تعتبر دراسة تنفيذ الأحكام القضائية بوجه عام وأحكام التحكيم بوجه خاص من اهم الدراسات القانونية . لأن الهدف الأساسي من الحصول على الحكم هو - إقتضاء الحق وهذا لا يكون إلا بإمكانية تنفيذه ، وذلك لأن عدم التنفيذ يهدر الي حد ما أهمية الأحكام، قضائية كانت أو احكام تحكيم، هذا ودراسة تنفيذ أحكام التحكيم علي درجة من الأهمية بمكان ذلك أن التحكيم هو" طريق استثنائي لفض المنازعات قوامه الخروج على طرق التقاضي العادية وما تكفله من ضمانات .
ولما كان الأمر كذلك فكان لزاما علينا أن نتناول ذلك الموضوع بمزيد من الدراسة والبحث وقد سبقنا في هذا المقام العديد من الدراسات الاساتذه وفقهاء عظام ودراسة التنفيذ استنفذت كثيرا من المؤلفات تدليلا على أن الأحكام الغير قابلة للتنفيذ جبرا تفرغها من مضمونها.
اولا : ان اطراف النزاع يطمئنون إلى أن منازعاتهم سوف يتم الفصل فيها بواسطة أشخاص مختارين بمعرفتهم اختيار المحكم أو هيئة التحكيم بمعرفه الخصوم ادني الي ثقه الأطراف المتنازعين في هذا القضاء لأنهم بارادتهم اختاروا من يحكم بينهم.
ثانيا: ان التحكيم يضمن السرية لاطراف النزاع " فغالبا ما يتطلع الأطراف المتنازعين إلى التحكيم کوسیله لحل النزاع حفاظا على السرية والثقة التي تقوم عليها العلاقات التجارية وذكر ايضا تدليلا على اهمية التحكيم ما قاله أرسطو فيلسوف اليونان في " الريطوريقا" أن أطراف النزاع يستطيعون تفضيل التحكيم عن القضاء ذلك لأن المحكم يرى " العدالة " بينما لا يعتد القاض إلا " بالتشريع .
. ولما كان التحكيم وسيلة لحل النزاع بغير اللجوء للقضاء فمن الطبيعي ان تكون هناك مزايا تحفز المتنازعين للجوء الي التحكيم دون القضاء اي ان هناك علاقه عكسيه بين ازدهار التحكيم والقضاء باعتبارهما وسيلتين لحل النزاعات بين الأفراد.
"ولحظه تنفيذ الحكم هي اللحظة التي تظهر بوضوح قيمه واثر كل ماتم اتخاذه في عملية التحكيم بداية من الاتفاق عليه واختيار المحكمين ومكان التحكيم واجراءاته وغير ذلك"
وتنفيذ حكم التحكيم نوعان :
النوع الأول : التنفيذ الرضائي لحكم التحكيم . وهذا يتوقف على محض ارادة المنفذ ضده" الصادر ضده حكم التحكيم " دون ادني سلطان من قبل طالب التنفيذ" الصادر لصالحه حكم التحكيم" . وهذا النوع من التنفيذ لا يتقيد بشكلیه معينه كما هو الحال في النوع الثاني
النوع الثاني: التنفيذ الجبري وانما يتم باية صوره تحقق حصول صاحب الحق علي حقه وفقا لمنطوق حكم التحكيم المطلوب تنفيذة وحسبما سبق القول. ان تنفيذ حكم التحكيم قد يكون طواعية من قبل المنفذ ضده ورضائيا الا ان التنفيذ الطواعية لا يكون دائما رضائيا خالصا بل يرجع في غالب الأحوال الاسباب اخري تدفعهم دفعا إلى الرضوخ الإجباري لتنفيذه منها علي سبيل المثال:
(1) أن تنفيذ الحكم التحكيمي إختيارا ربما يكون الطريق الأيسر أو الأقل صعوبه بالنسبه للمحكوم ضده، وذلك طمعا في استمرار المعاملات بينه وبين بقية الأطراف ، أو لان ممتلكات الطرف الخاسر في حوزة الطرف الصادر لصالحه الحكم ، او ان من شأن عدم التنفيذ الرضائي حرمان المحكوم ضده من مزايا المعاملات المستقبليه ، علاوة على ذلك بامكان الطرف الخاسر أن يستخدم الحكم كاساس للتفاوض من اجل التوصل للتسويه .... الخ
(2) عدم التنفيذ الارادي قد يعرض المحكوم ضده لبعض الجزاءات والتي تعرف خاصة في نطاق الاتحادات المهنية والتجارية المختلفه مثل مؤسسات التحكيم التابعه لبعض غرف التجاره خاصه تجاره المواد الخام وتجاره الحبوب التي قد تاخذ صوره الامتناع عن التنفيذ من قبل المحكوم ضده . ولا يخفي مافي هذا الجزاء من مساس جدي بسمعة الطرف الممتنع عن التنفيذ . خصوصا اذا كان دولة حيث تعرض مصداقيتها في المجال الدولي لأضرار بالغة الخطوره.
. الا انه رغم ما تقدم اجمالا. فقد يتمادي الطرف الخاسر في الامتناع عن التنفيذ الرضائي لحكم التحكيم ضاربا عرض الحائط بكل الجزاءات الماديه او المعنويه سالفة الذكر ، خاصه اذا ما كان بصدد تحكيم خاص لايلزمه في الغالب بدفع الأتعاب والمصروفات مقدما او بتقديم ضمان كافي لتنفيذ حكم التحكيم .
ونحن نري من جانبنا أن الامتناع عن التنفيذ قد ياخذ احد صورتين
الصورة الاولي : الامتناع طواعية عن التنفيذ دون سلوك طريق الاعتراض علي الحكم .
الصورة الثانية : أن يلجأ الطرف الخاسر الي الاعتراض على الحكم بالطرق المقرره قانونا. وذلك على خلاف جانب من الفقه الذي يري انها عدة صور فاذا كان ما تقدم ، وكان الطرف الخاسر، المطلوب التنفيذ ضده ممتنع عن التنفيذ الرضائي بصورته الأولي على نحو ما سلف بيانه والمتمثلة في مجرد الامتناع عن التنفيذ الرضائي مصرا علي ذلك.
. والتي نري من جانبنا انها تربو علي اهمية حكم التحكيم ذاته.
. ولاجبار المحكوم ضده علي تنفيذ الحكم التحكيمي يكون بلجوء الطرف الرابح الي القضاء الوطني في الدولة التي يود تنفيذ الحكم فيها طالبا الحصول علي امر بتنفيذه او تأييده - كي يتمكن من الزام الطرف الخاسر بتنفيذه - كما لو كان حكما قضائيا وذلك بمؤازرة السلطات العامة في الدولة - كي تعينه ولو بالقوة في الحصول علي حقه ، حتي لا يصبح الحكم التحكيمي - مجرد حبر على ورق .
. ومن جماع ما تقدم نخلص الي اهمية وضرورة البحث عن التنفيذ الرضائي الطواعية لحكم التحكيم اذ أن ذلك ينهض بالتحكيم كوسيلة لفض النزاع فهو يوفر الوقت والجهد والمال ويبعث على الثقة في التعاملات مما ينهض بالاقتصاد.
- وفي حالة انعدام التنفيذ الرضائی لحكم التحكيم فلا مناص من الدلوف الي حقل التنفيذ الجبري ومجابهة صعوباته ، وصولا الاقتضاء الحق ومع ذلك يظل للتحكيم اهمية تربو علي احكام القضاء ذلك أن الأخير (احكام القضاء) تحتاج للتنفيذ الجبري بعد فترة طويلة في اروقة المحاكم حتي الحصول علي الحكم المطلوب تنفيذه ، ثم اتخاذ العديد من الاجراءات وصولا للتنفيذ، "ويكفي أن نلقي نظره علي الأحكام القضائية الصادرة من المحاكم الوطنية في الدول المختلفة لكي نؤكد على أن مشكلة تنفيذ أحكام التحكيم هي حقيقة واقعية لا يمكن انكارها".
- المحكوم له في الحكم التحكيمي لا يملك سوي ورقة بحقه قبل المحكوم عليه فهي مجرد سند بالحق ولكنها ليست سندا تنفيذيا ، ومن ثم يتعين عليه أن يرتفع بتلك الورقة الي مصاف السندات التنفيذية وذلك بطلب تزييل ذلك الحكم بالصيغة التنفيذية لاتمام واستكمال اجراءات التنفيذ.
- اذا قدم للمحضر طلب تنفيذ حكم تحكيم غير مشمول بالصيغة التنفيذية على نحو ما تقدم بيانه فإنه يمتنع عن مباشرة التنفيذ ، لعدم كفاية السند التنفيذي ) .
فان جوانبها سوف تتنامي وتتعاظم اذا ما تعلق الأمر بتنفيذ الأحكام الاجنبية خاصة في ظل صعوبة تنظيم قواعد تنفيذية موحده بين الدول المختلفة تعالج مشكلة تنفيذ احكام التحكيم الصادرة خارج الدولة التي يراد التنفيذ علي ارضها ، أو تلك التي تتعلق بالتجارة الدولية .
. وفي ظل غياب ما يمكن ان يطلق عليه على الحكم التحكيمي فوق الدول.