الخدمات

ابواب التحكيم الرئيسية
  • التنفيذ / التظلم من الأمر الصادر بتنفيذ حكم التحكيم / المجلات العلمية / مجلة التحكيم العالمية - العدد 25 / تجاهل القضاء حقيقة ونطاق دوره الرقابي المقنن هو خروج على اهداف القانون المصالح العليا ويستوجب إعادة النظر

  • الاسم

    مجلة التحكيم العالمية - العدد 25
  • تاريخ النشر

  • عدد الصفحات

  • رقم الصفحة

    587

التفاصيل طباعة نسخ

تعليق المحامية هدى نور (مصر) تعقيباً على تعليق الدكتورة مريم العوا على الحكم في الطلب رقم 27 لسنة 130 ق تاريخ 15/5/2013 الصادر عن محكمة استئناف القاهرة الدائرة السابعة نشر في مجلة التحكيم العالمية في العدد 20 الصادر عام 2013 تعليق للدكتورة مريم العوا على حكم محكمة استئناف القاهرة د /7 بتاريخ 15/5/2013 في الطلب رقـم 27 لـسنة 130 ق بشأن التحكيم رقم 827 لسنة 2012 في إطار مركز القاهرة للتحكيم الإقليمي. وقد تضمن هذا الحكم بعض المفاهيم التي تسترعي النظر، وتستدعي التساؤل عن أسـباب تحول مواقف القضاء تجاه التحكيم، وتجاهل القضاء حقيقة ونطاق الدور الرقابي الذي لـم يغـب عن نصوص قانون التحكيم المصري، وما يماثله من أنظمة وطنية على مستوى الدول العربيـة والأجنبية. إذ حرصت غالبية التشريعات، ومنها قانون التحكيم المصري على تحقيـق التنـاغم بـين سلطات أطراف الخصومة وبين سلطات المحكم، ورسمت حدود رقابة المحاكم الوطنيـة وأبعـاد الدور الذي يمارسه القضاء إزاء إجراءات التحكيم، وحددت نطاق مراجعة الحكم الـصادر بمـا يضمن توافر مقومات الحكم الصحيح القابل للتنفيذ دون تدخل في النطاق المحجوز للمحكـم، أو لحرية وإرادة الاطراف على نحو ما حددته النصوص. الملاحظ من رصد مواقف القضاء الوطني عامة، وفي الدول العربية خاصة، ومنها مصر، وجود تحول واضح في الاتجاه منذ التسعينيات نحو تحرير إجراءات ا لتحكيم من الضوابط والقيود 1 الضرورية التي حددتها نصوص القانون ، وكرست الأحكام القضائية المتتابعة معـاني الحريـة والإرادية خارج الحدود التي تخلِّف فيها أثراً معتبراً، وقد جاء هذا الحكم تعبيراً واضحاً عن هذا 2 التحول . وقد بدأت أسباب هذا الحكم منطقية عندما أوضح أنـه "إذا اكتفـى الأطـراف بخـصوص إجراءات التحكيم بالإحالة إلى القواعد اللائحية لمركز أو مؤسسة تحكيم نظامي لحسم نـزاعهم، فهنا تندمج نصوص هذه اللائحة المختارة في اتفاق التحكيم ذاته". وهذا استخلاص قانوني صحيح يتماشي مع المفهوم التعاقدي لاتفاق التحكيم ومـع احتـرام المشرع إرادة الأطراف وتكريس اختياراتهم، غير أن هذا الاستخلاص من شأنه ترتيب نتيجتين هامتين هما: 1 - أن الأطراف يلتزمون أحكام هذه القواعد المؤسسية ويتبعون إجراءاتها احتراماً لاتفاقهم الصحيح. 2 - أن المحكم يلتزم اختيار الأطراف ولا يحيد عن اختيارهم ولا يلجأ ا لى قواعد مؤسـسية مغايرة، تحت جزاء البطلان. إلاّ أن الحكم رتّب على هذا الاستخلاص نتيجة غير سائغة مؤداها أن تلك القواعد اللائحية، وليست القواعد المكملة في قانون التحكيم، تصبح "جزءاً من مضمون اتفاق التحكيم ذاته"، مستبعداً بذلك أحكام قانون التحكيم المنظّمة لإ جراءات التحكيم وقواعده، ثم رتّب على ذلـك عـدة نتـائج أخرى محل اعتراض جوهري عندما قال: أن "المحكم يطبق النظام الإجرائي الذي أقره الأطراف، وعند إشارة هـؤلاء إلـى قواعـد إجرائية تحكيمية في دولة ما فإن هذه الإشارة لا تعني سوى عدم مجاوزة الإجراءات المعمول بها في التحكيم المطروح للقواعد الآمرة التي لا يجوز الاتفاق على خلافها في قانون تلـك الدولـة ". أنه "عند اختيار الأطراف إجراءات حاكمة لتحكيمهم فغير مسموح للمحكم (أو القاضي) استبعاد اختيارهم وإعمال النصوص الخاصة بالشأن نفسه في قانون التحكيم، طالما كانت هذه النـصوص غير آمرة". "و أن القواعد المخصصة لهذه الأمور جميعها ليست آمرة في القانون المصري، بـل هـي قواعد تكميلية اختيارية يجوز الاتفاق على خلافها . لذلك فإن هذه القواعد التي ليس لهـا صـفة الإلزام لا تلزم المركز التحكيمي في شيء". وقد كتبت الدكتورة مريم العوا تعليقاً على ذلك ت قول أنها تتفق مع هذا الحكم من أن اكتفـاء الأطراف بخصوص إجراءات التحكيم بالاتفاق على قواعـد مؤسـسية يعنـي أن تـصبح هـذه الإجراءات هي الواجبة التطبيق على التحكيم. إلاّ أنها اعترضت على ما قرره الحكم من أنه عند اتفاق الاطراف علـى تـسوية نـزاعهم حسب قواعد مركز تحكيم معين، وفي الوقت ذاته على سريان قانون التحكيم، فهذا يعنـي وفقـاً لدلالته الواضحة إعمال القواعد الإجرائية الواردة في لوائح المركز التحكيمـي أو تلـك المتفـق على تطبيقها بشرط ألاّ تخالف القاعدة المطبقة القواعد الإجرائية الآمـرة والنافـذة فـي قـانون التحكيم. وبررت هذا الاعتراض بأنه لابد من التمييز بين فرضين: الأول- الإحالة إلى قواعد إجرائية معينة دون اختيار قانون إجرائي معين. والثاني- أن يحيل الأطراف في اتفاقهم على قواعد إجرائية معينـة مـع الـنص فـي ذات الاتفاق، كذلك على تطبيق قانون تحكيم معين، وهي الحالة الماثلة. وأن ما قرره الحكم يعني أن النص على قانون التحكيم في اتفاق الأطراف لا أثر له فيستوي ذكره والسكوت عنه، وأن هذا التفسير لايستقيم القول به، إذ يجعل اتفاق الأطراف على تطبيـق قانون التحكيم لغواً لا أثر له وينزع عنهم جانباً من اختيارهم للإجـراءات التـي تـسري علـى تحكيمهم. وأن محكمة الاستئناف عندما رأت أن الأصل في التحكيم هو أن المحكـم يطبـق النظـام الإجرائي الذي اختاره الأطراف دون تجاوز القواعد الآمرة، فإن هذا القول يعني أن أثر اتفـاق الأطراف على تطبيق قواعد إجرائية معينة مع النص على قانون التحكيم هو نفس أثـر اتفـاقهم عليها مع السكوت عن النص على قانون التحكيم في اتفاقهم، أي أن تسري علـى التحكـيم فـي الحالتين القواعد الآمرة في قانون التحكيم دون القواعد المكملة منها. وأضافت أن الرأي هو أن مقتضى اتفاق الأطراف على تطبيق قواعد إجرائية مؤسسية مـع النص على قانون التحكيم هو أن تندمج تل ك القواعد والنصوص المكملة في قانون التحكيم ليكونا معاً النظام الإجرائي الذي اختاره الأطراف ليجري التحكيم بمقتضاه، فإن تعارضت قاعـدة مـن القواعد الاتفاقية مع نص مكمل في قانون التحكيم كانت الغلبة للأولى باعتبارها في مقام القاعـدة الخاصة في مقابل القاعدة العامة أي النص المكمل في قانون التحكيم. وبررت ذلك بأن قانون التحكيم قد يتضمن قواعد تنظم مسائل إجرائية معينة، ولا يكون لها نظير في القواعد التكميلية التي اختارها الأطراف، فإذا قلنا بعدم انطباق القواعد المكملة في قانون التحكيم جملة فقد انتقصنا من إرادة الأطراف ، وفوضنا هيئة التحكيم دون مسوغ لتنظـيم مـسائل سبق أن ضمن الأطراف اتفاقهم تنظيماً معيناً لها بمقتضى المواد المكملة فـي قـانون التحكـيم المنصوص عليه في اتفاقهم. وإن خلت القواعد الإجرائية المؤسسية من تنظيم لمسألة معينة، وأورد قانون التحكيم المتفق على تطبيقه تنظيماً لها، كان هذا التنظيم جزءاً من اتفاق الأطراف، وكان واجباً على هيئة التحكيم الالتزام به، بإعتباره عين اتفاق الأطراف لا باعتباره نصاً في قانون بلد التحكيم. ذلك أن السكوت الذي فسر في الحالة الأولى، وهي حالة أن يتفق الأطراف على قواعد تحكيم مؤسسية دون ذكرقانون تحكيم معين في اتفاقهم باعتباره تفويضاً لهيئة التحكيم قد حلّ محلّه النص المكمل في قانون التحكيم، ولم يعد هناك سكوت ينـشأ عنـه تفـويض لهيئـة 3 التحكيم . ونحن نتفق مع هذا الرأي لوجاهة الحجة التي استند إليها من أن تجاهل أثر اختيار الأطراف لقانون التحكيم يجعل اتفاق الأطراف على تطبيق قانون التحكيم لغواً لا أثر له وينزع عنهم جانباً من اختيارهم للإجراءات التي تسري على تحكيمهم . لأن معنى وأثر اختيارهم هذا هو إعمال حكم هذا القانون إذا قعدت القواعد المؤسسية تلك عن تنظيم مسائل إجرائية بعينها، وفي غيـاب هـذا الاختيار يعد هذا تفويضاً من الأطراف لهيئة التحكيم في اختيار القواعد التي تراها أكثر ملاءمـة لظروف التحكيم. وبالتالي تكون مسايرة منطق هذا الحكم أن يجد الأطراف أنفسهم أمام قانون آخـر اختـاره المحكم غير القانون الذي حدده اتفاقهم، ليبدأ الحكم بتكـريس اختيـارات الأطـراف، وين تهـي بالالتفات عنها. ونتفق معها أيضاً فيما استطردت فيه قائلة أنه بمقتضى نص المادة"11 "من قانون التحكـيم تسري أحكام هذا القانون على التحكيم الأجنبي الذي يتفق أطرافه على إخضاعه لقانون التحكـيم المصري، فيكون من باب أولي أن تسري أحكامه على التحكيم الذي اتفق أطرا فه على إخـضاع التحكيم له، مع مراعاة ما سلف القول به مما للقواعد الإجرائية الخاصـة مـن أولويـة علـى النصوص المكملة في قانون التحكيم حال تعارضها، وأن هذا التحكيم يجري في مصر وتـسري من باب أولي أحكام قانون التحكيم المصري باعتباره القانون الذي اتفـق الاطـراف علـى أن يخضعوا تحكيمهم لأحكامه، وأنه تحكيم دولي لأنه تحكيم مؤسسي، وأنه أيضاً تحكيم وطني لأنـه 4 يجري في مصر . ونضيف أن المادة "11 "عندما نصت على أنه "تسري أحكام هذا القانون على كل تحكيم إذا كان هذا التحكيم يجري في مصر، أو كان تحكيماً تجارياً دولياً يجري في الخارج واتفق أطرافـه على إخضاعه لهذا القانون "، قد جمعت بين حالتين حكمهما واحد هو سريان أحكام قانون التحكيم المصري عليهما وجوباً: الأولى- عندما يكون التحكيم مقره مصر باعتباره القانون الإجرائي لمكان التحكيم. الثانية- عندما يتفق أطراف التحكيم التجاري الدولي الذي يجري في الخارج على إخضاعه لهذا القانون. وعند اختيار الأطراف في تحكيم تجاري دولي يجري في مصر إخضاعه لهذا القانون يتحقق به الفرضين معاً، ويكون سريان أحكامه وجوبياً -وليس فقط من باب أولي .- ونتفق معها أيضاً فيما اختتمت به من أن هذا رأي حري بإعادة النظر فيه، ونضيف الـى ذلك أن ما أورده هذا الحكم - ومثله في مناسبات أخرى - جدير بتتبع بعـض المفـاهيم التـي تستدعي مقارنتها بنطاق الدور الرقابي الذي حددته نصوص القانون، ومن ذلك ما قرره الحكم من أنه لا" يجوز للقضاء دون سند قانوني أن يقتحم تخوم المنطقة التي تحميهـا القـوانين المعنيـة بالتحكيم أو تتداخل معها بما يؤدي إلى إهدار عملية التحكيم أو إعاقتها "، أو ما انتهى إليه من أنه "لا تملك المحكمة أية ولاية بالنسبة لمسألة إنهاء إجراءات التحكيم الحاصلة فـي نطـاق مركـز القاهرة الإقليمي، وعليه يصير الطلب المعروض غير مقبول! فهذا الحكم وغيره مم ا جرت عليه بعض أحكام القضاء -الوطني والمقارن- يعبر عن تحول في نظرة القضاء الى طبيعة ونطاق دوره في تقديم الحماية القضائية الواجبة، ممايستوجب إعادة النظر، وتوضيحاً لذلك نورد التفصيل التالي: المسألة الأولى: دلالة المواد التي أشار إليها الحكم: تضمن الحكم أنه إذا اكتفى الأطراف بخصوص إجراءات التحكيم بالإحالـة إلـى القواعـد اللائحية لمركز أو مؤسسة تحكيم نظامي لحسم نزاعهم، فهنا تندمج نصوص هذه اللائحة المختارة في اتفاق التحكيم ذاته، بحيث تصبح تلك القواعد اللائحية، وليست القواعد المكملة فـي قـانون التحكيم جزءاً من مض مون اتفاق التحكيم ذاته، مستنداً في ذلك إلى نصوص المواد م( 5 ، 6 ، 25 تحكيم). وأنه إذا تضمن اتفاق الأطراف النص على تسوية نزاعهم حسب قواعد مركز تحكيم معين، وفي الوقت ذاته على سريان قانون التحكيم المصري، فهذا يعني وفقاً لدلالته الواضـحة إعمـال القواعد الإجرائي ة الواردة في لوائح المركز التحكيمي أو تلك المتفق علـى تطبيقهـا بـشرط ألاّ تخالف القاعدة المطبقة القواعد الإجرائية الآمرة والنافذة في قانون التحكيم المصري. ولئن كان صحيحاً أن القواعد الآمرة هنا تمثل إطاراً لا يجوز للقواعد الاتفاقيـة تجـاوزه، ومفهوماً وفقاً للقواعد العامة ضرورة عدم تجاوز الإجراءات المعمول بها في التحكـيم القواعـد الآمرة التي لا يجوز الاتفاق على خلافها في قانون الدولة التي يجري فيها التحكيم، وأن شـرط انطباقها هو ألاّ تخالف القاعدة المطبقة القواعد الإجرائية الآمرة والنافـذة فـي قـانون التحكـيم المصري. إلاّ أن الإستناد في ذلك الى المواد التي أشار إليها الحكم في حاجة الى بعـض التوضـيح، فالمادة "5 "من قانون التحكيم تقضي بأنه "في الأحوال التي يجيز فيها القانون لطرفـي التحكـيم  اختيار الإجراء الواجب الاتباع في مسألة معينة تضمن ذلك حقهما في الترخيص للغير في اختيار الإجراء، ويعتبر من الغير في هذا الشأن كل منظمة أو مركز للتحكيم في مصر أو خارجها. والمادة "6 "تقضي بأنه إذا اتفق طرفا التحكيم علىإخضاع العلاقة القانونية بينهما لأحكـام عقد نموذجي أو اتفاقية دولية أو أية وثيقةأخرى، وجب العمل بأحكام هذه الوثيقة بما تشمله مـ ن أحكام خاصة بالتحكيم . والمادة 25 " تقضي بأنه لطرفي التحكيم الاتفاق على الإجراءات التي تتبعها هيئة التحكـيم بما في ذلك حقهما في إخضاع هذه الإجراءات للقواعد النافذة في أي منظمة أو مركز تحكيم فـي جمهورية مصر العربية أو خارجها، فإذا لم ي وجد مثل هذا الاتفاق كان لهيئة التحكيم مع مراعـاة أحكام هذا القانون أن تختار إجراءات التحكيم التي تراها مناسبة. هذه المواد الثلاث لا تتناول مسألة واحدة، وإنما تتناول مسائل مختلفة، إذ تعرضت المـادة الخامسة لمسألة "اختيار الإجراء الواجب الاتباع في مسألة معينة ،" وصرحت هذه المادة بجـواز تفويض الغير في اختيار الإجراء، واعتبرت مؤسسة التحكيم من هذا الغير. وذلك لمواجهة بعض العقبات الإجرائية كامتناع الطرف عن اختيـار محكمـه، أو فـشل الأطراف أو المحكمين في اختيار المحكم الثالث، وغالباً ما يكون اختيار الإجراء الواجب الاتب اع هو اختيار هيئة التحكيم. والمادة السادسة تناولت مسألة أخرى تتعلق بموضوع العلاقة القانونية ذاتهـا التـي تجمـع طرفي التحكيم واتفاقهما على إخضاعها لأحكام عقد نموذجي أو اتفاقية دولية أو أية وثيقةأخرى، فوجب العمل بأحكام هذه الوثيقة بما تشمله من أحكام خاصة بالتحكيم، وهذه مسألة تتعلق بنطـاق تطبيق أحكام الاتفاقيات الدولية والعقود النموذجية . أما المادة "25 "فأقرت لطرفي التحكيم حرية الاتفاق على الإجراءات التـي تتبعهـا هيئـة التحكيم، ومن ضمنها حقهما في إخضاع هذه الإجراءات للقواعد النافذة في أي منظمة أو مركـز تحكيم في مصر أو خارجها، وعند غياب هذا الاتفاق، لهيئة التحكيم أن تختار إجراءات التحكـيم التي تراها مناسبة، مع مراعاة أحكام هذا القانون. وهذه المواد الثلاث، وإن كان يجمعها التعبير عن الصلاحيات الواسعة التي منحها القـانون لمراكز ومؤسسات التحكيم في مصر وخارجها، إلاّ أن هذا لا يعني أن القانون قصد إطلاق يـد مؤسسات التحكيم دون قيد أو في غير ما تقتضيه، وإلاّ انعدمت فائدة نصوصه التي جعلـت مـن منصة القضاء معاوناً ورقيباً في الحدود التي تضمن صحة الإجراءات دون عرقلتها، حتى عندما تدار إجراءات التحكيم من خلال مراكز ومؤسسات التحكيم. أما نص المادة "25 "ذو الصلة بموضوع الحكم الماثل فقد أعطى الأطراف حريـة اختيـار النظام الإجرائي لخصومة التحكيم، والحق في إخضاع الإجراءات للقواعد المطبقة في أي مركز أو مؤسسة تحكيم، وفي حالة غياب أي من هذين الاختيارين يكـون لهيئـة التحكـيم أن تختـار الإجراءات التي تراها مناسبة، وعلى الترتيب الذي حددته هذه المادة. وهذا النص لم يورد تخصيصاً أو تغييراً للقواعد العامة التي وضعت تدرجاً للقواعد القانونية الآمرة تليها الإتفاقية تليها القواعد المكملة، وما تغياه هو تقييد سلطات المحكم، فـلا تكـون لـه صلاحية الانفراد باختيار القانون الإجرائي، إلاّ عند غياب الاتفاق على قانون إجرائـي معـين، وخلو القواعد المؤسسية التي اختارها الأطراف من نص حاكم، ومن ثم يكون إعطـاء الأولويـة للقواعد المؤسسية فقط انتقاصاً من إرادة الأطراف، وتفويضاً لهيئة التحكيم دون مـسوغ لتنظـيم مسائل سبق أن ضمن الأطراف اتفاقهم تنظيماً معيناً لها بمقتضى المواد المكملة في قانون التحكيم المنصوص عليه في اتفاقهم، وذلك على الترتيب الذي حددته المادة "25 ،"وأثر ذلـك أن تتقـدم القواعد المكملة عند خلو القواعد المؤسسية التي أحال إليها الأطراف نزاعهم مـن نـص حـاكم للإجراء، ويمتنع على هيئة التحكيم التحول عنها واختيار قواعد أخرى. أما القواعد الآمرة فتأتي في المقدمة في جميع الأحوال، وأياً كانت اتفاقات الأطراف، وتكون لها الأولوية ليس فقط بحكم القواعد العامة باعتبارها قانون مكان التحكيم، وإنما أيضاً بحكم نص المادة "25 "من قانون التحكيم ذا تها التي حرصت في نهايتها على ذكر عبارة "، مع مراعاة أحكام هذا القانون. المسألة الثانية: التفاوت في مركز القاضي والمحكم وفي نطاق المصالح المحمية: عندما أورد الحكم أنه عند اختيار الأطراف إجراءات حاكمة لتحكيمهم فغير مسموح للمحكم (أو القاضي) استبعاد اختيارهم وإعمال النصوص الخاصة بالشأن نفسه في قانون التحكيم، طالما كانت هذه النصوص غير آمرة، قد سوى بغي ر مبرر أو ضرورة بين سلطات المحكم والقاضـي، رغم تميز المركز القانوني للقاضي ونطاق المصالح العليا المكلف بحمايتها، فحتى مع احتماليـة انتقال القاضي من منصة القضاء إلى منصة التحكيم تظل المصالح العليا محـل نظـر واهتمـام القاضي ليس فقط باعتباره حامياً لحقوق الأفراد كالمحكم، وإنما بحسبانه ممثلاً للسلطة القـضائية ومكرساً للمصالح العليا للدولة، بل ومرسياً لقواعد تفسير وتطبيق القانون والـسوابق القـضائية، مؤدياً حقيقة الدور المنوط بالقضاء كشأنه دائماً. لذلك استرعى الانتباه ما ارتآه الحكم من أنه "وبالجملة، لا يجوز للقضاء دون سند قانوني أن يقتحم تخوم المنطقة التي تحميها القوانين المعنية بالتحكيم أو تتداخل معها بما يؤدي إلـى إهـدار عملية التحكيم أو إعاقتها". فنصوص قانون التحكيم أعطت بالفعل سنداً قانونياً لاقتحام التخوم المحيطة بـالتحكيم، بـل واقتحام مناطق التحكيم المغلقة ذاتها في بعض الأحوال من خلال الرقابة القضائية المنضبطة التي لا تؤدي بحال من الأحوال إلى إهدار عملية التحكيم أو إعاقتها، بـل تـضمن حمايـة مـصالح الخصوم الحقيقية بمنحهم حكماً تتوافر فيه مقومات الـصحة وقابليـة التنفيـذ، أو وضـع حـد للإجراءات غير الصحيحة ومنع هيئة التحكيم من التمادي في إجراءات معيبة مصيرها البطلان، فمظاهر التعاون بين القضاء والتحكيم على مدى مراحله المختلفة هي منظومة متناغمـة يتوقـف نجاحها على تحقيق التوازن بين حرية الإرادة بمفاهيم منضبطة، وبين الاحترام الواجب لنصوص القانون والمصالح العليا للدولة، وهو ما يحرص عليه القضاء الوطني. المسألة الثالثة: النص على إنهاء إجراءات التحكيم نص آمر موضوعاً وصياغةً: ولئن كان صحيحاً ما أورده الحكم من أن قواعد مركز القاهرة التـي اختارهـا الأطـراف تتضمن قواعد لائحية مفصلة تحدد وتضبط بدء الخصومة في التحكيم الذي يجري في نطاقـه أو تحت مظلته، والمدة الواجب إصدار الحكم التحكيمي خلالها، وكيفية إنهاء الإجراءات التحكيميـة . غير أن القول بأن لائحة المركز تضمنت تنظيماً تفصيلياً لإجراءات التحكيم، ولم يكن منه ا تقـديم مثل هذا الطلب إلى محاكم الدولة، وأن الثابت أن القواعد المخصصة لهذه الأمور جميعها ليـست آمرة في القانون المصري، بل هي قواعد تكميلية اختيارية يجوز الاتفاق على خلافها، لذلك فـإن هذه القواعد التي ليس لها صفة الإلزام لاتلزم المركز التحكيمي في شيء، وهي مـسأ لة قانونيـة يخالطها لبس، إذ أن اللائحة المؤسسية هي المرجع الإجرائي للخصومة بين أطرافهـا، وليـست مناط معرفة اختصاص المحكمة وتحديد ولايتها، وعدم وجود نص بها على إحالة طلـب إنهـاء الإجراءات للمحكمة لا يمنع القاضي الوطني من تطبيق نصوص القانون الإجرائـي الحـاكم، أو القواعد الإجرائية الآمرة في قانونه، فقانون القاضي هو المرجـع الأوحـد لتحديـد اختـصاصه وولايته بنظر هذا الطلب أو غيره. وما قرره الحكم من أن المحكمة لا تملك أية ولاية بالنسبة لمسألة إنهاء إجـراءات التحكـيم الحاصلة في نطاق مركز القاهرة الإقليمي، وعليه يصير الطلب ال معـروض غيـر مقبـول دون إشارة لآلية إنهاء إجراءات التحكيم في قانونه، فيه تجاهل لأحكام هذا القانون وحرمان للأطراف من حماية كفلها القانون الذي حرصت إرادتهم على اختياره، وإجبار لهم على قبول تغيير هيئـة التحكيم لاختياراتهم، وتركهم بلا حماية قانونية. أما القول بأن الثابت أيضاً أن القواعد المخصصة لهذه الأمور جميعها ليـست آمـرة فـي القانون المصري، بل هي قواعد تكميلية اختيارية يجوز الاتفاق على خلافها، فليس صحيحاً بحكم نص المادة "45 "صياغة وموضوعاً. فالمادة "45 "من قانون التحكيم خصصت الفقرة الأولى لتنظيم ميعـاد التحكـيم، وأحا لـت صراحة الى الميعاد الذي يتفق عليه الأطراف . وفي حالة عدم وجود اتفاق يصدر الحكم خـلال اثني عشر شهراً من تاريخ بدء إجراءات التحكيم . وفي جميع الأحوال، يجوز لهيئة التحكـيم أن تقرر مد الميعاد لمدة لا تزيد على ستة أشهر. وطبقاً لهذا النص هناك فرضان الأول أن يتفقالأطراف على الميعـاد فيـسري اتفـاقهم، والثاني ألا يتفقوا فتلتزم هيئة التحكيم إصدار الحكم خلال إثني عشر شهراً. ويعتبر الاتفاق على اختيار نظام مؤسسي موافقة من الأطراف على الميعـاد المحـدد فـي لوائحها، وسواء اتفق الأطراف مباشرة أو عن طريق لائحة نظام مؤسسي على ميعـا د صـدور الحكم في الفرض الأول وانتهى هذا الميعاد دون صدور الحكم، أو مر الميعاد الذي حدده القانون في الفرض الثاني، يجوز لهيئة التحكيم أن تقرر مد الميعاد لمدة لا تزيد على ستة أشهر. وهذا يتم بآلية تطبيق نص هذه المادة بعيداً عن القضاء، أما إذا اقتضى حسم ال نـزاع فتـرة أطول من الميعاد الأصلي المحدد اتفاقاً أو قانوناً، ولم تكفِ المدة الإضافية الستة أشهر، فلا تملك هيئة التحكيم سوى الرجوع الى الأطراف للموافقة على مد الميعاد، وذلـك احترامـاً لإرادتهـم ولحقهم في حسم نزاعهم بالسرعة المعقولة وعدم إضاعة ميزة التحكيم. باب الاجتهادات فإن رفض الطرفان وجب على هيئة التحكـيم احترامـاً لإرادة الخـصوم الحكـم بإنهـاء الإجراءات، أما إذا رفض أحدهما، وبطبيعة الحال سيكون المدعى عليه، فإن هذا يستدعي إعمال حكم الفقرة الثانية من المادة "45 ،"وهو حق أي من الأطراف في أن يطلب من رئيس المحكمـة المختصة م" 9 ،"إما: أمراً بتحديد ميعاد إضافي، أو بإنهاء إجراءات التحكيم. والمفاضلة بين اختيار طلب مد الميعاد أو طلب إنهاء الإجراءات سيكون للطرف الذي يتقدم بطلبه للمحكمة ووفقاً لمصلحته، وقد يتقدم الطرفان كل منهما بأحدهما، وفي كلا الفرضين تمارس المحكمة سلطة تقديرية موضوعية وجوبية بالحكم بمد الميعاد إذا رأت ضرورة تبـرر ذلـك، أو 5 الحكم بإنهاء الإجراءات إذا رأت غيره . وهذه السلطة التقديرية تمارسها المحكمة وجوباً بحكم المادة "45 "الآمرة صياغة وموضوعاً، وهذا لا يتعارض واحترام تخوم النطاق الإرادي المخول للأطراف، بل هو تكريس لهـا، وفـي الوقت ذاته - وهذا هو الأهم والأولى بالنسبة للقاضي- إعمال نصوص القـانون التـي أعطـت الأطراف وليس هيئة التحكيم حرية مد الميعاد عند انتهاء الميعاد المحدد في قانون التحكيم أو في لائحة مؤسسة التحكيم، وأعطت القضاء وحده سلطة مد الميعاد بعد انتهاء المهلة الإضافية علـى التفصيل السابق، أو إنهاء الإجراءات. وهذا يوافق ما قضت به محكمة النقض من إبطـال حكـم التحكيم لإهداره إرادة الأطراف التي هي قوام التحكيم ومبناه وهي المرجع إبتداء وانتهـاء فـي 6 تحديد أجل التحكيم . ومن ثم يكون نفي ولاية القضاء بإنهاء إجراءات التحكيم هو حجب إراد ي عـن ممارسـة رقابته المخولة له بنصوص القانون، وامتناع عن تقديم الحماية الواجبة للخصوم في الأحوال التي تقتضي ذلك.