نصت المادة الخامسة من اتفاقية نيويورك على أسباب رفض الاعتراف والتنفيذ الحكم التحكيم الأجنبي وتنقسم إلى قسمين أسباب إجرائية نصت عليها المادة
1/5 وهي الأسباب التي يمكن للطرف الذي يعترض على حكم التحكيم الأجنبي إثارتها، وأسباب موضوعية نصت عليها المادة ۲/5 والتي يحق لقاضي التنفيذ الذي يطلب منه الاعتراف بحكم التحكيم الأجنبي إثارتها من تلقاء نفسه.
ويجب على طالب التنفيذ تقديم أصل حكم التحكيم أو صورة مصدقة عنه وترجمة معتمدة لها إذا قدما بلغة غير لغة الدولة المطلوبة التنفيذ فيها.
أما عن موقف اتفاقية نيويورك من الآثار المترتبة على القضاء ببطلان حكم التحكيم في إقليم الدولة التي صدر فيها أمام القضاء الوطني للدول الأخرى الأطراف يظهر ذلك من خلال الفقرة (ه ) من المادة الخامسة حيث جاء بها:
"ه. أن الحكم لم يصبح ملزما للأطراف أو أبطلته أو أوقفته السلطة المختصة في البلد التي فيها أو بموجب قانونها صدر الحكم".
لذلك سنقوم بتحليل هذه الحالة التي يتم من خلالها أبطال حكم التحكيم في دولة مقر التحكيم أو في الدولة التي طبق قانونها على الحكم.
الأسباب التي أدت إلى إمكانية تنفيذ حكم التحكيم الأجنبي الباطل وفقا لاتفاقية نيويورك:
أولا: السلطة التقديرية لقاضي التنفيذ في رفض الاعتراف والتنفيذ
اختلفت النصوص المعترف بها من قبل اتفاقية نيويورك بشأن السلطة التقديرية لقاضي التنفيذ في رفض الاعتراف بحكم التحكيم أو تنفيذه، بحيث يختلف النص الإنجليزي للمادة 1/5 من الاتفاقية عن النص الفرنسي لها حيث جاء النص الإنجليزي بمعني الجوازية ونص على إنه: "يجوز رفض الاعتراف والتنفيذ ... أما النص الفرنسي فقد جاء على خلاف ذلك.
وترجع كلمة "يجوز" الواردة في النص الإنجليزي للمادة الخامسة من إتفاقية نيويورك لعام ۱۹۵۸ إلى "المقترح الهولندي" وإن صاحب هذا المقترح
Peter Sandre يرى أن كلمة يجوز "May" تشير إلى إحدى متطلبات رفض التنفيذ المتمثلة بضرورة قيام الطرف المعارض للتنفيذ بإثبات وجود سبب أو أكثر من أسباب رفض التنفيذ، وعند الإثبات يتم رفض التنفيذ؛ أي لا يعطي المصطلح (May) الوارد في النص الإنجليزي للمادة (5) لقاضي التنفيذ سلطة تقديرية في الموافقة على منح التنفيذ على الرغم من إثبات توافر واحدا أو أكثر من أسباب الرفض الواردة في المادة 1/5 من الاتفاقية، ويرى أن ما يؤيد تفسيره لكلمة "May" الواردة في المادة (5) هو وجود كلمة يجب الواردة في المادة (9) من الاتفاقية الأوروبية لعام ۱۹۹۱م والتي تتضمن تكرار للأسباب الواردة في الفقرات من ( أ - د) من اتفاقية نيويورك.
ونظرا لكون النص الإنجليزي يعد من أكثر النصوص التي استخدمت في البحث القانوني لمسألة تنفيذ حكم التحكيم الأجنبي الباطل والأكثر إشكالا في التفسير القضائي سنعتمده في تفسير نصوص الاتفاقية.
ويمكن ترجمة هذا النص على النحو التالي:
"يجوز رفض الاعتراف وتنفيذ الحكم، بناء على طلب الطرف المحتج عليه بالحكم، فقط إذا قدم ذلك الطرف للسلطة المختصة في الجهة المطلوب الاعتراف والتنفيذ منها الدليل على: .....
ومن خلال الترجمة شبة الحرفية للنص السابق يتبين منح قاضي التنفيذ السلطة الجوازية في رفض الاعتراف بحكم التحكيم أو تنفيذه في حال توافر حالة من حالات رفض التنفيذ.
فاتفاقية نيويورك لا تتعارض مع أن يكون قانون أي دولة متعاقدة يتمتع بقدر أكبر من الحرية وبالتالي تطبيق القواعد العامة السارية بهذه الدولة لكونها تنزل على الحد الأدنى من الشروط التي يجب توفرها في حكم التحكيم من أجل الاعتراف به وتنفيذه المنصوص عليها في الاتفاقية.
وهذا ما ذهبت إليه محكمة النقض الفرنسية في حكمها الصادر في ۲۳ مارس ۱۹۹۶ في قضية Hilmarton حيث أيدت حكم محكمة استئناف باريس الذي قرر تطبيق نص المادة السابعة من معاهدة نيويورك بأن للطرف الحق في التمسك بالقواعد الفرنسية الخاصة بالاعتراف وتنفيذ أحكام التحكيم الصادرة في الخارج في مسائل التحكيم الدولي ولا سيما نص المادة ۱۵۰۲ من قانون الإجراءات المدنية الفرنسي (القديم) ۱۵۲۰ من قانون الإجراءات المدنية الفرنسي الجديد والتي لا تعد من بين حالات رفض الاعتراف وتنفيذ حكم التحكيم.
تجاهل محاكم التنفيذ لنص المادة السادسة من اتفاقية نيويورك
تنص المادة السادسة من اتفاقية نيويورك على:
ويمكن ترجمة هذا النص على النحو التالي:
- إذا قدم طلب لإبطال الحكم أو وقف تنفيذه إلى السلطة المختصة المشار إليها في المادة ۱/5/ه جاز للسلطة التي يحتج أمامها بالحكم، متی رأت ذلك مناسبة، أن تؤجل اتخاذ قرارها بشأن تنفيذ الحكم، ويجوز لها أيضا بناء على طلب الطرف الذي يطالب تنفيذ الحكم، أن تأمر الطرف الآخر بتقديم الضمان المناسب".
يلاحظ على المادة السابقة امتلاك محكمة التنفيذ للسلطة التقديرية بتأجيل أو عدم تأجيل اتخاذ قرار التنفيذ، حيث تطبق المادة السادسة إذا كان هناك طلب مقدم لإبطال حكم التحكيم أمام المحاكم المختصة في بلد التحكيم وذلك بخلاف المادة ۱/5/ه والتي تطبق عندما يتم تقديم طلب تنفيذ حكم تحكيمي تم إبطاله من قبل السلطة المختصة ببلد التحكيم.
ومن خلال ذلك نستطيع القول إنه لو تم تطبيق وتفعيل نص المادة السادسة من الاتفاقية واستخدام السلطة التقديرية الممنوحة لدولة التنفيذ، بتأجيل قرارات التنفيذ في الأحكام التي ما زالت طلبات إيطالها قيد النظر أمام المحاكم المختصة لكان سبب جوهري وفعال لتطبيق نص المادة ۱/۰/ه. من الاتفاقية لكون هذا النص أولى بالتطبيق الفعلي من نص المادة السادسة والتي لم توضع دون مبرر لوجودها وعند تطبيقها بشكل فعلي فهذا ضمان لتطبيق أساس رفض التنفيذ وفقا للمادة ۱/5/ه. وبالتالي عدم إمكانية تنفيذ أحكام التحكيم الأجنبية الباطلة.