الخدمات

ابواب التحكيم الرئيسية
  • التنفيذ / وقف تنفيذ الحكم في دعوى بطلانه / المجلات العلمية / مجلة التحكيم العالمية - العدد19 / جاء الموقف سليما القاضي عبد الرحمان المصباحي (المغرب ) رئيس غرفة ، بمحكمة النقض المغربية ( الدائرة التجارية )

  • الاسم

    مجلة التحكيم العالمية - العدد19
  • تاريخ النشر

  • عدد الصفحات

  • رقم الصفحة

    525

التفاصيل طباعة نسخ

إطّلعت على الحكم التحكيمي، والاتفاقية الموحدة لاستثمار رؤوس الأموال العربية في الدول العربية، المعتمدة في إصداره الى جانب القانون الليبي، وخلصت الى الاضاءات  رغم طوله، لن يشعر قارئه أو متصفحه بأي ملل، لمنهجيته الواضحة وانسجام مواضيعه وفصوله وفقراته، وانسيابها في بعضها بشكل تسلسلي ممنهج، وبذلك جاء سلسبيلاً يأخذك من مقدمته الى نهايته بدون تكلف أو تعب. هذا الحكم بالشكل الذي صيغ فيه يغنيك عن الرجوع الى الوثائق المعتمدة والى أدلة الإسناد القانوني. إنه حقاً مرآة صافية، من شأنها تسهيل مأمورية الطرف الراغب في الطعن فيه ، أو الجهة التي قد تبسط رقابتها عليه. هذا الحكم اتسم باحترام حقوق الدفاع، والذ ي رغم أمد بتّه القصير، استطاع أن يـوازي بين مصالح الطرفين اللذين إضافة الى ما أبدياه من دفاع عن وجهتي نظرهما ودفـع لوجهـة النظر الأخرى، فكلاهما نو ر الهي ئة التحكيمية بما يكفي من الفقه القانوني الرصين فـي نقـط الخلاف القانونية المثارة أو المتمسك بها، وهو ما حفَّز هِمم أعضاء الهيئة التحكيمية، وصـولا بها لما نالته من شرف الإنزال السليم لنصوص القـانون الواجبـة التطبيـق علـى الوقـائع المعروضة.  بعد هذا التقديم للشكل الذي عرض به الحكم التحكيمي سأعرض لأهم محطاته وللكيفية التي عولجت بها الإشكاليات المعروضة: اولاً- اختصاص الهيئة التحكيمية: اعتبرت المحكمة التحكيمية نفسها مختصة لبت النزاع الناشب بين شركة محمد عبد المحسن الخرافي وحكومة ليبيا، حول عدم تمكن الأولى من تنفيذ المشروع السياحي الذي كانت تزمع اقامته على أرض استأجرتها من الثانية، وذلك بسبب صدور قرار آخر عن هذه الأخيرة، تم بموجبه تراجعها عن قرار الإيجار الأول. واستندت المحكمة في اختصاصها الى كون المشروع موضوع عقد الإيجار هو مشروع استثماري وفقاً للقانون الليبي المطبق وقت إبرام العقد لسنة 1997 ولسنة 2010 ،ووفقاً للاتفاقية الموحدة لاستثمار رؤوس الأموال العربية في الدول العربية. وبالرجوع الى الشرط التحكيمي الوارد في العقد الرابط بين الطرفين، نجده ينص على أنه : "في حالة نشوء أي نزاع بين الطرفين يتعلق بتفسير نصوصه او تنفيذها أثناء سريانه، يتم تسويته ودياً، وإذا تعذر ذلك، يحال النزاع الى التحكيم وفقاً لأحكام الاتفاقية الموحدة لاستثمار رؤوس الأموال العربية في الدول العربية الصادرة بتاريخ 26/11/1980 ". وبالفعل فإن النزاع يتعلق بالاستثمار في ميدان السياحة التي تعد على رأس قائمة المشاريع الاستثمارية في العالم بالموازاة مع المشاريع الاستثمارية الصناعية، والتي يعتبرها القانون الليبي استثمارية في حد ذاتها، ومادام تمويل المشروع يرجع صأ له الى رأسمال كويتي عربي، فإن الاتفاقية الموحدة لاستثمار رؤوس الأموال العربية في الدول العربية كانت هي الواجبة التطبيق، باعتبار أن العقد الرابط بين الطرفين حول اقامة المشروع الاستثماري السياحي الموقع بتاريخ 08/06/2006 ،نص في فصله الرابع على الشرط التحكيمي المذكور الذي يحيل على الاتفاقية السالفة الذكر، ومن ثم يبقى موقف الهيئة التحكيمية سليماً بخصوص لزوم عرض النزاع على التحكيم، بدل جهة أخرى ستكون حتماً غير مختصة ببتّه، وستصرح بعدم اختصاصها بمجرد الدفع امامها بانعقاد اً- اختصاص الهيئة التحكيمية لبت اختصاصها: من أهم معوقات إجراءات التحكيم، طعن احد الأطراف في اختصاص هيئة التحكيم أو في عدم صحة اتفاق التحكيم أو شرط التحكيم، أو في عدم وجودهما، وفي هذه الأحوال تكون لهيئة التحكيم سلطة الفصل في صحة اختصاصها، وإن توانت عن ذلك، وتم إسناده الى جهة أخرى، ستكون النتيجة هي وأد التحكيم في منطلقه، وتجريده من الغايات التي أحدث من أجلها، غير أن سلطة الفصل في اختصاصها هذه تبقى خاضعة للرقابة اللاحقة للقضاء الوطني المختص، ولذلك كانت الهيئة التحكيمية على صواب، لما أعطت نفسها صلاحية بت اختصاصها لنظر النزاع الماثل أمامها، استناداً الى ما سلف ذكره، ولكون النظام التحكيمي المطبق من طرف الاتفاقية المعتمدة يأذن بتطبيق مبدأ الاختصاص بالاختصاص. ثالثاً- النطاق الشخصي للشرط التحكيمي: البين أن عقد المعاملة موضوع النزاع يربط بين المدعية شركة محمد عبد المحسن الخرافي واولاده من جهة، واللجنة الشعبية العامة للسياحة ومصلحة التنمية السياحية من جهة أخرى، بينما الدعوى التحكيمية وجهت من طرف المدعية المذكورة ضد حكومة دولة ليبيا ووزارة الاقتصاد في دولة ليبيا، والهيئة العامة لتشجيع الاستثمار وشؤون الخصخصة (سابقاً الهيئة العامة للتمليك والاستثمار) ووزارة المالية في ليبيا والمؤسسة الليبية للاستثمار، ولما صدر الحكم التحكيمي، اخرج المؤسسة الليبية للاستثمار من الدعوى، ومدد الشرط التحكيمي في مواجهة الدولة الليبية ووزارة الاقتصاد الليبية والهيئة العامة لتشجيع الاستثمار ووزارة المالية. المبدأ العام المستمد من القانون والفقه والقضاء، هو أنه يتعين تأويل اتفاقات التحكيم بشكل ضيق يحول دون تمديد آثاره لغير أطرافه الموقعة عليه، إعمالاً لقاعدة نسبية العقود المنصوص عليها في جميع القوانين، غير أنه يجوز تمديد شرط التحكيم لغير الموقعين على العقد في حالات خاصة، كأن يكون الممدد له الشرط تابعاً للمتعاقد الاصلي، أو مساهماً في تحقيق غرض العقد، أو مكملاً له، او بينه وبين الطرف الخاضع للتحكيم تكامل اقتصادي. وحسب واقع النزاع والحكم التحكيمي، فهل توافرت في القضية إحدى الحالات المبررة لتمديد شرط التحكيم لغير الموقعين عليه؟ بالرجوع الى تدرج نزاع طرفي التحكيم، يتبين ان الارض التي كان سيشيد عليها المشروع السياحي هي في ملك الدولة الليبية، وأن المدعية صاحبته مرخص لها بإقامته من طرف أمين اللجنة الشعبية العامة للسياحة أي وزير السياحة، وهو ما كان سبباً في ادخال الاطراف الحكومية في الدعوى، والامر نفسه كان بالنسبة الى الهيئة العامة لتشجيع الاستثمار وشؤون الخصخصة التابعة لوزارة الاقتصاد التي حلّت محلّ الموقعة على العقد مصلحة التنمية السياحية في حقوقها والتزاماتها، بمقتضى قرار اللجنة الشعبية العامة، فتكون المحكمة التحكيمية بما ذهبت اليه من تمديد شرط التحكيم لباقي المحكوم عليهم قد صادفت الصواب، طالما أنه كان في إطار اتفاق مؤطر قانوناً بالنسبة الى الحالة الاخيرة، ويساير إحدى الحالات الخاصة لإمكانية تمديد شرط التحكيم، والتي تتجلى حسب النازلة الماثلة في التكامل الاقتصادي بين المحتكم عليهم، ومساهمة الممتد اليهم شرط التحكيم في تحقيق غرض المشروع السياحي بالنسبة الى الاطراف الاولى. رابعاً- النطاق الموضوعي للشرط التحكيمي: انصبت طلبات التعويض المقدمة من المدعية على الضرر الذي حاق بها جراء صدور قرار عن وزير الاقتصاد، قضى بالغاء قرار وزير السياحة بالترخيص لها باقامة مشروع سياحي، وهو ما يدفعنا الى التساؤل هل التحكيم في هذه الحالة انصب على قرار اداري من النوع الخاضع للنظام العام ولا يقبل التحكيم، أم هو من صنف العقود الادارية ذات الطبيعة المالية التي اصبحت جل القوانين والاتفاقيات تقبل إخضاع نزاعاتها لقضاء التحكيم؟ وهو النهج الذي اصبح يسير فيه القضاء في اغلب الدول، وخاصة في قضايا الاستثمار، التي غالباً ما تلزم المقاولات والدول المستقبلة للاستثمار بتضمين هذا النوع من العقود شرطاً تحكيمياً ولو كان أطرافها من أشخاص القانون العام. وبالرجوع الى العقد موضوع النزاع، ولو أن المحتكم عليهم الموقعين على العقد أو الذين امتد اليهم شرط التحكيم هم من أشخاص القانون العام، فإن النزاع انصب على عقد استثماري، ولو كان حال دون بروزه للوجود صدور قرار إداري عن وزير المالية بإلغاء الترخيص به، فإنه لا يعتبر قراراً ادارياً سيادياً، بقدر ما يعد قراراً يمس مصالح مالية، فضلاً عن ان القضاء الليبي من خلال الاحكام المستدل بها يسير على هدي التوجه المذكور، فاسحاً المجال لقضاء التحكيم لبت مثل هذا النوع من القضايا. - حول المسؤوليــة: استندت الهيئة التحكيمية في ما ذهبت اليه من القول بمسؤولية الطرف المدعى عليه في التحكيم، الى ما ساقته من ان هذه الجهة امتنعت من تمكين المدعية من الارض المؤجرة لها، وفقاً لما هو مقرر في عقد الايجار، استجابة لقرار وزير الصناعة والاقتصاد والتجارة رقم 203/10 الذي ألغى قرار وزير السياحة رقم 135/6 الذي رخص للمشروع المذكور. واعتبرت الهيئة ان القرار رقم 135 المذكور هو قرار تعسفي لا يجيزه القانون الليبي 9/10 الذي حل محل القانون رقم 5/97 المستند اليه من القرار 135 .وهو كذلك مخالف للاتفاقية الموحدة لاستثمار رؤوس الاموال العربية في الدول العربية التي تمنع كل تدبير يؤدي للحجز أو الحراسة أو المصادرة أو التصفية . وبسبب القرار المذكور ذكرت الهيئة انه ثبت لها ان الجهة المدعى عليها عرقلت استغلال المشروع، وتصدى رجال الشرطة وحراس البلدية لعمال المدعية لما هموا بالدخول الى الأرض دون ان تحرك ساكناً، مما يجعلها مسؤولة مسؤولية تعاقدية وقانونية. وهكذا يتضح مما سلف بسطه ان موقف المحكمين كان سليماً، إذ أنهم بخصوص المسؤولية القانونية اعتمدوا نصوصاً واضحة وجلية حققت هدف ما استخلصوه، ومنها الاتفاقية العربية المذكورة التي يقر بها القانون الليبي، والتي بمجرد انضمام الدولة الليبية الى الموقعين عليها تصبح مقتضياتها أسمى من قوانينها الوطنية، ولا ينال من موقفهم ما تمسك به المدعى عليهم من مشروعية قرار إلغاء الترخيص رقم 203 المستند الى قرار مجلس الوزراء رقم 194 بشأن تقرير بعض الأحكام في ميدان الاستثمار العقاري، على اعتبار أن ذلك القرار مخالف للقانون رقم 9/2010 الذي مرتبته أعلى، فضلاً عن أنه لا يجوز اتخاذ مواقف قانونية أو غيرها تجافي ما هو مستقر عليه تشريعاً وما اتفق عليه الأطراف تعاقداً. وبخصوص المسؤولية العقدية كانت وجهة المحكمين سليمة، لما ثبت لهم من ان الأرض موضوع المشروع لم يتم تسليمها للمدعية ووضعت أمامها جميع العراقيل للحيلولة دون ولوجها اليها، ولم يثبت لها عدم انجازها المشروع السياحي ضمن المهلة التعاقدية، لأنه نسف قبل انطلاقه، بعد ان اختفت الجهة المدعى عليها وبشكل غامض خلف فكرة تغيير العقار بآخر.  وختاماً فإنه بخصوص كيفية تقدير التعويض عن الضررين المادي والمعنوي وعن الكسب الفائت، وعن الفائدة وسعرها، وعن رسوم ومصاريف التحكيم وأتعاب المحامين، فإن ما اعتمدته المحكمة التحكيمية بشأنها يتعلق بخصوصياتها وتقديراتها التي لا مأخذ لنا عليها مادامت استندت الى نصوص القانون الواجبة التطبيق والوقائع الثابتة لديها.