الخدمات

ابواب التحكيم الرئيسية
  • التنفيذ / الاتفاقيات الدولية / الكتب / تنفيذ القرار التحكيمي في المسائل التجارية / اتفاقية الاعتراف وتنفيذ أحكام التحكيم الأجنبية (نيويورك 1958) 

  • الاسم

    دكتورة/ زهراء عصام صالح كبة
  • تاريخ النشر

  • اسم دار النشر

    دار مصر للنشر والتوزيع
  • عدد الصفحات

    414
  • رقم الصفحة

    240

التفاصيل طباعة نسخ

اتفاقية الاعتراف وتنفيذ أحكام التحكيم الأجنبية (نيويورك 1958) 

أبرمت هذه الاتفاقية في 1958/6/10، نتيجة مشروع قدمته غرفة التجارة الدولية إلى الأمم المتحدة بتاريخ 1953/3/13 ، وبعدها قامت الأمم المتحدة ببعض التعديلات أسفرت عن صياغة هذه الاتفاقية  والتي تعد من أهم الاتفاقيات الدولية في مجال تنفيذ القرار التحكيمي التجاري، أما عن الهدف الأساسي من هذه الاتفاقية هو تشجيع الدول على تنفيذ الأحكام التحكيمية الدولية وهذا بالضبط ما أشارت إليه المحكمة العليا في الولايات المتحدة الامريكية عندما نصت على: (إن الهدف الأساسي من إتفاقية نيويورك والمبدأ المستمد منها هو تبني وتنفيذ الأحكام في أمريكا، وكذلك تشجيع الاعتراف وتنفيذ الاتفاقيات التحكيمية في العقود التجارية الدولية وتوحيد المعايير التي توجد في اتفاقيات التحكيم، وايضاً تنفيذ الأحكام التحكيمية في جميع البلدان المنظمة إلى هذه الاتفاقية) .

  وتتسم هذه الاتفاقية بطابع عالمي إذ تتيح لكل بلدان العالم بالإنضمام إليها ، وهذا تحديداً ما نصت عليه المادة (8) إذ نصت على: (1- يفتح حتى 31 كانون الأول / ديسمبر 1958 باب التوقيع على هذه الاتفاقية ويضم أي عضو في الأمم المتحدة وكذلك باسم أية دولة أخرى تكون أو تصبح مستقبلا عضوا في أية وكالة متخصصة تابعة للأمم المتحدة، أو تكون أو تصبح مستقبلاً طرفا في النظام الأساسي لمحكمة العدل الدولية أو أية دولة أخرى وجهت إليها دعوة من الجمعية العامة للأمم المتحدة. 2- يتم التصديق على هذه الاتفاقية ويودع صك التصديق لدى الأمين العام للأمم المتحدة). 

  ومما تجدر الاشارة إليه إن هذه الاتفاقية لا تؤثر على صحة ونفاذ الاتفاقيات الاخرى التي أبرمتها الدول المنضمة إليها أي إن هذه الاتفاقية تركت المجال واسعاً للدول في أن تبرم أي اتفاقية تسهل من تنفيذ الأحكام التحكيمية، وهذا ما جاء في الفقرة (1) من المادة (7) التي نصت على: لا تؤثر أحكام هذه الاتفاقية على صحة ما تعقده الأطراف المتعاقدة من اتفاقات جديدة الأطراف أو اتفاقات ثنائية تتعلق بالاعتراف بقرارات التحكيم وتنفيذها ولا تحرم أيا من الأطراف المتهمة من أي حق يكون له في الاستفادة من أي قرار تحكيمي على نحو وإلى الحد للذين يسمح بهما قانون أو معاهدات البلد الذي يسعى فيه إلى الاحتجاج بهذا القرار). 

   إلا أن هذه المادة وفي الفقرة (2) منها نصت على: (ينتهي العمل ببروتوكول جنيف المتعلق بالشروط التحكيمية لعام 1933 وباتفاقية جنيف المتعلقة بتنفيذ قرارات التحكيم الأجنبية لعام 1937 فيما بين الدول المتعاقدة بمجرد أن تصبح هذه الدول ملتزمة بهذه الاتفاقية وبقدر التزامها بها)، إذ يفهم من هذا النص إن هذه الاتفاقية حلت محل كل من بروتوكول جنيف لسنة 1923 اتفاقية جنيف سنة 1927 بالنسبة للدول المنضمة لهذه الاتفاقية.

  أما عن مجال تطبيق الاتفاقية فقد بينته الفقرة (1) من المادة (1) منها إذ نصت على: (- تنطبق هذه الاتفاقية على الاعتراف بقرارات التحكيم وتنفيذها متى صدرت هذه القرارات في أراضي دولة خلاف الدولة التي يطلب الاعتراف بهذه القرارات وتنفيذها فيها، ومتى كانت ناشئة عن خلافات بين أشخاص طبيعيين أو اعتباريين وتنطبق أيضا على قرارات التحكيم التي لا تعتبر قرارات محلية في الدولة التي يطلب فيها الاعتراف بهذه القرارات وتنفيذها).

  إذ يفهم من هذه المادة إن هذه الاتفاقية تتعلق بالاعتراف وتنفيذ أحكام التحكيم الصادرة في إقليم دولة أخرى غير التي يطلب إليها الاعتراف بالحكم وتنفيذه، ولم تشترط الاتفاقية أن يكون الحكم قد صدر في إحدى الدول المتعاقدة ، ونتيجة لذلك فإن أحكام الاتفاقية تسري على حكم التحكيم الصادر في دولة غير منضمة للإتفاقية وبالوقت ذاته يراد تنفيذه في دولة منضمة إليها، إلا أن بعض الدول المنضمة للإتفاقية كانت قد أبدت تحفظاً عند إنضمامها مقتضاه إن التزاماتها بتطبيق أحكام الاتفاقية يقتصر على الأحكام الصادرة في إحدى الدول الأعضاء، وهذا ما جاء في الفقرة (3) من المادة (1) التي نصت على: (يجوز لأية دولة عند التوقيع على هذه الاتفاقية أو التصديق عليها أو الانضمام إليها أو عند الاخطار بمد نطاق العمل بها وفقاً لمادتها العاشرة أن تعلن على أساس المعاملة بالمثل، أنها لن تطبق الاتفاقية إلا بالنسبة للاعتراف بالقرارات الصادرة في أراضي دولة متعاقدة أخرى ولتنفيذ هذه القرارات. ويجوز لها أيضا أن تعلن أنها لن تطبق الاتفاقية إلا بالنسبة للخلافات الناشئة عن علاقات قانونية تعاقدية أو غير تعاقدية وتعتبر علاقات تجارية بموجب القانون الوطني للدولة التي تصدر هذا الإعلان.

ومما تجدر الإشارة اليه أن هذه الاتفاقية أوجبت الاعتراف بالأحكام التحكيمية في بلد الإصدار أو في أية دولة متعاقدة أخرى، وذلك إعتماداً على ما جاءت به المادة (3) منها، إلا أنه من الممكن أن يتم الاعتراف بالحكم ولا ينفذ، ولكن لو نفذ فمن البديهي أن يكون قد تم الاعتراف به مسبقاً من الجهة التي أعطته القوة التنفيذية، والاعتراف يقصد به أن الحكم قد صدر بشكل صحيح وملزم للأطراف، أما التنفيذ فيقصد به أن يطلب الخصم المحكوم لصالحه من السلطة المختصة بأن تلزم المحكوم عليه بتنفيذ ما جاء بالحكم التحكيمي، فأن رفض أجبر على ذلك بموجب الإجراءات التنفيذية المتبعة في بلد التنفيذ، إذاً فطلب الاعتراف بحكم التحكيم يُعد إجراءاً دفاعياً يلجأ إليه حين تراجع المحكمة بطلب يتعلق بنزاع سبق أن تم عرضه على التحكيم فيثير المحكوم قوة الأمر المقضي، و لاثبات ذلك فأنه يبلغ الحكم الى المحكمة التي يطرح أمامها النزاع من جديد ويطلب منها الاعتراف بصحته وبطابعه الازامي في النقاط التي تم حسمها، فإذا كان حكم التحكيم قد . حسم كل النقاط التي تضمنتها الدعوى المقدمة من جديد فإن المحكمة ترد طلب الدعوى الجديدة بسبب سبق الحسم فيها من قبل المحكمين أما إذا كان حكم التحكيم قد أغفل بعض المسائل وحسم بعضها الآخر، فأن المحكمة تعترف فقط بالمسائل التي تم حسمها، وبالتالي فان المحكوم عليه يملك الحق بعدم طرح الموضوعات ذاتها امام المحكمة أو أية جهة تحكيمية أخرى بسبب سبق الفصل فيها.

  إذاً فهذه المادة أعطت مجالاً واسعاً للدول المنضمة للاتفاقية بأن تقدم تحفظين وهما المعاملة بالمثل والثاني متعلق بالتجارية. 

  وبالفعل فقد قدمت عدد من الدول مثل هذه التحفظات منها الولايات المتحدة الامريكية إذ قدمت تحفظ يخص مسألة المعاملة بالمثل ، ومما تجدر الإشارة إليه إن مثل هذا التحفظ بني على أساس الموقع أو المكان ( Location or Place)، وليس على جنسية الأطراف (Nationality) ، أي يقع على كاهل المحكمة التي اتخذت بلادها مثل هذا التحفظ أن تتأكد من أمرين: أولهما إن إتفاقية نيويورك تنطبق على هذا الحكم التحكيمي وذلك عن طريق تحديد مقر التحكيم، وثانيهما التأكد من أن دولة مقر التحكيم موقعة ومنظمة لهذه الاتفاقية، وفي حالة تواجد هذين الشرطين فالمحكمة تقوم بالاعتراف وتصدر حكماً بالموافقة على تنفيذ الحكم التحكيمي .

  أما بالنسبة للتحفظ التجاري فيقصد به أن المحاكم الوطنية لا تلتزم بتنفيذ القرار التحكيمي الصادر بصدد منازعة غير تجارية ، وبالفعل فقد قدمت عدد من الدول مثل هذا التحفظ ومنها أمريكا وفرنسا والدنمارك وغيرها.

إذاً فأن مغزى هذه المادة يتلخص بثلاث مسائل:

1- إن تقديم مثل هذه التحفظات يعتبر أمراً جوازياً يعود لرغبة كل دولة عند انضمامها لهذه الاتفاقية.

2- إن العلاقات والمنازعات المشار إليها في هذه المادة قد يكون مصدرها العقد أو غيره من المصادر ، كأن يكون الفعل الضار ، أو الكسب دون سبب، بشرط أن تكون هذه الأعمال تجارية أي يجب استبعاد كل عمل لا يُعد من قبيل الأعمال التجارية.

3- إن مسألة تجديد كون العمل يُعد تجارياً أم لا يعتمد على القانون الداخلي للدولة المطلوب تنفيذ حكم التحكيم على أرضها .

  أما بالنسبة للمستندات الواجب تقديمها من قبل الشخص طالب التنفيذ فقد بينتها المادة (4) من هذه الاتفاقية وهي المستندات ذاتها التي نصت عليها أغلب القوانين والاتفاقيات الدولية إذ نصت هذه المادة على: (1- للحصول على الاعتراف والتنفيذ للمذكورين في المادة السابقة يقوم الطرف الذي يطلب الاعتراف والتنفيذ، وقت تقديم الطلب، بتقديم ما يلي:

  أ- القرار الأصلي مصدقا عليه حسب الأصول المتبعة أو نسخة منه معتمدة حسب الأصول. ب- الاتفاق الأصلي المشار إليه في المادة الثانية أو صورة منه معتمدة حسب الأصول. 2 - متى كان الحكم المذكور أو الاتفاق المذكور بلغة  خلاف اللغة الرسمية للبلد الذي يحتج فيه بالقرار، يجب على الطرف الذي يطلب الاعتراف بالقرار وتنفيذه أن يقدم ترجمة لهاتين الوثيقتين بهذه اللغة، ويجب أن تكون الترجمة معتمدة من موظف رسمي أو مترجم محلف أو ممثل دبلوماسي أو قنصلي).

  وبعد هذا الاستعراض السريع لبعض مواد هذه الاتفاقية، لابد لنا من بيان موقف هذه الاتفاقية من تنفيذ الحكم التحكيمي والحالات التي يتم بها رفض التنفيذ، ولذلك سنعمل على تقديم دراسة مفصلة ومعززة بالأحكام القضائية الأحكام المادة (5) من اتفاقية نيويورك، ولكي نتوسع بهذا الموضوع لابد لنا من أن نتناوله من جانبين: الأول حالات رفض التنفيذ وفقاً للفقرة (1) من المادة (5) من اتفاقية نيويورك، أما الثاني فهو حالات رفض التنفيذ وفقاً للفقرة (2) من المادة (5) من اتفاقية نيويورك .

  فالمادة (5) من هذه الاتفاقية بينت نوعين من الأسباب التي إذا ما توفرت في الحكم التحكيمي أمكن عدم تنفيذه، لذلك فإن عدم التنفيذ وفقاً لهذه المادة قد يكون عن طريق تقديم طلب من قبل الخصم لدى المحكمة المختصة على أن يكون مرفقاً بدليل يثبت ما يدعيه، وهنا يقع على المحكمة إذا ما تيقنت من صحة الإدعاء أن ترفض تنفيذ الحكم التحكيمي، وهذا ما بينته الفقرة (1) من المادة (5).

   أما عن الفقرة (2) من المادة ذاتها فقد أشارت إلى الأسباب التي إذا ما توفرت جاز للمحكمة ومن تلقائها أن ترفض تنفيذ الحكم التحكيمي، بمعنى إن المحكمة تملك الحق برفض تنفيذ الحكم التحكيمي حتى إذا لم يقدم أي من الأطراف أي اعتراض.

الشروط المدرجة في الفقرة (1) من المادة (5) من اتفاقية نيويورك

   تنص هذه الفقرة على جملة من الأسباب التي تؤدي إلى رفض تنفيذ الحكم التحكيمي، إلا أن هذه الأسباب لابد أن تثار من قبل الخصم طالب التنفيذ ويقع على كاهل هذا الطرف اثباتها، إذ لا يحق للمحكمة أن تدفع برفض التنفيذ إلا بناءً على طلب مقدم من الخصم معزز بالأدلة والمستندات، وللتوسع في هذه الأسباب لابد من دراستها تفصيلاً:

1- إذا كان الاتفاق التحكيمي باطلاً

  نصت (أ) من (1) من المادة (5) على أن طرفي الاتفاق المشار إليه في المادة الثانية كان بمقتضى القانون المنطبق عليهما، في حالة من حالات انعدام الأهلية، أو كان الاتفاق المذكور غير صحيح بمقتضى القانون الذي أخضع له الطرفان الاتفاق أو إذا لم يكن هناك ما يشير إلى ذلك، بمقتضى قانون البلد الذي صدر فيه القرار).

  لذلك فأن هذه الفقرة بينت حالات عدة يتم بها رفض تنفيذ الحكم التحكيمي وهي:

1- إذا كانت إجراءات التحكيم باطلة 

  نصت (ب) من (1) من المادة (5) على: (إن الخصم المطلوب تنفيذ الحكم عليه لم يعلن اعلاناً صحيحاً بتعين القرار، أو بإجراءات التحكيم، أو كان من المستحيل عليه لسبب آخر أن يقدم دفاعه).

  من خلال هذه المادة نستنتج إن هناك أكثر من سبب يؤدي إلى عدم تنفيذ الحكم التحكيمي

أ- عدم تبليغ أحد الأطراف ببدء إجراءات التحكيم

  إن عدم التبليغ يؤدي إلى عدم تنفيذ الحكم التحكيمي هذا ما تبنته عدد من المحاكم ومنها محكمة بافاريا في ألمانيا والتي رفضت تنفيذ الحكم التحكيمي الصادر في موسكو وذلك لأن المشتري الألماني لم يتم تبليغه بالتحكيم كما ينبغي .

ب - عدم تبليغ الأطراف في الوقت المناسب 

  فإذا لم يتم تبليغ أحد الأطراف قبل الشروع في إجراءات التحكيم خلال مدة مناسبة أو معقولة، فإن المحكمة ترفض تنفيذ هذا الحكم، ففي قضية عرضت أمام محكمة نابولي في إيطاليا مفادها إن المدعى عليه تم تبليغه قبل شهر من بدء إجراءات التحكيم، إلا أن هذه المدة وان كانت كافية في أغلب الأحيان إلا أنها لا تعتبر كذلك في هذه الحالة لأن المدعى عليه تعرض إلى هزة ارضية عنيفة منعته من الذهاب إلى فيينا حيث المكان الذي يتم به التحكيم  .

  فسبب عدم السماح بتنفيذ هذا الحكم التحكيمي يعود الى إهمال المحكمين بتبليغ الاطراف بوقت مبكر ومناسب يتيح لهم فرصة كافية للدفاع وتهيئة كافة المستندات والوثائق اللازمة.

ج- عدم إعطاء فرصة كافية للدفاع

  تعتبر حقوق الدفاع من ضمن أهم الحقوق التي يجب على أعضاء الهيئة التحكيمية احترامها، إذ يندرج تحت هذه المسألة كل ما يتعلق بتقديم الادلة الكتابية والمستندات والوثائق، وكذلك المواجهة التي تتم بين الخصوم أو بين وكلائهم، لذلك فإن أغلب القوانين والاتفاقيات عملت على التأكيد والنص على مثل هذه الحقوق.

  ونتيجة لهذه الأسباب تم رفض تنفيذ الحكم التحكيمي الذي كان من الممكن تنفيذه لو أن هيئة التحكيم كانت أكثر حرصاً في احترامها لحقوق الأطراف.

  ومما تجدر الإشارة إليه إن المادة (3) من اتفاقية نيويورك نصت على كل دولة متعاقدة أن تعترف بقرارات التحكيم كقرارات ملزمة وأن تقوم بتنفيذها وفقا للقواعد الإجرائية المتبعة في الإقليم الذي يحتج فيه بالقرار، طبقاً للشروط الواردة في المواد التالية. ولا تفرض على الاعتراف بقرارات التحكيم التي تنطبق عليها هذه الاتفاقية أو على تنفيذها شروط أو أكثر تشدداً بكثير أو رسوم أو أعباء أعلى بكثير مما يفرض على الاعتراف بقرارات التحكيم المحلية أو على تنفيذها).

  إذ يفهم من هذه المادة أنها تركت لكل دولة الحرية في تطبيق قواعدها الاجرائية بشرط أن تعامل الحكم التحكيمي الأجنبي بالمعاملة ذاتها التي تعامل بها  أحكامها الوطنية.

  وذلك بأن لا تفرض شروطاً إضافية للإعتراف أو لتنفيذ أحكام التحكيم الدولي اقسى من تلك الشروط التي تفرضها هذه الدول عند الإعتراف بأحكام التحكيم الداخلي.

   ومما تجدر الإشارة إليه أن الدول المنضمة إلى هذه الاتفاقية نهجت ثلاثة مسارات مختلفة عند تنفيذها للأحكام التحكيمية الصادرة بموجب أحكام هذه الاتفافية وهذه المسارات هي:

أ- تطبيق أحكام إجرائية محددة 

  والمثال على البلاد التي تنتهج هذا المسار هي بريطانيا ، والولايات المتحدة الأمريكية والدنمارك والهند والصين وغيرها، إذ تعمل قوانين هذه الدول على تشريع أحكام خاصة تتعلق بكيفية تنفيذ الأحكام التحكيمية المتعلقة باتفاقية نيويورك.

ب- تنفيذ الحكم التحكيمي الأجنبي بالطريقة ذاتها التي يتم بها تنفيذ الحكم القضائي الأجنبي 

  وهذه الطريقة تشمل معظم البلدان المنضمة إلى هذه الاتفاقية، فهي تعمل على تنفيذ الحكم التحكيمي الأجنبي بالطريقة ذاتها التي يتم بها تنفيذ الحكم القضائي الأجنبي، كما هو الحال عند إيطاليا والمكسيك.

ج- تنفيذ الحكم التحكيمي الأجنبي بالطريقة ذاتها التي يتم بها تنفيذ الحكم التحكيمي الوطني 

   من النادر جداً أن تتبع البلاد هذه الطريقة في التنفيذ، وذلك لأنه بموجب هذه الطريقة تتم معاملة الحكم التحكيمي الأجنبي بالطريقة ذاتها التي يعامل بها الحكم التحكيمي الوطني، والمثال عليها هو اليابان.

3- إذا كان الحكم التحكيمي متجاوزاً لصلاحية المحكمين

  نصت (ج) من (1) من المادة (5) من اتفاقية نيويورك على: (إن القرار فصل في نزاع غير وارد في مشارطة التحكيم أو في عقد التحكيم أو تجاوز حدودهما فيما قضی به ومع ذلك يجوز الاعتراف وتنفيذ جزء من الحكم الخاضع أصلاً للتسوية بطريق التحكيم إذا أمكن فصله عن باقي أجزاء الحكم غير المتفق على حلها بهذا الطريق).

   من حق المحكمة أن ترفض تنفيذ الحكم التحكيمي إذا ما رأت أن هيئة التحكيم قد تجاوزت عند إصدار الحكم السلطة المخولة لها من قبل الأطراف، أي أن المحكمين أصدروا حكماً في مسألة ليست من ضمن حدود الاتفاق التحكيمي المعقود بينهم من جهة وبين أطراف النزاع من جهة ثانية، كما هو الحال في القضية التي عرضت أمام المحكمة العليا في هونك كونك والتي رفضت تنفيذ الحكم التحكيمي بسبب فصل المحكمين بمسائل خارجة عن حدود الاتفاق المسبق والذي كان ينص على جميع النزاعات الناشئة عن جودة ونوعية المطاط أو النزاعات الأخرى التي تنشأ بسببها يجب أن تحل عن طريق التحكيم).

إلا أن الهيئة التحكيمية فصلت بمسألة عدم الدفع الناتجة عن فشل فتح الاعتماد المستندي (letter of credit ) . المنصوص عليه في العقد، وبفعلها هذا كانت قد تجاوزت السلطة الممنوحة لها من قبل الأطراف، لذلك رفضت المحكمة تنفيذ الحكم، ولقد تبنت محكمة الاستئناف Court of Appeal الموقف السابق ذاته إذ اشارت إلى أن شرط التحكيم المدرج فى الاتفاق لم يكن واسعاً بما فيه الكفاية لكي يغطي أو لكي يدرج تحته مسألة النزاع السابقة، إذ أن الشرط التحكيمي كان قد حدد بالضبط المسائل التي تم الاتفاق على حلها بواسطة التحكيم، والتي لم يكن من ضمنها مسألة الاعتماد المستندي.

4- إذا كان تشكيل هيئة التحكيم أو إجراءات التحكيم مخالفاً لاتفاق الأطراف

  نصت (د) من (1) من المادة (5) على (إن تشكيل هيئة التحكيم أو إجراءات التحكيم مخالف لما اتفق عليه الأطراف أو لقانون البلد الذي تم فيه التحكيم في حالة عدم الاتفاق).

   يجب أن يتم تشكيل هيئة التحكيم وفقاً لإرادة واختيار جميع أطراف النزاع، وكذلك يتحتم على هيئة التحكيم التقيد بالاجراءات التي اختارها الأطراف، إذ لا يحق لهم مخالفة القانون الاجرائي الذي اختاره الأطراف للتحكيم، وفي حالة تجاهل المحكمين لارادة أطراف النزاع ، فأن مصير هكذا حكم تحكيمي يكون البطلان.

   لذلك على أطراف النزاع صياغة فقرات عقد التحكيم بكل وعناية حرص لكي لا يتم تفسيرها بصورة خاطئة من قبل المحكمين، كما هو الحال في القضية التحكيمية التي وقعت في (Switzerland بين طرف فنلندي واخر موكل من قبل الدولة التركية.

   وقد نص الشرط التحكيمي: (على) هيئة التحكيم أن تتخذ القوانين التركية كقاعدة أساسية للعقد) ، إلا أن أغلب أعضاء هيئة التحكيم ذهبوا إلى أن المقصود من إدراج مثل هذه العبارة هو تطبيق القانون التركي على الجانب الموضوعي فقط ودون الجانب الاجرائي، أما الطرف التركي فقد كان رأيه معاكساً، وهو تطبيق القانون التركي على الجانبين الموضوعي والإجرائي.

   أما بالنسبة لأهمية تعين المحكمين وفق الصيغة التي اشترطها الأطراف في عقد التحكيم فقد وضحها الحكم التحكيمي الذي رفض تنفيذه من قبل المحكمة العليا الامريكية.

  وتتلخص وقائع القضية  بأن طرفين أبرما عقداً ادرجا فيه فقرة جاء فيها: في حالة حدوث نزاع حول تعيين المحكم الثالث فأن المحكمة التجارية في لوكسمبورغ (Commercial Court in Luxembourg ) ستتولى تعين المحكم الثالث. 

   وفعلاً عند حدوث نزاع بين الأطراف عمل كل واحد منهم على تعيين محكم، إذ تم تعين محاسب فرنسي ومحامي امريكي وبعد حصول مناقشات بين المحكمين حول المسائل الإجرائية وليس الموضوعية عندها طلب المحاسب الفرنسي من المحكمة التجارية في لوكسمبورغ تعيين المحكم ،الثالث، لكن المحامي الأمريكي رفض ذلك بحجة أن تعيين مُحكم ثالث يُعد مسألة سابقة لأوانها ورفض المشاركة في التحكيم نتيجة لتعيين المحكم الثالث.

5- إذا كان الحكم التحكيمي غير ملزم

   نصت (هـ) من (1) من المادة (5) على: (إن القرار لم يصبح بعد ملزماً للطرفين أو أنه نقض أو أوقف تنفيذه من قبل سلطة مختصة في البلد الذي صدر فيه أو بموجب قانون هذا البلد).

أ القرار غير ملزم 

   أشارت هذه المادة إلى إمكانية رفض تنفيذ الحكم التحكيمي في حال كونه غير ملزم، ومما تجدر الإشارة إليه إن اتفاقية نيويورك نهجت نهجاً مخالفاً لاتفاقية تنفيذ الأحكام الأجنبية (جنيف 1927) التي تطلبت إكساء مزدوجاً لغرض التنفيذ، إذ لا تكتفي هذه الأخيرة بكون الحكم التحكيمي تتوفر فيه شروط التنفيذ في بلد التنفيذ بل لابد أن يكون الحكم نهائياً (final) وغير قابل للطعن في البلد الذي صدر فيه الحكم كذلك، وهذا ما نصت عليه الفقرة (4) من المادة (1) من اتفاقية جنيف، فشرط الاكساء المزدوج يُعد شرطاً مرهقاً لطالب التنفيذ الذي يقع على عاتقه التأكد من توافر شروط التنفيذ في كل من بلد إصدار القرار التحكيمي، والبلد المراد تنفيذ القرار فيها. 

  أما بالنسبة لاتفاقية نيويورك فلم تشترط مثل هذا الإكساء المزدوج، إذ اشترط فقط أن يكون الحكم ملزماً (binding ) في البلد الذي سيتم فيه التنفيذ. ولقد تم بالفعل رفض تنفيذ الحكم التحكيمي الصادر في أمريكا تحت رعاية جمعية التحكيم الأمريكية من قبل محكمة الاستئناف الأمريكية في مقاطعة كولومبيا، وأدى رفض تنفيذ الحكم إلى لجوء المدعي للمركز الدولي لتسوية منازعات الاستثمار الخاصة بالتحكيم ، وفي غضون تلك الاثناء سعت جمعية التحكيم الأمريكية لتنفيذ حكم التحكيم في سويسرا، إلا أن المحكمة في جنيف استدلت من سلوك المدعي إن النزاع بين الأطراف لا يمكن اعتباره متنهياً، وأيضاً ذهبت المحكمة إلى أن مسألة كون الحكم التحكيمي يعتبر ملزماً أو لا يعود تحديدها إلى القانون الذي يحكم إجراءات التحكيم، والذي وبطبيعة الحال واستناداً إلى نص البند (د) من الفقرة (1) من المادة (5) يجب أن يكون بناءً على اختيار أطراف النزاع.

د- القرار تم نقضه 

   إن مسالة نقض أو تمييز القرار التحكيمي من قبل محكمة دولة اصداره مسألة متوقعة جداً وكثيرة الحدوث في الواقع العملي.

   إذ أن الأصل عند الدول هو عدم تنفيذ الحكم التحكيمي الذي يتم نقضه من قبل محكمة دولة إصداره كما هو الحال عند المحكمة المحلية للمقاطعة الجنوبية في مدينة نيويورك .

ج-  القرار تم ايقافه 

  أما عن الشق الثالث من البند (هـ) من الفقرة (1) من المادة (5) فقد أشار إلى امكانية رفض تنفيذ الحكم التحكيمي في حالة إيقافه من قبل محكمة دولة الإصدار أو تم إيقافه اعتماداً على القانون الذي صدر بموجبه الحكم التحكيمي. أما المادة (6) من هذه الاتفاقية فقد نصت على : إذا) قدم طلب نقض القرار أو وقف تنفيذه إلى السلطة المختصة المشار إليها في المادة (5) (1) (هـ)، جاز للسلطة التي يحتج أمامها بالقرار، متى رأت ذلك مناسباً أن تؤجل اتخاذ قرارها بشأن تنفيذ القرار، وجاز لها أيضاً بناءً على طلب الطرف الذي يطالب بتنفيذ القرار، أن تأمر الطرف الآخر بتقدم الضمان المناسب).

  وفي قضية اخرى مهمة حدثت بين Creighton v. The Government of) Qatar، تتلخص تفاصيها بأن الطرف الأول (Creighton) سعى إلى تنفيذ الحكم التحكيمي في الولايات المتحدة الأمريكية مع الاشارة إلى أن الحكم كان قد صدر لصالحه في باريس، وفي هذه الأثناء عمل الطرف الثاني The Government of) Qatar على تقديم طلب نقض الحكم التحكيمي لدى محكمة الاستئناف في باريس، ووفقاً للمادة (1502) من قانون الإجراءات الفرنسي، فإنه متى ما تم تقديم طلب لغرض نقض الحكم التحكيمي فأن المحكمة تلقائياً ستوقف تنفيذ الحكم.

الشروط المدرجة في الفقرة (2) من المادة (5) من اتفاقية نيويورك 

   نصت الفقرة (2) من المادة (5) على (يجوز كذلك رفض الاعتراف بقرار التحكيم ورفض تنفيذه إذا تبين للسلطة المختصة في البلد الذي يطلب إليه الاعتراف بالقرار وتنفيذه أ إنه لا يمكن تسوية موضوع النزاع بالتحكيم طبقاً لقانون ذلك البلد، أو ب- إن الاعتراف بالقرار أو تنفيذه يتعارض مع السياسة العامة لذلك البلد).

   تتضمن هذه الفقرة حالتان إذا ما تحققتا جاز للمحكمة وبصورة تلقائية منع تنفيذ الحكم التحكيمي.

أولاً: تعارض الحكم التحكيمي مع قانون بلد التنفيذ الذي لا يجيز التحكيم )

  إن مسألة عدم قابلية النزاع للتحكيم لا تندرج ضمن الشروط المطلوبة لصحة اتفاق التحكيم وحسب بل تعتبر كذلك شرطاً للاعتراف بحكم التحكيم وتنفيذه.

   وتتغير المسائل القابلة للتحكيم من دولة إلى أخرى، وقد جعلت اتفاقية نيويورك المعيار الذي يتم الفصل من خلاله هو قانون الدولة التي يتم بها تنفيذ الحكم التحكيمي فوفقاً لهذه الاتفاقية لا يوجد مانع من تنفيذ الحكم التحكيمي الصادر بصدد نزاع غير قابل للتحكيم في بلد إصدار الحكم أو في أي بلد أخر، متى ما كان هذا النزاع ممكن حله عن طريق التحكيم وفق قانون بلد التنفيذ.

   إلا أن إصدار حكم تحكيمي يتعارض مع قانون بلد الإصدار من شأنه أن يؤثر على القوة التنفيذية للحكم ويعطي حقاً للطرف المتضرر في أن يرفع دعوى البطلان وفقاً (هـ) من (1) من المادة (5) من هذه الاتفاقية. 

  ومن التطبيقات العملية على عدم تنفيذ الحكم التحكيمي نتيجة عدم قابلية النزاع للتحكيم هي القضايا التي تخص التوزيع الحصري أو الوكالة الحصرية و قضايا الاعسار والتصفية الخاصة بشركات التأمين وكذلك البحث في صحة العلامات التجارية، وذلك لتعارض هذه الأمور مع قانون بلد التنفيذ الذي يمنع حل مثل هذه النزاعات عن طريق التحكيم.

 ثانيا: تعارض الحكم التحكيمي مع النظام العام في بلد التنفيذ 

   توسعت وتطورت في الوقت الحالي نظرية النظام العام، فلم تعد هذه النظرية أسيرة كل دولة على حدة بل اخذت بالانتشار والتوسع لتولد فكرة عامة وشمولية عن النظام العام تجمع كل الدول تحت مظلتها. 

  وعلى الرغم من وجود مثل هذه الفكرة العامة، إلا أن هذا لا يمنع أن تتمتع كل دولة بخصوصية معينة تميزها عن غيرها، لذلك لم تمنع هذه الاتفاقية الدول من عدم تنفيذ الحكم التحكيمى إذا مامس مثل هذه الخصوصية، فكما هو معروف، إن ما يعتبر من النظام العام في دولة معينة قد لا يعتبر كذلك في دولة اخرى .

  وبناءً على ماسبق فإن النظام العام يقسم إلى نوعين وهما النظام العام الدولي  والنظام العام المحلي أو الوطني

   ومما تجدر الاشارة إليه أن اتفاقية نيويورك لم تُشِر لأي نوع من أنواع النظام العام الذي يقع على محاكم الدول مراعاته، لذلك يذهب البعض إلى أن هذه الاتفاقية قصدت النظام العام الدولي، لأن الغرض الأساسي من إصدارها هو حث الدول على الاعتراف وتنفيذ الحكم التحكيمي الاجنبي .

   إن المحاكم بصورة عامة ترفض تنفيذ الحكم التحكيمي إذا ما انطبق عليه أحكام (ب) من الفقرة (2) من المادة (5) ، إلا أن المسألة التي يجب التمعن بها هي الحالات التي تندرج ضمن هذه المادة أي الحالات العامة التي تعد من قبيل النظام العام والتي تمتنع أغلب المحاكم عن تنفيذ القرارات التحكيمية التي تفصل بمثل هكذا نزاعات، إن هذه الحالات هي كثيرة ومتنوعة ومن أهم هذه الحالات: 

1- النزاهة أو عدم الحياد 

  إن عدم حياد أو نزاهة أحد المحكمين يعطي للمحكمة الحق في رفض تنفيذ الحكم التحكيمي، وهذا مانراه في القضية التي رفعت أمام محكمة النقض الفرنسية والتي رفضت تنفيذ الحكم التحكيمي نتيجة لعدم نزاهة وحياد المحكم.

2- الرشوة 

  إن مجرد ادعاء الرشوة من أحد الأطراف لايجعل الحكم التحكيمي متعارضاً مع النظام العام بل لابد أن يوجد دليل ملموس لدى المحكمة يثبت وجود الرشوة لكي يتم رفض تنفيذ الحكم، وقد تناولت أغلب القوانين مسألة الرشوة والتأكيد على عدم مشروعيتها .  وكذلك كان نهج عدد من الاتفاقيات الدولية ومنها اتفاقية الأمم المتحدة ضد الفساد لعام 2003 ، فهذه الاتفاقية تتناول مسائل الرشوة في المواد (15-16- 21)، وكذلك الاتفاقية المعقودة سنة 1997 بخصوص مكافحة الرشوة بين الموظفين العمومين الأجانب في المعاملات التجارية الدولية

3- الاحتيال 

   يُعد الاحتيال سبباً آخر يدفع المحكمة لرفض تنفيذ الحكم التحكيمي المعروض أمامها، إلا أن مجرد ادعاء أحد الأطراف بوجود الاحتيال لا يكفي لمنع التنفيذ بل لابد من وجود دليل يثبت أن الحكم التحكيمي صدر بناءً على هذا الاحتيال.

4- عدم التسبيب 

   اختلفت مواقف القوانين والاتفاقيات بشأن مسألة تسبيب الحكم التحكيمي من عدمه، إلا أن الأمر المتفق عليه هو أن الأطراف يملكون الحرية في إدراج أو عدم إدراج مثل هكذا شرط في اتفاقهم التحكيمي. 

   إذاً يتحتم على المحكمين احترام إرادة الأطراف أولاً، أما في حالة عدم وجود إشارة إلى هذه المسألة فيجب العودة إلى القوانين أو الاتفاقيات المشار إليها في الاتفاق التحكيمي، وفي حالة عدم وجود اتفاق بين الاطراف يبين مسألة التسبيب، فهنا يتحتم على الهيئة التحكيمية احترام القانون الذي يخضع له اجراءات التحكيم، علماً أن الأمر المتعارف عليه في أغلب الدول هو ضرورة تسبيب الحكم التحكيمي  .

   ويبدو أن هيئة التحكيم في هذه القضية كانت تمتلك الحق في تحديد المسائل غير الداخلة في التحكيم أي تمتلك الحق في تحديد الأمور التي يمكن الفصل بها ولكنها غير مضطرة لإدراج أسباب ذلك، لذلك لم تعمل على إدراج أسباب القرار التحكيمي .

  ويذكر إن المحكمة لمست وبوضوح إن الحكم التحكيمي قد صدر في نزاع خارج حدود وصلاحية هيئة التحكيم، إلا أنها كانت مترددة من أن عدم كفاية أو النقص في التسبيب يعتبر انتهاكاً وخرقاً للنظام العام، وبالتالي عليها رفض تنفيذ الحكم التحكيمي بسبب نقص التسبيب فقط، ومع ذلك فإن غياب التسبيب يعطي سبباً آخر لرفض تنفيذ الحكم التحكيمي وذلك اعتماداً على (ج) من الفقرة (1) من المادة (5) ، والتي تشير إلى جواز رفض تنفيذ الحكم التحكيمي متى ما ثبت أن المحكمين قد تجاوزوا صلاحياتهم وحكموا بمسائل خارجة عن حدود الاتفاق التحكيمي، ولكل تلك الاسباب تم رفض تنفيذ القرار التحكيمي. 

5- عدم مراعاة المدة المحددة لإصدار الحكم التحكيمي 

على هيئة التحكيم مراعاة المدة المحددة من قبل أطراف النزاع عند إصدار الحكم التحكيمي وفي حالة تجاوزهم لهذه المدة ومن دون موافقة الأطراف تملك المحكمة هنا حق رفض تنفيذ الحكم التحكيمي .

6- خرق القانون 

   في حال تعارض الحكم التحكيمي مع قانون دولة التنفيذ فأنه بواقع الحال يتعارض مع نظامها العام لذلك فأن الحكم التحكيمي يتم رفض تنفيذه من قبل محاكمها، وتوجد عدة امثلة على هذه الحالة: 

أ- قانون المنافسة 

   يعتبر انتهاك قانون المنافسة في اغلب القوانين  والاتفاقيات الدولية من قبيل المساس بالنظام العام وتوجد عدد من الأحكام التحكيمية التي رفض تنفيذها بعد عرضها أمام المحاكم بسبب انتهاكها لهذا القانون ومن ثم اعتبرت منافية للنظام العام .

ب- قانون حماية المستهلك 

   لقد عمل عدد من الدول على تشريع قوانين خاصة تهدف إلى حماية المستهلك، إيماناً منها بأن المستهلك وفي حالات معينة يحتاج لمثل هذه الحماية.

ج- قيود الرقابة على الصرف

   في أغلب الأحيان يتم دفع المبلغ المنصوص عليه في الحكم التحكيمي الأجنبي بعملة مغايرة لعملة بلد تنفيذ هذا الحكم، لذلك قد تتولد بعض الصعوبات والعوائق خاصة عندما يكون لدى دولة التنفيذ قيوداً معينة تفرضها على صرف وتبديل العملة الأجنبية، وقد أشارت بعض القوانين والاتفاقيات على حق الدول بوضع رقابة خاصة على عملية الصرف منها اتفاقية تأسيس صندوق النقد الدولي لعام 1944 في (ب) من الفقرة (2) من المادة (8) على حق الدول بوضع رقابة خاصة على عملية صرف.

  إن مثل هذه العوائق قد تؤثر سلباً على تنفيذ الحكم التحكيمي الاجنبي لذلك يعمل الأطراف في بعض الأحيان على تقديم طلبات معززة بالدفوع لغرض استحصالهم على استثناء من تطبيق هذا القانون.

  وعلى الرغم من وجود عدد من القوانين والاتفاقيات الدولية التي تحكم عملية الصرف إلا أن مسألة إدراجها مع أو ضد النظام العام يعود إلى محكمة دولة تنفيذ الحكم الأجنبي في نهاية الأمر.

د القيود المفروضة على الاستيراد والتصدير وغيرها

  تختلف الدول في قوانينها المفروضة على الاستيراد والتصدير، فبعض الدول تذهب إلى التشدد في المواد والكميات المسموح بها لغرض الاستيراد والتصدير ، بينما يذهب جانب آخر منها إلى السماح أكثر بمثل هذه المسائل، وكل تلك الاختلافات قد تؤثر سلباً على تنفيذ الحكم التحكيمي الاجنبي. 

هـ- حق الدفاع 

  يُعد هذا الحق من أهم الحقوق الأساسية المنصوص عليها في مختلف دول العالم، وفي حالة عدم أعطاء الأطراف الحق بالدفاع عن أنفسهم فأن هذا يشكل انتهاكاً صريحاً للنظام العام، لذلك فأن الغرض من هذا الحق هو إتاحة الفرصة لتقديم الحجج والدفوع أمام هيئة التحكيم أما بالنسبة لمسألة قبولها أو رفضها فإن هذا يدخل في صلب اختصاص هيئة التحكيم. 

   لذلك فأن الحكم التحكيمي لا يُعد مخالفاً للنظام العام متى ما أتاحت هيئة التحكيم الفرصة أمام أطراف النزاع لتقديم دفوعهم وأدلتهم، إذاً فمتى ما أتيحت الفرصة أمام الأطراف لغرض تقديم دفوعهم وحججهم إلا أن هذه الحجج تم رفضها، فهنا لا يحق لأي طرف أن يعترض .

107