تعد قرارات التحكيم الصادرة خارج العراق وخارج دول الجامعة العربية بمثابة أحكام تحكيم أجنبية، لا يوجد نص قانوني يسمح بتنفيذها في العراق، فقانون تنفيذ الأحكام الأجنبية رقم (۳۰) لسنة ،۱۹۲۸ ، لا تسري أحكامه على ما يصدر من هيئات تحكيم خارج العراق، فهذه القرارات لا تشكل قيمة قانونية ما لم تصادق عليها المحكمة المختصة.
أما لتنفيذ أحكام التحكيم على وفق الاتفاقيات، فكما بينا أن العراق لم ينضم إلى اتفاقية نيويورك لتنفيذ أحكام التحكيم لسنة ۱۹۵۸، حتى مارس ۲۰۲۱، مع ابداء التحفظات التي تجعل سريانها على الاحكام الصادرة بعد تاريخ نفادها . وأن الاتفاقية الوحيدة التي انضم اليها العراق هي اتفاقية تسوية نزاعات الاستثمار بين الدول ومواطني دول أخرى لسنة ۱۹٦٥ ، فالأحكام الصادرة بعد تاريخ انضمام العراق اليها في ۲۹ / تموز / ۲۰۱۳ ، الصادرة في أمور الاستثمار، والجارية على وفق أحكامها، تكون ملزمة ولا تخضع لأي التماس أو مراجعة عدا ما بيناه سابقاً (۱) ، فهذه الأحكام قابلة للتنفيذ في العراق على وفق القانون العراقي، وهنا هو قانون تنفيذ الأحكام الأجنبية رقم (۳۰) لسنة ۱۹۲۸ . وقد جاء في المادة (۲۷) من الاتفاقية ما نصه: ۱- لا توفر أية دولة متعاقدة حماية ديبلوماسية أو تجلب ادعاء دوليا لما يتعلق بنزاع ما لكون إحدى مواطنيها أو دولة متعاقدة أخرى قد قدم موافقته لتقديم أو كان قد قدم النزاع إلى التحكيم تحت هذه الاتفاقية، إلا إذا كانت دولة متعاقدة أخرى قد فشلت في الالتزام بالحكم المقدم في مثل هذا النزاع»، ومن خلال قراءة للنص آنفا، يتبين، أن ظاهره يشير إلى جانب سلبي، وهو امتناع الدولة التي يحمل المستثمر جنسيتها ، تقديم الحماية الدبلوماسية له، أما الجانب الآخر فيعني أن تلك الدولة ستقدم الحماية الدبلوماسية إذا ما فشلت الدولة المتعاقدة في تنفيذ الحكم التـ حكيمي، وهذا يعني إمكانية انجرار الأمور إلى أبعد من ذلك، وفي هذا تكمن الخطورة، إذ أن النص لم يفرق بين الامتناع الارادي عن تنفيذ الحكم، وبين الامتناع عن التنفيذ الناشئ عن قرار يتخذه القضاء وفقاً للقانون. أما بالنسبة للاتفاقيات الثنائية، فقد صادق العراق على معاهدة التعاون القضائي والقانوني، مع الاتحاد السوفيتي ، وبموجب المادة (١٦) من الاتفاقية، فأن أحكام المحكمين قابلة للتنفيذ على وفق أحكام المادتين (١٥ و ١٦)، وبموجبها لا يجوز البحث في موضوع الدعوى التحكيمية إلا في الحالات المنصوص عليها في المادة المذكورة، والسؤال المطروح ، هل أن أحكام هذه الاتفاقية نافذة في الوقت الحاضر، بعد زوال الاتحاد السوفيتي من الخارطة السياسية؟، لو رجعنا إلى قواعد التوارث المتعارف عليها في القانون الدولي، فأن روسيا هي الوارث للاتحاد السوفيتي، وبالتالي فهي ملزمة بأحكام هذه الاتفاقية، إلا أنه في القواعد العرفية الدولية، وكون الدولة لا تلزم بشيء دون إرادتها، فأن هذه الاتفاقية، تعد بحكم المنتهية، ما لم تعلن روسيا التزامها بهذه الاتفاقية . ولنا في موقفي كل من التشيك والسلوفاك من الاتفاقيات الدولية، بعد تقسيم تشيكوسلوفاكيا على دولتين السند فيما تقدم.
في قانون التحكيم المصري يجوز تقديم طلب إصدار الأمر بتنفيذ حكم التحكيم بمجرد صدوره، طبقاً لنص المادة (١/٥٨) من القانون الآنف، إلا أن الأمر بالتنفيذ لا يصدر ، حتى صدور الحكم الفاصل في موضوع دعوى البطلان التي يتوجب رفعها خلال مدة تسعين يوماً التالية لتاريخ إعلان حكم التحكيم للمحكوم عليه ، ويُقدِّم طلب إصدار أمر بالتنفيذ إلى المحكمة المختصة بنظر النزاع إن كان التحكيم وطنياً، أما إذا كان التحكيم تجارياً دولياً فإن محكمة استئناف القاهرة هي المختصة بذلك سواء أصدر الحكم داخل أم خارجها، ما لم يتفق الطرفان على تحديد محكمة استئناف أخرى في مصر وبعد إجراء المحكمة للتحقيقات تصدر أمراً أما بقبول طلب إصدار الأمر بالتنفيذ أو رفضه، ويكون أمر الرفض، قابلا للتظلم منه أمام المحكمة التي أصدرته ، أي أن المشرع المصري، عند تشريعه للقانون، لم يعط حقا للخصم الذي صدر ضده أمر بالتنفيذ في التظلم، ولحصول الطعن بعدم دستورية النص المذكور، فقد ألغت المحكمة الدستورية هذا النص ، وبذا كل ما تصدره المحكمة من قرار بشأن طلب تنفيذ الحكم الـ تحكيمي، يكون قابلا للطعن فيه أمام محكمة الاستئناف المختصة، وينعقد الاختصاص لرئيس محكمة الاستئناف بطلب أمر على عريضة، على وفق الحكم الوارد في المادة (٥٨) من قانون التحكيم المصري وليست على وفق أحكام قانون المرافعات المدنية والتجارية المصري، كون الأول هو الأيسر .
وعلى وفق حكم المادة الرابعة من الاتفاقية فأن من يريد تنفيذ حكم تحكيمي في مصر ، أن يتقدم بطلب إلى محكمة استئناف القاهرة مالم يتفق الطرفان على تحديد محكمة أخرى مرفقا بالوثائق المشار اليها سابقاً، مع اختلاف بسيط في الصياغة بين نص المادة الرابعة من الاتفاقية والمادة (٥٦) من قانون التحكيم المصري. وللطرف المحكوم ضده أن يتقدم باحتجاج عدم التنفيذ إذا تمكن من إثبات واحدة من الحالات المنصوص عليها في المادة الخامسة من الاتفاقية وهي:
أ- أنَّ أي من طرفي الاتفاق كان بموجب القانون الواجب التطبيق
الأهلية التي تؤهله إبرام الاتفاق .
ب - أنَّه لم يبلغ بتعيين المحكم ، ولا بإجراءات التحكيم، أو أنه لم يتمكن من تقديم دفوعه أمام هيئة التحكيم لأي سبب.
ت - أنَّ القرار الت حكيمي فصل في نقطة لم يتناولها اتفاق التحكيم،
دون الإخلال بتنفيذ الجزء المتفق عليه.
ث - تم تشكيل هيئة التحكيم خلافاً للاتفاق بين الطرفين.
ج- ما زال القرار لم يكتسب درجة البتات وأنه لم يكن ملزماً للطرفين، أو أنه نقض أو أوقف تنفيذه من قبل جهة مختصة في بلد إصداره، أو في البلد المراد التنفيذ فيه.
ح - إنَّه لا يمكن تسوية النزاع بين الطرفين عن طريق التحكيم على وفق قانون ذلك البلد - مصر هنا .
خ - أن القرار الصادر يتعارض مع أحكام السياسة العامة للبلد المراد
التنفيذ فيه - النظام العام في مصر -.
في فرنسا، فأن قاضي التنفيذ في المحكمة الابتدائية، التي صدر حكم التحكيم في دائرتها، يصدر الأمر بالتنفيذ بالطريقة الولائية، أي لا يحتاج الموضوع جمع الطرفين، إن كان الموضوع يتعلق بتنفيذ حكم وطني، أما إذا كان الحكم التـ حكيمي أجنبياً، فالأمر مختلف ، ويتطلب من طالب التنفيذ أن يودع الحكم المراد تنفيذه لدى المحكمة، مع نسخة من اتفاق التحكيم، وتثبت الصيغة التنفيذية على أصل الحكم ، وليس للقاضي المذكور التدخل في موضوع الحكم الت حكيمي أو مراجعته، وكل ما له هو رفض منح الصيفة التنفيذية، مبينا الأسباب، الذي يكون قابلا للطعن به بالاستئناف .
أن إقامة دعوى البطلان، أو استئناف الحكم التحكيمي، يوقف تنفيذ هذا الحكم .
إن القرار الصادر بمنح الصيغة التنفيذية، يكون قابلا للاستئناف في الحالات التي حددتها المادة (۱۵۰۲) من قانون أصول المحاكمات المدنية الفرنسي، وهي:
1- صدور الحكم الت حكيمي دون وجود عقد تحكيمي، أو عقد باطل، أو قد انتهت مدته.
2- إذا لم تراع الأحكام القانونية في تعيين هيئة التحكيم.
3- تجاوز هيئة التحكيم المهمة المكلفة بها.
4- عدم مراعاة مبدأ المواجهة بين الخصوم.
5- مخالفة الحكم الت حكيمي للنظام العام الدولي.
وحيث أن فرنسا طرف في اتفاقية نيويورك، فأن أحكام التحكيم الصادرة على وفق هذه الاتفاقية، تكون مشمولة بأحكامها ، وسبق أن بينا هذه الأحكام، ولا نرى الحاجة العودة لذلك، أما اتفاقية تسوية منازعات الاستثمار بين الدول ومواطني الدول الأخرى لعام ۱۹٦٥ ، فأن كل من مصر، وفرنسا عضوان في هذه الاتفاقية وأن أحكامها تسري على قرارات التحكيم الصادرة بموجبها.
إن بطلان حكم التحكيم في دولة المقر ، غير مانع من تنفيذ الحكم الت حكيمي في فرنسا، ويعد حكم التحكيم الصادر في قضية chromalloy بين وزارة الدفاع المصرية وشركة أمريكية لتوريد معدات وخدمات ومعونة فنية لطائرات الهليكوبتر ، ولإخلال الشركة بالتزاماتها، دفع الجهات المصرية إلى الغاء الاتفاق، مما دفع الشرطة اللجوء إلى شرط التحكيم، قررت هيئة التحكيم بالزام الطرف المصري بإدائه للشركة مبلغا يتجاوز سبعة عشر مليون دولار، طعن الجانب المصري بالقرار بطريق البطلان، أصدرت محكمة استئناف القاهرة قرارا يقضي: بإبطال حكم التحكيم قامت الشركة بتنفيذ الحكم أمام القضاء الفرنسي. دفع الجانب المصري بصدور قرار بإبطال الحكم، لم يلتفت لذلك، وقرر قاضي محكمة باريس الجزئية قبول التنفيذ، طعن بالقرار أمام محكمة استئناف باريس، التي أيدت قرار المحكمة الجزئية واعترفت بحكم التحكيم المبطل بتبرير : «أن القاضي الفرنسي لا يمكنه رفض إصدار أمر بالتنفيذ (۱۵۰۲) (الملغاة) من قانون أصول المحاكمات المدنية الفرنسي، كما أن الشركة على الرغم من صدور قرار بتنفيذ حكم التحكيم المبطل، بادرت لتنفيذ الحكم أمام المحاكم الامريكية - كولومبيا - فصدر قرار بقبول التنفيذ أيضاً .