يثير تنفيذ أحكام المحكمين الأجنبية الخاضعة لاتفاقية نيويورك لعام 1958 الكثير من المسائل التي تطرقت اليها محكمة التمييز الكويتية في الكثير من أحكامها، والتي سنفصلها أدناه:
(1) المقصود بحكم التحكيم الأجنبي:
قررت المادة 182 من المرسوم بالقانون رقم 38 لسنة 1980 بإصدار قانون المرافعات المدنية والتجارية بأن حكم التحكيم الأجنبي هو الذي يصدر خارج الكويت، مما يعني أن أي حكم يصدر خارج إقليم دولة الكويت بغض النظر عن أطرافه، لا يخضع للباب الثاني عشر من القانون، والخاص بالتحكيم. ومع ذلك انتبه المشرع إلى تنفيذ الأحكام الأجنبية في الكويت، وخصص لها المادة 200 من قانون المرافعات التي أحالت، إلى الشروط المطلوبة فيه، إلى المادة 199 المتعلقة بتنفيذ أحكام المحاكم الأجنبية.
ومع ذلك فإنه بالنسبـة الى أحكـام المحكمين الصادرة في دولة طرف في اتفاقية نيويورك الخاصة بالاعتراف وتنفيذ أحكام المحكمين الأجنبية لعام 1958، والتي انضمت اليها دولة الكويت بالمرسوم بالقانون رقم 10 لعام 1978، فتسري أحكام هذه الاتفاقية وليس القانون الكويتي.
وقد قررت الاتفاقية في مجموعة من موادها آلية تنفيذ الأحكام الأجنبية في الدول الأطراف والتي سارت أحكام محكمة التمييز الكويتية على هديها.
(2) قواعد البطلان التي تطبق على حكم التحكيم الأجنبي تختلف عن تلك التي تطبق على أحكام التحكيم المحلية؟
استقرت محكمة التمييز الكويتية على أن تنفيذ حكم التحكيم الأجنبي لا يخضع لذات الإجراءات التي تتبع في تنفيذ الأحكام المحلية، وخصوصاً مسألة البطلان.
لما كان ذلك، وكانت دعوى البطلان المقررة في المـادة (186) مـن قـانون المرافعـات مقصورة على الطعن بالبطلان في أحكام المحكمين الوطنيين ولا شأن لهـا بأحكـام المحكمـين الأجنبية... وأن الذي يملك إلغاء حكم المحكم الأجنبي أو وقفه أو القضاء بأنه لم يـصبح ملزمـا للخصوم هو السلطة المختصة في البلد التي فيها أو بموجب قانونها صدر الحكـم وأن السلطة المختصة المطروح أمامها الحكم لا تملك وقفه، إلا إذا كان قد طلب إلغاؤه أو وقفه أمام السلطة المختصة الأولى سالفة الذكر، مما لا محل معه للادعاء ببطلان حكم المحكم الأجنبي محل النزاع أو خروج المحكم عن حـدود اختـصاصه". أنظـر الطعـن رقـم (80/97) تجـاري جلـسة 10/5/1998. (انظر المرفق رقم 1).
(3) القانون الذي يحكم الإجراءات الشكلية والموضوعية لحكم التحكيم الأجنبي هو اتفاقية نيويورك لعام 1958 وليس القانون الكويتي:
حاولت محكمة التمييز أن ترسم خطوطاً رئيسية لحدود تطبيق القانون المحلي على تنفيذ حكم تحكيم أجنبي خاضع لاتفاقية نيويورك لتنفيذ أحكام المحكمين الأجنبية، فوضعت البندين الآتيين:
(أ) يخضع تنفيذ الحكم للإجراءات المحلية للتداعي التي يجب إتباعها للحصول على الأمر بتنفيذ الحكم ولا عبرة بتلك الإجراءات في البلد الصادر عنه الحكم.
(ب) أما ما عدا ذلك من قواعد وأحكام تتعلق بالشروط الشكلية والموضوعية اللازم توافرها في حكم التحكيم، وعلى من يقع عبء إثباتها والمستندات التي يتعين على طالب التنفيذ تقديمها وحدود سلطة القاضي في إصدار الأمر بالتنفيذ، فإنه يخضع لنصوص الاتفاقية وحدها دون سواها.
وفي ذلك توسعت محكمة التمييز في أحكامها بالقول:
"إن دولة الكويت قد انضمت إلى اتفاقية نيويورك (بشأن الاعتراف وتنفيذ أحكام المحكمين الأجنبية) المؤرخة 10/6/1958 بالمرسوم بالقانون رقم 10/1978 الصادر في إقليم دولة أخرى متعاقدة، ومن ثم تصبح أحكام هذه الاتفاقية قانوناً من قوانين الدولة، ويلتزم القاضي بإعمال القواعد الواردة فيها على أحكام المحكمين الأجنبية الصادرة في إقليم دولة أخرى متعاقدة، وتنص المادة الثالثة من هذه الاتفاقية على أن (تعترف كل من الدول المتعاقدة بحجية حكم التحكيم وتأمر بتنفيذه طبقاً لقواعد المرافعات المتبعة في الإقليم المطلوب إليه التنفيذ وطبقاً للشروط المنصوص عليها في المواد التالية، ولا تفرض للاعتراف أو تنفيذ أحكام المحكمين التي تطبق عليها أحكام الاتفاقية الحالية شروط أكثر شدة ولا رسوم قضائية أكثر ارتفاعاً بدرجة ملحوظة عن تلك التي تفرض للاعتراف وتنفيذ أحكام المحكمين الوطنية)، ويدل هذا النص- على ما تفيده الغاية المتوخاة من الاتفاقية، وهي توحيد معاملة حكم التحكيم الأجنبي في الدولة المتعاقدة أو المنضمة إليها على أن المقصود بقواعد الإجراءات المتبعة في الاقليم المطلوب إليه التنفيذ في الحكم المادة السابقة هو إجراءات التداعي التي يجب إتباعها للحصول على الأمر بتنفيذ الحكم، ولا عبرة بعد في هذا الخصوص بما ينص عليه قانون البلد الصادر منه حكم التحكيم من إجراءات مماثلة أو مغايرة لإجراءات التداعي المنصوص عليها في قانون البلد الصادر فيها الحكم، منعاً للازدواج الإجرائي المفضي إلى التعقيد المنهي عنه، وأما ما عدا ذلك من قواعد وأحكام تتعلق بالشروط الشكلية والموضوعية اللازم توافرها في حكم التحكيم وعلى من يقع عبء إثباتها والمستندات التي يتعب طالب التنفيذ تقديمها وحدود سلطة القاضي في إصدار الأمر بالتنفيذ، فإنه يخضع لنصوص الاتفاقية وحدها دون سواها، والقول بغير ذلك يخلّ بالتوازن بين مواقف الدول بالنسبة الى حكم المحكمين الأجنبي، ويعقد – في هذا المجال أيضا الإجراءات التي هدفت الاتفاقية – على ما ورد في المذكرة الإيضاحية للمرسوم بالقانون رقم 10/ 1978 إلى تبسيطها. (انظر تمييز تجاري الطعن رقم 78 لسنة 88 جلسة 21/11/1988، وانظر كذلك تمييز تجاري، طعن رقم (183/92) تمييز تجاري، جلسة 15/2/1994).
(4) يتمتع حكم التحكيم الأجنبي بقرينة الصحة:
استقرت كذلك أحكام محكمة التمييز على أنه متى قدم طالب التنفيذ المستندات المنصوص عليها في المادة الرابعة من اتفاقية نيويورك تقوم لصالحه قرينة قانونية قابلة لإثبات العكس على صحة حكم التحكيم وقابليته للتنفيذ، وعلى الخصم الذي يرغب في توقي التنفيذ تقديم ما يدحض هذه القرينة". (انظر تمييز تجاري الطعن رقم 78 لسنة 88 جلسة 21/11/1988). وانظر كذلك تمييز تجاري، الطعن رقم (80/97) تجاري جلسة 10/5/ 1989.
وقد فصلت محكمة التمييز بهذا الخصوص فحددت المقصود بقرينة الصحة وما تشتمل، وكيفية دحضها، وذلك في حكمها الصادر في تاريخ 8/2/1988، بالقول:
"إذا قدم طالب تنفيذ حكم التحكيم الأجنبي المستندات المنصوص عليها في المادة الرابعة المتقدم ذكرها، فإنه تقوم لصالحه قرينة قانونية قابلة لإثبات العكس على صحة حكم التحكيم، من حيث تشكيل الهيئة التي أصدرته، وكونه متفقاً وإرادة الأطراف والأحكام القانونية المكملة والمفسرة لهذه الإرادة في قانون البلد الذي تم فيه التحكيم وصحة الإجراءات التي اتبعت في التحكيم، وأن النزاع الذي فصل فيه الحكم وارد في مشارطة التحكيم، وأن الحكم لم يتجاوز حدود هذه المشارطة، وأنه ملزم لأطرافه، وعلى الخصم الذي يحتج عليه بهذا الحكم إن أراد توقي تنفيذه، عليه أن يقدم الدليل الذي يدحض هذه القرينة، فعليه في خصوص تشكيل هيئة التحكيم أن يثبت أن هذا التشكيل لم تقتصر مخالفته على نص مشارطة التحكيم فحسب، وإنما امتدت هذه المخالفة إلى الأحكام القانونية المكملة والمفسرة لإرادة المتعاقدين في قانون البلد الذي تم فيه التحكيم، بما مقتضاه أن يقدم النصوص القانونية الرسمية لهذه الأحكام مع بيان وجه مخالفتها، وعليه في خصوص التزام الحكم بحدود مشارطة التحكيم أن يقدم ما يثبت أن الحكم قد خرج عنها وفصل في نزاع لم يرد فيها، كما أن عليه في خصوص إلزام الحكم للخصوم وقابليته للتنفيذ أن يقدم ما يثبت أنه لم يصبح ملزماً لهم أو أن السلطة المختصة في البلد الذي صدر فيها قد ألغته أو أوقفته، وذلك من واقع النصوص القانونية في قانون البلد الذي تم فيه التحكيم والأحكام والأوامر التي صدرت في هذا الشأن، لما كان ما تقدم وكان يبين من الحكم المطعون فيه أنه عرض النصوص من الاتفاقية السالف ذكرها والمستندات المقدمة في الدعوى وما أثارته الطاعنة من دفاع بشأن بطلان تشكيل هيئة التحكيم، لكونها مشكلة من محكم المطعون ضدها وحده ومن أن حكم التحكيم موضوع الدعوى غير قابل للتنفيذ لعدم صدوره باسم السلطة العليا في البلد الذي صدر فيه، ولأن المحكم لم يقم بما يرسمه القانون الإنجليزي من وجوب إيداع الحكم، خلال خمسة عشر يوماً، إدارة كتاب المحكمة الكلية لختمه بخاتمها وتسجيله في سجلاتها ووضع الصيغة التنفيذية عليه، وأن الحكم بهذه المثابة يكون غير قابل للتنفيذ في البلد الذي صدر فيه، لتلك وبالتالي غير قابل للتنفيذ في دولة الكويت، بعد أن عرض الحكم لذلك أقام قضاءه على نظر حاصله أن المطعون ضدها، وقد قدمت المستندات التي تؤيد طلبها وفقاً لما تنص عليه المادة الرابعة من الاتفاقية المذكورة، ومن بينها الترجمة الرسمية لشروط التحكيم وما ينص عليه القانون الإنجليزي الذي تم التحكيم في ظله والذي اعتد به باعتباره من القواعد المكملة والمفسرة لإرادة المتعاقدين – من جواز انفراد المحكم المعين من قبل أحد الطرفين بالحكم في النزاع، إذا تخلف الطرف الآخر رغم إخطاره عن تعيين محكمه، فقد قرر أنه تقوم بذلك لصالح المطعون ضدها القرينة القانونية السالف ذكرها على صحة حكم التحكيم الأجنبي موضوع الدعوى وصحة إجراءاته، وأنه ملزم لطرفيه وقابل للتنفيذ، وأنه إذ لم تقدم الطاعنة نصوص القانون الإنجليزي التي تؤيد دفاعها المتقدم ذكره، وبما تدحض به هذه القرينة، فقد أطرح الحكم هذا الدفاع، وقرر أنه لما كان لا تعارض بين انفراد محكم واحد بالحكم وبين اعتبارات النظام العام في دولة الكويت، وأنه وأخذاً بما هو مقرر في القانون الدولي الخاص من أن بنيان الحكم يخضع لقانون القاضي الذي أصدره، فيكون هذا القانون وحده هو الذي يحدد هذا البنيان بما يجعله مستوفياً الشكل الصحيح ولو خالف البنيان المتواضع عليه في قانون الدولة المطلوب إليها التنفيذ، فقد خلص الحكم إلى إجابة المطعون ضدها إلى طلبها وضع الصيغة التنفيذية على حكم التحكيم الأجنبي المتقدم ذكره، إذ كان ذلك وكان ما قرره الحكم وأقام عليه قضاءه صحيحاً لا مخالفة فيه للقانون ويؤدي إلى ما انتهى إليه ويتضمن الرد على دفاع الطاعنة، فإن ما أثارته بهذه الأسباب يكون لا أساس له. وحيث إنه لما تقدم يتعين رفض الطعن". (طعن بالتمييز رقم (166/87) تجاري جلسة 2/8/ 1988).
وفي حكم آخر بالمعنى ذاته وبعبارات أكثر دلالة على أن حكم التحكيم الأجنبي لا يجوز إبطاله، إلا في البلد الذي صدر فيه حكم التحكيم. حيث تقول المحكمة في ذلك:
"إذا قدم طالب تنفيذ حكم التحكيم الأجنبي المستندات المنصوص عليها في المادة الرابعة المتقدم ذكرها، فإنه تقوم لصالحه قرينة قانونية قابلة لإثبات العكس على صحة حكم التحكيم من حيث تشكيل الهيئة التي أصدرته وكونه متفقاً وإرادة الأطراف والأحكام القانونية المكملة والمفسرة لهذه الإرادة في قانون البلد الذي تم فيه التحكيم وصحة الإجراءات التي اتبعت في التحكيم، وأن النزاع الذي فصل فيه الحكم وارد في مشارطة التحكيم، وأن الحكم لم يتجاوز حدود هذه المشارطة وأنه ملزم لأطرافه، وعلى الخصم الذي يحتج عليه بهذا الحكم إن أراد توقي تنفيذه عليه أن يقدم الدليل الذي يدحض هذه القرينة فعليه في خصوص تشكيل هيئة التحكيم أن يثبت أن هذا التشكيل لم تقتصر مخالفته على نص مشارطة التحكيم فحسب، وإنما امتدت هذه المخالفة إلى الأحكام القانونية المكملة والمفسرة لإرادة المتعاقدين في قانون البلد الذي تم فيه التحكيم بحدود مشارطة التحكيم، أن يقدم ما يثبت أن الحكم قد خرج عنها وفصل في نزاع لم يرد فيها، كما أن عليه في خصوص إلزام الحكم للخصوم وقابليته للتنفيذ أن يقدم ما يثبت أنه لم يصبح ملزما لهم أو أن السلطة المختصة في البلد الذي صدر فيها قد ألغته أو أوقفته، ذلك من واقع النصوص القانونية في البلد الذي تم فيه التحكيم والأحكام والأوامر التي صدرت في هذا الشأن. لما كان ذلك وكانت دعوى البطلان المقررة في المادة (186) من قانون المرافعات مقصورة على الطعن بالبطلان في أحكام المحكمين الوطنيين ولا شأن لها بأحكام المحكمين الأجنبية، وكان يبين من الحكم المطعون فيه أنه بعد أن عرض للنصوص سالفة الذكر من الاتفاقية المشار إليها - أقام قضاءها بتأييد الحكم المستأنف على أن المطعون ضدها أيدت دعواها بأصول وترجمات حكم التحكيم ورسالتي التلكس المتبادلتين بتاريخ 11/6/87 بين وكيلها ووكيل الطاعنة، وأن هاتين الرسالتين تضمنتا الاتفاق على جميع المسائل الجوهرية للتعاقد وتطابق بموجبها القبول مع الإيجاب بالنسبة الى تلك المسائل مع الإحالة إلى لائحة بلتيم النموذجية التي تضمنت شرط التحكيم، مما يكون معه التحكيم قد تم الاتفاق عليه بين الطرفين بموجب بند التحكيم بلائحة بلتيم النموذجية، وذلك وفقا لنص المادة الثانية من الاتفاقية الخاصة بالاعتراف وتنفيذ أحكام المحكمين الأجنبية المحررة في نيويورك بتاريخ 10/6/1958 التي انضمت إليها المملكة المتحدة ووافقت دولة الكويت على الانضمام إليها بالمرسوم بقانون رقم 10/ 78، ويضحي معه الادعاء بانتفاء التعاقد وانتفاء الاتفاق على التحكيم وعدم إثبات الاتفاق عليه كتابة وعدم الاتفاق على تطبيق القانون الإنجليزي على غير أساس، كما و أقام قضاءه كذلك على أن ما أثارته في دفاعها لا يحول دون الاعتراف بحكم المحكم الأجنبي محل النزاع لعدم توافر ما يوجب رفض الاعتراف والتنبيه بما هو منصوص عليه في المادة الخامسة من اتفاقية نيويورك أو ما هو منصوص عليه بالمادة (199) من قانون المرافعات، وعلى أن الذي يملك إلغاء حكم المحكم الأجنبي أو وقفه أو القضاء بأنه لم يصبح ملزماً للخصوم، هو السلطة المختصة في البلد التي فيها أو بموجب قانونها صدر الحكم وأن السلطة المختصة المطروح أمامها الحكم لا تملك وقفه، إلا إذا كان قد طلب إلغاؤه أو وقفه أمام السلطة المختصة الأولى سالفة الذكر مما لا محل معه للادعاء ببطلان حكم المحكم الأجنبي محل النزاع أو خروج المحكم عن حدود اختصاصه". أنظر الطعن رقم (80/97) تجاري جلسة 10/5/1998.
(5) التمثيل القانوني السليم في التحكيم:
إن من ضمن اشتراطات المادة 5 من اتفاقية نيويورك التي تحكم تنفيذ هذا الحكم، لعدم الاعتراف بالحكم، أن يكون المطلوب ضده لم يعلن إعلاناً صحيحاً وفقاً للقانون الذي أخضعه له الأطراف أو عند عدم النص على ذلك طبقاً لقانون البلد الذي صدر فيه الحكم، وأن تشكيل هيئة التحكيم أو إجراءات التحكيم مخالف لما اتفق عليه الأطراف أو لقانون البلد الذي تم فيه التحكيم في حالة عدم الاتفاق.
فوفقاً لما استقرت عليه محكمة التمييز من أحكام، فإن التذرع ببطلان تشكيل هيئة التحكيم لعدم حصول من وقع مشارطة التحكيم على توكيل رسمي من الشركة المدعى عليها أو لبطلان الإعلان من الدفوع الشكلية التي يسقط الحق بإثارتها، إذا لم يتم الدفع بها ابتداء. وتبريراً لذلك تقول محكمة التمييز:
"إن من المقرر في قضاء محكمة التمييز - أنه ولئن كانت هناك أوجه تشابه بين التحكيم وبين القضاء من حيث الوظيفة التي نيطت بكل منهما، وهي الفصل في المنازعات بأحكام قوة الإلزام بما يبرر ما اتجه إليه الرأي من خضوع المحكم للقواعد المقررة في قانون المرافعات بشأن صلاحية القضاة وردهم، إلا أنه لا مراء في أن بين التحكيم والقضاء فوارق أساسية مستمدة من طبيعة كل منهما، إذ بينما يقوم التحكيم على أساس اختيار شخص المحكم والثقة فيه من جانب الخصوم أو أحدهم والنأي عن المغالاة في التمسك بالمظاهر والشكليات يقوم القضاء على أساس الالتجاء إلى محاكم مشكلة من قضاة لا دخل للخصوم في اختيارهم تتوافر فيهم مظاهر الحيدة وعدم الارتباط بأحد الخصوم بأي رباط قد يؤثر في المظهر، وهو ما توخاه المشرع من وضع نظام عدم صلاحية القاضي بنظم اختيار المحكم قيام سبب من أسباب عدم الصلاحية المنصوص عليها في المادة (102) من قانون المرافعات أو أن يكون قد عينه شخص غير مخول بتعيينه، طالما أنه ارتضى تمثيله كعضو في هيئة التحكيم، وما دام أن هذا السبب كان معلوماً للخصم وقت اختياره، إذ أن علم الخصم بعدم صلاحية المحكم وعدم رده وبعدم تمسكه بصحة تمثيله قبل إبداء أي دفع أو دفاع في موضوع طلب التحكيم يسقط حقه في التمسك بهذا العيب، وترتيباً على ذلك لا يقع باطلاً قضاء المحكم في هذه الحالة، إذ لا يعتبر البطلان فيها متعلقاً بالنظام العام خلافاً لقضاء القاضي غير الصالح لنظر الدعوى والمنصوص عليه في المادة 103 من قانون المرافعات، وأن من المقرر في قضاء هذه المحكمة أيضاً أن مفاد المادة (5/173) من قانون المرافعات أن المشرع رأى في التجاء الخصم إلى القضاء في مسألة اتفق على التحكيم في شأنها ما يعتبر مخالفة لقواعد الاختصاص الوظيفي إلى اعتبار الاختصاص في هذا المنحى غير متعلق بالنظام العام نظراً الى طبيعة الاتفاقية التي يتسم بها التحكيم وتتخذ قواماً لوجوده، وأنه يترتب على هذا الدفع بعدم الاختصاص غير المتعلق بالنظام العام سقوط الحق فيه إذا ما أثير متأخراً بعد التكلم في الموضوع، إذ يعتبر السكوت عن إبدائه نزولا ضمنياً عن التمسك به وهو ما يسري من باب أولى على الدفع بعدم اختصاص هيئة التحكيم بنظر المنازعة لعدم وجود شرط التحكيم أو بطلانه، وأن التكلم في الموضوع المسقط لهذا الدفع، إنما يكون بإبداء أي طلب أو دفاع في الدعوى يمس موضوعها أو مسألة فرعية فيها ينطوي على التمسك بصحتها سواء أبدي شفاهة أو كتابة".
"الطعن رقم 1330 لسنة 2006- تجاري جلسة 24/6/2008- مجموعة القواعد القانونية- القسم الثاني - المجلد الأول – ص 313 – بند 17".