الخدمات

ابواب التحكيم الرئيسية
  • التنفيذ / المحكمة المختصة بنظر الطلب وسلطتها / رسائل الدكتوراة والماجسيتير / حجية حكم التحكيم الإكتروني وتنفيذه ( دراسة مقارنة ) / تنفيذ حكم التحكيم الألكتروني الباطل 

  • الاسم

    محمد عبدالله محمد المومني
  • تاريخ النشر

    2016-01-01
  • عدد الصفحات

    441
  • رقم الصفحة

    342

التفاصيل طباعة نسخ

تنفيذ حكم التحكيم الألكتروني الباطل 

   وبالنظر إلى اتفاقية نيويورك نجد أن المادة الخامسة من الاتفاقية قد جعلت الأصل هو قابلية الحكم للتنفيذ بافتراض جميع شروط صحته ،واعتبرت رفض الاعتراف بالحكم وتنفيذه هو الاستثناء، وهذا في الحالات الخمس التي سبق الاشارة إليها، والتي اوردتها المادة الخامسة من الاتفاقية على سبيل الحصر، ومن بين هذه الحالات الحالة الخامسة والمتعلقة بالحكم التحكيمي الباطل في دولة مقر التحكيم والتي سوف نتناولها بشيء من التفصيل نظرا للتعارض اللغوي بين الترجمة العربية لنص المادة ١/٥ وبين أصل الاتفاقية الذي ورد باللغة الإنجليزية لذات المادة، وهذا التعارض اللغوي لا يقتصر على الحالة الخامسة فقط بل يشمل الحالات الخمسة التي نصت عليها الفقرة الأولى من المادة (٥) من اتفاقية نيويورك. 

   إن ما يمكن استنتاجه من الترجمة العربية لنص المادة ١/٥ أن المحكمة المطلوب منها الإعتراف وتنفيذ حكم تحكيم إلكتروني أجنبي ملزمة برفض هذا الطلب اذا أثار الطرف الذي يكون تنفيذ حكم التحكيم ضده إحدى الحالات الخمسة من هذه المادة، في حين أصل الاتفاقية الذي ورد باللغة الإنجليزية وبالتحديد نص المادة ١/٥ فهي كالأتي:

"Recognition enforcement of award may be refused,... "

   وباستعمال الترجمة الحرفية لهذه الفقرة نجد أنها تعني أنه يمكن وليس ملزمة وبالتالي، يمكن للمحكمة المطلوب منها الإعتراف وتنفيذ حكم التحكيم الإلكتروني رفض هذا الطلب بتوفر الحالات الخمسة المذكورة في نص المادة وبذلك فهي تملك السلطة التقديرية في رفض طلب تنفيذ حكم التحكيم الإلكتروني الأجنبي أو قبوله. 

   ويمكن القول، أن هذا التعارض قد يؤدي للوقوع في إختلاف من حيث التطبيقات القضائية الوطنية للدول، فالذي يعتمد على الترجمة العربية فإنه يجب أن ترفض المحكمة المطلوب منها الإعتراف وتنفيذ حكم التحكيم الأجنبي اذا توافرت فيه إحدى الحالات السابقة ومن بينها كون الحكم باطلا بموجب قانون محكمة مكان صدور حكم التحكيم، أما الذي يعتمد على أصل الاتفاقية الواردة باللغة الإنجليزية نجد أن المحكمة المطلوب منها الإعتراف وتنفيذ حكم التحكيم الأجنبي ستعتمد على سلطتها التقديرية لتقدير مدى إمكانية تنفيذ هذا الحكم. 

   ويمكن القول أن اتفاقية نيويورك قد رجحت تحقيق الاهداف التي من المفروض أن يحققها التحكيم التجاري الدولي وهذا رغم الرقابة القضائية الممنوحة للدولة محل تنفيذ حكم التحكيم الإلكتروني، بحيث اذا رأت ذات المحكمة انه وبالرغم من اعتبار حكم التحكيم باطل وفقاً لقانون بلد التحكيم فهذا لا يعني بالضرورة عدم الإعتراف به وتنفيذه في بلد التنفيذ وهذا ما يعطي فرصة للأهداف التي اختير بموجبها التحكيم أن تتحقق، حيث أن رأت دولة التنفيذ أن الحكم التحكيمي رغم إبطاله في دولة مقر التحكيم صحيح وفقاً لبلد التنفيذ، فينبغي أن تقضي المحكمة بتنفيذه وهذا إعمالا لنص المادة (٧) من اتفاقية نيويورك.

يمكن القول أن المشرع المصري أخذ بالمعنى باللغة الإنجليزية وفقاً للترجمة الحرفية للحالة الخامسة التي نصت عليها الفقرة الأولى من المادة الخامسة لاتفاقية نيويورك، في حين نجد المشرع الاردني اشترط لتنفيذ الحكم أن يكون الحكم ملزما وفقا لقانون البلد التي صدر منه الحكم أو القانون الذي صدر بموجبه ما يمكن استنتاجه أن المشرع الأردني أخذ بالترجمة العربية لنص المادة (١/٥) من اتفاقية نيويورك.

  ويمكن القول أنه ليس من الحكمة أن تقوم محكمة التنفيذ بالاستجابة لطلب تنفيذ حكم التحكيم الإلكتروني الباطل، ولا شك أن الأمر بتنفيذ حكم يمكن إلغاءه بعد ذلك يؤدي إلى عدم استقرار المعاملات واحترام الحقوق المكتسبة لصاحب المصلحة وبالتالي لا بد أن يكون حكم التحكيم الإلكتروني مستوفيا لشروط صحته وأصبح ملزماً وبات، خاصة أن التحكيم الإلكتروني تتم إجراءاته وحتى إصدار الحكم من خلال وسائل الاتصال والمعلومات، ولذلك فإن حكم التحكيم الإلكتروني متى ما كان ملزم ونهائي سواء تم إصدار هذا الحكم من هيئة تحكيم إختياري أو هيئة تحكيم مؤسسي، فإن ذلك يؤدي إلى تلافي الإشكاليات التي قد تحدث في حالة كان هذا الحكم بجميع مقوماته وشروط صحته لا يمثل حكم تحكيم إلكتروني يوجب الإعتراف فيه وتنفيذه في دولة التنفيذ، وبالتالي من المستحسن أن يكون هذا الشرط من شروط تنفيذ حكم التحكيم الإلكتروني، كما ويجب على هيئة التحكيم التي توصلت إلى النتيجة النهائية في موضوع النزاع أن يشمل منطوق حكم التحكيم الإلكتروني على ما يفيد أن هذا الحكم ملزم ونهائي وفقاً لقواعد التحكيم المؤسسي أو وفقاً للقانون الذي اتفق عليه الأطراف. 

   وبالنظر إلى مدى استيفاء حكم التحكيم الإلكتروني لشروط اتفاقية نيويورك لسنة ١٩٥٨ نجد أن أهم الإشكالات التي يمكن أن تواجه طالب تنفيذ حكم التحكيم الإلكتروني هو الشرط المتعلق بوجوب تقديم أصل اتفاق التحكيم وأصل الحكم الإلكتروني إلى المحكمة المختصة في دولة التنفيذ، حيث يعتبر مصطلح الوثيقة الأصلية " ذا صلة وطيدة بالدعامة الورقية، وبمجرد لفظ أصلية الوثيقة لا بد أن تتجسد بصورة ورقية، كما هو معمول به في الحكم القضائي مثلاً.

  وأكدت اتفاقية الأمم المتحدة المتعلقة باستخدام الخطابات الإلكترونية في العقود الدولية ما أشارت إليه المادة (۸) من قانون الأونسيترال النموذجي للتجارة الإلكترونية من خلال نص المادة (٤/٩) أنه حيث يشترط القانون احتفاظ الخطاب أو العقد في شكله الأصلي، أو ينص على عواقب لعدم وجود مستند أصلي، ويعتبر ذلك الإشتراط قد استوفاه الخطاب الإلكتروني، شريطة أن توجد وسيلة موثوقة تؤكد سلامة المعلومات الواردة فيه من وقت نشأة الخطاب بشكله النهائي، وأن تكون المعلومات الواردة فيه متاحة للشخص الذي يتعين أن تتاح له، وألزمت المادة (۲۰) من ذات الاتفاقية الدول المنظمة إليها، بتجسيد أحكامها في كل اتفاقية أخرى انضمت إليها تلك الدول كاتفاقية نيويورك لسنة ١٩٥٨ ، هذا ما يؤدي إلى إعادة النظر في الشروط المنصوص عليها في المادة (٥) الخاصة بوجوب تقديم أصول كل من اتفاق التحكيم وحكم التحكيم.

   كما وتجدر الإشارة إلى أن اتفاقية نيويورك الخاصة بالإعتراف بأحكام المحكمين وتنفيذها لسنة ١٩٥٨، وعلى الرغم من الإشكالات القانونية التي تثيرها إلا أنها تساهم الى حد ما عند اللجوء الى التحكيم الإلكتروني في تسوية النزاعات الناشئة عن علاقات تجارية محضة، إلا أن الحالة تزداد تعقيداً عند دخول المستهلك في علاقة تعاقدية مع تاجر ، أي علاقة تعاقدية ذات طبيعة مختلطة يغلب عليها الإذعان، فإذا ما قامت الدول نتيجة لذلك بإصدار قوانين خاصة بحماية المستهلك من الشروط التعسفية فما هي طبيعة هذه النزاعات التي تحميها ؟ وكيف يمكن إضفاء الشرعية لحكم التحكيم الإلكتروني للقيام بدوره في تسوية هذه النزاعات في ظل معادلة صعبة تتمثل في قبول الطرف الضعيف المستهلك - بشروط التعاقد دون تفاوض من جهة، وصدور قوانين خاصة في معظم التشريعات تحمي المستهلك في العقود الإستهلاكية من جهة أخرى؟.

  هذا وسبق الاشارة إلى أن تطورات ومتطلبات عصر الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات أدت بالعديد من التشريعات الحديثة(۱)، إلى إعادة النظر في منظومتها القانونية المتعلقة بالإثبات، من أجل إدماج طرق مستحدثة في الإثبات، ويتجسد ذلك باعتراف هذه التشريعات بمبدأ التناظر الوظيفي بين المحررات الورقية والمحررات الإلكترونية ومبدأ الحياد التقني، هذه المبادئ التي تهدف إلى تنظيم التعاملات الإلكترونية وآلية تسوية نزاعاتها ضمن إطار قانوني، يكفل إثبات ما استحدثته هذه التعاملات الإلكترونية، للوصول إلى نتيجة مفادها تقبل فكرة أن الوثيقة الأصلية لا تقتصر على الدعامة الورقية، بل تشمل الوثيقة الإلكترونية الأصلية، المتمثلة بالمحرر الإلكتروني المذيل بالتوقيع الإلكتروني. 

   ما الذي يمنع قاضي محكمة التنفيذ المختصة في دولة التنفيذ، إذا كان القانون الواجب التطبيق ( ومبدئيا فإن القانون الواجب التطبيق هو إما قانون دولة مكان إصدار الحكم أو القانون المختار من الأطراف)، يقر بالتوقيع الإلكتروني بنفس قيمة التوقيع التقليدي، مع إمكانية المصادقة عليه من هيئات المصادقة الإلكترونية المعتمدة، أن يكيف هذا الحكم أنه صورة طبق الأصل وبالتالي يشرع في إجراءات تنفيذه. 

   وبالرغم من صعوبة الوصول في الوقت الحالي إلى منظومة الإدارة القضائية المتطورة على المستوى الوطني والدولي، وبالرغم من صعوبة إقرار قانون موضوعي حديث للتحكيم التجاري على المستوى الدولي، إلا أن متطلبات السرعة في العصر الحديث وتطور الفكر القانوني والتقني سيؤدي بالضرورة وفي المستقبل القريب إلى إيجاد حلول مبتكرة تعمل على ضمان تنفيذ حكم التحكيم الإلكتروني ليس على مستوى التحكيم المؤسسي، بل يشمل أيضا التحكيم الخاص ( الإختياري) وبالتالي بث الثقة والاطمئنان لدى الأفراد والمؤسسات بأن هذا الحكم سوف يتم تنفيذه بسهولة ودون ابطاء .