سوف نعرض هنا لأهم الاتفاقيات الدولية ذات الصلة : أولا : القانون النموذجي للتحكيم التجاري الدولي لعام ١٩٨٥ : نص القانون النموذجي للتحكيم التجاري الدولي ، على إرادة الطرفين في اختيار القانون الواجب التطبيق على الإجراءات ، فتحت عنوان تحديد قواعد الإجراءات ، جاءت الفقرة الأولى من المادة ( ١٩ ) لتنص على أنه " ... للطرفين حرية الاتفاق على الإجراءات التي يتعين على هيئة التحكيم اتباعها لدى السير في التحكيم " . ثم جاءت الفقرة الثانية لتنص على أنه " فإن لم يكن ثمة مثل هذا الاتفاق ، كان لهيئة التحكيم ، مع مراعاة أحكام هذا القانون ، أن تسير في التحكيم بالكيفية التي تراها مناسبة ... ".
بروتوكول جنيف الخاص بالتحكيم لعام ۱۹۲۳ : أكدت أحكام بروتوكول جنيف الخاص بشروط التحكيم لعام ۱۹۲۳ م ، علی دور الأطراف في تحديد القانون الواجب التطبيق على إجراءات التحكيم ، إذ نصت الفقرة الأولى من المادة الثانية منه على أن : " ينظم إجراءات التحكيم -بما في ذلك تشكيل محكمة التحكيم -إرادة الأطراف ، وقانون البلد الذي يجري على إقليمه التحكيم " . والملاحظ من هذا النص أنه يتكلم عن خضوع إجراءات التحكيم وتشكيل هيئة التحكيم ، لما يقرره الأطراف بإرادتهم الحرة . غير أن غالبية الآراء ذهبت في مبدأ إرادة الأطـراف واختيار القانون الواجب التطبيق على موضوع النزاع البحري على ذكرنا فيما سبق ، أن اتفاق التحكيم في المنازعات البحرية هو تراضي طرفين الالتجاء إلى التحكيم ، لتسوية كل أو بعض المنازعات البحرية التي نشأت ، أو يمكن أن تنشأ مستقبلا بينهما ، بمناسبة علاقة قانونية معينة ، عقدية كانـت أو غير عقدية . وبعبارة أخرى : هو تلاقي إرادتين بقصد إحداث أثر قانوني معين ، هو إخراج النزاع من اختصاص قضاء الدولة ، وإدخاله تحت سلطة هيئة تحكيم مختارة بواسطة هاتين الإرادتين . لذلك فإن اتفاق التحكيم في المنازعات البحرية عقد له سائر أركان ومتطلبات العقود عموما . فإذا أبرم اتفـاق تحـكـيـم وكـان ينطوي على عنصر أجنبي ، وله الطابع الدولي ، فإنه يثور بشأنه تنـازع بـين القوانين . وهذا التنازع يفض بموجب قاعدة التنازع الخاصة بالعقود الدوليـة، والتي تقرر أن الاختصاص التشريعي يكون لقانون الإرادة ، أي حرية الأطراف في اختيار القانون الواجب التطبيق على الموضوع بإرادتهم الحرة ، وهي القاعدة المسلم بها فقها وقضاء في القانون المقارن لدى مختلف الدول ، والتي اعترفـت بها جميع التشريعات المقارنة ، والاتفاقيات الدولية كافة . وبناء على هذه القاعدة ، فإن أطراف المنازعة البحرية يتمتعون بحرية كاملة في تحديد القانون الواجب التطبيق على موضوع النزاع ، وذلك في اتفاق التحكيم المبرم بينهم ، سواء كان في صورة شرط تحكيم مبرم قبل نشوء النزاع ، أم فـي صورة مشارطة تحكيم مبرمة بعد نشوئه . فإذا اتفق الأطراف على تحديد ذلـك القانون ، أصبحت هيئة التحكيم ملزمة بتطبيقه على النزاع ، تطبيقا لمبدأ قـانون الإرادة ، مادام أن اتفاق الطرفين لا ينطوي على غـش ، ولا يتضمن مخالفـة للقواعد الآمرة ، أو قواعد النظام العام في النظم ذات الشأن. واختيار القانون الواجب التطبيق على العقد يأتي صـريحا ، عنـدما : يعـين المتعاقدان في العقد قانوناً ما بالاسم على أن النزاع يخضع له . ويمكن ملاحظة ذلك بصورة واضحة في مجال التجارة والنقل الدوليين ، حيث شـاع اسـتعمال العقود النموذجية التي يخضع كل منها لقانون منصوص عليـه فيـه ، ويجـري إخضاع كل النزاعات التي تثور بشأن هذا العقد للقانون المنصوص عليه فيـه . ومثال ذلك : عقود الشحن البحري ، أو العقود الخاصة بتجارة القطـن والمطـاط والحبوب. فإنه وكما يستطيع الأطراف بموجب هذه الحرية اختيـار القـانون أو القواعـد القانونية التي تحكم منازعاتهم المحتملة منذ لحظة التعاقد ، أو الناشئة فعلاً ، يجوز لهم أيضا تعديل القانون أو القواعد القانونية التي سـبق لـهـم اختيارهـا ، بشرط مراعاة حقوق الغير ، وألا يؤدي ذلك التغيير إلى إبطال العقد الذي نشـأ صحيحا وفقاً للقانون الذي تم اختياره سابقاً.