تنفيذ أحكام التحكيم الاجنبية وفقاً لاتفاقية نيويورك
فاتفاقية نيويورك تتسم بطابع عالمى وليس طابع أقليمي وهـو مــا يميزها مثلاً عن اتفاقية جنيف ١٩٦١ والتي تقتصر على الدول الأوربية، كما أنها تختلف مثلا عن اتفاقية جامعة الدول العربية ١٩٥٢ والتي يقتصر الانضمام إليها على الدول العربية فقط.
وبالإضافة لما سبق جميعه، فإن اتفاقية نيويورك تتميز عن غيرها من الاتفاقيات الدولية الخاصة بتنفيذ الأحكام الأجنبية – بالآتي:
أ - ملاءمة الاتفاقية لظروف كل دولة :
يقضى البند الثالث من المادة الأولى من الاتفاقية بأن لكل دولة عند التوقيع على الاتفاقية أو التصديق عليها أو الانضمام إليها أو تطبيق الاتفاقية على الاعتراف وتنفيذ أحكــام المحكمين الصادرة على إقليم دولة أخرى متعاقدة. كما أن للدولة أن تصرح أيضاً بأنها ستقصر تطبيق الاتفاقية على المنازعات الناشئة عن روابط القانون التعاقدية أو غير التعاقدية التي تعتبر تجارية طبقاً لقانونها الوطني.
وهكذا فإنه يجوز لأية دولة عند التصديق على الاتفاقية أو الانضمام إليها أن تعلن أنها سوف لا تلتزم بتطبيق أحكام الاتفاقية إلا إذا كـــان قـرار التحكيم المطلوب منها تنفيذه صادراً في دولة متعاقدة.
ب- عدم مصادرتها لأية تيسيرات أكثر سخاء تقرها إتفاقيات أو تشريعات أخرى أبرمتها أو ستبرمها إحدى الدول المتعاقدة:
إذا وقعت احدى الدول الموقعة على اتفاقية نيويورك على معاهدة أخرى جماعية كانت أم ثنائية، أو وضعت تشريعاً تحكيمياً وطنياً يخفف من الشروط التي تتطلبها الاتفاقية لتنفيذ أحكام التحكيم فإنه لا يجوز لهـا رفض الاعتراف باتفاق التحكيم أو حكم التحكيم استناداً إلى تخلف أحد الشروط الواردة فى اتفاقية نيويورك طالما أن المعاهدة الأخرى التي وقعت عليهـا أو التشريع الآخر الذي وضعته لا يتطلب توافر الشرط الناقص.
ج - إعفاء طالب التنفيذ من عبء الإثبات:
أصبح حكم التحكيم الدولي يحمل دليل صحته دون حاجة لإخضاعه لشكليات أو مصادقات.... ألخ . وبذلك تكون قد أزاحت عقبة كانت تقف عثرة فـــــي طريق طالب التنفيذ حيث جعلت الأصل هو قابلية الحكم للتنفيذ مفترضة توافر كافة الشروط اللازمة لتنفيذه وألقت على عاتق من يريد المعارضة في التنفيذ عبء إثبات إحدى حالات الرفض التي حددتها على سبيل الحصر.
د - تقليص اتفاقية نيويورك للعديد من الشكليات التي استلزمتها اتفاقيات أخرى:
قلبت اتفاقية نيويورك الموازين رأساً على عقب وأصبح بإمكان من صدر لصالحه حكم التحكيم في دولة ويريد تنفيذه في دولة أخرى أن يتقدم بهذا الحكــم مجرداً من أية صيغة تنفيذية إلى الجهة المختصة بمنح الأمر بالتنفيذ في الدولـــة التي سيجرى التنفيذ على إقليمها حيث تكون الأخيرة ملزمة بمنحه الأمر بالتنفيذ طالما كان برفقته بقية المستندات المطلوبة ولم يثبت المنفذ ضده أو المحكمة نفسها قيام حالة من حالات الرفض التي عددتها الاتفاقية على سبيل الحصر.
هـ - تقريب اتفاقية نيويورك بين قواعد تنفيذ أحكام التحكيم الوطنية وأحكام التحكيم الأجنبية:
ذلك لأن الفقرة الثانية من المادة الثالثة التى تقضى بأنه لا تفرض للاعتراف أو تنفيذ أحكام المحكمين التي تطبق عليها أحكام الاتفاقية الحالية شروط أكثر شدة ولا رسوم قضائية أكثر ارتفاعاً بدرجة ملحوظة من تلك التي تفرض للإعتراف وتنفيذ أحكام المحكمين الوطنية.
و - إسناد اجراءات التنفيذ لقانون القاضي:
النطاق الموضوعي لسريان أحكام اتفاقية نيويورك
أن معاهدة نيويورك للاعتراف بأحكام المحكمين أو تنفيذها تسرى في حالتين :
الحالة الأولى: إذا كان حكم المحكمين المراد الاعتراف بـه أو تنفيذه قـــد صدر في إقليم دولة ويراد الاعتراف به أو تنفيذه في إقليم دولة أخرى.
كما تسرى المعاهدة كأصل عام على أحكام المحكمين التي تكون صادرة في منازعات بين أشخاص طبيعية أو معنوية أياً كانت طبيعة المسائل التي نشأت هذه المنازعات بسببها، وسواء كانت هذه المسائل ذات طبيعة مدنية أو تجارية. ومع ذلك فإنه يجوز للدولة المتعاقدة أن تقصر تطبيق القواعد الواردة في الاتفاقية على المنازعات الناشئة عن روابط القانون التعاقدية أو غير التعاقدية التي تعتبر تجارية وفقا لقانونها الوطني.
الحالة الثانية سريان أحكام معاهدة نيويورك على حكم المحكمين غيـر الوطني بالنسبة للدولة المطلوب إليها الاعتراف به أو تنفيذه:
واستناد المعاهدة إلى هذا المعيار السلبي، وإن كان يعطى لكل دولة أن تحدد وفقاً لقواعد القانون الدولى الخاص السائدة فيها، متى يعد حكم المحكمين أجنبياً بالنسبة لها، فإنه يطرح التساؤل التالي: ما هي المعايير التي وفقاً لهـا يعـــد حكم المحكمين حكماً أجنبياً ؟ من المسلم به أن حكم المحكمين يعد أجنبياً إذا كان قد صدر في إقليم دولة أخرى غير الدولة المطلوب إليها الاعتراف أو تنفيذه. وأياً ما كانت الانتقادات التي توجه إلى مكان صدور التحكيم، كمعيار لتحديد الصفة الأجنبية لحكم المحكمين، ومن ضرورة اقتران هذا المعيار بمعيار آخر، فإن الحقيقة التي لا تقبل الجدل هى أن معاهدة نيويورك قد تبنت هذا المعيار، وبناء على ذلك فإن حكم المحكمين الصادر في دولة غير تلك المطلوب إليها الاعتراف به أو تنفيذه، بعد حكماً أجنبياً بالنسبة لهذه الأخيرة.
ومتى توافرت إحدى حالتى سريان الاتفاقية فإن ذلك يضع على عاتق الدولة المتعاقدة الالتزام بالاعتراف وتنفيذ أحكام المحكمين وذلك حسبما نصت عليه المادة الثالثة من اتفاقية نيويورك .
الحالات التي يجوز فيها رفض الاعتراف بحكم التحكيم الأجنبي:
نصت المادة الخامسة من اتفاقية نيويورك على عدة حالات يمتنع فيها على الدولة تنفيذ حكم التحكيم إذا أقام المحكوم ضده بإثبات إحداها نذكر من هذه الحالات:
١ - إنعدام أهلية الأطراف:
يجب رفض الاعتراف بحكم التحكيم الأجنبى وتنفيذه، إذا قدم الخصم الذي يحتج عليه بالحكم ، ما يثبت أن أطراف التحكيم كانوا طبقاً للقانون الذي ينطبق عليهم - وهو عادة القانون الشخصي - عديمي الأهلية.
وقد تضمن القانون النموذجي للتحكيم التجارى الدولى في المادة ٢٦ منه، أن رفض التنفيذ مؤسس على أن أحد طرفي التحكيم مصاب بأحــد عـوارض الأهلية، وهو تعبير أفضل، لأنه يتسع ليشمل نقص الأهلية.
2- عدم صحة اتفاق التحكيم :
يجب رفض الاعتراف بحكم التحكيم الأجنبى وتنفيذه إذا قدم الخصم الذي يحتج عليه بالحكم، ما يثبت أن اتفاق التحكيم قد شابه عيب يمس صحته وفقاً لقانون الإرادة، أو قانون البلد الذي صدر فيه حكم التحكيم عند تخلف قانون الإرادة.
وفى هذا ذهبت محكمة النقض إلى: فإذا كان الطاعنان قد تمسكا بعدم جواز تنفيذ حكم المحكمين بمقولة إن عقد الإيجار التمويلى الذى تضمنه شرط التحكيم مخالف لقانون التحكيم السويدي بوصفه القانون الذي اختاره الأطراف ليحكم العقد الأصلي، الوارد اتفاق التحكيم ضمن بنوده وذلك طبقاً للمادة ١/٥ مـــن اتفاقية نيويورك، ولم يقدما الدليل على القانون السويدى المشار إليه، حتى تتبين المحكمة، على هدى من قواعده، مدى صحة هذا الادعاء، خلافاً للأصل الذى يفترض في حكم المحكمين الأجنبي صوره استناداً إلى اتفاق تحكيمي تتوافر لــــه مقومات وجوده وصحته قانوناً. ومن ثم فإن حكم التحكيم وقد خلص إلى الاعتداد بوجود الاتفاق على التحكيم معولاً ذلك على شرط التحكيم المدرج بعقد الإيجار التمويلي، فإنه يكون قد أصاب صحيح القانون في نتيجته."
(نقض مدنی ۱۹۹٦/٣/٢٧ الطعن رقم ٢٦٦ لسنة ٥٩ ق)
3- الإخلال بحقوق الدفاع:
يجب رفض الاعتراف بحكم التحكيم الأجنبى وتنفيذه إذا قدم الخصم المطلوب التمسك ضده بالحكم ، الدليل على أنه يعلن اعلاناً صحيحاً بالحضور، وبالجلسة المحددة للتحكيم، أو بتعيين المحكم، أو بإجراءات التحكـيم أو استحال عليه لسبب أو لآخر أن يقدم دفاعه.
4- مخالفة تشكيل هيئة التحكيم أو إجراءات التحكيم
يجب رفض الاعتراف بحكم التحكيم الأجنبى وتنفيذه، إذا قدم الخصم الذي يحتج عليه بالحكم ، ما يفيد أن تشكيل هيئة التحكيم أو إجراءات التحكيم مخالف لقانون الإرادة، أو مقر التحكيم عند تخلف قانون الإرادة.
وقد ردد القانون النموذجى هذا المبدأ كمانع من موانع التنفيذ.
5 - رفض تنفيذ حكم التحكيم إذا لم يصبح بعد ملزماً أو أبطل أو أوقف تنفيذه:
فوفقاً لذلك أن هناك حالتان الحالة الأولى هي أن يكون حكم التحكيم لــــم يصبح بعد ملزماً للأطراف وجدير بالذكر أنه تختلف معاهدة نيويورك عن معاهدة جنيف الموقعة سنة ۱۹۲۷ والخاصة بأحكام التحكيم من أوجه عديدة، في مقدمتها أن معاهدة جنيف كانت تشترط لتنفيذ حكم التحكيم أن يكون هذا الحكم نهائيا فـــــي الدولة التي صدر فيها، أى لا يقبل المعارضة أو الاستئناف أو الطعن بالنقض. بينما لا تتطلب معاهدة نيويورك سوى أن يكون هذا الحكم ملزماً لأطرافه، هذا من ناحية.
أما الحالة الثانية فهي رفض تنفيذ حكم التحكيم الذي قضى ببطلانه وفقـــاً لقانون دولة المقر التي صدر فيها حكم التحكيم.