ولكي نحدد المقصود بحجية الأمر بالتنفيذ، وقوته التنفيذية، لا بد وأن نتعرض أولاً لتحديد المقصود بكل من حجية الأمر المقضي به، وقوة الأمر المقضي به، والقوة التنفيذية.
ويقصد بحجية الأمر المقضي به أن الحكم يحوز الاحترام أمام أي جهة قضائية بين ذات الخصوم، وفي ذات الموضوع، ويكون لهذه الحجية أثرين أحدهما سلبي بعدم جواز نظر الدعوى مرة ثانية ، والآخر إيجابي يؤدي إلى احترام ما قضي به الحكم.
إذن قوة الأمر المقضي به هي درجة من درجات الحجية ، توصف بها الأحكام القضائية ، وهي درجة أو صفة أكثر قوة من حجية الأمر المقضي به؛ لأنها تجعل الحكم القضائي قد أصبح نهائيا ، لا يجوز المجادلة فيما قضي به ، أو نقضه بأي دليل، وهي تمنح أيضا الحكم القضائي المتضمن إلزام القوة التنفيذية، أي أنها تمنح بعض الأحكام القضائية التي تصلح للتنفيذ الجبري القوة التنفيذية .
ويبقى أن نتعرف على المقصود بالقوة التنفيذية، وهي قوة تسمح بتنفيذ السند الذي تلحق به بالقوة الجبرية، إذا كانت طبيعته تسمح بذلك، بمعنى أن حكم التحكيم الذي يتم وضع عليه الصيغة التنفيذية، يصبح حائزا القوة التنفيذية .
ويلاحظ أن الحكم يصبح حائزا القوة التنفيذية، بمجرد أن يكتسب قوة الأمر المقضي به، حيث يقوم قلم الكتاب بوضع عليه الصيغة التنفيذية، طالما كانت طبيعته تسمح بذلك، وهنا فقط يصبح الحكم الحائز على قوة الأمر المقضي به، حائزا كذلك على القوة التنفيذية .
إن الحكم القطعي الصادر في الموضوع هو فقط الذي يكتسب الحجية، ويرجع ذلك إلى أن الحكم وقد فصل في حق من الحقوق ، فلا يجوز المطالبة بهذا الحق مرة ثانية ، وأما الحكم المستعجل أو الطلب الوقتي ، فهو لا يفصل في أصل حق ، ولذا لا يجوز الحجية ، وتقوم فكرة المراكز الشرطية بحماية هذا الحكم الوقتي أو المستعجل ، وتمنع إقامة طلب مماثل طالما أن الظروف التي صدر الحكم خلالها لم تتغير .
ونظرا لأن طلب وضع الصيغة التنفيذية على حكم التحكيم ، يعد طلبا وقتيا ، ولا يفصل في أصل الحق، وبالتالي لا يحوز حجية الأمر المقضي به، ويتصف أمر التنفيذ بصفات القالب الذي يصدر فيه، فإن صدر في صورة أمر علي عريضة، يكون مشمولا بالنفاذ المعجل القانوني شأن الأوامر على العرائض. الأمر المقضي به، وإنما يمكن وصفه بما يلائمه، فالأمر بالتنفيذ الصادر في صورة أمر علي عريضة يصدر مشمولا بالنفاذ المعجل القانوني، وأما الأمر بالتنفيذ الصادر في صورة حكما قضائيا، فهو يصدر بحسب الأصل نافذ نفاذاً عاديا، ولكن يجوز شموله بالنفاذ المعجل القضائي .
أمر التنفيذ لا يحوز القوة التنفيذية :
لا يجوز التنفيذ الجبري إلا بسند تنفيذي اقتضاء لحق محقق الوجود ومعين المقدار وحال الأداء . والسندات التنفيذية هي الأحكام والأوامر ۰۰۰۰)۰
وإذا كان الأمر بالتنفيذ يصدر في صورة أمر على عريضة ، فهل يجوز هذا الأمر القوة التنفيذية ، وهل يصلح أن يكون سندا تنفيذيا ؟
الإجابة على هذا التساؤل تتطلب النظر إلى مضمون الأمر بالتنفيذ ، وما هو المطلوب منه ، وما إذا كان يحوي مضمونا يمكن أن ينفذ بالقوة الجبرية أم لا.
والخلاصة إذن أن أمر التنفيذ لا يتمتع بحجية الأمر المقضي به ، أو قوة الأمر المقضي به ، ولا يحوز كذلك القوة التنفيذية ، وأنه يكون مشمولا بالنفاذ المعجل القانوني في حالة صدوره في صورة أمر علي عريضة ، ويكون نافذا نفاذا عاديا في حالة صدوره في صورة حكم قضائي ، ما لم يكن مشمولا بالنفاذ المعجل القضائي.
ولا شك أن الأمر بوضع الصيغة التنفيذية على حكم التحكيم الداخلي الذي يصدر في صورة أمر علي عريضة يكون مشمولا بالنفاذ المعجل القانوني ، وهذه الصفة تسمح بتنفيذ هذا الأمر فورا ، ويتم تنفيذه بوضع الصيغة التنفيذية على حكم التحكيم ، مما يحول ذلك الحكم إلي سندا تنفيذيا ، يحوي قوة تنفيذية تمكن المحكوم لصالحه من تنفيذه بالقوة الجبرية بمعاونة سلطات الدولة .
وأما أمر التنفيذ الذي يصدر في صورة حكما قضائيا ، بالنسبة لأحكام التحكيم الأجنبية يكون نافذا نفاذاً عادياً، وليس معجلاً، وبالتالي لا يتم وضع الصيغة التنفيذية على حكم التحكيم - إلا بعد أن يصبح هذا الحكم نهائيا ، ولكن إن أمر القضاء بشمول الحكم بالنفاذ المعجل القضائي، ففي هذه الحالة يمكن للصادر لصالحه الحكم، وضع الصيغة التنفيذية على حكم التحكيم، مما يحول ذلك الحكم إلى سندا تنفيذيا ، يحوي قوة تنفيذية تمكن صاحبه من التنفيذ بالقوة الجبرية بمعاونة سلطات الدولة .
أي أن أمر التنفيذ في حد ذاته لا يمكن أن يكون له قوة تنفيذية، لأنه أمر لا ينفذ جبريا بذاته ، وكل ما في الأمر أنه يحول حكم التحكيم، من حكم صادر من شخص عادي إلي سند تنفيذي يحوي القوة التنفيذية.
ويلاحظ أن الأمر الصادر بالتنفيذ أو برفض التنفيذ، سواء تعلق الأمر بحكم التحكيم الداخلي أو حكم التحكيم الأجنبي، تنحصر حجيته في نطاق النظام القانوني الذي صدر فيه ، ولا يرتب أي أثر قانوني في أي نظام قانوني آخر.
موقف التشريعات المقارنة
أولاً : بالنسبة للتشريع الإنجليزي :
لم يفرق المشرع الإنجليزي بين أحكام التحكيم الداخلية وأحكام التحكيم الأجنبية بالنسبة الطبيعة أو شكل الأمر بالتنفيذ.
ثانياً: بالنسبة للتشريعين الكويتي والقطري :
يتفق التشريعين الكويتي والقطري في تحديدهما لحجية الأمر بالتنفيذ وقوته التنفيذية ، سواء تعلق الأمر بحكم التحكيم الداخلي أو حكم التحكيم الأجنبي .
حيث يصدر أمر تنفيذ حكم التحكيم الداخلي في التشريعين الكويتي والقطري، في ضورة أمر على عريضة، وليس في صورة حكم قضائي، ويكون الأمر مشمولا بالنفاذ المعجل القانوني، ومن سمات هذا الأمر أنه يصدر في غيبة الخصوم.
أي أن أمر التنفيذ الصادر في صورة أمر على عريضة ، لا يحوز حجية الأمر المقضي به أو قوة الأمر المقضي به، ولا يحوز كذلك القوة التنفيذية، وإن كان هو الذي يمنحها الحكم التحكيم .
في حين يصدر أمر تنفيذ أحكام التحكيم الأجنبية في صورة حكم قضائي، والأخير يصدر في دعوى قضائية، أي في خصومة قضائية حقيقية، يتم فيها إعلان الخصوم، ويقدم كل طرف دفاعه وطلباته أمام المحكمة، وهو حكم يقبل الطعن وفقا لطرق الطعن المقررة على الأحكام القضائية، وهو حكم لا يحوز هو الآخر أية حجية بوصفه صادراً في طلب وقتي.
ويلاحظ أن الأمر الصادر بالتنفيذ أو برفض التنفيذ، سواء تعلق الأمر بحكم التحكيم الداخلي أو حكم التحكيم الأجنبي، تنحصر حجيته في نطاق النظام القانوني الذي صدر فيه ، ولا يرتب أي أثر قانوني في أي نظام قانوني آخر .
ثالثاً : بالنسبة للتشريع الإماراتي :
يصدر حكم التصديق ( أمر التنفيذ ) على حكم التحكيم الداخلي في صورة حكم قضائي مسبب، أي يتم تقديمه في صورة عريضة دعوى، وليس طلبا على عريضة، أي يوجد خصومة قضائية حقيقية، يتم فيها إعلان الخصوم، ويقدم كل طرف دفاعه وطلباته أمام المحكمة، وهو حكم يقبل الطعن وفقا لطرق الطعن المقررة في الأحكام القضائية، وهو حكم لا يحوز أية حجية بوصفه صادرا في طلب وقتي.
وبالنسبة لأمر تنفيذ أحكام التحكيم الأجنبية فهو يصدر هو الآخر صورة حكم قضائي، والأخير يصدر في دعوى قضائية ، أي في خصومة قضائية حقيقية ، يتم فيها إعلان الخصوم ، ويقدم كل طرف دفاعه وطلباته أمام المحكمة .
ويلاحظ أن الأمر الصادر بالتنفيذ أو برفض التنفيذ، سواء تعلق الأمر بحكم التحكيم الداخلي أو حكم التحكيم الأجنبي ، تنحصر حجيته في نطاق النظام القانوني الذي صدر فيه، ولا يرتب أي أثر قانوني في أي نظام قانوني آخر .
رابعاً : بالنسبة للتشريع السوري :
1- حجية الأمر بالتنفيذ وقوته التنفيذية بالنسبة لحكم التحكيم الداخلي أو التجاري الدولي
يصدر أمر تنفيذ حكم التحكيم الداخلي أو التجاري الدولي الذي يصدر في سوريا أو الذي يصدر في الخارج ، ويتفق الطرفان على تطبيق قانون التحكيم السوري على إجراءات التحكيم ، في صورة حكم قضائي ، من محكمة الإستئناف العالي ، وبالتالي يكون الحكم الصادر نهائيا غير قابلا للطعن بالإستئناف
2- حجية الأمر بالتنفيذ وقوته التنفيذية بالنسبة لحكم التحكيم الأجنبي
وأما أمر تنفيذ حكم التحكيم الأجنبي فهو يصدر في صورة حكم قضائي من محكمة إبتدائية، وهو حكم يقبل الطعن. وفقا لطرق الطعن المقررة على الأحكام القضائية ، وبالتالي لا يكون هذا الحكم نهائيا .