التنفيذ / سلطة المحكمة المختصة بنظر الإستشكال في تنفيذ حكم التحكيم / الكتب / عقد المحكم بين تشريعات التحكيم وتطويع القواعد العامة في القانون المدني / سلطات المحكم
من قانون التحكيم المصري على أنه: "تفصل هيئة التحكيم في الدفوع المتعلقة بعدم اختصاصها بما في ذلك الدفوع المبنية على عدم وجود اتفاق تحكيم أو سقوطه أو بطلانه أو عدم شموله الموضوع النزاع". فالمحكم يقوم بالتأكد من وجود اتفاق التحكيم وصحته، وهو الذي يقرر ما إذا كان هناك اتفاق تحكيم من عدمه، وسواء كان ذلك من تلقاء نفسه، أو بناء على طلب أحد الخصوم .
كما أن المحكم يختص بنظر مدى صحة اختصاصه، وهو ما يسمى بمبدأ الاختصاص بالاختصاص، وقد انتقد بعض الفقه أن يختص المحكم بنظر المنازعات المتعلقة باختصاصه على إطلاقه، وأن ذلك لا يتناسب مع طبيعة التحكيم كنظام استشائي، فإذا سلمنا للمحكم بالنظر في جميع المنازعات والدفوع المتعلقة باختصاصه، فكان من الواجب أن يشترط في المحكم ما يشترط في القاضي من مؤهلات يجعله قادرا على النظر عن كل المسائل المتعلقة باختصاصه، ولهذا يجب أن يحدد القانون المنازعات التي يختص بها المحكم على سبيل الحصر، وأن يكون للقضاء دورا مهما في الرقابة على نظام التحكيم، فهو الأقدر على فهم واستيعاب العمل الإجرائي، ولا ينبغي التسليم للمحكم بأن يفصل في كل المنازعات المتعلقة باختصاصه.
وعلى الرغم من ذلك، نجد أن قانون التحكيم المصري رقم ۲۷ لسنة 1994، قد أعطى للمحكم في المادة (۱/۲۲) الحق في النظر في الدفوع المتعلقة باختصاصه، أو النظر في مدى جواز وجود اتفاق التحكيم ومدى صحته، وقد رأى جانب من الفقه (') أنه: "لا يستقيم الحال أيضا أن ينظر المحكم في اتفاق التحكيم المعدوم أو الباطل بطلانا مطلقا، لأنه يستمد سلطاته من الاتفاق نفسه ومن إرادة الأطراف، فإذا كانت هذه الإرادة معدومة، كانت لجنة التحكيم أيضا معدومة".
وأعتقد من جانبي أنه يمكن التسليم بهذا الرأي في حالة اختلاط الاتفاق بين الخصوم والمحكمين مع اتفاق التحكيم، أي أن اتفاق الخصوم على اللجوء إلى التحكيم، قد شمل أيضا الاتفاق مع المحكمين على قيامهم بالفصل في النزاع الذي سيعرض عليهم، ولكن لا يمكن التسليم بهذا الرأي، في حالة انفصال عقد المحكم عن اتفاق التحكيم، فالمحكم يستمد في هذه الحالة سلطاته من العقد المبرم مع الخصوم، بالإضافة إلى ما يقرره له القانون من صلاحيات، فإذا بطل اتفاق
التحكيم، فلا يعني ذلك بطلان العقد المبرم بين الخصوم والمحكمين، ولكن كل ما في الأمر أن هذا العقد سيصبح بلا فائدة، لأن بطلان اتفاق التحكيم يعني عدم اللجوء إلى التحكيم، ويكون الاختصاص القضاء الدولة.
وقد أشارت المادة (۲۲) في الفقرة الثالثة إلى أن هيئة التحكيم تفصل في الدفوع المشار إليها في الفقرة الأولى من هذه المادة قبل الفصل في الموضوع، أو أن تضمها إلى الموضوع لتفصل فيهما معا، فإذا قضت برفض الدفع، فلا يجوز التمسك به إلا بطريق رفع دعوى بطلان حكم التحكيم المنهي للخصومة كلها وفقا للمادة (53) من قانون التحكيم.
ويعني ذلك أن المشرع المصري لم يعطي للخصوم الحق في الطعن في حكم المحكم الذي قضى برفض الطلب الخاص بمدی اختصاصه من عدمه، بل أعطاهم الحق فقط في الطعن من خلال رفع دعوى بطلان حكم التحكيم، وهذا هو ما يصعب قبوله، وكان من الملائم أن يكون الطعن في الحكم الذي يقضي برفض الدفع قبل أن يصدر حكم المحكم، فليس منطقيا أن ينظر المحكم في موضوع النزاع ويصدر حكمه، وبعد ذلك يمكن الطعن في الحكم بالبطلان، وتقضي المحكمة بذلك، فيكون التحكيم حينئذ وسيلة لضياع الوقت والجهد معا، على عكس الهدف الذي شرع من أجله قانون التحكيم .
وقد كان القانون اليمني أكثر دقة من نظيره المصري، حيث أجاز للخصوم اللجوء إلى محكمة الاستئناف للطعن في الحكم الصادر من المحكم المتعلق باختصاصه، فقد نصت المادة (۲۸) من قانون التحكيم اليمني لسنة ۱۹۹۲ على أنه: "تختص لجنة التحكيم بالفصل في الدفوع المتعلقة باختصاصها، بما فيها الدفع المقدم بعدم
يكون مهما للغاية تحديد مكان التحكيم، لأن ذلك سيترتب عليه معرفة القانون الذي يحكم الإجراءات أو الواجب التطبيق على النزاع، حيث يكون لقضاء الدولة التي يقام فيها التحكيم سلطات واسعة تتعلق بتدعيم سير التحكيم أو إفساد فاعليته، وليس هناك ما يمنع من إجراء التحكيم في مكان، وتكون الإجراءات المتبعة وفقا القانون دولة غير دولة المكان الذي يتم فيه التحكيم .
وقد نصت المادة (۲۸) من قانون التحكيم المصري على أنه: الطرق التحكيم الاتفاق على مكان التحكيم في مصر أو خارجها، فإذا لم يوجد اتفاق عينت هيئة التحكيم مكان التحكيم مع مراعاة ظروف الدعوى وملائمة المكان لأطرافها، ولا يخل ذلك بسلطة هيئة التحكيم في أن تجتمع في أي مكان تراه مناسبا للقيام بإجراء من إجراءات التحكيم كسماع أطراف النزاع أو الشهود أو الخبراء أو الاطلاع على مستندات أو معاينة بضاعة أو أموال أو إجراء مداولة بين أعضائها أو غير ذلك".
ويتضح من هذا النص أن المشرع المصري أعطى للخصوم الحرية الكاملة في الاتفاق على مكان التحكيم، سواء كان في مصر أو في خارجها، ولكنه لم يعطي هذه الحرية للمحكمين في حالة قيامهم بتحديد مكان التحكيم بسبب عدم اتفاق الأطراف على المكان، حيث قيد المشرع هيئة التحكيم بأن تختار المكان الذي يتناسب مع ظروف الدعوى وملاءمته لطرفي التحكيم .
وفيما يتعلق بلغة التحكيم، فقد اشترط المشرع المصري أن يجرى التحكيم باللغة العربية، إلا إذا أتفق الطرفان أو حددت هيئة التحكيم لغة أخرى ، ويكون لهيئة التحكيم أن تقرر أن يرفق بكل أو بعض الوثائق المكتوبة التي تقدم في الدعوى ترجمة إلى اللغة أو اللغات المستعملة في التحكيم، ويجوز قصر الترجمة على لغة معينة، في حالة تعدد اللغات المستخدمة في عملية التحكيم .
وجدير بالذكر أن المقصود بلغة التحكيم هو لفة إجراءات التحكيم والمرافعات وتقديم المستندات والوثائق، وتجدر الإشارة إلى أنه من الأفضل أن اتجه المشرع المصري الى جعل اللغة العربية هي الأصل لإجراء التحكيم، طالما لم يتفق الطرفان أو حددت هيئة التحكيم لغة أخرى، وأعتقد أنه من الأنسب عند اختيار ، وفيما يخص تعديل التزامات الأطراف، لا يوجد في قانون التحكيم المصري أي نص يعالج هذه المسألة، وما إذا كان من حق المحكم تعديل التزامات الأطراف من عدمه، أسوة بالقاضي الذي يكون الله هذا الحق تحقيقا للتوازن الاقتصادي بين الطرفين المتعاقدين، كما في حالة الظروف الطارئة أو في مجال عقود الإذعان.
كما أن القاضي يستطيع أن يتدخل لتعديل التعويض الاتفاقي أو الشرط الجزائي المتفق عليه إذا كان مبالغة فيه، كما أنه يستطيع أن يتدخل عند وجود غبن لأحد الأطراف، وينصف الطرف المغبون في العلاقة العقدية ، والمشرع المدني عندما منح القاضي هذه السلطات، لم يمنحها له بصورة مطلقة بقصد المساس بالمراكز القانونية للمتعاقدين، باب اله بهدف تحقيق التوازن بين الطرفين المتعاقدين، حتى لا يظلم طلب بسبب الآخر.
وفي ظل غياب النص على تمتع المحكم بنفس سلطات القاضی أقترح على المشرع التدخل، وتنظيم سلطة المحكم في تعديل التزامات أطراف النزاع، لأن ذلك يكون مهما كما هو الشأن بالنسبة للقاضي ، خاصة إذا كان ضروريا تعديل هذه الالتزامات بسبب حدوث ظروف فجائية أو طارئة، قد تؤثر على التوازن الاقتصادي في العلاقات العقدية.
ولذلك، يجب على طريق التحكيم الاتفاق في ظل غياب النص - على منح المحكم سلطة تعديل الالتزامات العقدية لتحقيق التوازن بين الأطراف، ويكون الاتفاق حينئذ هو مصدر سلطة المحكم وليس النص القانوني ، وقد يرى البعض أن المشرع لم يتدخل وينص على هذه السلطة اللمحكم، على أساس ترك هذا الأمر لإرادة الأطراف. خاصة وأن العمل التحكيمي يقوم برمته على الإرادة، ولكنني أرى عكس ذلك، لأن سلطة تعديل التزامات الأطراف تعد من السلطات المهمة، التي لا ينبغي تركها للأطراف، خاصة في ظل عدم اهتمام هؤلاء الأخيرين بهذا الأمر، وعدم النص عليه في العقد اكتفاء بالأهم وهو الاتفاق على عرض النزاع على التحكيم.
رابعا: سلطة المحكم في تفسير العقد:
بينت فيما سبق أن سلطة المحكم في تعديل الالتزامات العقد لتجد أساسها في اتفاق الأطراف على منحه هذه السلطة، ولا تجد أساس ، فسلطة المحكم في تحديد القانون الواجب التطبيق تكون امينة بعدم اتفاق الأطراف على تحديد هذا القانون، فلا يكون المحكم هذه السلطة، إذا حدد أطراف النزاع القانون الواجب التطبيق على الإجراءات أو على موضوع النزاع، ويجب عليه أن يلتزم بهذا القانون، وإلا كان حكمه باطلا.
خامسا: سلطة المحكم في الحكم بالتعويض وطلب المساعدة القضائية
لم يشر المشرع في قانون التحكيم المصري إلى هذا الأمر، ومدى سلطة المحكم في الحكم بالتعويض من عدمه، وإن كان الواقع العملي يشهد بذلك، خاصة في ظل اتفاق الأطراف على منح المحكم سلطة الحكم بالتعويض وتقديره عند إصابة أي طرف بأضرار من جراء الخطأ المرتكب من الطرف الآخر.
والتساؤل الذي يمكن إثارته في هذا الصدد هو: هل يمكن لأي طرف من طريق التحكيم اللجوء إلى قضاء الدولة المختص للحكم بالتعويض على الطرف الآخر، بسبب ارتكابه خطئا سبب له الضرر؟ أم أن المضرور يكون ملتزمة بعرض الأمر على هيئة التحكيم؟
يجب التنويه إلى أنه إذا كان الحكم يلتزم بالقانون الذي يحدده الأطراف، فإن له أن
يستبعد هذا القانون إذا لم يجد فيه نصا يصلح للتطبيق على النزاع، أو إذا وجد أن القاعدة الواجبة التطبيق تكون مخالفة للنظام العام، ويجب عليه حينئذ تشبيه الأطراف بذلك. - وفاء فاروق محمد حسنی - مسئولية المحكم، القضية التي أثيرت بيد وزارة الزراعة المصرية وشركة نمساوية في إطار مركز قاهرة الإقليمي للتحكيم التجاري، ومن جانبي أعتقد أن الأمر يتوقف على وجود اتفاق على منح المحكم سلطة الحكم بالتعويض من عدمه، فإذا وجد هذا الاتفاق، فإن الطرف المصاب بالضرر يكون ملتزما بعرض الأمر على هيئة التحكيم للفصل في مدى أحقيته في الحصول على التعويض، وإذا لم يوجد هذا الاتفاق، أظن أنه يحق للمضرور اللجوء إلى قضاء الدولة المختص، خاصة وأنه يكون الأصيل في الحكم بالتعويض من عدمه، وإن كان من الأفضل أن يتفق طرفا التحكيم على اختصاص هيئة التحكيم بالحكم بالتعويض، على أساس أنها الأكثر دراية بظروف وملابسات الموضوع، كما أنها تكون الأقدر على تقدير التعويضكما يكون للمحكم الحق في تفسير ما شاب الحكم من غموض بناء على طلب أي من طرفي النزاع، فقد جاء في المادة (49) من قانون التحكيم المصري أنه يجوز لأي من طرفي التحكيم أن يطلب من هيئة التحكيم خلال الثلاثين يوما التالية لتسلمه حكم التحكيم تفسير ما وقع في منطوقه من غموض، ويجب على طالب التفسير إعلان الطرف الأخر بهذا الطلب قبل تقديمه لهيئة التحكيم، ويجب أن يصدر التفسيركتابة خلال الثلاثين يوم التالية لتاريخ تقديم طلب التفسير لهيئة التحكيم، ويجوز لهذه الهيئة مد هذا الميعاد ثلاثين يوما إذا رأت ضرورة لذلك، ويعتبر الحكم الصادر بالتفسير متمما لحكم التحكيم الذي يفسره وتسرى عليه أحكامه.
كما أن سلطة المحكم تمتد إلى الحكم فيما أغفل من طلبات، أي يمكن للمحكم إصدار قرار تحكيم إضافي، فيما يتعلق بالطلبات التي قدمت خلال الإجراءات وأغفلها حكم التحكيم، ولكن إذا كان يجوز له ذلك فيما يخص الطلبات التي أغفلها ، فلا يجوز له الحكم فيها إلا بناء على طلب من أحد أطراف التحكيم .
وحسنا ما فعله المشرع المصري في المادة (51) من قانون التحكيم عندما اشترط أن صدور حكم تحكيم إضافي في الطلبات التي تم إغفالها، لا يكون إلا إذا طلبه أحد الأطراف، وذلك لأن الأصل هو عدم وجود أي سلطة للمحكم بعد إصداره للحكم، ومن ثم فإن إصداره الحكم إضافي يكون على سبيل الاستشاء، الذي لا ينبغي التوسع فيه.