التنفيذ / اجراءات تنفيذ أحكام التحكيم الأجنبية / رسائل الدكتوراة والماجسيتير / أثر فكرة النظام العام على حكم التحكيم في منازعات العقود الإدارية / التنفيذ الجبري لحكم التحكيم الأجنبي
أصبح من المعلوم لدينا أن إمتناع المحكوم عليه من تنفيذ حكم المحكم يدفع المحكوم له للتنفيذ الجبري، وكما هو معلوم فأن التنفيذ الجبري يحتاج الى سند تنفيذي، حيث أن حكم التحكيم وحده لا يصلح للتنفيذ الجبري لأنه لا يعتبر من الأعمال القانونية التي اعطاها القانون القوة التنفيذية وبالتالي فأن حكم التحكيم يحتاج الى صدور أمر خاص من قضاء الدولة ليكتسب القوة التنفيذية وهو ما يعرف كما أشرنا سابقا - بأمر التنفيذ، وهذا الأمر بالتنفيذ ينطبق على أحكام التحكيم الداخلية والأجنبية سواء أكانت تخضع لأحكام قانون التحكيم في دولة التنفيذ او تخضع لقانون مغاير عن قانون دولة التنفيذ ضمن إجراءات وضوابط قانونية محددة للتنفيذ.
الوصول الى أمر التنفيذ يختلف من دولة الى اخرى اعتمادا على النصوص التشريعية الواردة في قوانينها الوطنية، فمن الدول ومنها مصر والأردن - لها قوانين خاصة بالتحكيم اشتملت على إجراءات تنفيذ الأحكام التحكيمية التي تخضع لقانون التحكيم في الدولة هي نفسها دولة التنفيذ سواء اکانت احكام وطنية أو أجنبية مادام انها تخضع لقانون قانون التحكيم في دولة التنفيذ، وهذا ما تم الحديث عنه في الفرع السابق.
إلا أنه قد يصدر حكم تحكيمي أجنبي ولم يتفق أطرافه على إخضاعه القانون التحكيم الوطني في دولة التنفيذ، وتظهر في هذه الحالة صعوبات ناتجة عن اختلاف الأنظمة القانونية والإجراءات الواجب اتباعها للاعتراف وتنفيذ تلك القرارات، حيث لا يمكن تنفيذها وفقا لقانون التحكيم الوطني وإنما يتم تنفيذها وفقا للقوعد القانونية التي تحكم تنفيذ الأحكام الأجنبية في هذه الدولة.
المشرع المصري تعامل مع أحكام التحكيم الأجنبية والتي لا تخضع القانون التحكيم المصري وفقا لأحكام قانون المرافعات حيث نظم المشرع المصري شروط الصيغة التنفيذية على هذه الأحكام وفقاً للمواد ٢٩٦، ۲۹۸، ۲۹۹ من قانون المرافعات المصري رقم 13 لسنة ١٩٦٨.
وبالتالي فأن أحكام التحكيم الأجنبية إما ان تنفذ بناءاً على نصوص قانون التحكيم اذا اتفق أطراف النزاع على إخضاعه لقانون التحكيم المصري، او بناءاً على أحكام قانون المرفقات اذا كان الحكـم خـارج مصـر ولـم يتفـق أطرافه على إخضاعه للقانون المصري، إلا انه يجب علينا في الحالتين مراعاة أحكام الاتفاقيات والمعاهدات الدولية التي ترتبط بها مصر حيث نصت المادة الاولـى مـن قـانون التحكيم المصـري علـى أنـه : "مع عـدم الإخلال بأحكـام الإتفاقيات الدولية المعمول بها في جمهورية مصر العربية تسري أحكام هذا القانون على كل تحكيم بين أطراف من أشخاص القانون العام أو القانون الخاص أيا كانت طبيعة العلاقة القانونية التي يدور حولها النزاع إذا كان هذا التحكيم يجرى في مصر أو كان تحكيماً تجارياً دولياً يجرى في الخارج واتفق أطرافه على إخضاعه لأحكام هذا القانون".
والأمر ذاته ينطبق على أحكام التحكيم التي تنفذ وفقاً لأحكام قانون المرفعات وهي أحكام التحكيم الأجنبية التي لا يتفق أطرافها على إخضاعها لقانون التحكيم المصري حيث يجب مراعاة أحكام الاتفاقيات الدولية التي ترتبط بها مصر تطبيقاً لنص المادة 301 من قانون المرفعات والتي نصت على انه "العمل بالقواعد المنصوص عليها في المواد السابقة لا يخل بأحكام المعاهدات المعقودة او التي تعقد بين الجمهورية وبين غيرها من الدول في هذا الشأن".
وهذا الأمر يقودنا الى القول بأن تنفيذ أحكام التحكيم الأجنبية سواءاً تلك التي تخضع لقانون التحكيم او التـي يـتم تنفيذها استناداً الـى قـانون المرافعات يجب إلا تخل باحكام الأتفاقيات الدولية المعمول بها في مصر، مع ضرورة الانتباه الى نص المادة 6 من قانون التحكيم المصري والتي تنص على أنه "إذا اتفق طرفاً التحكيم على اخضاع العلاقة القانونية بينهما لأحكام عقد نموذجي أو اتفاقية دولية أو أية وثيقة أخرى وجب العمل بأحكام هذه الوثيقة بما تشمله من أحكام خاصة بالتحكيم."
الا ان تنفيذ أحكام التحكيم الأجنبية في مصر يخضع لشرط المعاملة بالمثل كشرط رئيسي لتنفيذ تلك الأحكام، بل ان المشرع المصري قنن هذا الشروط ضمن أحكام المادة ٢٩٦ من قانون المرافعات المصري والتي ورد فيها "الأحكام والأوامر الصادرة في بلد أجنبي يجوز الأمر بتنفيذها بنفس الشروط المقررة في قانون ذلك البلد لتنفيذ الأحكام والأوامر المصرية فيه" كما يتفق هذا الشرط مع ما ورد في المادة 14 من اتفاقية نيويورك لعام 1958 والخاصة بالاعتراف بقرارات التحكيم الأجنبية وتنفيذها والتي نصت على انه "لا يحق لأية دولة متعاقدة ان تستخدم هذه الاتفاقية في مواجهة أية دول متعاقدة أخرى إلا بقدر التزامها هي بتطبيق الاتفاقية" وتعتبر هذه النصوص خروجاً عن الاصل العام والذي لا يقبل تنفيذ اي حكم او أمر أو سند رسمي صادر من دولة أجنبية، ولكن تشابك المصالح بين دول العالم اقتضى الخروج على هذا الأصل.
وبناءاً على ما سبق، يعامل الحكم الأجنبي أو أمر التنفيذ المطلوب تنفيذه في مصر بنفس المعاملة التي يعامل بها الحكم أو أمر التنفيذ المصري الصادر من المحاكم المصرية اذا ما طلب تنفيذه في هذا البلد الأجنبي، فإذا اشترط قانون البلد لاجنبي لتنفيذ حكم التحكيم مراجعته شكلاً وموضوعاً عومل الحكم الأجنبي نفس المعاملة، وإذا كان قانون البلد الأجنبي لا يعتد بالحكم المصري مطلقاً لقي ، الحكم الأجنبي نفس المعاملة. وهذا الأمر يتفق – في الحقيقية – مع مبادئ القانون الدولي الخاص.
وفي النهاية لا بد ان نشير ان أحكام محكمة النقض المصرية التي توسعت فيها حول مدلول قانون المرافعات بشأن تنفيذ حكم التحكيم الأجنبي، وذلك استناداً للمادة 3 من اتفاقية نيويورك والخاصة بتنفيذ احكام التحكيم الأجنبية كون الاتفاقية اصبحت جزءا من القانون الداخلي المصري بموافقة مصر عليها، وتفعلياً لنص المادة 301 من قانون المرافعات المصري والتي تنص على ان العمل بالقواعد المنصوص عليها في قانون المرافعات والمتعلقة بتنفيذ الأحكام الاجنبية لا يخل بأحكام المعاهدات المعقودة بين مصر .
وورد في حكم محكمة النقض ان " فإن التنفيذ يتم بطلب استصدار أمر على عريضة بالتنفيذ إلى رئيس محكمة استئناف القاهرة، ويصدر الأمر بعد التحقق من عدم معارضة حكم التحكيم المطلوب تنفيذه مع حكـم سبق صـدوره في مصر، وأنه لا يتضمن ما يخالف النظام العام وتمام الإعلان الصحيح، فإن رفض رئيس المحكمة إصدار الأمر يقدم التظلم إلى محكمة . الاستئناف، مما يفيد بأن الاختصاص ينعقد لرئيس محكمة الاستئناف المذكورة بطلب أمـر التنفيذ على عريضة، ويتم التظلم مـن أمـر الـرفض لمحكمـة الاستئناف، وهي إجراءات أكثر يسراً من تلك الواردة في قانون المرافعات المدنية والتجارية وهو ما يتفق مع مؤدى ما تضمنه تقرير اللجنة المشتركة من لجنة الشئون الدستورية والتشريعية ومكتب لجنة الشئون الاقتصادية عن مشروع قانون التحكيم رقم ٢٧ لسنة ١٩٩٤ ومؤدى ما جاء بالمذكرة الإيضاحية لذات القانون، من أن قواعد المرافعات المدنية والتجارية لا تحقق الهدف المنشود من التحكيم بما يتطلبه من سرعة الفصل في المنازعات وما ينطوي عليه من طبيعة خاصـة اقتضت تيسير الإجراءات، ولا جدال في أن الإجراءات المقررة في قانون المرافعات المدنية والتجارية أكثر شدة من تلك المقررة في قانون التحكيم إذ يجعل الأمر معقودا للمحكمة الابتدائية، ويرفع بطريق الدعوى وما تتطلبه من إعلانات ومراحل نظرها إلى أن يصدر الحكم الذي يخضع للطرق المقررة للطعن في الأحكام، وما يترتب عليه من تأخير ونفقات ورسوم قضائية أكثر ارتفاعاً، ومن ثم وإعمالا لنص المادة الثالثة من معاهدة نيوريوك والمادة ٢٣ من القانون المدني التي تقضي بأولوية تطبيق أحكام المعاهدة الدولية النافذة في مصر إذا تعارضت مع تشريع سابق أو لاحق، و المادة 301 من قانون المرافعات، فإنه يستبعد من النزاع المطروح تطبيق قواعد تنفيذ الأحكام والأوامر الصادرة في بلد أجنبي الواردة في قانون المرافعات المدنية والتجارية باعتبارها أكثر شدة من تلك الواردة في قانون التحكيم رقم ٢٧ لسنة ١٩٩٤، ويكون القانون الأخير -وبحكم الشروط التي تضمنتها معاهدة نيوريوك لعام 1958 التي تعد تشريعاً نافذاً في مصر - لا يحتاج تطبيقه لاتفاق أولى بالتطبيق باعتباره تضمن قواعد إجرائية أقل شدة من تلك الواردة في القانون الأول، وإذ التزم الحكم المطعون فيه هذا النظر فإنـه يـكـون قـد أعمـل القانون صحيح ويضحي النعي عليه بهذه الأوجه (مخالفة القانون) على غير أساس".
وبناءاً عليه ذهب جانب من الفقه الى ان أحكام التحكيم الأجنبية يتم تنفيذها طبقاً لقانون التحكيم على ضوء ما ورد في حكم محكمة النقض مع ضرورة مراعاة الاتفاقيات الدولية.
بينما يرى جانب آخر من الفقه ان احكام التحكيم الأجنبية لا تخضع لاجراءات الأمر بالتنفيذ التي ينص عليها قانون التحكيم، وأنما يجب في جميع الأحوال تطبيق نصوص قانون المرافعات ورفع الدعوى بالاجراءات المعتادة للحصول على الأمر بالتنفيذ حيث ان نص المادة 3 من اتفاقية نيويورك لا يهدف الى توحيد نظام الأمر بالتنفيذ بين احكام التحكيم الداخلية والاجنبية ولكنه يرمي فقط الى عدم التشديد بتنفيذ الأحكام الاجنبية على نحو مغالا فيه.
اما في الأردن فان واقع الأمر يتشابه مع ما تضمنته النصوص التشريعية المصرية حيث أن تنفيذ أحكام التحكيم الأجنبيـة إما ان يخضع لنصوص قانون التحكيم استناداً الى نص المادة 3 منه والتي حدد ان قانون التحكيم الأردني يسري على كل تحكيم اتفاقي يكون مقره في الأردن وعلى كل تحكيم يتم الاتفاق على إخضاعه لقانون التحكيم الأردني. اما احكام التحكيم التي لا يكون مقرها الأردن ولا يتفق الأطراف على أخضاعها لقانون التحكيم الأردني وتكون واجبة النفاذ في الأردن فتنفذ وفقاً لقانون تنفيذ الأحكام الأجنبية الأردني رقم 8 لسنة ١٩٥٢ حيث حددت المادة ٢ من القانون المقصود بالحكم الأجنبي واعتبره كل حكم صدر من محكمة خارج الأردن ويشمل ذلك قرار المحكمين، مما يعني أن أحكام التحكيم تنفذ بنفس الطريقة التي ينفذ فيها الحكم الاجنبي.
وكذلك نصت المادة 3 من قانون تنفيذ الأحكام الأجنبية الأردني على انه يجوز تنفيذ الحكم في المملكة الأردنية الهاشمية بإقامة دعوى لتنفيذه أمام محكمة بدائية، وهذه المادة تقابلها المادة٢٩٧ من قانون المرافعات المصري.
كما حددت المادة 4 آلية استصدار الأمر بالتنفيذ حيث نصت على "تقام الدعوى بطلب تنفيذ حكم اجنبي باستدعاء يقدم الى المحكمة البدائية التي يقيم المحكوم عليه ضمن صلاحيتها او المحكمة التي تقع ضمن صلاحيتها املاك المحكوم عليه التي يرغب في تنفيذ الحكم عليها اذا كان المحكوم عليه لا يقيم في المملكة الاردنية الهاشمية".
وكذلك الأمر فقد أوجب المشرع الأردنـي ضـرورة مراعاة الاتفاقيات والمعاهدات الدولية الموقع عليها الأردن عند تنفيذ احكام التحكيم الأجنبية على اعتبار أنها أصبحت جزء من التشريع الوطني بعد المصادقة على هذه الاتفاقيات والمعاهدات، ويترتب علـى ذلـك انـه لا يجـوز الاخـلال بأحكـام الاتفاقيات الدولية المعمول بها في الأردن.
بل ان المشرع الأردني ذهب ابعد من ذلك عندما نـص فـي المـادة 3/ب الى ضرورة مراعاة المبادئ القانونية المطبقة في التحكيم الدولي عند تفسير أحكام هذا القانون، والإعتداد في جميع الأحوال بالأعراف التجارية الدولية، وهذا يدل على مدى اهتمام المشرع الأردني بالتحكيم كطريق بديل عن القضـاء فـي تسوية النزاعات والاعتماد على الاتفاقيات الدوليـة والإعتـداد بالمبادئ القانونية المطبقة في التحكيم الدولي وذلك لتسهيل الاستثمار في الأردن من خلال من خلال مسايرة القوانين الدولية والنظام العالمي.