التنفيذ / اجراءات تنفيذ أحكام التحكيم الأجنبية / رسائل الدكتوراة والماجسيتير / تنفيذ أحكام التحكيم التجارية الأجنبية في القانون العراقي / آليات تنفيذ أحكام التحكيم الأجنبية
الاسم
هات محيي الدين يوسف اليوسفي
تاريخ النشر
2010-01-01
اسم دار النشر
جامعة الدول العربية - معهد البحوث والدراسات العربية
في بعـض الأحوال قد يتم تنفيذ الحكم التحكيمي دون الحاجة إلى التدخل المباشر مـن قبـل القضاء الوطني، فقد يقوم أطراف الخصومة بتفيذ هذا الحكم بشكل مرعي ولا تقوم الحاجة لتدخل القضاء العادي لتنفيذه، حيث أن التنفيذ الطوعي يعتبر الأصــل العام في تنفيذ كافة الالتزامات. وفي حالات أخرى قد يكون حكم التحكيم الأجنبي مشفوعا بمبرة النفاذ المباشر داخل دولة التنفيذ دون الحاجة إلى رقابـة قضائية داخلية، وبالتالي ونظرا لأهمية مسألة آليات تنفيذ الأحكام الأجنبية وتنوع طرقهـا مما - ينعكس سلبا أو إيجابا على تنفيذ هذه الأحكام .
تنفيذ أحكام التحكيم الأجنبية بواسطة القضاء الوطني
تتطلب غالبية أحكام التحكيم الأجنبية آلية معينة لإمكان تنفيذها داخـل قلـب دولة التنفيذ باعتبارها أحكاما أجنبية يتطلب خضوعها لرقابة القاضي الوطني قبل السماح بنفاذها، وقد اختلفت دول العالم من حيث اختيارها لنـوع هـذه الرقابـة فبعضها تبني نظام الدعوى الجديدة لإمكانية تنفيذ الحكم التحكيمـي الأجنبـي، وبعضها اختار الطريقة الأكثر شيوعا وهو نظام الأمر بالتنفيذ المعمول بـه فـي غالبية دول العالم، وستقوم ومن خلال هذا المطلب بتفصيل هذين النظامين مـن الطمة تنفيذ الأحكام الأحسبة عن طريق تقسيم هذا المطلب إلى فرعين، تتناول في الفرع الأول نظام الدعوى الجديدة، وأما في الفرع الثاني فسنتناول نظـام الأمـر بالتنفيذ.
نظام الدعوى الجديدة (The new action)
- إن نظام الدعوى الجديدة – والتي تأخذ به الدول التي تتبع النظام الإنجليزي - ينطلق من فكرة مؤداها قيام من صدر حكم التحكيم لصالحه برفع دعوى جنية أمام القضاء الوطني في دولة التنفيذ للمطالبة بتنفيذ الحكم التحكيمـي الـصـار لصالحه، فيقوم القاضي الوطني بإعادة نظر الدعوى التحكيميـة وإثارة جميع المسائل الموضوعية فيها وذلك بحضور طرفي الخصومة التحكيمية، وسبب ذلـك يعود إلى أن نظام الدعوى الجديدة ينظر إلى حكم التحكيم الأجنبي باعتباره دلـيـلا غير قاطع فيما قضي به من مسائل ، أي أن الحكم التحكيمي يمثل دليلا يقبل إثبات العكس، بحيث يجوز للمدعى عليه الطعن في صحة هذا الحكم بالخطأ في تطبيق القانون، وعلى القاضي الوطني حينئذ أن ينظر موضوع النزاع من جديد ليتأكـد من صحة الحكم الأجنبي. إلا أنه وفي فترة لاحقة حصل تطور قضائي لهذا النظام استوجبه ضغط المعاملات التجارية الدولية، بحيث استقر هذا النظام على اعتبـار حكم التحكيم الأجنبي دليلا حاسما في الدعوى الجديدة وهو دليل لا يقل إثبـات العكس، فلا يجوز الطعن في صحة الحكم التحكيمي من حيث القانون والوقائع، فالقاضي الوطني أصبح ملزما بالأخذ بهذا الدليل بمجرد استيفاء بعض الشروط الشكلية ودون فحص الموضوع الحكم.
إن آلية أحكام التحكيم الأجنبية وفي بعض الأحيان قد لا تحتاج إلى تدخل من قبل القضاء الوطني في دولة التنفيذ، وإنما تتم بشكل طوعي مـن قبـل الطـرف الخاسر في الدعوى التحكيمية سواء كان سبب هذا التنفيذ الطوعي قد ثـم نتيجـة لدوافع أخلاقية تفرضها أدبيات التعامل في مجال التجارة الدوليـة بـين مجتمـع التجارة، أو تمت لدوافع أخرى تتدخل فيها وسائل إجبار مادية ومعنوية تفرضـها بعض المؤسسات التحكيمية الكبرى يخشى فيها الطرف الخاسر من الأضرار بـه في حالة رفضه التنفيذ مما يدفعه إلى التنفيذ الطوعي، كما أنه وفي أحيان أخـرى يكون تدخل القضاء فيها ليس ضروريا، وهي حالة كون الحكم التحكيمي الأجنبي مصحوبا بميزة النفاذ المباشر داخل دولة التنفيذ، وهو غالبا ما تنظمه اتفاقية دولية تمنح النفاذ المباشر للحكم التحكيمي داخل الدول الأطراف فيها وكأنه حكم وطني، فلا يخضع لأية رقابة ولا مراجعة داخلية. ولذا سنحاول من خلال هذا المطلـب تسليط الضوء على هذه الحالات، وسنقسم هذا المطلب إلـى فـرعين رئيسيين، نتناول في الفرع الأول التنفيذ الطوعي لأحكام التحكيم وشيوعه في مجال التجارة الدولية، أما في الفرع الثاني فإننا سنتناول النفاذ المباشر لأحكام التحكيم الأجنبية.
دوافع التنفيذ الطوعي لأحكام التحكيم
إن التنفيذ الطوعي لأحكام التحكيم قد لا يكون مصحوبا دائما بالرضى علـى . عدالة حكم التحكيم أو امتثالا لحسن النية أو الأمانة في التعامل بين أطراف التجارة الدولية، بمعنى أنه في بعض الأحيان توجد أسباب حقيقية تدفع المحكوم ضده لتنفيذ الحكم التحكيمي بشكل يوحي بالرضا والموافقة على هذا الحكم.
ومن وجهة نظرنا - حيال مدى مشروعية وفعالية هذه الوسائل – فإننا نرى بان هذه الوسائل ولكي تحقق الغاية المرجوة منها فلابد من إدراجها ضمن اتفـاق التحكيم الأساسي بحيث يرتضي كلا الطرفين تطبيق هذه الوسائل عليه في حالـة امتناعه عن تنفيذ حكم التحكيم الذي سيصدر في المنازعة وفي هذه الحالـة فـان وسائل الإجبار تكتسي بالمشروعية والفعالية بموجب اتفـاق أطـراف الخصومة عليها لما في غير هذه الحالات فلا نرى أن هذه الوسائل مشروعة أو ذات جدوى، وبالتالي فإننا ندعو المؤسسات التحكيمية إلى صياعة شرط ضمن اتفاقية التحكيم النموذجية لديها يبيح بشكل صريح فرض مثل هذه الوسائل ومع بيان نوعيتهـا للأطراف لكي يتفقوا على الخضوع لها وهم على بيئة من أمرهم وتكون بالتالي ملزمة لهم.
ويتضح لنا من خلال هذه الوسائل أثرها الكبير على الطرف الممتـع عـن التنفيذ، فهي تضر بسمعته التجارية أمام المجتمع التجاري الذي يتعامل معه، ممـا يؤدي إلى عدم التعامل معه في المستقبل، الأمر الذي قد يؤدي أيضا إلى إفلاسه أو بقائه كشخص منبوذ لا يتعامل معه أحد، ونود الإشارة في هذا الصدد إلـى أن المؤتمر الدولي للتحكيم الذي عقد في باريس عام 1961 تحت رعايـة غرفـة التجارة الدولية (ICC). قد اقترح إنشاء مكتب لتسجيل أحكام التحكيم التي لم تنفذ من قبل من صدرت ضدهم، فهذا المكتب إذا ما تم إنشاؤه فإنه بعد تكريسا لوسائل الإجبار المعنوية.
إلا أن ما نخلص إليه مما تقدم هو وجود دوافع وأسباب كثيرة قد تدفع أطراف التحكيم إلى التنفيذ الطوعي لأحكام التحكيم باعتبـاره الطريـق الأمثـل والأسهل، حيث أنه في حالة رفض التنفيذ بدافع التعنت، فإن هناك أضرارا جسيمة تلحق بهذا الطرف، حيث تمس سمعته التجارية بل وتلحق الضرر بوضعه المالي، الأمر الذي يدعوه إلى اختيار وسيلة التنفيذ الطوعي كخيار أفضل.
النفاذ المباشر لأحكام التحكيم الأجنبية
تقوم فكرة النفاذ المباشر لأحكام التحكيم الأجنبية على أن حكم التحكيم يعتبر نافذا داخل دولة التنفيذ بشكل مباشر ودون الحاجة إلى إعطائه أمرا بالتنفيذ من قبل القصاء الوطني في تلك الدولة، بمعنى أنه يجب معاملة الحكم الأجنبي وكانه حكم وطني صدر من المحاكم الوطنية لدولة التنفيذ، وقد جاءت بهـذه الآليـة اتفاقيـة واشنطن لتسوية منازعات الاستثمار بين الدول ومواطني الدول الأخـرى والتـي أبرمت في عام 1965، والتي تضمنت إنشاء مركز تسوية المنازعات الاستثمارية والمعروف بـ(ICSI)، حيث يقدم هذا المركز آلية فريدة في تنفيذ أحكام التحكيم الأجنبية مقارنة بما جاءت به الاتفاقيات الدولية الأخرى في مجال تنفيذ أحكـام التحكيم التجاري، وقد نصت علي هذه الآلية الجديدة المادة (1/54) مـن اتفاقيـة واشنطن التي جاء فيها "تعترف كل دولة متعاقدة بالحكم الذي صدر بنـاء علـي أحكام هذه الاتفاقية وتضمن تنفيذ الالتزامات المالية التي يفرضها الحكم كمـا لـو كان حكما نهائيا صادرا من محكمة محلية، وعلى الدول المتعاقدة التي تتبع النظام الفيدرالي ضمان تنفيذ الحكم عن طريق محاكمها الفيدرالية، وأن تلزم هذه المحاكم بمعاملة هذا الحكم كحكم نهائي صادر عن محاكم إحدى الدول الفيدرالية".
ومن خلال هذا النص يتضح لنا جليا بأن اتفاقية واشنطن قد جاءت بأليـة جديدة ومتميزة لتنفيذ أحكام التحكيم الأجنبية الصادرة في أي من الدول الأطـراف فيها، ويكمن جوهر تميز هذا النص في أنه اعتبر الحكم التحكيمي الأجنبي وكأنـه حكم قضائي وطني أصدرته محكمة وطنية، وبمعنى آخر فإن القـضـاء الـوطني وبموجب هذه الاتفاقية لا يستطيع إخضاع هذا الحكم لرقابته الداخلية.
أما بالنسبة للشكل الإجرائي للتنفيذ وفقا لأحكام هذه الاتفاقية، فقد نصت عليه المادة (2/54) والتي جاء فيها "على الطرف الذي يرغب فـي الحـصول علـى الاعتراف بالحكم وتنفيذه على أراضي الدولة المتعاقدة أن يقدم صورة طبق الأصل معتمدة من السكرتير العام إلى المحكمة المختصة أو إلى سلطة أخـرى تحددها الدولة المذكورة بهذا الغرض .... كما أن الفقرة (3) من المادة نفسها قررت أن القانون السائد والخاص بتنفيذ الأحكام في الدولة المتعاقدة هو الذي يحكـم تنفيذ الحكم الأجنبي، حيث أن الاتفاقية ضمنت مراجعة داخلية لهذا الحكم بعيـدا عـن القضاه الوطني، وهذا ما جاء به نص المادة (1/51) من الاتفاقية والتي أحـازت لأي من الطرفين أن يطلب إعادة النظر في الحكم لاكتشاف حقائق تؤثر في الحكم لم تكن معلومة لدى المحكمة التحكيمية التي أصدرت هـذا الحكـم، ولكـن هـذه المراجعة لا تقدم إلى القضاء الوطني وإنما إلى المحكمة التحكيمية نفسها التـي أصدرت الحكم أو محكمة تحكيمية أخرى، كمـا أن المـادة (1/52) قـد أقـرت المراجعة الداخلية للحكم التحكيمي في حالة الطعن بالبطلان في هذا الحكم وهو ما تطلق عليه الاتفاقية (إلغاء الحكم) وذلك عن طريق هيئة تحكيمية جديدة تشكل وقفا لأحكام هذه الاتفاقية .