تنفيذ أحكام التحكيم الأجنبية وفقاً لاتفاقيتي نيويورك والرياض
التنفيذ بموجب اتفاقية نيويورك ۱۹۸۵م
خلفية موجزة :
أخذ كبار الحقوقيين في العالم يبحثون عن تحقيق خطوة تالية بعد القافية جنيف لسنة ١٩٢٧ م على طريق المتحكيم التجاري الدولي تعفي سلطان الإرادة في هذا التحكيم من القيود التي يفرضها التحكيم الداخلي في كل بلد.
ولتحقيق هذه الغاية ومن أجل وضع قواعد دولية جديدة تسهل الاعتراف بأحكام التحكيم وتعجل في تنفيذها، تبنى المجلس الاقتصادي والاجتماعي التابع لهيئة الأمم المتحدة مشروعاً جديداً الاتفاقية دولية وقرر في عام ١٩٥٦ عقد مؤتمر دولي لإقرار اتفاقية دولية جديدة حول الاعتراف وتنفيذ أحكام التحكيم الأجنبية بدلاً من اتفاقية تنفيذ أحكام التحكيم الأجنبية ( جنيف ۱۹۲۷).
وانعقد المؤتمر في نيويورك بتاريخ ۳۰ آذار مارس عام ١٩٥٨ وخلصت مناقشات المشاركين القانونيين ومندوبي الدول في ١٠ حزيران يونيو ۱۹۵۸ إلى إقرار اتفاقية جديدة بشأن الاعتراف وتنفيذ أحكام التحكيم الأجنبية والمعروفة باسم " اتفاقية نيويورك ١٩٥٨ ". وبتاريخ ١٩٥٩/٦/٧ دخلت الاتفاقية حيز التنفيذ.
لقد لاقت اتفاقية نيويورك إقبالاً واسعاً للانضمام إليها من مختلف البلدان حيث بلغ عدد الدول الأعضاء في هذه الاتفاقية حتى نهاية عام ۲۰۱٤ م (١٥٤) دولة من مختلف قارات العالم .
نطاق تطبيق الاتفاقية
تطبق اتفاقية نيويورك بمقتضى المادة (1/1) منها على الاعتراف بأحكام التحكيم وتنفيذها والتي صدرت في أراضي دولة غير الدولة التي يطلب منها الاعتراف بهذه الأحكام وتنفيذها فيها، ومتى كانت ناشئة عن خلافات بين أشخاص طبيعيين أو اعتباريين.
ولا تشترط الاتفاقية أن يكون حكم التحكيم المطلوب الاعتراف به وتنفيذه قد صدر على تراب دولة متعاقدة أو غير متعاقدة على أنه يجوز لأي دولة عند انضمامها للاتفاقية أن تعلن وفقاً اللمادة (۳/۱) أنها لن تطبق الاتفاقية إلا بالنسبة للاعتراف والتنفيذ الأحكام التحكيم الصادرة في أراضي دولة متعاقدة أخرى.
والاتفاقية كذلك لم تشترط أن يكون النزاع تجارياً وفقاً للقانون الوطني للدولة المنضمة إليها... إلا أن الاتفاقية أيضاً أجازت في الفقرة (۳) من المادة الأولى للدولة عند انضمامها إليها أن تعلن أنها لن تطبيق الاتفاقية إلا بالنسبة للخلافات الناشئة عن علاقات قانونية، تعاقدية أو غير تعاقدية، وتعتبر علاقات تجارية بموجب القانون الوطني للدولة التي تصدر هذا الإعلان أو التحفظ.
وتطبق كذلك الاتفاقية على أحكام التحكيم التي لا تعتبر أحكام تحكيم وطنية في الدولة التي يطلب فيها الاعتراف بهذه الأحكام وتنفيذها.
وبموجب الفقرة (۲) من المادة الأولى، فإن أحكام التحكيم ليست فقط الأحكام الصادرة من محكمين معينين لحل النزاعات في حالات محددة، ولكنها تشمل أيضاً الأحكام التي تصدرها مؤسسات أو هيئات تحكيم دائمة يحتكم إليها الأطراف.
وبذلك تسري اتفاقية نيويورك على أحكام التحكيم سواء كان الحكم صادراً في الحكيم مطلق (AD HOC) أو في تحكيم مؤسسي تتولاه مؤسسة أو مركز تحكيم دائم.
اتفاق التحكيم بموجب الاتفاقية :
تقضي الاتفاقية في المادة الثانية منها أن يكون اتفاق التحكيم الذي صدر بشأنه حكم التحكيم المطلوب الاعتراف به وتنفيذه مكتوباً بصدد منازعات ناشئة عن علاقة قانونية تعاقدية أو غير تعاقدية، تتصل بموضوع يمكن تسويته عن طريق التحكيم.
ويشمل مصطلح اتفاق تحكيم مكتوب بموجب الاتفاقية أي شرط التحكيم يرد في عقد أو أي اتفاق الحكيم موقع عليه من الطرفين أو وارد في رسائل أو برقيات متبادلة.
وتوجب الفقرة (۳) من المادة الثانية على المحكمة المختصة في الدولة المتعاقدة التي يرفع أمامها نزاع في موضوع أبرم الطرفان بشأنه اتفاق على إحالته للتحكيم، أن الجيل الخصوم إلى التحكيم بناء على طلب أحد الطرفين، ما لم يتبين للمحكمة أن هذا الاتفاق لاغ أو باطل أو غير قابل للتطبيق.
تطبيق قواعد المرافعات على التنفيذ .
تنص اتفاقية نيويورك في المادة الثالثة منها على أن تعترف الدول المتعاقدة بحجية حكم التحكيم، وتأمر بتنفيذه طبقا للقواعد الإجرائية المتبعة في الإقليم المطلوب إليه التنفيذ. وبذلك تكون اتفاقية نيويورك قد أحالت تنفيذ حكم التحكيم الأجنبي إلى قواعد المرافعات في بلد التنفيذ... ولكنها أضافت إلى ما كان عليه الحال في اتفاقية جنيف ۱۹۲۷م تكملة أساسية وجوهرية وفرت لحكم التحكيم الدولي فرصاً أفضل للتنفيذ، حين نصت في المادة الثالثة منها بأن " لا تفرض للاعتراف أو تنفيذ أحكام المحكمين التي تطبق عليها أحكام الاتفاقية الحالية شروطاً أكثر شدة ولا رسوماً قضائية أكثر ارتفاعاً بدرجة ملحوظة من تلك التي تفرض للاعتراف وتنفيذ أحكام المحكمين الوطنيين ".
قواعد تنفيذ أحكام التحكيم الأجنبية تتداخل بين القانون الداخلي واتفاقية نيويورك بالنسبة للدول الأطراف فيها، وفي حالة التعارض تطبق القواعد الواردة في الاتفاقية لأنها تسمو على القواعد المنصوص عليها في القانون الداخلي... كما أشرنا إلى أن مصر تعتبر عضواً في اتفاقية نيويورك، ولذلك قضت محكمة النقض المصرية بأنه " وإعمالاً لنص المادة الثالثة من معاهدة نيويورك والمادة (۲۳) من القانون المدنى التي تقضي بأولوية تطبيق أحكام المعاهدة الدولية النافذة في مصر إذا تعارضت مع تشريع سابق أو لاحق والمادة (۳۰۱) من قانون المرافعات فإنه يستبعد في النزاع المطروح تطبيق قواعد تنفيذ الأحكام والأوامر الصادرة في بلد أجنبي الواردة في قانون المرافعات المدنية والتجارية باعتبارها أكثر شدة من تلك الواردة في قانون التحكيم رقم (٢٧) لعام ١٩٩٤م ويكون القانون الأخير وبحكم الشروط التي تضمنتها معاهدة نيويورك لعام ١٩٥٨ التي تعد تشريعاً نافذاً في مصر لا يحتاج تطبيقه لاتفاق أولي بالتطبيق باعتباره تضمن قواعد إجرائية أقل شدة من تلك الواردة في القانون الأول ". والملاحظ إن اتفاقية نيويورك وهي نقر بتنفيذ الأحكام التحكيمية الأجنبية وفقاً للقواعد المرافعات المطبقة في البلد المطلوب التنفيذ فيه، إنما تكون قد حالت بهذا النص أي تفريق بين حكم التحكيم الأجنبي وحكم التحكيم الداخلي.. فوجود هذا النص الذي أصبح يطبق على حكم التحكيم الداخل هو نفس ما يطبق على حكم التحكيم الأجنبي من قواعد للتنفيذ... أي أن اتفاقية نيويورك حققت مساواة أحكام التحكيم الداخلية بأحكام التحكيم الأجنبية.
طلب الاعتراف بحكم التحكيم الأجنبي وتنفيذه:
لصاحب المصلحة في الاعتراف بحكم التحكيم وتنفيذه، الحق في أن يتقدم بطلب مكتوب للمحكمة المختصة التي يحددها قانون الدولة المتعاقدة المطلوب منها الاعتراف بالحكم وتنفيذه.... وتختلف المحكمة المختصة باختلاف الدول، كما تختلف الأنظمة القانونية والإجرائية من دولة إلى أخرى في مسألة التعامل مع طلب الاعتراف بالحكم وتنفيذه... فبعض الأنظمة تتعامل مع الطلب وفقاً لإجراءات الأوامر على عرائض، في حين نجد بعض الأنظمة تطبق على الطلب إجراءات رفع الدعوى العادية.
ويرفق بالطلب وفقاً للمادة الرابعة من الاتفاقية :
أ- أصل حكم التحكيم مصدقاً عليه حسب الأصول المتبعة، أو نسخة من الحكم تكون معتمدة حسب الأصول المتبعة.
ب- أصل اتفاق التحكيم الذي بموجبه تم حسم النزاع أو صوره من هذا الاتفاق تكون معتمدة حسب الأصول.
ج - ترجمة معتمدة للحكم ولاتفاق التحكيم إذا كانا بلغة غير اللغة الرسمية للدولة التي يحتج فيها بحكم التحكيم.
شروط تنفيذ حكم التحكيم الأجنبي بموجب الاتفاقية :
وفقاً للفقرة (۱) من المادة الخامسة، لا يجوز للمحكمة التي قدم إليها الطلب أن ترفض الاعتراف بحكم التحكيم الأجنبي والأمر بتنفيذه، بناء على طلب الخصم المطلوب تنفيذ الحكم ضده، إلا إذا قدم هذا الطرف إلى المحكمة المختصة التي يطلب إليها الاعتراف والتنفيذ ما يثبت أيا من الحالات الآتية:
أ- أن طرفي اتفاق التحكيم كانا طبقاً للقانون الذي ينطبق عليهما في حالة من حالات انعدام الأهلية أو أن الاتفاق المذكور غير صحيح وفقاً للقانون الذي أخضع له الطرفان الاتفاق أو عند عدم النص على ذلك طبقاً لقانون البلد الذي صدر فيه الحكم أو؛
ب - أن الخصم المطلوب تنفيذ الحكم عليه لم يعلن إعلاناً صحيحاً بتعيين المحكم أو بإجراءات التحكيم أو كان من المستحيل عليه لسبب آخر أن يقدم دفاعه أو؛
ج - أن الحكم فصل في نزاع غير وارد في مشارطة التحكيم أو في عقد التحكيم أو أن هيئة التحكيم تجاوزت اختصاصها فيما قضت به ومع ذلك يجوز الاعتراف وتنفيذ جزء من الحكم الخاضع أصلاً للتسوية بطريقة التحكيم إذا أمكن فصله عن باقي أجزاء الحكم غير المتفق على حلها بهذا الطريق أو
د- أن تشكيل هيئة التحكيم أو أن إجراءات التحكيم مخالف لما اتفق عليه الأطراف أو لقانون البلد الذي تم فيه التحكيم في حالة عدم الاتفاق أو ؛
هـ - أن الحكم التحكيمي لم يصبح ملزماً للخصوم أو ألغته أو أوقفته السلطة المختصة في البلد التي فيها أو بموجب قانونها صدر الحكم.
كما أنه وبموجب الفقرة (۲) من المادة الخامسة يجوز للمحكمة المختصة رفض الاعتراف وتنفيذ حكم التحكيم الأجنبي من تلقاء نفسها ودون أن يطلب منها ذلك إذا تبين لها الآتي:
- أن قانون ذلك البلد المطلوب إليه الاعتراف والتنفيذ لا يجيز تسوية النزاع عن طريق التحكيم وأن في الاعتراف بحكم المحكمين أو تنفيذه ما يخالف النظام العام في هذا البلد.
كما يمكن لمن صدر حكم التحكيم ضده التذرع بهذين السبيين وأي حالة تتحقق من الحالات التي أوردناها فيما سبق، فإن قاضي التنفيذ لدى المحكمة المختصة في البلد التي يطلب منه الاعتراف بالحكم التحكيمي وتنفيذه، يكون ملزماً بالامتناع عن إعطاء صيغة التنفيذ أو الاعتراف بهذا الحكم.
وهكذا يلاحظ أن من بين أهم ما جاءت به اتفاقية نيويورك، أنها قلبت قواعد الإثبات حين نصت على عدم جواز رفض وتنفيذ حكم التحكيم الأجنبي إلا إذا قدم المنفذ ضده للمحكمة المختصة في الدولة المطلوب إليها الاعتراف والتنفيذ دليلاً وإثباتاً يهدم حكم التحكيم. وقد حددت هذه الحالات كما بينا على سبيل الحصر. فأصبح بذلك حكم التحكيم الأجنبي قائماً بذاته يحمل طابع التنفيذ ولا يشترط في من يطلب تنفيذ الحكم التحكيمي سوى أن يرفق بطلبه أصل الحكم أو صورة منه وأصل اتفاق التحكيم " شرط أو مشارطه " أو . تضمنته الخطابات أو البرقيات المتبادلة بين الطرفين أو صورة تجمع الشروط المطلوبة لرسمية السند وكذا ترجمة هذه المستندات والأوراق إلى الغة الدولة الرسمية المطلوب إليها تنفيذ حكم التحكيم. وبذلك يصبح الحكم التحكيمي الأجنبي يحمل صحته وحجيته، دون حاجة لإخضاعه لأية شكليات أو إجراءات أو مصادقات .
والاعتراف بحكم التحكيم وفقاً لمقاصد اتفاقية نيويورك، لا يعني إكراه من صدر الحكم ضده على تنفيذ مضمون الحكم، بل بأن تعترف السلطة القضائية في بلد التنفيذ ممثلة بقاضي التنفيذ في المحكمة المختصة بهذا الحكم واطرافها يعني أن هذا الحكم يعتبر إلزامياً وأن له قوة الأمر المقضي وأن النقاط التي حسمها حكم التحكيم الأجنبي لا يجوز إعادة بحثها من قبل القضاء الرسمي للدولة المطلوب إليها الاعتراف والتنفيذ للحكم.
وفي حالة تقديم طلب أو رفع دعوى بطلان حكم التحكيم أو تعليق مفعوله في مكان التحكيم، أو أمام السلطة القضائية للقانون الواجب التطبيق على التحكيم، فإن ذلك يعرض حكم التحكيم الأجنبي في البلد الذي يجري فيه التنفيذ للتعليق بانتظار أن يفصل فيه القضاء في بلد التحكيم، أو قضاء القانون المطبق على التحكيم.
ومن ناحية أخرى فإن الحكم ببطلان حكم التحكيم في الدولة التي صدر الحكم في إقليمها يمتد أثره إلى خارج إقليم هذه الدولة لأن القضاء ببطلان هذا الحكم يمنع تنفيذه في الدول الأخرى المنضمة لاتفاقية نيويورك، بخلاف وقف تنفيذ حكم التحكيم في إحدى هذه الدول لا يمنع من إعادة طلب تنفيذ الحكم نفسه أمام محاكم الدول الأخرى .
لكن وعلى الرغم من ذلك فإن اتفاقية نيويورك ستظل تحظى بقدر كبير من الاعتراف الدولي وعلى نطاق واسع، ومن دول ذات أنظمة قانونية ودستورية مختلفة ... وكل ذلك يبرهن على الأهمية التي تحتلها الاتفاقية لدى الدول المتطورة والنامية على حدٍ سواء والساعية لجذب الاستثمارات إلى أقاليمها وإلى زيادة معاملاتها التجارية.