ويتضح أن معاهدة نيويورك للاعتراف بأحكام المحكمين أو تنفيذها تسري في حالتين:
الحالة الأولى: إذا كان حكم المحكمين المراد الاعتراف به أو تنفيذه قد صدر في إقليم دولة أخرى ويراد الاعتراف به أو تنفيذه في إقليم دولة أخرى.
ويظهر من هذه الحالة الأولى أن المعاهدة قد اتخذت معياراً إقليمياً territorial من أجل تحديد الصفة الأجنبية لحكم المحكمين المراد الاعتراف به وتنفيذه وهي في هذا الشأن تتفق مع القانون المصري الذي نص في المادة ٢٩٩ من قانون المرافعات على أنه:" تسري القواعد المتعلقة بتنفيذ الأحكام على أحكام المحكمين الصادرة في بلد أجنبي".
ومن ثم فإن أحكام المعاهدة تنطبق إذا توافر المعيار السابق بأن كان حكم المحكمين قد صدر في دولة أخرى غير التي يراد الاعتراف أو تنفيذ الحكم الأجنبي على إقليمها ويستوي في هذا الشأن أن يكون حكم المحكمين قد صدر من محكمين معينين للفصل في حالات محددة أي تحكيم ad hoc أو صدر من هيئات تحكيم دائمة يحتكم إليها الأطراف arbitrage institutionnel وهو الأمر الذي حرصت على تأكيده المادة الثانية من اتفاقية نيويورك. كذلك يستوي أن يكون حكم المحكمين المراد الاعتراف به أو تنفيذه قد صدر في إقليم دولة متعاقدة أو في اقليم دولة غير متعاقدة، إلا إذا استخدمت الدولة المطلوب إليها الاعتراف الحق المنصوص عليه في المادة الثالثة، فإنه في هذه الحالة لا يحوز طلب الاعتراف أو تنفيذ أحكام التحكيم الأجنبية الصادرة في إقليم دولة غير متعاقدة.
كما تسري المعاهدة كأصل عام على أحكام المحكمين التي تكون صادرة في منازعات بين أشخاص طبيعية أو معنوية، أياً كانت طبيعة المسائل التي نشأت هذه المنازعات بسببها، وسواء كانت هذه المسائل ذات طبيعة مدنية أو تجارية. ومع ذلك فإنه يجوز للدولة المتعاقدة أن تقصر تطبيق القواعد الواردة في الاتفاقية على المنازعات الناشئة عن روابط القانون التعاقدية أو غير التعاقدية التي تعتبر تجارية وفقاً لقانونها الوطني.
وغلى جانب المعيار الإقليمي الذي يحدد الصفة الأجنبية لحكم المحكمين المراد به أو تنفيذه فإن المعاهدة تنطبق في حالة ثانية بناءً على معيار آخر.
الحالة الثانية: سريان أحكام معاهدة نيويورك على حكم المحكمين غير الوطني بالنسبة للدولة المطلوب إليها الاعتراف به أو تنفيذه
نصت المادة الثانية من اتفاقية نيويورك على أنها:" تطبق على أحكام المحكمين التي لا تعتبر وطنية في الدولة المطلوب إليها الاعتراف أو تنفيذ هذه الأحكام ".
واستناد المعاهدة إلى هذا المعيار السلبي، وإن كان يعطي لكل دولة أن تحدد وفقاً لقواعد القانون الدولي الخاص السائدة فيها، متى يعد حكم المحكمين أجنبياً بالنسبة لها، فإنه يطرح التساؤل التالي: ما هي المعايير التي وفقاً لها يعد حكم المحكمين حكماً أجنبياً؟ من المسلم به أن حكم المحكمين يعد أجنبياً إذا كان قد صدر في إقليم دولة أخرى غير الدولة المطلوب إليها الاعتراف أو تنفيذه. وأياً ما كانت الانتقادات التي توجه إلى مكان صدور التحكيم، كمعيار لتحديد الصفة الأجنبية لحكم المحكمين، ومن ضرورة اقتران هذا المعيار بمعيار الخر، فإن الحقيقة التي لا تقبل الجدل هي أن معاهدة نيويورك قد تبنت هذا المعيار، وبناء على ذلك فإن حكم المحكمين الصادر غير تلك المطلوب إليها الاعتراف به أو تنفيذه، يعد حكمًا أجنبيًا بالنسبة لهذه الأخيرة. وهذا الفرض يدخل دون خلاف في إطار الحالة الأولى التي عالجناها، ومن ثم فلا بد من استبعاد المعيار المكاني الذي يدخل في إطار هذه الحالة حيث إنه لا فائدة له يعدد الحالة الثانية التي نعالجها. ولذا فإذا كانت هناك فائدة عملية من تخصيص حالة ثانية لإعمال معاهدة نيويورك، فإنها تقتضي بالضرورة التوسع من مفهوم أحكام المحكمين التي تعد غير وطنية وذلك باللجوء إلى معايير تحقق هذا الهدف وتحقيقاً لهذا الاعتبار فإن أحكام المحكمين تعد غير وطنية، إذا كانت إرادة الأطراف قد حددت قانوناً أجنبياً لينطبق على إجراءات التحكيم أو لينطبق على التحكيم ذاته وبصفة عامة يمكن القول بأنه تعد أحكاماً غير وطنية، أحكام المحكمين التي تصدر بصدد منازعة تتصل بمعاملة دولية ولو كان انعقاد جلسات التحكيم قد تم في إقليم الدولة المطلوب إليها الاعتراف أو تنفيذه أو كانت أحكام المحكمين قد صدرت فيها.