الخدمات

ابواب التحكيم الرئيسية
  • التنفيذ / شروط اصدار الأمر بالتنفيذ / الكتب / الحماية الدولية لأحكام التحكيم الاجنبية / الشروط الشكلية للتنفيذ طبقاً للمادة الرابعة من الاتفاقية

  • الاسم

    د. هشام إسماعيل
  • تاريخ النشر

    2012-01-01
  • اسم دار النشر

    دار النهضة العربية
  • عدد الصفحات

    1141
  • رقم الصفحة

    335

التفاصيل طباعة نسخ

 

الشروط الشكلية للتنفيذ طبقاً للمادة الرابعة من الاتفاقية

  وتتضمن هذه المادة الشروط الأساسية التي يتعين على مُقدم الطلب إستيفائها، حتى يُمكن النظر في الطلب المقدم منه للإعتراف بحكم التحكيم الأجنبى وتنفيذه، حيث تلقى الإتفاقية – على  عاتق مقدم الطلب بعبء تقديم مستندين أساسيين لإثبات عناصر أساسية معينة وهما: أصل التحكيم النهائى الذى يُثبت أن حكم التحكيم يتماشى مع إتفاق التحكيم، وإتفاق التحكيم لايثبت موافقة الأطراف على التحكيم، وذلك من أجل إقناع محكمة التنفيذ بصحة الطلب.

    كما أن هناك إجرائين آخرين هما الإعتماد والتوثيق والترجمة إذا ماكان الحكم أو الإتفاق المذكورين بلغة خلاف اللغة الرسمية للبلد الذي يحتج فيه بحكم التحكيم، فإذا ما تم إستيفاء هذه الشروط تعين على السلطة المختصة بالتنفيذ متى طُلب منها ذلك، الإعتراف بحكم التحكيم وتنفيذه، مالم ينازع الطرف الآخر في ذلك، وقدم لتلك الجهة ما يُثبت توافر أياً من الأسباب الواردة حصراً في المادة الخامسة من الإتفاقية والمبررة لرفض الإعتراف والتنفيذ.

1- حكم التحكيم النهائى

   يُعد حكم التحكيم هو المستند الأول المذكور فى المادة ٤ (۱) (أ)، والمعنى بذلك في هـذا السياق، هو حكم التحكيم النهائى، إذ أنه من المستقر عليه أن: "أحكام هيئة التحكيم التي تفصل بشكل نهائى فى نزاع مُعين، وتتمتع بأثر حجية الشيء المقضى به هي فقط التي يجوز تنفيذها.

  وتُطالب الإتفاقية مُقدم الطلب الذى يطلب الإعتراف بحكم التحكيم الأجنبي وتنفيذه بتقديم: "أصل الحكم الرسمى أو صورة من الأصل تجمع الشروط المطلوبة لرسمية السند، باعتبار أن الحكم  هو عنوان الحقيقة، ومن ثم فهو الذى يُثبت حق الطرف الذى يطلب التنفيذ ».

   وقد قررت العديد من المحاكم أن تقديم حكم التحكيم من قبل طالب التنفيذ يُعد للوهلـــة الأولى إثباتاً لصحة هذا الحكم.

  وعلى سبيل المثال، وفى إجراءات التنفيذ الحكم تحكيم صادر بشأن إتفاقية إستثمار ثنائية لصالح مستثمر ألماني ضد جمهورية بولندا ، نازعت الأخيرة فى أن الطرف الألماني لم يلتزم بأحكام المادة الرابعة، إلا أن المحكمة العليا الألمانية رأت أن مُفاد نص هذه المادة أنه مُجرد تقديم للأدلة، ولاحظت المحكمة في هذا الصدد أنه: "يُعتبر من الإجراءات الشكلية غير الضرورية أن تتم مطالبة المدعى باثبات وجود وصحة توثيق حكم التحكيم وهى ليست محل نزاع – رغم تقديم صورة منه وذلك من خلال تقديم المستندات المشار إليها في المادة ٤ (١) (أ)“.

   ولذلك قررت المحكمة أنها ليست بحاجة إلى أن تقرر ما إذا كانت المستندات المقدمة من جانب مقدم الطلب كانت مُصدقاً عليها حسب الأصول المتبعة، مالم يكن توثيق حكم التحكيم محل نزاع، وبالتالي فإنه يقع على عاتق الطرف المعارض للتنفيذ عبء الطعن على صحة توثيق الحكم.

   وعلى خلاف ذلك، رفضت كلاً من المحاكم الإيطالية والبلغارية التنفيذ، إستناداً إلى أن الطرف الذى ينشد التنفيذ قد أغفل تقديم أصل حكم التحكيم مُصدقاً عليه حسب الأصول المتبعة، أو نسخة معتمدة منه حسب الأصول.

   ففي إحدى القضايا التي عُرضت على محكمة استئناف Florence بطلب تنفيذ حكمى تحكيم أصدرتهما هيئة التحكيم في بورصة السلع بفيينا ، رفضت المحكمة تنفيذ أحدهما على سند من أنه: "تم تقديم صورة ضوئية غير رسمية من الوثيقة التي تشتمل على حكم التحكيم في هـذه الإجراءات، على الرغم من أنه، وكما يبدو من المراجعة الظاهرية، قد أرفقت مع الطلب (الختم الموجود على ظهر الصفحة الأخيرة هو ختم (مترجم)، إلا أن المحكمة إنتهت إلى نتيجة مختلفة بالنسبة لحكم التحكيم الثاني، حيث تبين لها أن طالب التنفيذ قدم أصل الحكم، مع ترجمة له للغـــة الإيطالية عن طريق مترجم مُعتمد.

   كما رفضت محكمة النقض الإيطالية في قضية أخرى تنفيذ حكم تحكيم صدر في إنجلترا، على أساس إعتماد إثنين فقط من بين ثلاث توقيعات للمحكمين ، مُقررةً أن "وجود الشروط المتطلبة للإعتماد يجب تحققها طبقاً للقانون الإجرائي للدولة المعنية، أى القانون الإيطالي، إعمالاً لما أوجبته المادة الثالثة من الإتفاقية ، ولذلك فإن العرف الإنجليزى فى رأى محكمة النقض الإيطالية – الخاص بكفاية التحقق من أصل توقيعي إثنين من المحكمين لإعتبار الحكم معتمداً، يُعد غير ذي صلة.

  وبالمثل، أكدت إحدى المحاكم الهولندية في قضية . . Weinstein Int'l Corp v Nagtegaal N.V على الطابع الإلزامي للمادة الرابعة، حيث إرتأت المحكمة أنه يتعين لتطبيق الإتفاقية أن يُقدم طالب التنفيذ النسخة الأصلية من حكم التحكيم، أو صورة معتمدة منه. وعلى نحو مشابه، أيدت محكمة إستئناف Köln . . القرار الصادر من المحكمة الإبتدائية برفض تنفيذ حكم تحكيم، وذلك لتقديم نسخة غير مكتملة منه، حيث قررت المحكمة أنه ينبغى على الطـــرف الذي يطلب التنفيذ إما أن يُقدم النسخة الأصلية مصدقاً عليها حسب الأصول المتبعة، أو صــــورة طبق الأصل منه مُعتمدة حسب الأصول القانونية .

  وتقدم المحاكم البلغارية هي الأخرى، نموذجاً آخر للصعوبات التي يمكن أن تعترض سبيل أحكام التحكيم الأجنبية أثناء التنفيذ، ففى قضية تتحصل وقائعها في أنه في ظل قواعد الأونسيترال صدر حكم تحكيم بواسطة هيئة تحكيم خاصة Ad Hoc في Bern بسويسرا، وإذ عُرض النزاع  على محكمة النقض البلغارية رفضت التنفيذ، لسببين:

   أولهما : أن المادة ۱۹۳ من القانون الدولى الخاص السويسرى تنص على وجوب توثيق الحكم من خلال محكمة سويسرية في مقر التحكيم، كما لم يتحقق الشرط الوارد في المادة 305/1 من قانون الإجراءات المدنية البلغارى، والذى يتطلب أن يكون طلب التنفيذ مصحوباً بنسخة من الحكم موثقة من محكمة القانون ، ، وشهادة من ذات المحكمة  تتضمن أن هذا الحكم قد أصبح نافذاً، وثانيهما: أن كل من قواعد الأونسيترال وإتفاقية نيويورك لا تتضمن النص على تنفيذ الأحكام الجزئية.

  ولم تكن المحاكم الصينية بعيدة عن هذا الإتجاه المستغرق في الشكليات، ففــــى قـضية Hong Kong Heung Chun Cereal&Oil Food Co.Ltd. ، والتي تتعلق بقيام شركة (Hainan Gaofurui Industrial&Trading Co.Ltd.(Anhui في ٢٥ أكتوبر ۱۹۹۳ بإبرام عقد لبيع الفول السوداني - باسم Anhui Cereal&Oil Food Hong Co.Ltd. (Heung Chun) -Import&Export Co.Ltd. (Anhui) Kong Hung Chun Cereal&Oil Food ، دون أن تحصل Hainan على تفويض بذلك من Anhui، حيث تم وضع خاتم الشركة الأخيرة بطريق النسخ، وقد تضمن العقد إجراء التحكيم في أي نزاع في هونج كونج.

  وعلى إثر خلافات دبت بين الطرفين بسبب عدم تنفيذ العقد، تقدمت Heung Chun بطلب للتحكيم أمام مركز التحكيم الدولى بهونج كونج ضد Anhui، إدعت فيه مخالفة الأخيرة للعقد، وفي يونيو ۱۹۹۷ أصدرت هيئة التحكيم حكماً لصالح Heung Chun مبلغ . ١,٥٠٨,٨٠٤ دولار أمريكي، بالإضافة إلى الفائدة، وفى ١ ديسمبر ۱۹۹۷ قدمت Heung Chun طلباً إلى المحكمة الوسيطة ۱۲۰۹ الشعبية في Hefei لتنفيذ الحكم، إلا أن Anhui إعترضت عليه، إلى أن أوقفت القضية لحين صدور الترتيب المتعلق بالإعتراف المتبادل بأحكام التحكيم بـــين البر الرئيسى ومنطقة هونج كونج الإدارية الخاصة وإذ أصبح هذا الترتيب سارياً ۱۲۱۰ ، ، أصدرت محكمة Hefei إخطاراً إلى Anhui لتنفيذ الحكم.

   ثم تقدمت Heung Chun لاحقاً في ١٨ أبريل ۲۰۰۰ بطلب تنفيذ تكميلي إلى محكمة Hefei، عدلت فيه المبلغ المطلوب إلى ٣,٥١٨,٦٥٣,٨٦ دولار أمريكي، حيث قضت المحكمة برفض التنفيذ لمخالفته المصلحة العامة الإجتماعية للبر الرئيسى (المادة۷{۳} من الترتيب) ثم أرسلت المحكمة قرارها إلى محكمة ولاية Anhui العليا، والتي قضت بتأييد الحكم السابق، وعندما عُرض النزاع  على محكمة النقض الشعبية قررت أن حكم التحكيم لم يكن واجب النفاذ إستناداً إلى عدم أهلية أحد الأطراف المتعاقدين ( التي تشير إليها المادة ٧(۱)(أ) من الترتيب، وليس لمخالفة المصلحة العامة الإجتماعية“.

  وفي قضية Wei Mao International (Hong Kong)Co.Ltd.(Hong

(Kong SAR) v. Shanxi Tianli Industrial Co.Ltd.(China PR،  والتي تتحصل وقائعها في أن شركة Shanxi Tianli كانت قد أبرمت في يونيو ١٩٩٨ عقداً في هونج كونج لبيع الفحم إلى شركة Wei، Mao ، وقد إشتمل عقد البيع على شرط للتحكيم في هونج كونج وفقاً لقواعد غُرفة التجارة الدولية والقانون الإنجليزى، وأثناء تنفيذ العقد، رفضت Wei Mao قبول البضائع على سند من أنها مخالفتها لشروط التعاقد وطلبت التعويض.

  إلا أن Shansi Tani ردت عليها طالبةً منها قبول البضائع وأداء ثمن الشراء، فلجأت  Wei  Mao إلى طرح النزاع  على التحكيم وفقاً للعقد أمام غرفة التجارة الدولية في هونج كونج، و بتاريخ ٣ يونيو ١٩٩٩ عينت الغرفة السيد John Luk من هونج كونج باعتباره محكمـــاً وحيداً، حيث تقرر عقد الجلسات في هونج كونج بدءاً من ١٣ مارس وحتى ۱٦ مارس ۲۰۰۰، وقد عين كلا الطرفين مُمثلين قانونيين لحضور الجلسات عنهما، وفى ٢٠ نوفمبر ٢٠٠٠، أصدرت هيئة التحكيم حكماً مؤقتاً لصالح Wei Mao ، قضى بمسئولية Shanxi Tianli، وفى أكتوبر ۲۰۰۱ صدر الحكم النهائى بالتعويض لصالح We on بمبلغ يُقدر: ٣٤١,٤٤٧,٩٧ دولار أمريكي بالإضافة إلى الفائدة.

  فتقدمت Wei Mao إلى محكمة Tai Yuan لتنفيذ الحكم، إلا أن Tianli إعترضت على طلب التنفيذ من خلال تقديم طلب إلى المحكمة لرفض التنفيذ، وبالفعل قضت محكمة Tai Yuan برفض تنفيذ الحكم، مُقررةً أن : "حكم التحكيم يتعارض مع إتفاق التحكيم، حيث أن تشكيل هيئة التحكيم لم يكن وفقاً لإتفاق التحكيم، كما لم تقدم هيئة التحكيم فرصة مناسبة ل Tianli لعرض قضيتها، فضلاً. عن مخالفة حكم التحكيم للمصلحة العامة الإجتماعية.

  وعندما عُرض النزاع على محكمة ولاية Shanxi العليا من خلال نظام الإبلاغ الداخلى للمحكمة الأعلى درجة - أيدت المحكمة رفض تنفيذ الحكم، ولكن لأسباب أخرى أوردتها، حيث قررت أن أُسس الرفض ينبغى أن تستند على المادتين ٣، ٤ من الترتيب المتعلق بالإعتراف المتبادل بأحكام التحكيم بين البر الرئيسى فى البلاد، ومنطقة هونج كونج الإداريـة الخاصـــة (الترتيب) ، مُشيرةً فى ذلك إلى أن : المستندات المقدمة Wei Mao لم تكن كاملة ومن ثم فلا يمكن أن تشكل طلباً صحيحاً؟ - أن إتفاق التحكيم المقدم من Wei Mao تم توثيقه في هيئة التوثيق في Beijing Chang'an إلا أنه لم يتم التصديق عليه في هونج كونج، ومن ثم فلا يُعد نافذاً .....

  إلا أن محكمة النقض الشعبية عادت بعد ذلك وصححت هذا الوضع، حين قررت أن مسألة التنفيذ ينطبق عليها إتفاقية نيويورك لعام ١٩٥٨، وليس الترتيب، باعتبار أن الحكم مؤســـــسـى صادر من غرفة التجارة الدولية وفقاً لإتفاق الأطراف، وأن أُسس رفض التنفيذ التي ذكرتها المحكمة الوسيطة لاتندرج ضمن نطاق الإتفاقية ولذلك تم رفض طلب Tianli لرفض التنفيذ، وأضافت مقررةً، أنه ينبغى أن يُقدم الطالب المستندات المطلوبة خلال فترة معقولة، فإذا رفض طالب التنفيذ إرفاق تلك المستندات فإنه يُمكن للمحكمة أن تنظر مسألة رفض الطلب، لعدم إستيفائه شروط المحكمة لقبول القضية.

2- اتفاق التحكيم

   المستند الثاني المطلوب تقديمه بموجب المادة ٤ (١) (ب) هو "الإتفاق الأصلي المشار إليه في المادة (٢) أو صورة مُعتمدة منه حسب الأصول، ويعنى هذا أن يكون أصل إتفاق التحكيم مُستوفياً لمتطلبات الصحة الشكلية الواردة في المادة الثانية، أو أى نظام آخر يكون أكثر تفضيلاً بموجب المادة السابعة من الإتفاقية.

  وتقدم المحاكم الألمانية والأمريكية والإنجليزية نموذجاً جيداً في هذا الصدد لتيسير التنفيذ مــن خلال إستيفاء الحد الأدنى من الشروط الشكلية، ففى قضية Construction Company Painting Contractors ، والتي تخلص وقائعها في سبتمبر ۲۰۰۳ أبرم مقاولو الطلاء الألمان (شركة مؤسسة باسم GmbH&CO KG مع شركة إنشاءات بريطانية عقداً لطــــلاء الجدران الخارجية لبعض المباني بالمملكة المتحدة، وعندما نشأ النزاع بين الطرفين، أبرمــا في ١٥ ديسمبر ۲۰۰۳ إتفاقاً مكتوباً يتضمن إحالة مُنازعتهما للتحكيم أمام محكم واحد في إنجلترا، وفي ٢٣ يناير ٢٠٠٤ أصدر المحكم الواحد حكماً لصالح المدعي.

   وعندما سعى الأخير إلى تنفيذه في ألمانيا، وافقت محكمة استئناف ميونيخ علي التنفيذ، وقررت المحكمة أن المدعي قدم أصل الحكم إلي جانب ترجمة له باللغة الألمانية من مترجم معتمد في مكتب بالمملكة المتحدة، وأن هذه المستندات تستوفي شروط القسم ١٠٦٤(١)(۳) من قانون الإجراءات المدنية الألماني " - التي تعد أقل صرامة من المادة الرابعة من إتفاقية نيويورك ١٩٥٨-، ومن ثم تنطبق إستناداً الي نص الحق الأكثر تفضيلاً الوارد بالمادة السابعة (١) من الإتفاقية.

  وبالمثل، وعندما لا يتقدم طالب التنفيذ بالمستندات المطلوبة فى المادة الرابعة في أثناء تقديم طلب الإعتراف بحكم التحكيم الأجنبى وتنفيذه، فإن المحاكم النمساوية والأسبانية تسعى إلى علاج هذا العيب، متخذةً في ذلك وجهة نظر عملية ومؤيدة للتنفيذ ".

   وفى نزاع آخر، تتحصل وقائعه فى أنه فى ٢٥ يونيو ۱۹۹۱ أصدر إتحاد تجارة الجلود حكـــم تحكيم لصالح Sherwood في نزاعها مع De Maio، وفى ٩ سبتمبر ۱۹۹۱ تقدمت Sherwood لتنفيذ الحكم في إيطاليا، إلا أن محكمة إستئناف Naples بتاریخی ٢٨ يناير و ۲۱ فبراير ١٩٩٤ رفضت التنفيذ، مُقررةً أن Sherwood أغفلت تقديم أصل إتفاق التحكيم أو نسخة معتمدة منه مع طلبها للتنفيذ.

   وفي عام ١٩٩٦ أيدت محكمة النقض الإيطالية هذا الحكم إلا أنها قررت أن الحكمين اللذين قضيا برفض الطلب المقدم من Sherwood للتنفيذ، لم يُحزا حجية الشيء المقضى به بشأن موضوع طلــــب التنفيذ، ومن ثم، فإنه يحق ل Sherwood تقديم طلب لتنفيذ الحكم الصادر لصالحها، وهو مادفع الأخيرة لأن تتقدم بطلب جديد للتنفيذ إلى محكمة إستئناف Naples ، إلا أن المحكمة في ١١ يونيو ١٩٩٩ قررت أن قانون التحكيم الإيطالي الجديد - المعدل بالقانون رقم ٢٥ المؤرخ ٥ يناير ١٩٩٤ – لايسرى على إجراءات التنفيذ الخاصة بـ Sherwood، وأن القانون السابق هو المنطبق، لأن طلب التنفيذ قدم من Sherwood في عام (۱۹۹۱، أي قبل نفاذ القانون الجديد.

   وعندما طعنت Sherwood على هذا الحكم للمرة الثانية أمام محكمة النقض الإيطالية، قبلت الأخيرة الطعن، وقررت أن الشرط الوارد فى المادة الرابعة من إتفاقية نيويورك لعام ١٩٥٨ يُعــــد شرطاً إجرائياً لبدء إجراءات التنفيذ القانونية، فإذا لم يتم الإمتثال إليه، فإنه لايستلزم طلباً جديداً، إذ أن الإجراءات الجديدة التي بدأت بعد دخول قانون التحكيم لعام ١٩٩٤ إلى حيز النفاذ، تُعتبر مستقلة وينطبق عليها القانون الجديد، وتم إحالة القضية إلى دائرة أُخرى بمحكمة إستئناف Naples لفحص الأسباب الأخرى التي كانت قد أُثيرت ضد التنفيذ.

    وتؤكد القضية السالفة على أن إجراءات تنفيذ أحكام التحكيم الأجنبية في إيطاليا، ليــســت بالأمر اليسير، بل تبدو أنها جد عسيرة، وذلك بسبب إغراق القضاء الإيطالي في الشكليات، وهو ما ينعكس سلباً على نظام التحكيم، وماقد تُسفر عنه إجراءاته من أحكام نهائية ومُلزمة.

   ويبدو الحال كذلك بالنسبة للإجراءات الشكلية لتنفيذ أحكام التحكيم الأجنبية في مصر، ففى إحدى القضايا رفضت محكمة النقض المصرية طلب التنفيذ لعدم إرفاق أصل الحكم وإتفاق التحكيم وترجمة عربية مقبولة، وذلك إعمالاً للمادة (٤) من إتفاقية نيويورك .

3- الإعتماد والتوثيق

يُعرف التوثيق بشكل عام بأنه : "فعلُ شيءٍ يُثبت أن وثيقة معينة هي صحيحة وحقيقية، وذلك حتى يتسنى للكافة الإطمئنان إلى سلامتها وصحتها ويُشير التوثيق في هـذا المقام، إلى التصديق على صحة المستند بالتوقيع على أصله ممن أصدره، بينما يُشير الإعتماد إلى التصديق على صحة الصورة المأخوذة من المستند باعتبارها صورة طبق الأصل من النسخة الأصلية

   وفى هذا السياق، قررت محكمة استئناف Rostock في ألمانيا في طلب مقدم لتنفيذ حكم تحكيم كانت قد أصدرته لجنة التحكيم البحرى فى موسكو، عدم ضرورة إثبات صحة حكـــم التحكيم من خلال تقديم أصله موثقاً حسب الأصول، ويكفى، بدلاً من ذلك، تقديم صورة معتمدة منه حسب الأصول، وقد ذهبت المحكمة إلى أبعد من ذلك، حين ذكرت أنه من المألوف وجــود توقيعات للمحكمين على حكم التحكيم، ومع ذلك، فإن الصورة المعتمدة من هذا الحكم حسب الأصول تعتبر مقبولة .

  حيث أشارت المحكمة العليا النمساوية فى إحدى القضايا * ، إلى أنه يجوز تنفيذ هذه الإجراءات الشكلية إما وفقاً لقانون الدولة التي صدر فيها حكم التحكيم، أو بموجب قانون الدولة التي يتم طلب تنفيذ حكم التحكيم فيها وفقاً لما يختاره طالب التنفيذ، وإرتأت المحكمة أنه من الأفضل أن يتم إعتماد الوثائق المطلوبة طبقاً للمادة الرابعة - آنفة الذكر - أمام قنصلية الدولـــة المطلوب التنفيذ أمام محاكمها، بيد أنها إستدركت قائلةً أن ذلك ليس بالأمر اليسير بالنسبة لطالب التنفيذ.

   ولاشك في أن الصيغة الإختيارية التى يعكسُها هذا القضاء قد تضمن وجود نظام للإعتراف بأحكام التحكيم الأجنبية وتنفيذها أقل صرامة وإرهاقاً، ابتغاء التخفيف من على كاهل طالـــب التنفيذ وتحاشى المعوقات التى يُمكن أن تعترى سبيله، بما يتيحه له هذا الإختيار من المفاضلة بين قانون الدولة التي صدر فيها حكم التحكيم أو قانون دولة التنفيذ، بحسب ما يقدمه أياً منهما من شروط شكلية أفضل وأكثر تأييداً للتنفيذ دون التقيد بقانون واحد مُحدد في إطار بحث رسميــــة السندات المقدمة للتنفيذ. ، إلا أنه مع ذلك يُمكن أن يؤدى إلى صعوبة التنبؤ بالنتائج التي تؤول إليها مثل هذه القضايا في هذه الحالة.

  وعلى الجانب الآخر، ذهبت محكمة النقض الإيطالية في قضية Societa Distillerie Meridional . chuurmans&Van Ginneken BV، إلى أن الشروط المتطلبة للتوثيق

أن تجرى وفقاً لما ينص عليه قانون دولة التحكيم، وعلى نحو مشابه، وجدت محكمة إستئناف

Sofia - بلغاريا، في حكم تحكيم ad hoc صادر طبقاً لقواعد تحكيم الأونسيترال، أنه لم يكن

موثقاً من قبل هيئة التحكيم التي أصدرته في مدينة برن، وأنها لم تصدر شهادة تفيد بأنه قد أصبح نافذاً، ومن ثم إعتبرته مُخالفاً لمتطلبات المادة (٤) من الإتفاقية وللمادة ٣٠٥ (١)(أ) من قانون الإجراءات المدنية البلغارى.

   وبالإضافة إلى ماتقدم فإننا نرى أن الفرض الذى يتحقق فيه خضوع عملية الإعتماد والتوثيق لقوانين دول تنفيذ شتى، قد يعكس تضارباً في الإتجاهات المتبعة في التحقق من صحة أياً من هذين الإجرائين، بما يعنيه ذلك من عدم إتساق الحلول المتبعة فى الإجراءات الشكلية للتنفيذ، وهو ما قد يؤدى إلى رفض التنفيذ، أو على الأقل تأخيره، بما يُفضى فى النهاية إلى إنعدام التنبؤ في التحكيم التجارى الدولى.

4- الترجمة

  تنص المادة ٤ (۲) من الإتفاقية على إلتزام الطرف الذى يطلب الإعتراف بحكم التحكيم الأجنبى و / أو تنفيذه بموجب الإتفاقية بتقديم ترجمة لحكم وإتفاق التحكيم عندما يكونا مصاغين بلغة غير اللغة الرسمية للدولة التى يتم فيها السعى فى طلب الإعتراف والتنفيذ، ومما لاشك أن الحاجة إلى الترجمة في هذه الحالة تعد مسألة بديهية حيث أن محكمة التنفيذ لن تكون في وضع يمكنها من فهم مُحتوى هذين المستندين، والوقوف بالتالى على مضمونهما بغير وجود ترجمة لهمــا للغة دولة التنفيذ.

  وبهذا المفهوم، أشارت محكمة مُقاطعة أمستردام في قضية SPP(Middle East)Ltd v. the Arab Republic Of Egypt. . إلى أن مقدم الطلب قام بتقديم صور معتمدة حسب الأصول من حكم التحكيم وإتفاق التحكيم ... مُصاغة باللغة الإنجليزية وهي اللغة التي تجيدها بدرجة كافية لنكون على معرفة كاملة بمحتويات هذه المستندات».

   ويُقدم هذا الحكم هو الآخر، نظام مفضلاً للإعتراف بأحكام التحكيم الأجنبية وتنفيذها أقل صرامة وإرهاقاً مما تتطلبه إتفاقية نيويورك ذاتها، بإكتفائه باللغة الإنجليزية المصاغ بها كُل من إتفاق وحكم التحكيم، دون إستلزامه اللغة الهولندية باعتبارها اللغة الرسمية لدولة التنفيذ إعمالاً لما نصت عليه المادة ٤(٢) .

   كما يعكس هذا الحكم وعياً قانونياً بأهداف الإتفاقية ومبادئها، وإلماماً باللغات الأجنبية التى تغاير لغة دولة التنفيذ، إلا أنه يُثير في ذات الوقت تساؤلاً حول ما إذا يتعين غض الطرف عن اللغة الرسمية لدولة التنفيذ، حين يكون قاضيها مُلماً إلماماً كافياً باللغة التى صيغ بها كُل من إتفاق وحكم التحكيم، ولاشك أنه أمام صراحة النص يجب في كل حالة أن تُقدم ترجمة لكلا المستندين بلغة دولة التنفيذ، مالم يكن القاضى مُجيداً للغة المصاغ بها كل منهما، وقبل تقديمهما على هذه الحال.

الخلاصة:

  تبين من العرض السالف أن المادتين الثالثة والرابعة من إتفاقية نيويورك تنص على الإجراءات والشروط التي ينبغى على الطرف الصادر لصالحه حكم التحكيم إستيفائها، من أجل الحصول على الإعتراف بحكم التحكيم وتنفيذه في إقليم أى دولة موقعة على الإتفاقية، وقد إتضح في هـذا الصدد، أن الإتفاقية قد مايزت بين إجراءات الحصول على الإعتراف والتنفيذ لحكم التحكيم التي تقع فى نطاق القانون الإجرائي للدولة المعنية الموقعة على الإتفاقية وبين الشروط الشكلية للإعتراف بحكم التحكيم النهائى وتنفيذه والتى تقع فى نطاق المادة الرابعة من الإتفاقية.

   وفى هذا الإطار، تتمتع الدول الموقعة على إتفاقية نيويورك لعام ١٩٥٨ طبقاً للمادة الثالثة بسلطة فرض الشروط الإجرائية على الطلبات المقدمة للإعتراف بأحكام التحکیم الأجنبية أو تنفيذها على إقليمها، طالما أن هذه الشروط لا تُعد من الناحية الجوهرية أكثر صرامة مـــن المفروضة على الإعتراف بأحكام التحكيم المحلية أو على تنفيذها، كما ينبغى على محـــاكـم هـذه الدول أيضاً تفسير نص هذه المادة فى ضوء الهدف العام للإتفاقية من حيث كونها تسعى إلى النص على نظام للإعتراف والتنفيذ أكثر سهولة وأقل إرهاقاً .

   ومع ذلك فلم تُحدد الإتفاقية ماهية القواعد الإجرائية التي ينبغى بموجبها الإعتراف بحكـــم التحكيم أو تنفيذه، بل تخول هذه المادة صراحةً الدول الموقعة عليها حرية إختيار ووضع القواعد الإجرائية المطبقة على الإعتراف بأحكام التحكيم الأجنبية وتنفيذها داخل آراضيها.

  وبالتالي، فلم تنص الإتفاقية على معايير موحدة بحيث يُمكن للمحاكم الوطنية من خلالها أن تقوم بتنفيذ أحكام التحكيم، وبديلاً عن ذلك، فإنها تركت تحديد نطاق الإجراءات الواجـــب إتخاذها لتنفيذ أحكام التحكيم للقواعد الواردة في القوانين الوطنية لدولة التنفيذ، وقد أدى هـذا الإختيار إلى خلق المزيد من الصعوبات في سبيل تنفيذ أحكام التحكيم الأجنبية نتيجة الإتجــاه المستغرق في الشكليات لبعض المحاكم الوطنية.

   كما تبين المادة الرابعة من الإتفاقية المستندات التي يتعين علي طالب التنفيذ تقديمها للمحكمة للحصول على الإعتراف والتنفيذ، وهى إتفاق التحكيم الذى يُثبت موافقة الأطراف علــى التحكيم، وحكم التحكيم النهائى الذى يُثبت أن هذا الحكم يتماشى مع إتفاق التحكيم، والإعتماد والتوثيق والترجمة إذا ماكان الحكم أو الإتفاق المذكورين بلغة خلاف اللغة الرسمية للبلد الذي يُحتج فيه بحكم التحكيم.

   وإزاء صمت المادة السابقة عن الإشارة إلى القانون الذى ينبغى أن تخضع له صحة التوثيق والإعتماد، فقد جاءت إتجاهات المحاكم الوطنية فى هذا الشأن ،مُتباينة، ويُمكن أن يزداد الأمــر صعوبة في الفرض الذى يتحقق فيه خضوع عملية الإعتماد والتوثيق لقوانين دول تنفيذ شـــتى، وهو ماقد يعكس تضارباً في المناهج المطبقة في التحقق من صحة أياً من هذين الإجرائين، بما يعنيـــه ذلك من عدم إتساق الحلول المتبعة في إجراءات التنفيذ الشكلية، مما قد يؤدى إلى رفض التنفيذ، أو على الأقل تأخيره، بما يفضى فى النهاية إلى إنعدام التنبؤ فى التحكيم التجارى الدولى، وهـو ما ينعكس سلباً على نظام التحكيم، وماقد تسفر عنه إجراءاته من أحكام نهائية ومُلزمة.

   ويمكن القول إجمالاً، ومن خلال تقصى التطبيقات القضائية للقواعد التي تحكم إجراءات وشروط تنفيذ أحكام التحكيم الأجنبية من الناحية الشكلية، أن هناك تبايناً شديداً بشأنها بين دول

العالم المختلفة، وقد ألقى ذلك بظلاله على الإعتراف بأحكام التحكيم الأجنبية وتنفيذها.

   وهذا الوضع يُعيد إلى الأذهان ذلك الإقتراح، الذى كان قد عُرض ضمن مسودة الإتفاقية المقدمة من غُرفة التجارة الدولية لعام ١٩٥٣ ، وكذلك ضمن مسودة الإتفاقية الخاصة بالمجلس الإقتصادى والإجتماعي للأمم المتحدة ECOSOC لعام ١٩٥٥، والمتضمن إنشاء "قواعد إجرائية موحدة يُمكن تطبيقها على تنفيذ أحكام التحكيم الأجنبية»١٢٥٧، والذي تم رفضه على أساس صعوبة التدخل فى مختلف القوانين الوطنية المعنية بالإجراءات .

   مما يتعين معه ضرورة إحياء هذا الإقتراح وإعادة النظر فى هذا الموضوع، عند وضع إتفاقية دولية جديدة من خلال تضمينها قواعد تفصيلية موحدة للقواعد الإجرائية والشروط الشكلية للإعتراف بأحكام التحكيم الأجنبية وتنفيذها، بحيث تشمل تحديداً للسُلطة المختصة بنظر طلب التنفيذ، وشكل هذا الطلب وإجراءات بحثه والقانون الذى ينبغى أن تخضع له صحة التوثيق والإعتماد، والمهلة الزمنية التي يتعين تنفيذ أحكام التحكيم خلالها، وطرق الطعن المتاحة حيال الأمر بالتنفيذ أو برفضه.