تتناول الفقرة الأولى من المادة الأولى من إتفاقية نيويورك تحديد النطاق الإقليمي لها، حيث تشير إلى أن الإتفاقية تنطبق على الاعتراف بأحكام التحكيم وتنفيذها متى صدرت هذه الأحكام في آراضي دولة خلاف الدولة التي يطلب الإعتراف بهذه الأحكام وتنفيذها فيها، ومـــتى کانتناشئة عن خلافات بين أشخاص طبيعيين أو إعتباريين.
وبناءً عليه، فإن أحكام التحكيم التي تخضع للإتفاقية هي تلك الصادرة في دولـــة (عضو) أخرى، وأحكام التحكيم غير المحلية، إلا أن هناك أنواع أخرى من أحكام التحكيم، وهي أحكام هيئات التحكيم الدائمة وأحكام التحكيم الوطنية، وكذلك تلك التي لا تتمتع بجنسية محددة، أو المجردة من الصفة غير القومية، أى تلك التي لا ترتبط بقانون معين، وقد آثار النوعين الأخيرين من هذه الأحكام جدلاً كبيراً مازال محتدماً حتى الآن، حول ما إذا كانت تلك الأحكام تخضع للإتفاقية من عدمه.
أحكام التحكيم الصادر في دولة (عضو) أخرى (المعيار الإقليمي)
لا يشترط لتطبيق "الإتفاقية، صدور حكم التحكيم في إحدى الدول المتعاقدة، ولذلك، فإن حكم التحكيم الصادر في دولة غير عُضو في الإتفاقية يخضع تنفيذه فى أى دولة عُضو لأحكام الإتفاقية على الرغم من أنها لم تنضم للإتفاقية.
أحكام التحكيم غير المحلية (المعيار الإجرائي)
لا يقتصر تطبيق الإتفاقية وفقاً للفقرة (۱) من المادة الأولي، فقط علي الإعتراف بأحكـام التحكيم الصادرة داخل أي دولة أخري وتنفيذها (الجملة الأولي) بل تنص أيضاً علي أنها تنطبــق علي الإعتراف بحكم التحكيم وتنفيذه، والذى لا يُعد حكماً محلياً في الدولة المراد الإعتراف والتنفيذ بها (الجملة الثانية).
ومن المنظور الذى يُشير إلى أن لأحكام التحكيم جنسية مُعينة، يُحددها قانون المحكمة المختصة بالإشراف على إجراءات التحكيم، فإنه في غالب الأحوال، يكون قانون المكان الذي صدر فيـــه حكم التحكيم ما لم يكن الأطراف قد إختاروا قانوناً آخر ونادراً ما يفعلون ذلك)- هو القانون الإجرائي لمكان التحكيم.
إلا أنه يبدو أن الفرضى العكس على الجانب الآخر، يُعد مُمكناً أيضاً في المملكة المتحدة في ضوء القرار الصادر من مجلس اللوردات البريطاني في ٢٤ يوليو ١٩٩١ في قضية ، عندما صدر حكم تحكيم بصورة عرضية في باريس في إجراءات تحكيم جرت في إنجلترا بين طرفين يحملان الجنسية الإنجليزية، وبالتالي كانت هذه الإجراءات محكومة بالقانون الإنجليزي، إلا أنه تقرر أن هذا الحكم يخضع للتنفيذ في المملكة المتحدة كحكــم تحكيم أجنبي بموجب إتفاقية نيويورك وقانون التحكيم لعام ١٩٧٥.
وأنه وفقاً للقسم ۲۰۲ من قانون التحكيم الفيدرالي، لا يكون حكم التحكيم الذي ينشأ عن علاقة قانونية بين مواطنين أمريكيين فقط واجب التنفيذ بموجب الإتفاقية إلا إذا كان له علاقة معقولة مع واحدة أو أكثر من الدول الأجنبية.
أحكام التحكيم الصادرة في دولة التنفيذ في ظل قانون التحكيم الخاص بدولة أخري
بمقتضى الجملة الأولى من الفقرة (۱) من المادة الأولى تسري الاتفاقيـة: "على الاعتراف بأحكام التحكيم وتنفيذها متى صدرت هذه الأحكام في آراضي دولة خلاف الدولة التي يُطلـــب فيها الإعتراف بهذه الأحكام وتنفيذها، ويتضح من هذا النص، أن الاتفاقية لم تحدد ماهية حكم التحكيم "غير المحلى" تاركةً أمر هذا التعريف للقوانين المعمول بها داخل الدول الأعضاء.
أحكام التحكيم الصادرة في دولة التنفيذ في ظل قانون التحكيم المعمول به في هذه الدولة وتضم عنصراً أجنبياً ، أو دولياً
تستمد هذه الفئة جذورها من تفسير محاكم الولايات المتحدة للتشريع التنفيذي لإتفاقية نيويورك في هذه الدولة، وذلك في قضية . Bergesen v. Muller حيث قضت ا مت الدائرة الثانية بمحكمة الإستئناف الأمريكية في حكمها الشهير الصادر في عام ١٩٨٣، بتنفيذ حكم تحكيم الصادر في نيويورك بين طرف نرويجي وآخر سويسري في ظل قانون نيويورك.
وقد عولت في ذلك علي التعريف الثاني الوارد بالفقرة (۱) من المادة الأولي، حيث رأت المحكمة أن: "أحكام التحكيم التي لا تُعتبر محلية" هي الأحكام الخاضعة للإتفاقية، ليس لأنهـا صدرت خارج البلاد، وإنما لأنها صدرت في إطار نظام قانوني لدولة أُخري مثل صدورها وفقـــاً لقانون أجنبي، أو لأنها تضم أطرافاً مُقيمين أو تقع مقار أعمالهم الرئيسية خارج دولة التنفيذ“.
وتساندت المحكمة فى حكمها هذا إلى القسم ۲۰۲ من التشريع التنفيذي الأمريكي للإتفاقية، والوارد به تعريف لأحكام التحكيم التي لا تدخل ضمن نطاق الاتفاقية: "أحكام التحكيم الصادرة في علاقة قائمة كلية بين مواطنين أمريكيين، لاتقع ضمن الإتفاقية ما لم تشتمل هذه العلاقة ... على رابطة منطقية أخرى مع واحدة أو أكثر من الدول الأجنبية، وبذلك يتضح أن المحاكم الأمريكية تتبنى من الناحية العملية مبدأ سريان الإتفاقية على حكم التحكيم الصادر داخل الولايات المتحدة الأمريكية، مالم يتضمن هذا الحكم أطرافاً أمريكيين، ولم يكن متعلقاً بالتجارة الأجنبية، وفي ظــــل قانون التحكيم الفيدرالي FAA: يندرج ضمن نطاق سريان الإتفاقية أي اتفاق أو حكم تحكيم تجاري أو حكم تحكيم مالم يكن بين إثنين من مواطنى الولايات المتحدة، وينصب علي ممتلكات تقع بالولايات المتحدة ولا يرتبط بصلة معقولة بدولة أو أكثر من الدول الأجنبية.
أحكام التحكيم عديمة الجنسية، أو المجردة من الصفة غير القومية وأحكام التحكيم الدولية
وقد أُطلق على هذا النوع من أحكام التحكيم، الحكم غير المنتمى، أو عــــديـم الجنسية ، أو الذي يعلو الدول ، أو الحكم عبر الدول ، أو غير الوطنى ، أو الحكم العائم ، أو المجرد الصفة غير القومية ، وهذه الأحكام تستمد بنيانها القانونى من قواعد معيارية يُطلق عليها أحياناً ”المبادئ العامة للقانون"، أو "القانون غير المنتمى لدولة ما، أو القانون عبر الدول“، أو ”قانون جديد للشعوب، ومن هنا بدأت إستخدامات العقد الطليق“، و”حكم التحكيم الطليق“.
وتعترف دول مثل فرنسا وألمانيا وسويسرا بمثل هذا النوع من الأحكام التي تأتي متحررة من قانون المقر، وخارج حدود أي قانون تحكيم وطني يتفق الأطراف علي إختياره ، حيث يقــوم أطراف التحكيم بأنفسهم بوضع الإجراءات الواجبة التطبيق على نزاعهم أو يفوضون المحكم في القيام بذلك كيفما يراه مناسباً دون الإعتداد بقوانين التحكيم الوطنية، كما أنهم عـــادة مــا يستبعدون رقابة أو تدخل المحاكم الوطنية في التحكيم .
ومع ذلك فإن هذه الأحكام تُعد نادرة لأن الواقع العملى يؤكد بالفعـل علـــى نــــدرة التحكيمات التي تنصرف فيها نية الأطراف إلى عدم إخضاع التحكيم وإجراءاتــه علــى وجـــه الخصوص، لقانون معين، حيث أن معظم التحكيمات يسري عليها قانون مكان التحكيم".
وتتمشى فكرة التحكيم المجرد من الجنسية مع الفلسفة التي ظهر من أجلها وتنـــامـى نـظــام التحكيم، باعتباره يُمثل خروجاً عن الأطر الرسمية المتبعة في تسوية المنازعات بين الأطراف، ولذلك يأتي إستبعاد تطبيق القانون الوطنى لدولة مُعينة فى إطار هذا الإتجاه من حيث إستبعاد الرقابـــة القضائية للمحاكم الوطنية لتلك الدولة .
وعلى الرغم من أن مضمون التحكيم غير المنتمى أو الطليق يوجب تطبيق إستقلال الأطراف بكامله، حيث يسمح لهم في واقع الأمر - بإنشاء قانون إجراءات التحكيم الخاص بهم، دون الإشارة إلى قانون مكان التحكيم، توصلاً لإنشاء قانون دولى حقيقى لإجراءات التحكيم دون تدخل القوانين المحلية، خاصةً في ظل عالم لازالت تتصارع فيه الثقافات القانونية، وتختلف فيه قوانين التحكيم إلى حد كبير، ولذلك يعترف مؤيدى فكرة التحكيم الطليق بأن مثل هذا النــوع مـــن التحكيم ليس منظماً بالكامل، حيث لازالت محاكم مقر التحكيم تتمتع بسلطتها في ضمان أن التحكيم يتطابق مع معايير العدالة المتخطية للحدود الإقليمية““ .
وعلى الرغم من أن قوانين العديد من الدول الأوروبية تعترف بالتحكيم الطليق ، إلا أن الفقه والقضاء الأنجلو ،أمريكي لازالا كعهدهما مترددين بشأن مفهوم هذا النوع من التحكيم، مشيرين إلى تفضيلهما لنظرية الإختصاص أو المقر بشأن التحكيم " ، ولذلك لم يحظـــي ســـــريان الإتفاقية علي أحكام التحكيم عديمة الجنسية باجماع الفقه، وربما تكون فرنسا هي الدولة الوحيدة التي تعترف بهذه الأحكام نظراً لأن التحكيم في معظم الدول يسري عليه قانون التحكيم بالدولة التي إنعقد بها أو في ظل قانونها التحكيم " .
وبينما يُشير جانب من الفقه إلى أن الإتفاقية لا تسري علي أحكام عديمة الجنسية لعــــدم رغبة الدول في الأخذ بمفهوم يقوم على نفى الإرتباط بين إجراءات التحكيم المنعقدة داخل إقليمها ونظام الدولة القانوني، يري جانباً آخر، أن وجود أحكام عديمة الجنسية يستمد جذوره من حرية الأطراف في الإتفاق بالعقد علي مسار التحكيم ونفاذ الحكم الصادر فيه، علاوة علي ذلك، يرى بعض الفقه، أن الإتفاقية وعندما أجازت تنفيذ أحكام التحكيم الصادرة في الدولة المراد بها التنفيذ في ظل قانون التحكيم المعمول به لدي دولة أخري، فإنها بذلك تكون قد أقرت أحكام التحكيم عديمة الجنسية، وسوف نعرض بايجاز لهذه الآراء المتعارضة على النحو التالي، مع التفرقة بين هذه الأحكام وغيرها من أحكام التحكيم الدولية.
أولاً : موقف الفقه المقارن:
تباينت آراء الفقه بالنسبة لسريان إتفاقية نيويورك على أحكام التحكيم عديمة الجنسية، فبينما يرى الفقه التقليدى عدم سريانها على مثل هذا النوع من الأحكام يؤكد الفقه الحديث علـــى سريانها على هذه الأحكام.
الإتجاه التقليدى : عدم سريان الإتفاقية علي أحكام التحكيم عديمة الجنسية
وبالإضافة إلى ماتقدم، فإن مؤدى نص المادة الخامسة (۱)(أ) و(د) و(هـ) من الإتفاقية أنه ينبغى أن يسري علي حكم التحكيم قانون تحكيم داخلي مُعين " ، وعلاوة علي ذلك، فإن عدم القومية التي يمكن أن يتصف بها حكم التحكيم تنطوي علي دلالات موضوعية وأُخري عملية.
كما أنه يجوز وفقاً المادة الخامسة (۱) (أ) رفض تنفيذ حكم التحكيم إذا كان إتفاق التحكيم غير صحيح بمقتضى القانون الذي أخضع له الطرفان الإتفاق أو إذا لم يكن هناك ما يُشير إلى ذلك، بمقتضى قانون الدولة الذي صدر فيها الحكم، يُضاف إلي ذلك أنه يجوز للمحكمة وبموجب المادة الخامسة (۱) (د) رفض التنفيذ اذا كان التحكيم يُخالف "قانون الدولة التي جرى فيها التحكيم“.
وخلاصة ما تقدم، أن البعض من أنصار هذا الإتجاه يرى أن إتفاقية نيويورك لاتفسح مجالاً لشمول أحكامها لمثل هذا النوع من الأحكام، بحسبان أن هيئة الأمم المتحدة وباعتبارها منظمة عالمية، قد أرادت أن تنأى بهذه الإتفاقية عن المفاهيم المقيدة لمدلول حكم التحكيم الدولى، وأن تتحاشى الغموض الذى قد يحول دون تصديق بعض الدول على الإتفاقية والذي يكتنف فكرة وجود قانون دولى مُشترك يكون تطبيقه منطقياً على مثل هذا النوع من التحكيم.
الإتجاه الحديث : إمكانية تنفيذ أحكام التحكيم عديمة الجنسية في ظل الإتفاقية :
ويؤكد أنصار هذا الرأى على أن المادة الأولي (۱) تُشير إلي إقليم الدولة التي صدر بها الحكم، كما تشير المادة الخامسة (۱)(د) و (هـ) إلي أحقية الأطراف في إختيار القانون الإجرائي الواجب التطبيق في التحكيم، وهكذا يسود إتفاق الأطراف بشأن تشكيل هيئة التحكيم وإجراءات سير الدعوي.
ثانياً : موقف القضاء المقارن
على الرغم من الإعتقاد السائد بندرة الحالات التي صدرت فيها أحكام التحكيم عديمة الجنسية (وهي بالفعل كذلك إلا أن المحاكم الوطنية واجهت مثل هذه الأحكام في القضايا الآتية..
قضية Götaverken v. Libya :
إن من أكثر الإشكاليات صعوبة وتعقيداً، تلك المتعلقة هي : بتحديد ما إذا كان إتفاقية نيويورك تنطبق على أحكام التحكيم عديمة الجنسية"، وقد نشأت هذه الإشكالية في القضية الشهيرة Götaverken v. Libya ، حين نظرت محكمة إستئناف باريس الدعوى المرفوعة بطلب القضاء ببطلان حكم التحكيم، وإنتهت إلى رفضها إستناداً إلى عدة أسباب، من بينها: أن حكم التحكيم محل النزاع لا يُمكن إعتباره حكماً أجنبياً، إذ أنه صدر في فرنسا وفقاً لنظام التحكيم بغرفة التجارة الدولية بباريس {النافذ إعتباراً من أول يونيو ١٩٧٥ ، أي طبقاً لقواعــــد إجرائية خلاف تلك التي ينص عليها القانون الفرنسي، والتي لاترتبط بأى شكل من الأشكال بالنظام القانوني الفرنسي.
ومن ثم فإن هذا الحكم يُعد بلا أي جنسية نظراً لأن كلا الخصمين من الأجانب (أى لا ينتمون إلى فرنسا)، كما أن العقد قد تم إبرامه، وينبغى تنفيذه بالخارج (خارج فرنسا)، وبالتالي فإن الحكم لايعد فرنسياً، على الرغم من أن التحكيم قد جرى فى باريس، ومن ثم، فلا يجوز تطبيق الإتفاقية عليه .
وقد تعرض هذا النهج الذي سلكته محكمة إستئناف باريس في سبيل توصلها للحكم بعدم جواز تطبيق الإتفاقية على تلك الأحكام إستناداً إلى شرط المعاملة بالمثل، إلى نقد Philippe Fouchard ، على أساس أن هذا الحكم قد أغفل نص الفقرة الثانية من المادة ١ (١) مــن الإتفاقية، فالفقرة الأولى من المادة المذكورة تنص على إنطباق : "الإتفاقية على الإعتراف بأحكــام التحكيم وتنفيذها متى صدرت هذه الأحكام في أراضي دولة خلاف الدولة التي يطلب الإعتراف بهذه الأحكام وتنفيذها فيها المعيار الأول، بينما يمتد نطاق تطبيق الإتفاقية بموجب الفقرة الثانية من تلك المادة ليشمل أحكام التحكيم التي لا تُعتبر أحكاماً محلية» بمقتضى القانون المطبق داخـــل الدولة التي يُسعَى للإعتراف بهذه الأحكام وتنفيذها (المعيار الثاني).
فالقاضي الوطنى لا يُمكن أن يمتنع عن الإعتراف بحكم التحكيم أو تنفيذه، لمجرد أنه يتصف بجنسية معينة، بل إن ما يعنيه في المقام الأول للإعتراف به وتنفيذه ضمن شروط أُخرى، هـــو كون ذلك الحكم، حكم غير ،وطنى، بغض النظر عن جنسيته، أو كونه لا ينتمي لأى دولة، مالم تكن هذه الجنسية محل إعتبار عند إعمال الإتفاقيات الدولية المتعلقة بالإعتراف بتلك الأحكام وتنفيذها وفقاً لمبدأ المعاملة بالمثل .
قضية Bergesen v. Joseph Muller :
تكرر ظهور نفس الإشكالية في قضية Bergesen v. Joseph Muller Corp 726 ، حيث كان Bergesen قد طالب بتطبيق إتفاقية نيويورك خلال إجراءات التنفيذ الأمريكية، على أساس أن حكم التحكيم قد صدر في الولايات المتحدة، وبالتالي فإنه لا يندرج ضمن فئة (المعيار الأول)، وإنما هو حكم "غير محلي Non-Domestic ، إذا أخذت المصالح الأجنبية في الإعتبار، ومن ثم فإن إتفاقية نيويورك تنطبق عليه إستناداً إلى (المعيار الثاني).
ورَدَّاً على ذلك قررت شركة Joseph Muller بأن: "أحكام التحكيم غير المحلية – Non Domestic تتضمن - فقط - أحكام التحكيم عديمة الجنسية Stateless؛ وأن الحكم الصادر في النزاع الراهن ليس حكماً عديم الجنسية Stateless" ، وقد عَرَّفَت Muller حكم التحكيم عديم الجنسية Stateless" بأنه : ذلك الحكم الذي يصدر داخل الدولة الذي يُلتمس فيه تنفيذ الحكم، ولكنه يُعتبر حكماً غير قابل للتنفيذ نظراً لوجود أحد العناصر الأجنبية به.
إلا أن الدائرة الثانية بمحكمة الإستئناف الأمريكية، وإستناداً إلى القسم (۲۰۲) من التشريع التنفيذى الأمريكي الوارد به تعريف أحكام التحكيم التي لا تدخل ضمن نطاق الإتفاقية " ، لم تتفق مع التفسير الذي أدلت به شركة Muller فيما يتعلق بالغرض من إدراج أحكام التحكيم غير المحلية ضمن نطاق الإتفاقية، حيث قررت المحكمة إلى أن أحكام التحكيم التي لاتعد محلية، هي الأحكام التي تخضع للإتفاقية لا لأنها صدرت خارج البلاد، وإنما لأنها صدرت في إطار النظـــام القانوني لدولة أُخرى، مثل صدورها وفقاً لقانون أجنبي ما، أو لأنها تضم أطرافاً مُقيمين، أو يقــــع مقر أعمالهم الرئيسي خارج دولة التنفيذ“ .
ورفضت المحكمة الأمريكية الدفع بأن الكونجرس لم تتجه نيته إلى سريان الإتفاقية علي أحكام التحكيم الصادرة داخل الولايات المتحدة حيث إرتأت المحكمة أن: "الكونجرس إذا رغب في إستبعاد أحكام التحكيم التي تتضمن طرفين أجنبيين والصادرة داخل الولايات المتحدة من نطاق التنفيذ أمام محاكمنا كان بإمكانه القيام بذلك بمنتهي السهولة ولكنه لم يفعل“، وأوضحت المحكمة أن تلك الأحكام تم إدراجها ضمن نطاق إتفاقية نيويورك، وذلك: "لرغبة بعض الدول في الحيلولة دون تنفيذ أحكام تحكيم مُعينة والتى يتم إصدارها خارج إقليمها وليس للعمل على تعزيز تنفيـذ أحكام التحكيم الصادرة محلياً.
وخلصت المحكمة من ذلك، إلى أن حكم التحكيم صدر فى نيويورك بين شركتين أجنبيتين، ومـــــن ثم، فهو حكم ”غير محلى“ ويخضع لإتفاقية نيويورك، ولا يعتبر حكماً محلياً، في ظل القانون الأمريكى المطبق للإتفاقية عندما صدر في ظل نظام قانوني خاص بدولة أخري، ومثال ذلك إصداره وفقاً لقانون أجنبي، أو فيما بين أطراف يقطنون أو يقع مقر أعمالهم الرئيسي خارج دولة التنفيذ“.
وقد طبقت الدائرة السابعة بمحكمة الإستئناف الأمريكية ذات المعيار في قضية Lander .Co. v. MMP Investments,Inc ، حيث قررت أن حكم التحكيم الصادر في الولايات المتحدة بين أطراف أمريكيين فقط مشتملا علي عُنصرٍ أجنبي يُعد كافياً لإعتباره ”غـــير محلـــي“، وإرتأت أن العقد المبرم بين مواطنين أمريكيين لتوزيع سلع إستهلاكية في بولندا، وإستناداً إلي القسم ٢٠٢ من القانون المطبق للإتفاقية في الولايات المتحدة ، لن يجعل المحكمة تواجه أية صعوبة في التوصل الي أن الحكم لا يُعتبر محلي في ظل القانون الأمريكي، ويندرج ضمن نطاق المادة الأولي (۱) من الإتفاقية.
قضية SEEE v. Yugoslavia:
تعرضت محكمة إستئناف Rouen في قضية SEEE v. Yugoslavia" للطلب المقــــدم للإعتراف بحكم تحكيم كان قد قضى بالزام Yugoslavia) (الدولة السابقة) بدفع مبلغ على سبيل التعويض إلى SEEE(وهى شركة فرنسية)، وعندما حاولت Yugoslavia الطعن بالبطلان على الحكم في سويسرا، رفضت المحكمة الإتحادية السويسرية الطعن على أساس أنها لا تعتبر الحكـ سويسرياً، وإعتمدت المحكمة في ذلك على حقيقة أن حكم التحكيم قد صدر من محكمين إثنين، بدلاً من ثلاثة على النحو المتطلب في القانون الإجرائي السويسرى ٧٣٣، وهكذا أعادت المحكمــة السويسرية الحكم - المودع لديها - إلى الأطراف، وقد حاز صفة إنعدام الجنسية التي أسبغتها عليه.
وعلى خلاف ذلك، وعندما سعت SEEE إلى تنفيذ حكم التحكيم في هولندا، كانت المحكمة العليا الهولندية في هذه القضية هي المحكمة الوحيدة - حتى الآن على الأقل ، التي رأت أنه يجوز تطبيق إتفاقية نيويورك على أحكام التحكيم عديمة الجنسية A-National“ ؛ حيث رأت هذه المحكمة أنه بمقتضى نص المادة الخامسة (۱) (د) من إتفاقية نيويورك ؛ يجوز تطبيق الإتفاقية على أحكام التحكيم عديمة الجنسية A-National .
ففي سياق هذه القضية ؛ تولت المحكمة العليا الهولندية مراجعة الحكم الصادر عن محكمة إستئناف لاهاي برفض تنفيذ حكم التحكيم إستناداً إلى تعارضه مع النظام العــام لــصفته المجردة .
وقد قررت المحكمة العليا نقض هذا الحكم، إلا أنها في رأي عَرَضيّ ،٧٣٨، أشارت إلى أنه إستناداً إلى نص المادة الخامسة (۱) (د) من الإتفاقية: "بناءً على الإجراءات المتفق عليهــا بــين الأطراف، تُطبق الإتفاقية على أحكام التحكيم التى لا يُمكن إعتبارها أحكاماً قابلة لأن يتم ربطها بالقانون المطبق في أي دولة مُعينة، والتي يعتمد نفاذها إذن بصفة حصرية على الإتفاقية، وليس على القانون الداخلي لأي دولة تربطها صلة بحكم التحكيم
وعندما طعنت SEEE على الحكم للمرة الثانية أمام المحكمة العليا الهولندية، تمسكت الأخيرة في حكمها الثاني بتأكيد موقفها تجاه سريان الإتفاقية على أحكام التحكيم عديمة الجنسية، إلا أنها قررت أنه لا يجوز للأطراف عقد النية على إجراء تحكيم مُجرد من الجنسية عند إبرام إتفاق التحكيم، ورفضت المحكمة التنفيذ على أساس أن إعادة المحكمة السويسرية للحكم يعادل الحكم بالغاءه في ظل المادة الخامسة (۱) (هـ).
وفى النهاية إستطاعت SEEE وفى عام ١٩٨٤ ، وبعد مضى ثمانية وعشرون عاماً على صدور حكم التحكيم، وعلى الرغم من حقيقة أن المحاكم السويسرية قد قررت أن هذا الحكم غير سويسرى، تمكنت من الإعتراف به في فرنسا، حيث قضت محكمة إستئناف Rouen ، بأن الحكم يُعد مُجرداً من الجنسية، إذ أن شرط التحكيم الأصلي قد إستبعد تطبيق القوانين الداخلية، ومع ذلك، فإن أحكام التحكيم عديمة الجنسية تُعد نافذة في ظل إتفاقية نيويورك، وقد أيدت محكمة النقض الفرنسية هذا الحكم .
قضية Gould Marketing, Inc. v. Ministry Of Defense Of The Islamic Qua Republic Of Iran
وفي هذه القضية سعت إيران إلى تأكيد وتنفيذ حكم تحكيم صادر من هيئة تحكيم الدعاوى الإيرانية الأمريكية في لاهاى ضد شركة Gould شركة أمريكية بسبب إعتراض الأخيرة بأنه نظراً لأن حكم التحكيم صادر من هيئة دولية وفقاً للقانون الدولي بدلاً من قانون التحكيم الوطني لأي دولة طرف في إتفاقية نيويورك، ومن ثم فإنه لا يقع ضمن نطاق الإتفاقية، وبالتالي فإن المحكمة تكون غير مختصة، إلا أن الدائرة التاسعة بمحكمة الإستئناف الأمريكية رفضت دفاع الشركة الأمريكية، وإعترفت بوجود أحكام التحكيم عديمة الجنسية.
قضية Naviera Amazonia Peruana, S.A. v. Compania Internacional de Seguros del Peru
في هذه القضية، رفضت محكمة الإستئناف الإنجليزية ٧٤٤ ، الأخذ بمفهوم التحكيم عديم الجنسية مقررة أن: "كل تحكيم لابد وأن يكون له مقر أو مكان أو محكمة، حيث تُستقي قواعده الإجرائية من القانون المحلي المعمول به هناك.
وتدور وقائع هذه القضية حول مدى مسئولية شركة تأمين من بيرو أمام شركة سفن من بيرو أيضاً، في إطار بوليصة تأمين تتضمن شروطاً عامة منها علي أنه في حال قيام النزاع أمام القضاء تختص به محاكم مدينة Lima ، بينما ينص الملحق المحرر شرط يُضاف إلي عقد التأمين لتعديل نطاقه الذي يسود في ظل المادة الأولي من الشروط العامة - علي التحكيم في ظل قوانين لندن، وقد نشأ نزاع إجرائي حول ما إذا كانت البوليصة تنص علي التحكيم في المنازعات الناشئة عنها في لندن أم في ليما .
وأقامت شركة السفن الدعوي أمام المحكمة العليا فى لندن مُطالبةً بإقرار أن النزاع يُحال إلى التحكيم في لندن فقضت المحكمة بسريان القانون الإنجليزي علي إتفاق التحكيم المبرم بــين الأطراف، وبأن القانون الإنجليزي هو القانون الإجرائي الواجب سريانه علي التحكيم ، إلا أن المحكمة رفضت تدخل المحاكم الإنجليزية على أساس أن بيرو هي مكان التحكيم.
وعند طرح النزاع على محكمة الإستئناف إرتأت أن القاضي قد أخطأ حينما لم يُفرق بين مقر التحكيم ومكان إنعقاد الجلسات وقضت لذلك بأن لندن هي المقر المقصود للتحكيم لأن الأطراف قصدوا في العقد تطبيق قانون التحكيم الإنجليزي، وبذلك يتضح أن المحاكم الإنجليزية سوف تعتبر أن قانون مقر التحكيم هو المسئول عن تحديد جنسية الحكم بغض النظر عن مكان توقيعه أو إرساله أو تسليمه لأحد الأطراف.
قضية - Deutsche Schactbau-Und Tiefbohrgesellschaft v... Ras al Khaimah National Oil Co.
تضمنت هذه القضية تحكيماً أمام غرفة التجارة الدولية بجنيف يتعلق بعقد لإستخراج للبترول من إمارة رأس الخيمة في ظل الأعراف التجارية، وقد قررت محكمة الإستئناف الإنجليزية أن تنفيذ حكم تحكيم لا يستند لأى نظام قانونى وطنى يُعد مخالفاً للنظام العام الإنجليزي، قبل أن تعود المحاكم الإنجليزية وتتخلى لاحقاً عن موقفها السابق تجاه الأعراف التجارية والتسوية الودية في تحكيم لندن.
ويتضح مما سلف أن الخلاف حول تطبيق الإتفاقية على أحكام التحكيم عديمة الجنسية - ANational“ - يعتبر خلافاً غير محسوم، إذ الثابت أن هناك خلافاً قائماً في الفقه، وكذلك في أحكام القضاء – حتى ولو إقتصر على دولة واحدة على أقل التقديرات على نحو ما سلف بيانه – حول ما إذا كانت هذه الأحكام تُعد خارجة عن نطاق تطبيق الإتفاقية – من عدمه – ؛ مما يبعث على قيام حالة من الخلط والشك والإلتباس فى هذا الصدد.
ولذلك فإنه يتعين في هذه الحالة مُراعاة الأخذ بالتفسير الذي يُدعم من أهداف الإتفاقية، والتي تتمثل في السعي نحو تعزيز تنفيذ أحكام التحكيم على النطاق الدولي، ولاشك في أنه مما يتسق مع تحقيق هذا الهدف أن يندرج تنفيذ أحكام التحكيم عديمة الجنسية A-National“ ضمن نطاق تطبيق إتفاقية نيويورك.
ذهب البعض فى الفقه الفرنسي إلى الخلط بين أحكام التحكيم الدولية، وبين أحكام التحكيم المنتمية لقانون وطنى معين، مُقررين أن أحكام التحكيم الدولية هي التي تنفصل عن كُل نظام قانونى وطنى، وأن الإتفاقيات الدولية هى التى تحدد مفهومها، وتفرض تنفيذها.
وبذلك يبين أن المشرع الفرنسي قد أقام تفرقة بين أحكام التحكيم الوطنية من ناحية، وأحكام التحكيم التي تصدر خارج فرنسا، ومن ثم تُعتبر أجنبية، أو التي تصدر في فرنسا وتكون متعلقــــة بمصالح التجارة الدولية ومن ثم تُعتبر دولية من ناحية أخرى وهذه التفرقة وعلى الرغم مما شابها من خلط وتداخل بين فكرة حكم التحكيم الأجنبى وحكم التحكيم الدولى، فإنها على الرغم مـــــن ذلك لاتؤثر فى شروط وإجراءات تنفيذ أحكام التحكيم ٧٥٧ ، بل يقتصر أثرها على طرق الطعــــن المتاحة قبل هذه الأحكام.
وقد أخذت لجنة الأمم المتحدة للقانون التجارى الدولى في الفقرة (۳) من المادة الأولى قانون الأونسيترال النموذجي لعام ١٩٨٥ على نحو ضيق في سبيل التعرف على دولية التحكيم بالمعيار الإقتصادى ، والذي يُعد مزيجاً من المعيار الشخصى والمعيار الموضوعي، كما يتضح أيضاً أن هذا القانون يُعطى أهمية بالغة لمكان التحكيم، فيما يتعلق بسير الإجراءات في خصومة التحكيم، إلا أنه في مرحلة الإعتراف والتنفيذ أعطى هذا القانون في المادتين (٣٥(١)، ٣٦(١) منه نطاقاً شاملاً للتطبيق.
وخلاصة القول، أنه من الواضح أن هناك فارق هام بين أحكام التحكيم الدولية، والأحكــام التي تصدر بمناسبة تحكيم دولى، ومع ذلك فإذا كان الحكم هو نتاج هذا التحكيم، ومن ثم فلا شك أن دولية هذا التحكيم تنعكس آثارها بالضرورة بالتبعية على الحكم نفسه، إلا أنه في إطار بحـــث مشكلة الإعتراف بحكم التحكيم وتنفيذه، فإن الأمر يتوقف على موقف القانون الوطني في الدولة المطلوب فيها الإعتراف به وتنفيذه، الذى يستوى فى الغالب عنده أن يكون ذلك الحكم أجنبياً، أو صدر فى إطار تحكيم دولى، إذ الأمر سواء لديه، إذ يكفيه أن يكون الحكم غير وطنى.
أحكام هيئات التحكيم الدائمة
أكدت الإتفاقية فى الفقرة (۲) من المادة الأولى على أنها لا تنطبق فقط على أحكام التحكيم الصادرة من محكمين معينين للفصل فى تحكيم مُعين، وإنما أيضاً تلك الصادرة من محكمين يُشكلون جزءاً من هيئة تحكيم دائمة، وقد أدرج هذا النص في الإتفاقية بناءً على طلب كُل من الإتحاد السوفيتي، وتشيكوسلوفاكيا (السابقين) تحديداً.
مدى خضوع أحكام التحكيم الوطنية لإتفاقية نيويورك
يثير هذا الموضوع عدة إشكاليات ترتبط بعدة محاور هي دور جنسية الأطراف في تحديـــد سريان الإتفاقية على أحكام التحكيم، وأيضاً مدى خضوع أحكام التحكيم الأجنبية الخاصة بالمعاملات التجارية الوطنية للإتفاقية وهي تلك الأحكام الصادرة في دولة أجنبية بخصوص نزاع يُعتبر وطنياً خالصاً في الدولة الصادر بها الحكم، وأخيراً، ما إذا كان يُمكن مد نطاق الإتفاقية إلى أحكام التحكيم الوطنية الخالصة.
أولاً : دور جنسية الأطراف فى تحديد نطاق تطبيق الإتفاقية:
كما قضت الدائرة الثانية بمحكمة الإستئناف في قضية Bergesen v. Joseph .Muller Corp أن الإتفاقية تسري علي أحكام التحكيم غير المحلية الصادرة في الولايات المتحدة علي أن تتعلق بتراع بين رعايا أجانب تابعين للدول الأعضاء.
كما أُثيرت هذه المسألة أيضاً في عدة قضايا عرضت على المحاكم الإيطالية، وكانت أولى هذه القضايا هي قضية (SpA Agnesi (Italy) v. Ditta Miserocchia (Italy، والتي تتعلق بعقد لشراء قمح أمريكي كان قد أبرم بين شركتين إيطاليتين طبقاً للنموذج رقم (۲۷) الخــاص بجمعية لندن لتجارة الحبوب، والذى ينص فى الفقرة ٣٢ منه على عرض المنازعات التي تنشأ عن العقد على التحكيم في لندن
وعندما ثار نزاع بين الطرفين بشأن جودة القمح المستورد ونوعه، عمدت الشركة المشترية (الإيطالية) إلى مُقاضاة الشركة البائعة (الإيطالية أمام محكمة رافينا الإيطالية، فدفعت الأخيرة بعدم إختصاص المحكمة الإيطالية بنظر النزاع طبقاً لنصوص إتفاقية نيويورك، إلا أن الشركة الأولى قررت بعدم جواز ذلك، لعدم صحة إتفاق التحكيم طبقاً للقانون الإيطالى، سيما وأنه قد ورد ضمن شروط عقد مُبرم في وقت لم تكن أحكام إتفاقية نيويورك، قد أصبحت بعد سارية المفعول في إيطاليا.
كما أُعيد طرح هذه المشكلة مرةً ثانية على القضاء الإيطالي، وكان ذلك بمناسبة طلب مقدم لمحكمة ميلانو في قضية & Pezzota Camillo (Italy) v. sas CIPRA di Schmutz (C.(Italy، لتنفيذ حكم تحكيم صادر في ظروف مشابهة أيضاً، من غرفة تحكيم هامبورج لتبادل السلع بألمانيا بتاريخ ۹ أغسطس ۱۹۷۰، في نزاع بين شركتين إيطاليتين.
حيث عارضت الشركة المحكوم ضدها فى ذلك، مُقررةً بطلان الحكم لصدوره بشأن إتفاق تحكيم جاء مخالفاً لنص المادة الثانية من قانون الإجراءات المدنية الإيطالى، التي تحظر على الإيطاليين أو الأجانب المقيمين في إيطاليا إستبعاد إختصاص القضاء الإيطالي عن طريق الإتفاق على إجراء التحكيم خارج إيطاليا، وهي قاعدة تتعلق بالنظام العام، بحيث لا يجوز للإيطاليين الإتفاق على مخالفتها.
بيد أنه من الجائز عملياً وفي ضوء المادة الخامسة (۲)(ب) من الإتفاقية، أن يتم رفض التنفيذ إذا ما كان هدف الأطراف متحدى الجنسية من التحكيم بالخارج بخصوص معاملة تجارية وطنية، وفقاً لقانون أجنبى عنهم، وباستبعاد قانونهم الوطنى للتحكيم، هو التهرب من قوانينهم الآمــــرة كقوانين الضرائب، وعلى أية حال، فإن تقييم الوضع، وبيان ما إذا كان سُلطان الإتفاقية ينبسط على مثل هذه الحالة من أحكام التحكيم، إنما يختلف بحسب ظروف كل حالة على حدة، وبالتالي، فلا يمكن تبنى رأى مُحدد وحاسم بالنسبة لمثل هذه الحالة.
ثالثاً : مد نطاق الإتفاقية إلى أحكام التحكيم الوطنية الخالصة:
إذا كانت إتفاقية نيويورك تعترف بوجود أحكام التحكيم الوطنية ، إلا أن مسألة قابلية تنفيذ أحكام التحكيم المحلية الخالصة بموجب الإتفاقية مازال أمراً محل جدل، وقد عبر Albert Jan van den Berg ضمنياً عن رأى إيجابي في هذا الصدد مُفاده أنه: "يقع أى حكم تحكـيم يصدر فى أى دولة أجنبية، سواءاً كانت دولة مُتعاقدة أم لا، في نطاق إتفاقية نيويورك».
ففي قضية شركة Petroleum CorporationIPCO(Nigeria) Ltd. v. Nigerian National ، والتي كانت عبارة عن إجراءات تنفيذ إتخذت في إنجلترا وفقـــاً لقانون التحكيم الإنجليزى لعام ۱۹۹٦ لحكم تحكيم صدر فى نيجيريا من قبل محكمين نيچيريين بشأن نزاع بين مؤسستين نيچيرتين طبقوا فيه القانون ،النیچیری قرر القاضی Gross – قاضي المحكمة التجارية الإنجليزية: حيث أن نيجيريا تعتبر دولة موقعة على إتفاقية نيويورك بموجب أمر المجلس وفقـــاً للقسم ۱۰۰ (۳) من القانون، ومن ثم فإن حكم التحكيم هو حكم يخضع لإتفاقية نيويورك“.
وقد دعم هذا الإتجاه كُل من Savage و Gallard حيث قررا أن إتفاقية نيويورك بصياغتها الراهنة، تُطبق على كل من أحكام التحكيم الدولية، وأحكام التحكيم المحلية التى تصدر في إحدى الدول ويتم طلب تنفيذها فى دولة أخرى، ويقوم هذا على أساس أن الإتفاقية لا تتضمن أي نصوص ذات طبيعة دولية ، ، وبالتالي، يتضح أن أهم الشروط لتنفيذ حكم التحكيم الوطنى الخالص فى ظل الإتفاقية هي فقط أن يكون قد صدر في دولة موقعــة علــى الإتفاقية، وأن يتم طلب التنفيذ فى هذه الدولة أو في دولة أُخرى موقعة على الإتفاقية.
الخلاصة :
إذا كانت إتفاقية نيويورك تسرى من الناحية الموضوعية على إتفاقات وأحكام التحكيم وتنفيذها، فإنه من الواضح على الجانب الآخر أن النطاق الإقليمي للإتفاقية، والذي يشمل أحكام التحكيم الأجنبية التي تصدر خارج إقليم دولة التنفيذ، وأحكام التحكيم غير المحلية التي قد تصدر على الصعيد المحلى، ولكنها تنطوى على عنصر أجنبي سواءً فيما بين أطرافها، أو في المعاملات القائمة بينها، آخذ فى الإتساع بدرجة كبيرة، كما أنه من الملاحظ أن هناك تفاوتاً كبيراً في تفسيرات المحاكم الوطنية بالنسبة لتحديد أحكام التحكيم التي تخضع لحماية الإتفاقية، وهو أمر يخل بمبدأ اليقين القانونى فى التحكيم التجارى الدولى، مما يتعين معه وضع ضوابط محددة للإعتراف بهذه الأحكام وتنفيذها.
وبذلك يتضح أن واضعى إتفاقية نيويورك، قد أهملوا وضع تعريف لما يمكن أن يُعد حكـم تحكيم، تاركين ذلك على مايبدو لقانون التحكيم الواجب التطبيق على الحكم، والذي يُحدد ما إذا حكم ما يمكن وصفه بأنه حكم تحكيم، وهو ما سيؤدي بدوره إلى تحديد ما إذا كان صالحاً للتنفيذ في ظل الإتفاقية – من عدمه -.
ويؤكد إستقراء واقع أحكام التحكيم أن هيئات التحكيم قد تصدر أيضاً أثناء سير خصومة التحكيم، أحكاماً مؤقتة، أو تمهيدية، أو جزئية ، وحلاً لهذا الخلاف، تتجه قواعد التحكيم لدى بعض مؤسسات التحكيم الدولى أحياناً إلى إقرار فئات أخرى من أحكام التحكيم، كما تستخدم لها إصطلاحات مختلفة، وتأكيداً على ذلك : تنص المادة (۳۲) من قواعد تحكيم الأنسترال لعام ١٩٧٦ على أنه: "١ - يجوز لهيئة التحكيم أن تصدر، بالإضافة إلى حكم التحكيم النهائي، أحكام تحكيم مؤقتة، أو تمهيدية، أو جزئية.
إلا أن عدم وجود تعريف لحكم التحكيم لم يكن في الواقع قاصراً على إتفاقية نيويورك فقط، بل إن هذا القصور قد إمتد أيضاً إلى القانون النموذجى للأونسيترال لعام ١٩٨٥، في ضوء تعــــدد وإختلاف الأشكال التي تتخذها الإجراءات الخاصة لفض المنازعات، حيث أنه لم يرد به أيضاً أى وصف لما يُمكن أن يُشكل عناصر حكم التحكيم، حيث يُشير هذا القانون فقط {المادة ٣٢(۱) } إلى ”حكم نهائي“
وفى هذا السياق، تشير المادة (۲۱) من قواعد تحكيم غرفة التجارة الدولية لعام ١٩٨٨ إلى: "حكم التحكيم، سواء أكان جزئياً أو نهائياً، وكذلك تستخدم المادة (٢٧) من قواعد تحكيم الغرفة لعام ١٩٩٨ في مطلعها عبارة : أى حكم، كما تنص المادة ٦٢/A من قواعد مُنظمــة الملكية الفكرية الدولية لعام ۱۹۹٤ على أنه يجوز للهيئة أن تصدر أحكاماً إبتدائية أو مؤقتة أو تمهيدية، أو جزئية، أو نهائية.
يعتنق فريق ثالث رأياً وسطاً بين وجهتى النظر السالفتين ونقطة البداية عند أنصار هذا الرأى: هو الإتفاق مع الرأى القائل بأن إتفاقية نيويورك كآلية قانونية دولية، يجب تفسيرها في ضوء طبيعتها المميزة لها ونطاقها الخاص ووفقاً لقواعد تفسير الإتفاقيات الدولية المنصوص عليها في إتفاقية فيينا لعام ١٩٦٩ بشأن قانون الإتفاقيات.
إلا أن قبول هذا الرأى على إطلاقه، ربما يؤدى إلى منح محاكم التنفيذ سلطات واسعة بما يؤدى إلى تعدد التعريفات والتفسيرات بمالايتسق مع أحكام المادة الخامسة من إتفاقية نيويورك والتي بموجبها لا يجوز رفض تنفيذ حكم التحكيم إلا في حالة قيام أياً من أسباب رفض التنفيذ الواردة حصراً في هذه المادة، كما يُخالف هذا الرأى أيضاً الأهداف التى تسعى إليها الإتفاقية من الإنحياز للتنفيذ.
تحديد هيئات التحكيم
كما سبق أن ذكرنا، فإن أولى الخطوات نحو تحديد الملامح الرئيسية لأحكام التحكيم التي يُمكن تنفيذها بموجب إتفاقية نيويورك يجب أن ينصب على تحديد الجهات التي يمكن تصنيفها تماماً على أنها فعلاً هيئات تحكيم ،حقيقية، أى أنها تُعد بديلاً حقيقياً وحاسماً لفض المنازعات عن القضاء حتى يُمكن تحديد ما إذا كان حكم التحكيم يخضع لحماية الإتفاقية من عدمه.
ومن المعروف على نطاق واسع أن المنازعات يُمكن تسويتها بطرق وأساليب مختلفة غـــير اللجوء للإجراءات القضائية، وقد شهدت مُمارسات فض المنازعات الدوليــة خــلال الأعوام الأخيرة، على سبيل المثال، تزايداً ملحوظاً في بدائل فض المنازعات مثل الوساطة والتوفيق، وهذه البدائل تتشابه إلى حد كبير مع إجراءات التحكيم.
إذ يُمكن وصف إجراءات الوساطة بأنها عمليات تحكيم، كما يمكن وصف الوسطاء بأنهم محكمون ، ولذلك فإن العبرة هنا هي بالصفة الحقيقة لعملية فض النزاع.
وفي هذا الصدد، فقد عُرضت على القضاء المقارن بعض الحالات التي أثارت جدلاً كبيراً بشأن ما إذا كانت النتائج التي صدرت عن بعض الجهات فى بعض وسائل فض المنازعات تعد بمثابــــة أحكام تحكيم حقيقة من عدمه، وهو ما نعرض له في البنود التالية.
أولاً : الأوامر الصادرة من جهات التحكيم:
ثار التساؤل حول ما إذا كانت القرارات التي تتخذها جهات التحكيم، عندما يكون من المحتمل أن تؤثر على حقوق الأطراف، خاصةً إذا تعلق الأمر بإختصاصها بنظر النزاع ، يجب إعتبارها أحكام تحكيم قابلة للتنفيذ بموجب إتفاقية نيويورك.
وقد طرح هذا الموضوع أمام محكمة ولاية New Hampshire الأمريكية في قضية Marks v. Presstek ، حيث كانت شركة Marks وهي شركة ألمانية) قـد أبرمت في ديسمبر ۲۰۰۰ إتفاقاً تجارياً مع شركة Pressteh وهي شركة مسجلة في ولايـــة ديلاويـــر الأمريكية)، ومقر أعمالها الرئيسى فى مقاطعة New Hampshire الأمريكية لتوريد منتجات صناعة الطباعة، وقد تضمنت المادة ۱۰ (ز) من هذا الإتفاق شرطاً تحكيمياً يحكمه قانون التحكيم الفيدرالي الأمريكي الذي يُطبق إتفاقية نيويورك" .
وعندما ثار النزاع بين الطرفين، بدأت شركة Marks إجراءات التحكيم، إلا أن شركة Presstek رفضت الإستجابة إلى طلبين للتحكيم مما حدا بشركة Marks إلى التقدم بطلب إستعلام إلى محكمة التحكيم الدائمة في لاهاى لتحديد ما إذا كانت هذه المحكمة سوف تؤيد شرط التحكيم المذكور أعلاه أم لا، وتقوم بتسمية الجهة التي من شأنها البدء فى إجراءات التحكيم وتعيين المحكمين.
ونتيجة لذلك، تقدمت شركة Marks في ٥ أبريل ۲۰۰۵ بطلب إلى المحكمة الجزئية الأمريكية في ولاية New Hampshire لإصدار الأمر مُباشرةً بإجبار شركة Presstek "[في] أن تشرع في التحكيم على النحو المنصوص عليه في الإتفاق في لاهاي، وأن تأمرها المحكمة بالمضي قدماً في هذا التحكيم وفقاً للقواعد الدولية الواردة في قانون التحكيم الأمريكي“.
وقد نازعت شركة Presstek في هذا الطلب مدعيةً أن القرار الذي اتخذته محكمة التحكيم الدائمة يُشكل حكم تحكيم فى ضوء المعنى الوارد فى إتفاقية نيويورك، وبالتالي فلا تختص المحكمة الأمريكية بإبطال أو تعديل أو وقف هذا الحكم الذي طلبته شركة Marks.
طرق وأساليب تحسين العقد (ملء الثغرات - تقييم الثمن):
من أجل التحقق من الطبيعة الحقيقية للعملية التي يقوم بها الأطراف لتسوية منازعاتهم، ينبغى أخذ القانون الداخلي الذي يُنظم الإجراءات فى الاعتبار، وهذا القانون ربما يوضح – سواء صراحة أم ضمناً - ما إذا كانت هذه العملية تُعتبر بديلاً فعلياً للمحاكم الوطنية، حتى يُمكن تقييم أو تحديد دور الهيئة التي تقوم بفض النزاع ، أو بالأحرى ما إذا كان دور هذه الهيئة يُعتبر مجـــرد نشاط للتقييم أو ملء الثغرات بحيث ينبغى معها نفى الإختصاص.
وفى هذا الإطار، تتضمن مُعظم القوانين الوطنية النص على قواعد يُمكن وصفها بأنها وسائل أو طرق لتحسين العقد، وهذه القواعد تم إقرارها لسد الثغرات التي يكون الأطراف في غالب الأحيان قد تركوها عمداً في العقد ليتم إستيفائها في وقت آخر من قبل طرف ثالث مستقل.
وقد تضمن قانون بلغاريا للتحكيم التجارى الدولى ( الصادر في عام ١٩٨٨ والمعدل في عامي ۱۹۹۳ ، ۲۰۰۱) مثالاً لهذه القواعد، عندما نص في الفقرة (۲) من المادة الأولى منه، التحكيم في المنازعات الناشئة عن سد الثغرات في العقود ، كما تقدم المادة ١٥٩٢ من القانون المدنى الفرنسي مثالاً عملياً آخر على ذلك، إذ يجوز وفقاً لهذه المادة.
إلا أن الدور الذى يلعبه المحكم في إطار هذه المادة (المادة ١٥٩٢) من القانون المدني الفرنسي) يختلف عن الدور الذي يؤديه المحكمين فى ضوء نصوص التحكيم الواردة في قانون الإجراءات المدنية الفرنسي المشار إليها، وبالتالي، فإن الحكم الذي ينتج عن تطبيق المادة ١٥٩٢ لا يحمل مقومات الحكم أو صفته، إذ أن إجراءات التحكيم طبقاً للمادة الأخيرة لاتسير بنفس طريقة سیر إجراءات التحكيم الحقيقي، ذلك أنه على الرغم من أن المحكمين في التحكيم المعتاد يعقدون جلسات إستماع كاملة للخصوم، وتكون أحكامهم عادةً مُسببة بشكل مفصل، فإن الغير الذي يتم تعيينه طبقاً للمادة ١٥٩٢ من القانون المدنى الفرنسي، لا يكون مُلزماً بعقد جلسات أو تسبيب قراره بشكل مفصل " .
وقد واجهت محكمة جنوب ولاية نيويورك الأمريكية فى قضية Jean Jean Frydman et al. . Cosmair, Inc. et al ، مُشكلة ما إذا كان تحديد السعر إعمالاً لنص المادة ١٥٩٢ من القانون المدنى الفرنسي، يُساوى فى المكانة والوضع التحكيم الحقيقى، وقد توصلت المحكمة في حكمها المشار إليه، إلى أن ذلك لا يُساوى تلك.
وكما هو الحال في القانون الفرنسي، فإن النشاط الذي يقوم به " arbitratore لايماثل النشاط الذي تقوم به هيئات التحكيم، كما يُنظم القانون المدني الإيطالي نشاط ” arbitratore" في قسم يتناول "تدعيم أو ملء ثغرات العقود، وهو ما يعني أن النشاط الذي يقـوم بــه arbitratore لايُشترط بالضرورة أن يكون لخلاف أو نزاع واحد، وبالتالي، فكماهو الوضع في ظل القانون الفرنسي، لايمكن تنفيذ مثل هذه القرارات في ظل الإتفاقية، ويُمكن أن يصدق هذا القول على الحالات المماثلة لها، من خلال القياس علي النصوص المشابهة لها القائمة في قوانين الدول الأخري.
ويتماثل الوضع السابق مع التقدير أو التثمين الذى يتولاه الخبير أو شركة المحاسبة المعينين من الأطراف، في بعض نزاعات الشركات القائمة فى بعض الدول، حيث يُعتبر التقدير أو التثمين شكلا من أشكال التحكيم غير التقليدي.
وعلى سبيل المثال: يتطلب حل الشركة وتصفية أصولها بعد إنسحاب الشريك – أو بعض الشركاء - منها تحديد قيمة أو صافى أصولها وقت التصفية، وهذا التقدير أو التثمين لا يتضمن في العادة سماعاً لشهادة شهود ولكنه يقتصر فقط على مُراجعة وفحص مُستندات الشركة، وتدقيق حساباتها وتقديم تقرير بذلك، وعلى الرغم من أنه لاتتوافر فى هذا التقرير المتطلبات الشكلية و/أو الموضوعية لحكم التحكيم، إلا أنه يتم الإعتراف به وتنفيذه كحكم تحكيم.
ففى هذه القضية تنازع الطرفان على قيمة شركتي أعمال بينهما بعد إنسحاب أحدهما منهما، وأثناء المفاوضات حول قيمة الشركتين، إتفق الطرفان على خبير معين لكي يُجرى تقييماً وجرداً للشركتين وتحديد قيمتهما تحديداً مُلزماً لهما، وأعلن الطرفان كليهما في بيانين خطيين منفصليين، أنهما سيقبلان قرار الخبير الذى . يتصرف بصفته محكماً وحيداً.
وعلى الرغم من أن الطرفان قد تبادلا عدة مسودات لإتفاق التحكيم، فإنهما لم يوقعا علــــى إتفاق رسمي بذلك، وبعد عدة محاولات غير ناجحة للتسوية جرت في دسلدورف، أجرى المحكم مُراجعة لحسابات الشركتين فى أماكن عملهما فى زيوريخ - سويسرا، ثم جرت المزيــد مــن المفاوضات لمدة جاوزت أكثر من سنتين، وأخيراً، وبطلب من المدعى، أصدر المحكم حكمه في منزله في دوسلدورف ذكر فيه عنوانه، ثم تقدم المدعى بطلب للمحكمة المذكورة لتنفيذ حكم الخبير، فأمرت المحكمة بالتنفيذ .
ونظراً لعدم الإتفاق بين الطرفين على تحديد قيمة صافي الأصول في الفترة من ۱۹۹۰/۲/۲۸ وحتى ۱۹۹٠/٦/١٩ ، فقد أحالا الموضوع إلى هيئة تحكيم لكي تفصل فيه طبقاً لقانون التحكيم الفلبيني، حيث أصدرت حكماً بتاريخ ١٩٩١/٥/١٥ قامت فيه بإحتساب قيمة صافي الأصول على أساس السجلات المالية الخاصة بالشركة المذكورة والتي أعدتها شركة SGV والتي تم إختيارها من قبل الطرفين، وحين تقدم المدعى بطلب للتنفيذ إلى المحكمة المختصة أمرت في 1991/8/23 بتنفيذ حكم التحكيم.
وقد ذكرت المحكمة الفيدرالية العليا السويسرية فى إحدى القضايا " عن معايير التقييم“ والشهادة، أنه من الصعب تصنيف هذه الحالات التي يوجد إختلاف عليها ولايمكن إيجاد صيغة عامة مرضية للتعامل مع كل الحالات.
ونرى، أنه حتى ولو قررت المحاكم صحة حكم التحكيم الصادر في مثل الحالات السابق الإشارة إليها، في إطار أى قانون، فإنه من الحكمة تجنب إدراج مثل هذه النصوص في المستقبل، لما تسببه من مشكلات عديدة في التفسير، وهو ماتجلى فى إختلاف العديد من المحاكم الوطنية حول طبيعة مثل العمليات التي تجرى لتسوية النزاعات بين الأطراف، وحتى فى داخل الدول المذكورة ذاتها، كما أنه من غير الواضح ما إذا كانت أى دولة أخرى أو قانون إتحادى آخر تنظم وصـــف هذه العملية الصادر فيها هذا الحكم بأنها تحكيم وما إذا كان هناك تناغم بين تلك المحاكم حــول هذه المسألة من عدمه.
وفضلاً عما تقدم، فإنه من غير الواضح أيضاً ماهو معيار المراجعة الذي يتعين على قاضي البطلان أو التنفيذ أن يتبعه في هذه الحالة، خاصةً وأنه لم تُراع في مثل هذه الأحكام القواعد الشكلية أو الموضوعية المتبعة بالنسبة لإجراءات أو أحكام التحكيم، كما أنه إذا كانت صياغة إتفاق الشراء وتنفيذه على هذا النحو يُعلى من قدر إرادة الأطراف فإن الأسلوب الذي تنتهجه شركات المحاسبة واللغة فى مُعالجتها لمثل هذه القضايا، يبتعد تماماً عن إحترام شكليات التحكيم، بحيث أنها تُقدم أدنى مستوى من الحماية الإجرائية والموضوعية لحقوق الأطراف.
وعلى الرغم من ذلك، فإن البادى أن وجهة النظر تلك التى اعتنقتها المحكمة العليا الإيطالية وأيدتها فيها إحدى المحاكم الأمريكية، قد فشلت فى جذب الكثير من المؤيدين لهـا في الخارج، حيث تميل المحاكم المحلية في باقي الدول الأخرى إلى تفضيل إجراء مراجعة مستقلة لطبيعة أحكــام التحكيم الأجنبية، ولذلك فقد ذهبت المحكمة الإتحادية العليا الألمانية فى الإتجاه المقابل لإتجاه المحكمة العليا الإيطالية.
إستحدثت في المملكة المتحدة، بموجب قانون منح الإسكان والتشييد والتجديـــد لعام ١٩٩٦، وسيلة جديدة لفض المنازعات يُطلق عليها القرار القضائي " Adjudication ، وقد كان الهدف من إستحداث هذه الوسيلة هو توفير آلية سريعة وناجزة لتسوية المنازعات المؤقتة التي تنشأ عن عقود الإنشاءات.
وقد تضمن الفصل ۱۰۸(۳) من هذا القانون المتعلق . "الحق في إحالة المنازعات إلى التقاضي النص على أنه "يجب أن ينص العقد على أن قرار التحكيم ملزم لحين الفصل نهائياً في النزاع من خلال الإجراءات القانونية، أو عن طريق التحكيم إذا كان العقد ينص على التحكيم، أو إذا إتفق الطرفان بأى طريقة أخرى على التحكيم أو عن طريق الإتفاق، وقد يوافق الطرفــــان علي قبول قرار القاضي بالفصل نهائياً في النزاع .
وعلى ذلك، تكون هذه القرارات ملزمة بشكل مؤقت فقط، ومن ثم، فلايمكن إعتبارها قرارات نهائية وفاصلة فى موضوع النزاع القائم بين الأطراف، كما أن المحاكم المحلية قد تساعد في تنفيذها حتى تتم تسوية النزاع نهائياً أمام المحكمة المناسبة.
ومؤدى ذلك، أن قرار القاضي في هذه الحالة لايعد بديلاً أصيلاً عن الإجراءات القضائية، ولذلك، فلا تعتبر أى إجراءات قانونية تبدأ بعد صدور القرار القضائي إستئنافاً له، بل هي إجراءات قانونيــــة جديدة ومستقلة تماماً عنه، بحيث لا يُمثل فيها قرار القاضى أى أهمية، وليس له من تأثير على ما يسفر عنه الفصل في موضوع النزاع فيما بعد، من خلال الإجراءات القانونية، أو عن طريق التحكيم.
من الأهمية بمكان الإعتراف بأن المصطلحات المستخدمة في الواقع العملي لاتفيد – في الغالب في تحديد ما هو حكم التحكيم الأصيل القابل للتنفيذ بموجب الإتفاقية، وتتجه معظم المحاكم الوطنية – وعند تحليل الطبيعة الحقيقية لأى أمر صادر من جانب هيئة التحكيم – إلى القول بأنـــه من غير المناسب الإعتماد على الإسم الذى أعطته هيئة التحكيم للأمر، بل يجب إمعان النظر عـــــن كثب في الخصائص الفعلية لهذا الأمر، وليس للإسم الممنوح له، وهو مايدفعنا لبحــث أنــواع الأحكام القابلة للتنفيذ بموجب الإتفاقية.
ومن البديهي أن حكم التحكيم النهائي يحسم بطبيعة الحال كافة الأمور المتنازع عليها ويُنهي خصومة التحكيم، وعادةً ما يكون إصدار الحكم النهائي بمثابة نهاية لإختصاص هيئة التحكيم علي الأطراف، مما يؤدى إلى إستنفاذ ولايتها في نظر الدعوى.
ومؤدى ذلك، أن حكم التحكيم النهائي يؤدى إلى تسوية النزاع المعروض على هيئة التحكيم بكافة عناصره، وإنهاء المهمة المنوطة بها، ويكون مُلزماً لأطراف النزاع، ومن ثم فإن التساؤل يدور حول معيار النهائية الذى يُمكن أن يُقاس به أحكام التحكيم التي تخضع لحماية الإتفاقية، وفى ضوء ذلك مدى قابلية أحكام التحكيم المستقلة للتنفيذ، وهو مانفرد له البندين التاليين.
(أ) معيار النهائية
من المستقر عليه، ووفقاً لما يطلق عليه معيار النهائية، أن "أحكام التحكيم النهائية هي التي يُفترض أنها تضع نهايةً لكامل النزاع أو لجزء منه ، ويُقصد بكلمة نهائي، أن حكم التحكيم قد حاز قوة الأمر المقضى بحيث يمتنع على الخصوم العودة إلى مُناقشة ذات المسألة التي فصل فيهـا ذلك الحكم فى دعوى تالية ولو بأدلة قانونية أو واقعية لم يسبق إثارتها في الدعوى الأولى، وترتيبـاً على ذلك، فإن أحكام التحكيم التى تؤدى إلى تسوية واحدة أو أكثر من المسائل التي تندرج بطريقة صحيحة ضمن نطاق إختصاص هيئة التحكيم، ينبغى أن تكون قابلة للإعتراف بها وتنفيذها وفقاً للإتفاقية.
ويتضح من هذا القضاء أن الوصف الممنوح للقرار على أنه حكم تحكيم لا يعتمد علــى المصطلحات المستخدمة من جانب هيئة التحكيم أو من جانب الأطراف بل يعتمد على المحتوى الفعلى للقرار، وهو ما سوف ينعكس على مدى قابليته للتنفيذ.
وقد لاحظت المحكمة أن هيئة التحكيم قد أفردت ، وفقاً لسلطتها، أمراً منفصلاً لمسألة تقديم سجلات ضريبة، حيث قررت هيئة التحكيم التعامل مع تلك المسألة بشكل منفرد عن المسائل الأُخرى، ومع ذلك، لم تجعل الأمر مُجرد توجيهات إجرائية، وفضلاً . عن هذا، فإن تسمية قرار هيئة التحكيم بأنه أمر " بدلاً من حكم تحكيم، لا تقدم دليلاً حاسماً يُعين على تحديد الطبيعة الفعلية لهذا الأمر، وهو العامل الأساسى الذى ينبغى أخذه بعين الإعتبار عند تحديد مسألة النهائية، ووفقاً لرأى المحكمة، فإنه يجب إعتبار الأمر الصادر من جانب هيئة التحكيم قراراً نهائياً بشأن مسألة تدخل في نطاق إختصاصها.
ثانياً : تنفيذ أحكام التحكيم الجزئية:
لا تبدو هناك ثمة صعوبات فى خضوع حكم التحكيم النهائى الصحيح لحماية إتفاقية نيويورك، إلا أن البادي أن حكم التحكيم الجزئى ربما يكون قد أثار بعض الخلاف القضائي في إيطاليا، وبلغاريا، والفلبين، وإستراليا والولايات المتحدة الأمريكية، وهو ما إنعكس أيضاً على موقف الفقه، وذلك على الرغم من أن معظم القوانين المحلية وقواعد التحكيم المحلية تسمح لهيئات التحكيم بإصدار حكم تحكيم بشأن بعض الأمور المتنازع عليها والتي يشملها إتفاق التحكيم والتي يُمكن فصلها وحسمها بشكل منفصل عن باقى المسائل التي تدخل ضمن نطاق إختصاص هيئة التحكيم.
وتوصف مثل هذه الأحكام التي تؤدى إلى تسوية بعض الأمور المتنازع عليها بشكل نهائي، دون إستنفاد ولاية هيئة التحكيم، بأنها أحكام تحكيم جزئية، وهذه الأحكام ينبغي أن تكون واجبة التنفيذ بشكل مستقل ومُنفصل بموجب إتفاقية نيويورك ٨٤٨ ، ومع ذلك فقد أثار مثل هذا النوع من أحكام التحكيم خلافاً حاداً في الفقه والقضاء حول قابليتها للتنفيذ.
تتناول أحكام التحكيم عادةً مسائل مثل: نطاق إختصاص هيئة التحكيم أو تحديـــد القــانون الواجب التطبيق على النزاع، وهذه المسائل يُمكن إعتبارها أولية أو تمهيدية ولازمة للفصل في الموضوعات الأساسية محل النزاع، ولذلك فإن الأطراف يطلبون إلى هيئة التحكيم الفصل في هذه المسائل عندما يثور نزاع بينهم بشأنها، وتخول قوانين التحكيم الوطنية وقواعد مؤسسات التحكيم الدولية هيئات التحكيم بصفة عامة سُلطة القيام بذلك بنفسها، باعتبار أن هذه المسائل المبدئية تلعب دوراً هاماً في الوصول إلى تسوية النزاع بصفة نهائية.
كما أكدت المحكمة على هذا الإتجاه في قضية أُخرى ، إلا أنه نوهت مع ذلك إلى أن مسلك المشرع المصرى على النحو – سالف البيان –، يُخالف ماتقضى به بعض التشريعات والمحاكم الأوروبية من قابلية الأحكام النهائية الصادرة في شق من النزاع أو في مسألة أولية كالإختصاص أو القانون الواجب التطبيق للطعن فيها إستقلالاً دون إنتظار صدور الحكم المنهى للنزاع برمته، ومن ذلك قــــانون المرافعات الهولندى والبلجيكي والقانون الدولى الخاص السويسرى، وأيضاً القضاء الفرنسي.
أحكام التحكيم بشأن المسئولية، والتعويض عن الأضرار
من الأمثلة الأخرى التي يكون من اللازم فيها إصدار حكم تحكيم مبدئى أو تمهيدى، الحالـــة التي يمكن فيها فصل المسائل المتعلقة بالمسئولية عن تلك المتعلقة بالتعويض عن الأضرار، ويثور هذا الفرض كثيراً في المنازعات التي تتعلق بمخالفات عقود الإنشاءات الكبرى.
إذ تنص هذه العقود في بعض الأحيان، على مجموعة كبيرة من الإلتزامات الأساسية المختلفة التي يجب على المقاول عادةً تنفيذها في أماكن متفرقة وفي أوقات مُختلفة، وقد تستتبع الدعوى المعنية بمخالفة العقد مُخالفة الضمان التى تكون مُنفصلة ومُستقلة عن مُخالفة أى بند آخر من بنود العقد، وكما سنرى فيما يلى، يجب أن تُتاح للطرف المتمتع بالحقوق الفرصة في أن يحصل علــــى حكم تحكيم جزئي بشأن المسئولية يكون مُعترفاً به مع إمكانية تنفيذه بموجب إتفاقية نيويورك.
كما هو الحال في التقاضي، فإن أطراف التجارة الدولية قد ينجحون في كثير من الأحيان في التوصل إلى إتفاق لتسوية للنزاع القائم بينهما ودياً أثناء سير إجراءات التحكيم، وتكون الخيارات المتاحة لديهم لتنظيم الآثار المترتبة على إتفاقهم في مثل هذه الحالات هی، إما أن يخبروا هيئة التحكيم بأنهم قد توصلوا إلى إتفاق لتسوية نزاعهم ويطلبوا إليها تتويج هذه التسوية التي توصلوا إليها - والتي تخص بعض أو كل قضايا الخلاف بينهما - ياضفاء الصبغة الرسمية على إتفاقهم في صورة عقد، والأمر بإنهاء إجراءات التحكيم، وعندئذ يقوم المدعى بسحب طلبه الخاص بإجراء التحكيم، وتقوم هيئة التحكيم بإنهاء إجراءات التحكيم.
غير أن هيئة التحكيم لا تكون ملزمة في كل حالة بإجابة الأطراف إلى رغبتهم في هذا الصدد، إذ يُمكنها أن ترفض هذا الطلب إذا مارأت أن التسوية التى توصلوا إليها غير مشروعة، أو إذا وجدت بها مايخالف مبادىء النظام العام ، وبناء على ذلك، فإن تضمين إتفاق التسوية في حكم التحكيم يظل رهيناً بموافقة هيئة التحكيم عليه، وهذا هو ما أقرته معظم قواعد التحكيم .
ويبدو من الأفضل، إذا ما تضمنت هذه التسوية إلتزاماً بالآداء لأحد الأطراف في المستقبل أن يتجسد ذلك في صورة حكم تحكيم يتمتع بالحجية والآثار المترتبة على حكم التحكيم، حتى يُمكن الإعتراف بـــه وتنفيذه فى ظل إتفاقية نيويورك ، شأنه فى ذلك كافة أحكام التحكيم الاخرى .
وبشكل أوضح، فإن الأطراف، عند الضرورة، قد يرغبون في الإستفادة من تطبيق إتفاقيـــة نيويورك، ومنها أن شروط التسوية تتضمن عنصراً من من عناصر الآداء بواسطة أحد الطرفين أو كلاهما في المستقبل، سواء فيما يتعلق بدفع مبالغ مالية، أو ببعض الجوانب الأخرى، ولذلك، فإنه عادةً ما يسهل على أحد الأطراف إلزام الطرف الآخر بالآداء في المستقبل، إذا ما كان هذا الإلتزام وارداً في حكم تحكيم حتى يستفيدوا من تطبيق الإتفاقية فيما يكون خاضعاً لإتفاقية نيويورك)، بدلاً من مجرد إتفاق على التسوية.
كما يجوز أن تقوم الدول ذات السيادة والهيئات العامة بالدول بإبرام اتفاق لتسوية نزاع مع طرف يتبع القطاع الخاص، وأحياناً تكون حريصة على الحصول على إتفاق التسوية هذا في صيغة حکم تحکیم رسمي، بحيث تقوم هيئة التحكيم المعنية بإدراج مضمون إتفاق التسوية في حكم التحكيم، وأنه قد تم إقرار هذا النوع من الممارسات- إن لم يكن من أجل الإلتزام بالتشريعات المحلية الملزمة لكل من الدول والهيئات العامة بالدول - فإنه من أجل إضفاء مستوى أعلــى مـــن الشفافية والشرعية على تصرفات الدول.
إلا أن المشكلة التى يُمكن أن تصادف مثل هذه النوعية من الأحكام تتمثل في أن بعض الدول مازالت تتبنى تعاريفاً مُختلفة للمُنازعات التى تكون قابلة للتحكيم، وهو ما يمكن أن يُخل باستقلال الأطراف، ويؤثر على قدرتهم في التوصل إلى حلول وسط لإنهاء النزاع القائم بينهما، ذلك أنه إذا كان يحق للأطراف أن يُحيلوا نزاعاتهم إلى التحكيم، فإن من حقهم أيضاً التوصل إلى حل وســــط لإنهاء هذه النزاعات ودياً، والإعتراف بما يصدر بها من أحكام وتنفيذها، والقول بغير ذلك يحد دون شك من نطاق تطبيق إتفاقية نيويورك.
وبالتالي، فإن غياب أحد الأطراف عن حضور جلسات التحكيم لايؤدى إلى عرقلة إجراءات التحكيم، ولا يحول من ثم دون صدور حكم التحكيم فى الدعوى بناء على الأدلة التي توافرت لديها، وقد نص على ذلك القانون النموذجى للتحكيم التجارى الدولى UNCITRAL ، ويُعد هذا الحكم نافذاً في ظل إتفاقية نيويورك مثله في ذلك مثل أي حكم تحكيم آخر، إلا أنـــه يـــتعين إستيفاء كافة شروط الإعلان، وإتاحة الفرصة للطرف الغائب لعرض موقفه، قبل أن تواصل الهيئة إجراءاتها بدونه .
تنفيذ التدابير المؤقتة والتحفظية
فيما يتعلق بالحكم الصادر بالحماية المؤقتة، فإن التساؤل المطروح يثور بشأن ما إذا موضوع هذا الحكم يتعلق بخلاف بين الأطراف والمشار إليه في المادتين الأولى(۱)،(۳)، والخامسة (۱)(ج) من إتفاقية نيويورك.
كما تتبدى مُشكلة أُخرى تتعلق بالطبيعة المؤقتة لمثل هذا النوع من الأحكام، إذ أنها غالباً Variance من جانب هيئة التحكيم، ولذلك فإن المسألة تتعلق بما إذا كان الحكم المؤقت يُعد ما تخضع لإلغاء مُحتمل Possible scission ، أو وقف Suspension، أو تغيير ملزماً للأطراف، في ضوء نص المادة الخامسة (۱)(هـ) من إتفاقية نيويورك، وهو مانعرض لــه في البنود التالية.
تجيز بعض الإتفاقيات الثنائية تنفيذ تدابير التحكيم المؤقتة، ونظراً لأن مسألة وجوب تنفيذ تدابير التحكيم المؤقتة في الدولة مقر التحكيم وفي الخارج غير معترف بها على نطاق واسع ولم تنتهج الدول التي تُقر هذه المسألة وتنظمها نهجاً موحـــــداً في هذا الصدد، ولذلك فقد سعت اليونسيترال للقيام بجهود كبيرة لدراسة هذه المسألة في محاولة منها لإيجاد حل متناغم ومقبول على نطاق واسع.
التنفيذ فى الدولة مقر التحكيم
يمكن أن يتم تنفيذ هذه القرارات من خلال مُساعدة المحكمة الوطنية المختصة في الدولة مقر التحكيم، وتتبع القوانين الوطنية فى هذا الشأن أربعة أساليب رئيسية وذلك على النحو التالي:
ومن أمثلة التشريعات التي إتبعت هذا النهج، قانون التحكيم الهولندى لعام ١٩٨٦، وقانون التحكيم المصرى رقم ٢٧ لسنة ١٩٩٤ ، وقانون التحكيم الدولى في سنغافورة الصادر عام ١٩٩٤ ، وقانون التحكيم في جواتيمالا لعام ۱۹۹٥ ، والقانون العام للتحكيم في بيرو الصادر في ۱٩٩٥ ، وقانون التحكيم فى سريلانكا لعام ۱۹۹٥ ، والقانون الدولى الخاص السويسرى، وقانون التحكيم الإنجليزي لعام ١٩٩٦ ، وقانون التحكيم في هـونج كونج ، وقانون التحكيم في زيمبابوى لعام ۱۹۹٦ ، والقانون البوليفى للتحكيم والتوفيق الصادر في عام ١٩٩٧ ، قانون التحكيم التجارى لعام ۱۹۹۸ فى فترويلا ، والقانون اليوناني للتحكيم التجارى الدولى الصادر في عام ۱۹۹۹ ، والمرسوم الصادر بالقانون رقــــم ١٩٩٩/٥ في بنما ، وقانون ولاية تكساس الأمريكية للتوفيق والتحكيم في منازعات التجارة الدولية"، وقانون الإجراءات المدنية في ولاية كاليفورنيا الأمريكية.
كما أخذت بهذا النهج أيضاً قوانين دول أخرى مثل: أستراليا ٩١٥، وإسكوتلاندا ، وبرمودا ، ومالطا ۹۱۸، ونيوزيلاندا ، وأيرلندا ، وكولومبيا البريطانية ، وكرواتيا ، و أونتاريو ".
وفي ٧ يوليه ۲۰۰٦ اعتمدت الأونسيترال UNCITRAL، تعديلات على المواد ۱ (۲) و ۷ و ٣٥ (٢) من قانونها النموذجى لعام ،۱۹۸۵ ، كما اعتمدت الفصل الرابع ألف الجديد لكي يحل محل المادة ۱۷، والمادة ٢ ألف الجديدة، وقد تضمنت المادة ١٧(ح) فى فقرتها الأولى من الفصل الرابع الجديد، النص على الإعتراف بالتدابير المؤقتة التى تُصدرها هيئة التحكيم وتنفيذها .
كما ذكرنا سلفاً، فإن من الثابت أن هناك عدد قليل من قرارات المحاكم التي تصدت لنظر مسألة ما إذا كانت تدابير الحماية المؤقتة واجبة التنفيذ بموجب الإتفاقية، وبالتالي فلم يظهر معيــــار جلى لتفسير الإتفاقية فى هذا الشأن، وهذا الوضع تُجسده القضايا الآتية .
ففي قضية شركة Resort Condominiums ، إتجهت المحكمة العليا في Queensland إلى إنكار تمتع هذه التدابير بحماية إتفاقية نيويورك ورفضت التنفيذ، وعللت المحكمة ذلك بأن الإتفاقية قصدت: فقط حكم التحكيم الذى يفصل بشكل نهائى فى حقوق الأطراف»، وأضافت مقررةً أن وصف الهيئة لقرارها بأنه "حكم تحكيم لا يجعل منه حكم تحكيم في ضوء المعنى الوارد بالإتفاقية، وبالتالى فلا يمكن تطبيقها على أى أوامر أو أحكام ليست نهائية.
وإذ بدأت شركة Sperry إجراءات التحكيم إدعت مُخالفة العقد، طالبة من المحكمين منـــع المطالبة بخطاب الإعتماد، حيث أصدر المحكمون "حكم تحكيم" يتضمن أمراً بايــــداع قيمة خطاب الإعتماد فى حساب مُعلق لصالح كلا الطرفين لحين صدور حكم في موضوع النزاع ، وعندما دفعت إسرائيل بأن حكم التحكيم ليس نهائياً وبالتالي فلا يمكن تنفيذه، رفضت المحكمــة الدفع، وقررت أن حكم التحكيم كان مُنفصلاً عن الوقائع، نظراً لأنه بحكم طبيعته- يتضمن إجراء للإثبات، ومن ثم فإن الحكم قد يُعتبر مُمارسةً لاقيمة لها لسلطات المحكمين، إذا لم يتم تنفيذه ، وبناء على ذلك، أمرت المحكمة بتنفيذه.
وفي قضية Southern Seas Navigation ذهبت إحدى المحاكم الأمريكية إلى القول بأن حكم التحكيم المؤقت بشأن إجراء مؤقت يكون هدفاً في ذاته لأن غرضه الأساســـي هـو توضيح حقوق الأطراف خلال فترة مؤقتة حتى صدور القرار النهائى حول الوقائع والمرحلة الوحيدة التي يكون فيها حكم التحكيم هذا جائز التنفيذ هي عندما يتم إصداره وليس بعد إنتهاء المحكمين من إتمام دراسة كل ادعاءات الأطراف.
وفى قضية Publicis Communication v. True North Communications.Inc أكدت الدائرة السابعة بمحكمة الإستئناف الأمريكية على أن قرار التحكيم الذى يتخذ صورة أمر " يُعتبر نهائياً وقابلاً للتصديق عليه وتنفيذه طبقاً لإتفاقية نيويورك، وكانت Publicis قد أشارت إلى أن هذا: "الحكم سوف ينتج عنه أن أرض التحكيم تتزلزل وأن جباله ستنهار، إلا أن المحكمة الأمريكية أكدت على أن هذه القضية تتعلق فقط : "بما إذا كان هذا الأمر على وجـه الخصوص، الصادر من هيئة التحكيم هذه بصفة خاصة، وبخصوص ضرائب هذه القضية بصفة خاصة، قد جاء نهائياً».
وعلى الجانب الآخر، خرجت محكمة أمريكية أُخرى في قضية Island Creek Coal Sales Co على هذا الإجماع القضائى الأمريكي بالنسبة لمسألة قابلية التدابير المؤقتة للتنفيذ طبقاً لإتفاقية نيويورك، بالقول أن حكم التحكيم المؤقت: "لا يتضمن كل عناصر القضية ولا يُحدد ما إذا كان أى طرف مُطالب بتنفيذ العقد خلال فترة سريان إجراءات التحكيم، وإنما يُعتبر قـــرار تقديرى منفصل ومُستقل بشأن مسألة معينة، ولذلك رفضت التنفيذ.
موقف الفقه المقارن من تنفيذ التدابير المؤقتة والتحفظية:
على الرغم من أن مضمون التدابير المؤقتة والتحفظية في بعض الأحيان قد يتوافق مع مضمون أحكام التحكيم النهائية، إلا أنه مع ذلك تختلف عنها بشكل جوهرى، ذلك أن هذه التدابير ذات طبيعة مؤقتة، بينما تتمثل واحدة من الخصائص الأساسية لأحكام التحكيم النهائية في أنها تحسم بصفة نهائية واحداً أو أكثر من النزاعات المحالة إلى هيئة التحكيم، وقد إختلف رأى الفقه، حول خضوع هذه التدابير للتنفيذ بموجب الإتفاقية، ففى حين رأى البعض أن هذه التدابير لا تخضع للإتفاقية، ذهب البعض الآخر على عكس ذلك، إلى خضوعها للإتفاقية ومن ثم شمولها بحمايتها.
فقد ذهب البعض ، من أنصار الإتجاه الأول بحزم إلى القول بوجوب إستبعاد المناقشة حــــول قابلية التدابير المؤقتة للتنفيذ بموجب الإتفاقية، بينما تدخل البعض من أنصار هذا الإتجاه في هـذا الجدل الدائر، مقرراً أن الحكم الصادر بالتدبير - على خلاف حكم التحكيم – يُعد غير نهائي، ومن ثم فهو يخضع للمراجعة أو الإلغاء، وأن التدابير المؤقتة لايمكن أن تصدر في شكل حكم تحكيم.
بالإضافة إلى ذلك، فإن وجهة النظر التقليدية، التي تقول بأن الأطراف يلتزمون طوعاً بالقرارات التي يُصدرها المحكمون الذين قام الأطراف بتعيينهم، أصبحت لا تجد قبولاً عامــا هــذه الأيام، بسبب مسائل تتعلق بإمكانية التنبوء بالتحكيم والخصومة ولم يعد واضحاً ما إذا كان أطراف التحكيم حالياً تتوافر لديهم ثقة وحسن ظن – من عدمه –.
إلا أن الأمر الآن أصبح أبسط وأيسر من ذلك، حيث أن مُجرد الضغط على الماوس“ لإرسال رسالة عبر البريد الإلكتروني من أى مكان في العالم أصبح كافياً لتبديد الأصول، وبذلك، يُصبح هذا الأمر أكثر إثارة للقلق هذه الأيام لأن حكم التحكيم قد يصبح بلا معنى إذا لم يـتـم الوفاء بما قضى به بسبب تبديد أصول الطرف الخاسر في الولاية القضائية التي يجد بها ملاذاً آمناً له، بحيث يكون تنفيذ حكم التحكيم فيها مستحيلاً.
وفى ضوء ما تقدم، نرى أنه على الرغم من أن إتفاقية نيويورك لم يرد بها ذكر مصطلح ”نهائی“ لوجوب تنفيذ أحكام التحكيم وبالتالى فإنها لم تضع تعريفاً له، بل تطلبت فقط أن يكون الحكم مُلزماً ، فإنه يتعين مع ذلك أن يكون حكم التحكيم الصادر بالتدبير المؤقت ”نهائياً ومُلزماً حتى يُمكن تنفيذه بموجب الإتفاقية، وبالنسبة لمسألة النهائية"، فإنه يتمتع بهذا الوصف إذا ماتوافرت فيه الشروط المتبعة بالنسبة للأحكام القضائية في الدولة التي صدر بها.
وفيما يتعلق بالطبيعة الملزمة" لحكم التحكيم المؤقت أو الجزئى الصادر بالتدبير المؤقت، فإنه يكون "ملزماً للأطراف من الناحية التعاقدية ٩٦٨ ، وفقاً لمفهوم المادة الخامسة (۱)(هـ) من إتفاقية نيويورك، إما لأنهم قد وافقوا صراحة على الطبيعة الملزمة لهذا الحكم"، أو لأنهم قد منحوا هيئة التحكيم سُلطة . منح هذا التدبير
وإجمالاً، فإنه يُمكن تعريف أحكام التحكيم التي يمكن تنفيذها فى ظل إتفاقية نيويورك، بأنهــــا تلك الأحكام التي تحسم نهائياً المسألة أو المسائل المتنازع عليها أو جزء منها، أو في مسألة إجرائية تؤدي إلى إنهاء إجراءات التحكيم، أو وفقاً لتسوية بين الأطراف وتكون ملزمة لطرفيها، والصادرة فى دعوى تحكيم من هيئة لها ولاية الفصل فيها في تحكيم يرتبط بالنظام القانوني المعمول بـه في الدولة مقر التحكيم.
الخلاصة :
ربما تكون الإتفاقية بصمتها عن تعريف حكم التحكيم والعناصر التي يشملها هذا التعريف خصوصاً، أو بغموض نصوصها إجمالاً وعموماً، قد أدت - دون قصد مُشرعيها إلى توسيع نطاقها، عن طريق ترك هذا النطاق رحباً بلا أفق مُحدد له، بحيث لا يُمكن أن تستشرف مقدماً مايمكن أن تذهب إليه المحاكم الوطنية فى فضاء هذا النطاق، وهو ما أخل بقاعدة التنبؤ في التحكيم الدولى.
وقد دعى ذلك هذه المحاكم لكى تعمل سلطتها التقديرية فى التفسير ، مما جاءت معه أسس هذا التفسير في بعض الأحيان، دون ضوابط محددة، وفى نفس الوقت سَمَحَ هذا لها بالإبتكار في التفسير، إلا أنه على النقيض قد أدى إلى تضارب وتعدد التفسيرات، وهو ماتجلت آثاره علــى أحكام التحكيم المقدمة للتنفيذ.
ومع ذلك، ينبغى أن يجرى أى تحليل بشأن قابلية إتفاقية نيويورك للتطبيق على حكم تحكيم معين وشموله بحمايتها، بالنظر إلى نطاق الإتفاقية وغرضها من حيث مُحاباتها التنفيذ، وفى ضوء قواعد التفسير المنصوص عليها في القانون الدولى، مع الإسترشاد أيضاً بقواعد القانون المحلي في هذا الشأن، فيما يتعلق بطبيعة وسائل تسوية المنازعات، والأحكام التي تنتج عنها .
ويُمكن أن يُسهم أيضاً التطبيق المشترك لمعيار ما إذا كانت هيئات التحكيم تعد بديلاً حقيقياً وحاسماً لفض المنازعات عن القضاء، ومعيار النهائية في إستجلاء الصورة، بقصد الوصول إلى تحديد أحكام التحكيم التي تقع ضمن نطاق إتفاقية نيويورك على نحو واضح، في ضوء غياب تحديد لطبيعة العناصر التي يُمكن أن تُشكل حكماً خاضعاً للإتفاقية، وعدم وضع معيار مُحدد لتعريف حكم التحكيم.
حيث إقتصرت الإتفاقية فقط على إشتراط أن يكون الحكم مُلزماً، وهو ما أدى إلى تضارب التفسير القضائي على نحو ماسلف، وفي الواقع، فإن التطور المستمر لبدائل فض المنازعات في مجال التجارة الدولية يؤدى إلى ظهور وسائل جديدة مختلطة من حيث ماهيتها وطبيعتها، أو من حيث القائمين عليها، مما قد يصعب معه تصنيف عمليات فض النزاع ، وتحديد مدى خضوع الأحكام أو القرارات الصادرة فيها، لحماية الإتفاقية من عدمه.
الإستثناءات الواردة على نطاق تطبيق إتفاقية نيويورك الشروط التحفظية المتاحة للدول الأعضاء)
أجازت إتفاقية نيويورك لكافة الدول، سواءاً أكانت أطرافاً فيها أم لا، رغبة في تيسير التنفيذ تطبيق أحكامها، وهكذا تُصبح الإتفاقية واسعة النطاق طالما أنها تُطبق علي أحكام التحكيم الصادرة داخل أية دولة أجنبية سواءً كانت دولة عضو أم لا، على أن الإتفاقية من ناحية أُخرى، أوردت مع ذلك قيداً على الأثر الدولى لأحكام التحكيم، خرجت به على القاعدة المطلقة التى أتت بها، وعادت به مرة أخرى إلى فكرة الأثر النسبي للإتفاقيات الدولية، من حيث كونهــا لا تسرى إلا على أطرافها فقط.
ويتضح ذلك إعطائها الدول الأعضاء، عند قيامها بالتوقيع أو التصديق عليها، أو من الإنضمام إليها، الحق في أن تُصرح على أساس مبدأ المعاملة بالمثل Reciprocal Reservation ، أنها ستقصر تطبيق أحكام الإتفاقية على الإعتراف بأحكام التحكيم الصادرة في دولة متعاقدة أُخرى وتنفيذها، إذ تسمح المادة الأولي (۳) من الإتفاقية بإبداء التحفظات التي تقصر نطاق الإتفاقية علي أحكام التحكيم الصادرة داخل الدول الأعضاء، وهو ما يحد من فاعلية الإتفاقية ومن نطاقها الجغرافي الواسع .
وهذه الشروط هي: الشرط الأول: أنه يُمكن تطبيق الإتفاقية على الإعتراف بأحكام التحكيم الأجنبية وتنفيذها، التي يتم إصدارها - فقط داخل نطاق الحدود الإقليمية لأي دولة أُخرى مـــــن دول الإتفاقية، وهو ما يُطلق عليه "شرط المعاملة بالمثل"، أما الشرط الثاني فهو: أنه لايمكن تطبيق الإتفاقية إلا على المنازعات التي تنشأ عن العلاقات القانونية التي تُعتبر في نظر ”القانون الداخلي“ للدولة المعنية من دول الإتفاقية "علاقات تجارية ، وهذا هو ما يُطلق عليه "الشرط التجاري“ .
وقد بلغ حالياً عدد الدول التي إتخذت شرط المعاملة بالمثل، سبعون دولة من دول الإتفاقية، في حين بلغ عدد الدول التي إتخذت الشرط التجاري، خمسة وأربعين دولة، ويتناول هذا المبحث الشروط التحفظية من حيث القانون»، والممارسة، كما يتعرض أيضاً للمشكلات التي تثيرهــا هذه التحفظات أمام المحاكم الوطنية ؛ وذلك كله في إطار النظر إلى مدى تأثير هـذه الشروط التحفظية على الاتساق والتوافق المرجوين في إطار تطبيق إتفاقية نيويورك.
وقد أدى ذلك فيما مضى إلى إحداث نوع من الخلط والإلتباس، حين تراءى خطاً لإحدى المحاكم، أنه مما يعد لازماً لموضوع النزاع ؛ بحث ما إذا كانت الولايات المتحدة، وألمانيا الغربية، باعتبارهما الدولتان اللتان ينتمي إليهما الخصوم قد إنضمتا إلى إتفاقية نيويورك.
شروط تطبيق شرط المعاملة بالمثل
الشرط الأول: أن تكون الدولة عضواً في إتفاقية نيويورك:
يُواجه تطبيق شرط المعاملة بالمثل العديد من الصعوبات، من بينها تحديد ما إذا كانت الدولـــة التي تم بها إصدار حكم التحكيم هي من الدول الأعضاء في إتفاقية نيويورك أم لا، وهذه الصعوبة قد تزول بمجرد زيارة الموقع الإلكتروني للجنة الأمم المتحدة للقانون التجاري الدولي UNCITRAL ، حيث يُمكن من خلاله الإطلاع بسهولة ويسر، ودون فرض أية رسوم، على قائمة شاملة بجميع الدول الأعضاء في الإتفاقية ؛ إلا أنه فيما يتعلق بتنفيذ حكم التحكيم، فإن هذا الإطلاع في حد ذاته قد لا يكون دليلاً كافياً ومعتبراً من الناحية القانونية، لإثبات ما إذا كانت الدولة المعنية عضواً في الإتفاقية . من عدمه.
ومثل هذه الشروط قد تؤدى إلى خلق إشكاليات وعقبات كبرى أثناء التنفيذ، وعلى سبيل المثال، ففي قضية .Sri Lanka Cricket v. World Sport Nimbus Pte Ltd
رفضت محكمة إستئناف ماليزيا، تنفيذ حكم التحكيم الصادر في سنغافورة“ مُقررةً أنه : "نظراً إلى أن ماليزيا قد أخذت بالشرط التحفظي الذي يقضي ! بالمعاملة المثل، وكان إنضمام سنغافورة ، إلى إتفاقية نيويورك لم يُعلن عنه في الجريدة الرسمية ؛ ومن ثم، فإنه لايمكن تطبيـق إتفاقية نيويورك على تنفيذ حكم التحكيم، بل يجب تطبيق القانون العام على إجراءات التنفيذ، أو أن يتم قيد "حكم التحكيم" في "المحكمة العليا بسنغافورة بوصفه "حكماً قضائياً، بحيث يطلب تنفيذ هذا الحكم باعتباره ره حكماً قضائياً أجنبياً».
الشرط الثاني: تحديد مكان صدور حكم التحكيم
من الإشكاليات الأخرى التي واجهت محاكم التنفيذ تلك المتعلقة بتحديد المكان الذي تم
فيه إصدار حكم التحكيم، ذلك أن التمسك ياعمال شرط المعاملة بالمثل» يُفضي إلى عدم تطبيق الإتفاقية على أحكام التحكيم التي تصدر في الدول غير المتعاقدة في الإتفاقية ؛ ولذلك فإن تلك المحاكم تكون معنية بتحديد مكان صدور حكم التحكيم، في ضوء أن "التحكيمات الدولية بكافة جوانبها ومراحلها عادةً ما تتحرك بين أكثر من دولة، ولا تنحصر في إطار دولة واحدة فقط.
وقد إعترف أعضاء مجلس اللوردات بأن القرار الذي توصلوا إليه قد أدى إلى إحـــــداث إشكالية قانونية“، باعتباره لا يتفق مع الأهداف التي كان الأطراف يسعون إليها، إلا أن أعضاء مجلس اللوردات“ مع ذلك وجدوا أنفسهم عاجزين عن التوصل إلى قرار بديل، نظراً لتقيــــدهـم بالتشريع السارى في ذاك الوقت.
وذكر مجلس اللوردات أنه : إذا كان التشريع قد طبق على أحكام التحكيم "التي إعتبرت أحكاماً صادرة في دولة من دول الإتفاقية ؛ فإنه يجوز إعتبار حكم التحكيم "حكماً إنجليزياً»، إلا أنه نظراً إلى أن التشريع ينطبق على أحكام التحكيم الصادرة في أي من دول الإتفاقية ؛ فإنه لا مفر من إعتبار حكم التحكيم حكماً فرنسياً .
كما أقر مجلس اللوردات بالطبيعة المربكة للنقاش في هذه القضية، حيـث أعلـــن اللورد Oliver- وأيده في ذلك باقى اللوردات بأن الأعمال التحضيرية لاتساعد في الواقع، وعلى وجه الخصوص، فإنها لم تشر إلى أى مكان يُمكن أن يستوفى فيه المعيار الجغرافى، ويُشكل إصدار حكم تحكيم .
إذا كانت هيئة التحكيم تتكون من ثلاثة محكمين وكان كُل منهم قد وقع على الحكم فى محل إقامته، فإن جنسية الحكم تتحدد بالتالى بالمكان الذي وقع فيه المحكم الثالث علـــى الحكم.
فإذا ماكان هذا المكان الذي صدر فيه الحكم، يقع في دولة ليست عضواً في إتفاقية نيويورك لعام ١٩٥٨، فلايجوز بالتالى الإعتراف به وتنفيذه في ظل قانون التحكيم الإنجليزي لعـــام ١٩٧٥ {قبل تعديله بالقانون الصادر في ١٩٩٦، في ضوء ماتسمح به المادة الأولى (۳) من الإتفاقية للدولة المصدقة عليها بإعلان أنها لن تطبق الإتفاقية إلا بالنسبة للإعتراف بأحكـام التحكيم الصادرة في آراضي دولة متعاقدة أخرى ولتنفيذ هذه الأحكام"، وأن المملكة المتحدة – مثلها في ذلك مثل غالبية الدول التي أصبحت أعضاءاً فى الإتفاقية – قد إستفادت من التحفظ القائم على المعاملة بالمثل.
ونستخلص مما تقدم أن مقر التحكيم، وليست الظروف العرضية في مكان توقيع حكـــم التحكيم - كما حدث فى هذه القضية - هو الذى يُحدد مكان صدور الحكم، ومع ذلك، فإنـه حتى عندما تنظر المحكمة إلى حكم التحكيم باعتباره حكماً صادراً في مقر التحكيم ؛ فإن تحديد هذا الموقع، الذي هو محل صدور حكم التحكيم، قد يظل إشكاليةً يصعب حلها، بحيث أنهــــا تخضع للجدل والخلاف.
وعلى سبيل المثال، ففى قضية .Scheepvaartkantoor Holwerda v. S.P.A Esperia di Navigazione حيث كان العقد المبرم بين الأطراف يتضمن شرطاً للتحكيم يقضي بإنعقاد التحكيم في مدينة جنوا ، الإيطالية، وقد جرت عباراته على النحو التالي: "أي نزاع ينشأ عن هذا العقد الحالي يُحال إلى التحكيم أمام غرفة التحكيم البحري، القاطنة في ٢٣ شارع هوسمان باريس .
ولاشك في أن شيوع مثل هذه الشروط المبهمة، يضع المحاكم الوطنية من قضية لأُخرى أمــام إشكاليات جمة تتعلق بالتفسير، مما قد يؤدى إلى تضارب التأويلات، في ضوء السلطة التقديرية للمحكمة في إعمال قواعد التفسير بحسب ظروف القضية المعروضة عليها، وهو ماصادفته المحكمة العليا الإيطالية مثلاً في هذه القضية حين قررت أنه لابد من تفسير هذا الشرط في إطار إقترانــــه بقواعد تحكيم غرفة التجارة الملاحية ؛ تلك القواعد التي تُجيز لهيئة التحكيم أن تؤدي مهمتها خارج فرنسا، وبناء عليه ؛ فقد قررت المحكمة أن مقر التحكيم هو باريس- فرنسا“.
وقياساً على ذلك، ذهبت محكمة إستئناف Hamm، في قضية Consultant v. Germay Company ، إلى أن "الإشارة غير الصحيحة لإسم مؤسسة التحكيم لايؤثر أيضاً على صحة شرط التحكيم، لأنه لم تكن هناك فى عام ۱۹۸۵ - فى وقت إبرام العقد – مؤسسة أخرى غير غرفة التجارة والصناعة في جنيف".
علاوة على ذلك ؛ قد تقود الخصائص المميزة للقانون المحلي إلى نتائج غير متوقعة، وعلى سبيل المثال ؛ ففـی قضية Bauhinia Corp. v.China Nat'l .Machinery&Equipment Imort & Export Corp، والتي أقيمت من إحدى الشركات في ولاية كاليفورنيا الأمريكية ضد إحدى الهيئات التجارية الحكومية الصينية، أمــام إحدى المحاكم المحلية الأمريكية، سعت الهيئة الصينية إلى إقامة التحكيم طبقاً لشرط التحكيم، الذي كان ينص على ما يلي: "في حالة ما إذا كانت هناك ضرورة لإقامة التحكيم، فإنه يُفترض إنعقاده في العاصمة الصينية بكين ؛ ثم تحال قضية النزاع إلى التحكيم أمام اللجنـــة المختـــصـة بالتحكيم فى التجارة الخارجية بالمجلس الصيني لتنمية التجارة الدولية في بكين، وفقاً للقواعــــد الإجرائية المؤقتة للتجارة الخارجية للجنة التحكيم بالمجلس الصينى لتنمية التجارة الدولية “.
ثم أضيف إلى هذا النص الصيغة التالية : "وفي حالة ما إذا لم يتحدد الموقع الذي ينعقد فيه التحكيم {وتركت الخانة المخصصة لتحديد هذا الموقع فارغة دون ملء البيان الخاص بها، يقــــوم كل طرف من طرفي النزاع بتعيين واحد من المحكمين، ثم يقوم كُل من هذين المحكمين بتعيين شخص ثالث ليكون هو الحكم المرجح، بحيث يُشكلوا جميعاً هيئة التحكيم“.
إلا أن المحكمة المحلية ،الأمريكية، وأيدتها في ذلك محكمة الإستئناف، إشترطتا على الخصوم إقامة التحكيم في ولاية كاليفورنيا طبقاً للقواعد المقررة في المركز الدولي لتسوية المنازعات ICDR، إستناداً إلى أنه وفقاً للقوانين الأمريكية المطبقة في هذا الشأن ؛ فإن المحكمة لاتملك سلطة القيام بتعيين هيئة أجنبية، في حالة قصور إتفاق التحكيم عن تحديد مقر التحكيم على نحو صريح ومحدد، وإذ تبين للمحكمة أن إتفاق التحكيم جاء غامضاً في هذا الشأن ؛ فقد خلصت إلى أن الموقع الوحيد الذي يمكن أن يتم فيه إنعقاد التحكيم هو المنطقة الشرقية بولاية كاليفورنيا.
بعض الإشكليات المتعلقة بتطبيق مبدأ المعاملة بالمثل
هناك بعض الإشكاليات التى تتعلق بتطبيق شرط المعاملة بالمثل منها ما يتصل بسريان الإتفاقية بأثر رجعى، ومنها ما يتعلق بعدم وجود تشريع للتطبيق، ونعرض لكل منهما في بندِ مُستقل علـــى النحو التالي.
أولاً : السريان بأثر رجعي Retroactivity :
من العقبات التي يُمكن مواجهتها أيضاً عند النظر بوجه عام في نطاق تطبيق إتفاقية نيويورك ؛ هي تحديد ما إذا كانت الإتفاقية تُطبق بأثر رجعي.
إلا أن محكمة الاستئناف ألغت لاحقاً هذا الحكم ، مؤكدةً على أن قانون التحكيم ينطبق على أي حكم تحكيم يُصدر في أي دولة من دول الإتفاقية، وقتما يتم إصداره فيها، حيث أنه في تعريف حكم التحكيم الخاضع للإتفاقية وردت عبارة: حكم التحكيم الذي تم إصداره ؛ وهذه العبارة لاتدل على ترتيب زمني للأحداث، بل على تسلسل جغرافي ، بمعنى أنها لاتُشير إلى التاريخ الذي أصبحت فيه الدولة طرفاً في الإتفاقية، بل تُشير ببساطة إلى ما إذا كان حكم التحكيم قد صدر في دولة من دول الإتفاقية، وقد وافق مجلس اللوردات محكمة الإستئناف على هذا الحكم.
لذلك فإنه من المؤسف أن المكلفين بصياغة الإتفاقية، لم يضعوا نصاً بخصوص الأثر الرجعي المواجهة الحالات السابقة، والذي من خلاله كان من الممكن تلافي العديد من الأحكام المخيبــة للآمال التي أشرنا إليها سلفاً.
ثانياً : عدم وجود تشريع للتطبيق :
من الإشكاليات الأخرى التي صادفت المحاكم الوطنية عند تطبيق إتفاقية نيويورك، تلك المتعلقة بعدم وجود تشريع للتطبيق Lack Of Implementing Legislation في الدول الأعضاء في الإتفاقية، ذلك أن الإتفاقيات الدولية لاتكون عادةً نافذة المفعول لدى بعض الدول، بموجب أنظمتها الدستورية، إلا بعد قيامها بسن تشريع تنفيذى يُضفى عليها الصفة الشرعية، وهو ما أثار بعض الصعوبات فيما يتعلق بتطبيق إتفاقية نيويورك، لدى الدول التي لم تقم بهذا الإجراء.
وهذه النتيجة التي تُجسدها الحالة الأخيرة، يُمكن أن تُقيم المسئولية الدولية قبل هذه الدولة، لعدم قيامها بتطبيق إتفاقية نيويورك، على الرغم من إنضمامها إليها، ووجود التشريع المنفذ لها على أراضيها بالفعل.
التحفظ التجاري
ينص "الشرط التحفظي التجاري - الوارد في المادة (۱(۳) من إتفاقية نيويورك علــى مــا يلي: ".. ويجوز لها أيضاً أن تُعلن أنها لن تُطبق الإتفاقية إلا بالنسبة للخلافات الناشئة عن علاقــــات قانونية، تعاقدية أو غير تعاقدية، وتُعتبر علاقات تجارية بموجب القانون الوطني للدولة التي تصدر هذا الإعلان .
ويبلغ حاليا عدد الدول التي إستخدمت الشرط التجاري ٤٥ دولة (خمسة وأربعون) من بين إجمالي عدد الدول الأعضاء في الإتفاقية وهو ١٤٦ دولة (مائة وست وأربعون) .
المناهج المتبعة في تفسير الشرط التجاري
تنتهج المحاكم الوطنية مناهج عدة فى تفسيرها للشرط التجارى ففى حين تأخذ بعض المحاكم بالمنهج الضيق في تفسيرها لهذا الشرط، نجد أن البعض الآخر من المحاكم، يتجه إلى الأخذ بالمنهج الموسع، بحيث تعطى هذا الشرط مفهوماً واسعاً بما يتجاوب مع متطلبات التجارة الدولية، وبمــا يتسق أيضاً مع أهداف إتفاقية نيويورك، ونعرض لكلا المنهجين على النحو التالي.
ففي إثنتين من القضايا التي تولت المحكمة العليا بمدينتي بومباي، وكلكتا الهندية الفصل فيهما، إستخدم الشرط التجاري كأداة لمنع تطبيق إتفاقية نيويورك، حيث كانت القضية الأولى“ تتعلق بتراع حول بناء مصنع لإنتاج البوليستر، ونقل المعرفة الفنية ، المرتبطة بذلك، بينما كانت ”القضية الثانية» تدور حول نزاع بشأن شراء وبيع الزيوت والمواد المستخلصة من الفول السوداني".
واللافت للنظر، أنه وعلى الرغم من من المحكمة العليا في Bombay و Kalcutta، أن كلاً . قد أقرتا في هاتين القضيتين ؛ بأن العلاقات التي نشأ عنها هذين النزاعين تحملان الصفة التجارية، إلا أنهما قد خلصتا مع ذلك، وإستناداً إلى قانون التحكيم الهندي لسنة ١٩٦١، إلى القول بأن إتفاقية نيويورك لا تُطبَّق إلا على "العلاقات القانونية سواء كانت تعاقدية أو غير تعاقديـــة باعتبارها علاقات تجارية بمقتضى القانون الساري في الهند“.
ورتبت المحكمة على ذلك، أن المنازعات الخاصة بالإنشاءات لم ترد في هذه القائمة ؛ وبالتالى فإن حكم التحكيم لايمكن تنفيذه، علاوة على ذلك، فقد قررت المحكمة أنه طالما لاتوجد إشارة صريحة في أي نص قانوني إلى النشاط الذي يوصف بكونه تجارياً - حتى وإن كانت لا توجد علاقة تربط بين النص والنشاط - فإنه لايمكن تطبيق إتفاقية نيويورك.
على الرغم من الأحكام التي إستعرضناها آنفاً ؛ إلا أن هناك محاكم أخرى تعطي لمصطلح تجاري“ تفسيراً واسع النطاق، بحيث يأخذ العديد منها بالتعريف الوارد في القانون النموذجي لهذا المصطلح، بينما يتجاوز البعض الآخر من : تلك المحاكم هذا التعريف إلى حد بعيد متسع النطاق، لم يذهب إليه القانون النموذجي ذاته في تعريفه لمصطلح تجاري“.
ومن ثم ؛ خلصت المحكمة إلى أن الصفقة المبرمة بين الطرفين تحمل خصائص وسمات
المعاملات بما يؤهلها لأن تتصف بالصفة التجارية التي تجعلها تندرج ضمن نطاق تطبيق القانون النموذجي".
من المسائل المثيرة للإهتمام، تلك الخاصة بالعلاقة بين الشرط التجفظى التجارى، والشرط التحفظي العام الخاص بالمعاملة المثل" المنصوص عليه في المادة (١٤) من إتفاقية نيويورك ، وقد عُرضت هذه المسألة في سياق قضية Fertilizer Corporation Of India et al. v .IDI Management,Inc على المحكمة المحلية لولاية Ohio الأمريكية، وإستناداً إلى المادة – سالفة الذكر – طلب المدعى عليه في هذه القضية، رفض تنفيذ حكم التحكيم الصادر في الهند، مُعَلِّلاً ذلك بأن المحاكم الهندية كانت قد رفضت تنفيذ هذا الحكم ذاته بإستخدام الشرط التجاري،بزعم أن هذا الحكم قد صدر في الولايات المتحدة ،وبذلك، فإنه وإعمالاً للمادة (١٤) يكون قد توافر للمحكمة المحلية بولاية Ohio ما يُسوغ قانوناً رفض تنفيذ حكم التحكيم الصادر في الهند، إلا أن المحكمة الأمريكية رفضت الأخذ بهذه الحجة مُقررةً أن الإعتبارات الخاصة بشرط المعاملة بالمثل، لا تنطبق على التحفظ التجاري
كما ذهبت إحدى المحاكم الكندية فى قضية M.A.Industries, Inc. v. Maritime Battery Ltd إلى تفسير المادة (1) من الإتفاقية بشكل ضيق ومحدود، حيث قضت بأنه: على الرغم من أن المادة (١٤) تنص على أنه : لا يحق لأية دولة أن تستخدم هذه الإتفاقية في مواجهة أى دولة مُتعاقدة أُخرى إلا بقدر إلتزامها هي بتطبيق الإتفاقية ؛ إلا أنه لا يعني في قضيتنا هذه الدول المتعاقدة، بقدر ما يعني إثنتين من المؤسسات التجارية الخاصة“.
ولاشك أن هذا الرأي الأخير يُشير إلى إتساع نطاق تطبيق المادة (١٤) إلى الحد الذي قــــد يتجاوز القواعد القانونية الصارمة التي تقضي برفض التنفيذ لإعتبارات سياسية تتوقف على الجنسية التي يحملها الخصوم المعنيون، وحتى ولو كان إعمال المادة (١٤) محكوم بقواعد قانونية، فإن نطاق سريانها يمكنه . مع ذلك أن يظل واسع المدى، بحيث يُمكن تطبيق هذه المادة لتبرير رفض تطبيق الإتفاقية على أحكام التحكيم الصادرة في الدول غير الأعضاء في الإتفاقية، حتى وإن كـــان شرط المعاملة بالمثل الوارد في المادة (۱(۳) لم يتم إتخاذه من قبل إحدى الدول الأعضاء.
ولذلك، فإن الحل عند وضع إتفاقية جديدة تتجاوز السلبيات التى أسفر عنها التطبيق العملى للإتفاقية بالنسبة للشروط التحفظية، يكمن في العودة إلى المشروع الذي كانت قد تقدمت به غرفة التجارة الدولية، والذى كان قد دعى إلى تطبيق الإتفاقية على أحكام التحكيم الصادرة خارج الدولة – بغض النظر عما إذا كانت قد صدرت فى إحدى الدول الأعضاء أم لا.
الخلاصة :
أثارت الشروط التحفظية المتاحة للدول الأعضاء في إتفاقية نيويورك، أمام المحاكم المحلية بوجه عام ، وعلى نحو ما تقدم بعضاً من الإشكاليات التي قد تعوق نجاح الإتفاقية، فبينما تواجــــه المحاكم القضائية صعوبات تتعلق بقضايا مثل السريان بأثر رجعي ؛ تظهر في عدد آخــر مـن القضايا، إشكاليات أُخرى مثل عدم وجود تشريع للتطبيق، وتحديد مكان صدور حكم التحكيم، والدور الذي يُمكن أن تلعبه المادة (١٤) ، بالإضافة إلى المشكلات الغير بعيدة الإحتمال، أو الغير مرغوب في ظهورها مُستقبلاً، في ظل تنامى عدد الدول الأعضاء في الإتفاقية – وأغلبها من الدول التجارية الكبرى ؛ ووجود عدد آخر غير قليل لم ينضم بعد للإتفاقية ، وهو مايُرجح قيــــام الإحتمال بصدور حكم تحكيم في دولة غير مُشاركة في الإتفاقية. وبالتالي، فإن فعالية شرط المعاملة بالمثل يُمكن أن تؤدى إلى إعاقة تنفيذ أحكام التحكيم الأجنبية
وبالنسبة للشرط التجاري، فإن بعض المحاكم الوطنية وكما رأينا سلفاً مازالت تنتهج - على خلاف ماتتبعه محاكم أُخرى – نهجاً مُقيداً في تطبيقها لهذا الشرط، بما قد يرشح لشيوع هذا الأسلوب، فضلاً . عن تعدد التفسيرات التي تتبعها بعض المحاكم مما يؤثر على مصداقية العدالة الدولية، وهو مايُشير إلى أن الشروط التحفظية مُمثلة في شرط المعاملة بالمثل والشرط التجاري
- وفى ظل غياب آلية مركزية موحدة لضبط الإعتراف والتنفيذ . ، قد تفضى إلى الحد من الإتساق والفعالية المرجوين في تطبيق إتفاقية نيويورك على الإعتراف بأحكام التحكيم الأجنبية وتنفيذها، بما يؤدى إلى إنحسار الحماية الدولية عن أحكام التحكيم الصحيحة.