التنفيذ / وقف القوة التنفذية لأحكام التحكيم / رسائل الدكتوراة والماجسيتير / تنفيذ أحكام التحكيم الأجنبية الباطلة / تطبيقات قضائية لموقف بعض التشريعات الأجنبية الأخرى من تنفيذ أحكام التحكيم الباطلة
لم يتضح موقف القضاء البلجيكي من تنفيذ أحكام التحكيم الباطلة من خلال الأحكام التالية:
أولا : الحكم الصادر عن محكمة أول درجة في بروكسل بتاريخ ۱۹۸۸/۱۲/6 في قضية SONATRACH عندما قررت نفاذ الحكم التحكيمي الصادر في الجزائر بتاريخ ۱۹۸۰/۱۲/۲۹ على الرغم من صدور حكم من محكمة استئناف الجزائر ببطلان هذا الحكم بتاريخ ۱۹۸۹/۱۲/۲۰، حيث استندت محكمة بروكسل على المادة ۱۷۲۳ من القانون القضائي البلجيكي مقررة إنها لم تنص على أن القضاء ببطلان حكم التحكيم في الدولة التي صدر فيها أو الدولة التي صدر طبقا لقوانينها؛ يعد سببا لرفض تنفيذ هذا الحكم في بلجيكا)
ورفضت المحكمة الأخذ بالدفع المقدم من الطرف المعارض للتنفيذ استنادا لما نصت عليه المادة ۱/5/ه من اتفاقية نيويورك في هذه الحالة، وذلك لكون الجزائر في الوقت الذي صدر فيه الحكم لم تكن قد انضمت بعد إلى اتفاقية نيويورك.
وقد أيدت محكمة استئناف بروكسل ذلك بحكم صادر منها بتاريخ .۱۹۹۰/۱/۹
ويرى البعض عند تعليقه على الحكم أن القضاء البلجيكي تبين له أن الحكم التحكيمي ملزما لأطرافه إذا كان الحكم غير مخالف لاتفاق التحكيم، وهو الذي تحققت منه المحكمة صراحة على أنه بصدور الحكم التحكيمي يصبح واجب النفاذ من وقت إصداره وأن اتفاق التحكيم ذاته نص على أن تنفيذ الأحكام التحكيمية يخضع إلى قواعد التنفيذ في البلد التي يراد التنفيذ فيها، ومن ثم فأن اتفاق الأطراف استبعد القواعد القانونية لبلد صدور الحكم عن مناقشة تنفيذه.
ثانيا : الحكم الصادر بتاريخ ۱۹۹۹/۱/۲5 من محكمة بروكسل بتنفيذ الحكم التحكيمي الصادر في الأردن سنة 1994 والذي حكم فيه على الشركة العربية لضمان الاستثمار والتي تمسكت بدفع يتعلق بحجية الحكم في الأردن. وبتاريخ : ۱۹۹۷/۱/۲ أيدت محكمة استئناف بروكسل الأمر بتنفيذ الحكم التحكيمي وقررت أن اتفاق التحكيم يشترط أن تنفيذ أحكام التحكيم في البلد الذي يبحث فيه أمر تنفيذها، وأن قانون البلد الذي صدر فيه الحكم لا يكون ملائما منذ هذه اللحظة.
ومن خلال الحكمين السابقين نلاحظ أن القضاء البلجيكي يعترف بحكم التحكيم وينفذه رغم القضاء ببطلانه في الدولة التي صدر فيها او صدر طبقا لقوانينها معتمدا على نص المادة ۱۷۲۳ من القانون القضائي البلجيكي ( المادة ۱۷۲۱ من القانون القضائي البلجيكي المعدل العام ۲۰۱۳) والتي لم تنص على أن القضاء ببطلان حكم التحكيم سببا لرفض تنفيذ هذا الحكم في بلجيكا وبذلك يكون القضاء البلجيكي قد سار على نهج القضاء الفرنسي بالاعتراف بالحكم التحكيمي وتنفيذه رغم القضاء ببطلانه.
القضاء النمساوي:
لقد طبق هذا القضاء أيضا نفس الحل الذي أرساه القضاء الفرنسي ولكن استنادا إلى نص المادة 1/4 من الاتفاقية الأوروبية للتحكيم التجاري الدولي لعام ۱۹۹۱ وذلك في قضية: Kajo - Erzeugnisse EssenzenGmbh V. Do Zdravilisce Radenska
وتتلخص وقائع هذه القضية في أنه بموجب عقد أبرم بتاريخ ۱۹۷۰/۱۱/۲۶ قامت الشركة النمسوية Kajo بالترخيص حصريا للشركة اليوغوسلافية Radenska بإنتاج وبيع مشروب يسمى Deit في يوغوسلافيا. وقد نص العقد على أن تقوم الشركة اليوغسلافية بشراء مجموع المكونات اللازمة لتصنيع هذا المشروب حصريا من الشركة النمسوية.
وفي سنة ۱۹۸۱ اعترضت شركة Kajo بأن شركة Radenska اليوغسلافية لم تحترم هذا الالتزام. وفي سنة ۱۹۸۲ قامت شركة ,Radenska بإنهاء هذا العقد من جانب واحد.
واستنادا لنصوص العقد بأن كل نزاع يتعلق به يتم عرضه على التحكيم، تم اللجوء إلى التحكيم من خلال هيئة التحكيم المؤلفة من ثلاث محكمين والتي اتخذت مقرا لها في بلجراد - يوغسلافيا وطبقت الهيئة القانون اليوغسلافي. وبتاریخ ۱۹۸۸/۷/۷ أصدرت هيئة التحكيم قرارها بإلزام الشركة اليوغسلافية Radenska بدفع تعويض للشركة النمسوية Kajo يقدر بحوالي ۳۰ مليون Schillings نمسوي فضلا عن فوائد تأخير سعر ۸% تحسب من تاريخ بدء التحكيم وذلك نتيجة الإخلال بشروط العقد.
إلا أن الشركة اليوغسلافية Radenska قامت برفع دعوى بطلان ضد هذا الحكم أمام محكمة أول درجة في Murska Sobata والتي أصدرت حكمها بتاريخ ۱۹۸۹/4/13 برفض دعوی Radenska وتأييد الحكم.
وقد أيدت محكمة استئناف Maribor حكم محكمة أول درجة ولم ترضى الشركة اليوغسلافية بهذا الحكم وطعنت بالنقض أمام المحكمة العليا السلوفينيا والتي قضت ببطلان حكم التحكيم وذلك في حكمها الصادر بتاريخ ۱۹۹۲/۷/۳
، لما تبين لها من أن العقد المبرم بين الطرفين هو عقد احتكار لكونه أعطى للشركة النمساوية Kago امتیازات وهذا يخالف النظام العام في سلوفينيا.
وبالرغم من ذلك تقدمت شركة Kago النمسوية بطلب لتنفيذ حكم التحكيم الصادر لصالحها في النمسا لدى محكمة Bad Radkersburg والتي أصدرت أمر بتنفيذ هذا الحكم، وقد طعنت شركة Radenska بهذا الحكم لدى محكمة استئناف Graz والتي أصدرت حكما لصالح الشركة اليوغسلافية مقررة أن "بطلان الحكم التحكيمي من جانب المحكمة العليا لسلوفينيا يجعل من المستحيل تنفيذه في النمسا".
الا أن شركة Kajo لم تقف عند هذا الحد وتقدمت بطعن بالنقض المحكمة العليا النمسوية والتي قررت بتاریخ ۱۹۹۳/۱۰/۲۰ إلغاء حكم محكمة استئناف
Graz والاعتراف بحكم التحكيم وتنفيذه على الرغم من القضاء ببطلانه من جانب المحكمة العليا لسلوفينيا.
حيث قررت المحكمة أن "البطلان الذي يحكم به في إحدى الدول المتعاقدة لحكم تحكيمي يخضع للاتفاقية الأوروبية لا يشكل وفقا للمادة التاسعة من الاتفاقية، أحد أسباب رفض الاعتراف أو رفض التنفيذ إلا إذا كان هذا البطلان قد حكم به في الدولة التي يندر فيها الحكم التحكيمي أو وفقا للقانون الذي صدر الحكم التحكيمي في إطاره وذلك لإحدى الأسباب المحددة في المادة 1/1، وبطلان الحكم التحكيمي لمخالفته النظام العام في الدولة المتعاقدة التي كان قد صدر فيها الحكم لا يشكل أحد الأسباب المحددة في المادة 1/4 من الاتفاقية الأوروبية والتي تبرر رفض الاعتراف بالحكم التحكيمي أو رفض تنفيذه".
القضاء الهولندي:
يظهر موقف القضاء الهولندي من خلال قضية التحكيم الشهيرة SEEE v. Federal Republic of Yugoslavia والتي لم تشارك يوغسلافيا في إجراءاتها، حتى صدر فيها الحكم من محكمين اثنين في ولاية Vaud بسويسرا في عام 1956.
وبعد أن لجأت يوغسلافيا إلى إقامة دعوى لإبطاله أمام محكمة ولاية Vaud والتي رفضت بطلانه وقضت بإعادة الحكم إلى SEEE، استنادا إلى أنه لا يعتبر حكما تحكيميا طبقا لمفهوم المادة 516 من قانون الإجراءت المدنية لولاية Vaud الذي كان يتطلب في ذلك الوقت أن يكون عدد المحكمين وترا.
القضاء الألماني:
تظهر المحاكم الألمانية احتراما كبيرا لوضع حكم التحكيم في دولة المقر، وذلك باعتمادها على القسم ۱۰6۱ من قانون الإجراءات المدنية الألماني الجديد والذي ينص على أنه "إذا إلغي الحكم بالخارج بعد إعلانه نافذا يجوز تقديم طلب ببطلان إعلان قابليته للنفاذ".
تطبيقا لهذا النهج أصدرت المحكمة العليا الإقليمية في Rostock - ألمانيا حكما برفض تنفيذ حكم التحكيم الصادر في روسيا بشأن النزاع الناشئ عن عقد الإصلاح إحدى السفن البحرية، استنادا إلى أن هذا الحكم قد تم القضاء ببطلانه عن طريق إحدى المحاكم الروسية.
إلا أنه وبعد صدور حكم المحكمة الألمانية بالرفض والتنفيذ؛ أصدرت المحكمة العليا في الاتحاد الروسي حكما نهائيا بتأييد حكم التحكيم الذي سبق القضاء ببطلانه، ونتيجة لذلك؛ قضت المحكمة العليا الألمانية بإلغاء الحكم الذي سبق أن أصدرته محكمة Rostock مقررة وجوب إعلان حكم التحكيم واجب التنفيذ نظرة إلى أن المحاكم الروسية قد قضت بأنه حکم ملزم.
وكذلك قضت محكمة استئناف "Dresden" في ألمانيا بتاریخ ۱۳ يناير ۲۰۰۷، حيث رفضت المحكمة الأمر بتنفيذ حكم تحكيم صدر في ( بلا روسيا) كانت المحكمة التجارية العليا في (بلا روسيا) قد قضت بإبطاله لعدة أسباب منها أن هيئة التحكيم لم تلتزم بالإجراءات التي اتفق الأطراف على تطبيقها، فقد صدر حكم التحكيم من رئيس الهيئة وعضو وامتناع العضو الثاني عن التوقيع ، في حين أن الإجراءات المتفق على اتباعها كانت تقضي بأنه عند امتناع عضو يقوم رئيس الهيئة بتعين عضو يحل محله. وقد استندت المحكمة على المادة التاسعة من اتفاقية جنيف لعام ۱۹۹۱ للتحكيم التجاري الدولي والتي تنص على أن أبطال حكم التحكيم في دولة صدوره يعتبر سبأ الرفض الأمر بتنفيذه في دولة صدوره يعتبر سببا لرفض الأمر بتنفيذه في دولة أخرى عضو في الاتفاقية إذا كان سبب البطلان هو أن إجراءات التحكيم قد خالفت أتفاق الطرفين. ) وأيدت المحكمة الاتحادية العليا بتاريخ ۲۰۰۸/۷/14 قرار محكمة الاستئناف.
وأيضا أكدت محكمة استئناف مدينة ميونخ بتاريخ 30 يونيو ۲۰۱۲ هذا النهج، حيث قضت بأن حكم التحكيم الذي يقضي ببطلانه في بلد إصداره (دولة اوكرانيا) لايجوز الاعتراف به أو الأمر بتنفيذه في ألمانيا، وقد استند الحكم إلى نص المادة 1/5 من اتفاقية نيويورك لتنفيذ الأحكام، وقررت إنه إذا أبطل حكم التحكيم في دولة إصداره فأنه لا يجوز الأمر بتنفيذه بشرط أن يكون حكم الأبطال قد صدر عن محكمة مختصة في تلك الدولة، وان يكون الإبطال مستندا إلى أحد أسباب البطلان التي تنص عليها المادة التاسعة من الاتفاقية الأوربية بشأن التحكيم التجاري والدولي لعام ۱۹6۱.
وبذلك يتضح تركيز القضاء الألماني عند تنفيذ أحكام التحكيم الأجنبية على الوضع القانوني للحكم التحكيمي داخل دولة مقر التحكيم وتأكيده على أنه لا يمكن عزل حكم التحكيم عن النظام القضائي للدولة التي صدر فيها، وبالتالي عدم إمكانية تنفيذ حكم التحكيم المقضي ببطلانه في المانيا.
القضاء التشيلي:
قضت المحكمة العليا في تشيلي بتاريخ 8 سبتمبر ۲۰۱۱ برفض إصدار أمر التنفيذ الحكم تحكيم صدر في الأرجنتين بين كل من EDF international v. Endesa Lation Americona بسبب أبطال هذا الحكم من خلال المحكمة المختصة في الأرجنتين، وقد استندت المحكمة العليا في تشيلي على أحكام اتفاقية نيويورك التي تشترط لتنفيذ الحكم الأجنبي أن يكون فعال "Effective" وأضاف الحكم أنه يعتبر مخالفا لقواعد الاستوبل "Esoppel" الطرف الذي يطالب بإبطال حكم تحكيم في بلد إصداره، ثم بعد إبطاله يطلب أمرا بتنفيذه.