الخدمات

ابواب التحكيم الرئيسية
  • متفرقات / قوانين التحكيم في الدول العربية / المجلات العلمية / مجلة التحكيم من آكت لحل النزاعات - العدد الأول / مدى اعتبار وباء كورونا قوة قاهرة »في القوانين الفلسطينية والمقارنة"

  • الاسم

    مجلة التحكيم من آكت لحل النزاعات - العدد الأول
  • تاريخ النشر

    2020-01-01
  • عدد الصفحات

    51
  • رقم الصفحة

    28

التفاصيل طباعة نسخ

المقدمة:

من أجـل مواجهة وبــاء أو جائحة كـورونـا )كوفيد 19 ،)فقد أصــدر الرئيس الفلسطيني بتاريخ 5 آذار 2020 مرسوما بإعلان حالة الطوارئ في جميع الاراضي الفلسطينية لمدة 30 يوما، وقد تم تجديد اعالن حالة الطوارئ منذ ذلك الحين. وتطبيقا لذلك، فقد تم اتخاذ العديد من الاجـراءات والوسائل كما هو الحال في معظم الدول – للحد من انتشار هذا الوباء العالمي، من إغالق للحدود، وإغالق للمحالت والمنشآت التجارية والصناعية، ومنع التجمعات، وحالات الحجر، وغيرها.

وقد أثرت هذه الجائحة وما رافقها من إعالن حالة الطوارئ، على جميع مناحي الحياة سواء بالنسبة للفرد أو الجماعة. وما يعنينا في هذا المقام، هو تأثير جائحة كورونا على النواحي الاقتصادية، ليس فقط انعكاسات هذه الجائحة على الجوانب الاقتصادية والمالية البحتة، إنما أيضا انعكاساتها على الجوانب القانونية المختلفة، حيث تثير هذه الجائحة العديد من الاسئلة القانونية الهامة سواء في إطار القانون العام أو القانون الخاص، وفي إطار القانون الموضوعي والقانون اإلجرائي كذلك.

ومن ضمن الاسئلة التي يمكن طرحها في إطار القانون الخاص: ما مدى تأثير جائحة كورونا على إجراءات التقاضي من حيث رفع الدعاوى والتبليغات والحضور أمام المحاكم أو المدد القانونية المختلفة سواء كانت مدد طعن بالاحكام القضائية أو مدد تقادم أو مدد سقوط ؟ وما مدى اعتبار جائحة كورونا قوة قاهرة أو ظروف طارئة وما يترتب على ذلك من نتائج ؟ وما مدى تأثير ذلك على تنفيذ العقود عموما، وعلى بعض العقود بوجه خاص كعقود العمل وعقود اإليجار وعقود التوريد وغيرها ؟

ونظرا لعدم إمكانية الاجابة على جميع الاسئلة السابقة، فإننا سنقصر هذه الورقة على الاجابة على السؤال المحوري التالي:

ما مدى اعتبار جائحة كورونا قوة قاهرة، وما هي الاثار القانونية المترتبة على ذلك؟. وبناء عليه، نتناول شروط تطبيق نظرية القوة القاهرة )أولا ثم نتناول النتائج القانونية المترتبة على القوة القاهرة )ثانيا(. أولا: شروط تطبيق نظرية القوة القاهرة تشترط القوانين عدة شروط مجتمعة لتطبيق نظرية القوة القاهرة وهي:

أن يكون الحادث أو الظرف خارجا عن سيطرة المدين، وأن يكون غير متوقع، وغير ممكن الدفع، وأن يجعل تنفيذ الالتزام مستحيلا. ويخضع التحقق من هذه الشروط للسلطة التقديرية لقاضي الموضوع، تجنبا للتعسف. وبناء عليه، سنقوم بدراسة هذه الشروط على التوالي، مع بيان في كل منها مدى تحققها في جائحة كورونا.

أن يكون الحادث خارجا عن سيطرة المدين يتطلب تطبيق نظرية القوة القاهرة، أن يكون الحادث أو الظرف خارجا عن سيطرة المدين أو باألحرى سيطرة الطرفين، ويتحقق ذلك عندما تعود استحالة التنفيذ إلى سبب أجنبي، منها على سبيل المثال حدوث زلازل أو براكين أو حروب أو ثورات أهلية أو انتشار أوبئة أو حظر السلطات استيراد وتصدير بعض السلع وغيرها. ولا شك أن جائحة كـورونـا تجعل هـذا الشرط متحققا، كونها تمثل سببا أجنبيا خارجا عن سيطرة المدين، لانه وباء عالمي أصاب معظم دول العالم، واقتضى من جميع الدول اتخاذ اجراءات وتدابير طارئة وصارمة لمنع انتشار هذا الوباء، ومن ضمنها إعلان حالة الطوارئ في الاراضـي الفلسطينية وما رافق ذلك من منع التنقل والسفر واغلاق المحلات والمنشآت والحجر والعزل للحالات المرضية وغيرها للحد من انتشار الوباء. وفي هذا الاطار، فقد قضت محكمة التمييز الاردنية أن الاوامر الادارية الواجبة التنفيذ تعتبر من قبيل القوة القاهرة أن يكون الحادث غير متوقع إن أحد أهم شروط تطبيق نظرية القوة القاهرة، هو أن لا يكون الحادث أو الظرف الذي أدى إلى استحالة تنفيذ الالتزام متوقعا، الا ان الظرف إذا كان متوقعا، ومع ذلك أقدم الاطراف على ابرام العقد، فإن ذلك يعني أنهم قد أخذوا هذا الحادث أو الظرف بالحسبان عند ابرام العقد. ويقتضي شرط عدم التوقع، أن ال يكون الحادث نفسه أو نتائجه الضارة متوقعا بشكل معقول لحظة ابرام العقد، وذلك من خلال مقارنة سلوك الاطراف بأشخاص آخرين من نفس الصفة في ظروف مماثلة. وبناء عليه، يمكن اعتبار وباء كورونا بسبب انتشاره الواسع على نطاق عالمي ودرجة خطورته والذي أصاب معظم القارات والدول، والوسائل العالمية والوطنية المستخدمة لمواجهته، وعدم وجود وسائل للحد من انتشاره حتى الان، وعدم وجود عالج له عالميا، واتخاذ جميع الدول اجـراءات لمواجهته، تجعل منه قوة قاهرة نظرا لعدم إمكانية توقعه أو توقع نتائجه الضارة إلى هذا الحد.

ويقدر عدم التوقع بيوم إبرام العقد. وبالتالي فإن اعتبار وباء كورونا فيما إذا كان يشكل قوة قاهرة أم لا، يتوقف على تحديد تاريخ ابرام العقد بالنسبة لتاريخ حدوث جائحة كورونا. وبناء عليه، فإن العقود التي كانت مبرمة قبل حصول جائحة كورونا، يمكن أن يقوم القاضي بتكييفها على أنها تشكل قوة قاهرة إذا توافرت باقي الشروط. أما العقود التي أبرمت بعد تاريخ الاعلان عن جائحة كورونا، فال يمكن اعتبارها قوة قاهرة لانتفاء شرط عدم التوقع.

ولكن السؤال الذي يثور بهذا الصدد، ما هو التاريخ الذي يجب أخذه بالاعتبار عند تحديد مدى توقع جائحة كورونا؟ فهل هو تاريخ اعالن حالة الطوارئ في فلسطين بموجب المرسوم الرئاسي الصادر بتاريخ 5 آذار 2020 ؟ أم تاريخ اعالن منظمة الصحة العالمية ألول مرة عن وباء كورونا معتبرة إياه وباء يهدد الصحة العامة على نطاق عالمي، أي بتاريخ 30/01/2020 أو تكرار ذلك بتاريخ 27/02/2020 ؟ أم بتاريخ اعلان الصين عن هذا الوباء في شهر سبتمبر/أيلول 2019 ؟ ويتوقف تحديد مدى توقع المتعاقدين لجائحة كورونا على التقدير القضائي في كل دولة على استقلال، استنادا الي من التواريخ السابقة، ولكن على الاقل، يمكن في فلسطين جعل التاريخ المعتمد لتقدير مدى التوقع من عدمه، هو تاريخ صدور المرسوم الرئاسي الاول مرة بإعلان حالة الطوارئ في فلسطين لمواجهة وباء كورونا. ان يكون الحادث غير ممكن الدفع من شروط القوة القاهرة، أن يكون الحادث أو الظرف غير ممكن الدفع باتخاذ المدين وسائل وتدابير معقولة من جانبه للحيلولة دون وقوع الحادث أو تفادي نتائجه الضارة. وبالنسبة لتقدير هذا الشرط، فإن القاضي يقوم بتقدير ذلك بالبحث عن مدى إمكان الشخص العادي الموجود في نفس الظروف مواجهة مثل هذا الحادث. وبالنسبة لوباء كورونا، يجب على المدين أن يثبت أنه بسبب التدابير التي اتخذتها الحكومة لمواجهة هذا الوباء، لم يكن بإمكانه تنفيذ التزامه. والواقع، أن تطبيق هذا الشرط يقتضي النظر إلى كل حالة على حدة، وال يمكن وضع حكم عام بانطباق أحكام القوة القاهرة على وباء كورونا أم لا. فمثال القطاع السياحي من نقل وفنادق وتذاكر سفر وحجوزات سياحية وغيرها، وكذلك النوادي والصالات الرياضية وحجوزات المباريات الرياضية، وصــالات الافـــراح والمناسبات والنقل الـعـام، بل والعمل في كل هذه القطاعات، قد تأثرت بشكل كبير بسبب وباء كورونا نتيجة إعالن حالة الطوارئ وما رافق ذلك من اغالق الحدود وحظر السفر ومنع التجمعات والحجر وغيرها، فإن عدم إمكانية الدفع تكون متحققة بشأنها. وكذلك الامر بالنسبة لمنع نقل البضائع من خالل منع الاستيراد التصدير من وإلى الخارج، يجعل عدم إمكانية الدفع متحققة أيضا. في المقابل، فإن بعض القطاعات قد تأثرت لا شك من وباء كورونا ولكنها استمرت في عملها وممارسة نشاطها ولو كان ذلك بشروط غير عادية وأوقات محددة، كالمحالت التجارية وبعض الشركات خصوصا الصحية منها والصيدليات، فإن عدم إمكانية الدفع ال يكون متحققا بشأنها.

وكذلك فإن بعض المشروعات والمنشآت والمحلات، قد غيرت في طريقة عملها للتأقلم مع الوضع القائم وحالة الطوارئ، من خالل العمل في المنزل مثال أو عبر وسائل الانترنت والتعليم الالكتروني وغيرها، فهي كذلك استمرت في ممارسة نشاطها، وهو ما ينطبق كذلك على بعض المنشآت والمحلات التي اعتمدت نظام التوصيل إلى المنازل كبعض المطاعم مثال، فيكون من الصعب تطبيق شرط عدم إمكانية الدفع بشأنها بسبب جائحة كورونا.

وبناء عليه، فإن شرط عدم إمكانية الدفع هو الشرط األصعب من ناحية تقديره مقارنة بباقي شروط القوة القاهرة بشأن وباء كورونا.

حيث أنه من الضروري إجراء تقدير واقعي آثار الوباء على النشاط نفسه وعلى حسن تنفيذ العقد، بحيث يجب اثبات أن الوباء قد أدى إلى استحالة تنفيذ العقد )وليس جعله فقط صعب التنفيذ كما في نظرية الظروف الطارئة بحيث يهدد المدين بخسارة فادحة( بسبب الوباء، وهل كان بإمكان هذا الشخص اتخاذ وسائل معقولة من جانبه، لمواجهة الحادث، حتى لا يصبح التنفيذ مستحيل.

ثانيا: النتائج القانونية المرتبة على تحقق القوة القاهرة:

يجب أن يصبح تنفيذ العقد مستحيال نتيجة الحادث أو الظرف الذي يشكل قوة قاهرة، وليس فقط أن يجعل تنفيذ العقد مرهقا او مكلفا للمدين بحيث يهدده بخسارة فادحة لان الامر عندها يتعلق بتطبيق نظرية الظروف الطارئة التي تسمع للقاضي بتعديل العقد، وليس استحالة التنفيذ للقوة القاهرة. وفي جميع، الاحوال، يجب اثبات أن جائحة كورونا وما رافقها من إعلان لحالة الطوارئ كانت هي السبب في استحالة تنفيذ العقد. بناء عليه، بعد عرض الحكم العام العتبار جائحة كورونا قوة قاهرة، نبين موقف الدول الاخرى من هذه الجائحة، ومن ثم نشير إلى بعض السوابق القضائية الفلسطينية المفيدة بهذا الشأن.

الحكم العام لجائحة كورونا باعتبارها قوة قاهرة:

يشترط لتطبيق نظرية القوة القاهرة أن يصبح تنفيذ الالتزام في العقد الملزم للجانبين مستحيال، والمقصود بالاستحالة في هذا الصدد هي الاستحالة الموضوعية المتعلقة بااللتزام ذاتـه، وليس االستحالة الذاتية فإذا كانت الاستحالة راجعة إلى قوة قاهرة، المتعلقة بشخص المدين فإن العقد ينفسخ بقوة القانون، وينقضي الالتزام المقابل مع الالتزام الذي استحال تنفيذه، لان التزام كل طرف في العقود الملزمة للجانبين هو سبب لالتزام الطرف الاخر. وبانفساخ العقد بالقوة القاهرة تزول جميع الالتزامات المترتبة على العقد بأثر رجعي بحيث يستند إلى وقت ابرام العقد، وذلك يقتضي إعـادة المتعاقدين إلى الحالة التي كانا عليها قبل التعاقد في العقود الملزمة للجانبين. وفي العقود مستمرة التنفيذ، فيسري االنفساخ بالنسبة للمستقبل دون الماضي، كعقد االيجار، حيث يلتزم المستأجر بدفع األجرة عن مدة االنتفاع بالمأجور، ألنه ال يمكن عودة الالتزامات الى الماضي.

واالنفساخ بقوة القانون، ال إعذار فيه، وال يتم اللجوء إلى القضاء لتقريره، بل ينفسخ العقد بقوة القانون من تلقاء نفسه، فإذا تم اللجوء إلى القضاء، فيكون دور القاضي فقط التحقق من شروط القوة القاهرة، وأن االلتزام قد أصبح تنفيذه مستحيال. أما الاستحالة الجزئية، فإنها ال تؤدي إلى انفساخ العقد بقوة القانون، إنما ينقضي من الالتزام بمقدار الجزء الذي استحال تنفيذه، ويظل العقد قائما في الجزء الباقي، ولكن يجوز للدائن في هذه الحالة فسخ العقد بشرط إعالم المدين بذلك. والاستحالة الوقتية، تأخذ نفس حكم االستحالة الجزئية، ففي عقود المدة مستمرة التنفيذ، كعقود العمل وعقود االيجار وعقود التوريد، إذا استحال التنفيذ لفترة من الزمن، انقضى التزام المدين بما يقابل مدة الاستحالة، على أن يستأنف تنفيذ العقد بعد زوال القوة القاهرة، ولكن بشرط أن يبقى تنفيذ العقد مجديا للدائن، وفي جميع الاحـوال يجوز للدائن فسخ العقد بشرط علم المدين بذلك.

وفي ذلك تقول المذكرات الايضاحية للقانون المدني األردني، أنه إذا استحال االنتفاع بالارض المؤجرة مدة معينة بسبب ما غشاها من المياه، فإن المؤجر لا يستحق ما يقابل هذه المدة، ولكن يكون للمؤجر خيار الفسخ جميع الاحكام السابقة تطبق على القوة القاهرة الناجمة عن جائحة كورونا، مع مالحظة أنه يجب التحقق من عدم وجود شروط في العقد تحمل أحد األطراف أو كليهما نتائج القوة القاهرة، وهي شروط جائزة في معظم القوانين العربية والاجنبية ووفق الرأي الراجح في الفقه، وذلك على أساس أن أحكام القوة القاهرة ليست من النظام، وبالتالي يجوز لألطراف استبعاد أحكامها باتفاق مخالف، وذلك خالفا ألحكام نظرية الظروف الطارئة التي هي من النظام العام.

موقف الدول األخرى من اعتبار جائحة كورونا قوة قاهرة:

لقد أعلن وزير االقتصاد والمالية الفرنسي صراحة أن فيروس كوفيد 19 يعتبر حالة قوة قاهرة بالنسبة للعقود التي أبرمتها الشركات مع الدولة الفرنسية. وأصدر المجلس الصيني لتنمية التجارة منذ تاريخ 2/2/2020 شهادات بالقوة القاهرة ناجمة عن وباء كورونا لمصلحة شركات الصناعة والتجارة الصينية، وتفيد هذه الشهادات بإعفاء الشركات عن اخاللها بتنفيذ التزاماتها التعاقدية بسبب حالة اإلغالق والحجر وإعالن حالة الطوارئ في الصين لمواجهة هذا الـوبـاء، فبموجب هـذه الشهادات، تستطيع الشركات الصينية التمسك بإعفائها من المسؤولية عن اخاللها بتنفيذ التزاماتها التعاقدية بسبب هذه الجائحة.

وبالنسبة العتبار جائحة كورونا قوة قاهرة، فقد أصدرت محكمة استئناف كولمار الفرنسية بتاريخ 12/3/2020 قرارا باعتبار جائحة كورونا قوة قاهرة ويتناول هذا القرار مسألة إجرائية، متعلقة بقرار السلطات الفرنسية الحجر على شخص قام بمخالطة أشخاص قد يكونوا مصابين بفيروس كورونا، فقضت محكمة استئناف كولمار بأن »هذه الظروف الاستثنائية، والتي منعت هذا الشخص من حضور الجلسة في اليوم المحدد تتصف بالقوة القاهرة، كونها خارجة عن ارادته، وغير متوقعة وغير ممكنة الدفع، وأن هذا الشخص خلال هذه الفترة، لا يمكن ضمان عدم اصابته بالفيروس وعدم امكانية إحضاره من قبل الجهات المختصة لحضور الجلسة. وال يوجد تحت تصرف هذا الشخص أدوات مادية تسمح للمحكمة باالستماع له عبر وسائط الكترونية حديثة. في هذه القضية، كيفت المحكمة خطر اصابة هذا الشخص بفيروس كورونا على أنه قوة قاهرة، مع ذكرها لشروط القوة القاهرة، وانها تعفي من المسؤولية كونها تتعلق بظروف خارجية، وغير متوقعة وغير ممكنة الدفع. وترجع أهمية قرار محكمة استئناف كولمار الفرنسية، كونه يخالف العديد من القرارات القضائية السابقة الصادرة في فرنسا، بخصوص أوبئة أخرى )منها وباء إيبوال، وحمى الضنك الوخيمة، وانفلونزا دينغ، ووباء H1N1 وغيرها(، حيث لم تعتبرها المحاكم الفرنسية قوة قاهرة بالنظر إلى ظروف القضايا التي كانت معروضة عليها، ولكن المحاكم الفرنسية، لم تستبعد في هذه القرارات، إمكانية انطباق شروط القوة القاهرة على هذه األوبئة في حاالت أخرى. وقد استندت المحاكم الفرنسية في استبعاد وصف القوة القاهرة عن هذه األوبئة، إما ألن المرض كان معروفا، أو لان خطر انتشار الوباء أو اثاره على الصحة العامة لم تكن مميتة، أو لان الوباء كان محصورا انتشاره في اقليم معين، وغيرها من األسانيد. وبمقارنة الاتجاهات القضائية السابقة، فإن األمر مختلف بالنسبة لفيروس كورونا، وذلك بسبب سرعة انتشار وباء كورونا واتساع رقعة انتشاره عالميا، في معظم دول العالم، والتدابير الاستثنائية التي اتخذتها الــدول في مواجهته، وكذلك بسبب أن فيروس كورونا لم يكن معروف النتائج، وبالتالي غير متوقع، وغير ممكن الدفع.

بعض السوابق القضائية الفلسطينية المفيدة بشأن اعتبار جائحة كورونا قوة قاهرة:

وبالنسبة للوضع القانوني في الضفة الغربية، فقد صـدرت العديد من القرارات القضائية المفيدة بشأن تطبيق نظرية القوة القاهرة على وباء كورونا. ومن هذه القرارات، اعتبار قوة قاهرة تغيب الشخص خارج البالد ]4[[1967 ،وكذلك اعتبار خضوع لسبب خارج عن إرادته بسبب الاحتلال لسنة الاشخاص المعنيين الاقامة الجبرية التي فرضها االحتالل يعتبر قوة قاهرة وأيضا اعتبار منع التجول والاغلاقات قوة طالما أنه قد تم إثبات ذلك قـاهـرة وفـق مـا قضت بـه محكمة النقض الفلسطينية: »حـالـة الـضـرورة والتدهور الاقتصادي التي عاشتها مدينة نابلس خلال فترة المطالبة تحت ظل منع التجول واالغالقات المستمرة حيث اغلقت العديد من المؤسسات بسبب هذه الظروف في حين خفض الكثير منها عماله، والبعض خفض نسبة الرواتب وساعات العمل حتى يستطيع الصمود في الوضع القائم وان تخفيض راتب الطاعن جاء منسجما مع المادة 42/أ من قانون العمل رقم 7 لسنة 2000 لذا فإن مطالبة الطاعن بالفروقات لا مبرر له بعد أن تقاضى الطاعن راتبه المخفض لمدة تزيد عن ستة اشهر وان سكوته طوال هذه  .

وكذلك ما قضت به محكمة الفترة يعتبر موافقة منه على التعديل« استئناف رام الله: »... رد المطالبة فيما يتعلق ببدل الفصل التعسفي ً باعتبار أن االجتياح الاسرائيلي يشكل سببا وقوة قاهرة حالت دون استمرار عمل المدعي عليه ما تسبب في الخسائر له ولمحله واضطر إلغالق المحل وتصليحه وهو الامر الذي ورد على لسان المدعي وشاهد المدعو كامل« وما جاء في قرار آخر لذات المحكمة : »أما عن السبب الثاني من أسباب الاستئناف فان المحكمة تجد أن وقائع الدعوى ثابتة من حيث ترك المدعي )المستأنف ضده( العمل بالمطعم نتيجة الاجتياح اإلسرائيلي وما خلفه هذا االجتياح من أضرار بالغة بالمطعم وبالتالي خسارة مادية وال يندرج هذا األمر تحت مفهوم الفصل التعسفي ويكون إنهاء عمل المدعي في هذه الحالة بسبب قوة قاهرة ً وخسارة المستأنف، ويكون المستأنف محقا في سببه وعلى نحو أكثر تفصيال بخصوص عقد عمل، ما قضت به محكمة هذا« استئناف رام الله أيضا: »إننا نجد انه ال يوجد أي فرق بين نص المادة 32 والفقرة االولى من المادة 42 سوى ان المادة 42 حددت الحالات التي يجوز فيها للعامل ترك العمل بعد اشعار صاحب العمل مع احتفاظه بكافة حقوق القانونية بما فيها الحالة الواردة في المادة 32 أي ان حق العامل في حال تشغيله خالفا ألحكام المادة 32 من قانون العمل في عمل يختلف اختالفا بينا في نوعه ودرجته عن العمل المتفق عليه هو ترك العمل والاحتفاظ بكافة حقوقه بعد اشعار صاحب العمل وال تعتبر حين توفر هذه الحالة فصل تعسفي ذلك ان المادة 42 حددت الحالات التي يجوز للعامل ترك العمل مع احتفاظه بكافة حقوقه بعد اشعار صاحب العمل والمادة 4 حددت الحالات التي يجوز لصاحب العمل انهاء العمل دون اشعار العامل بينما الفصل التعسفي هو انهاء عقد العمل دون وجود اسباب موجبه لذلك وفق ما جاء في المادة 46 من قانون العمل وبالتالي حتى يعتبر انهاء العقد هو نتيجة فصل تعسفي يجب ان يكون قائما على نظرية التعسف في استعمال حق صاحب العمل في انهاء عقد العمل ومعنى التعسف هو استعمال حق دون اسباب تبرره وحيث ان انهاء عقد العمل في هذه الحالة جاء من قبل المستأنفة وليس من قبل صاحب العمل اضافة الى ان التعبير في طبيعة العمل لم يكن يقصد به التعسف كي يندرج تحت نظرية التعسف باستعمال الحق ما دام ان الاجر لم ينقص وان الاختلاف في العمل لم يكن اختلافا بيننا او تغيير في الدرجة وبما ان هذا التصرف غير قائم على التعسف فان حق العامل في هذه الحالة هو ترك العمل مع احتفاظه بكافة الحقوق بما فيها مكافاة نهاية الخدمة وهذا ما تم احتسابه للمستأنفة وبالتالي فان جاء في . هذا السبب لا يرد على الحكم المستأنف

الخاتمة:

لاشك أن شروط القوة القاهرة والنتائج المترتبة عليها المذكورة أعاله، تبين أنه يمكن بالفعل انطباق هذه الشروط على جائحة كورونا، وأن القرارات القضائية الفلسطينية والمقارنة سابقة الذكر تتقاطع بشكل كبير مع القوة القاهرة الناجمة عن هذه الجائحة، سواء من حيث إغالق المحلات والمنشآت التجارية والصناعية، وإغـاق الحدود، وحظر السفر، وحـالات الحجر الصحي وغيرها، الناجمة عن الاجراءات الطارئة التي اتخذتها الحكومة الفلسطينية أو الاجـراءات المماثلة التي اتخذتها الدول الاخرى بهذا الصدد، تعطي جميعا سندا قانونيا قويا الاعتبار جائحة كورونا قوة قاهرة مع كل ما يترتب على ذلك من نتائج.