لا يجوز التنفيذ الجبري لحكم التحكيم القابل للتنفيذ الجبري إلا بعد استصدار أمر بتنفيذه، وذلك إعمالاً لقاعدة السند التحكيمي المركب. لكن لا أصدر هذا الأمر بالتنفيذ إلا بناء على طلب يقدم للقاضي المختص به الذي تحقق من خلو الحكم من موانع الأمر بتنفيذه، ويكون للطالب حق التظلم من رفض طلبه.
- حق طلب الأمر بالتنفيذ:
كانت المادة 509 مرافعات ملغاة تنص على أنه «لا يكون حكم: قابلاً للتنفيذ إلا بأمر .... بناءً على طلب أي من ذوي الشأن...».
بينما نصت المادة 55 تحكيم على أن «..... أحكام المحكمين الصادرة وفقاً لهذا القانون .... تكون واجبة النفاذ بمراعاة الأحكام المنصوص عليها في هذا القانون». وقالت المذكرة الإيضاحية لهذا النص، أن «فيه تقرر .... حق من كسب الدعوى في طلب تنفيذه بعد انقضاء ميعاد التسعين يوماً المقررة الإقامة دعوى البطلان»
وهو من ثم من تكون له مصلحة في التظلم من الأمر الصادر برفض التنفيذ (م ۳/۰۸ تحكيم).
- طبيعة طلب الأمر بالتنفيذ:
طلب الأمر بتنفيذ حكم التحكيم هو بطبيعته طلب قضائي، لا طلب تحكيمي يقدم للمحكم، وبالتالي لا يجوز تقديمه للمحكم، حتى لو كان التحكيم إجباريا ًتتولاه هيئة يرأسها أحد رجال القضاء.
وهذا الطلب القضائي يقدم بإجراءات استصدار الأمر على عريضة، لا لإجراءات العادية للدعوى القضائية وإلا قضي بعدم قبوله لرفعه بغير فريق الذي رسمه القانون لاستصدار أمر بتنفيذ حكم التحكيم الوطني، فنظام طلب الأمر بالتنفيذ بالإجراءات العادية للدعوى القضائية، هذا النظام حكر على الأحكام والأوامر القضائية والأحكام التحكيمية الأجنبية، وبالتالي فلا يمتد نطاقه إلى الأحكام التحكيمية الوطنية.
ومن ثم يقدم طلب الأمر بتنفيذ حكم التحكيم، في شكل عريضة من نسختين متطابقتين ومشتملة على وقائع الطلب وأسانيده وتعيين موطن مختار الطالب في البلدة التي بها مقر المحكمة التي يتبعها القاضي الأمر)، وتشفع بها المستندات المؤيدة لها» وذلك عملاً بالمادة 194 مرافعات.
- مرفقات طلب الأمر بالتنفيذ:
أوجبت المادة 56 تحكيم أن يرفق بطلب الأمر بتنفيذ حكم التحكيم، ما يلي:
-1 أصل الحكم أو صورة موقعه منه، أي صورة من حكم التحكيم موقعة من المحكمين الذين وافقوا عليه (م4 1/4تحکیم).
-2 صورة من اتفاق التحكيم.
-3ترجمة مصدق عليها من جهة معتمدة إلى اللغة العربية، لحكم التحكيم إذا لم يكن صادراً بها.
-4 صورة من المحضر الدال على إيداع الحكم وفقا للمادة 47 تحكيم. إذ نصت المادة 47 المشار إليها إلى أنه يجب على من حكم التحكيم لصالحه إيداع أصل الحكم أو صورة موقعة منه باللغة التي صدر بها، أو ترجمة باللغة العربية مصدقة عليها من جهة معتمد إذا كان صادرا بلغة أجنبية، وذلك في قلم كتاب المحكمة المشار إليها في المادة 9 من هذا القانون. ويحرر كاتب المحكمة محضرا بهذا الإيداع، ويجوز لكل من طرفي التحكيم طلب الحصول على صورة من هذا المحضر».
ويمكن أن نستخلص من ذلك أن فكرة مرفقات طلب الأمر بالتقيد، تقوم على ما يلي:
1- أن موضوع الأمر بتنفيذ حكم التحكيم، ليس مجرد الحكم التحكيمي إنما هو الحكم التحكيمي المودع، وبالتالي فلا أمر تنفيذ حكم تحكيم إلا إذا كان حكماً مودعاً.
۲- أن اللغة العربية هي لغة المحاكم، حتى لو لم تكن هي لغة التحكيم.
۳- اتفاق التحكيم باعتباره مفترضاً ثابتاً في التحكيم الاختياري وبالتالي بالنسبة لحكم التحكيم، فإن وجوده ضروري بالنسبة للأمر بتنفيذ حكم التحكيم المودع. إذ لا تحكيم اختياري بلا اتفاق تحكيم.
- ميعاد طلب الأمر بالتنفيذ:
نصت المادة ۱/۰۸ تحكيم على أنه «لا يقبل طلب تنفيذ حكم التحكيم إذا لم يكن ميعاد رفع دعوى بطلان الحكم قبل انتهى». بينما نصت المادة ۱/54 وتحكيم على أنه «ترفع دعوى بطلان حكم التحكيم خلال التسعين يوما التالية التاريخ إعلان حكم التحكيم للمحكوم عليه»..
وهذان النصين ينظمان معادين مختلفين، ولو أن هناك سمات كثيرة مشتركة بين الميعادين. مما يعني أن وجود تطابق بين الميعادين، لا ينفي وجود اختلاف جوهري بينهما:
أولاً: أوجه التطابق بين الميعادين:
ميعاد التسعين يوما التالية التاريخ إعلان حكم التحكيم للمحكوم عليه، سواء بالنسبة لدعوى بطلان هذا الحكم، أو بالنسبة لطلب الأمر بتنفيذ هذا الحكم، هو:
1- ميعاد إجرائي، ومن ثم فهو يخضع للقواعد العامة للميعاد " الإجرائي، وخاصة قواعد الامتداد بسبب العطلة وبسبب المسافة.
2- وهو من المواعيد المقررة بالأيام، ويبلغ مقداره تسعون يوماً.
3- وإعلان حكم التحكيم للمحكوم عليه، هو الأمر المعتبر في نظر القانون مجرية لهذا الميعاد، ولو أنه لا يلزم أن يكون هذا الإعلان قضائيا مما نظمته القواعد العامة في قانون المرافعات، إنما يكفي أن يكون هذا الإعلان تحكيمية مما نظمته المادة 7 تحكيم، لكن لا يعتبر إعلانا للحكم أن «تسلم هيئة التحكيم إلى كل من الطرفين صورة من حكم التحكيم موقعة من المحكمين الذين وافقوا عليه خلال ثلاثين يوماً من تاريخ صدروه (م 4 1/4 تحكيم).
4- وهذا الميعاد مستحدث، سواء بالنسبة لنظام دعوى بطلان حكم التحكيم أو بالنسبة لنظام طلب الأمر بتنفيذ هذا الحكم. فقبل صدور قانون التحكيم الجديد لم يكن المشرع ينظم أي ميعاد، سواء الدعوى البطلان أو لطلب الأمر بالتنفيذ. لذا قيل «لم يحدد المشرع ميعاد معينة لرفع هذه الدعوى.
لكن استحدث قانون التحكيم الجديد هذا الميعاد لدعوي البطلان وعللت) المذكرة الإيضاحية هذا الاستحداث، بقولها «وذلك حتى لا تظل أحكام التحكيم مهددة بالطعن فيها لمدة غير محدودة»..
كما استحدث قانون التحكيم الجديد هذا الميعاد لطلب الأمر بالتنفيذ، وذلك لكيلا يسارع المحكوم له إلى استصدار أمر بتنفيذ حكم التحكيم، بينما هذا الحكم مهدد ليس فقط بطلب الأبطال إنما أيضاً بطلب وقف التنفيذ، خاصة أن قانون قد سلب حق المحكوم عليه في التظلم من هذا الأمر بالتنفيذ.
5- وهذا الميعاد متعلق بالنظام العام، سواء في نطاق دعوى البطلان حيث يقوم هذا الميعاد على فكرة عدم بقاء حكم التحكيم مهددة بالطعن فيه لمدة در محدودة، أو في نطاق نظام طلب الأمر بالتنفيذ حيث يقوم هذا الميعاد على فكرة ضرورة التريث في استصدار أمر بتنفيذ حكم مهدد بالبطلان وبوقف التنفيذ خاصة مع منع التظلم من هذا الأمر بعد صدوره. مما يعني أن الميعاد في الحالتين يقوم على اعتبارات موضوعية، لا اعتبارات خاصة تتعلق بالمصلحة الخاصة.
ومن ثم فإن هذا الميعاد يخضع للقواعد العامة للمواعيد الإجرائية المتعلقة بالنظام العام. فلا يجوز الاتفاق على مخالفته، ويقضي القاضي من تلقاء نفسه بجزاء مخالفة الميعاد.
ثانيا - أوجه الاختلاف بين الميعادين:
ورغم أوجه التطابق بين الميادين على النحو السالف بيانه، لكنهما ميعادان مختلفان عن بعضهما، سواء من حيث الطبيعة أو النظام أو النطاق:
1- فهذا الميعاد بالنسبة لدعوى البطلان، هو ميعاد ناقص، لا ميعاد كامل. إذ هو من المواعيد التي يجب أن يتم الإجراء خلالها وإلا سقط الحق فيه، وبالتالي فهو ميعاد سقوط، ومن ثم يخضع القاعدة العامة الواردة في المادة ۲/۲ مرافعات التي تنص على أنه «لا يجري ما يستحدث من مواعيد السقوط إلا من تاريخ العمل بالقانون الذي استحدثها.
بينما هذا الميعاد بالنسبة لطلب الأمر بالتنفيذ، هو ميعاد كامل، لا ميعاد شخص، وهو من ثم من المواعيد التي يجب انقضاؤها قبل الإجراء، وبالتالي فإنه يخضع لقادة: «إذا كان الميعاد ما يجب انقضاؤه قبل الأجراء فلا يجوز حصول الأجراء إلا بعد انقضاء اليوم الأخير من الميعاد (م1/15 مرافعات). لذا فإنه إذا قدم طلب الأمر بالتنفيذ قبل انقضاء ميعاده كان هذا الطلب - على حد عبارة المشرع - «لا يقبل»، وذلك لرفعه في الميعاد، لا لرفعه بعد الميعاد.
۲- وهذا الميعاد مقرر الدعوى بطلان حكم التحكيم أيا كان، أي حتى لو لم يكن هذا الحكم قابلاً للتنفيذ الجبري، فهو ميعاد دعوى بطلان حكم التحكيم، بصرف النظر عما إذا كان قابلاً أو غير قابل للتنفيذ الجبري.
بينما هذا الميعاد مقرر لطلب الأمر بتنفيذ حكم التحكيم القابل للتنفيذ الجبري، لا لسواه من أحكام التحكيم.
في مشروع قانون التحكيم الدولي كانت المادة ۱/56 منه تنص على أنه لا يقبل طلب حكم التحكيم إلا بعد انقضاء ميعاد إقامة دعوى بطلان الحكم. ومع ذلك إذا اتبعت الدعوى خلال هذا الميعاد، جاز لمن صدر لصالحه حكم التحكيم مباشرة إجراءات تنفيذه وقالت المذكرة الإيضاحية لهذا النص أنه فيه يتقرر حق من كسب الدعوى في طلب بعد انقضاء ميعاد التسعين يوما المقررة لإقامة دعوى البطلان. ومع ذلك إذا إليه الدعوى خلال الميعاد عاد إلى من صدر حكم التحكيم لصالحه حقه الأصلي في طلبه " الحكم مباشرة، لكيلا يظل سلبية بعد أن هاجمه خصمه بإقامة دعوى البطلان.
بهذا، كان التصور الذي ساد الأعمال التحضيرية لهذا القانون، هو أن لرفع دعوى البطلان أثره في زوال الوقف القانوني لتنفيذ حكم التحكيم، ذلك الوقف الذي تقرر بالنص على عدم قبول طلب الأمر بالتنفيذ قبل انقضاء ميعاد رفع دعوى البطلان، وبالتالي فإنه إذا رفع المحكوم عليه دعوى البطلان، جاز للمحكوم له أن يطلب الأمر بالتنفيذ، حتى لو لم يكن ميعاد التسعين يوما قد انقضى كاملا.
وفي اعتقادنا أن أيأس مشكلة التداخل بين الميعادين، هو أن القانون قد أحال في شان ميعاد طلب الأمر بالتنفيذ إلى ميعاد دعوى البطلان. فصحيح أن المادة 1/58 تحكيم قد نصت على أنه «لا يقبل طلب تنفيذ حكم التحكيم إذا لم يكن ميعاد رفع دعوى البطلان قد انقضى»، لكن المشرع لم يقصد بهذا أكثر ورد الإحالة إلى ميعاد دعوى البطلان، وذلك عند تنظيم ميعاد قبول طلب الأمر بالتنفيذ.
ومما يزكي هذا أن المشرع شأنه في ذلك شأن اللجنة المشتركة، لم يساير مشروع قانون التحكيم التجاري الدولي فيما كانت تنص عليه المادة ۱/56 منه بقولها «.... ومع ذلك إذا أقيمت الدعوى خلال الميعاد، جاز لمن صدر لصالحه حكم التحكيم مباشرة إجراءات تنفيذه». إذ خرج نص المادة ۱/۵۸ تحكيم المقابل لنص المادة 1/56 من المشرع سالف الذكر، خالية تماماً من تلك العبارة، مما يعني أن ما قررته المذكرة الإيضاحية لتلك العبارة، لم يعد له محل في ظل نص المادة ۱/58 تحكيم. إذ قالت هذه المذكرة «.... ومع ذلك إذا أقيمت هذه الدعوى خلال الميعاد عاد إلى من صدر حكم التحكيم الصالحة حله الأصلي في طلب تنفيذ الحكم مباشرة لكيلا يظل سلبيا بعد أن هاجمه خصمه بإقامة دعوى البطلان ..... والمشرع بهذا الحذف قد تفي تماما وجود أي ارتباط بين طلب الأمر بالتنفيذ وبين رفع دعوى البطلان.
بل كذلك كان في مقدور المشرع الاستغناء عن هذه الإحالة إلى ميعاد دعوى البطلان، وذلك فيما لو نص في المادة ۱/58 تحكيم على حظر قبول طلب تنفيذ حكم التحكيم إذا لم تكن التسعين يوما التالية لتاريخ إعلانه قد انقضت. وفضلاً عن أن هذه العبارة لا تتضمن أي تغيير سواء في حكم أو معنى أو وظيفة النص الحالي، فإنها تؤكد انتفاء أية علاقة بين طلب الأمر تنفيذ وبين دعوى البطلان، أي تؤكد استقلال نص المادة 1/58 تحكيم عن نصوص دعوى البطلان.
وهذا الاستقلال غير مذكور في المذكرة الإيضاحية للمادة 58 تحكيم. إذا تقول هذه المذكرة «وبالنسبة للمادة 58، نظمت المادة طلب تنفيذ حكم المحكمين فاشترطت للأمر بالتنفيذ أن يكون ميعاد دعوى البطلان (تسعين يوما) قد انقضى ...». ومراعاة هذا الاستقلال ضرورة يقتضيها ليس فقط ضبط معاني صدر المادة 57 تحكيم والفقرة الأولى من المادة 58 تحكيم، إنما أيضاً استقلال ميعاد طلب الأمر بالتنفيذ.
إذ رأينا فيما تقدم استقلال ميعاد طلب الأمر بالتنفيذ عن ميعاد دعوى البطلان، سواء من حيث الحكمية أو الطبيعة أو الموضوع. فالميعاد الأول ميعاد كامل وجزء من نظام طلب الأمر بتنفيذ حكم التحكيم القابل للتنفيذ الجبري، بينما الثاني ميعاد ناقص وجزء من نظام دعوى بطلان أي حكم تحكيم، ولو أن كلاهما ميعاد قبول طلب قضائي، إنما الأول ميعاد قبول أي على عريضة، بينما الثاني ميعاد دعوى قضائية.
لكن خلال ميعاد دعوى البطلان، يقبل طلب البطلان ولا يقبل طلب منفذ، أما بعد انقضاء ميعاد دعوى البطلان، فلا يقبل طلب
الأمر بالتنفيذ، أما بعد انقضاء ميعاد البطلان، فلا يقبل طلب الأمر بالتنفيذ. لكن في كل الأحوال، لا يترتب على إجازة أو حظر القبول وقف قانوني للقوة التنفيذية لحكم التحكيم المدعي في دعوى البطلان، أن يطلب في صحيفة الدعوى وقف القوة التنفيذية.
تطور تاريخي:
كان قانون المرافعات الملغي رقم 77 لسنة 1999يجعل الاختصاص بطلب الأمر بالتنفيذ، قاضي الأمور الوقتية بالمحكمة التي أودع أصل الحكم قلم كتابها (م 844)، أي بالمحكمة المختصة أصلا بالنزاع (م 842).
لكن المادة 509 مرافعات ملغاة من القانون رقم 13 لسنة1998، كانت تجعل هذا الاختصاص لقاضي التنفيذ بالمحكمة التي أودع أصل الحكم قلم كتاب، أي بالمحكمة المختصة أصلاً بنظر النزاع إذ كانت هذه المادة تنص على أنه «لا يكون حكم المحكمين قابلا للتنفيذ إلا بأمر يصدر من قاض التنفيذ بالمحكمة التي أودع أصل الحكم قلم كتابها ...». بينما حددت المادة * 5 مرافعات ملغاة المحكمة التي يودع أصل الحكم قلم کتابها، وذلك بقولها لجميع أحكام المحكمين ... يجب إيداع أصلها ... قلم كتابها المحكمة المختصة أصلاً بنظر النزاع... وإذا كان التحكيم وارداً على قضية استثناء إلى الإبداع في قلم كتاب المحكمة المختصة أصلاً ينظر الاستئناف»، لكن نصت المادة 274 مرافعات على أن «.... قاضي التنفيذ يندب في مقر كل محكمة جزئية ....»، مما يعني أنه ليس هناك قاضي تنفيذ بالمحكمة الابتدائية أو بمحكمة الاستئناف. لذا قيل إنه حيث تكون المحكمة المختصة أصلا بالنزاع هي محكمة ابتدائية أو محكمة استئناف، يختص بطلب الأمر بالتنفيذ قاضي التنفيذ الذي تقع هذه المحكمة في دائرته
وفي فرنسا تبنى القانون الفرنسي فكرة اختصاص قاضي التنفيذ بطلب الأمر بتنفيذ حكم التحكيم، وذلك بموجب قانون 1972/7/5.
لأن هذا الطلب لا يعد من مسائل التنفيذ التي يختص بها قاضي التنفيذ، فلا هو من إجراءات التنفيذ، ولا هو من منازعات التنفيذ، إنما هو من مسائل السند التنفيذي وهي بطبيعتها تخرج عن اختصاص قاضي التنفيذ. بهذا كان اختصاص قاضي التنفيذ بطلب الأمر بتنفيذ حكم التحكيم، بمثابة استثناء على اختصاصه العام بمسائل التنفيذ. 46- في قانون التحكيم: عدل قانون التحكيم عن فكرة جعل الاختصاص بهذا الطلب، لقاضي التنفيذ. إذ نصت المادة 56 تحكيم على أن يختص رئيس المحكمة المشار إليها في المادة 9 من هذا القانون أو من يندبه من قضاتها بإصدار الأمر بالتنفيذ لحكم المحكمين»
والمحكمة التي يختص رئيسها أو من يندبه من قضاتها بإصدار أمر التنفيذ وفقاً لهذا النص، هي نفس المحكمة التي أودع أصل الحكم أو صورته الموقعة قلم كتابها (م 1/47تحكيم.
. وهذه المحكمة هي المحكمة المختصة أصلاً بنظر النزاع فيما لو لم يكن النزاع قد اتخذ مسار التحكيم، إلا إذا كان الحكم صادرة في تحكيم تجاري دولي جرى في مصر أو جرى في الخارج، فهي محكمة استئناف القاهرة ما لم يكن الطرفان قد اتفقا على محكمة استئناف أخرى في مصر.
ويعتبر اختصاص رئيس تلك المحكمة أو من يندبه من قضاتها، بإصدار أمر التنفيذ، اختصاصاً متعلقة بالنظام العام، يترتب على مخالفته وجوب امتناع القاضي من تلقاء نفسه - عن إصدار الأمر.
وليس مبنى ذلك أن القانون يثق في حسن تقدير وعدالة المحكم أكثر مما يثق في حسن تقدير وعدالة القاضي الذي يجوز الطعن في حكمه بسبب مخالفته للقانون الموضوعي، إنما مبناه أن التحكيم غير القضاء، ومن ثم فالمحكم غير القاضي، وبالتالي فإن الحكم التحكيمي غير الحكم القضائي، سواء من حيث طبيعته أو نظامه القانوني.
٢- وقاضي الأمر بالتنفيذ شأنه في ذلك شان قاضي دعوى بطلان حكم التحكيم، له سلطة التحقق - ولو من تلقاء نفسه - من أن حكم التحكيم لا يتضمن ما يخالف النظام العام. لذا كما نصت المادة 2/30تحكيم على أن «تقضي المحكمة التي تنظر دعوى البطلان من تلقاء نفسها ببطلان حكم التحكيم إذا تضمن ما يخالف النظام العام في جمهورية مصر العربية»، فقد: المادة 2/80/ب تحكيم على أنه «لا يجوز الأمر بتنفيذ حكم التحكيم وفقاً " القانون إلا بعد التحقق مما يأتي: (أ) .... (ب) أنه لا يتضمن ما يخالف النظام العام في جمهورية مصر العربية».
- قبل صدور قانون التحكيم:
مسلم أن مجرد وجود حكم تحكيم لا يكفي للأمر بتنفيذه، خاصة أن الأمر بالتنفيذ إنما يطلب من أجل التنفيذ الجبري، وبالتالي فإن سلالة قاضي الأمر بالتنفيذ لا تقتصر على مجرد التحقق من وجود شكم التحكيم، إنما تمتد هذه السلطة إلى التحقق من انتفاء موانع تنفيذ هذا الحكم.
بل إن المادة 844 من قانون المرافعات الملغي رقم 77 لسنة 1949 قد كانت هذه الفكرة ذاتها، وذلك بقولها «لا يصير حكم المحكمين واجب إلا بأمر يصدره قاضي ... وذلك بعد الاطلاع على الحكم ومشارطة التحكيم والتثبت من عدم وجود ما يمنع من تنفيذه». وقالت محكمة - الأمر الصادر من قاضي ۰۰۰. والذي يعتبر بمقتضاه حكم المحكم طبقاً للمادة 844 من قانون المرافعات ۰۰۰۰.، يقصد به مراقبة عمل المحكم قبل تنفيذ حكمه، من حيث التثبت من وجود مشارطة التحكيم، وأن المحكم قد راعى الشكل الذي يتطلبه القانون، سواء عند الفصل في النزاع أو عند كتابة الحكم دون أن يخول لقاضي .... (الأمر بالتنفيذ) حق البحث في الحكم من ا لناحية الموضوعية ومدى مطابقته للقانون ... لأن صدور الأمر من قاضي.... (الأمر بالتنفيذ) إنما يتطلب من أجل التنفيذ ....».
ثم نصت المادة 509 من قانون المرافعات الحالي رقم 13 لسنة 1968 والملغاة، على أنه: «لا يكون حكم المحكمين قابلا للتنفيذ إلا بأمر يصدره قاضي ... وذلك بعد الاطلاع على الحكم ووثيقة التحكيم والتثبت من أنه لا يوجد ما يمنع من تنفيذه».
ويصدر القاضي أمر بتنفيذ الحكم بعد الاطلاع عليه، وعلى وثيقة التحكيم، والتثبت من عدم وجود ما يمنع من تنفيذه. ولا يعني هذا أن القضاء در رقابة موضوعية على حكم المحكمين، فهو لا يبحث موضوع النزاع التحقق من عدالة الحكم من حيث الوقائع أو القانون.
بعد صدور قانون التحكيم:
واكب صدور قانون التحكيم الجديد تطور ملحوظ في هذا الشأن. ليس فقط، لأن هذا القانون قد ألغى نص المادة 506 من قانون المرافعات الحالي رقم 13 لسنة 1968، إنما أيضا، لأن هذا القانون لم يسر على نهج القوانين السابقة عليه ومن ثم فلم يتضمن نصا مطابقا لنص المادة 509 مرافعات ملغاه الذي كان بدوره يطابق نص المادة 844 من قانون المرافعات الملغي رقم ۷۷ السنة 1999ونص المادة 725أهلي والمادة 814 مختلط. بل كذلك، لأن هذا القانون قد حصر أسباب بطلان حكم التحكيم وربطها بسلطة قاضي دعوى هذا البطلان، لا بسلطة قاضي الأمر بالتنفيذ تلك السلطة التي ربطها القانون الجديد بموانع الأمر بالتنفيذ، مما يعني أن سلطة قام تقتصر على التحقق من انتفاء موانع الأمر بتنفيذ حكم التحكيم.
أما موانع تنفيذ حكم التحكيم تلك التي كانت تشير إليها نصوص قوانين المرافعات المتعاقبة (519م مرافعات حالي، 844 مرافعات سابق،752 و814 مرافعات قديم)، فلم تعد سوى وجه من وجوه موانع الأمر بتنفيذ حكم التحكيم. فمثلا عدم قابلية حكم التحكيم للتنفيذ الجبري تعد مانعة من موانع تنفيذه جبرا، وبالتالي تعد من موانع الأمر بالتنفيذ، بينما عدم إيداع حكم التحكيم في قلم الكتاب، يعد مانعاً من موانع الأمر التنفيذ، ولو أنه لا يعد من موانع تنفيذ حكم التحكيم. بهذا فإن سلطة قاضي الأمر بالتنفيذ تقتصر على التحقق من انتفاء مواقع الأمر بالتنفيذ بما فيها موانع تنفيذ حكم التحكيم جبرة.
ووفقاً للمادة 56 والمادة 2/1/58 تحكيم، صارت سلطة قاضي الأمر بالتنفيذ التحقق من وجود اتفاق التحكيم باعتباره مفترضاً ضرورياً لحكم التحكيم الاختياري، ومن وجود حكم التحكيم القابل للتنفيذ الجيري باعتبار هذا الحكم موضوعاً للأمر بالتنفيذ، ومن مراعاة شروط الأمر بالتنفيذ بما فيها شروط الطلب ومرفقاته وميعاده والاختصاص به.
إذ نصت المادة 56 تحكيم على أن يختص رئيس المحكمة المشار إليها في المادة 9 من هذا القانون أو من يندبه من قضاتها بإصدار الأمر بتنفيذ حكم المحكمين. ويقدم طلب تنفيذ الحكم مرفقا به ما يلي: 1- الصل الحكم أو صورة موقعة منه. 2- صورة من اتفاق التحكيم. 3- ترجمة مصدق عليها من جهة معتمدة إلى اللغة العربية لحكم التحكيم إذا لم يكن صادرا بها. 4- صورة من المحضر الدال على إيداع الحكم وفقا للمادة 47 الصمت المادة 58 تحكم على أنه ۱- لا يقبل طلب تنفيذ حكم التحكيم ذا بعد رفع دعوى بطلان الحكم قد انقضى. ۲- لا يجوز الأمر بتنفيذ حكم التحكيم وفقا لهذا القانون إلا بعد التحقق مما يأتي: أ- أنه لا يتعارض مع ما صدوره من المحاكم المصرية في موضوع النزاع. ب- أنه لا يضمن ما يخالف النظام العام في جمهورية مصر العربية. ج- أنه قد تم إعلانه للمحكوم عليه إعلان صحيحا.
وكذلك عدم تقديم طلب الأمر بالتنفيذ في الميعاد المحدد له، سواء قدم هذا الطلب قبل بدء سريان ميعاد دعوى البطلان إذا كان حكم التحكيم لم يعلن إلى المحكوم عليه أو أعلن إليه إعلاناً غير صحيح، أو قدم هذا الطلب خلال سريان ميعاد دعوى البطلان، حتى لو كان حكم التحكيم قد أعلن إعلانا صحيحة إلى المحكوم عليه، وعدم إبداع حكم التحكيم قلم كتاب المحكمة المختصة. ومخالفة حكم التحكيم للنظام العام في مصر، سواء من حيث موضوع النزاع الذي فصل فيه هذا الحكم، أو من حيث القواعد التي بمقتضاها فصل الحكم في هذا النزاع.
والحكم القضائي المصري ببطلان حكم التحكيم، يعد مانعة من موانع الأمر بتنفيذ هذا الحكم الأخير، سواء في مصر أو في خارج مصر:
" إذ نصت المادة 1/5/ه من اتفاقية نيويورك 1958، على أنه «۱مجوز رفض الاعتراف وتنفيذ الحكم بناء على طلب الخصم الذي يحتج عليها بالحكم إلا إذا قدم هذا الخصم للسلطة المختصة في البلد المطلوب إليها الاعتراف. ومؤدي هذا أن الحكم القضائي ببطلان حكم التحكيم المصري بعد مانعة من موانع الأمر بتنفيذ هذا الحكم الأخير خارج مصر، إذا كان الحكم القضائي صادرة من المحاكم المصرية باعتبارها محاكم القانون الساري على التحكيم، سواء كان هذا السريان وجوبية للقانون المصري باعتباره قانون مقر التحكيم، أو كان هذا السريان جوازيه للقانون المصري باعتباره القانون المختار للتحكيم التجاري الدولي الذي يجري خارج مصر.
لكن الحكم القضائي ببطلان حكم التحكيم المصري، لا يعد مانعاً من موانع الأمر بتنفيذ هذا الحكم الأخير، سواء في مصر أو في خارج مصر، إذا كان هذا الحكم القضائي صادرة من غير المحاكم المصرية. فالقاعدة أنه لا الحكم القضائي غير الوطني ببطلان حكم التحكيم الوطني يعد مانعاً من موانع الأمر بتنفيذ الحكم الأخير، ولا الحكم القضائي الوطني ببطلان حكم التحكيم غير الوطني يعد مانعاً من موانع الأمر بتنفيذ الحكم الأخير، مما يعني أن الحكم القضائي في الحالتين عديم الجدوى.