تعتبر اتفاقية نيويورك هي الاتفاقية الأكثر شيوعا بين دول العالم التي تنظم مسألة الاعتراف بأحكام التحكيم الأجنبية.
ولكن من المعلوم أن هذه الاتفاقية تعني أساسا بتنفيذ الأحكام الأجنبية بصفة عامة وليس أحكام هيئات التحكيم على وجه الخصوص.
ومن استقراء الأحكام الواردة في هذه الاتفاقية يلاحظ أنها قد نصت في مادتها ٢/٥ على أحقية السلطة المختصة في البلد المراد فيها تنفيذ حكم التحكيم أن ترفض إعطاء الأمر بالتنفيذ من تلقاء نفسها إذا رأت أن موضوع النزاع لا يجوز تسويته بالتحكيم طبقا لقانون البلد المراد تنفيذ الحكم فيه أو مخالفة الحكم للنظام العام في ذات الدولة.
وعلى ذلك فإن هذه المادة قد أوردت حالتين يستطيع فيها القاضي المختص في الدولة المراد فيها تنفيذ حكم التحكيم أن يقضي من تلقاء نفسه بعدم قبول تنفيذ حكم التحكيم.
الحالة الأولى: – وهي أن يكون موضوع النزاع الصادر بشأنه حكم التحكيم المراد تنفيذه – لا يجوز تسويته بالتحكيم طبقا لقانون الدولة المراد فيها تنفيذ الحكم.
وتعطي هذه الحالة الحق للأنظمة القانونية للدول في تنظيم المسائل التي يجوز لهيئات التحكيم النظر في النزاعات المتعلقة بشأنها. وتعطي أيضا الحق للدولة المراد فيها تنفيذ الحكم الصادر من هيئة التحكيم وعدم الموافقة على تنفيذ ذلك الحكم الصادر من هيئة التحكيم في عدم الموافقة على تنفيذ ذلك الحكم إذا كان قد تجاوز الحد المسموح به في المسائل التي يجوز فيها الحكم على حسب قانون تلك الدولة.
ومثال ذلك نص المادة (١١) من قانون التحكيم المصري رقم 17 لسنة ١٩٩٤ والتي تصن على أنها (لا يجوز الاتفاق على التحكيم ...، ولا يجوز التحكيم في المسائل التي لا يجوز فيها الصلح.)
وعلى ذلك فإن قانون التحكيم المصري قد حدد المسائل التي يجوز فيها التحكيم وأشار إلى أنها وبمفهوم المخالفة أنها المسائل التي يجوز فيها الصلح.
وبناء على ذلك فإن أتى حكم تحكيمي يتعلق موضوع النزاع الصادر بشأنه ذلك الحكم بمسألة من المسائل التي لا يجوز فيها الصلح وعلى سبيل المثال المسائل الجنائية. فإن المحكمة المختصة بنظر طلب تنفيذ ذلك الحكم تستطيع أن تصدر أمرا من تلقاء نفسها بعدم قبول تنفيذ ذلك الحكم وذلك طبقا لنص المادة 5/2 من اتفاقية نيويورك. ولكن بماذا سيعلل القاضي قراره هل إلى أساس أن ذلك الحكم مخالف لما يقرره القانون المصري من المسائل التي يجوز فيها التحكيم؟ أم لأنه مخالف لقواعد النظام العام المصري؟
الحالة الثانية: أن يكون الاعتراف بحكم التحكيم أو تنفيذه ما يخالف النظام العام في دولة التنفيذ:
نعتقد أن هذه الحالة تندرج تحت الحالات التي يمكن معها القول بمخالفة . الحكم لقواعد النظام العام المعمول به في بلد التنفيذ ... وهي الحالة الثانية في ذات المادة 5/ ٢ من اتفاقية نيويورك.
ونعتقد بما لا يدع مجالاً للشك أن وضع الحالة الأولى المنصوص عليها في هذا النص هو تزيد لا لزوم له. لأن هذه الحالة وكما سبق القول تقع تحت مظلة الحالة الثانية وهي حالة مخالفة النظام العام في بلد التنفيذ.
أما وعن النظرة العامة لهذه المادة فنجد أنها أيضا قد نصت على الحالة التي يكون فيها الحكم المراد تنفيذه مخالفا لقواعد النظام العام في : بلد التنفيذ وأعطت السلطة المختصة في هذا البلد الحق في رفض تنفيذ ذلك الحكم تعللاً لذات السبب وما ذكرناه سابقا بشأن مثل هذه القاعدة ووضعها في القانون المصري. يقال أيضا بشأنها في ذلك الحين.
ولكن نود أن نضيف أمرا يتعلق برؤيتنا لظلم واقع على الأحكام الصادرة من هيئات التحكيم ولأننا نرى وبحق أنها الضحية الأولى لاختلاف الثقافات والأيديولوجيات السياسية.
وأن هذا الأمر وبحق لا يقف تأثيره عن حدود الأحكام الصادرة من الهيئات التحكيمية فقد بل يمتد ليصل إلى التأثير على مصداقية التحكيم التجاري الدولي على المستوى العالمي.
ولابد أن نسعى إلى محاولة الربط بين هذه الأنظمة الداخلية والأحكام الصادرة من هيئات التحكيم الدولي وذلك من خلال وضع قانون موحد يحكم علاقات التجارة الدولية .. وتقريب وجهات النظر بين هذا وذاك. لذلك فسنقوم بعرض فكرة النظام العام في الأنظمة الداخلية بشكل أكثر إيضاحا في المطلب التالي.