استقر القضاء الفرنسي بعد صدور قرار Galakis بتاريخ 2 ماي 1966، على أنه وفي التحكيم التجاري الدولي يجب التعامل مع الدولة كأي شخص آخر يتعامل بالتجارة الدولية وأن تنفذ التزاماتها بحسن نية وبالتالي لم يكن الاعتراض على اختصاص القضاء العادي عندما كان يرفع إليه نزاع يتعلق بالتحكيم الدولي حين يكون أحد أطراف التحكيم شخصا معنويا من أشخاص القانون العام”.
إلا أن القرار الصادر في قضية INSERM شكل نقلة نوعية فيما يخص تحديد جهة الاختصاص القضائي للاعتراف وتنفيذ الأحكام التحكيمية الدولية.
فمحكمة الاستئناف بباريس اعتبرت في قرارها الصادر بتاريخ 13/11/2008، بأن مبدأ حظر لجوء الأشخاص العامة إلى التحكيم لا يعتبر مساسا بالنظام العام الدولي الفرنسي مادام إن الأمر يتعلق بعقد ينصب على مصالح التجارة الدولية لتخلص في الأخير إلى رفض طلبات LINSERM والتصريح بصحة المقرر التحكيمي الصادر في موضوع النزاع، بل أن محكمة الاستئناف بباريس ذهبت أبعد من ذلك حين قضت برفض طلب ايقاف تنفيذ المقرر التحكيمي إلى حين بت مجلس الدولة الفرنسي، معتبرة بأن الطعن أمام جهة القضاء الإداري ليس له من أثر على دعوى بطلان المقرر التحكيمي ، غير أن محكمة التنازع الفرنسية ذهبت غير ذلك وقضت بازدواجية الاختصاص بين القضاء العادي والقضاء الإداري".
وقد اعتبرت محكمة التنازع في حكمها هذا "LINSERM»، بأنه وبالرغم من أن
الاتفاق المبرم بين مؤسسة وهي عمومية وخاضعة لمقتضيات القانون العام الفرنسي من جهة والمؤسسة الأجنبية الخاضعة للقانون الخاص من جهة أخرى قد انصب على القيام بتشييد بناء مخصص للبحث العلمي لفائدة المؤسسة العمومية الفرنسية، إلا أن هذا العمل يندرج تحت طائلة أعمال التجارة الدولية ولا يكتسي أية صبغة إدارية ولا يتعلق بمقتضيات القانون العام الفرنسي، مما يعود معه اختصاص النظر في الطعون المنصبة على المقرر التحكيمي إلى جهة القضاء العادي وليس القضاء الإداري.
هذا القرار الذي أقر فيه مجلس الدولة الفرنسي بشكل واضح بازدواجية الاختصاص القضائي بخصوص الاعتراف بالأحكام التحكيمية الدولية وتنفيذها ، ولتصبح بذلك ازدواجية الاختصاص القضائي قاعدة قضائية مترسخة في النظام القضائي الفرنسي.