذا الصدد. قانون العقد هذا، اعتبر أن الاتفاقات التي تجيز تحويل الأموال الى الخارج، أو التي تعقد دون أن تكون خاضعة لرقابة القطع الأجنبي، باطلة، كونها مخالفة للنظام العام. وقد كان العقد باطلاً اذا، من وجهة نظر القانون المطبق، وكان القرار التحكيمي باطلاً بدوره بسبب مخالفته للنظام العام، ولكن ذلك ليس صحيحاً، الا في نطاق التحكيم الداخلي. أما في مادة التحكيم الدولي، فان المشترع الفرنسي، يعتبر أن هذا القرار التحكيمي الدولي، قابل للتنفيذ في فرنسا، فلا يقتضي أن يكون محروماً من منحه الصيغة التنفيذية، لأنه ليس مخالفاً للنظام العام الدولي 293، وان خالف النظام العام الداخلي.
المثال الثاني: الاخلال بأحكام تشريعات العمل
فصل قرار تحكيمي في نزاع قائم ما بين رب عمل وأحد العاملين لديه، وكلاهما ليس فرنسياً، وذلك في قضية تحكيمية دولية خاضعة لقانون يسمح بالتحكيم في النزاعات المتعلقة بقضايا العمل. وهذا القرار يمكن أن يكون مخلاً بإحدى القواعد المتعلقة بالنظام العام المرتبط بالقانون المطبق. فعلى سبيل المثال، أن القانون الكويتي يفرض اللجوء الى ادارة مرتبطة بوزارة العمل، حيث تحاول تلك الادارة مصالحة الفريقين، قبل أن تقام الدعوى في النزاع الحاصل. وهذا الاجراء الزامي، والقاعدة التي تفرضه هي من قواعد النظام العام. وبالتالي، فان قراراً تحكيمياً دولياً صادراً في فرنسا، ومطبقاً للقانون الكويتي، اذا لم يكن قد قام بهذا الاجراء لدى الادارة الكويتية، يكون مخالفاً للنظام العام الكويتي، وهذا القرار التحكيمي يكون أيضاً مخالفاً للنظام العام الفرنسي، الذي لا يجيز التحكيم في قضايا نزاعات العمل. ولكن القاضي الفرنسي لا يبطل هذا التحكيم، اذا جرى التحكيم الدولي في فرنسا. ذلك أن القرار التحكيمي الدولي، اذا كان مخالفاً للنظامين العامين الكويتي والفرنسي، فان ذلك لا يمنع أنه ليس مخالفاً للنظام العام الدولي4 وبالتالي، فان القاضي يمنحه الصيغة التنفيذية.
المثال الثالث: الاخلال بأحكام قانون التحكيم في البلد الذي يحصل فيه التحكيم
ان القوانين التحكيمية لدى بعض البلدان تفرض اجراءات شكلية، حتى يكون للقرارات التحكيمية مفاعيلها القانونية، وتتحول من مجرد "مشروع" الى قرار تحكيمي. فالقانون الألماني مثلاً يفرض ايداع القرار التحكيمي لدى رئيس قلم المحكمة، التي كان يمكن أن تكون صالحة للنظر في النزاع.
والقانون الإسباني يفرض ايداع هذا القرار لدى الكاتب العدل، والقانون الايطالي يفرض مصادقة القاضي الايطالي. وان تحكيماً يجري في اسبانيا أو في المانيا أو في ايطاليا، ولا يكون قراره التحكيمي قد أودع لدى رئيس قلم المحكمة، أو لدى الكاتب العدل، أو في الحالة الايطالية، وقد صادق عليه القاضي، يمنح على كل حال الصيغة التنفيذية، ويرد طلب الابطال المقدم في شأنه، لأننا هنا في صدد مخالفة للنظام العام الاسباني أو الألماني أو الايطالي، دون أن يكون مخالفاً للنظام العام الدولي.
المثال الرابع: الاخلال بالقواعد المتعلقة بسن الرشد
ان قراراً تحكيمياً دولياً صادراً في الخارج، في نزاع قائم بين فريقين، أحدهما في سن السابعة عشرة، بينما يفرض القانون الفرنسي المطبق بالنسبة اليه، أن يكون سن الرشد 18 عاماً، هو قرار مخالف للنظام العام الفرنسي، ولكنه لا يبطل، ويستحصل على الصيغة التنفيذية، لأنه لا يتضمن اخلالا بالنظام العام الدولي.
ويمكن ملاحظة أمر مهم، في ما يتعلق بقانون التحكيم الدولي الفرنسي، هو أن هذا القانون لا يربط القرار التحكيمي ببلد المنشأ أو بالنظام القضائي الخاص بهذا البلد، في ما خص النظام العام.
وكذلك الحال، في ما يتعلق بنتائج القرار التحكيمي في بلد المنشأ نفسه، وبالنتيجة انه لا يأخذ في الاعتبار الاخلال بالقواعد الالزامية للنظام العام، الخاص بهذا البلد، والذي يبطل القرار التحكيمي المخل بنظامه العام، وهو يحتفظ بكل نتائجه، ولا تؤخذ في الحسبان الاعتبارات المؤدية الى ابطال القرار التحكيمي الدولي أو تجميده، باستثناء تلك المؤدية الى الاخلال بقواعد القانون العام الدولي، وليس الداخلي.
ثانياً: في القانون الجديد
قانون التحكيم الداخلي الحالي كما القانون السابق فتح باب القضاء امام استئناف الحكم التحكيمي إلا اذا اتفق الاطراف على التنازل عن حق الاستئناف في اتفاقية التحكيم .
فاذا لم يكن الحكم التحكيمي قابلا للإستئناف فهو غير قابل للنقض لأن القرارات الاستئنافية وحدها تكون قابلة للنقض.
وامام الاستئناف تنشر الدعوى مجدداً، والاستئناف ليست له شروط ولا اسباب. أن الدعوى تنشر امام محكمة الاستئناف التي من اختصاصها فسخ الحكم التحكيمي المستأنف والتعرض لأساس النزاع.
القانون الجديد لم يعدد في التحكيم الداخلي اسباباً للإبطال. وبالتالي، فالحكم التحكيمي قابل للإستئناف كدرجة ثانية للمحاكمة، ومحكمة الإستئناف تنظر في الدعوى من أساسها ما لم يتنازل الاطراف عن حق الاستئناف، ولكن الحكم التحكيمي الذي اتفق الاطراف على عدم قابليته للاستئناف والذي كان قابلا للإبطال في القانون السابق لأسباب خمسة حددها، هذا الحكم هل أقفل امامه باب الابطال؟ واذا كان باب الإبطال يبقى مفتوحاً فما هي أسباب الإبطال؟
القانون السابق حدد أسباب إبطال الحكم التحكيمي الداخلي غير القابل لإستئناف والذي يصبح مبرماً، ولكن القانون الجديد لم يفتح باب الابطال ولا حدد أسباباً للإبطال، فهل يعني ذلك ان الحكم التحكيمي الداخلي غير القابل للإستئناف بحكم تنازل طرفيه عن الاستئناف، غير قابل للابطال؟
الباب الوحيد المتروك هو أمام قاضي صيغة التنفيذ الذي يمكنه ان لا يعطي صيغة التنفيذ، ولكن القاضي بعدم اعطاء صيغة التنفيذ أو اعطائها ليس مقيداً بأي قيد، وأصلاً إن اعطاء صيغة التنفيذ تتم بصورة رجائية. اذا قبل القاضي اعطاء صيغة التنفيذ فالأمر نسبي وذاتي عنده، واذا رفض اعطاء صيغة التنفيذ فالأمر نسبي وذاتي عنده ايضاً، ولكن قراره يقبل الإستئناف. وفي الإستئناف يكون قرار القاضي برفض اعطاء صيغة التنفيذ هو المدخل لمحاسبة الحكم التحكيمي، لأن الرفض قابل للإستئناف في محاكمة وجاهية يستمع فيها للطرفين. وهذا هو الباب الوحيد وهو مفتوح على مصراعيه بدون اسباب للإبطال، لإبطال صيغة التنفيذ، ولفسخ القرار القضائي الذي يعطي صيغة التنفيذ. هذا في التحكيم الداخلي، ولكن اعطاء الصيغة التنفيذية لا يؤثر على الحكم التحكيمي الذي تبقى له آثاره. طالما ان المراجعة الوحيدة أمام الحكم التحكيمي الداخلي هي استئناف الامر القاضي برفض الصيغة التنفيذية.. في حين ان اسباب إبطال حكم تحكيمي غير قابل للإستئناف التي كانت في القانون السابق، لم تعد قائمة في القانون الجديد. بالطبع، إن القاضي حين يعطي صيغة التنفيذ لا يعود قراره قابلا للمراجعة، اما اذا رفض اعطاء صيغة التنفيذ أو الاعتراف بالحكم التحكيمي الدولي، اذ ذاك يمكن المراجعة ضد قراره امام محكمة الإستئناف وبالصورة الوجاهية وامام محكمة الإستئناف يمكن فسخ قرار رفض اعطاء الصيغة التنفيذية على سبيل المثال اذا اعطيت صيغة حكم تحكيمي بدون عقد تحكيمي، أو بناء على عقد تحكيمي باطل، أو حكم تحكيمي اعطي بدون مذاكرة أو حكم تحكيمي بموضوع خارج المهمة التحكيمية، ولكن الرقابة يمكن ان تذهب أبعد من ذلك بكثير لتتصدى لأساس النزاع. ولكن الأمر القضائي بإعطاء الصيغة التنفيذية للحكم التحكيمي الداخلي، غير قابل للإستئناف أو لأية مراجعة. وبالتالي فإن الحكم التحكيمي الداخلي الذي يكتسي صيغة التنفيذ لا يقف في وجهه أي عائق قانوني!
اما في التحكيم الدولي فالحكم التحكيمي الدولي الصادر في الخارج، في القانون الجديد، غير قابل لمرحلة ثانية امام القضاء والقانون يسميها إستئناف. فالحكم التحكيمي الدولي الصادر خارج الجزائر نهائي، ولكن صيغته التنفيذية قابلة للفسخ. وهكذا فرق قانون التحكيم الدولي الجديد بين:
فقرة 1: الحكم التحكيمي الدولي الصادر خارج الجزائر
1- الحكم التحكيمي الدولي الصادر خارج الجزائر لا يقبل الإبطال، ولكن القرار القضائي الذي يرفض اعطاء هذا الحكم التحكيمي الصيغة التنفيذية أو يرفض الإعتراف به، او يعطي صيغة التنفيذ قراراً دولياً صدر خارج الجزائر، هذا القرار القضائي يقبل الإستئناف.
2- هذا الأمر القضائي برفض اعطاء صيغة التنفيذ أو رفض الإعتراف بحكم تحكيمي دولي صادر خارج الجزائر يقبل الإستئناف، ولكن هذا الإستئناف ليست محددة أسبابه حصراً. اما الأمر القضائي بإعطاء صيغة التنفيذ حكماً تحكيمياً دولياً صادراً خارج الجزائر أو الإعتراف به فهو يقبل الإستئناف ضمن اسباب الإستئناف الستة المحددة حصراً .
والملاحظ ان القانون الجديد حدد أحكاماً لمراجعة الحكم التحكيمي الصادر خارج الجزائر وصيغته التنفيذية في الجزائر مختلفة تماماً عن احكام مراجعة الحكم التحكيمي الدولي الصادر الجزائر
فقرة 2: الحكم التحكيمي الدولي الصادر في الجزائر
1- الحكم التحكيمي الدولي الصادر في الجزائر قابل للإبطال ضمن شروط الإبطال الستة ويؤدي الطعن في بطلان الحكم التحكيمي الدولي الصادر في الجزائر الى طعن بقوة القانون في امر التنفيذ ويحول دون اعطائه صيغة التنفيذ لحين بت طلب الإبطال .
2- أسباب الإبطال ستة وهي لإبطال الحكم التحكيمي الدولي الصادر في الجزائر او لإستئناف الأمر القضائي بإعطاء صيغة التنفيذ أو بالإعتراف بالحكم التحكيمي الدولي الصادر خارج الجزائر وهي محددة على سبيل الحصر:
السبب الأول: اذا فصلت محكمة التحكيم بدون اتفاقية تحكيم أو بناء على اتفاقية باطلة أو انقضاء مدة الإتفاقية،
السبب الثاني: اذا كان تشكيل محكمة التحكيم او تعيين المحكم الوحيد مخالفا للقانون،
السبب الثالث: اذا فصلت محكمة التحكيم بما يخالف المهمة المسندة اليها،
السبب الرابع: اذا لم يراع مبدأ الوجاهية،
السبب الخامس: اذا لم تعلل محكمة التحكيم حكمها، أو اذا وجد تناقض في الأسباب،
السبب السادس: اذا كان حكم التحكيم مخالفاً للنظام العام الدولي.
3- والملاحظ أن القانون الجديد اعتمد فكرة النظام العام الدولي وليس النظام العام الداخلي بالنسبة الى الحكم التحكيمي الدولي والأمر القضائي بإعطائه صيغة التنفيذ، سواء الحكم التحكيمي الدولي الصادر خارج الجزائر أو الحكم التحكيمي الدولي الصادر في الجزائر.
4- الملاحظ ان اسباب الإبطال الستة لإستئناف الأمر القضائي بإعطاء صيغة التنفيذ أو الإعتراف بالحكم التحكيمي الدولي الصادر خارج الجزائر هي على سبيل الحصر بالنسبة الى الأمر القضائي بإعطاء صيغة التنفيذ والإعتراف، بينما ليست هي على سبيل الحصر وليست محصورة بالأسباب الستة بالنسبة إلى إبطال الحكم التحكيمي الدولي الصادر في الجزائر، اذ بينما نص القانون الجديد على أنه "لا يجوز استئناف الأمر القاضي بالإعتراف أو بالتنفيذ الا في الحالات الآتية" اي المحددة حصراً. الا انه حين جاء لإبطال الحكم التحكيمي الدولي الصادر في الجزائر نص على أنه "يمكن ان يكون حكم التحكيم الدولي الصادر في الجزائر موضوع طعن بالبطلان في الحالات المنصوص عليها في المادة 1056" ففي المادة 1056 يقول القانون الدولي الجديد "لا يجوز استئناف". بينما يقول في المادة 1058 "يمكن ..." "فلا يجوز" بالنسبة الى الحكم الدولي الصادر في الخارج الا للأسباب الستة المحددة على سبيل الحصر "ويمكن" بالنسبة الى الحكم التحكيمي الدولي الصادر في الجزائر. "يمكن" أي انه يمكن الإستناد إلى الأسباب الستة للإبطال كما يمكن الإستناد الى غيرها..
5- الملاحظ أن المادة 1056 نصت على أنه "لا يجوز استئناف الأمر القاضي بالإعتراف أو بالتنفيذ الا في الحالات الآتية: (الحالات الست الواردة أعلاه) بينما نصت المادة 1058الفقرة الثانية على أنه "لا يقبل الأمر الذي يقضي بتنفيذ حكم التحكيم الدولي المشار اليه اعلاه (اي الصادر في الجزائر) اي طعن، غير أن الطعن في بطلان حكم التحكيم يرتب بقوة القانون الطعن في أمر التنفيذ... وبالتالي فإن اعطاء صيغة التنفيذ أو الإعتراف بالحكم التحكيمي الصادر في الجزائر يعتبر محصناً من آية مراجعة قضائية الا مراجعة ابطال الحكم التحكيمي الدولي ذاته التي تؤدي الى شل اثر الصيغة التنفيذية لحين بت القضاء طلب ابطال الحكم التحكيمي الدولي الصادر في الجزائر.
6- في كل الأحوال يوقف تقديم الطعون واجل ممارستها تنفيذ احكام التحكيم
7- تكون القرارات القضائية الآمرة برفض اعطاء صيغة التنفيذ أو رفض الإعتراف بالحكم التحكيمي قابلة للإستئناف وللنقض
8- القرار القضائي الأمر بإعطاء صيغة التنفيذ أو الإعتراف بالحكم التحكيمي الدولي الصادر في الجزائر قابل للإستئناف والنقض.
9- الأمر القضائي الذي يبت طلب أبطال الحكم التحكيمي الصادر في الجزائر قابل للإبطال والنقض.
ملاحظة: تنشر مجلة التحكيم في باب "القوانين"، فصل التحكيم من قانون الاجراءات المدنية والادارية الجزائري الجديد.