الأصل أن الحكم التحكيمي يجوز الحجية بمجرد صدوره، حتى ولو لم يصدر الأمر بتنفيذه طالما وقد استوفى ذلك الحكم جميع الشروط القانونية لإصداره، وبغض النظر بعد ذلك عن مدى قابلية ذلك الحكم للبطلان من عدمه.
والأمر بتنفيذ الحكم التحكيمي، هو إجراء يترتب عليه رفع حكم التحكيم إلى مصاف الأحكام القضائية الوطنية، فهو نقطة التقاء بين قضاء التحكيم وقضاء الدولة... وذلك ما يميز أحكام المحكمين عن أحكام القضاء. فإذا قدم حكم التحكيم للتنفيذ بدون هذا الأمر كان على قاضي التنفيذ الامتناع عن إجراءات تنفيذه، لأنه لا يجوز التنفيذ الجبري إلا بسند تنفيذي والأمر بالتنفيذ الصادر من قاضي التنفيذ هو الذي يعطي الحكم التحكيمي قوة تنفيذية ويرفعه إلى مرتبة أحكام المحاكم القضائية الوطنية، نظراً لأن قضاء التحكيم يستند إلى إرادة الأطراف، ولأن المحكم - وإن تمتع بسلطة حسم النزاع بينهما قضائياً - إلا أنه لا يملك سلطة الأمر بالتنفيذ.
والأمر بالتنفيذ لا يقصد منه أن يتحقق القاضي من عدالة المحكم فذلك لا يدخل في سلطته... ولا يقصد منه مراجعة الحكم أو الفصل في النزاع من جديد، كما لا يقصد بهذا الإجراء منح حكم المحكم صفة الورقة الرسمية في الإثبات، لأنه يتمتع بهذه الصفة فور صدوره... كل ما في الأمر أنه يجب الرجوع إلى قضاء الدولة، للتأكد من أن حكم التحكيم قد صدر على النحو الذي رسمه المشرع ... وبهذا الشكل يمارس القضاء رقابته على الحكم التحكيمي.
والقاضي المختص بإصدار الأمر التنفيذي يمارس - عند إصداره هذا الأمر عملاً ولانياً وليس قضائياً، ولذلك يصدر ذلك الأمر بإجراءات الأوامر على العرائض وبالتالي فإن عمل القاضي هنا تسري عليه القواعد العامة المنظمة للعمل الولائي والأوامر على العرائض.
وعليه يمكن القول بأن الرقابة القضائية تقتصر عند الأمر بتنفيذ حكم التحكيم، على الرقابة الشكلية التي لا تتعداها سلطة القاضي الأمر بالتنفيذ حتى وإن كان حكم التحكيم المراد تنفيذه تشوبه عيوب يمكن على أساسها إبطاله.
والرقابة هنا تقتصر على استكمال حكم التحكيم للشروط الشكلية من حيث وجود اتفاق تحكيم، والاستماع لأقوال الطرفين ومعاملة هيئة التحكيم لهما معاملة متساوية، وتوقيع الحكم من قبل المحكمين، وتحديد تاريخ صدوره، ومدى تضمينه لكافة البيانات التي اشترطها القانون، وعدم تجاوز هيئة التحكيم لاتفاق التحكيم وحدود مهمتها كما هي محددة في اتفاق التحكيم، وأن موضوع النزاع الذي تم فيه التحكيم من الموضوعات التي يجوز فيها التحكيم، وأن حكم التحكيم لا يخالف النظام العام والآداب العامة.
وخلاصة ذلك فإن محكمة الاستئناف أو المحكمة التي تنبيها تعطي حكم التحكيم صيغة التنفيذ دون التعرض لأساس النزاع ودون النظر في صحة أو سلامة قضائه، أي أن سلطة المحكمة هنا تنحصر في إصدار أمرها بالتنفيذ أو رفض ذلك.
وبمقتضى المادة (٦٠) من قانون التحكيم، فإن المحكمة المختصة لا تصدر الأمر بتنفيذ حكم المحكمين إلا بعد التحقق مما يأتي:
أ- أن يكون الحكم نهائياً وقابلاً للتنفيذ.
ويصبح حكم التحكيم كذلك بعد انقضاء مهلة دعوى البطلان، وترفع إلى محكمة الاستئناف خلال مدة الطعن بالاستئناف . وميعاد الطعن هو ستون يوماً. ويبدأ ميعاد الطعن من تاريخ استلام المحكوم عليه نسخة الحكم أو من تاريخ إعلانه بها إعلاناً صحيحاً.. ويسقط الحق في الطعن بعدم مراعاة مواعيده وتقضي محكمة الطعن بالسقوط من تلقاء نفسها.
ب- ألا يتعارض مع حكم نهائي سبق صدوره من المحاكم اليمنية.
وقد يكون من الصعوبة بمكان أن يتحقق قاضي التنفيذ من هذه المسألة تلقائياً، وبالتالي فإن صاحب المصلحة الذي يدعي بتعارض حكم التحكيم المطلوب تنفيذه مع حكم نهائي صادر من إحدى المحاكم اليمنية هو المعني بإثبات وجود ذلك الحكم.
ج- أن يكون صادراً وفقاً لأحكام قانون التحكيم.
وهذا يعني أن حكم التحكيم قد صدر وفقاً للمتطلبات التي أوجبها قانون التحكيم وأن الحكم لا يحتوي على ما يخالفها.
وإذا كانت قوانين تحكيم مصر والأردن والسعودية وسوريا تشترط لإصدار الأمر بتنفيذ حكم التحكيم أن يكون الحكم قد تم إعلانه للمحكوم عليه إعلاناً صحيحاً، فالملاحظ أن القانون اليمني قد أغفل هذا الشرط رغم أهميته لأن المحكمة لا تصدر الأمر بالتنفيذ إلا بعد انقضاء ميعاد رفع دعوى البطلان .
ويلاحظ مما سبق أن القضاء يبسط سلطته الرقابية على حكم التحكيم عند تقديم طلبات الأمر بالتنفيذ... وهذه الرقابة التي تعتبر رقابة لاحقة على صدور الحكم التحكيمي عند ممارستها يمكن أن تؤدي نتيجتها إلى إصدار الأمر بتنفيذ حكم التحكيم أو القرار ببطلانه حتى ولو لم يطلب من قاضي التفيذ ذلك الإبطال وذلك تحقيقاً لنص المادة (٥٥) من قانون التحكيم اليمني الذي حول القاضي التنفيذ هذا الحق إذا كان الحكم قد صدر في مسألة لا تقبل التحكيم أو إذا تضمن حكم التحكيم ما يخالف أحكام الشريعة الإسلامية والنظام العام أو صدر بالمخالفة لأحكام قانون التحكيم باعتباره القانون المطبق .