المقرر أنه يجوز تنفيذ حكم التحكيم الصادر في بلد أجنبي في ليبيا بنفس الشروط المقررة لتنفيذ الأحكام والأوامر الليبية في ذلك البلد. والأصل أنه يمكن تنفيذ حكم التحكيم الأجنبي في ليبيا دون عوائق، ما لم يثبت أن الشروط المقررة لتنفيذ الأحكام والأوامر الليبية في البلد الأجنبي الذي صدر فيه حكم التحكيم، تختلف عن الشروط المقررة لتنفيذ الحكم الأجنبي في ليبيا.
(المحكمة العليا- الطعن المدني رقم 54/41 - جلسة 2007/6/18)
حيث أن الطعن استوفى أوضاعه المقررة قانوناً فهو مقبول شكلاً.
وحيث ينعي الطاعن بصفته على الحكم المطعون فيه مخالفة القانون والقصور في التسبيب
من وجهين:
الأول:- أن حكم المحكمين الذي أعلنه المطعون ضده للطاعن يتعارض مع حكم محكمة شمال طرابلس الابتدائية الصادر بتاريخ 27-4-2002 في الدعوى وقبل صدور حكم التحكيم بتاريخ 3-6-2002 وبالتالي لا يجوز تنفيذه طبقا للمادة 3/407 من قانون المرافعات كما أن الحكم لم تراع فيه أحكام القانون الليبي وفقا لنص المادة 3/26 من العقد موضوع التحكيم – ولما كان المشرع قد منح الأفضلية للأحكام والأوامر الصادرة عن القضاء الوطني وبالتالي لا يجوز تنفيذ الحكم الأجنبي اذا كان النزاع قد صدر بشأنه حكم ولو غير نهائي - وحيث أن الضمانات التي قضى بتسبيلها للطاعن في ذات ضمانات العقود موضوع حكم التحكيم فان التعارض بين حكم المحكمين والحكم الصادر في الدعوى رقم 2000/1315 يكون تعارضاً حقيقياً وواضحاً وهو ما أنكره الحكم المطعون فيه بما يكون معه قد خالف القانون.
التحكيم وهي الثاني: - أورد الحكم المطعون فيه أن الحكم الصادر في الدعوى رقم 2000/1315 يتعلق بمدى أحقية شركة صيد الأسماك في تسييل خطابات الضمان وبالتالي لا يوجد تعارض بينه وبين حكم التحكيم لأن الطلبات ليست واحدة وكذلك السبب والخصوم - وحيث أن ما أورده الحكم في الخصوص مجانب الصواب لأن خطابات الضمان التي صدر فيها الحكم لمصلحة الطاعن في دعوى كان المطعون ضده خصما فيها هي ذات الخطابات موضوع العقدين موضوع حكم تمثل قيما مالية، وجزءاً من الالتزامات الواردة بحكم التحكيم - أما الخصوم في الدعوى 2000/1315 هم ذات الخصوم في حكم التحكيم واختصام المصرف العربي الأسباني والعربي الخارجي في الدعوى كان يحكم أنهما ضامنين للمطعون ضده، وبالنسبة للمصلحة فلا جدال في أن للطاعن مصلحة في إبداء هذا الدفع الجوهري لأنه يؤدي الى استحالة تنفيذ حكم التحكيم.
من ناحية أخرى، فقد أورد الحكم المطعون فيه بأن الأصل في التعاون الدولي هو تنفيذ الحكم الأجنبي وعلى من يدعي ذلك اثباته – وهو قول مرسل مجاف للصواب، لأن قواعد التنفيذ الجبري هي تلك الواردة في قانون المرافعات، وليست قواعد القانون الأجنبي وهو ما يفهم من نصوص المواد 405 ما بعدها من القانون المذكور ولا محل لتنفيذ حكم صادر في بلد أجنبي اذا كان قانون ذلك البلد لا يجيز تنفيذ الأحكام الليبية ولما كان الحكم في الدعوى رقم 2000/1315 هو حكم صادر عن محكمة ليبية قبل صدور حكم التحكيم فانه لا يجوز الأمر بتنفيذ الحكم الأخير.
وحيث أن النعي في وجهيه غير سديد، ذلك أن المستفاد من نص المادة 408 من قانون المرافعات أنه يجوز الأمر بتنفيذ أحكام المحكمين الصادرة في بلد أجنبي شريطة أن تكون نهائية وقابلة للتنفيذ في البلد الذي صدرت فيه، على أن تراعي في شأنها القواعد الواردة في المواد السابقة، وكانت المادة 407 قد أوردت أموراً يجب التحقق منها قبل الأمر بالتنفيذ ومن بينها ما ورد في الفقرة الثالثة منها، وهو ألا يكون الحكم أو الأمر متعارضاً مع حكم أوامر سبق صدوره عن المحاكم الليبية.
وحيث أن التحقق من مدى تعارض الحكم أو الأمر الصادر عن المحاكم الليبية مع الحكم أو الأمر الصادر في بلد أجنبي يقتضي بحث ما اذا كان الحكمان أو الأمران (الوطني والأجنبي) قد فصلا في ذات الحق أو في جزء منه مشترك بينهما وأن يكونا صادرين بين ذات الخصوم.
لما كان ذلك وكانت الأحكام العامة بلائحة العقود الإدارية تلزم المقاول يتقديم خطابات ضمان غير قابلة للالغاء وقابلة للتسييل عند الطلب وذلك للجهة المتعاقد معها مقابل ما يدفع له كدفعة مقدمة من قيمة العقد، أو ضماناً لحسن التنفيذ، أو لتغطية العيوب التي قد تظهر في فترة الضمان بعد التنفيذ إلى غير ذلك من الأمور التي ينص عليها عادة في عقود الادارة، وكانت أحكام عقد تنفيذ مصنع تعليب الأسماك المبرم بين الشركة الطاعنة بصفتها الجهة المالكة والشركة المطعون ضدها بصفتها المقاول المنفذ لأعمال العقد، قد نصت على وجوب تقديم الشركة المطعون ضدها عدة خطابات ضمان لصالح الشركة الطاعنة لضمان اتمام التنفيذ، ولضمان مسئوليات المقاول، ولضمان الدفعة المقدمة، وأن هذه الخطابات غير قابلة للالغاء ويمكن الشركة الطاعنة طلب تسبيلها دون الالتفات لأي اعتراض من جانب الشركة المطعون ضدها.
وحيث أن الشركة الطاعنة طلبت من المصرف الصادرة عنه خطابات الضمان (المصرف العربي الليبي الخارجي) تسييلها لصالحها فرفض المصرف بحجة أن هناك أمراً قضائياً إسبانيا يمنع المصرف الأسباني من الدفع، فلجأت الشركة الطاعنة إلى رفع الدعوى رقم (2000/1315) أمام الدائرة التجارية بمحكمة شمال طرابلس الابتدائية بطلب الزام المدعى عليه (المصرف الخارجي) بالافراج عن قيمة الضمانات مع تعريض مسائل لقيمتها – وقام المصرف المذكور بادخال كل من الشركة المنفذة (المطعون ضدها) والمصرف الأسباني في الدعوى، حيث قضت فيها المحكمة بتاريخ 27-3-2002 باخراج المدخلين في الدعوى وبالزام المدعى عليه بصفته بأن يدفع للمدعي مبلغا وقدره (6.977.804) مليون دينار قيمة الاعتمادات بالضمان.
ولما كان الثابت من الحكم المذكور أنه لم يتناول أصل الحق أو نسبة الخطأ لأي من طرفي العقد وانما أمس قضاءه بالزام المصرف بالتسبيل على أنه لا يحق للمدعى عليه (المصرف) أن يتمسك يدفوع المدخل الأول في الدعوى (المصرف الاسباني) لأنه ضامن أصلي ويمكن للمدعي الرجوع عليه، وأن المصرف المحلي بدوره أن يرجع على الضامن (المصرف الخارجي) طالما كان الضمانان مستقلين في أطرافهما عن بعضهما، وأن الأمر القضائي الأسباني لا يحتج به ما لم تتبع في شأنه الاجراءات الواردة بالمادة 406 من قانون المرافعات، وأن النزاع بين طرفي العقد يعتبر خارجاً عن هذا الطلب، بما يتعين معه أجابة المدعي إلى طلبه بشأن تسييل خطابات الضمان، وكان الحكم الابتدائي المؤيد بالحكم المطعون فيه قد انتهى إلى القضاء بتقبيل حكم التحكيم وحكم محكمة استئناف باريس بالصيغة التنفيذية مؤسساً ذلك على توافر الشروط القانونية في الحكمين وأن شرط التحكيم منصوص عليه في العقد وأن الخصوم مثلوا تمثيلاً صحيحاً كما يتضح من مشارطة التحكيم والاجراءات الواردة بالحكمين، وقد أضاف الحكم المطعون فيه في معرض رده على ما دفع به الطاعن، بصفته، من وجود تعارض بين حكم التحكيم وحكم محكمة شمال طرابلس الابتدائية في الدعوى رقم (2000/1315) بأن الشركة المطعون ضدها لم تكن طرفا في تلك الخصومة والتي الحصرت بين الشركة الطاعنة والمصرف وأن الحكم في الدعوى (1315) يخص تسبيل خطابات الضمان وحكم المحكمين يتعلق باستحقاق الشركة المطعون ضدها لقيمة تلك الخطابات وحقها في استرجاعها، وأن تسييل خطابات الضمان لا يرتب حقاً نهائياً لمن تم التسبيل لصالحه لامكانية رجوعها للمستحق لها عند المنازعة ورد قيمتها بموجب النسوية النهائية رضاء أو قضاء أو عن طريق التحكيم، وانتهى الحكم المطعون فيه إلى تأييد الحكم المستأنف، فان قضاء الحكم المطعون فيه ومن قبله الحكم الابتدائي المؤيد له في أسبابه يكون قد جاء موافقا لصحيح القانون ويكفي لحمل النتيجة التي توصل اليها بما يتعين معه رفض الطعن.
ولا ينال من ذلك ما يثيره الطاعن بصفته من أنه لا محل لتنفيذ حكم صادر في بلد أجنبي اذا كان قانون ذلك البلد لا يجيز تنفيذ الأحكام الليبية ذلك أنه وان كانت المادة 405 من قانون المرافعات قد نصت على أن الأحكام والأوامر الصادرة في بلد أجنبي يجوز الأمر بتنفيذها بنفس الشروط المقررة في قانون ذلك البلد لتنفيذ الأحكام والأوامر الليبية فيه، فان النصوص الواردة بعد النص المذكور بينت شروط وقواعد تنفيذ هذه الأحكام فضلاً على أن الحكم المطلوب تنفيذه هو حكم في موضوع اتفق فيه الأطراف على اللجوء إلى التحكيم وارتضوا مشارطته وقد صدر حكم التحكيم فاصلا في استحقاق خطابات الضمان على أساس أن موضوع النزاع يشمله وكان الطاعن لم يطرح أو يدلل على أن الشروط المقررة في البلد الذي صدر فيه حكم التحكيم لتنفيذ الأحكام والأوامر الليبية تختلف عن الشروط المقررة لتنفيذ الحكم الأجنبي في ليبيا.
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلا وفي الموضوع برفضه وبالزام الطاعن بصفته بالمصروفات .