الخدمات

ابواب التحكيم الرئيسية
  • متفرقات / قوانين التحكيم في الدول العربية / الكتب / قانون التحكيم التجاري الدولي والداخلي / منهج توحيد احكام وقواعد التحكيم الداخلي والدولي

  • الاسم

    د. أحمد عبدالكريم سلامة
  • تاريخ النشر

    2004-01-01
  • اسم دار النشر

    دار النهضة العربية
  • عدد الصفحات

    1320
  • رقم الصفحة

    215

التفاصيل طباعة نسخ

 التحكيم في القانون المصري 

منهج توحيد القانون

 لماذا أثر المقنن منهج التوحيد :

اتجهت العديد من القوانين المعاصرة في شأن التحكيم إلى توحيد أحكام وقواعد التحكيم الداخلي والدولي ، وصوغ أحكام واحدة لتسرى على كلا النوعين من التحكيم .

من ذلك مثلا ، قانون التحكيم النمساوى لعام ۱۹۸۳، ونظام التحكيم السعودى لعام ۱۹۸۳ وقانون التحكيم الهولندى لعام ١٩٨٦ ، وقانون التحكيم لدولة الإمارات العربية المتحدة لعام ۱۹۹۲ ، وقانون التحكيم المكسيكي لعام ١٩٩٣ ، وقانون التحكيم الإنجليزى لعام ۱۹۹٦ ، وقانون التحكيم البرازيلي لعام ۱۹۹٦ ، وقانون التحكيم الألماني لعام ۱۹۹۷ ، وقانون التحكيم البلجيكي لعام ۱۹۹۸ ، وقانون التحكيم السويدي لعام ۱۹۹۹، وقانون التحكيم لسلطنة عمان لعام ١٩٩٧ .. وهناك بعض القوانين التي نظمت التحكيم الداخلي بقواعد وأحكام مستقلة عن التحكيم الدولى ، وإن ضم الاثنين تقنين واحد . من ذلك مثلا ، قانون التحكيم الفرنسي ، وقانون التحكيم اللبناني لعام ۱۹۸۵ وقانون التحكيم البرتغالى لعام ١٩٨٦ ، وقانون التحكيم التونسى لعام (۱۹۹۳) ، وقانون التحكيم الجزائري لعام ١٩٩٣ ، وقانون التحكيم الإيطالي لعام ١٩٩٤ ، وقانون التحكيم الموريتاني لعام ۲۰۰۰.

وقد انضم قانون التحكيم المصرى إلى الفريق الأول ، حيث صدر في ٥٨ مادة تتكلم عن التحكيم بصفة عامة دون تفريد أحكام وقواعد خاصة بالتحكيم الداخلى ، وأخرى خاصة بالتحكيم الدولى.

ويبدو أن المقنن كان يرغب في تحديث الأحكام والقواعد المنظمة للتحكيم الداخلى الواردة في قانون المرافعات المدنية والتجارية ، على ضوء الممارسات العملية لتطبيقها . وبدلا من أن يتدخل بالتعديل في تلك القواعد والأحكام، وخشية من تكرارها . على الأقل في مبادئها العامة ، عند صياغة قواعد وأحكام التحكيم الدولي ، وجد من حسن الصنعة التشريعية إلغاء القواعد الواردة في قانون المرافعات ، واستبدالها بقواعد عصرية ، في إطار تنظيم عام وشامل للتحكيم في المواد المدنية والتجارية، دون تفرقة بين التحكيم الداخلي والتحكيم الدولى ، معتقدا بذلك أنه قد أحسن صنعا ، وجود منهجا .

وهذا ما لا نعتقده .

 مثالب منهج المقـنن فى التوحيد :

ومهما كانت الغايات التي تقف وراء منهج المقنن المصرى فى التوحيد بين أحكام وقواعد نوعى التحكيم الداخلى والدولى ، فإنها لا تستر العوار الذي كشف عنه هذا المنهج .

وإذا تأملنا التقنين الذي يضم بين دفتيه قانون التحكيم المصرى، نجد أن مظاهر سوءات وعوار منهج المقنن في التوحيد تقرع السمع والبصر . وبترتيب أحكام القانون نرى : من ناحية ، المادة الثالثة من القانون، اهتم فيها المقنن بتحديد متى يكون التحكم دوليا. وقد سبق أن عرضنا المعيار دولية التحكيم .

ومن ناحية ثانية ، المادة الخامسة من القانون ، التي تنص على أنه "في الأحوال التى يجيز فيها هذا القانون لطرفي التحكيم اختيار الإجراء الواجب الاتباع في مسألة معنية تضمن ذلك حقهما في الترخيص للغير في اختيار هذا الإجراء، ويعتبر من الغير في هذا الشأن كل منظمة أو مركز للتحكيم فى جمهورية مصر العربية أو في خارجها" .

إن هذا النص قد ورد فى الباب الأول من القانون والمعنون "أحكام عامة"، مما يعنى سريانه على كل أنواع التحكيم ، دون تفرقة بين تحكيم دولى وآخر داخلى . وهنا يكمن الداء .

هل يجوز في تحكيم داخلي يجرى بين أطراف مصريين ومعاملة وطنية في كل عناصرها ، أن يختار الأطراف الإجراءات الواجبة الاتباع في مسألة معنية ، كمسألة, رد المحكم ، أو العدد الوترى لهيئة التحكيم ، أو كيفية تقديم أو رفع الدعوى ، ومذكرات الدفاع والطلبات العارضة ، وتعديل الطلب الأصلي ، وكيفية إدارة الجلسات وسماع الشهود

وهل يجوز ترخيص الأطراف للغير ، كمنظمة أو مركز تحكيم مصرى أو أجنبي ، في اختيار أو تحديد هذا الإجراء ؟ ألم يكن من حسن الصفة التشريعية تخصيص هذا النص للتحكيم الدولى ، وحسره عن التحكيم الداخلي ؟

ومن ناحية ثالثة ، المادة السادسة من القانون ، التي تنص على أنه "إذا اتفق طرفا التحكيم على إخضاع العلاقة القانونية بينهما لأحكام عقد نموذجى أو اتفاقية دولية أو أية وثيقة أخرى ، وجب العمل بأحكام هذه الوثيقة بما تشمله من أحكام خاصة بالتحكيم".

ونتساءل : هل يتعلق هذا النص بالتحكيم الدولى أم بالتحكيم الداخلي ؟ إذا كان المقنن يقصد سريانه على هذا الأخير ، فذلك سفه تشريعي . خذ مثلا ، لو أن شركة زراعية مصرية باعت كمية من المانجو أو الفراولة لشركة مصرية أخرى لتسويق المنتجات الزراعية وتوزيعها على تجار التجزئة المصريين ، واستخدم الطرفان وثيقة أو عقد غطى contrat - type لبيع تلك الأنواع من الفواكه وبه أحكام خاصة بالخضوع لقواعد خاصة بالتحكيم لدى مركز تحكيم أوروبي أو هيئة تحكيم أجنبية ، هل تستبعد أحكام قانون التحكيم المصرى . لأنه وعملا بنص المادة السادسة المذكورة وجب العمل بأحكام هذه الوثيقة بما تشمله من أحكام خاصة بالتحكيم. 

بيد أن العوار الذى يشوب المادة السادسة لا يمكن ستره ، إلا بتحديد مجال إعماله وتطبيقه، وذلك بقصر حكمه على التحكيم الدولي الذي يجرى فى مصر ، حيث يكون للأطراف حرية أكبر وسلطانا في تسيير عملية التحكيم . وحتى في هذه الحالة يجب على هيئة التحكيم ، وحيث يجرى التحكيم فى مصر ، مراعاة القواعد الآمرة التي وردت في قانون التحكيم المصرى .

وتجرى قوانين التحكيم المقارنة على تبنى هذا التحديد ، ولا تجيز استبعاد القواعد الآمرة ، حتى ولو كان التحكيم دوليا يجرى داخل الدولة . من ذلك قانون التحكيم الإنجليزي لعام ١٩٩٦ الذي يتكلم في مادته الأولى (ب) عن حماية المصلحة العامة Public interest وفي المادة ٤١ عن القواعد الآمرة Mandatory rules وكلها أمور لا يجوز الخروج عليها ، أيا كان نوع التحكيم . وعلى نحو أكثر صراحة جاء موقف القانون الألمانى لعام ۱۹۹۷ . فقد نص البند الثالث من المادة ١٠٤٢ من قانون الإجراءات المدنية ، والتي تتكلم عن القواعد العامة للتحكيم ، على أنه مع التحفظ بالنسبة للنصوص الأمرة فى هذا الكتاب - الكتاب العاشر من قانون الإجراءات المدنية المخصص للتحكيم - يكون الأطراف أحرارا في تنظيم الإجراءات بأنفسهم ، أو بالإحالة إلى لائحة تحكيم )) .

ومن ناحية رابعة ، المادة التاسعة من القانون ، التي تنص على أن ۱ - يكون الاختصاص بنظر مسائل التحكيم التي يحيلها هذا القانون إلى القضاء المصرى للمحكمة المختصة أصلا بنظر النزاع . أما إذا كان التحكيم تجاريا دوليا، سواء جرى في مصر أو في الخارج ، فيكون الاختصاص لمحكمة استئناف القاهرة ما لم يتفق الطرفان على اختصاص محکم استئناف أخرى في مصر .

٢- وتظل المحكمة التي ينعقد لها الاختصاص وفقا للفقرة السابقة دون غيرها صاحبة الاختصاص حتى انتهاء جميع إجراءات التحكيم

وهذا النص يحدد المحكمة القضائية المختصة التي تتولى الفصل في المسائل التي يحيلها إليها قانون التحكيم ، وهي في التحكيم الداخلي المحكمة المختصة أصلا بنظر النزع ، وهي في التحكيم الدولي ، أيا كان مكان أجراؤه ، محكمة استئناف القاهرة ، ما لم ينفق المحتكمون على جعل الاختصاص المحكمة أخرى .

ومن المسائل التي يحيلها قانون التحكيم إلى أى من هاتين المحكمتين ، تلك المنصوص عليها في المواد ۱٤ ۱۷ ، ۳/۱۹ ، ٢٠، ٢/٢٤ ، ٣٧، ٥٤، ٥٦ ٣/٥٨ من ذات القانون .

والبادي أن المقنن المصرى، وهو ينقل عن القانون النمطي للجنة الأمم المتحدة للقانون التجارى الدولى لعام ١٩٨٥ نص المادة المذكورة ، قد وجد نفسه إلى تحديد المحكمة المشار إليها فى المادة 4 من القانون .

ومسلك المقنن فى التحديد يثير التعجب ، ليس بشأن مبدأ التحديد في ذاته، إذ لابد أن تكون هناك جهة تتبع قضاء الدولة ، يمكن اللجوء إليها للمساعدة في إتمام الإجراءات التي تعجز هيئة التحكيم عن القيام بها ، أو لا يتفق الأطراف عليها ، أو للإشراف على سير عملية التحكيم وسائر الأمور الأخرى التي تكفل فعالية نظام التحكيم عموما.

لكن التعجب والدهشة يثيرهما كيفية التحديد . لماذا جعل المقنن الاختصاص ، بشأن مسائل التحكيم الداخلى ، للمحكمة المختصة أصلا بنظر النزاع ، بينما جعله ، بشأن مسائل التحكيم الدولى الذى يتم في مصر أو في الخارج ، لمحكمة استئناف القاهرة . 

إن الرد بالإيجاب ، على تلك الأسئلة ، يثير بدوره التعجب والدهشة!!  لماذا لم يجعل القانون الاختصاص ، في جميع الأحوال .

للمحكمة المختصة أصلا بنظر النزاع، بحسبان أنها هي تلك التي سيعود إليها الأطراف ، عند فشل عملية التحكيم ؟ أو لماذا لم يجعله للمحكمة التي يجرى التحكيم في دائرتها ، أو التي يوجد بدائرتها موطن أو محل إقامة أحد أطراف التحكيم ، وهي في الغالب التي سيناط بها الأمر بتنفيذ حكم التحكيم ؟.

هذا هو ما اعتنقته قوانين التحكيم المقارنة .

خذ مثلا القانون الألمانى لعام ۱۹۹۷ ، حيث جعلت المادة ١٠٦٢ إجراءات مدنية الاختصاص باتخاذ الإجراءات اللازمة لمساعدة هيئة التحكيم، فى غيبة اتفاق الأطراف ، للمحكمة التي يجرى التحكيم في دائرتها . وتختص تلك المحكمة بمسائل تعيين المحكمين وردهم وإنهاء مهمتهم ، والأمر باتخاذ أو تنفيذ أو إلغاء أو تعديل تدبير وقتي أو تحفظي اتخذته هيئة التحكيم . فإن كان التحكيم يجرى خارج ألمانيا كان الاختصاص للمحكمة العليا التي يقع بدائرتها مركز أعمال المدعى عليه أو محل إقامته العادية ، أو يوجد بها أمواله أو المال محل النزاع المعروض على التحكيم ، أو اتخاذ التدبير في دائرتها . وبصفة احتياطية تختص المحكمة العليا ببرلين .

وبمثل هذا الحل أخذ قانون التحكيم السويدى لعام ١٩٩٩ حيث جعل الاختصاص بتعيين المحكم المرجح (م (۲۰) والحكم على شاهد أو خبير بالمثول أو على الخصم بتقديم سند تحت بده (م (٢٦) أو برد المحكم (م ٤٤) للمحكمة الابتدائية التي يوجد بدائرتها الموطن القانوني لأحد المحتكمين ، أو للمحكمة الابتدائية التي يجرى في دائرتها التحكيم ، ويمكن تقديم الطلب إلى المحكمة الكلية باستكهولم .

إن المحكمة التى يجب أن تقدم المساعدة لإتمام عملية التحكيم يلزم فيها دائما أن تكون على صلة أو رابطة بعملية التحكيم وأطرافها، بحيث يكون اختصاصها واقعيا وأكثر فعالية لما تتخذه من إجراء . وهى إما المحكمة المختصة أصلا بنظر النزاع ، وإما المحكمة التي يجرى بدائرتها التحكيم ، وإما المحكمة التي يوجد بها موطن أو محل الإقامة العادية لأحد طرفي التحكيم . هذا ما لم يتفق الأطراف، في التحكيم التجارى الدولى، على جعل الاختصاص المحكمة أخرى.

وهكذا ، يبدو جعل الاختصاص لمحكمة استئناف القاهرة وحدها في التحكيم التجارى الدولى ، وفي غيبة اتفاق الأطراف على جعله لمحكمة استئناف أخرى ، تحكيميا إلى حد بعيد ...

ومن ناحية خامسة ، المادة ٢٥ من القانون، التي تنص على أن لطرفي التحكيم الاتفاق على الإجراءات التي تتبعها هيئة التحكيم بما في ذلك حقهما في إخضاع هذه الإجراءات للقواعد النافذة في أي منظمة أو مركز تحكيم في جمهورية مصر العربية أو خارجها ، فإذا لم يوجد مثل هذا الاتفاق كان لهيئة التحكيم ، مع مراعاة أحكام هذا القانون، أن تختار الإجراءات التي تراها مناسبة " .

وهذا النص الذي ورد فى الباب الرابع الموسوم "إجراءات التحكيم" يثير عدة تساؤلات: هل يسرى حكمه على التحكيم الداخلي؟ أم هو خاص بالتحكيم الدولى؟ إن كان ذلك النص يسرى على التحكيم الداخلي ، فإنه يصطدم بعدة ثوابت فى الفن القانونى والتشريعي . منها ، أنه يصطدم بمبدأ الإقليمية ، الذي نصت عليه المادة الأولى من ذات القانون ، والذي أشرنا إليه سابقا . . إذ كيف يقرر ذلك النص سريانه على كل تحكيم يجرى في مصر ، وهو يسرى حتما وبالضرورة على التحكيم الداخلى ، فى حين يجيز ذات النص لطرفي التحكيم الاتفاق على الإجراءات التي تتبعها هيئة التحكيم....

إن هذا تناقض تشريعى يؤدى إلى تعطيل القانون ككل ، وحينئذ ينبغي تفسير القانون بنحو يؤدى إلى إزالة ذلك التعارض . ومنها ، أنه فى المعاملات الخالية من الطابع الدولى لا يكون لسلطان الإرادة غير دور محدود ، بل يكاد ينعدم ، في شأن المسائل الإجرائية التي تتصل بحسن أداء العدالة . وفي شأن التحكيم الداخلي كيف يكون لطرفي التحكيم الاتفاق على الإجراءات التي تتبعها هيئة التحكيم ؟

أما التساؤل الثاني ، الذى يثيره عجز نص المادة ٢٥ فهو : هل يجوزن الهيئة تحكيم أن تختار الإجراءات التي تراها مناسبة بشأن تحكيم يجرى في مصر ؟

إن هذين التساؤلين لم يكن لهما محل لو خصص المقنن هذا النص للتحكيم الدولى الذى يجرى فى مصر ، وحسر نطاق تطبيقه عن التحكيم الداخلي .

التحكيم ومن ناحية سادسة ، المادة ۳۹ التي تتكلم عن القانون واجب التطبيق على موضوع النزاع ، وهى تعطى الأطراف ، ولهيئة ، سلطة تحديد القواعد القانونية واجبة التطبيق على موضوع النزاع . وهى تثير ، على غرار المادة ٢٥ التي تناولناها فما قبل ، ذات التساؤلات السابقة : هل يجوز لطرفي التحكيم الداخلي مكنة ، أو حق ، اختيار القانون واجب التطبيق على موضوع النزاع المجرد من الطابع الدولى ؟ وهل تملك هيئة التحكيم سلطة تحديد ذلك القانون ، عند تخلف إرادة الأطراف، في خصوص التحكيم الداخلي ؟

هذا ما لم يقل به أحد في الفقه القانوني ، وبالأخص فقه القانون الدولي الخاص ، بحسبان أن تطبيق قاعدة التنازع المقررة الاختصاص قانون الإرادة رهين بوجود علاقة ذلت طابع دولى . فإن كنا بصدد علاقة وطنية بحتة خضعت ، بالضرورة ، للقانون الوطنى، ولا يكون للأطراف بشأنها حولا ولا طولا ، حيث ينعدم تنازع القوانين الذي يفتح الباب لإعمال مبدأ قانون الإرادة .

ومن ناحية سابعة ، إذا كان المقنن قد وحد بين أحكام التحكيم الدولي والتحكيم الداخلى ، فهل هذا التوحيد ينسحب كذلك على معاملة حكم التحكيم من ناحية التنفيذ ؟ بمعنى أنه إذا صدر حكم تحکیم داخلى ، فهل يخضع تنفيذه لشروط الأمر بتنفيذ أحكام المحكمين الأجنبية .