التطبيقات القضائية الخاصة بتنفيذ أحكام التحكيم الباطلة :
موقف القضاء الفرنسي من تنفيذ أحكام التحكيم الباطلة:
انتهجت فرنسا بعد الحرب العالمية الثانية ، نهج جديد في منازعات التحكيم وبخاصة ماتعلق منها بتنفيذ الأحكام الأجنبية، ففي غضون عام ۱۹۵۸ اصدرت محكمة النقض الفرنسية حكمها بضرورة تنحية الحكم الأجنبي إذا كان مخالفا لقواعد العدالة العالمية الراسخة في الوجدان الفرنسي والتي تحتوي على قيمة دولية مطلقة.
وقد ظهرت أولى تطبيقات القضاء الفرنسي لهذا النهج خلال عام 1984 في قضية Norsolor ثم تأكد هذا المبدأ في قضية Polish Ocean عام ۱۹۹۳ وقضية Hilmarton عام ۱۹۹4 وقضية Chromalloy عام ۱۹۹۷ وAsecna لعام ۱۹۹۷ وقضية سلطة الطيران المدني الإمارة دبي مع شركة Bechtel عام ۲۰۰۵ وقضية PT Putrabail Adyamullia مع شركة Rena Holding عام ۲۰۰۷ وقضية الشركة الوطنية المصرية للغاز Natgas لعام ۲۰۱۱ وسوف نتناول هذه القضايا بالبحث والتحليل على النحو التالي:
قضية Norsolor:
تتعلق وقائع هذه القضية بفسخ عقد الوكالة التجارية المبرم بين الشركة الفرنسية Ugilor والتي تخول اسمها فيما بعد إلى شركة Norsolor والشركة التركية Pabalk.
وقد صدر حكم تحكيم في هذه القضية في فينا عاصمة النمسا من خلال هيئة التحكيم المشكلة وفقا لقواعد غرفة التجارة الدولية بباريس I.C.C، حيث ألزمت هيئة التحكيم الشركة الفرنسية Ugilor بدفع مبالغ محددة إلى الشركة التركية pabalk لكون الشركة الفرنسية رفضت تسدید العمولات المستحقة للشركة التركية عن عدد من البيوع التي تمت في تركيا وكذلك رفضت دفع تعويض لها بسبب الضرر الذي أصابها من جراء فسخ العقد الذي تعد الشركة الفرنسية مسؤولة عنه وذلك في .۱۹۷۶/۱۰/۲۹
وقد استندت هيئة التحكيم في حكمها على المبادئ العامة للقانون العابر للحدود "Transnational Rules" أو ما يشار إليه ب Lex" "Mercatoria واستبعاد تطبيق أي قانون وطني على أساس الطبيعة الدولية العقد الوكالة التجارية ، وغياب اتفاق الأطراف على القانون واجب التطبيق على موضوع النزاع.
وبتاریخ ۱۹۸۱/۹/۲۹ تم الاعتراف بهذا الحكم التحكيمي في النمسا من قبل المحكمة التجارية بفينا أما في فرنسا فقد صدر بتاريخ ۱۹۸۰/۲/4 أمر بتنفيذ هذا الحكم من رئيس محكمة باريس الابتدائية. وبتاريخ ۳/4/ ۱۹۸۱ رفضت محكمة باريس الابتدائية استئناف الأمر الصادر بالتنفيذ وأيدت امر التنفيذ.
إلا أن الحكمين الابتدائيين السابقين تم إلغائهما من قبل محكمة الاستئناف المختصة في كل من الدولتين، حيث تم إبطال الحكم التحكيمي جزئيا بحكم من محكمة استئناف فينا لتطبيقه القواعد عبر الدولية وعدم اعتماده على قانون وطني معين وذلك بتاريخ ۹/۲۹/(۴) ۱۹۸۲. أما بالنسبة لمحكمة استئناف باريس ففي ۱۹۸۲/۱۲/۱۹ رفضت قرار رئيس محكمة باريس الابتدائية بخصوص الاعتراف بالحكم التحكيمي، حيث فسخت حكم محكمة البداية وذلك لصدور حكم من القضاء النمساوي بإبطال حكم التحكيم مستندة بذلك على نص المادة ۱/5/ه من اتفاقية نيويورك لعام ۱۹۰۸ والتي تجيز للقضاء الفرنسي رفض تنفيذ حكم التحكيم إذا صدر حكم قضائي ببطلانه من قضاء دولة مقر التحكيم.
وقد تم الطعن بالنقض على قرار محكمة استئناف باريس وبتاریخ ۱۹۸۶/۱۰/۹
نقضت محكمة النقض الفرنسية حكم محكمة استئناف باريس مستندة على المادة السابعة من اتفاقية نيويورك بفقرتها الأولى والمادة ۱۲ من قانون المرافعات الفرنسي ، فالمادة السابعة من الاتفاقية تجيز تنفيذ هذا الحكم في فرنسا بالاستناد على القانون الفرنسي طالما أن القانون الفرنسي أقل تشددا من المادة الخامسة من اتفاقية نيويورك وبالتالي أصلح لطالب التنفيذ.
أما المادة ۱۲ من قانون المرافعات الفرنسي فهي تلزم المحاكم الفرنسية بعدم رفض تنفيذ أي حكم يسمح بتنفيذه القانون الفرنسي؛ أي لا يمكن للقاضي أن يرفض إصدار الأمر بالتنفيذ حينما يسمح به قانونه الوطني ويتعين عليه ولو من تلقاء نفسه أن يبحث في القانون الفرنسي عن شروط إصدار هذا الأمر.
وقد أكد الأستاذ Goldman عند تعليقه على حكم محكمة النقض الفرنسية أنه لم تقم المحكمة بتحديد الشروط الواجب توافرها في القانون .. الفرنسي من أجل الاعتراف بحكم التحكيم الذي قضي ببطلانه في الخارج.
ويرى البعض أيضا في تعليقه على حكم محكمة النقض الفرنسية أنه فتح الطريق أمام إمكانية الاعتراف بالأحكام التحكيمية على الرغم من القضاء يبطلانها وفقا لقانون دولة المقر، وذلك من خلال تغليب محكمة النقض الفرنسية لنص المادة 1/7 من معاهدة نيويورك على نص المادة الخامسة وبالأخص الفقرة (ه) منها، وتطبيق القاعدة القانونية الأكثر فائدة طالما أن المادة 1/7
من الاتفاقية تجيز الاستناد عند تنفيذ حكم التحكيم الأجنبي على القانون الوطني لدولة التنفيذ إذا كان أفضل لطالب التنفيذ وهذا ما يشار إليه ( More - favorable right provision). ).
قضية Polish Ocean:
تتعلق وقائع هذه القضية بحكم تحكيم ص در في بولندا بتاريخ ۱۹۹۰/۳/۱۷
لصالح شركة Jolarsy الفرنسية في مواجهة الشركة البولندية (Polish Ocean Line (Pol وفي ۱۹۹۰/5/۳۰ أصدرت محكمة Gdansk البولندية بوصفها دولة مقر التحكيم أمرها بوقف تنفيذ حكم التحكيم.
ولكن وعلى الرغم من ذلك تم تقديم طلب بتنفيذ هذا الحكم في فرنسا أمام المحكمة الابتدائية في مدينة Douai، والتي قامت بإصدار أمر بتنفيذ الحكم بتاريخ ۱۹۹۰/4/۳۰،وقد لقي هذا الحكم قبولا من محكمة استئناف Douai والتي قامت برفض طلب إلغاء أمر تنفيذ حكم التحكيم الذي تقدمت به الشركة البولندية Polish Ocean، حيث رفضت محكمة الاستئناف هذا الطلب استنادا إلى أن بطلان حكم التحكيم أو وقف تنفيذه ليس من بين أسباب الطعن بالاستئناف على الأوامر الصادرة بتنفيذ أحكام التحكيم والتي حصرتها المادة ۱۵۰۲ مرافعات (قديم) (15۲۰ من القانون الجديد)
وبعد ذلك قامت الشركة البولندية بالطعن بالنقض على قرار محكمة استئناف Douai وبتاریخ ۱۹۹۳/۳/۱۰ أيدت محكمة النقض الفرنسية قرار محكمة الاستئناف وأكدت على المبدأ الذي أرسته في قضية Norsolor بالقول:
| "إن المادة السابعة من اتفاقية نيويورك، والتي تعتبر كل من فرنسا .. وبولندا أطرافا فيها، لا تحرم أي طرف من أي حق في الاستفادة من حكم التحكيم بالكيفية وبالقدر الذي يسمح به قانون الدولة المطلوب التنفيذ فيها
. وبالنتيجة، فأنه لا يجوز للمحكمة الفرنسية أن ترفض طلب الأمر بتنفيذ حكم تحكيم تم إبطاله أو إيقاف تنفيذه من قبل السلطة المختصة في البلد التي صدر فيها الحكم إذا كانت أسباب رفض التنفيذ، رغم أنها مذكورة بالمادة ۱/5/ها من اتفاقية نيويورك لسنة 1958، ليست من ضمن الأسباب المحددة في المادة ۱۵۰۲ من قانون المرافعات المدنية الفرنسي الجديد . وعليه فقد كانت محكمة الاستئناف محقة في قرارها القاضي بأن إقامة دعوى بطلان في بولندا وقرار المحكمة البولندية بوقف تنفيذ حكم التحكيم لا يبرران رفض تنفيذ الحكم في فرنسا.
قضية Hilmarton:
تتلخص وقائع هذه القضية بعقد تقدیم مشورة إبرم بتاريخ ۱۹۸۰/۱۲/۱۲
بين الشركة الإنجليزية Hilmarton المختصة بالاستشارات وشركة المقاولات الفرنسية OTV وبموجب هذا العقد يقع على عاتق الشركة الإنجليزية Hilmarton الالتزام بتقديم الاستشارات القانونية والضرائبية للشركة الفرنسية (OTV)، وكذلك تتعهد الشركة البريطانية بمساعدة الشركة الفرنسية بالحصول على عقد مع الحكومة الجزائرية لإقامة نظام مجاري (Sewerage System) المدينة الجزائر العاصمة، وذلك من خلال استغلال نفوذها لدى السلطات الجزائرية لإتمام هذه الصفقة.
وقد نص هذا العقد صراحة على أن تقوم الشركة الفرنسية OTV بدفع نسبة 4% من قيمة العقد كعمولة للشركة البريطانية Hilmarton مقابل خدماتها، كما نص العقد على أن يتم حسم أي نزاع قد ينشأ عن هذا العقد عن طريق التحكيم وفقا لقواعد غرفة التجارة الدولية بباريس I.C.C على أن يعقد جلساته في جنييف عاصمة سويسرا ووفقا لأحكام مقاطعة جنيف.
وفي عام ۱۹۸۳ حصلت الشركة الفرنسية OTV على المناقصة وأبرمت العقد مع الحكومة الجزائرية، وقامت بدفع ما نسبته 50% من . العمولة المتفق عليها إلى الشركة البريطانية Hilmarton ورفضت الشركة الفرنسية دفع النصف الآخر المتبقي الذي طالبتها به شركة Hilmarton على سند من القول أن الاستشارة التي قدمتها إليها الشركة البريطانية كانت معيبة (Deficient) وأساءت إلى علاقتها بالحكومة الجزائرية مما أدى إلى خلق مصاعب متعددة للشركة الفرنسية مع عملائها.
ونتيجة إصرار الشركة الفرنسية OTV على عدم القيام بدفع باقي قيمة العمولة المتفق عليها إلى الشركة البريطانية Hilmarton لجأت الشركة البريطانية إلى استخدام التحكيم المنصوص عليه في العقد وحددت غرفة التجارة الدولية I.C.C محكما وحيدا يفصل في النزاع في مكتب جنيف.
وقد تمسكت الشركة الفرنسية ببطلان العقد لمخالفته للقانون الجزائري الصادر في 11 فبراير ۱۹۷۸ والخاص باحتكار الدولة الجزائرية القطاع التجارية الخارجية. . وبتاريخ ۱۹۸۸/٤/۱۹ أصدر المحكم حكمه برفض دعوی Hilmarton على أساس أن القانون الجزائري، وهو القانون الواجب التطبيق على العقد يحظر وبشكل مطلق مكافأة الوسطاء واستغلال النفوذ، وقد استخلص المحكم أنه بمخالفة القانون الجزائري يكون العقد مخالفا للأخلاقيات العامة بالمفهوم الوارد بالمادة 1/۲۰ من قانون الالتزامات السويسري الواجب التطبيق وتوصل المحكم أيضا إلى أن العقد محل المنازعة يخالف النظام العام العابر للدول "Lordre Public transnational "وبالتالي أصدر المحكم حكمة بعدم استحقاق العمولة على الشركة الفرنسية OTV.
وبناء على ذلك سعت شركة OTV للحصول على أمر تنفيذ حكم التحكيم في فرنسا، بينما لجأت شركة Hilmarton إلى الطعن عليه بالبطلان في سويسرا استنادا إلى كونه تعسفية في ضوء مفهوم نص المادة 36/ف من قانون الكونكردات الدولي للتحكيم ، والتي تسمح للوسيط ببمارسة الأنشطة التي يسمح بها القانون السويسري طالما أنه لم يتم اللجوء إلى دفع الرشاوی وفي ۱۹۸۹/۱۱/۱۷ صدر حكم من محكمة استئناف مقاطعة جنيف بإبطال حكم التحكيم بناء على نص المادة 36/ف من قانون التحكيم السويسري حيث تجيز بطلان حكم التحكيم إذا كان تحكميأ أو تعسفية (Arbitrary)؛ أي أن يتوصل الحكم إلى نتائج تخالف بشكل فاضح وقائع القضية الثابتة أو يشكل الحكم مخالفة فاضحة للقانون أو العدالة.
وقد اعتبرت المحكمة حكم المحكم تعسفيا لعدم ثبوت قيام شركة Hilmarton البريطانية بدفع رشاوي لموظفين في الحكومة الجزائرية رغم توافر شبهة ذلك، وبناء عليه قضت بأنه يحق لشركة Hilmarton أن تتقاضى الأتعاب المتفق عليها كاملة.
وبتاریخ ۱۹۹۰/۶/۱۷ أيدت المحكمة الفيدرالية السويسرية قرار محكمة الاستئناف في جنيف ببطلان حكم التحكيم استنادا لكونه تعسفيا.
وفي هذا الأثناء ونتيجة لتقديم شركة OTV الفرنسية طلب إلی محكمة باريس الابتدائية للاعتراف بحكم التحكيم وتنفيذه في فرنسا، ص در بتاریخ ۱۹۹۰/۲/۲۷ قرار بتصديق حكم التحكيم والأمر بتنفيذه في فرنسا) .
وقد أيدت محكمة استئناف باريس هذا الحكم بتاريخ ۱۹۹۱/۱۲/۱۹ مؤكدة في حكمها على وجوب تطبيق الرخصة الممنوحة للقضاء الوطني بموجب المادة السابعة من اتفاقية نيويورك، وعلى أن القاضي الفرنسي لا يجوز له رفض تنفيذ الحكم إلا إذا كان القانون الفرنسي يفرض عليه ذلك، وقد أضافت المحكمة عبارة في غاية الأهمية وهي: "أن اعتراف القضاء الفرنسي بحكم تحكيم صدر حكم قضائي بإبطاله في دولة المقر لا يتعارض مع المفهوم الفرنسي للنظام العام الدولي"
وبتاريخ ۱۹۹4/۳/۲۳ رفضت محكمة النقض الفرنسية الطعن المقدم إليها من شركة Hilmarton وأصدرت قرارها بتأييد حكم محكمة - الاستئناف، وهي بذلك أصرت على المبدأ الذي أرسته في قضية Norsolor والقاضي بأن من حق طالب الاعتراف والتنفيذ الحكم التحكيم أن يستفيد من الرخصة الممنوحة له بموجب المادة 1/7 من اتفاقية نيويورك، وبما أن المادة ۱۵۰۲ من قانون المرافعات الفرنسي (15۲۰ من القانون الجديد) أفضل المصلحة طالب التنفيذ من نص المادة ۱/5/ه من اتفاقية نيويورك لعام ۱۹۰۸ ،فأن من حقه أن يتمسك بها عند طلب الاعتراف بحكم التحكيم الأجنبي في فرنسا على الرغم من الحكم ببطلانه في دولة المقر، لكون صدور حكم قضائي من دولة المقر ليس من أسباب رفض الاعتراف بذلك الحكم في النظام القانوني الفرنسي، وأيضأ بنت المحكمة حكمها على أساس أن الحكم التحكيمي محل القضية كان حكما دوليا لا يندمج في النظام القانوني الداخلي لسويسرا ، ولذلك فإن وجوده يبقى ثابتا رغم القضاء ببطلانه في دولة المقر كما وأن الاعتراف به في فرنسا لا يخالف النظام العام الدولي.
إلا أن النزاع بين الطرفين لم ينته عند هذا الحد، نتيجة لقيام شركة Hilmarton وشركة OTV بعد صدور حكم المحكمة الفيدرالية السويسرية بتاریخ ۱۹۹۰/۶/۱۷ والمؤيد لقرار محكمة الاستئناف في جنيف والقاضي ببطلان حكم التحكيم، بالبدء بإجراءات تحكيم جديدة في سويسرا ومع محكم جديد. وفي ۱۹۹۲/۶/۱۰ صدر حكم تحكيم جديد في جنيف ولكنه لصالح شركة Hilmarton ويعطيها الحق في العمولة، والأتعاب التعاقدية المطلوبة. ونتيجة لصدور حكم التحكيم الجديد لصالح شركة Hilmarton بادرت بتقديم طلب لتنفيذ هذا الحكم في فرنسا، وبتاریخ ۱۹۹۳/۲/۲۰ صدر أمر بتنفيذ هذا الحكم الجديد "حكم التحكيم الثاني" من رئيس محكمة Nanteer الابتدائية.
وحصلت الشركة البريطانية Hilmarton أيضا بتاريخ ۱۹۹۳/۹/۲۲
ومن نفس محكمة "Nanteer" على أمر بتنفيذ حكم المحكمة السويسرية الفيدرالية الصادر بتاريخ ۱۹۹۰/4/17 والذي كان قد أبطل حكم التحكيم الأول الصادر ضدها بتاريخ ۱۹۸۸/۸/۱۹ استنادا إلى اتفاقية التعاون القضائي بين فرنسا وسويسرا لسنة ۱۸۹۹م .
وبتاريخ ۱۹۹۰/۶/۲۹ أيدت محكمة استئناف Versailles(4) القرارين السابقين لمحكمة بداية Nanteer.
إلا أنه وبتاریخ ۱۹۹۷/۹/۱۰ وبناء على طلب النقض الذي تقدمت به شركة OTV الفرنسية أصدرت محكمة النقض الفرنسية حكمها بنقض وإلغاء الحكمين الصادرين عن محكمة استئناف Versailles، استنادا إلى وجود حكم فرنسي غير قابل للطعن عليه معتمدة على نص المادة ۱۳۵۱ من القانون المدني الفرنسية والخاصة بحجية الأمر المقضي به res (judicata ) وبذلك يبقى في النظام القانوني الفرنسي حكم التحكيم الأول المعترف به في فرنسا على الرغم من بطلانه في سويسرا.
إلا أن شركة Hilmarton لم تقف عند هذا الحد، وإنما قامت بتقديم طلب لتنفيذ حكم التحكيم الثاني والصادر لصالحها بتاريخ ۱۹۹۲/4/10 لدى المحاكم الإنجليزية، وتمكنت من الحصول على أمر بتنفيذ هذا الحكم وبتاریخ ۱۹۹۹/۰/۲۶ قضى القسم الملكي بالمحكمة العليا في لندن برفض الاستئناف المرفوع ضد هذا الأمر.
قضية الشركة الوطنية المصرية للغاز NATGAS:
في قضية حديثة نسبيا قضت محكمة استئناف باريس في حكمها الصادر في ۲۰۱۱/۱۱/۲4 أن المواد ۱۹۹۸ وما بعدها والتي أصبحت ۱۵۱۶ بعد تعديل قانون التحكيم الفرنسي، والمتعلقة بالاعتراف وتنفيذ احكام التحكيم الدولية وأحكام التحكيم الأجنبية، وذلك بغض النظر عن ص فتها . الداخلية أو الدولية، وذلك إعمالا لنص المادة السابعة من اتفاقية نيويورك الصادرة في ۱۰/ يونيو/ ۱۹۵۸ المتعلقة بتنفيذ أحكام التحكيم الأجنيبة.
وحيث أنه صادف تنفيذ هذا الحكم في فرنسا طبقا لأحكام قانون التحكيم الفرنسي والذي لم يعتبر أن بطلان أحكام التحكيم في بلد إصدارها سببا في رفض الاعتراف بها أو تنفيذها باعتبارها أحكام صادرة في الخارج.
وإعمالا لمبدأ سلامة اتفاق التحكيم اكتفاء بكون إرادة المتعاقدين لم يصبها أي عوار، والمبينة أمام هيئة المحكمة في موافقة الحكومة المصرية على اتفاق التحكيم مع الشركة الوطنية للغاز، مما تطمئن معه المحكمة إلی سلامة الاتفاق، وبالتالي لا مانع لدى المحكمة من منح الحكم الصيغة التنفيذية بغض النظر عن كونه صادرة في جمهورية مصر العربية.
وتتعلق وقائع هذه القضية بعقد أبرم بين الحكومة المصرية ممثلة بالهيئة العامة المصرية للبترول (EGPS) والشركة الوطنية للغاز (NATOAS) بتاريخ ۱۹۹۹/۱/6 والذي تلتزم بمقتضاه الشركة الوطنية الغاز بضخ الغاز في المناطق السكنية والصناعية بمنطقة الشرقية مع تجهيز البنية التحتية للشركة، وفي ۲۰۰۱/۹/۲٤ تم عمل ملحق للعقد بزيادة منطقة أخرى.
إلا أنه نشأ خلاف بين الشركة الوطنية للغاز NATGAS وبين الحكومة المصرية على أثر قيام الحكومة المصرية بتاريخ ۲۰۰۳/۱/۲۵ بإصدار المرسوم الوزاري الذي يتضمن إلزام المتعاقد معهم بسداد مستحقاته بالجنيه المصري، مما اعتبرته شركة NATGAS سببا من أسباب زيادة الأعباء عليها كونها اقترضت لتمويل المشروع بالدولار واليورو.
وبموجب المادة ۲5 من العقد المبرم بين الطرفين والمتضمن اللجوء إلى التحكيم في حال حدوث أي نزاع، لجأت الشركة الوطنية للغاز NATGAS للتحكيم أمام مركز القاهرة الإقليمي للتحكيم. وبتاریخ ۲۰۰۹/۹/۲۲ أصدرت هيئة التحكيم قرارها الآتي:
۱- رفض الدفع المقدم من الحكومة المصرية بعدم القبول على اعتبار أن أحد أطراف النزاع هي الحكومة المصرية.
۲- رفض الدفع ببطلان العقد وذلك لعدم توافقه مع الدستور المصري والمادة ۲ من قانون الغاز الطبيعي المصري رقم ۲۱۷ لعام ۱۹۸۰ والمتعلقة بتطبيق أحكام اللائحة التنفيذية.
٣- إدانة الشركة العامة المصرية للبترول بسداد مبلغ ۲۵۳۶۲۶۹۹۸.۳۱ جنيه مصري، فضلا عن التعويض في ضوء سعر الصرف المحدد من البنك المركزي.
4- رفض الدفع ببطلان شرط التحكيم.
٥- رفض طلب فسخ العقد.
6- رفض طلب تعيين خبير.
۷- إلزام الطرفين بتحمل مصاريف التحكيم مناصفة.
وبعد صدور حكم التحكيم من خلال مركز القاهرة الإقليمي قامت الهيئة العامة المصرية للبترول بالطعن على الحكم الصادر من قبل المركز
لدى محكمة استئناف القاهرة والتي رفضت الدفع المقدم من الشركة الوطنية الغاز NATGAS بعدم دستورية إحدى اللوائح التنفيذية من قانون الغاز الطبيعي المصري رقم ۲۱۷ لعام ۱۹۸۰، والتي تؤثر نصوصها على حقوق الشركة المتعاقدة، واستمرت في نظر الطعن والذي انتهى إلى إبطال حكم. التحكيم.
وبالرغم من صدور القرار من محكمة الاستئناف المصرية ببطلان حكم التحكيم قامت الشركة الوطنية للغاز NATGAS بتقديم طلب إلى رئيس محكمة باريس الابتدائية بإصدار أمر بوضع الصيغة التنفيذية على حكم التحكيم وبتاریخ ۲۰۱۰/۰/۱۹ صدر الأمر بتنفيذ الحكم من رئيس محكمة باريس الابتدائية.
على أثر ذلك قامت الحكومة المصرية بالطعن بالاستئناف على قرار منح الصيغة التنفيذية بتاريخ ۲۰۱۰/۸/6، وقدمت مذكرة لمحكمة الاستئناف في ۲۰۱۱/6/9 طلبت فيها إلغاء حكم هيئة التحكيم وإلزام شركة الغاز الوطنية NATGAS بدفع مبلغ 40 ألف يورو طبقا لأحكام المادة ۷۰۰ من قانون الإجراءات المدنية الفرنسي، وتمسكت الحكومة المصرية بأن المحكمين قد قاموا بالفصل في موضوع النزاع على غير محل، کون الحكومة المصرية قد قامت بنقل العقد لصالح الشركة المصرية للغاز (EGAS)، وتمسكت أيضا بأن شرط التحكيم يعتبر مخالفا للقواعد الآمرة في القانون المصري التي نظمتها أحكام التحكيم الداخلي، ودفعت الحكومة المصرية أيضا بعدم مراعاة هيئة التحكيم لمبدأ حق الدفاع وحق المواجهة، ودفعت بأن المحكمين يجهلون مهامهم في عدم إحالتهم الدفع بعدم الدستورية إلى المحكمة الدستورية العليا، ودفعت الحكومة المصرية كذلك بأن الحكم التحكيمي قد خالف النظام العام الدولي فيا يخص نسبية آثار العقد، وأخيرا دفعت الحكومة المصرية بأن الحكم محل الطعن بات منعدمة وذلك لإلغائه من قبل القضاء المصري ومن ثم فإن انعدامه يحول دون حصول أي صيغة تنفيذية على منعدم.
وقامت الشركة الوطنية للغاز (NATGAS) بتقديم مذكرة مضادة بتاريخ ۲۰۱۱/۹/۸ طالبت فيها برفض كافة طلبات الحكومة المصرية وإلزامها بسداد مبلغ 600 ألف يورو طبقا لأحكام المادة ۷۰۰ والمتمسكة بها الحكومة المصرية، وتمسكت شركة NATGAS بأن الدفع بالحلول في العقد بين الحكومة المصرية وشركة EGAS لم يتم إخطاره به وتمسكت بسوء نية الطرف المصري في إهدار حقوقها باعتبار أن مبدأ حسن النية في العقود هو مبدأ من مبادئ النظام العام.
. وقد توصلت محكمة الاستئناف في باريس بعد النظر في طلبات الطاعن ودفوعه وطلبات المطعون ضده ودفوعه من حيث سريان عقد الحلول في حق شركة NATGAS ومن حيث إغفال حق الدفاع في مبدأ المواجهة أو تعيين خبيرا أو جهل المحكمين بمهمتهم في عدم إحالة الطعن إلى المحكمة الدستورية العليا المصرية، ومن حيث كون هذا التحكيم هو تحكيما دوليا فإنها تقضي بعدم الاعتداد بحكم البطلان الصادر في مصر، وذلك إعمالا لنص المادة السابعة من اتفاقية نيويورك وطبقا لأحكام قانون التحكيم الفرنسي والذي لا يعتبر بطلان أحكام التحكيم في بلد إصدارها سببا في رفض الاعتراف بها أو تنفيذها باعتبارها صادرة في الخارج.