التنفيذ / اجراءات تنفيذ أحكام التحكيم الأجنبية / المجلات العلمية / مجلة التحكيم العالمية العدد 20 / تنفيذ الأحكام التحكيمية الأجنبية في دولة الامارات العربية المتحدة اجراءات التنفيذ في محاكم مركز دبي المالي العالمي
يعود الهدف من وراء تأسيس مركز دبي المالي العالمي “)المركز (“ الى الرغبة في تكوين منصة لعالم المال والأعمال قادرة على جذب رؤوس الأموال والاستثمارات الأجنبية الى امارة دبي، ومنها تمكين الشركات العاملة في المركز من الدخول الى الأسواق المالية في المنطقة، وخصوصاً دول مجلس التعاون الخليجي.
من أجل تحقيق هذا الهدف، استثني المركز من تطبيق القوانين الاتحادية المدنية والتجارية السارية المفعول في دولة الامارات ، وخول صلاحية استثنائية لإستصدار القوانين الخاصة به، والتي تخضع لها الشركات العاملة فيه والأنشطة الجارية في نطاقه. وبغية تفعيل عمل المركز وزيادة الثقة به، خصصت لهذا الأخير منظومة كاملة لحل النزاعات الناجمة عن الأنشطة السارية في نطاقه، اذ أفردت له محاكم خاصة به تطبق القوانين الصادرة عن المركز وتعتمد نظاماً للمحاكمة وفقاً للقواعد الأنكلوساكسونية. ولا يكتمل نظام حل النزاعات بدون تخويل أطراف النزاع حرية اللجوء الى التحكيم، اذ صدر في العام 2008 قانون التحكيم رقم (1) الخاص بالمركز يهدف الى تسهيل اجراءات التحكيم وجذب المستثمرين اليه. وعلق يومها على القانون الجديد حاكم المركز الدكتور عمر بن سليمان قائلاً "أن المركز هو أحد دعامات النمو الاقتصادي في المنطقة، وسيؤمن القانون (أي قانون التحكيم) الى الشركات في المنطقة نظاماً سريعاً لحل النزاعات، موفراً الوقت والمال وبديلا من نظام المحاكم.
التحكيم في المركز:
ينص قانون التحكيم على القواعد المتعلقة بالإتفاق على التحكيم وتشكيل واختصاص المحكمة التحكيمية، اصدار الحكم التحكيمي، مراجعة الإبطال ضده والإعتراف به وتنفيذه. وحددت المادة (7) منه نطاق تطبيق القانون عبر حصره فقط بالتحكيم الذي يتخذ من مركز دبي المالي العالمي مركزاً له، دون التحكيم الذي يكون مركزه في امارة دبي أو خارج دولة الامارات.
لا شك في أن تنفيذ محاكم الدول الحكم التحكيمي هو أحد أركان التحكيم الدولي والسبب الرئيسي في كونه الوسيلة المفضلة لحل النزاعات لدى المستثمرين. وتسعى الدول دوماً الى تطوير قواعد التحكيم لديها وابراز نفسها كمركز قانوني محايد وداعم للتحكيم، وذلك كوسيلة من وسائل جذب الإستثمارات الأجنبية اليها. وتلعب محاكم المركز دوراً بارزاً في تنفيذ الأحكام التحكيمية الصادرة في المركز، اذ يفضل هذا الأخير في معظم الأحيان على اجراءات التنفيذ أمام محاكم دولة الامارات التي تتسم بالتعقيد والبطء، فضلاً عن اعتمادها قانوناً للتحكيم لم يعد متماشياً مع آخر التطورات في عالم المال والأعمال، بالإضافة الى تناقضه الفادح في بعض مواده مع اتفاقية نيويورك لعام 1958 حول الإعتراف وتنفيذ الأحكام التحكيمية الأجنبية. أما بالنسبة الى التحكيم الأجنبي، وبالرغم من أن قواعد التحكيم في المركز تنحصر فقط بالتحكيمات التي تتخذ منه مركزاً لها، الا أن لا شيء يحول مبدئياً دون تنفيذ الحكم التحكيمي الأجنبي في المركز وحصوله على الصيغة التنفيذية من قبل محاكم المركز نفسه يمكن الإعتداد بها أمام محاكم دولة الامارات دون الحاجة للجوء الى الإجراءات البطيئة والمعقدة لدى هذه المحاكم الأخيرة.
ونستعرض فيما يلي الأسباب التي تجعل من المركز الوسيلة الفضلى لتنفيذ هذه الأحكام عبر عرض الأحكام الأخيرة لمحاكم دولة الامارات في اجراءات تنفيذ الأحكام التحكيمية الأجنبية ، قبل تفصيل امكانية اللجوء الى محاكم المركز لتنفيذ هذه الأحكام.
1-تنفيذ الأحكام التحكيمية الأجنبية في محاكم دولة الامارات:
قبل التصديق على اتفاقية نيويورك لعام 1958 (الاتفاقية ) ودخولها حيز التنفيذ في عام 2006، أصدرت محاكم دولة الامارات أحكاماً متناقضة في مضمونها في ما يتعلق بتطبيق المعاهدات الدولية على اجراءات تنفيذ الأحكام التحكيمية الأجنبية. ففي حين أصدرت محاكم امارة دبي أحكاماً تحيل بموجبها الى تطبيق المعاهدات الدولية المصادق عليها من قبل دولة الامارات، أصرت محاكم امارة أبو ظبي على تطبيق القواعد المتعلقة بإجراءات الإعتراف والتنفيذ المنصوص عليها في قانون الاجراءات المدنية. ولم تقصر محاكم الدولة في ابطال الأحكام التحكيمية لأسباب تتعلق مثلاً بالإصدار المعيب للأحكام التحكيمية في مركز التحكيم، تناقض الحكم التحكيمي الأجنبي مع حكم سابق صادر عن محاكم الدولة أو مخالفته النظام العام والآداب العامة في دولة الامارات. ونذكر على سبيل المثال الحكم الصادر في قضية "بيشتيل" عن محكمة التمييز في دبي أبطلت بموجبه الحكم التحكيمي لمخالفة المحكمين الإجراءات المتبعة لحلف اليمين والملزمة لسماع الشهود وفقاً لقانون الإجراءات المدنية .
على أثر دخول اتفاقية نيويورك حيز التنفيذ في نوفمبر 2006، اتخذت محاكم دولة الامارات منحى جديداً متآلفاً بعض الشيء مع روحية الاتفاقية ومع النمط المتبع في الدول الرائدة في التحكيم الدولي في ما خص تنفيذ الأحكام الأجنبية، علماً أن قانون الإجراءات المدنية المعمول به حالياً يتعارض في معظم بنوده المتعلقة بتنفيذ الأحكام التحكيمية مع قواعد الإتفاقية. وفي أول حكم يحيل صراحة الى اتفاقية نيويورك، قضت محكمة الدرجة الأولى في الفجيرة في اجراءات لتنفيذ حكم تحكيمي أجنبي صادر عن محكم فرد وفقا لقواعد تحكيم جمعية لندن البحرية للتحكيم بإعطاء الصيغة التنفيذية للحكم، وذلك بعد اعتبارها أن الحكم التحكيمي صادر وفقاً لقواعد القانون الانكليزي محيلة بذلك الى قواعد اتفاقية نيويورك، بدلا من المادة 235 من قانون الاجراءات المدنية المتعلقة بتنفيذ الأحكام الأجنبية. كما أصدرت محكمة التمييز في دبي حكماً حديثاً في 18 أكتوبر 2012 في قضية "ماكستيل" قضت فيه بالتصديق على حكم مركز دبي المالي العالمي الصادر عن محكم فرد في لندن، معتبرة أن قواعد اتفاقية نيويورك أصبحت جزءاً من القانون الداخلي لدولة الامارات وفقاً لأحكام المادة 238 من قانون الإجراءات المدنية، فيكون على المحكمة بالتالي أن تطبق هذه القواعد على اجراءات التصديق على الحكم التحكيمي الأجنبي. وأضافت أن طالب الإبطال لم يقيم الدليل على توافر أي من الحالات المنصوص عليها في المادة V من الاتفاقية لرفض تنفيذ الحكم التحكيمي الأجنبي.
بالرغم من أن هذه الأحكام الأخيرة لها الدلالة الواضحة على تقيد محاكم دولة الامارات بقواعد الاعتراف والتنفيذ المنصوص عليها في الاتفاقية، الا أن هذا التطبيق لا يزال يصطدم بالعديد من العوائق فهو ليس متجانسا بعد على صعيد محاكم الامارات جميعها، كما أن نظام القانون المدني في دولة الامارات لا يضفي على الأحكام الصادرة عن محاكم الدولة أي طابع ملزم يوجب اعتماد منطوقها في القضايا الأخرى. من العوائق التي لا تزال تشكل سيفاً مسلطاً على اجراءات الاعتراف والتنفيذ هي قاعدة النظام العام المنصوص عليها في المادة 3 من قانون المعاملات المدنية التي تلجأ اليها محاكم الدولة لرفض تنفيذ الأحكام التحكيمية، وذلك عبر اعتماد تفسير واسع لهذه القاعدة وتطبيق غير متناسق لها، واحجام محاكم الدولة عن شرح كيفية اللجوء اليها والحالات التي تستدعي تطبيقها.
ازاء الشك الذي لا يزال يعتري موقف محاكم الدولة من الاعتراف وتنفيذ الأحكام التحكيمية الأجنبية، هناك خيار ثان لم يتم اختباره بعد لتنفيذ هذه الأحكام في دولة الامارات دون اللجوء الى محاكم هذه الدولة، وذلك عبر محاكم مركز دبي المالي العالمي.
2- تنفيذ الأحكام كما أوردنا سابقاً، للمركز محاكم ذات اختصاص للنظر في النزاعات وفقاً لأحكام القانون رقم 2004/12 بشأن السلطة القضائية في المركز. ووردت الأحكام المتعلقة بتنفيذ الأحكام التحكيمية في المادة 7 من هذا القانون، التي اقتصرت فقط على تنفيذ الأحكام الداخلية منها دون أي ذكر للأحكام التحكيمية الأجنبية. التحكيمية الأجنبية في محاكم المركز:
فبقي تنفيذ هذه الأحكام التي لها مركز خارج دولة الامارات عبر محاكم المركز أمراً غير ممكن، لحين صدر القانون رقم 2011/16 الذي وسع اختصاص محاكم المركز، اذ جاء في النسخة المعدلة للمادة السابعة منه ما يلي: "تنفذ الأحكام والقرارات والأوامر والقرارات التحكيمية المصادق عليها الصادرة خارج المركز من غير محاكم دبي داخل المركز بالطرق المقررة في لوائح المحاكم"18. فالحكم التحكيمي الأجنبي المعترف به من قبل محاكم الدولة التي صدر فيها، أو من قبل اية محكمة أخرى من غير محاكم دولة الامارات، يمكن المصادقة عليه وتنفيذه في محاكم المركز. كما نصت المادة 5(أ)(1)(هـ) من نفس القانون رقم 2011/16 بشأن تعديل بعض أحكام القانون رقم 2004/12 والمتعلقة بالإختصاص القضائي للمحكمة الإبتدائية للمركز على أن "تختص هذه المحكمة دون غيرها بالنظر والفصل في أي طلب أو دعوى تكون للمحاكم صلاحية النظر فيها بموجب قوانين المركز وأنظمة المركز.
وتدعيماً لهذا الرأي، فإن المواد 43.60 الى 43.70 من قواعد محاكم المركز المتعلقة بالإعتراف وتنفيذ الأحكام التحكيمية الأجنبية تطبق على اجراءات تنفيذ هذه الأحكام "أياً كان مركزها". مما يعطي محاكم المركز صلاحية النظر في إجراءات الاعتراف بالأحكام التحكيمية الأجنبية أياً كان مركز التحكيم. كما نصت المادة 24(2) من قانون محاكم المركز المتعلقة بالتصديق على الأحكام أنه "على محكمة الدرجة الأولى في المركز التقيد بأحكام المعاهدات حول تنفيذ الأحكام، والقرارات والأحكام التحكيمية التي صادقت عليها دولة الامارات.
وعليه، يتبين أن لمحاكم المركز اختصاص مؤكد للنظر في طلبات الاعتراف بالأحكام التحكيمية الأجنبية الصادرة خارج دولة الامارات العربية المتحدة، وعلى هذه المحاكم أن تطبق قواعد اتفاقية نيويورك عند نظرها في هذه الإجراءات كون دولة الامارات هي دولة عضو في الاتفاقية. والجدير بالذكر هنا أن هذه الإتفاقية لم تتضمن أي شرط لإختصاص محاكم الدولة للنظر في إجراءات الإعتراف وتنفيذ الأحكام التحكيمية الأجنبية، سوى شرط العضوية. كما ان هذا الإختصاص غير مشروط بما اذا كان للمدين في الحكم التحكيمي أية أصول في المركز يقتضي التنفيذ عليها.
نظراً لكون محاكم المركز تتبع التوجه المعتمد لدى المحاكم الإنكليزية لتنفيذ الأحكام التحكيمية الأجنبية، ونظراً لكون هذه المحاكم الأخيرة أكثر ميولاً لإحترام الأحكام التحكيمية الأجنبية وتطبيق روحية اتفاقية نيويورك، يمكن اعتبار أن اجراءات الاعتراف بالأحكام التحكيمية الأجنبية في محاكم المركز هي أجراءات شكلية بحتة لا تتضمن الصعوبات التي تعتري تنفيذ هذه الأحكام أمام محاكم الدولة، على ضوء ما أتينا على تفصيله في ما سبق.
فور صدور الحكم عن محاكم المركز بالإعتراف بالحكم التحكيمي الأجنبي، يمكن تنفيذ هذا الحكم في محاكم امارة دبي دون أن تنظر هذه الأخيرة مجددا في القضية أمامها وفي ماهية وأسباب الحكم المطلوب تنفيذه، وذلك وفقاً للبروتوكول الموقع بين محاكم المركز ومحاكم دبي حول تنفيذ الأحكام والقرارات والأحكام التحكيمية. فتنحصر مهمة محاكم امارة دبي في هذه الحالة بإعطاء الصيغة التنفيذية للحكم التحكيمي دون أن تنظر في أسباب الدفاع التي تمنع الإعتراف بهذه الأحكام المنصوص عليها في المادة 235 من قانون الاجراءات المدنية، وذلك بعد أن تتأكد المحكمة من توافر الشروط التالية: (1) أن الحكم المطلوب تنفيذه هو نهائي وقابل للتنفيذ، (2) أن يكون مترجما الى اللغة العربية، (3) أن يحمل ختم محاكم المركز، (4) أن يرفق برسالة موجهة الى رئيس محكمة الدرجة الأولى في دبي تحدد الرسم الذي يتوجب تسديده الى محاكم دبي .
اضافة الى ذلك، يمكن تنفيذ القرار الصادر عن محاكم دبي في سائر الامارات الأخرى، عملاً بالمادة 11 من القانون الفدرالي رقم 1973/11 حول التعاون القضائي بين مختلف الإمارات في الدولة. الأمر الذي يضفي على أحكام محاكم المركز صفة الأحكام الوطنية القابلة للتنفيذ في امارات الدولة السبع.
بالرغم من ان اجراءات تنفيذ الأحكام التحكيمية الأجنبية في محاكم المركز لم يتم اختبارها بعد عملياً، الا أن هذه الاجراءات تشكل وسيلة بديلة فعالة لتنفيذ الأحكام التحكيمية الأجنبية في دولة الامارات في الوقت الذي لا يزال الشك يحوم حول موقف محاكم هذه الأخيرة من تطبيق اتفاقية نيويورك ونتائج اجراءات الاعتراف وتنفيذ الأحكام التحكيمية الأجنبية لديها.