أولا: الجهة المختصة باستصدار أمر التنفيذ: في الصور السابقة التي عرضنا فيها لرقابة أو اختصاص القضاء كان الأمراختياريًا بالنسبة لأطراف النزاع في اللجوء للقضاء أما في هذه الحالة فاللجوءللقضاء أمر إجباري لتنفيذ حكم هيئة التحكيم إذا رفض من صدر ضده الحكمتنفيذ حكم هيئة التحكيم إذا رفض من صدر ضده الحكم تنفيذه طواعية، ولهذافإنه رغم أن الحكم الصادر من هيئة التحكيم يكون حائز لقوة الأمر المقضي به. يقضي القانون الجزائري في نصوصه بأنه ينعقد الاختصاص بإصدار أمرتنفيذ أحكام التحكيم – سواء التحكيم الداخلي أو الدولي – لرئيس المحكمة التيصدر في دائرة اختصاصها حكم التحكيم. ويشار إلى أن مسألتي الاختصاص النوعي والمحلي لرئيس المحكمة المختصةبإصدار الأمر بالتنفيذ تعد من النظام العام، وبالتالي لا يجوز مخالفتها. فقد تمتوزيع الاختصاص النوعي والمحلي كالتالي: - الاختصاص النوعي: طلبات تنفيذ أحكام التنفيذ الداخلية والدوليةالاعتراف بها هي من اختصاص رئيس المحكمة. - أما الاختصاص المحلي: فبالنسبة للتحكيم الداخلي يؤول الاختصاص إلىالمحكمة التي صدر حكم التحكيم في دائرة اختصاصها، أما بالنسبةللتحكيم الدولي: • : إذا كان مقر هيئة التحكيم متواجدًا بالجزائر هناالاختصاص يؤول إلى المحكمة التي صدر حكم التحكيم في دائرةاختصاصها. ويتضح مما ورد سابقًا أن الجهة القضائية المختصة بإصدار أمر التنفيذبالنسبة لأحكام التحكيم الصادرة في المنازعات الإدارية يكون لرئيس المحكمةالإدارية التي صدر في دائرة اختصاصها حكم التحكيم. ثانيا: سلطات القاضي في التنفيذ: حدود سلطات القاضي في إصدار الأمر بالتنفيذ: يختص رئيس المحكمة التي صدر حكم التحكيم في دائرة اختصاصه أورئيس محكمة محل التنفيذ إذا كان مقر التحكيم وقع خارج الإقليم الوطني بإصدارالأمر بالتنفيذ. ويجب على القاضي الأمر أن يتأكد من المسائل التالية: أ- أن طالب التنفيذ قام بإيداع أصل أو نسخة من حكم التحكيم واتفاقيةالتحكيم. ب- إن يقدم طلبًا مرفقًا بالمستندات اللازمة. جيجب أن يتحقق من توافر الشروط الأساسية لمنح الأمر بالتنفيذ وتقتضيتلك الشروط ألا يتضمن حكم التحكيم ما يخالف النظام العام الدولي في الجزائر. الأولى: إنه يجب على قاضي الأمر بالتنفيذ أن يتأكد من أن الحكم أوالقرار الأجنبي المطلوب تنفيذه تتوافر فيه الشروط الأساسية اللازمةلتنفيذه وهو في هذه الحالة ملزم بإجراء فحص شكلي دون حاجة إلىالتعرض إلى موضوعه. كما أخذت بهذا الاتجاه اتفاقية تنفيذ الأحكام بين دول الجامعة العربية،بحيث لا يجوز وفقًا للمادة 32 منها للسلطة القضائية المختصة في دولة التنفيذأن تبحث في موضوع الحكم أو القرار ما عدا تحققها من توافر الشروط الشكليةالمطلوبة لتنفيذه. أما قانون الإجراءات المدنية والإدارية الجزائري فقد جاء خلوًا من الإشارةإلى كيفية تنفيذ الأحكام والقرارات التحكيمية الأجنبية بصورة مفصلة، غذ تؤكدالمادة 1035 على أنه يكون حكم التحكيم النهائي أو الجزئي أو التحضيريقابلًا للتنفيذ بأمر من قبل رئيس المحكمة التي صدر في دائرة اختصاصها، معالإذن لرئيس أمناء الضبط نسخة رسمية ممهورة بالصيغة التنفيذية من حكمالتحكيم لمن يطلبها من الأطراف، وعليه يكون اعتمادنا في هذا المجال على هذهالنصوص وأحكام الاتفاقيات الدولية والإقليمية والثنائية. فالاتفاقيات الثنائية التي أبرمتها الجزائر مع الدول العربية وغير العربيةتجمع على النص بأن دور القاضي المطلوب منه الأمر بالتنفيذ - منح الصيغةالتنفيذية - ينحصر في التحقق من مدى توافر الشروط اللازمة لذلك، بحيث لا يجوز للقاضي الوطني أن يبحث في موضوع الدعوى بل عليه فحص الشروط الشكلية الخارجية للقرار المطلوب تنفيذه فإن لم تتوفر هذه الشروط، كان له أن برفض منح الصيغة التنفيذية. يتبين من ذلك بكل وضوح أن النظام القانوني الجزائري شأنه في ذلك شأن التشريعات العربية التي تقتبس من النظام الفرنسي، الذي يأخذ بنظام المراقبة القضائية للأحكام والقرارات التحكيمية الأجنبية. أما في الجزائر فإنه رغم عدم ورود النص على النظام المختار في قانون الإجراءات المدنية والإدارية فإن القضاء منذ الاستقلال سار على العمل بنظام المراقبة إسنادًا للاتفاقيات التي أبرمتها الجزائر في مجال التعاون القضائي.
ومن نافلة القول إنه: لا يجوز تنفيذ حكم التحكيم دون أمر التنفيذ وهو الذي يرفع من مقامه إلى مرتبة الأحكام القضائية، وحكم التحكيم لا يعد سندًا تنفيذيًا في ذاته، بل هو جزء من السند التنفيذي وهذا الأخير يتكون من جزئيين الأول يتمثل في حكم التحكيم والتالي يتمثل في أمر التنفيذ، وبناء على الطلب الذي يقدمه المحكوم له إلى رئيس المحكمة المختصة بإصدار الأمر بالتنفيذ، وهو يصدره وفق أحكام القواعد العامة في إصدار الأوامر الولائية فيقوم طالب التنفيذ، بتقديم الطلب بالتنفيذ في شكل عريضة طبقًا لأحكام المادة 311 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية مشتملة على وقائع وأسانيد الطلب، مع تحديد مواطن مختارة
للطالب في دائرة اختصاص المحكمة المقدم إليها الطلب، ويفصل رئيس المحكمة في الطلب المقدم إليه وفقًا لاختصاصه الولائي، وأن ما يؤكد طابع العمل الولائي اختصاص رئيس المحكمة أن دوره ينحصر في إزالة العقبة القانونية التي وضعها المشرع أمام المحكوم، فهذا الأخير لا يدعي أي اعتداء يكون قد وقع على حقه أو مركزه القانوني، وإنما يواجه عدم فعالية إرادته، فقد حصل على حكم التحكيم ولكنه لا يمكن الاعتراف له بمركز الدائن في دولة التنفيذ، إلا بعد حصوله على تأشيرة من طرف السلطة المختصة، وبالتالي فإن المحكوم له لا يدعي أي اعتداء ومن ثم فالقاضي لا يجد نفسه مدعوًا إلى حل نزاع، وإنما هو مدعو إلى إزالة العقبة القانونية وذلك عن طريق منحه تأشيرة إلى حكم التحكيم كي يدخل إلى زمرة الأحكام القضائية وتبعًا لذلك يعد الأمر بالتنفيذ عملًا ولائيًا بكل المقاييس وليس عملًا قضائيًا ، وهو الأمر الذي يتماشى مع دور القاضي الذي ينحصر في رقابة هذا الحكم فإذا وجدوه مطابقًا مع أحكام القانون منح له التأشيرة.
أما إذا وجده غير مطابق مع أحكام القانون امتنع عن إعطاء له تلك التأشيرة دون إعادة الفصل في موضوع النزاع، ولما كان عمل القاضي الأمر عملًا ولائيًا، فهو في الأصل أمره على ذيل العريضة.
2. سلطة القاضي في تنفيذ حكم التحكيم والنظام العام:
تتحدد سلطة القاضي المختص بإصدار الأمر بتنفيذ حكم المحكمين على الوقوف على مدى صحة أو مخالفة اتفاق التحكيم مع النظام العام ومدى قابلية النزاع لعرضه على التحكيم، وكذلك مدى صحة أو مخالفة حكم التحكيم نفسه مع النظام العام، لأنه إذا خالف المحكم النظام العام الداخلي فإن حكم التحكيم يكون عرضة للإبطال.
فيجب على القاضي التحقق من ضرورة خلو حكم المحكمين من العيوب الإجرائية التي تلحق به، وهذا التحقق تقتصر فيه سلطة القاضي على التثبت من صحة الحكم وخلوه من أسباب البطلان، كالتحقق من صحة عقد التحكيم وإجراءات التحكيم وصدور الحكم في حدود الاتفاق التحكيمي، فهي رقابة ظاهرية تقتصر على العيوب الظاهرة أي التي يمكن اكتشافها بمجرد الاطلاع على الحكم ووثيقة التحكيم.
وهذه الرقابة الظاهرية تتجلى في ثلاثة أمور:
الأمر الأول:
أن لا يكون الاتفاق على التحكيم شرطاً كان لم مشارطة ظاهر البطلان أو منعدمًا.
الأمر الثاني:
ألا يتعارض حكم المحكمين مع مقتضيات النظام العام ويكتفي هنا بالا يكون التعارض ظاهريًا، أي من الوجهة الخارجية وليست نتيجة تحقيق داخلي أو موضوعي.
ونظرًا لصعوبة تحديد مدلول معين لفكرة النظام العام باعتبارها فكرة ذات مفهوم متغير، وأيضًا النظر إلى التحكيم باختياره عدالة منافسة لقضاء الدولة كان من نتيجته أن خرج القضاة من الوظيفة الرقابية الظاهرة إلى بحث متعمق وداخلي لحكم التحكيم، بدعوى التحقق من السلامة الإجرائية، وقد انعكس ذلك سلبًا على عملية إصدار الأمر بتنفيذ الحكم وهو ما عبر عنه البعض بأنه يمثل عملية قتل لعملية التحكيم وقد تجلى ذلك في أحد مظهرين، الأول هو التباطؤ في إصدار أمر التنفيذ والثاني هو عدم إصدار الأمر أصلًا.
الأمر الثالث:
أن شرط التحكيم يجب أن يفسر تفسيرًا ضيقًا.
وهكذا ففي قانون الإجراءات المدنية والإدارية نجد المشرع الجزائري قد أعطى المحكمة التي تنظر الطعن بالبطلان في الحكم التحكيمي أن تراقب مدى تطابق الحكم المطعون فيه مع النظام العام.
ولقد ثار التساؤل عن أثر بطلان شق من اتفاق التحكيم أو شق من حكم المحكم على الأجزاء الأخرى من الاتفاق أو الحكم ومدى إمكانية صحة أو تنفيذ هذه الأجزاء.
هو الرأي الذي تبناه المشرع الجزائري حيث لم يتطرق في أي من مواده إلى إمكانية صدور أمر بالتنفيذ الجزئي لحكم التحكيم برمته .