التنفيذ / حجية الأمر بالتنفيذ وقوته التنفذية / المجلات العلمية / مجلة التحكيم العالمية - العدد19 / هذا الحكم . تنفيذه أمر حتمي ووجوبي وهذا يطمئن الاستثمارات لأنه يشعرها بحماية القانون لها
عقدت هذه الاتفاقية في اطار جامعة الدول العربية بتاريخ السا دس والعشرين من نوفمبر عام 1980 أي منذ أكثر من ثلاثين عاماً. والوطن العربي يوشك أن يكون مثلاً واضحاً لمجموعة من الدول تشترك فـي خـصائص مشتركة لا تكاد تتوافر لغيرها من التجمعات الاقليمية الأخرى . الكل في هذه المجموعة يتحـدث باللغة العربية حتى وإن تعددت بعض اللهج ،ات والغالبية العظمى تدين بالإسلام الذي هـو فـي جوهره يحترم كل الأديان ويلتقي معها في جوهرها . وتتمتع وحدات هذا الوطن بتاريخ مـشترك في ازدهاره وفي انكساراته. ومع ذلك كله فقد كان يراد للوطن العربي منذ"سايكس بيكو" أن يظل منقسماً ومجزءاً رغم أنه يكون رقعة جغرافية واحدة تقترب من عشر مساحة العالم وتقع في قلب ه وتعتبـر هـي قنـاة الاتصال بين شماله وجنوبه. ومنطقة الخليج العربي تختزن أكبر مواردالطاقة من غاز وبترول ومعادن أخرى وتمتلـك طاقة استثمارية هائلة – وكان من المفترض والمأمول أن تتجه هذه الاسـتثمارات إلـى الـوطن العربي نفسه المليء بفرص الاستثمار الصناعي والزراعي والسياحي ، ولكن بدلاً من ذلك تتجـه الغالبية العظمى من هذه الاستثمارات إلى الدول الأور وبية ودول أمريكا الشمالية، بل وأحياناً إلى شرق آسيا. إن رؤوس الأموال العربية الخليجية بالذات لو اتجهت للاستثمار الزراعـي فـي أراضـي التعليقـــات السودان الشاسعة والصالحة للزراعة بسهولة لأدى ذلك إلى اكتفاء الوطن العربي كله من أقصاه إلى أقصاه بالقطن والقمح والذرة والتمور، وغير ذلك من الحاصلات الزراعية. ولو اتجهت تلك الاستثمارات إلى مصر والمغرب ولبنان وغيرها مـن الأقطـار العربيـة للاستغلال السياحي لاستطاعت أن توفر مناطق جذب سياحية عالمية. وإذا كان الاستثمار الصناعي هو الركيزة الأساسية للتنمية فإن كل مناطق الوطن العربي بما فيها من كوادر بشرية غير عالية التكلفة صالحة للتصنيع سواء المتكامل بين هذه المناطق أو الذي يستقر في منطقة منها ويعم خيرها وعائدها الجميع. وإذا كان كل هذا صحيحاً فلماذا تحجم الاستثمارات العربية عن الدخول فيها ؟ ولماذا تتجـه إلى الغرب؟ عادة ما يقال إن رأس المال جبان. الواقع أن رأس المال يبحث أساساً عن أمرين ، فإذا وجدا في بلد من البلاد، فإنه لا يتردد في الأقدام إليها. هذان الأمران هما الاستقرار السياسي والأمني وسيادة حكم القانون. وقد عقدت الاتفاقية الموحدة لاستثمار رؤوس الأموال العربية في الدول العربية لكي تحقـق لرؤوس الأموال العربية قدراً من الأمان والحماية القانونية ، ومع ذلك فإن هذه الاتفاقية لم تفعل تفعيلاً حقيقياً، إلاّ أخيراً ، وبعد أكثر من ثلاثين سنة من ابرامها، وصدر أول حكم تحكيمي وفقـاً لهذه الاتفاقية في نزاع بين مستثمر كويتي والحكومة الليبية، والكويت وليبيا من الـدول الموقعـة على الاتفاقية. والحقيقة أن هذا الحكم يعتبر من الأحكام الرائدة في عالم التحكيم العربي ذلك أنه من ناحية أولى حكم يصدر بالتطبيق لهذه الاتفاقية التي عقدت عام 1980 ،وصدر هذا الحكم عـام 2013 (22 مارس 2013 على وجه التحديد) وقد أحاط الحكم كل جوانب الموضوع احاطة شاملة، ولعل هذا هو سر ضخامة الحكم ، إذ بدأ بسرد تفاصيل النزاع بين طرفي التحكيم"الـشركة الكويتيـة" المحتكمة من ناحية والحكومة الليبية باعتبارها ممثلة للجهات الحكومية المختص مة في النزاع من ناحية أخرى ، وبعد أن انتهت هيئة التحكيم التي كان يرأسها الدكتور عبـد الحميـد الأحـدب – المدافع الأكبر عن التحكيم العربي – من سرد وقائع النزاع وبيـان وجهـات نظـر الأطـراف تعرضت لاختصاص الهيئة التحكيمية نظر النزاع المطروح، وفي ذلك رد ت على كـل الـدفوع المطروحة من الجانب الليبي بعدم اختصاص الهيئة بموضوع القضية لأسباب أبدتها وفنّ دت الهيئة كل هذه الدفوع تفنيداً قوياً سائغاً، وانتهت إلى اختصاصها بنظر النزاع. وفي تقرير اختصاصها استندت الهيئة التحكيمية استناد اً سليماً إلى ما أخـذت بـه اتفاقيـة واشنطن الخاصة بتسوية المنازعات الناشئة عن الاستثمارات بين الدول وبـين رعا يـا الـدول الأخرى لسنة 1965 ،فنصت المادة 41/1 منها على أن: "(1 (محكمة (محكمة التحكيم ) هي التي تحدد اختصاصها ". وكذلك الاتفاقية الأوروبية بشأن التحكيم التجاري الدولي لسنة 1961 ،فنصت المادة 5/3 على أن ت: " كون للمحكم سلطة الفصل في اختصاصه وفي وجـود أو صـحة اتفـاق التحكيم". كما اعتمدت لجنة الأمم المتحدة للقانون التجاري الدولييال( ونسترال) القـانون النمـوذجي للتحكيم التجاري الدولي سنة 1985 ،أخذت بمبدأ الاختصاص بالاختص اص، ونصت المادة 16/1 منه على أنه : "1 -يجوز لهيئة التحكيم بت اختصاصها بما في ذلك بت أي اعتراضـات تتعلـق بوجود اتفاق التحكيم أو بصحته". كذلك استندت إلى ما أخذ به القضاء الليبي في هذا الشأن. ثم بعد ذلك عرضت عرضاً وافياً موضوعياً وجهة نظر المحتكمة وأسانيدها ، ثم عرضـت وجهة نظر الجهة المحتكم ضدها (الحكومة الليبية وبعض مؤسساتها) وعرضت ما اثاره دفاع كل من الطرفين الذي قام به عدد من كبار المحامين وأساتذة القانون ، كذلك عرضت لما قدمه الخبراء في المحاسبة. وانتهت الهيئة التحكيمية في حكمها إلى أن المحتكم ضدها قد خالفـت الاتفاقيـة الموحـدة لاستثمار رؤوس الأموال العربية – التي نحن بصدد الحديث عنها– كذلك خالفت المحتكم ضدها القانون المدني الليبي – باعتبار أن العقد المبرم بين الطرفين هو عقد مدني وليس عقداً إداريـاً – وانتهت الهيئة بعد بيان الحيثيات والسوابق التحكيمية في التحكيم الدولي والمبادئ القانونيـة إلـى الحكم لصالح الجهة المحتكمة. والآن يثور موضوع كيفية تنفيذ هذا الحكم ، خاصة وأنه كما قلنا الحكم الأول الـذي صـدر تأسيساً على الاتفاقية الموحدة لاستثمار رؤوس الأموال العربية في الدول العربية وملاحقها. كيف يجري تنفيذ هذا الحكم؟ هل يقتضي الأمر الحصول على صيغة تنفيذية من قضاء البلد التي سيجرى فيها التنفيذ، وفقاً لما جرى عليه العمل في تنفيذ القرارات التحكيمية؟ أم أن الاتفاقية وملاحقها تضع طريقاً آخر لتنفيذ الأحكام الصادرة بمقتضى هذه الاتفاقية؟ في هذا الخصوص – بخصوص تنفيذ الحكم الصادر عن هيئة التحكيم المشار إليها في صـدر المقال، والتي بذلت جهداً غير عادي في هذا الخصوص – نرجع إلى اتفاقية الرياض العربية للتعاون القضائي – الرياض في 6/4/1983 – التي تعرضت في المادة السابعة والثلاثـين م نهـا لأحكـام المحكمين – وهو ما يعنينا هنا– بأن نصت على أن تنفّ ذ هذه الأحكام لـدى أي مـن الأطـراف المتعاقدة ولا يجوز للهيئة القضائية المطلوب منها وضع الصيغة التنفيذية على حكـم التحكـيم أن تبحث في موضوع التحكيم ولا أن ترفض تنفيذ الحكم . وهذا يعني أن تنفيذ حكم التحكيم في الدولـة الصادر ضدها – وهو في حالتنا هذه الدولة الليبية– أمر واجب حتماً ولا يجوز للمحكمة المطلوب منها الصيغة التنفيذية أن توقف أو ترفض تنفيذ هذا الحكم، لأنه يعتبر حكماً نهائياً وباتاً. ومع ذلك فقد تحدثت المادة السابعة والثلاث ون من اتفاقية الرياض المشار إليها عـن بـضع حالات على سبيل الحصر يجوز فيها وقف تنفيذ الحكم التحكيمي، وهي: -أ إذا كان قانون الطرف المتعاقد المطلوب إليه الاعتراف وتنفيذ الحكم لا يجيـز حـل موضوع النزاع عن طريق التحكيم. -ب إذا كان حكم المحكمين صادراً تنفيذاً لشرط أو لعقد تحكيم باطل أو لم يصبح نهائياً. -ج إذا كان المحكّمون غير مختصين طبقاً لعقد أو شرط التحكيم أو طبقاً للقـانون الـذي صدر حكم المحكمين على مقتضاه. -د إذا كان الخصوم لم يعلنوا بالحضور على الوجه الصحيح. هـ- إذا كان في حكم المحكمين ما يخالف أحكام الشريعة الإسلامية أو النظـام العـام أو الآداب لدى الطرف المتعاقد المطلوب إليه التنفيذ. ومن الطبيعي أن يتقدم طالب التنفيذ الصادر لصالحه الحكم بصورة معتمدة من حكم التحكيم مصحوبة بشهادة صادرة من الجهة القضائية تفيد حيازته للقوة التنفيذية ، كذلك على الجهة طالبـة التنفيذ أن تتقدم بصورة معتمدة من اتفاق التحكيم. ونعتقد أن الحكم الصادر من الهيئة التحكيمية في موضوع النزاع بـين المحـتكم الكـويتي وأطراف الحكومة الليبية خلا من أي من الحالات التي تجيز – استثناء – رفـض تنفيـذ الحكـم ومعنى هذا أن تنفيذه أمر حتمي ووجوبي. ذلك أن هذا الحكم الأول في ظل هذه الاتفاقية جاء مؤسس اً تأسيساً عميقاً رصيناً معتمداً على حجج قانونية واضحة وقوية سواء من ناحية الفقه أو من ناحية السوابق القضائية. في ما يتعلق بمبلغ التعويض الجابر للضرر الذي لحق بالمحتكم الكويتي ، فإن هيئة التحكـيم أعملت سلطتها التقديرية ، وهي في ذلك لم تتجاوز اختصاصها الذي منح ته لها قواعـد التحكـيم ، وكذلك أحكام القانون المدني الليبي الذي وضعه العلامة الإمام الدكتور عبد الرزاق السنهوري. ولا يسعني في نهاية هذا التعليق إلاّ أن أكرر أن الاتفاقية الموحدة لاستثمار رؤوس الأموال العربية وملاحقها، واتفاقية الرياض المشار إليها، تفتح الباب واسعاً أمام الاسـتثمارات العربيـة لتتجه، كما قلت من قبل، إلى ضخ استثماراتها في بلاد الوطن العربي على اختلافها وكلها مليئـة بفرص الاستثمار. كما أرى دون مبالغة أو تحيز أن الحكم الأول الذي صدر من الهيئة التحكيمية التي نظـرت هذا النزاع برئاسة الدكتور عبد الحميد ا لأحدب هو مما يطمئن هذه الاستثمارات ويشعرها بالأمان في حماية القانون الذي يقوم على تطبيقه محكمون على أعلى مستوى من المهنية والكفاءة والحيدة والموضوعية. إن الأمل معقود على أن تتجه الدول العربية إلى نوع من الوحدة الاقتصادية التي هي السبيل الوحيد لجعلها قوة قادرة في عالم اليوم. عالم التكتلات الاقتصادية الكبيرة. ونحن اخيراً نتبنى النداء الذي اطلقته المحكمة التحكيمية والوارد في الحكم التحكيمي، وقد جاء في كلمات قليلة، ولكن له معنى كبير جداً، ويقول: "والهيئة التحكيمية ترجو ان يكون هذا التحكيم حافزاً للقائمين علـى مت ابعـة المـشروعات الإستثمارية الحكومية من الأجهزة الحكومية في البلاد العربية بأن يهتموا بمساعدة المـشروعات الإستثمارية على أن تستكمل بنجاح وبدون أي معوقات ، لما في ذلك من خير للـشعوب العربيـة قاطبة، ومنعاً "لانهيار الإستثمار العربي لأجيال وأجيال ."