تختلف المحكمة المختصة بنظر مسائل التحكيم حسب نوع التحكيم.
فوفقًا للمادة ١/٩ من قانون التحكيم يكون الاختصاص بنظر مسائل التحكيم التي يحيلها هذا القانون إلى القضاء المصري للمحكمة المختصة اصلًا بنظر النزاع. أما إذا كان التحكيم تجاريًا دوليًا، سواء جرى في مصر أو في الخارج، فيكون الاختصاص لمحكمة استئناف القاهرة ما لم يتفق الطرفان على اختصاص محكمة استئناف أخرى في مصر».
وعلى هذا فإنه:
١- إذا كان التحكيم تحكيمًا تجاريًا دوليًا، فإن المحكمة المختصة بنظر مسائل التحكيم التي يحيلها قانون التحكيم إلى محاكم الدولة، هي محكمة استئناف القاهرة وبيان الأمر كذلك ولو كان النزاع اصلًا من اختصاص القضاء الإداري.
ويستوي أن يكون هذا التحكيم قد جرى- أو كان جاريًا أو سيجرى في مصر أم في خارج مصر.
ويكون اختصاص محكمة الاستئناف بهذه المسائل اختصاصًا نوعيًا متعلقًا بالنظام العام، فلا يجوز رفع أية مسألة من هذه المسائل إلى محكمة من محاكم الدرجة الأولى إذ هي غير مختصة نوعيًا بها. ويسرى على عدم اختصاصها كل قواعد عدم الاختصاص المتعلق بالنظام العام.
أما الاختصاص المحلى فهو لمحكمة استئناف القاهرة دون غيرها. فلا تختص محكمة الاستئناف التي تتبعها المحكمة المختصة أًصلًا بنظر النزاع، أو أية محكمة استئناف أخرى. على أن عدم اختصاص محكمة استئناف غير محكمة استئناف القاهرة، لا يتعلق بالنظام العام، فيجوز الاتفاق على اختصاص محكمة استئناف اخرى، فقد نصت المادة ۱/ ۹ من قانون التحكيم على اختصاص محكمة استئناف القاهرة «ما لم يتفق الطرفان على اختصاص محكمة استئناف أخرى في مصر«. وقد جاء هذا النص الأخير عاما مما مؤداه جواز الاتفاق على اختصاص محكمة استئناف في مصر غير محكمة استئناف القاهرة سواء تم هذا الاتفاق قبل بدء التحكيم أو أثناء خصومة التحكيم. وسواء كان اتفاقًا صريحًا أو ضمنيًا.
- ٢- أما إذا كان التحكيم ليس تجاريًا دوليًا، فإن الاختصاص يكون للمحكمة المختصة أصلًا بنظر النزاع (مادة. ۱/ ۹). أي للمحكمة المختصة بنظر النزاع وفقًا لقواعد الولاية والاختصاص التي ينص عليها القانون المصري. فإذا كان النزاع يدخل في ولاية القضاء الإداري، فإن محكمة القضاء الإداري تكون هي صاحبة الولاية. وإذا كان النزاع يدخل في ولاية القضاء المدني تحدد اختصاص المحكمة وفقًا لقواعد الاختصاص القيم والنوعي والمحلى التي تنطبق على هذه المنازعة. وتنطبق هنا جميع قواعد عدم الاختصاص التي ينص عليها قانون المرافعات بالنسبة لكل نوع من أنواع الاختصاص. ولهذا فإنه يجوز للأطراف الاتفاق على اختصاص محلى لمحكمة أخرى غير محكمة موطن المدعى عليه، فتصبح هي المحكمة المختصة بنظر النزاع، وبالتالي مختصة بما يحيله قانون التحكيم من مسائل وفقًا للمادة 9 تحكيم. وإذا كان التحكيم ليس تجاريًا دوليًا وكان النزاع معروضًا على محكمة استئنافية، فإن محكمة أول درجة المختصة أصلًا بنظر النزاع تكون هي المختصة بمسائل التحكيم.
وإذا رفعت دعوى متعلقة بمسألة من مسائل التحكيم إلى محكمة غير مختصة وفقًا لما تقرره المادة 9 تحكيم، فإن المحكمة إذا قضت بعدم الاختصاص تحيل الدعوى إلى المحكمة المختصة بها، وفقًا للمادة ۱۱۰ من قانون المرافعات. وعلى هذا إذا رفعت دعوى بتعيين محكم وفقًا للمادة ١٧ تحكيم في تحكيم ليس تجاريًا دوليًا أمام محكمة الاستئناف، فإن على المحكمة بعد الحكم بعدم اختصاصها أن تحيل الدعوى إلى المحكمة الابتدائية المختصة أصلًا بنظر النزاع.
ويعيب تحديد المشرع للمحكمة المختصة بمسائل التحكيم أنه حدد الاختصاص في التحكيم الذي ليس تجاريًا دوليًا على أساس نوع النزاع محل التحكيم فجعله للمحكمة المختصة بنظر النزاع، فإن كان نزاعًا مدنيًا أو تجاريًا فيكون الاختصاص لجهة المحاكم، وإن كان إداريًا فيكون الاختصاص لجهة القضاء الإداري، في حين أن اتفاق التحكيم مستقل عن العقد أو الرابطة القانونية التي ينشأ عنها النزاع، ولهذا فإن اتفاق التحكيم لا يتخذ وصف هذا العقد فهو دائما اتفاق مدني لا يكون أبدا تجاريًا أو إداريًا.
وفضلا عما تقدم، فلو سلمنا- جدلا- بأنه يمكن التفرقة بالنسبة المسائل التحكيم بين ما هو مدني أو تجاري وما هو إداري، فإننا نلاحظ أن نص المادة 4 من قانون التحكيم لم يحترم توزيع الولاية بين القضاء المدني والقضاء الإداري، إذ جعل الاختصاص في التحكيم التجاري الدولي المحكمة استئناف القاهرة حتى لو كان الأمر يتعلق بعقد إداري مما يدخل في ولاية مجلس الدولة. ولأن اختصاص مجلس الدولة بالفصل في المنازعات الإدارية مقرر بنص المادة ۱۷۳ من الدستور، فإن نص المادة 9 تحكيم يغدو- بالنسبة للمنازعات الإدارية- نصا غير دستوري ومن ناحية أخرى. فإن المادة 9 تحكيم تفرق- بالنسبة للمنازعات الإدارية- بين التحكيم التجاري الدولي فتجعله من اختصاص محكمة استئناف القاهرة وبين التحكيم غير التجاري الدولي فتجعله للمحكمة المختصة أصلا بنظر النزاع أي للقضاء الإداري. وهي تفرغه تؤدى إلى مخالفة المادة ٦٨ من الدستور التي تحول المواطن الالتجاء إلى قاضية الطبيعي، وهو- في المنازعات الإدارية- مجلس الدولة.
ولهذا فقد كنا نفضل أن يكون الاختصاص دائمًا لجهة المحاكم؛ ويتحدد الاختصاص المحلى بالمحكمة التي يتبعها مكان التحكيم فان كان التحكيم تجاريًا دوليًا لا يجرى فى مصر فيكون الاختصاص لمحكمة القاهرة. وذلك ما لم يتفق الطرفان على محكمة أخرى. كما كنا نفضل أن تكون درجة المحكمة المختصة هي دائمًا المحكمة الابتدائية سواء كان التحكيم تجاريًا دوليًا لم ليس كذلك، مع النص على عدم قابلية الحكم الصادر منها للاستئناف.
- اقتصار الاختصاص على محكمة واحدة:-
وفقًا للمادة ٢/٩ من قانون التحكيم تظل المحكمة التي ينعقد لها الاختصاص وفقًا للفقرة السابقة دون غيرها صاحبة الاختصاص حتى انتهاء جميع إجراءات التحكيم. ومقاد هذا النص أنه إذا انعقد الاختصاص لأكثر من محكمة، ولجأ أحد الطرفين لمحكمة منها للنظر في مسألة معينة من مسائل التحكيم، فإن هذه المحكمة تكون هي المختصة وحدها بمسائل التحكيم الأخرى الخاصة بهذا التحكيم فاختصاصها بما عرض عليها ينزع الاختصاص عن أية محكمة أخرى كانت تشاركها في هذا الاختصاص فتصبح هذه الأخيرة غير مختصة وتطبيقًا لهذا، إذا كان التحكيم ليس تجاريًا دوليًا وكان الاختصاص أصلًا بنظر النزاع مشتركًا كما لو كانت المحكمة المختصة هي محكمة موطن أحد المدعى عليهم، وتم اللجوء إلى محكمة موطن أحدهم في مسألة من مسائل التحكيم، فإن هذه المحكمة تكون وحدها هي المختصة فلا يجوز الالتجاء بالنسبة لمسألة أخرى من مسائل التحكيم إلى محكمة موطن مدعى عليه آخر.
ويلاحظ أن اختصاص المحكمة التي ينعقد لها الاختصاص بمسألة من مسائل التحكيم بمسائله الأخرى اللاحقة يتعلق بوظيفة المحكمة. فقد أراد المشرع أن يكون الاختصاص بجميع مسائل التحكيم في تحكيم معين لمحكمة واحدة فلا يتوزع هذا الاختصاص بين محاكم مختلفة. ولهذا فإن عدم اختصاص المحاكم الأخرى- التي كانت أصلًا مختصة- يعتبر عدم اختصاص متعلقًا بالنظام العام وتنص المادة ٢/٩ على أن حكمها ينطبق «حتى انتهاء جميع إجراءات التحكيم» وهو نص يجب تفسيره بحيث يشمل ليس فقط ما يسبق خصومة التحكيم من إجراءات أو إجراءات خصومة التحكيم حتى صدور حكم التحكيم المنهي للخصومة كلها، وإنما أيضًا ما قد يثار من مسائل أثناء الإجراءات تفسير الحكم أو تصحيحه أو الفصل فيما أغفل الفصل فيه من طلبات.
(111).